رواية خذلان الماضي الفصل الخامس 5 – بقلم الاء حجازي

رواية خذلان الماضي – الفصل الخامس

هو نفسه اللي كانت آخر واحدة تتخيل إنها تشوفه واقف في بيتها… كعريس.
واتسعت عينيها فجأة، من غير ما تحس…
وجواها صرخة اتخنقت:
…إزاي؟
هو.
أويس.
نفس النظرة الهادية اللي كانت بتشوفها كل يوم في المكتب، نفس الوقفة اللي عمرها ما توقعت تشوفها كا عريس جاي يتقدم لها.
عينها اتسعت فجأة، ووشها سخن.
أبوها قال وهو مبتسم:
_ طبعًا إنتو مش محتاجين تتعرفوا على بعض… ما انتو شغالين في مكان واحد.
ضحكة خفيفة خرجت منه، وبعدها قال:
_ أنا هسيبكم شوية… تتكلموا براحتكم.
وسابهم.
نسرين اتوترت، وفضلت تفرك صوابعها بعصبية، مش قادرة تبص له، بس حاسة بنظرته عليها… ثابتة وهادية ومربكة.
أويس قال بصوته اللي نسرين حافظاه من الشغل:
_ ممكن… أعرف ما جيتيش الشغل الأسبوع اللي فات ليه؟
نسرين بسرعة:
_ لا… لا، كنت تعبانه شوية بس.
قال بهدوء:
_ ألف سلامة عليك.
وسكتوا.
سكون تقيل نزل بينهم… لدرجة إنها سمعت دقات قلبها.
هي انفجرت فجأة، من غير ما تبص له:
_ ليه…؟
رفع حاجبه:
_ ليه إيه؟
بصت له للحظة، وعينيها فيها حيرة وخوف:
_ ليه… أنا يعني؟ أنت… متدين جدًا… وأنا مش زيك. مش… على نفس الدرجة.
أويس سكت.
سكت بجد…بصّ لها باستيعاب… وبعد ثواني قال بهدوء صادق:
_ بصي… إحنا مش ملايكة. ولا أنا ملاك.
أنا عندي غلطاتي… وربنا بس اللي عارف كل واحد فينا.
_ بس أنا… مرتاح لك.
كمل بنفس الرزانة:
_ وأهم حاجة… الراحة. ولو مصممة تعرفي ليه، لما نكتب الكتاب إن شاء الله… أقول لك.
نسرين اتنفست بحدة وهدت، وعيونها نزلت تاني للأرض.
هو غير الموضوع بلطف:
_ طب… قوليلي. إيه المواصفات اللي أنتي حطاها لزوج المستقبل؟
نسرين رفعت راسها ببطء، وصوتها فيه شوية ارتباك لكنه مليان حزم:
أكل ده و أويس سكت، مركز في كل كلمة
المواصفات اللي أنا عايزاها في زوجي المستقبلي:
لازم يكون حنين، يعرف يحافظ عليا ويحمي قلبي،و يتقي ربنا فيها… يخاف عليّ في كل موقف.
يعلمني ويعلّم أولادنا الصح من الغلط، يكون قدوة لأولاده، قدوة لنا.
صبور ومتفاهم، يسمع أكتر ما يتكلم.
يحترم خصوصيتي، ويقدر قراراتي،و يكون صادق وأمين، ما يخدعش، وما يستغلش.
ويعرف يشارك في المسؤوليات ويقف جنبي وقت الشدة.
و يحب ربنا ويحافظ على صلاته، ويعلّم أولادنا الدين والتربية الصحيحة.
نواياه طيبة وصافية، ويفهم قيمة الحب والاحترام في العلاقة.
وصوته يكون داعم لما أحتاجه، وعيونه تكون مراعية لمشاعري، مش أداة ضغط.
يعرف يوازن بين الشغل والحياة العائلية، ويكون حنون مع أولادنا.
وأهم حاجة… يكون شخص يخاف الله ، ويهتم بالتفاصيل الصغيرة اللي بتخلي البيت حنون وآمن.
نسرين أخدت نفس عميق، وحست بالهدوء يتسلل ليها.
أويس سكت تاني، بس ابتسامته فيها تقدير وهدوء، كأنه بيحس بكل كلمة خرجت من قلبها، وبيفهم عمق ما قالته.
وكملت بصوت واطي، واضح إنه خارج من قلبها:
وبعدين… مفيش حد فينا ملاك.
أكيد كل واحد فينا هيكون فيه عيوب…
بس رغم العيوب… المهم يحافظ على اللي قدامه، ويخاف عليه، ويصونه.
كلامها نزل عليه بهدوء…
وبصّ لها بنظرة احترام حقيقي، نظرة بتقول إنه قدّر كلامها:
عندِك حق.
سكتت شوية… وبعدين قالت بهدوء:
طب… وانت؟ إيه مواصفات زوجتك المستقبلية؟
هو مال بجسمه لقدّام شوية، وصوته فضل ثابت:
إنها تكون محترمة… بنت أصل.
تقدر الحياة الزوجية… وتحافظ على بيتها.
وتكون صريحة وواضحة… وتخاف ربنا.
والباقي؟… كله بيتعلم، وكلنا بنكمل بعض.
كلام بسيط… بس نسرين حسته داخل قلبها من غير ما تقاوم.
وبرغم الراحة اللي حسيتها قعدت بتحرك صوابعها بتوتر،و تفرك في إيديها كأنها بتحاول تهرب من نفسها.
