رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح) الفصل السادس عشر 16 – روزان مصطفى

رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح) – الفصل السادس عشر 16

•عنوان الفصل/ شهود الظلام.
“أربعة وجوه.. لكِن الجحيم واحِد.
لا يُشبِهون بعضهُم في الملامِح، لكِن الهاوية التي تسكُن عيونهُم واحِدة.
كُلًا مِنهُم يحمِل قبرًا صغيرًا في صدره، وطِفلًا لم يدفنهُ كما يجِب.
أحدهُم إحترق مِن شِدّة الصمت..
ثانيهم تلوّث مِن كثرة السكوت عما كان يجِب أن يُقال.
ثالثهُم تعلّم أن القسوة هي الطريقة الوحيدة للنجاة.
ورابِعهُم.. لم يجِد سببًا لـِ يُحِب العالم، فـ قرر أن ينتقِم مِنهُ كما وُلد وحيدًا.
أربعة ليسوا قتلة تمامًا.. بل ناجين بـِ طريقة خاطِئة.
ليسوا شياطين.. بل ضحايا إحتفظوا بـِ ألمهُم طويلًا حتى تعفن.
أربعة وجوه لكِن النار واحِدة، تحترِق في الداخل، بـِ صمت، مُنذ الطفولة.
ولم يُلاحِظ أحد!”
المكان: الدرج المؤدي لجناح رفيف.
كانت قاعدة على السلم وهي ماسكة الوشاح بتاعها مدارية بيه جسمها من فوق، وباصة للأرض بتعيط بقهر وهي بتغمض عينيها وبتاخُد نفسها بالعافية، بينما كان نوح بيلبس هدومُه وهو مش مستوعِب!
قعد جنبها على السلمة وهو بيشيل شعرها اللي نازل على وشها وبيقول بأسف حقيقي: حقِك عليا، أنا حقيقي..
بصت لُه رفيف وهي بتترعش وبتعيط،لمست رقبتها وهي بتقول بـِ ألم:هي مِش غلطتك،أنا اللي كُل مرة بديك الأمان بتكسرني وتِكسر ثقتي فيك.
قالت جُملتها دي وجريت على السلم لـ فوق عشان تروح جناحها..بينما نوح فضل قاعِد على السلِم والندم بياكُل فيه وهو بيتمتِم بـِ صدمة:مقصُدش!مِش عارِف عملت كِدا ليه..
_باشا.
قاطِع عِتاب نوح صوت واحِد مِن الأرانِب،وقف نوح وهو بيعدل بنطلونُه وبيقفل حِزامُه مِن تاني وقال:في إيه؟
الأرنب أحنى راسُه وقال بـِ خوف مِن ردة فِعل نوح:البنت المشلولة اللي حابسينها..تقريبًا ماتِت.
قفل نوح أخِر زُرار مِن قميصُه وقال ببرود:في داهية،لفوا جُثتها كويس عشان نرميها في أي داهية،المفروض تكون مُمتنة إني مدوقتهاش العذاب اللي بدوقه لـِ عيلة أُمي الأعِزاء.
المكان:جناح رفيف.
دخلت وهي بتقفِل الباب وراها ودموعها الدافية بتنزِل على وِشها،بصت للسرير لقتُه فاضي،بصت في أرجاء الأوضة لقت مياسة قاعدة في رُكن مِنهُم بتترعِش والفون مرمي قُدامها
جريت رفيف عليها وهي بتقعُد قُدامها،بتبعِد إيديها عن وِشها وبتقول بـِ قلق:مالِك؟؟قاعدة كِدا ليه!
مياسة بتمتمة وهلوسة:عيسى لازم يقوم،أنا مِش هقدر أتحمِل..عيسى لازم يفوق.
زعقت رفيف فيها وهي بتقول بتوتُر:قولي إيه اللي حصل!
عيطت مياسة وهي بتشهق وقالِت:أمل..أمل إتصلت بيا.
عقدت رفيف حاجبيها وقالت بتفكير:مين أمل؟
لما إستوعبت بصت لـِ مياسة بنفاذ صبر وهي بتقول:إنتِ بتخرفي ولا بتحلمي ولا إيه حكايتك؟
حركت مياسة راسها يمين وشال وكانت لسه هتدافِع عن نفسها لكِنها إتصدمت لما شافِت شكل رفيف قالت بِـ خضة:إيه اللي مبهدِلك كِدا؟
وقفت رفيف على رجليها بِـ صعوبة وهي بتقول بـِ حُزن حاولت تخفيه:مفيش حاجة،هدخُل أخُد شاور،خلي بالِك لو الولاد صحيوا لغاية ما أطلع.
أخدت رفيف البورنص بِتاعها ودخلت الحمام بينما مياسة قامِت مِن على الأرض وقعدت جنب بِنتها النايمة وولاد رفيف.
وقفت رفيف تحت المياة وهي بترجع شعرها لورا بـِ إيديها وبدأت تعيط وتطلع كافة إنفعالاتها،لدرجة إن صوت شهقات عياطها علي.
سمعت مياسة الصوت فـ قامت مِن السرير بالراحة وهي بتقرب مِن باب الحمام، خبطت خبطتين بُساط وقالت بـِ ترقُب: إنتِ بخير؟ رفيف!
مسحت رفيف وشها بـِ المياة وقالِت بـِ نبرة حاولت تخرُج مِنها طبيعية:أه أنا طالعة أهو.
بعدت مياسة عن الباب شوية عشان تديها مساحتها تخرُج.
خرجت رفيف وتحت عينيها هالات وردية مِن العياط، لافة شعرها بالمنشفة ولابسة البوىنص بتضُمه لـِ صدرها وهي ساكتة.
قعدت قُدام المرايا وهي بتشيل المنشفة وبتسرح شعرها، بتبُص لـ مياسة اللي شايلة ريان وقالت: عيط كتير؟ هنشِف شعري وأقوم أرضعُه.
مياسة بـِ هدوء: لا هو بينام تاني أهو، أنا اللي عاوزة أتكلم معاكِ وأعرف مالِك.
إبتسمت رفيف بـِ بُهتان وقالِت: مفيش حاجة يابنتي، عينيا دخل فيها شامبو بس.
مياسة بتركيز: وقبل الشامبو، هدومك كانت عاملة كِدا ليه وشعرك!
شغلت رفيف الإستشوار عشان صوته يسكت مياسة، حطت مياسة ريان في سريرُه تاني وهي بتقرب مِن رفيف، سحبت السلك مِن الكهربا فـ بصت ليها رفيف وقالت بعصبية: مش عاوزة أتكلم أنا! مِش بالعافية!
حطت مياسة إيديها على كتف رفيف وقالت بـِ هدوء: عاوزة تتكلمي بس خايفة، أو.. أو ضاغطة نفسك تكتمي ودا مش كويس عشانك.
ضحكت رفيف بسُخرية وهي بتقول: ماشاء الله فجأة بقى كُله يعرف إيه الكويس عشاني وإيه اللي لا.
زعلت مياسة مِن إسلوبها وقالت ببرود:أنا هنزل أشرب مياة وأجي.
خرجت مياسة مِن الجناح ونزلت للطابِق السُفلي..
وصلت للمطبخ لقتُه فاضي تمامًا حتى مِن الخدم فـ إستغربت! إتنهدت بتعب وفتحت باب الثلاجة وخدت إزازة مياة ،قفلت باب الثلاجة لقت نوح واقِف وراها،شهقت وإتخضت وهي بتحُط إيديها على قلبها،بعدها كشرت وهي بتقعُد على الترابيزة وسيباه واقِف يضحك بـِ هدوء،فتحت إزازة المياة وشربت مِنها وهي بتقول:خير.
قعد نوح قُدامها وهو بيقول:بكسر الصمت اللي بيني وبينك،متكلمناش مِن ساعة ما جيتي.
قفلت الإزازة وهي بتبُصلُه بـ نِصف عين وقالِت:إيه نوعية الكلام اللي مُمكِن تكون بيني وبينك أصلًا!
بص نوح على رقبتها وقال بِصراحة أدهشتها:السلسلة مثلًا.
مياسة بجمود:دي سلسلة عيسى وهو إدهالي بِنفسُه.
إبتسم نوح إبتسامة جانبية وقال:عارِف.
رفعت أكتافها بمعنى طيب؟
فِ قال نوح:إنتِ ليه بتمثلي إنك متعرفيش حاجة عن اللي جوة السلسلة؟
بلعت ريقها،حركة اللُعاب في رقبتها ورمشة عينيها أثبتت لنوح إنها بالفِعل تعرف.
إبتسمت مياسة إبتسامة جانبية وقالِت: وأنا عمالة أقول هيجيب أخرُه إمتى، دلوقتي عرفت إنت صممت أجي هِنا ليه.
قام مِن الترابيزة وسحب كاس صب فيه ويسكي وقال: طب بذمتِك مش معايا حق؟
وقفت مياسة وهي بتقول بجدية: لا مِش معاك، السلسلة دي أمانة لغاية ما عيسى يفوق، وهو لو كان عاوز يديهالك كان إدهالك بس هو مكانش بيثق فيك ولازال، وكُلنا كِدا.. وأظُن إنت عارِف السبب إيه!
ضحك نوح ضحكة طويلة وبعدها قال: أيوة أمانة، أمانة في رقبتك هههه.
وقف قُصادها وهو بيقرب مِنها وقال: بُصي يا بِنت الناس اللي معاكِ دي أمانة كبيرة إنتِ مِش قدها، وفي غيري كتير عاوزينها ومُستعدين يقتلوكِ عشان يوصلولها، فـ أنا جيبتك إنتِ وبنتك هِنا عشان تكونوا تحت عيني وحمايتي.
رفعت مياسة أكتافها وقالِت بخُبث: طب ما هي محلولة أهي! انا هِنا تحت حمايتك والسلسلة معايا، يبقى عاوز السلسلة ليه؟ إنت كذاب وملاوع.. ومش هديهالك لو عاوزها إستنى عيسى يصحى وخُدها مِنُه بمعرفتك.
سابتُه ومشيت وهو واقِف ماسِك الكاس وبيبُص لأثرها، لما إختفت رمى الكاس على الأرض إتكسر مية حِتة وهو بيضغط على أسنانُه وبيقول: ماشي يا بنت الناس الطيبين.. ماشي.
رجعت مياسة للجناح لقت رفيف بترضع ولادها، فـ بعدت وشها عنها وهي بتقول بإقتضاب: هاخُد قمر ونستنى برا لغاية ما تخلصي.
رفيف بـِ هدوء ولوية بوز وإبتسامة: مياسة.
بصتلها مياسة بـِ طرف عينها ومردتش.
فـ قالت رفيف: تعالي إقعُدي جنبي هحكيلك، أنا بس.. أنا بس كُنت مخنوقة أوي ومُش قادرة أتكلم.
قعدت مياسة جنبها وهي شايلة قمر وبتقول: أنا مقصُدش أتدخل أو اتحِشر أنا بس قلِقت عليكِ.
عدلت رفيف هدومها وهي بتنيم ولادها في سرايرهُم وبتتنهد وبتقول: لا مفيش حاجة جديدة، دي نوبات الجنون بتاعة نوح مِش أكتر.
مياسة إتضايقت لما سِمعت سيرتُه فـ قالت بـِ ضيق: عمل إيه؟
بلت رفيف شفايفها وقالِت: خد حقُه غصب عني.
مياسة شهقت وقالِت: إغتصااب!!
رفيف بصدمة: ششش وطي صوتك في إيه!
مياسة بـِ همس: في جناحُه؟
وش رفيف إحمر وقالِت: على السلِم.
مياسة بتبريقة: على السلِم! إنتوا قُطط يا بنتي ولا إيه!
ضحكت رفيف وقالِت: ضحكتيني والله، بس أنا مِش هتكلِم معاه ولا هعديهالُه المرة دي.
مياسة وهي بتتعدل قالِت: هو كان في مرات قبل كدا؟
رفيف غطت وشها بـِ الغطا وهي بتقول: تصبحي على خير.
-المكان: المشفى.
تحديدًا: غُرفة عيسى الغُريبي.
لسه مفاقش، وصوت الأجهزة حواليه بيقطع السكون.
ممانش عارف هو بيحلم ولا لا، كان قاعِد قُدام بحر.. على صخرة وماسك كمية من الحجر الصُغير بيرميها للبحر..
شارِد تمامّا، سمِع صوت خطوات على الرمل بتقرب مِنُه، مِن غير ما يبُص إبتسم إبتسامة هزلية وقال ببرود: الحج الغُريبي، أكبر كذاب عِرفتُه في حياتي.
قرب أبوه مِنُه، الشمس كانت جاية عليه مخلياه باهِت زي شخصية في حلم، وقال بحزم: عيب يا عيسى، مربيتكش على العقوق وقِلة الحيا.
وقف عيسى وهو بيرمي الحجر تحت رجليه وقال بإنفعال: واللي إنت عملتُه معايا دا مِش عقوق؟ مظلمتش بنت صغيرة بريئة بـِ سكوتك وشُغلك معاهُم؟ بتجيب القُدرة منين تصلي وتدعي الفضيلة وتوقف قُدامي تحاسبني على شُغلي معاهُم، بل وتقاطعني كمان! وإنت نفسك كُنت واحِد مِنهُم!
الحج الغُريبي بإبتسامة صافية: يمكِن دا الشيء الوحيد فعلًا، اللي مخليني بتعذِب في الحياة التانية، لكِن أنا توبت عشانكُم وعملت أعمال صالحة كتير.. جِه دورك يا عيسى.
عيسى بصدمة: يعني إيه جِه دوري؟ مِش فاهِم!
أبوه بـِ نبرة حانية: تتوب، تصلي، إعنل شيء ولو بسيط يعدِل ميزان الكفتين، كفتك الصالحة خفيفة.. مرفوعة لفووق مِن كُتر ثُقل الكفة الثانية.
سكِت عيسى، الهوا حرك خُصلات شعرُه وهو بيبُص لأبوه بـِ حنين.
الغُريبي قال بإبتسامة: أنا كويس متقلقش عليا.
عيسى بلهفة: أمل مجاتش معاك ليه؟
حرك أبوه راسُه وقال بـِ هدوء: مبتبطلش صراخ، بس مش راضية تيجي عندي.. متعلقة!.
مد الغُريبي إيدُه لـعيسى وقال: تعالى معايا يا عيسى.
عيسى برفض: لا!
أبوه بدهشة: كُنت فاكِر إني واحشك، وحابب تكون معايا!
عيسى بتكشيرة: مِش ميعادي، ورايا لسه حاجات كتير لما أخلصها هبقى أجيلك!
إبتسم أبوه وقال: كِدا! طب السلامُ عليكُم، إطلُبلي السلام يا عيسى.
وإدالُه ظهرُه، ومشي!
فجأة قام عيسى مِن الغيبوبة بينتفِض! وعينيه قفلت تاني، فتحها بصعوبة وجسمُه بيترعِش مِن البرد.
شال جهاز الأكسجين مِن على وشُه، وجِه عشان يتعدِل ويقعُد، حس بـِ ألم رهيب غير مُحتمل في معدتُه، فـ نام على ظهرُه تاني وهو بيضغط بأسنانُه على شِفتُه السُفلى مِن الألم، وبقى يلهث كإنُه كان بيجري..
سند بإيديه اللي متوصل ليها محاليل على حديد السرير، وعدل نفسُه بصعوبة وهو بيكتم الألم الرهيب.
لغاية ما إتعدل.. ولما وقِف كان هيوقع مِن طوله، لكِن قبضة إيدُه على حديد السرير سندتُه وتداركت الموقف..
كان محتاج شيء يتسنِد عليه ملقاش غير علاقة المحلول، سحبها وتماشت معاه بسهولة عشان بـِ عطلات، وبقى يمشي خطوة خطوة بالراحة مُتحمِلًا الألم اللي بيصدُر مِن الخطوات دي.
فتح باب الغُرفة بإيدُه التانية، كانِت أضواء الممرات مقفولة لكِن شغال الأضواء الخافتة، وصوت تليفونات منزلية بترِن في أرجاء المشفى.
قرب عيسى مِن قِسم الإستقبال لقى مُمرِضة قاعدة بتراجِع في ورق، رفعت راسها وبصتلُه وقالِت: محتاج حاجة؟ إيه اللي قومك من سريرك؟
عيسى بصوت مبحوح: هي الساعة كام؟
بصت المُمرِضة في فونها وقالِت: إتنين ونُص بالليل، ثواني هو مش إنت المريض اللي جيت مطعون ودخلت في غيبوبة؟ إنت فوقت! لازم نبلغ أهلك الصُبح.
عيسى بجدية: عايز فوني ومفاتيح عربيتي.
المُمرِضة بصدمة: مينفعش تخرُج في حالتك دي! إنت أصلًا!
عيسى قاطعها وقال: فينهُم؟
المُمرضة قامت مِن ورا المكتب وقربت مِنُه وهي بتقول: سلمنا حاجتك لصحابك اللي جابوك هِنا، مُمكِن ترجع معايا للأوضة تستريح شوية عشان كدا غلط على بطنك؟
عيسى بـِ ضيق: وحتى هدومي سلمتيهُم؟
المُمرِضة بهدوء: كانت غرقانة دم ومتقطعة إثر السكين، أيوة سلمناهُم.
كان تعبان ودايخ، حس هيوقع مِن طوله فـ سندتُه هي وقالِت: شوفت أهي دي المُضاعفات نتيجة إنك قومت على طول من سريرك، تعالى إرتاح والصُبح هنكلمهُم عشان جروحك متنزفش مِن تاني، أرجوك!
مشي معاها عيسى عشان يرجع الغُرفة لإنُه مقدرش يقاوِم أكتر مِن كِدا، رجعتُه للأوضة وساعدتُه يطلع على السرير وتحامل على نفسُه من تاني، جت عشان ترفع لبس المستشفى وتبُص على بطنُه راح مسِك إيديها وقال: إنتِ إسمك إيه؟
قالت بإبتسامة خجولة: دُعاء.
عيسى بدوخة: طب إسمعي يا دُعاء، أنا بردان والهدوم دي خفيفة، تقدري تجبيلي حاجة أتقل؟
دُعاء بهدوء: الهدوم بتاعة المستشفى فضفاضة ومناسبة أكتر لحالتك عشان جروحك، ومكان العملية نغيرلك عليه، بس هجيبلك غطا كمان فوق دا.
حرك راسُه بمعنى تمام وخرجت هي، إتحرك بالعافية وراها وقرر ميعتمدش إنُه يسند على حاجة، الألم بيزيد بس كان مُضطر.
خرج مِن الغُرفة كان قِسم الإستقبال فاضي، فكر دقيقة وشاف إنه لو خرج مِن الباب العادي للمشفى الأمن هيبقوا موجودين فـ قرر يدور على باب الطواريء..
كان بيمشي خطوتين بعدها يوقف يسند على أي باب أو حيطة عشان ياخُد نفسُه من الألم اللي بيضغط عليه، قرر يقاوم ويكمل وهو حاسس بدوخة شديدة..
مش معاه فلوس ولا فون ولا أي شيء، لكِن حس إنُه لازم يخرُج، خرج من باب الطواريء للشارِع وهاجمِتُه موجة برودة خلت جسمُه يتنفض، لقى تاكسي راح ركِب وهو بيقول بتعب: إطلع على العنوان اللي هقولك عليه.
بصلُه سواق التاكسي في المرايا الأمامية وهو بيقول بإستغراب: إنت كويس؟
عيسى بألم: أيوة.. إطلع!
__________________________________________
المكان: قِسم الشُرطة.
تحديدًا: مكتب ليث الصفتي.
دخل المكتب وهو بيقلع الچاكيت بتاعُه وبيقول بإرهاق: الحسنة الوحيدة اللي حصلت إنهاردة إن مسرح الجريمة دا ميخُصش الرايق، دي مشاكِل عائلية بين أشخاص وخلصوا على بعض.
قعدت منال على الكُرسي اللي قُدامه وهي بتتنهد وبتقول: إنت لازِم تبطل تربُط أي جريمة بتحصل بيهُم! إحنا ظُباط شُرطة يا ليث يعني طبيعي يبقى في مُجرمين غيرهُم.
رجع ليث ظهرُه لورا وبص لـِ منال نظرة ذات معنى وقال: مين اللي بتقولي كِدا؟ حضرة الظابِط منال اللي راحت تستنجِد بيهُم ينقذوا عيسى؟
إتأففت وقالت بتكشيرة: إنت مفيش فايدة فيك! حسبتك هتفرح إني لحقتُه بغض النظر عن الطريقة، لإنك حاببهُم يتحجزوا في مصحة مش يموتوا، ولا إيه يا ليث؟
ليث بتفكير: أنا قلقي كُله مِن نوح، الراجِل دا غير متوقِع، وبعد اللي سمعناه مِن الست عن اللي عيلة أمه عملتُه فيه، خُدي جرايم كتير الفترة الجاية.
منال بقلق: ربنا يستُر.
_________________________________________
المكان: حارة المنيل.
التوقيت: الثامِنة صباحًا.
صحي البوهيمي ونزِل عشان يفتح الدُكان، بص على بلكونة بُثينة بِـ حُزن وبعدها كمل فتح الدُكان، بص على الجِدار اللي عليه رسمة بُثينة وعيسى وأمل وإبتسم..
دائِمًا كانوا حديث الحارة، على مدار السنين.
بعد ما فتح سمِع أصوات سِتات، لف ولقى والدة عيسى ووالدة بُثينة بيوزعوا رُز بلبن ومهلبية.
والدة عيسى وهي بتقدم طبق لـِ واحدة معدية: بالهتا والشفا، إدعي لإبني يقوم بالسلامة.
ووالدة بُثينة بتدي طبق لواحد: إدعي لبنتي ربناينجيها.
شافتُه أم عيسى فـ قربِت مِنُه وهي بتقول: خُد يا محمد، رز بلبن طازة هيعجبك.
البوهيمي بهدوء: مفيش أخبار عن عيسى يا خالتي؟
أم عيسى بـِ حُزن: الزيارة كمان ساعتين، هروحله وبإذن ربنا أسمع خبر حلو من الدكتور.
سكِت محمد شوية بعدها قال: وبُثينة؟
إبتسمت والدة عيسى وقالِت: ياريتها ترضى بيك، أو بـ أي حد، مش عايزة تطلع عيسى من عقلها، والله البت دي صعبانة عليا.. خُد بقى طبقك إيديا خِدلت.
ضحك البوهيمي ضحكة قصيرة وقال: تسلم إيدك ويارب عيسى يقوم بخير.
-منزل والِدة نيللي.
قام يوسف وهو بيقلع التيشيرت بتاعُه وبيلبس القميص، إتعدلت نيللي في السرير وقالِت بـِ صوت نعسان: رايح فين مِن الصُبح كِدا!
يوسف بـِ همس عشان حماتُه: هزور عيسى في المُستشفى رايح مع أمي، هتعوزي حاجة من برا؟
نيللي بتعب: أه اللبن بتاع البيبي خِلص، وعايزة بامبرز كمان، وهاتلي..
قاطعها يوسف وهو بيقول: طب السلامُ عليكُم أنا.
لوت بوقها بـِ زعل فـ إبتسم يوسف وهو بيقعُد جنبها على السرير وبيقول: قولي يا حبيبي نفسك فـ إيه؟
نيللي بهدوء: نفسي في كيكة غرقانة شوكولاتة، كدا من فوق كدا سايحة.
يوسف بـِ إستغراب: ودا من إيه؟
بصتلُه هي فـ قال: عينيا حاضر هعدي على محل الباستري وأجيبلك، يلا سلام.
خرج لـ برا وسلم على حماتُه ونزل، لقى أمه مستنياه وهي شايلة كيسين، شالهُم عنها وقال بتساؤل: دا إيه دا؟
أمه بهدوء: ساندوتشات بانيه وكفتة ورز بلبن، هوزعهم على الممرضات والدكاترة عشان يراعوا اخوك.
يوسف بتكشيرة: إيه يا ماما الجو دا، هو في ثالثة سادس ونظره ضعيف عايزة تقعديه قدام؟
خبطته أمه على دراعه وهي بتقول: ملكش دعوة أنت الإطعام دا نعمة من ربنا بيسهل الحال، يا شافي يا مُعافي يارب.
ولسه هيطلعوا على أول الشارِع لقوا عربية فخمة بتوقف قُدامهُم بالعرض.
إتخضت أم عيسى ولزقت في يوسف اللي إبتسم وقال: دا عزيز يا ماما.
نزل عزيز من العربية وهو بياخُد الأكياس من يوسف وبيقول: إتأخرت عليكُم؟ كان زحمة مرور بس.
طبطبت أم عيسى على ظهره وقالتله: ربنا يرضى عنك ويحفظك لولادك من كل سوء، ويقوم عيسى بالسلامة.
عزيز بإبتسامة: أمين، إتفضلي إركبي جنبي قُدام يا أمي.
ركب يوسف ورا وركبت هي جنب عزيز، وإتحرك بيهُم على المُستشفى.
__________________________________________
المكان: شقة عيسى الغُريبي
كان ممدد على الكنبة وهي بتشيل الشاش والبلاستر عشان تغير على الجرح، لما سحبت البلاستر وشه أحمر جامد وعض إيدُه مِن الألم.
رمت أماندا الشاش والبلاستر القُدام في الزبالة وهي بتعقم إيديها وبتقول: أنا نفسي أفهم إنت خرجت مِن المُستشفى ليه وإنت تعبان!
عيسى وشه كله إتملى عرق مِن كُتر ما بيضغط على نفسه، رد وقال: عشان نوح هيحاوِل يوصل للسلسلة بتاعتي من مياسة، مُتأكِد إنه بيحاول يعمل دا مُستغِل غيابي.
أماندا وهي بتعقم مكان الخياطة: للدرجة دي اللي جوة السلسلة مُهِم؟
مكانش قادر يتكلم من الألم، غيرتله الشاش وحطت البلاستر راح سحب قميصُه ولبسه وهو بيقول: أكتر مما تتخيلي، بلغي بقية جماعة الرمادي يجهزوا نفسهُم، أنا هبدأ أتحرك عشان أخلص كُل شيء.. قبل ما يتقبض علينا بسبب الرايق.
أماندا بـِ هدوء: طب لما تتعافى يا سفير، متتحاملش على نفسك جروحك صعبة، أنا عاوزة أفهم إزاي فوقت من الغيبوبة وإتحركت عادي بدون مُضاعفات؟
شاور عيسى على نفسُه وهو بيقول: دا منظر واحِد بدون مُضاعفات؟ دا منظر واحِد كويس؟
بصت ليه بصة حُزن وقالت: ليه كُنت بتنتحِر بالطريقة دي؟ تسلم نفسك لإتنين ميسووش.. كُل دا عشان المايسترو ووالدك أء..
قاطعها عيسى بحزم وقال: متفتحيش الموضوع دا.
إتنهدت وخدت نفس عميق وهي بتقول: تمام يا سفير، تحب أعمل إيه غير تبليغ رسالتك لـِ جماعة الرمادي؟
سحب عيسى عُكازُه عشان ميتحاملش على رجليه وبطنه في المشي، وإتحرك ناحية بار المطبخ وهو بيقول: عايزك تجيبيلي مياسة، هِنا.. من غير ما هي تعرف ولا نوح يعرف.
أماندا رفعت حواجبها بإندهاش وهي بتقول: من غير ما هي تعرف سهلة، لكِن نوخ ميعرفش أعملها إزاي؟
عيسى وكإنُه خافِظ خطوات نوح قال: على حسب علمي إن الإتنين اللي عملوا فيا كِدا تحت إيدُه، عزيز مش هيقدر ياخدهُم عندُه عشان هنا إبنه والناحية التانية بنته، وأمير مراته صِبا فضولية وبتاعة نكش ومشاكِل الرايق أسهل واحِد فيهُم في الأذية، وبما إنهُم عنده مش هيخلص عليهُم غير لما يسحب منهم بنك المعلومات بتاعهُم.
أماندا بتفكير: تقصد فلاشة؟ فون.. لابتوب؟
حرك أكتافه بمعنى حاجة زي كدا فـ قالت أماندا: يعني هيبقى مشغول في اللي بيعمله في الوقت الحالي، هحاول أتواصل مع مياسة.
شاورلها عيسى بصوباعُه وقال: خُدي بالِك، متعمليش دا بـِ مسدچ على الفون، نوح هاكر ومنعرفش دخل فونها أو لا.
أماندا وهي بتتجهز: تمام هبتدي اتحرك، ليا عندك رجاء أرجوك متتحركش من البيت وإنت تعبان كدا، ولو حسيت بالعطش الشديد يكفي تشرب مياة بلاش أي شيء تاني على ما الدكتور يبعتلنا المفروض تاكل إيه وتشرب إيه.
حرك عيسى راسُه بمعنى ماشي فـ خرجت هي ورجع هو يرتاح على الكنبة.
_________________________________________
المكان: فيلا عزيز الإبياري.
تحديدًا: غُرفة سيلا.
سيليا بتعب: يلا يا ماما عشان ألبسِك الشورت بعدين الشراب الكولون.
سيلا برفض: مش عاوزة أنا مش بردانة، عاوزة عيسى.
سيليا بهدوء: طب ينفع بنوتة جميلة زيك تروح وهي مش لابسة حلو؟ قربي عشان أسرحلك شعرك كمان.
سيلا بلوية بوز: وهتوديني لعيسى؟
إبتسمت سيليا وقالت: حاضر يا ماما، يلا تعالي بقى.
لبستها سيليا هدومها ومسكت المشط عشان تسرحلها شعرها وهي بتقول: إيه الشعر الجميل دا، مين أحلى بنوتة في الدنيا كلها؟
سيلا بحماس: أناا.
باست سيليا راسها وهي بتقول: براڤو.
بينما هي بتلبسها خبط باب الغُرفة فـ قالِت سيليا بهدوء: إدخُل.
دخلت الخدامة بتقول: سيليا هانم، في واحدة تحت بتقول إنها عاوزة تقابِل حضرتك.
حضنت سيليا سيلا بنتها وقالت بإستغراب: واحدة مين يعني وعاوزة إيه؟أنا مش قولت مية مرة متفتحوش لحد طالما عزيز بيه مِش هِنا.
بلعت الخدامة ريقها وقالِت: بتقول إنها عمة عزيز بيه.
شهقت سيليا وقالِت: دي عايزة إيه دي! روحي إنتِ وأنا جاية وراكِ.
قامت سيليا من على السرير فـ قالت سيلا: ماما هاجي معاكِ.
سيليا بهدوء: خليكِ هِنا يا ماما إوعي تخرُجي من الأوضة لغاية ما أجيلك.
حست انها زعلت فـ شاورتلها على مطبخها اللعبة وقالت بمرح: إيه رأيك تعزميني على قهوة عندك؟
سقفت سيلا وهي بتقول: وكوكيز.
طبطبت سيليا عليها وهي بتقول: وكوكيز، يلا عشان نجيب أخوكِ بدر من عند نانا سيا.
خرجت من الغُرفة ونزلت تحت لقت عمة عزيز قاعدة بغرور مستنياها.
نزلت سيليا وقفت قدامها وقالت بهدوء: أهلًا وسهلًا.
بصت ليها عمة عزيز من فوق لتحت وقالت بتهكُم: إنتِ بقى بنت الكابِر اللي خسر أهلُه علشانها؟
كتفت سيليا إيديها وردت ليها نفس النظرة وهي بتقول: أها، وأكيد حضرتك عمتُه اللي مهانش عليكِ تحتضنيه في طفولته، وسيبتيه لچايدا ومامتها..
وقفت عمة عزيز قُدامها وهي بتقول بعصبية: إسمعيني كويس، أنا عكس أخويا وإبنُه تمامًا، أنا النقيض.. اللي عملتُه أمك زمان مش هنساه زي ما إبنه الجاحد عمل، وإتجوز بنت قاتلين أبوه.
فتحت سيليا إيديها وقالِت: قُدامك أهو، اللي عاوزة تعمليه إعمليه.
عمة عزيز حطت إيديها على كتف سيلياوهي بتخبطها خبطتين وبتقول: بلاش تشوفي رد فعلي يا شاطرة، أحسنلك إطلُبي الطلاق، بدل ما عِرق الإبياري يطلع ويزعلك.
مسكت سيليا إيديها اللي على كتفها وهي بتضغك على صوابعها جامد، إتألمت عمة عزيز فـ قالت سيليا بـِ همس عشان محدش يسمع: عرق الإبياري دا مامي قطعتُه من سنين، المُتاح عِرق الكابِر ودا لو طلِع! هندمِك إنك رجعتي تعبثي في حياة إبن أخوكِ بعد السنين دي كُلها، بلاش أنا..
سحبت عمة عزيز شنطتها وهي بتقول: أنا بلغتك باللي عندي، وصدقيني أنا مبعملش حساب لولاد عزيز، زي ما هو معملش حساب لأبوه.
خرجت من الڤيلا فـ رمت سيليا جسمها على الكنبة وهي بتتنفض من الغضب والخوف، سحبت فونها وإتصلت على عزيز مستنياه يرُد عشان تحكيلُه.
____________________________________
-في المشفى.
والدة عيسى بـِ صوت عالي: يعني إيه إبني اللي في غيبوبة مش موجود في أوضته؟ دي مستشفى ولا سويقة!
البنت في الإستقبال: مُمكِن حضرتك توطي صوتك في مرضى ودا ميصحش!
خبط عزيز بإيديه على مكتب الإستقبال جامد وهو بيقول: وطالما بتخافوا على المرضى في مريض مختفي من عندكم ليه وهو في غيبوبة!! إزاي مفيش دكاترة بتتابع الحالة على مدار اليوم؟ مين الدكتور المناوِب!
خافت البنت مِن غضبُه فـ رفعِت السماعة وهي بتقول: أنا هتصِل بالمُمرضة اللي كانت مناوبة إمبارح وأسألها.
عزيز بزعيق: ما كان من الأول! هتخلونا نطربقها على دماغكُم!
رن فونُه كانت سيليا فـ بِعد بعيد شوية ورد قال: إيه يا حبيبي أنا في المُستشفى..
سيليا بنبرة توتُر: هتيجي إمتى أنا أعصابي بايظة خالِص.
عزيز بهمس: خير حصل حاجة؟
فجأة سيليا عيطت وهي بتترعش وقالت: عمتك جت هنا وهددتني بالولاد عشان أطلُب الطلاق منك.
عزيز:*********.
_________________________________________
المكان: قصر أمير الدهبي.
تحديدًا: القبو.
كانت بتدور عليه في كُل حتة في القصر ومش لقياه، قعدت على الكنبة اللي قُدام الباب الداخلي يمكِن خرج ومستنياه يرجع، لكِن بعد نُص ساعة تفاجئت إنُه طالِع مِن السِلم السُفلي اللي بيوصله للقبو.. وقفت بإستغراب وكتفت إيديها وهي شيفاه بينزل أكمام قميصُه وقالِت: كُنت بتعمِل إيه تحت؟
أمير ساكت ومردش عليها.. مِن بعد وفاة شجن هانم وهو متغير زي لوح الثلج، مشيت وراه لقتُه رايح المطبخ وبيسحب إزازة ويسكي عشان يفتحها.
قالِت بقرف: سيب البتاعة دي ورد عليا! إنت بتتصرف بغرابة كِدا ليه! ليه بارد كدا وبتعمل حاجات في الخِفا.. ما تشاركني دا أنا مراتك.
صب مِن الإزازة للكاس وقال بنفس البرود: معنديش حاجة أقولهالِك.
قعدت صِبا قُدامه وهي بتقول: مش إنت بتقول حطوا السم لـ شجن هانم؟ مين اللي حاطُه كُنت تقصُد مين؟
شرب حبة ونزل الكاس عن بوقه وبعدها ضحك ضحكة صغيرة وقال: فضولك تاعبك.. أغرق فضولك يجيبك ناحيتي وتنقذيني، أعمل حاجة ألاقيكِ في قفايا، ريحي دماغك ونفسيتك عشان الحمل، وسيبي التقيل كلُه على ضهري أنا.
صِبا بتساؤل: نوح ليه علاقة بالموضوع طيب.
ساب الكاس وقال: أنا سايبهالك خاالص، أنا لا قادر أتكلم ولا قادر أسمع.
غرزت صوابِع إيديها في شعرها بترجعُه لورا مِن كُتر التفكير، فونها رن في جيبها فـ خرجتُه وهي بتبُص تشوف مين بيتصل.
لقتُه برايڤت نمبر فـ ردت وهي بتقول: ألو؟
جالها صوت أنثوي بيقول: صِبا.
وقفِت صِبا وهي بتقول بلهفة: رفيف!! وحشتيني.
خرج أمير برا القصر وراح ناحية عربيتُه وهو بيقول للحرس: ممنوع المدام أو أي مخلوق ينزل للقبو، حسين وعلي خليكُم عند السلم بتاع القبو ضروري من تحت.
الحرس بطاعة: أوامرك يا باشا.
ركب عربيتُه وساقها رايح ناحية بيت نوح.
_________________________________________
كان ماسِك نوح اللابتوب اللي جابوه الأرانِب مِن بيت الإتنين اللي قتلوا عيسى، بيحاول يفُك الرمز بتاعُه عشان يدخُل لكِن محمي بشفرة خاصة مش قادر يخترِقها.
وقِف قُدامه واحِد مِن الأرانِب وهو بيقول: باشا.
غمض نوح عينيه وهو بيقول: تؤ! أنا مبحبش أم الكلمة دي، مبسمعش بعدها خير أبدًا.
أحتى الأرنب راسُه فـ قال نوح بنفاذ صبر: إشجيني!
قال بتوتُر: يا باشا البنت المشلولة سعادتك مطلعتش مياتة، بمُجرد ما رموا السجادة اللي كانوا لافينها فيها حاولت تهرب.. بس رجعناها تاني.
نوح بلا مُبالاة: إكسر رقبتها وإرميها في داهية أنا مش فاضيلها.
إيه اللي إنت بتقوله دا!
كان صوت رفيف اللي حاطة ولادها في عربية صغننة عشان تمشيهُم شوية برا الجناح، رفع نوح راسُه وشاور للأرنب يمشي.
قفل شاشة اللابتوب ووقف قُدامها وقال: لما أكون بتكلم مع رجالتي متدخليش لا في شُغلي ولا كلامي، عيب..
رفيف بضيق: إنت لا تعرف عيب ولا حرام ولا عندك مشاعر، كون إنك غلطت معاها وخليتهت حامل منك يبقى على الأقل تحمل مسؤولية إبنك اللي في بطنها!
لمس نوح خدها بصوابعه فـ جاتلها قشعيرية وهي مكشرة وبتحاول تبعد، مسك فكها بين إيديه وقال من بين سنانُه: تعرفي رقتك دي بقت بتعصبني ساعات، مينفعش قلبك يبقى كبير كدا ومتفهِمة! اللي عايزك تعرفيه حاجة واحدة أنا لا قربت منها ولا من غيرها.
سكت شوية وكانت رفيف بتترعش وهي لسه مكشرة، نبرتُه رقت وهو بيتأملها وقال: ملمستش غيرك، عملت كُل شيء ممكن تتخيليه إلا إني أبقى بتاع نسوان وفلاتي.. الحتة دي مكانتش بتشدني، مفيش ست شدتني ليها غيرك.
سحبها من دراعاتها وهو بيتحسسهُم لفوق وتحت فـ قشعرت وهي بتغمض عينيها، قربها منه وأنفاسه الدافية بتغلفها وقال: وعايز أخلف منك دايمًا، عايز نسلي يبقى كلُه الجمال والنعومة دي، متحرمنيش منك ما صدقت ملكتك.
بعدت إيديه عنها وقالت: في البداية كُنا مُتناغمين سوا، بس أنا مش أرنبة.. أنا إنسانة مش من حقك تاخد حقوقك عنوة مني.
بص للعربة اللي فيها ولاده وقال: على فين؟
رفيف وهي بتجُره العربة قُدامها: همشيهم برا قدام البيت شوية نشم هوا، إتخنقنا.
خرجت بيهم على دخلة أمير اللي كان بيقلع نظارتُه الشمسية وبيقعُد جنب الرايق بهدوء.
رجع الرايق قعد مكانُه جنب أمير وقال: صديقي الصامِت، مالك مش مظبوط ليه؟
أمير بضيق: أسئِلة صِبا خنقتني فـ قولت أبعد شوية عن جو البيت، عزيز فين؟
خرج نوح سيجار وجه عشان يولعه بص وشاف رفيف بتمشي بالولاد من الإزاز بتاع البيت، راح طفى الولاعة ورجع السيجار مكانُه وهو بيقول: راح يزور عيسى مع أمه وأخوه.
أمير بهدوء: ومروحتش معاهُم ليه.
نوح وهو بيضرب الزراير بتاعة اللابتوب بإيدُه وقال: عشان بحاول أفُك أم الشفرة بتاعة الزفت دا.
ضيق أمير عينيه وقال: دا إيه مش فاهم؟
نوح بجمود: اللابتوب بتاع الـ **** اللي فوق، رجالتي جابوه من بيتهُم.
أمير بلا مُبالاة: ودا هيفيدنا بـِ إيه؟
هرش نوح في دقنه وقال: جرا إيه يا أمير؟ دول قرايب المايسترو يعني الخُلاصة كُلها هتلاقيها هِنا.
قبل ما أمير يرُد لقى نوح مياسة نازلة السلم وهي شايلة بنتها.
وقف نوح قُدامها وقال: على فين؟
بصتلُه مياسة وقالت بقرف: وأنا المفروض أديك تقرير يومي بتحرُكاتي ولا إيه؟
نوح بهدوء: تقنيًا أه عشان أقدر أحميكِ.
مياسة بنفس القرف: تحميني مِن مين؟ مفيش مؤذي غيرك في دايرتنا أصلًا.
نوح بنفاذ صبر: مُمكِن تقوليلي رايحة فين؟
مياسة ببرود: يوسف إتصل عليا عايز غيارات من شقتي أنا وعيسى.
ضحك نوح وقال بسُخرية: أه شقة الزوجية ما قبل الطلاق، هروح أنا أجيبهالُه.
مياسة بنظرات كُره: ليه هو إنت مراتُه؟
نوح بمُناكشة: يعني إنتِ اللي مراتُه؟
وشها إحمر وبصت الناحية التانية فـ هرش نوح في خدُه وهو بيقول: قوليلي يا مدام مياسة، ايمن بيه عارِف إنك رايحة شقة طليقك تطبيله غيارات وبوكسرات؟
مياسة بغيظ: إنت سافل وعديم تربية!
نوح بجدية: هخلي الرجالة توصلك طيب.
مياسة بضيق وهي خارجة: لا هروح بنفسي.
خرجت من البيت فـ قعد نوح جنب أمير تاني وهو بيحاول مرة تانية.
رن فون نوح فـ خرجُه لقى عزيز اللي بيتصل..
بعد خروج مياسة بنصف ساعة، رد نوح وقال: إيه الدنيا؟
عزيز من الجهة الأخرى: عيسى مش موجود في المستشفى ومش عارفين راح فين.
نوح وهو بيتعدل في قعدتُه قال بإنفعال: نعم يخويا؟؟ أومال مياسة راحت فـ..
سكت شوية وبعدها قال بزعيق للأرانِب: جهزوا العربية بسِرعة!!!
_________________________________________
المكان: شقة منال وراغِب.
دخلت منال بعد يوم طويل وهي ماسكة فونها بتبعت فويس ميل لـِ راغِب وبتقول: هتفضل مبتردش عليا كتير؟ يا راغب إتناقشنا مليون مرة في الشغل وقولتلك الحمل مش هيتأثر، لما تسمع المسدچ رد عليا من فضلك.
حطت المفاتيح على الجزامة اللي جنب الباب وقفلت الباب وهي حاسة بدوخة وإرهاق.
فتحت الأنوار لقت قُدامها حاجة رعبتها!
مسكت فونها وإتصلت على ليث، أخد وقت على ما يرُد بـِ صوت نعسان وقال: ألو.
منال وهي لازقة في باب الشقة وبتبلع ريقها ومبرقة قالِت: إلحقني يا ليث، فاكِر العلبة بتاعة الهدايا اللي كان فيها جُثة المُحامي في الفندق؟
ليث بدأ يفوق وقال بتركيز: أه مالها؟
منال بخضة: أنا قُدامي علبة شبهها بالظبط في شقتي، نسخة منها!
ليث وهو بيقوم من السرير: طب إطلعي من الشقة وإستنيني في عربيتك أنا جاي حالًا!!
خرجت منال من الشقة ونزلت جري على السلم وبدأت تحس بتعب في بطنها وضهرها، وهي بتجري على عربيتها خبطت في حد، بترفع راسها لقتُه راغِب وشايل أكياس من السوبر ماركت.
حضنتُه جامد وهي بتاخُد نفسها وبتقول: راغِب! الحمدلله، الحمدلله.
حضنها راغب بخضة وقال: مالك يا منال مخضوضة كدا ليه؟ إيه اللي حصل!
________________________________________
فتحت مياسة باب الشقة بالمُفتاح اللي إدتُه ليها أماندا، كانت ضلمة نوعًا ما.. حطت قمر اللي نامت منها على الكنبة وحواليها مخدات عشان متوقعش وغطتها كويس، بعدها فتحت جت تفتح النور مفتحش.
حست بـِ خوف فـ قالِت بنبرتها المُميزة: عيسى؟
جت تلف خبطت في حد، حست بأنفاس دافية على وشها.
قال عيسى بهدوء وهي لازقة فيه عشان مش شايفة من الضلمة وساندة بإيديها على أكتافُه: نبض عيسى.

يتبع.. (رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق