رواية عهد الدباغ – الفصل الثامن 8
بشقة فاروق
وقف مذهولًا وهو يُعيد سؤاله:
إنتِ حامل يا فرح.
إستدارت تنظر له بخجل تومئ برأسها فقط دون حديث.
لا يعرف أي مشاعر تطغي عليه… بعقله صراع غير مُنصف..
جزء بداخله لا ينكر قبوله، وجزء مُتجمد.. ربما اراد سماع ذلك الخبر ويكون نتاج زواج عن حُب…
زفر نفسه بهدوء، وكاد يتحدث لكن لأول مرة يتفاجئ بحركة فرح التي للحظة تخلت عن خجلها المُبالغ وأقتربت منه تضم نفسها له قائلة:
نفسي فى ولد.
حركتها تلك أثرت فى قلبه وبتلقائية رفع يديه يحتويها قائلًا:
مبروك.. وإن شاء الله يكون ولد، بس إشمعنا عاوزة ولد.
شعرت بيديه حولها زاد خفقان قلبها، ثم رفعت رأسها تنظر لوجهه، كأنها لحظة جرأة وإنتهت، أخفضت وجهها وعاد الخجل قائلة:
عشان أنا وعهد عشنا بنتين بس، عهدكتن نفسها يبقي لينا أخ ولد.
-عهد.. عهد
زفر نفسه يردد ذلك الإسم الذي يتمنى ولو يختفي من لسان فرح… دائمًا تربط أي شيء بإسمها… أغمض عينيه يقاوم ذلك الشعور لا يود ذكر إسمها أمامه يعلم أن ذلك أنانيه منه، لكن ذلك الأفضل، خفف ضمة يداه حولها، حاول التحكُم فى عدم إظهار مشاعره التى بات يمقتها..وأصبحت مشاعر أخرى تتحرك نحو فرح…ربما لو تخلت عن ذلك الخجل معه،قد تنعدم تلك المشاعر الواهية وتتحول مشاعره كلها لـ فرح،لكن ربما مع الوقت تمتلك باقي مشاعره وتصبح عهد سراب.
…. ـــــــــــ…
بعد وقت قليل بعد إنتهاء العشاء بغرفة المعيشة كان تجمُع عائلي دون كنان فقط…تبسمت إجلال وهي تنظر نحو فرح التى تشعر بحياء بعدما تعمدت إجلال إحراجها قائلة بإستخبار :
قوليلى يا فرح ها نتيجة الاختبار إيه، زي ما أنا قولتلك.
شعرت فرح بخجل وهي تومئ برأسها إنشرح قلب اجلال وهي تنظر الى فاروق الذي كان يتجاذب الحديث هو و يارا، بينما نظر لها محي باستفهام سائلًا:
إختبار إيه ونتيجة إيه.
ابتسمت اجلال وتحدثت بمرح:
إمبراطورية الدباغ هتزيد فرح حامل.
نظر محي نحو فرح التى أخفضت وجهها بخجل وتبسم قائلًا:
الف مبروك ربنا يقومك بالسلامه.
كذالك هنئها الجميع نظرت رابيا نحو محسن الذي تبسم وهنئهم تذكرت حين أخبرته حملها للمره الأولي شعرت أن ذلك الخبر بلا زهوة عكس بسمة فاروق المرسومه على وجهه… غص قلبها، وضعت يدها على بطنها بعدما شعرت بنغزة قوية، كتمت ألم تلك النغزة، بداخل قلبها شعور بالفتور، رغم إقتراب موعد ولادتها، لا تنتظر من محسن ان يعيش معها زهوة تلك النغزات من طفلتها التي تُعلن عن قُرب ولادتها… بالتأكيد سيكون رد فعله بارد مثل المرة الأولي فلا داعي للتأمل وأنتظار حتى بعض القلق منه عليها.
❈-❈-❈
قبل قليل، بالنادي الإجتماعي
نهض فادي خلف عهد مذهولًا من رد فعلها غير المتوقع، لكن توقف حين كادت أن تقع، لكن هنالك من مد يده وأمسك بيدها… شعرت بالحياء وإعتدلت ثم سحبت يدها من يده ونظرت له قائلة:
شكرًا.
بادلها النظرة بإبتسامة قائلًا:
مش تخدي بالك وإنتِ ماشية ولا زي ما بيقولوا العيون الملونة بيبقي نظرها ضعيف.
ازدردت ريقها بانزعاج مكتوم، حدقت فيه بثبات لحظة قبل أن ترفع حاجبها بخفة قائلة:
لاء نظري كويس مش ضعيف… بالعكس… الحمد لله شايفة كل حاجة بوضوح.
قهقه بخفوت، ناظرًا لها بنظرة بها خليط بين الدهشة والإعجاب:
واضح… لدرجة إنك ماخدتش بالك من الحُفرة اللي كنتِ هتقعي فيها
إستدارت تنظر خلفها الى فادي الذي يقترب منها قائلة بثبات:
فعلًا كنت هقع فى حُفرة وربنا ستر، عالعموم، مره تانيه شكرًا لك
اقترب خطوة بدون ان يتجاوز حدوده، وأشار للطريق:
على إيه ده موقف ممكن أي حد يقع فيه رغم انا قدمت شكوى لادارة النادي عن الحُفرة دي بس واضح قلة الاهتمام منهم.
بذلك الوقت شعر فادي بالغضب من وقوف عهد مع ذلك الشخص الذي يتجاذب معها الحديث فى موقف لا يستحق إقترب أكثر وتوقف جوارها قائلًا:
عهد… خليني أوصلك لسه بينا كلام و…
نظرت له بغرور قائلة:
الكلام إنتهى.
غضب فادي ومد يده يمسكها من عضدها قائلًا بنبرة تملُك:
عهد إنتِ فاهمة غلط و…
نفضت يده عنها بغضب قائلة:
لاء فاهمة صح وممنوع إيدك تلمسني.
رمقها بغضب قائلًا بلوم:
ممنوع أيدي تلمسك لكن اللى واقفه معاه ده مسموح له واضح.
بغضب ودون تفكير من عهد كانت صفعة قوية على وجه فادي الذي شعر بغضب شديد وكاد يرد لها الصفعة لكن منعه الآخر قائلًا:
مش رجولة إنك تضرب بنت.
دفعه فادي بغضب قائلًا:
إنت مين عشان تتكلم وإبعد عني أنا وخطيبتي أحرار.
نظرت له عهد بسخط قائلة:
كنت وقولتلك خلاص الخطوبة إنتهت… أنصحك النادي ده فخم سهل تلاقي غيري تلعب عليها، إنت عارف انا مبحبش قاعدة النوادي… سلام.
تركتهم عهد وغادرت، ظل فادي واقفًا ينظر بأثرها، بينما الآخر تحدث بفكاهه:
طيرتها من إيدك يا فادي والله خسران.
غادر وترك فادي يشعر بغضب قائلًا:
مين الحقير ده كمان.
خرجت عهد من النادي وقفت على جانب الطريق تترقب إقتراب سيارة أجرة، لكن توقفت أمامها سيارة سُرعان ما ترجل منها ذلك الشخص وتوجه نحوها قائلًا:
تسمحي لى أوصلك.
نظرت له بحنق قائلة.:
شكرًا متعودش أركب مع شخص غريب هطلب تاكسي.
بالحاح منه قائلًا باصرار:
سواق التاكسي شخص غريب إعتبريني زي سواق التاكسي.
لوهلة فكرت ثم إبتسمت قائلة:
تمام.
لكن موافقتها كانت كيدًا فى فادي الذي كان يقترب منهما، صعدت الى السيارة…التزم قولها بعدم الازعاج الى أن وصلا الى أمام البِناية التى تسكُن فيها، بشبه صمت حديث قليل… ترجلت من السيارة وخلفها ذلك الشخص الذي مد يده لها حين قالت:
متشكرة جدًا، وإتفضل ده الأجرة اللى كنت هدفعها للتاكسي.
نظر لها بلوم قائلًا:
مالوش لازمه… أنا اللى عرضت اوصلك.
باعتراض منها اصرت قائلة:
اعتبره تمن بنزين العربية.
ضحك قائلًا على فكره انا ساكن فى منطقة قريبه من هنا، يعني يعتبر وصلتك فى طريقي… وبالمناسبة نسيت أعرفك أنا
“نديم الجنايني”.
إبتسمت قائلة بلُطف:
أهلًا وسهلًا، ومرة أخيرة شكرًا لك.. عن إذنك، وقفة الشارع كده مش لطيفة.
ابتسم واومأ لها وهي تذهب نحو مدخل تلك البِناية… لكن سُرعان ما خفتت بسمته حين رأي فادي يترجل من سيارته.. لا يريد إثارة مشكلة، توجه نحو سيارته ولم ينتظر غادر بينما فادي فكر بالدخول واثارة بعض المشاكل قد يستطيع إكتساب قبول خالته وزوجها لكن على يقين عهد لن تُبدل رأيها بسهولة وهما لن يضغطان عليها.
❈-❈-❈
بمنزل محي
بغرفة نومه مع إجلال
إتكئ بظهره على خلفية الفراش تنهد قائلًا:
فرحت أوي لما عرفت إن فرح حامل، كمان لاحظت إن فاروق كمان كان مبسوط، وواضح كده إن بقي بينهم إنسجام.
جلست إجلال جواره قائلة:
أنا كمان ملاحظة تغيير فى نظرات فاروق لـ فرح، زي ما كنت متوقعه وقولتلك قبل كده، هو إتعلق بس بشخصية عهد ممكن شقاوتها لفتت إنتباهه،بس معتقدش وصل لمرحلة حُب،والدليل أهو إنسجامه مع فرح،ومع الوقت…
إبتسم وهو يستمع لها، ثم حرّك رأسه بإقتناع قائلًا:
مع الوقت… إيه كملي.
تنهدت إجلال بخفة، قبل أن تلتفت له:
مع الوقت هيبان عهد كانت إيه بالنسبة لـه ساعات الواحد يفتكر إنه مُعجب أو قلبه مايل، لكن أول ما يشوف الراحة الحقيقية… بيتأكد إن اللي حاسه قبل كده كان مجرد إنبهار.
هز محي رأسه موافقًا، لكن ملامحه كانت تحمل شيئًا من التفكير العميق… قبل أن يقول:
أنا بصراحة… كنت خايف على فرح… البنت من يوم ما دخلت بيتنا وهي زي النسمة الهادية ، وفرحت أوي بخبر حملها،وبقول يمكن ده اللي هيقرب المسافات بينها وبين فاروق أكتر.
وضعت إجلال راسها فوق كتفه بحنان قائلة:
وهما الاتنين يستاهلوا الخير… فاروق قلبه طيب بس كان محتاج حد يهديه ويطمنه… مش حد يزود توتره… وفرح بطبعها هادية، صوتها وطباعها يطمنوا… فاروق مش زي محسن.
زفر محي نفسه بضيق قائلًا:
للآسف محسن محتاج لخبطة تفوقه من الوهم اللى فى دماغه… متأكد إن فى قلبه مشاعر لـ رابيا بس هو كل اللى فى دماغه يتمرد، وخايف عليه من لحظة ضعف يضيع رابيا.
تنهدت إجلال بآسف قائلة:
للآسف محسن يمكن اللى مخليه كده هو طريقة جوازه من رابيا متأكدة لو نسي قلبه هيرتاح وهيلاقي مع رابيا المودة والسكن، ياريته زي فاروق أهو مع الوقت بنسجم مع مراته وهيوصل للسعادة وإبنهم هيجي للحياة ويزود سعادتهم.
اومأ محي للحظات… ثم رفع نظره لها بنبرة خافتة لكن صادقة:
أتمنى من قلبي إن ربنا يتمملهم على خير… ويكمل فرحتهم.
ابتسمت إجلال وهي تُسند رأسها على كتفه قائلة:
ويتمم لك إنت كمان كل اللي بتتمناه… ويهدي بالك ويكرمك زي ما دايمًا قلبك نظيف.
ضمّ يدها بين يديه، وأغمض عينيه قليلًا دائمًا بضع كلمات منها مثل البلسمً على روحه…ساد
الغرفة صمت غمرها بسكون دافئ، حميمي لا يحتاج لأي كلمات.
❈-❈-❈
بعد أيام
بإحد المستشفيات.
تنهدت إجلال بإرتياح حين تحدثت لها الطبيبة بعملية:
الحمد لله الولادة تمت طبيعية والأم والبنت الإتنين بخير، هيفضلوا معانا تحت الملاحظة للمسا وإن شاء الله مش هيبقي فى أي مضاعفات وهيخرجوا المسا.
أومأت للطبيبة ببسمة بنفس الوقت خرجت والدة رابيا من غرفة الولادة تنظر نحو إجلال تهكمت بنزق قائلة:
أمال فين محسن، مش المفروض كان يجي حتى يطمن على بنته.
حاولت إجلال الهدوء قائلة:
محسن ميعرفش إن رابيا بتولد خرج بدري والوجع جالها بعد ما خرج… ومرضتش أتصل عليه أقلقه غير لما الدكتورة تطمنا على رابيا، الحمد لله اهي ولدت بالسلامة.. هتصل عليه المسا يجي ياخدنا، تكون حالتها إتحسنت أكتر… هروح أطمن على رابيا والبنت..زمانهم نقلوهم لاوضه عادية.
زفرت والدة رابيا بغضب وحقد وهي تنظر نحو إجلال وهمست بعصبية:
كله من بنتي مش عارفه تعمل لنفسها قيمة ولا شخصية ومستسلمة تحت جناح اجلال سيباها تتحكم فيها، والغبي محسن المريض اللى يحمد ربنا كانت مين هترضي بيه وهي عارفة انه ممكن يموت لو المرض القديم رد عليه تاني.
❈-❈-❈
مساءً
بمنزل محي
. فرحة عارمة وإستقبال يليق بالحفيدة الثانية لـ محي الدين الدباغ
إستقبلها بين يديه يحملها يغمرها بآيات قرآنية..تبسم له محسن وهو يأخدها منه شعر بسعادة لا ينكرها،حتى طفلته الأخرى جلست جواره تشعر بسعادة وهو يضمها له..
لكن غبن وجهه حين تحدثت والدة رابيا قائلة:
الف مبروك يتربوا فى عز الحج محي وعزك ودلال الحجه اجلال وعقبال ما تخاويهم بولد المره الجايه.
نظر لها بسخط قائلًا:
ميفرقش معايا لا ولد ولا بنت.
شعرت بإحتداد كلماته وتقبلتها،بينما غص قلب محي وإجلال اللذان نظرا لبعضهما بتفهم يعلمان سبب كراهية محي لزوجة خاله وعلى يقين أنها تستحق،لكن رابيا ليست مثلها وذاك الأهم.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
كان السبوع لتلك الطفلة،إقتصر على بعض المقربين كذالك والدا فرح
بعد قليل بشقة
جلست فرح جوار والديها ربتت ميرفت على بطنها سائلة:
الحمل عامل معاكِ إيه،تابعي مع الدكتورة بانتظام وكمان التغذية ومطاوعيش كلام أختك الهايف تقولك جسمك هيبوظ بلاش تنفجعي.
ضحكت فرح قائلة:
لا والله عهد من يوم ما قولت لها إنى حامل وكل يوم تتصل عليا وتقولى أتغذي كويس..بس زعلت لما عرفت إنها فسخت خطوبتها من فادي،بصراحة كان عندي شبة يقين إن ده هيحصل فادي طول عمره شخصية تافهة وخالتي مسيطرة عليه وده كان هيبقي خلاف بينها وبين خالتي كده عالبر أحسن،حتى لو خالتي زعلت شوية وهترجع تاني.
أومأ توفيق قائلًا:
القرار كان لها فى الحالتين ودي حياتها ومستقبلها…وأكيد ربنا شايل لها الأفضل.
أومات ميرفت كذالك فرح…بنفس الوقت دلف عليهم فاروق وسمع خبر فسخ خطوبة عهد،استغرب كثيرًا،كذالك هنالك شعور داخلي لكن تعمد طمسه لم يعُد كالسابق هو جاهد وأصبحت عهد بعيده ولن يكون ضعيف فى مشاعر هو الخاسر فيها.
❈-❈-❈
مع مرور فترة زمنيه
بإحد. الثكنات العسكرية
وقف كنان يؤدي التحية لقائده الذي تبسم قائلًا:
أخيرًا بعد خمستاشر شهر هتتخرج من الجيش.
ضحك كنان قائلًا:
والله لو عليا يا افندم مكنتش قضيت فى الجيش خمستاشر يوم، بس للآسف أنا كنت باخد عقوبات كتير… السنة فى السجن بتصفي على تسع شهور فى الجيش تلاتشر شهر وضيف عليهم العقوبات بقوا خمستاشر، بس الحمد لله الفترة الأخيرة كنت مستقيم… عشان أتخرج من الجيش بحُسن سير وسلوك.
ضحك القائد قائلًا:
هزارك الكتير هو السبب فى العقوبات حاول توازن بين الهزار والجد إنت خلاص دلوقتي بقيت شاب ومسؤول عن مستقبلك… ولا هتعتمد على شُهرة عيلة الدباغ.
ضحك كنان قائلًا:
أنا النشاز الوحيد فى عيلة الدباغ بصراحة ناوي أستلم شغلي كـ معيد فى الجامعة يعني انا اللى ينطبق عليه مسلسل”لن أعيش فى جلباب أبي”
ضحك القائد قائلًا:
ربنا يوفقك فى الطريق اللى أختارته، واسمع عنك كل خير، وبلاش مشاغبات نعقل بقي، هتبقي معيد يعني قدوة لطلابك.
ضحك كنان قائلًا:
قدوة سيئة أكيد.
أومأ القائد بتوافق قائلًا:
للآسف، بس متأكد إنك هتتعامل مع الطلاب بروح مرحة …وده نفسه اللي هيخليهم يحبوك ويحترموك، بس المهم تعرف إمتى توقف هزار وإمتى تشد.
ابتسم كنان بثقة ممزوجة بخفة ظله المعتادة قائلًا:
ما تقلقش يا فندم… أنا لما أشتغل رسمي هبقى إنسان تاني… يمكن مش أكيد الله أعلم.
قهقه القائد وهز رأسه قائلًا:
أنا هافتكر الجملة دي… ومتوقع فى يوم ممكن يوصل لادارة الجامعة شكوى من طالب بيقول إن المعيد كنان بيقلب المحاضرة اسكتش كوميدي.
رفع كنان حاجبيه بمبالغة ممثلة:
لا يا فندم… دول طلبة، مش هينفع أضحك عليهم كتير… هسيب لهم فرصة يضحكوا على نفسهم كمان.
وقف القائد من كرسيه ومد يده ليصافحه قائلًا بنبرة تقدير:
مبروك يا كنان… خدمت واتعلمت… وأتمنى تكون المرحلة الجاية أحسن وأهدى.
صافحه كنان بحرارة، والتقط نفسًا عميقًا وكأنّه يتحرر من أثقال الشهور الماضية، ثم تحدث بصدق وابتسامة صغيرة:
شكرًا على كل حاجة يا فندم… مش هنسى أيام الجيش أبدًا… حتى القُعاد فى السجن كان ليه ذكريات.
هز القائد رأسه ساخرًا:
يا رب تكون ذكريات… مش هوايات.
ضحك كنان وهو يستدير للخروج قائلًا:
لا يا فندم… دي صفحة واتقفلت… واستناني فى الصفحة الجديدة… يمكن أطلع قدوة… يمكن مش متأكد.
وغادر وهو يشعر بمزيج غريب من الراحة والحماس… لبداية مرحلة جديدة
❈-❈-❈
بعد مرور فترة زمنيه طويلة
عِدة شهور
……
بالنادي الإجتماعي
بعد فترة من تعدُد اللقاءات بينها وبين نديم، أصبح هناك شيء ما يتسلل إلى داخلها… مشاعر طاغية لم تعهدها من قبل، كأن قلبها خُلق من جديد ليعرف هذا الارتباك…
كانت دائمًا قوية، ثابتة، لا تهتز… لكن معه
تشعر بضعفٍ لذيذ، استسلامٍ لا تفهمه تمامًا…
كلماته المُبطنة التي كانت تراها تلاعبًا بالألفاظ أصبحت تروق لها…فيزيدها ذلك انجذابًا رغمًا عنها..
مديحه…
سواء بجمالها، أو بمهارتها فى الأسكواش.. أو حتى بنظرة عينيها حين تتوتر…
كان ينساب داخلها كدفء تعرف أنه خطر، لكنه خطر جميل، يشبه الوقوع من حافة تريد السقوط منها عمدًا…
كانت تقف أمامه وفي داخلها صراع
هل تهرب من هذا الشعور الذي يكبر
أم تتركه يتمكن منها أكثر…
خاصة حين يقترب منها بنظرة لا تخطئ معناها، ويهمس بصوت منخفض يكفي ليربك نبضاتها.. مشاعر متضاربة غير مفهوم مغزاها لكنها تترك نفسها تنساق معها.
كانت تجلس وحيدة خلف أحد الطاولات بمطعم النادي.. شاردة العقل لم تنتبه الا حين جلس نديم بالمقابل لها وتحدث پاسلوبه الناعم وبجرأة يتعمدها
كان عندي إحساس اني هقابلك النهاردة، بقالنا يومين متقابلناش، حتى كلامنا عالموبايل قليل…
أنا مش فاهم… إزاي كل مرة بشوفك فيها… بتعلمي قلبي حاجة جديدة.
وتلك الجملة الأخيرة كانت السهم الذي اخترق كل دفاعاتها، فابتسامتُها الرقيقة لم تفلح في إخفاء ما يثور داخلها من رغبة، وخوف… واعتراف لم تنطق به بعد…
نظرت له دون رد، ذلك الجرئ
لا يتلاعب بكلماته فقط بل يتلاعب بنبضها نفسه…
رغم أن الأرض ثابتة أسفل قدميها، لكن قلبها تزعزع… فإبتسمت كأن كلماته لها مفعول
ابتسم نديم ابتسامة صغيرة، شبه مُنتصرة…
بدأ يتيقن أن تلك المغرورة تسقط فى شِباكه
مد يده ولمس يدها بأطراف أصابعه، لمسة خفيفة ترقب كل رد فعل لها…وهو يتحدث بنبرة منخفضة، ناعمة… ناعمة لدرجة تخوف:
يا يارا… لو تعرفي قدّ إيه صوتك… عنادك… حتى غضبك…
بيغير فيا حاجات عمري ما تخيلت إنها تتغير.
اتسعت عينيها، انحبست أنفاسها لثواني من المفاجأة…
تعمد الحديث بعناية محسوبة تشبة إعتراف:
طول عمري واقف ثابت… مش بسمح لحد يقرب أكتر من اللازم… بس إنتِ
إنتِ عديتي المسافة…من غير ما آخد بالي.
ابتلعت ريقها… تشعر بسخونه…
ولأول مرة، الغرور لا يكون دِرعها… سقط عنها
تسألت بصوت يكاد يُسمع:
ليه بتقول كده دلوقتي…
ضحك بخفوت، ضحكة تحمل مزيج بين صدق وخداع…ضحكة ليس سهل أن تفهم معناها… وأجابها:
يمكن عشان لقيت اللحظة المناسبة…
يمكن عشان لو ماقولتش الكلام ده دلوقتي… هافقدك… أو أندم بعدين.
جذب مقعدها يقربها منه ، دون ان يلمسها فعليًا… وإقترب بوجهه منها…
عيناه كان بها بريق…
بريق يعترف… ويخفي في نفس اللحظة.
ارتجفت لا تدري أن نديم شعر بارتجافتها، ورأى أثر كلماته…
يشعر بنشوة إنتصار
اقترب أكتر، وصوته أصبح أدفأ، وأخطر:
أنتِ ملكتي زاوية في قلبي… يمكن أنا نفسي مش عارف أتخلص منها
ومش عارف سببها في حيرة، اذا كان رغبة، في تعلق… بس بقيت عاوز أشوفك طول الوقت حتى لو هنتخانق.
رغم غرورها لكن لاول مرة تسمح لأحد أن يخترق ذلك، شعرت بضياع…
ابتسم دون أن تفهم حقيقة مغزى تلك الابتسامة.. ابتسامة صغيرة…
ابتسامة واحدة لكنها كفيلة أن تفضح إنها ليست كلها صدق… تأكد أن تأثيره عليها أصبح أقوى وعليه إتخاذ خطوة أخيرة ليصل لها وها هو يراوغ:
يارا أنا موظف فى وزارة الخارجية… صحيح واجهه مُشرفة لكن طبعًا ماليًا زي أي موظف حكومي، كمان بابا قاضي مُتقاعد… وطبعًا مش بقول الكلام ده إستقلال مني، بالعكس أنا فخور بذاتي جدًا… كفاية إن سبب عضويتي فى نادي كبير زي ده خدتها بمجهودي وتفوقي فى رياضة الإسكواش… لكني عارف إنك بنت “محي الدين الدباغ” وده ممكن يتفسر إني طمعان فيكِ و…
لأول مرة تتسرع وهي تُقاطعه:
مش فاهمه عاوز توصل لأيه ياريت بلاش مراوغة.
تبسم بإنتصار قائلًا:
من الآخر أنا بحبك يا يارا.
تهدمت حصونها وبسمة خجل منها وإيماءة كانت دليل أن مشاعره الكاذبة إنتصرت.
❈-❈-❈
منذ أن تخرجت عهد من الجامعة أصبح تركيزها مُنصب فى عملها كمضيفة طيران، تطير بين البلدان…
صدفة قدرية اليوم هي موجودة بـ مصر
فتحت عينيها على حديث ميرفت لها بقلق عارم!
عهد إصحي…الحجة إجلال إتصلت عليا من شوية بتقول إن فرح حاسة بوجع الولادة إتصلوا عالدكتورة قالت لهم هتستناهم فى المستشفى وخدتها وزمانهم وصلوا المستشفي.
ازاحت عهد الدثار عنها ونهضت سريعًا تشعر بارتباك قائلة:
هغير البيجامة بسرعة نروح لها…هو بابا فين.
بقلق أجابتها:
بابا خرج من بدري قال هيروح عند الحج محي المصنع بتاع الجلد…المهم دلوقتي أخلصي ألبسي عشان نروح لأختك.
بعد قليل
وصلن الى المشفي،ذهبن نحو مكان جلوس اجلال امام تلك الغرفة الخاصه بالولادة..وقفت ميرفت تلهث سائلة بقلق:
بقالها كتير جوه.
اومأت اجلال برأسها بنفي:
لاء..بس إنتِ عارفة الدكتورة فى آخر متابعة ليها قالت إحتمال تولد قيصري،ربنا يسهل…وتولد طبيعي.
وقت قصير لكن لا يمُر…شعرت عهد بالضيق وكعادتها تود الحديث لمجرد الحديث بإستهجان:
فين فاروق مش فرح تبقي مراته وبتولد مش المفروض يكون هنا جنبها،ولا مشاغله أهم من مراته وإبنه.
نظرت لها ميرفت بلوم وغيظ،بينما تحدثت اجلال:
أنا اللى مرضتش أقوله،هيقلق،وهو مهما كان مش زينا معندوش صبر.
تهكمت عهد قائلة بهمس:
معندوش صبر ولا بيتهرب من مسؤولية،غيره يشيلها.
نظرت له ميرفت بزغر، غصبً صمتت.. حاولت تحمل ذلك القلق…
بعد وقت خرجت الطبيبة تبسمت لهن قائلة:
الحمد لله كان معجزة الولادة تكون طبيعية بس الجنين عدل نفسه فى اللحظات الأخيرة والحمد لله ولدت طبيعي…هتطلع دلوقتي تدخل أوضة عادية وهتفضل معانا للملاحظة وان شاء تخرج على بالليل.
إبتسمن ثلاثتهن وشعرن براحة..
بعد وقت وقفت عهد جانب فراش فرح سائلة:
هي ليه مش بتفتح عنيها الدكتورة قالت:
شوية إجهاد من الولادة.
تبسمن ميرفت وأجلال قائلة:
وهو تعب الولادة هين،ده روح بتنسلخ من روح تانية..يعني بتاخد جزء من روحها..الحمد لله.
بينما نظرت لها ميرفت بحنق قائلة:
تعالي إقعدي جنبا يا عهد وبلاش تبقي شعنونة..
نظرت لها عهد بغضب فتبسمت ميرفت…إمتثلت لحديث عهد وجلست جوار اجلال عينيها تنظران الى ذلك الصغير،لاحظت إجلال تلك النظرات فتبسمت وحسمت قرار قد يجعل عهد تهدأ…
لحظات وتفاجئت عهد التى
إرتعشت يديها حين اعطت إجلال الصغير لها.. تبسمت ميرفت كذالك إجلال التي تبتت على يديها قائلة:
إعدلي الولد على إيديكِ، خلي كفك تحت ظهره.
خفق قلبها وتبسمت وهي تفعل مثلما قالت اجلال، بينما إستهزأت ميرفت قائلة:
دي عدوة الأطفال، ومش بتحب العيال الصغيرة.
ضحكت عهد قائلة:
والله ولا العيال الكبيرة… مبحش الزن.. بس ده صغنون أووي… كمان حلو أووي.
ابتسمت اجلال قائلة:
نسخه من فاروق وهو مولود عندنا صورة له نسخه طبق الأصل.
تبسمت ميرفت بينما تمتمت عهد ببضع كلمات الحُنق…نغزتها ميرفت ونظرت لها بزغر..بينما لم تسمعها إجلال التى نهضت نحو فرح التى مازالت غافيه من أثر إجهاد الولادة.. تبسمت قائلة:
فرح نايمة، الحمد لله الولادة تمت بخير، هروح أشوف فين المسجد بتاع المستشفى أصلي ركتين شُكر لله.
نهضت ميرفت قائلة:
الحمد لله، خديني معاكِ أصلي أنا كمان…
نظرت عهد نحو ميرفت قائلة:
والولد هعمل فيه إيه.
نظرت لها ميرفت بتحدي قائلة:
خليكِ قاعدة بيه وإن عيط إبقي إتمشي بيه فى الأوضة إحنا مش هنغيب، وخلي بالك من أختك، إن صحيت قبل ما نرجع.
نظرت لها عهد بذهول وكادت تعترض، لكن غادرن الغرفة وظلت هي تحمل ذلك الصغير، نظرت له تتحدث بإدعاء:
أنا إتورطت فيك ولا أيه خليك ساكت بقى.
لكن الصغير إعترض ويبدوا أراد أن يُظهر جانب الضجر المرح بها، وبكى.
نظرت له تخدثه بعتاب مُفتعل:
كنت متوقعه إنك هتبقي غتت وهتستندل وتعيط… إسكت وأبقي أجيبلك هدية من رحلتي الجاية.
تبسمت فرح التي تحدثت بخفوت:
بترشي الولد من دلوقتي.
نظرت عهد نحو فرح وتوجهت نحوها ونظرت لها لاحظت أنها حين تحركت توجعت تحدثت بلهفه:
فرح إنت موجوعة… إتصل عليهم فى الإستقبال يبعتوا دكتور.
نهتها فرح ببسمة خافته:
لا يا عهد انا بخير بس لما ضحكت إتوجعت شوية… فين ماما وطنط اجلال.
زفرت عهد نفسها بإرتياح قائلة:
راحوا يصلوا وسابوني مع الشيطان الغتت ده.
ضحكت فرح قائلة:
ده مبقالوش ساعات يا عهد بقى غتت.
اومأت عهد قائلة:
ايوه عشان بسببه إتوجعتي كمان مش بطل عياط غير لما اتمشيت بيه.
ضحكت فرح،نظرت عهد لـ الصغير وتبسمت قائلة:
بصراحة الولد حلو، كمان عيونه لون عيونك.. وطنط أجلال تقولى نسخه من باباه
بقي القمر الصغنون ده شبه “الوحش العملاق”.
ضحكت فرح فآنت بألم… قبل أن تستطرد فرح وصلة إستهجانها سمعن صوت طرق على باب الغرفة، ثم دخول فاروق..
نظرن الإثنتين له، تبسمت فرح، ذهب فاروق نحوها مباشرةً وتحدثت بلهفة حقيقية:
حمدالله على سلامتك.
تبسمت فرح قائلة بمودة:
مش عاوز تشوف ياسين قبل ما عهد تتخانق معاه.
ابتسم فاروق بإيماءة ، وذهب نحو عهد…
قابلته بابتسامة صغيرة وهي تعطي له الصغير…
في اللحظة التي لامست فيها يدا فاروق جسد صغيره، ارتجف شيء بداخله…يشعر كأن العالم وُضع بين كفيه، قلبه عثر على أحد أدواره الحقيقية…
رفع نظره نحو عهد التي تبسمت ثم وجهه نظره نحو فرح وذهب نحوها جلس جوارها، تبسمت له وهو يضع قُبلة فوق رأسها ثم نظر نحو صغيره
ذلك الشعور لحظة فارقة فى حياته لن تنسي..
بينما شعرت عهد بحياء، بالنهاية هما زوجان، غادرت الغرفة فى هدوء وقلبها سعيد من أجل فرحة فرح بصغيرها… كذالك لهفة فاروق ومعاملته اللطيفة لـ فرح أثلجت صدرها بسعادة تمنتها لـ فرح رغم إختلافها وخلافها الدائم مع فاروق… والذي لأول مرة يجتمعان ولا يحدث بينهما مُشاحنة أو حديث حاد.
«يتبع»
توقعوا خناقة بين عهد وفاروق يمكن تتسبب فى شرخ بين الاخوات
يتبع.. (رواية عهد الدباغ) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.