خدت نفس صغير… ورفعت عينيها عليه بخجل خفيف:
طب… يعني… الماضي؟
لو… لو حاجة حصلت زمان… ولا حاجة غلط…
إنت… يعني… ممكن…
كملت الجملة بصوت متلخبط وهي تبص لإيديها:
ممكن مــــــــــــا وماقدرتش تكمل كلامها.
أويس فضل ساكت ثانية…
بس نظرته كانت كلها احترام وهدوء…
نظرة حد مش بيحاكم، ولا بيقلب في ورق حد… حد بيطمن.
قرب بجسمه شوية لقدّام، وقال بصوت دافي وثابت:
بصي يا نسرين…
أنا ما ليش دعوة بأي حاجة حصلت زمان.
اللي فات… فات.
وإحنا مش ملايكة… وكلنا بنغلط…
وكل واحد فينا ليه لحظات مش فخور بيها.
هي رفعت عينها عليه… نظرة ارتياح صغيرة ظهرت جواها.
كمل بنفس الهدوء اللي بيهد جبل:
أنا ليّا من أول دلوقتي.
من اللحظة اللي عرفتك فيها…
ومن الكلام اللي اتقال بينا النهارده.
مش من اللي قبل كده.
ولو في حاجة حصلت… فده بينك وبين ربنا.
مش بينك وبيني.
حست بكلمة ربنا بتنزل عليها زي الميّة الباردة.
توترها خف… وإيديها هديت شويّة.
وقبل ما تفتح بقها ترد…
الباب اتفتح.
أبوها دخل وهو بيبتسم:
ها يا ولاد… عملتوا إيه؟ خلاص؟
أويس وقف بسرعة باحترام:
أيوه، و بعد إذنكم… أنا أمشي بقى.
أبوها قرب منه وقال له بمحبة أب:
ما لسه بدري يا ابني، اقعد شوية.
أويس هز راسه بأدب:
والله يا حاج أصل لازم ألحق أروح… بس مبسوط إني شوفتكم.
أبوها ربت على كتفه وقال له:
إن شاء الله خلال يومين تلاتة… وهنبلغك الرد.
أويس ابتسم ابتسامة قصيرة، وبص لنسرين بنظرة هادية…
وبعدين خرج.
الباب اتقفل…
والسكوت نزل على الصالة ثواني.
أبوها لف لها كرسيّه… وبص في وشها:
ها يا حبيبة بابا…
إيه رأيك؟
نسرين أخدت نفس طويل…
نظرت لتحت شوية… وقالت:
بصراحة يا بابا…
أنا مبدئياً… مرتاحة.
طريقته حلوة… وكلامه مريح…
وحسّيته هادي ومحترم.
رفعت عينها عليه وكملت:
بس… إن شاء الله هصلي استخارة…
وأرد عليكم.
—————————–
عدّت الأيام، ونسرين كانت كل مرة تصلي استخارتها تحس براحة جواها. مع كل صلاة كانت قلبها يثبت أكتر، وكانت قادرة تفكر بهدوء وتقرر إنها ماشيه على الطريق الصح. ما بقيش فيها توتر جامد زي الأول، وكانت حاسة إنها مستريحة بقرارها.
وفي يوم، اتكلمت مع أبوها وقالت له بصوت هادي: يا بابا… أنا موافقة ا
وابوها ابتسم لها وقال: تمام يا حبيبتي، ربنا يتمم بخير.
بعدها جه أويس، وخلصوا كل الترتيبات للخطوبة. قرأوا الفاتحة، جهزوا الدهب، وكل حاجة كانت واضحة ومنظمة. نسرين حسّت إنها ارتاحت، وإن كل حاجة اتوضحت، وإنه خلاص ممكن تبدأ مرحلة جديدة في حياتها.
تاني يوم، نزلت الشغل. كانت مختلفة عن قبل، أكتر هدوء واطمئنان. كانت حاسة بالراحة النفسية في تصرفاتها وكلامها مع الزملاء، وعارفة إنها خدت القرار الصح، وإنها دلوقتي جاهزة تمشي لقدام بثقة.
دخلت المكتب وقاعدة تشتغل عادي، صوابعها بتتحرك بين الأوراق، عيونها مركزة.
فجأة، قلبها اتقبض. رفعت عينيها… لقت أحمد واقف قدام مكتبها.
قالت بصوت هادي:
خير يا أستاذ أحمد؟
أحمد لمح الدبلة في إيديها، ضحك بسخرية:
إيه ده… اتخطبتي؟
نسرين رفعت حاجبها وقالت بابتسامة مستفزة:
أيوه.
أحمد ضحك بنفس السخرية:
مش تعرفينا بخطيبك؟
وفجأة، أويس دخل. وقف جنب أحمد، صوته جاد:
أنا خطيبها.
أحمد اتجمد، عينه اتسعت، التوتر ظهر على وشه وقال برتباك:
ألف مبروك.
أويس ابتسم بهدوء وقال:
الله يبارك فيك.
وبدون أي كلام زيادة، أخذ الملف ومشى.
أحمد قرب من مكتب نسرين، عيناه مليانة تملك ونرجسية، صوته واطي وثقيل:
مش هخليك تتهني يا نسرين… وهخلي خطيبك اللي فرحانة بيه ده يسيبك. لا، هتكوني ليا… ولا ليه… ولا لحد خالص.

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية خذلان الماضي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق