رواية رسائل زوجتي – الفصل السادس
بارت 06
لم أعد أشعر بوجود قلبي، كان الأمر يبدو عاديا بالنسبة لي، بل عكس ذلك، قررت أن أذهب إلى غرفتي، وأخذتني رغبة جامحة في ارتداء فستان أسود، اللون الذي يكرهه زوجي، تزينت كما لو كان عرسا لأحد الأقارب، وحضرت صينية تحتوي على إبريق شاي وبعض المكسرات، بالإضافة إلى صحن الحلويات وعصير الفواكه ثم صعدت إلى غرفتي، وعندما سمعت أصواتهم، خرجت إلى الشرفة لأراها.
كانت ترتدي حجابا زهريا بسيطا، وأخوها وزوجي بجانبها، بدا عليهم الفقر وقلة الحاجة، كانت ملامحها بسيطة والتواضع واضح في تصرفاتها، كانت تحمل غيثا وتمسك بيد ابنتي ليلى.
لو رأيتها، أيها القارئ، لأحببتها من أول نظرة، لكن قلبي كرهها من أول لحظة.
دخلوا إلى المنزل، وجلسوا في رواق البيت، قدم لهم زوجي عصيرا وبعض الحلوى قائلا
“إنها حلويات زوجتي الشهية…”
رغم الحزن الذي كان يكتنفني، شعرت بشيء من الامتنان لمدح زوجي لكن، تخيلوا، كانت تطعم أولادي وتداعبهم وتقبلهم من حين لآخر، قلت في نفسي
“إنها تحاول جذب زوجي، يا لها من جنية… وتحاول أيضا أخذ أولادي.”
كانت الغيرة تملؤني، والأمر أصبح خارجا عن سيطرتي.
مرت لحظات، وغادر أخوها، انبهرت حين رأيت غيث ينام في حضنها وليلى بجانبها، لم تصدق عيني ما رأت، كيف لصغاري أن يتعودوا عليها؟ هل يعقل هذا؟
لم يكن هذا فحسب، بل تساءلت عني قائلة
“سرحات، أين عذراء؟ أتوق لرؤيتها.”
كنت أعلم أن سرحات يعرف تماما أنني لا أريد رؤيتها، فلم يكن في قلبه إلا أن يعذرني، اعتذر بدوره قائلا إنني أنام باكرا، حين سمعت ذلك، شعرت بشيء غريب يتسرب إلى داخلي، كالخنجر المسموم، لكنني لم أعلّق.
كانت تعابير وجهها واهتمامها بي، وكأنها تتفقدني كما يتفقد الغريب حديقة لا تخصه.
حملت غيث بين يديها وقالت
“أرشدني إلى غرفة الصغار…”
لكن سرحات، كما لو أنه كان ينتظر هذه اللحظة، قال بصوت هادئ
“لا داعي، سأخذهم إلى أمهم.”
وضع غيث على الآريكة، والأدهى أنها نزعت حجابها، فظهرت ملامحها بوضوح ثم قامت بتغطية الأطفال، لكن شيئا في داخلي تمرد، فشعرت أن ما تفعله كان مجرد تمثيل، محاولة إظهار نفسها طيبة، في حين أنني لم أكن أصدق ذلك أبدا.
أرشدها سرحات إلى غرفتها، ثم حمل غيث واتجه إلى الطابق العلوي، أما أنا، فقد ركضت إلى غرفتي، حيث ألقيت بنفسي على السرير، متظاهرة بأنني نائمة.
أغلق الباب بهدوء، وسمعت خطواته تقترب مني، دخل زوجي وأخذ غيث ووضعه بجانبي ثم جلب ليلى وأعاد وضعها بالقرب مني، كأنما كان يراقبني عن كثب، اقترب مني همسا في أذني، وصوته مليء بتلك الثقة التي لا أحتملها في لحظاتي الضعيفة
“أنفاسك المتسارعة وحركة رموشك، وطريقة استلقائك تؤكد أنك مستيقظة.”
شعرت بالدماء تتجمد في عروقي، بينما يده تدفعني إلى مواجهة عميقة مع نفسي، أغمضت عيني بشدة، وقلت بألم يكاد يفتك بي
“خائن.”
“أنا؟”
“ومخادع”
“عذراء، رجاء..”
كان صوته يحاول تهدئتي، لكنه لم يكن ليصل، قلت بلهجة لا تحتمل الجفاء
“اخرج من غرفتي، لا أريد أن أراكما تتجولان في الطابق العلوي، اذهب الآن وأخبرها أن تبتعد عن أولادي.”
نظرت إلى عينيه في تلك اللحظة، كان هناك شيء غريب، شيء كان يعتقد أنه يمكنه تغيير قراري، ولكن كان في قلبي ما يكفي من الثقل كي يرده إلى مكانه.
أجاب بصوت هادئ، كمن يحاول أن يلمس مكانا حساسا
“إنها طيبة، عذراء، صدقيني، ستحبينها مع الوقت…”
لم أستطع أن أسمع المزيد، كنت بحاجة إلى العزلة، للهدوء، لحظة من السلام، قلت بألم شديد، مغمضة عيني
“توقف، أرجوك، أنا بحاجة للبقاء وحدي.”
توقف قليلا، ثم قال بصوت أكثر هدوءا
“عذراء، لو أخبرتك عن مأساتها، فستبكي جدران الغرفة لحالها.”
“أرجوك، لا أريد سماع فيلمها لا منك ولا منها، دعني من فضلك، لا تضغط علي…”
#يتبع
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية رسائل زوجتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.