رواية القرية الفصل الرابع والعشرون 24 والأخير – بقلم اسماعيل موسى

رواية القرية – الفصل الرابع والعشرون 24 والأخير

لم يكن قصر مليكه يعرف النوم، الحجر الأسود الذى بُنيت منه الجدران كان يتنفّس توترًا، كأن القصر نفسه أدرك أن شيئًا ما يُكسر فى توازن العالم.
وقفت مليكه أمام النافذة العالية، ظهرها مستقيم، شعرها القاتم منسدل كراية حرب صامتة.
الليل أمامها لم يكن ليلًا عاديًا… كان ممتدًا، كثيفًا، يبتلع الجبال واحدة تلو الأخرى،خلفها، كانت القاعة تمتلئ ببطء.
مصاصو دماء من جهات لم تطأ أرض القصر منذ عقود.
سلالات قديمة، وجوه لم تعد تُرى إلا فى المخطوطات، عيون تعرف معنى الدم حين كان حكمًا لا خيارًا.
دخلوا واحدًا تلو الآخر،سيدات بملابس سوداء مطرزة برموز عتيقة.
محاربون بصمتٍ ثقيل، أسلحتهم لا تلمع… بل تمتص الضوء
كهنة دم، يحملون أوعية مغلقة، لا يُفتح غطاؤها إلا إذا سُمِع اسم الألفا بصوتٍ عالٍ.
لم ترحّب مليكه،لم تلتفت،وجودهم كان إجابة كافية،قالت بصوتٍ هادئ، لكنه اخترق القاعة كما يخترق الخنجر الجلد:
“الذئب الحارس خرج عن حدّه.”
تحرّك الهمس.
اسم عونى لم يُذكر، لكنه كان حاضرًا فى كل نفس.
تابعت، دون أن ترفع صوتها:
“ليس ألفا عاديًا.
هو لا يطلب الولاء…
هو ينتزعه.”
تقدّم أحد القادمين، عجوز بوجهٍ محفور بالزمن:
“سمعنا أنه هجين.”
التفتت مليكه أخيرًا،نظرتها كانت كافية ليصمت الجميع.
“نعم…
وهذا ما يجعله خطرًا.”
رفعت يدها، فأُسدلت الستائر، وانغلقت الأبواب الثقيلة دفعة واحدة،القصر أصبح عالمًا مغلقًا.
فى الأجنحة السفلية، كانت الاستعدادات تأخذ شكلًا آخر.
لم يكن صراخ ولا تهديد،بل تنظيم… بارد… محسوب.
أعيد فتح غرف الدم القديمة.
تم إيقاظ الحراس الذين لم يُستدعَوا منذ عهد الملكة الأولى،
تسللت رسائل غير مكتوبة عبر الأنفاق، لا يقرؤها إلا من يحمل الدم الصحيح، فى الساحات الداخلية،درّبت مليكه نخبتها بنفسها.
أعادت ترتيب السلالات، لا حسب العمر… بل حسب الطاعة.
كل من تردّد، أُبعد،كل من أظهر تردّدًا فى عينيه، لم يُسأل… فقط اختفى من الصف، قالت لإحدى قائداتها، بصوت منخفض:
“لن نهاجم أولًا.”
ثم أضافت، بابتسامة خفيفة لا تحمل دفئًا:
“سنتركه يعتقد أن القصر صامت.”

وفى جناحها الخاص، حيث لا يدخل أحد إلا بإذنٍ مباشر، جلست مليكه أمام المرآة،لم تكن ترى وجهها،
كانت ترى قطيعها،وترى الذئب الذى يظن نفسه سيد الجبال
همست، وكأنها تخاطب ظلًا لا يُرى:
“ألفا حارس،أم ألفا يتوهّم الحراسة؟”
ثم نهضت، وأغلقت المرآة بيدها،”ليأتِ بقوته…
سأُريه معنى أن تُقاوم حتى النهاية.
وخارج القصر،
كانت الرياح تتغير اتجاهها ببطء،كأن العالم نفسه يستعددون أن تُعلن الحرب بعد.
لم يكن القطيع الذى التفّ حول عونى يشبه أى قطيع عرفته الجبال.
لم يكونوا أبناء القصور ولا ورثة الدم النقى.
كانوا الطريدة…
مصاصى دماء شُرّدوا، لُعنوا، طُردوا من السلالات الكبرى لأن دماءهم لم تكن “نظيفة” بما يكفى، أو لأنهم رفضوا الانحناء فى الوقت الخطأ،ظهروا واحدًا تلو الآخر.
من أطراف الغابات المحترقة،من الكهوف المنسية،من مدن دفنت أسماءهم فى سجلات العار.
حين وصلوا، لم يطلبوا حماية،لم يعرضوا ولاءً،كانوا يعرفون من هو عونى، أحد أسياد مصاصى الدماء،والحارس الذى لا يعترف بالحدود،ركعوا دون أمر،لا أمام قوته فقط،بل أمام حقيقة أنه لم يطردهم يومًا.
وقف بينهم، جسده ساكن، عيناه تقرأ الوجوه كما تُقرأ الخرائط القديمة،قال بصوتٍ سمعه الجميع:
من تبعنى… لا يعود طريدة.”
ساد الصمت.
ثم ارتفع صوت واحد، خشن، صادق:
“نموت خلفك… ولا نُطارد مرة أخرى.”لم يبتسم عونى
لكنه أشار بيده،ومنذ تلك اللحظة، لم يعودوا مشردين.

جاءت فاطيما إليه عند الفجر، عباءتها تلامس الأرض، عيناها لا تزالان تحملان بقايا الرؤى.
قالت بهدوء العرافات:
“الطريق المكشوف سيأكلك،لكن تحت الجبال… هناك أنفاق.”
رفعت يدها، ورسمت بإصبعها خطًا فى الهواء، كأنها تفتح ذاكرة الأرض.
“أنفاق قديمة،حُفرت قبل أن تولد مليكه،لا تعرفها حراساتها الجديدة،ولا تسمعها جدران القصر.”
نظر إليها عونى طويلًا،“هل تخرجنى إلى داخل القصر؟”
هزّت رأسها.
“تُخرجك إلى حدوده،والباقى… لك.”أمر بالتحرك،دخلوا الأنفاق بلا ضجيج،لا نباح،لا صدى خطوات.
الممرات كانت ضيقة، رطبة، تتنفس تاريخًا من الدم والعظام
مصاصو الدماء الطريدة تحركوا كأنهم يعودون إلى رحمٍ يعرفهم،وعونى فى المقدمة.لم يلمس الجدران،لكنه كان يشعر بها ترتجف، كل خطوة كانت إعلانًا غير منطوق:
الحارس قادم.
حين خرجوا، لم يكن القصر أمامهم مباشرة،كان هناك الفراغ أولًا،حدود غير مرئية،هواء أثقل من المعتاد،الأرض نفسها بدت مترددة فى السماح لهم بالتقدم.
توقف عونى،رفع يده،فتوقفت كل الأنفاس خلفه،أمامهم، ارتفع قصر مليكه…
أسود، صامت، محاطًا بحراسة لا تتحرك، لكنها ترى
لم يصدر أمرًا بالهجوم،لم يرفع سلاحًا،اكتفى بالوقوف.
الحارس لا يقتحم،الحارس يُشعر خصمه بأنه أصبح داخل نطاقه،قال بصوت منخفض، لكنه وصل إلى القصر:
“أنا هنا.”
وعرف الجميع—فى الداخل والخارج—
لم تبدأ الحرب بنداء ولا بصرخة تحدٍ، بل بدأت حين فُتح باب القصر الأسود ببطء، وكأن المكان نفسه يعرف أن ساعة الحساب قد حانت.
خرج أسياد مصاصي الدماء القدماء واحدًا تلو الآخر، وجوههم جامدة كالأزمنة التى عاشوها، وأجسادهم تحمل ثقل قرون من الدم والقتل والهيمنة.
وقفوا أمام عونى فى صف واحد، وكانت الأرض تحت أقدامهم تنحنى اعترافًا بقِدمهم، بينما الهواء اختنق بثقل حضورهم.
تحدثوا بصوت واحد تقريبًا، أصواتهم متكسرة، لكنها واثقة، يعلنون أن الحارس خطأ قديم يجب محوه، وأن دمه ملوّث، وأن قوته مسروقة من مذابح منسية.
لم يجبهم عونى، لأنه لم يكن هنا ليجادل، بل ليُنهي.
تقدم خطوة واحدة فقط، وكانت تلك الخطوة كافية ليتمزق الليل وتنفجر الحرب.
اندفع الأسياد عليه بقواهم الكاملة، نيران سوداء، تعاويذ عتيقة، ومخالب صنعتها كراهية القرون، وكل ضربة كانت كفيلة بإبادة جيش كامل.
لكن عونى لم يتراجع، لأن الحارس لا يعرف معنى التراجع.
ضرب أولهم فسُحقت عظامه وتفكك جسده كأنه لم يكن سوى ظل متجمد، ثم التفت للثاني وأغرقه فى الأرض حتى ابتلعته الصخور، أما الثالث فحاول الهرب بقوة قديمة، لكن قبضة عونى سبقته وأنهت وجوده فى لحظة.
استمرت المعركة، وسالت دماء عونى لأول مرة، لا لأنه أضعف، بل لأن خصومه كانوا أسيادًا حقيقيين.
وفى تلك اللحظة، تحرك ما يسكن داخله.
ارتفعت همسات لم يسمعها سواه، أصوات بريئة، مكسورة، أصوات أطفال لم يعرفوا الحياة يومًا.
أرواح أطفال البئر، الذين قُدمت دماؤهم قربانًا، والذين سُلبت طفولتهم، استيقظت داخله فى اللحظة الحاسمة.
تحول دمه إلى نور قاتم، وظهرت الأطياف من حوله، أيدٍ صغيرة متشابكة، وعيون واسعة لا تحمل خوفًا بل يقينًا.
وحين هاجم الأسياد مرة أخرى، لم يصطدموا بجسد، بل بقوة الأرواح المتحدة مع الحارس.
احترق أحدهم من الداخل حتى تلاشى، وذاب آخر كالشمع تحت شمس محرمة، بينما حاول ثالث الفرار فشدته الأرواح إلى ظلام لا عودة منه.
ركع أحد الأسياد، لكن الركوع لم ينقذه، فسحقه عونى بقدمه دون كلمة.
بقى الأخير واقفًا، يتراجع بعينيه قبل جسده، ولأول مرة عرف الخوف.
سأل بصوت مكسور عن ماهية عونى، فجاءه الرد وصوت الأطفال يخرج معه: إنه خطيئتهم التى كبرت وعادت.
ضربه عونى ضربة واحدة، ولم يبقَ شيء بعدها.
حين انتهت الحرب، ساد صمت لم يعرفه الجبل من قبل، وسقط عصر كامل فى تلك الليلة.
وقف عونى وحده، والأطياف من حوله بدأت تخفت، فنظر إليها وأذن لها بالرحيل دون أمر أو قيد.
اختفت الأرواح، وبقى الحارس واقفًا بين أنقاض الأسياد، وقد حُسمت الحرب، وبقى هو سيد القوة التى لا تُقهر
هربت مليكه من داخل القصر، لم يعثر عليها رجال عونى
فاطيما أخبرته ان مليكه ذهبت لطلب المساعده
من مصاصى الدماء الأصليين فى كل قلعة دراكولا وانها ستعود مره اخرى

تمت النهاية ..

الفهرس كاملاً بجميع الفصول عبر الرابط التالي (رواية القرية) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق