عشق لاذع “تمرد عاشق الجزء الثالث” – الفصل التاسع والأربعون
حلقة خاصة
يامن غزوتَ القلبَ ثمَّ سكنتهُ
ورويتَهُ حبًّا وعطفًا وأملا
قد صارَ نبضي في حضوركَ همسةً
تحكي هواكَ وتستفيضُ مُبتهلًا
أنتَ الحياةُ إذا تجلَّتْ فرحةً
وأنتَ في ظُلمةِ الليالي المِشكَلَا
يا ساكنَ الروحِ التي لم تعرفِ
إلَّاكَ عشقًا يبتغيكَ مُكمَّلَا
كيفَ السَّبيلُ وقد ملكتَ مشاعري
إلا بوصلكَ، فالهوى مُستأصلا؟
هل يعجبك هذا الأسلوب؟ يمكننا تحسينه أو إضافة المزيد إن أردت!
بداخل حيِّ الألفي، الحيِّ الذي يضجُّ بالسعادةِ والبَهجةِ مع قُربِ حلولِ الشهرِ الكريم، كانَ الشبابُ منهمكينَ في تزيينِ الحيِّ بالأفرعِ المُلوَّنةِ التي تُميِّزُ هذا الوقتَ من العام، وفي تعليقِ الفوانيسِ التي تحملُ عَبَقَ الذكرياتِ وروحَ الأصالةِ الموروثةِ منذَ العصرِ الفاطمي.
تصاعدت الضحكاتُ حينما التفتَ فارسُ نحوَ جوادٍ مازحًا:
أنا عايز أعلِّق جواد بدلَ الفانوس، يمكنْ نستفيدْ منه شوية، بدلْ ما هو قاعدْ يعدِّلْ علينا!
رفعَ جوادُ أحدَ الأفرعِ وألقاه عليه، قائلاً بلهجةٍ ساخرة:
اسكتْ يا فارس، ولا أرفعْك من فوقِ السُلَّم وأسيبْك معلَّق من رجليك! خلِّصْ شغلكْ وانتَ ساكت.
أسندَ فارسُ ظهرهُ على السُلَّم وابتسمَ بمكرٍ، متوقفًا عن العملِ وهو يردُّ بتحدٍّ خفيف:
طيب، عايزْ أشوفْ هتعملْ إيه يا حضرةِ الظابط! يابني، أخرِجْ صفَّارةْ وامشي زي أيامِ الدَرَك، وقُلْ: “مين هناك؟”.
قبلَ أن يردَّ جوادُ، وصلَ ياسينُ بخطواتٍ واثقة، عاقدًا حاجبيهِ وهو ينقلُ نظرَه بينهما:
بتعملوا إيه؟ لسه مخلصتوش؟
بخِفَّةٍ قفزَ فارسُ من فوقِ السُلَّم، وألقى ما بيده قائلاً بابتسامةٍ واسعة:
ياسو! طولْ عمري بحبَّك. أنتَ العاقلُ الرزينُ بتاعْ العيلة. اتفضلْ حبيبي، كملْ مع ابنْ عمتك. أنا تعبت!
قالها بسرعةٍ وتحركَ مبتعدًا، تاركًا جوادَ يحدقُ فيه بغرابة:
الواد ده ماله؟
صعدَ جوادُ السُلَّم ليواصلَ تعليقَ الزينة، وهو يهزُّ رأسَه قائلاً لياسين:
سيبْك منه، ده مجنون. ناولني الحاجاتْ دي علشانْ نخلصْ قبل ما أوس ييجي. خلقي بقى في مناخيري.
ضحكَ ياسينُ بخِفَّةٍ، وانحنى يساعدهُ في توزيعِ الأفرع، بينما راحت الألوانُ المُبهجةُ تضفي لمسةً ساحرةً على الحيِّ، كأنها تنبضُ بروحِ رمضان.
—
داخلَ فيلا جواد، حيثُ الأجواءُ مفعمةٌ بالدفءِ العائلي، كان الجدُّ يجلسُ على الأرضِ وسطَ أحفادِهِ: لين، كنان، راسيل، وأدهم. بعنايةٍ أدارَ لعبةَ القطارِ الكهربائي، ثم أشارَ لكنانَ بابتسامةٍ مشجعة:
يلا يا حبيبي، الفطارْ بقى جاهز. خُذْ ابن عمكْ والعبوا برة لحدَّ ما أخلصْ شغلي، وأنزلْ ألعبْ معاكم.
نهضتْ راسيل، وهي تنظرُ لجواد بابتسامةٍ طفولية، ورفعت يديها إليه:
جدو، قربْ علشانْ أبوسك! أنتَ طويلْ أوي.
ضحكَ جوادُ بحنانٍ، وأمسكَ بيدها الصغيرةِ ليطبعَ قبلةً دافئةً عليها:
حبيبةُ قلبِ جدو إنتِ. ممكنْ تاخدي إخواتكْ وتلعبوا برة شوية؟
عبستِ الطفلةُ بحركةٍ عفوية:
أوووف يا جدو! تاني نلعبْ برة؟
ابتسمَ جوادٌ بحنانٍ وهو ينهضُ من مكانِه، ثمَّ انحنى ليكونَ في مستوى الأطفال، يطبعُ قبلةً دافئةً على رأسِ أحدِهم، مشيرًا بيدهِ نحوَ مكتبِه بابتسامةٍ لطيفةٍ تفيضُ دفئًا وأمانًا.
“آسف يا جدو، عندي شوية شغل صغنّنين. إيه رأيكم تلعبوا شوية لحد ما جدو يخلّص وييجي يلعب معاكم؟”
تعالت ضحكاتُ الأطفالِ وصفّقوا بحماسٍ، وكأنَّ كلماتهِ كانت المفتاحَ لإسعادِهم. سحبَ كنانُ يدَ لينَ برفقٍ واتّجه بها نحوَ الخارجِ بخطواتٍ طفوليّةٍ مفعمةٍ بالحياةِ، بينما توقّفت راسيلُ للحظاتٍ عندَ الباب. ظلّت تتأمّل إيهمَ، تنتظرُ منهُ ولو كلمةً تُشعرُها بوجودِه بجانبِها، لكنْ خابَ ظنُّها. زفرتْ بخفوتٍ، ثمَّ جذبتْ أدهمَ، شقيقَها الأصغرَ، واتّجهتْ معهُ بخطواتٍ بطيئةٍ نحوَ الخارجِ، تُلقي نظراتِها الأخيرةَ على إيهمَ بخيبةِ أملٍ لا تخفى.
مرّت دقائقُ، وكانت الغرفةُ تعجُّ بصمتٍ مليءٍ بالحياةِ غيرِ المرئيةِ، حينَ دلفتْ غزلُ إلى الغرفةِ وهي تحملُ كوبًا من العصيرِ. تقدّمتْ نحوهُ بخطواتٍ هادئةٍ وابتسامةٍ صغيرةٍ ترتسمُ على وجهِها.
“جدو جواد، نانا عملت عصير علشان تفصل
“تعالي هنا يا زوزو، في الآخر مالناش غير بعض. مش ولادك الحلاليف، كل واحد منهم نسي أبوه.”
ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة، وعيناها تلمعان بمزيج من الحنان والحزن، ثم قبضت على يده برفق كأنها تستمد منه الأمان، وقالت بمحبة:
“ماحدش بينسى أبوه يا جود. يمكن مشاغل الدنيا تاخدهم بعيد، لكن الحب والوفا دايمًا موجودين. وأنا معاك، وعمري ما هسيبك.”
كانت كلماتها كنسيم دافئ، تخفف من ثقل الوحدة الذي حمله قلبه، وتجعل كل شيء يبدو أخف وأقرب إلى الأمان.
ابتسمَ جوادٌ بخفّةٍ وهو يضعُ يدَهُ على يدِ غزلَ بحنانٍ، ثمَّ رفعَها ليطبعَ قبلةً دافئةً على ظهرِها، وكأنَّه يريدُ أن ينقلَ إليها شيئًا من دفءِ قلبِه. كانت عيناها تحملانِ مزيجًا من الحنانِ والقلقِ، قبل أن يقولَ بصوتٍ هادئٍ:
رَبِّنا يخلِّيكِ لِيّا يا بِنْتَ قَلْبِي الغالية.
صمت قليلاً ثم تنهد بتردد، بنبرة تجمع بين الجدية والدعابة:
– الحلوف ابنك لسه نايم؟
أفلتت ضحكة ناعمة وهي تلاعبه بلَكْزة خفيفة على ذراعه، قائلة برقة:
– ما تسيبوش يا جواد، الولد بيغيب أيامًا.
رفع حاجبه ساخرًا، وبنبرة تهكم واضحة في صوته:
– أيام؟ ده بيمشي الصبح ويرجع تاني يوم بالليل! خليتيهم أيام؟ ولا هو اللي منفلت؟ والبت الغبية اللي بيضحك عليها ببوسة دي؟
قهقهت “غزل” وهي تهز رأسها في استسلام، ثم أردفت بحنان:
– كفاية ياسين، وعامله يا جواد.
خايف عليهم يا زوزو، كبروا وبقوا في سن لازم يشيلوا فيه همَّ حياتهم ويتحملوا مسؤوليتهم، لكن القلق ما بيسيبنيش. جاسر وياسين، رغم إنهم إخوات، إلا إنهم مختلفين تماماً، وكأنهم من عالمين مختلفين، وده دايماً مخليني محتار أتعامل مع كل واحد فيهم إزاي.
مفيش غير أوس اللي مريحني شوية، يمكن عشان أهدى وأعقل منهم بس حتى ده مش مخلّيني مطمِّن . أمَّا التاني، فمتهوِّر وما بيفكَّرش قبل ما يتحرَّك. شوفي! سايب عياله من امبارح ونايم فوق وكأن الدنيا ماشية زي ما هو عايز! وحابس “الهبلة” معاه،
نظرتْ إليهِ غزلُ بعينَيها اللتينِ امتلأتا بالحبِّ والحنانِ، وكأنَّها تقرأُ روحَهُ من الداخلِ. اقتربتْ منه أكثر، وكأنَّها تريدُ أن تطمئنَّه بنبضِ قلبِها قبل كلماتِها. جاء صوتُها ناعمًا ودافئًا، محمّلًا بالسكينةِ:
“إنتْ طول عمرك سندهم يا جوادي، ومش ممكن يضيعوا وإنتْ معاهم”
تنهدَ جوادٌ تنهيدةً طويلةً، وكأنَّ الحديثَ أزاحَ عن صدرِه عبئًا كان يخنقُه. أمالَ رأسَهُ على كتفِها، يبحثُ عن السكينةِ التي لا يجدُها إلا معها. أغمضَ عينيه للحظةٍ، وكأنَّه يريدُ أن يحتفظَ بلحظةِ السلامِ هذه للأبدِ، قبل أن يجيبَها بابتسامةٍ صغيرةٍ:
“وأنتِ يا زوزو… إنتِ مش بس سندي، إنتِ روحي وضهري ونبضي اللي بيخلّيني أقوى. طول ما إنتِ جنبي، أنا قادر أشيل الدنيا على كتفي. ربنا يخليكي ليا ويبارك في عيالنا، وأهم حاجة إنهم يفضلوا على الطريق الصح.”
رفعتْ غزلُ يدَها بحنانٍ ولمستْ شعرَه، الذي اختلطه الشيب، وكأنَّها تحاولُ أن تمسحَ عنه كلَّ أثقالِه. ابتسمتْ ابتسامةً دافئةً ملؤها الطمأنينةُ، وهمستْ بصوتِها العذبِ الذي يفيضُ حبًّا:
“جوادي، إحنا لبعضْ في كل حاجة، في الحلو والمرّ. طول ما إحنا مع بعض، الدنيا مهما ضاقت علينا، عمرها ما هتزعلنا. إحنا أقوى مع بعض، وقلبنا دايمًا واحد.”
دفنتْ رأسَها في صدرِه، وكأنَّها تريدُ أن تخبرَه أنَّ حضنَه هو دائمًا ملاذُها، بينما شدَّ عليها بذراعَيه وكأنَّها أثمنُ ما يملكُ.
بالأعلى، في غرفةِ جاسر، فتحتْ عينيها بعدَ نومٍ عميقٍ دامَ لستِّ ساعاتٍ متواصلة. نهضتْ بهدوءٍ واعتدلتْ جالسةً على الفراشِ، تُرسلُ بنظراتِها في أنحاءِ الغرفةِ، تبحثُ عن مُتيمِ قلبِها. تسلَّلتْ إلى مسامِعها خفّةُ صوتِ المياهِ المتدفقة، فعلمتْ بوجودِه داخلَ الحمامِ.
انحنتْ تُمسكُ بروبِها، وارتدته سريعًا قبلَ خروجِه. توقفتْ للحظةٍ تعقدُ رباطَه بحذرٍ، وفي تلكَ اللحظةِ، خرجَ جاسرُ. توقفتْ عيناُه عندَها، وكأنَّما الزمنُ تجمَّدَ لثوانٍ، يرسمُ على محياهُ ابتسامةَ سعادةٍ عفويّة، تفيضُ بحبٍّ صادقٍ. بخطواتٍ هادئةٍ كخطواتِ السلحفاةِ، اقتربَ منها، يُطالعُ تفاصيلَ وجهِها كمن يعاينُ أعزَّ كنوزه.
شعرتْ بحضورِه، فاستدارتْ فجأةً لتجدَ نفسها بينَ ذراعَيه. احتواها بحنانٍ جعلَها تُسندُ رأسَها على صدرِه، وبدأتْ تهمسُ بخفقاتِ قلبِها المرتبكةِ، تتحدثُ بصوتٍ متقطّعٍ:
ــ “إيه دا يا جاسر؟ كدهْ تخضّني؟”
ابتسمَ بانتصارٍ وانحنى ليطبعَ قبلةً رقيقةً على جيدِها، وهمسَ بحنوٍّ:
ــ “ألف سلامة عليكي من الخضةِ يا جنجون… إنتِ اللي عرشِك خفيف يا روحي.”
لكمَتْه بخفةٍ على صدرِه، محاولةً إخفاءَ خجلِها، ثمَّ هتفتْ بتوبيخٍ لطيفٍ:
ــ “لا والله! هو فيه حد يتسحَّب زي الحرامي كده؟”
ألقى المنشفةَ من يدَيهِ وضحكَ بصوتٍ خافتٍ قبلَ أنْ يُحكمَ ذراعَيه حولَ جسدِها، يُحرِّكُها برشاقةٍ وجرأةٍ عهدَتها منه، وقالَ بنبرةٍ واثقةٍ:
ــ “أعمل إيه؟ مراتي حلوة ومفترية… بتعدّ أنفاسي، وأنا بسرقُ لحظاتي منها!”
تورَّدتْ وجنتاها بحمرةِ الخجلِ، تُخفي وجهَها في صدرِه، بينما يزدادُ وقعُ كلماتِه عمقًا في قلبِها، لتصبحَ اللحظةُ شاهدةً على حبٍّ أبديٍّ لا تُقدّرُ الكلماتُ على وصفِه.
بعد أن أنهى ياسِينُ تعليقَ الزِّينةِ، توجَّهَ إلى غُرفةِ الرياضةِ ليُفرِّغَ طاقتَهُ في التمارِينِ المُكثَّفةِ. قضى وقتًا طويلًا يتصبَّبُ عرقًا، ثمَّ نهضَ أخيرًا، جذبَ المنشفةَ ومسحَ وجهَهُ بعنايةٍ قبلَ أن يتحرَّكَ نحوَ الحمَّامِ.
في تلك اللحظةِ، خرجتْ عاليَا منَ الحمَّامِ بخطواتٍ ثقيلةٍ، وشعرُها المُبتلُّ ينسابُ على كتفَيْها كالشَّلَّالِ، دونَ أن تُلقيَ له نظرةً. توقَّفَ ياسِينُ بجانبِها، مدَّ يدَهُ ليعبثَ بخصلاتِها المُبلَّلةِ، وهمسَ بصوتٍ خافتٍ يحملُ في طيَّاتِهِ استجداءً:
ــ بَلْقِيسُ لِسَّه زَعْلَانَة؟ أنا عايزُ أَصَالْحَهَا.
دفعتْ يدَهُ بعيدًا عنها بحركةٍ سريعةٍ، وقالتْ بنبرةٍ مُتعبةٍ مثقلةٍ بالانكسارِ:
ــ ياسِينُ، مُمْكنْ تِبْعِدْ شْوَيَّة؟ أنا تَعْبَانَة، وزَعْلَانَة مِنَّكْ كَمَان.
لم يتراجعْ ياسِينُ، بل جذبَها بقوَّةٍ، لتصطدمَ بصدرِهِ العَارِي المُتبلِّلِ بعرقِهِ، كأنَّما يُحاولُ إجبارَها على التوقُّفِ والإنصاتِ. همسَ بصوتٍ مُتكسِّرٍ يشوبهُ الرجاءُ:
ــ لِسَّه زَعْلَانَة؟ أنا ما قَصْدِتش أزعَلِكْ، واللهِ. كُلُّ الحِكَاية إني ما حَبِّيتْش نِتْكَلِّمْ قُدَّامْ رَاسِيلْ… البِنْتْ كِبِرِتْ، ومِينْفَعْشْ نِحْكِي عَنْ بَدَاياتْ حَياتْنَا قُدَّامْهَا.
أغمضتْ عاليَا عينيْها بقوَّةٍ، وكأنها
تَزاحَمَتِ الذِّكْرَياتُ داخِلَها، تُثْقِلُ صَدْرَها بِأَنِينٍ مَكْتُومٍ، ثُمَّ رَفَعَتْ عَيْنَيْها إِلَيْهِ، وَقَدْ بَدَا فِي نَظَراتِها خَلِيطٌ مِنَ الحُزْنِ وَالرَّجَاءِ:
“أَتَمَنَّى ما نِفْتَحْشِ المَوْضوعَ ده تاني يا ياسين… لو سَمَحْتَ.”
لَمْ يَتَرَدَّدْ، حاوَطَها بِذِراعَيْهِ بِرِفْقٍ حَتّى اسْتَقَرَّتْ بَيْنَ أَحْضانِهِ، ثُمَّ طَبَعَ قُبْلَةً حانِيَةً عَلَى جَبِينِها وَهَمَسَ مُعْتَذِرًا:
“آسِفْ يا رُوحِي.”
ابْتَسَمَتْ بِتَرَدُّدٍ وَهِيَ تَتَراجَعُ قَلِيلًا، تُشِيرُ نَحْوَ الحَمّامِ لِتُغَيِّرَ الحَديثَ:
“طَيِّبْ، يَلّا خُدْ شاوَرْ… عَرَقَكْ نَشِفْ.”
وَلَكِنَّهُ، بِطَريقَتِهِ الَّتِي تُذِيبُ حَواجِزَها دائِمًا، جَذَبَها مِنْ خَصْرِها بِقُوَّةٍ، لِتَجِدَ نَفْسَها بَيْنَ أَحْضانِهِ مِنْ جَديدٍ. هَمَسَ بِخُفُوتٍ، بِنَبْرَةٍ تَحْمِلُ مَزِيجًا مِنَ الدِّفْءِ وَالمُزاحِ:
“طيِّبْ مَا تِيجِي تلفِّينِي… اعتبريني زَيّ جُوزِكْ.”
دَفَعَتْ صَدْرَهُ بِيَدَيْها بِخِفَّةٍ وَهِيَ تَضْحَكُ بِصَوْتِها النّاعِمِ الَّذِي كانَ دائِمًا مُوسِيقَى لِقَلْبِهِ:
“يَلّا يا حضرة الظّابطْ! مشْ عايزةِ انْفلاتْ، أُوضْتي شريفةْ.”
تَوَسَّعَتْ عَيْناهُ بِدَهْشَةٍ مُفْتَعَلَةٍ، يُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ يَتَسَاءَلُ:
“وَأَنا مش شريفْ يا عاليا؟ طيّبْ! نظيرْ لكلامك ده… وَاللَّه لَأْ تلفِّيني،” قالَها وَهُوَ يَجُرُّها لِلدّاخِلِ، ضاحِكًا بَيْنَما كانَتْ تُقاوِمُهُ بِخَجَلٍ مَصْحُوبٍ بِابْتِسامَةٍ دافِئَةٍ.
في غرفةِ أوسَ، كانت تتابعُ عملَها بتركيزٍ، حتى سمعتْ طرقاتٍ خفيفةً على بابِ الغرفةِ. رفعتْ رأسَها وأذِنتْ بالدخولِ. دخلتْ ابنتُها مَسْكُ، التي تبلُغُ من العمرِ ثلاث عَشَرَ عامًا، مترددةً وخجولةً، وقالتْ بصوتٍ خافتٍ:
مامي، فاضية؟ عايزة أتكلمْ مع حضرتِك شوية.
ابتسمتْ ياسمينَا بحنانٍ وردَّتْ:
تعالي يا مَسْك، حتى لو مشغولة، قلبُ مامي ليكي دايمًا.
اقتربتْ مَسْكُ وجلستْ بجوارِ والدتِها، تفركُ كفيْها بتوترٍ. ترددتْ للحظاتٍ قبلَ أنْ تقولَ بصوتٍ متلعثمٍ:
مامي… يعني إيه مراهَقة؟
أغلقتْ ياسمينَا جهازَها ونهضتْ لتجلسَ بجانبِ ابنتِها على الأريكةِ. أشارتْ لها بالجلوسِ ووضعتْ يدَها على كتفِها، ثم قالتْ بابتسامةٍ هادئةٍ:
حبيبةُ مامي كبرتْ وبقيتْ تسألي عن حاجاتٍ جديدةٍ، مش كده؟
هزَّتْ مَسْكُ رأسَها نفيًا بخجلٍ وقالتْ:
لأ يا مامي، مش كده. بس كنتُ بسمعْ صحباتي بيقولوا إنهم في فترةِ مراهَقة، فقلتْ أسأل حضرتِك. حضرتِك دايمًا بتقوليلي لو عايزة أعرفْ حاجة، أجي لحضرتِك لأنك أوثقْ حدٍّ ممكنْ يجاوبْني صح.
ابتسمتْ ياسمينَا بفخرٍ وهي تحتضنُ ابنتَها قليلاً، ثم قالتْ:
برافو عليكي يا مَسْك إنك جيتي تسألي مامي. المراهَقة دي يا حبيبتي مرحلةٌ طبيعيةٌ في حياتِك، بتحصلُ لما جسمِك وعقلِك يبدأوا يتغيروا عشان تكبري وتتحولي من طفلةٍ لبنتٍ شابةٍ.
نظرتْ مَسْكُ إلى والدتِها وقالتْ بفضولٍ:
يعني إيه اللي بيتغيرْ يا مامي؟
ضحكتْ ياسمينَا بخفةٍ وأجابتْ:
حاجاتْ كتيرْ يا قلبي. جسمِك هيبدأ يتغيرْ، زي شكلِك وطولِك، وكمانْ مشاعرك وأفكارِك هتكونْ مختلفة شوية. ساعاتْ هتحسي إنك فرحانةْ جدًا وساعاتْ تانية هتبقي متضايقةْ من غيرْ سبب. وده كله بسببِ الهرمونات اللي جسمِك بيشتغل عليها عشان يجهزِك للمرحلة دي.
فكرتْ مَسْكُ قليلًا، ثم سألتْ:
يعني هي فترة صعبة يا مامي؟
هزتْ ياسمينَا رأسَها بابتسامةٍ مطمئنةٍ وقالتْ:
مش صعبة يا حبيبتي، بس محتاجة شوية فهمٍ وصبرٍ. وأهم حاجة إنك دايمًا تيجي تتكلمي معايا ومع بابا لو في حاجة مش مفهومة أو مضايقاكي. إحنا هنا عشان نساعدِك.
ابتسمتْ مَسْكُ واحتضنتْ والدتَها قائلةً:
شكرًا يا مامي، كنت عارفة إن حضرتِك هتفهميني وتريحيني.
ردَّتْ ياسمينَا وهي تضمُّها بقوةٍ:
دايمًا يا قلبَ مامي، أنا هنا ليكي في أي وقتٍ.
كان صُهَيْبٌ جالسًا في الحديقةِ يتأمَّلُ الأرجاءَ بصمتٍ. اقتربت نُهى وجلست بجواره قائلةً:
“سَرَحان في إيه؟ بقالي فترة بكلمك.”
نظر إليها، ثم لفَّ ذراعه حولها وقال:
“براجع الذكريات… سنينَ بحلوِها ومرِّها، وأيامٍ عَدَّت بصعوبة.”
وضعت رأسَها على كتفه وقالت بابتسامةٍ دافئة:
“ربنا يخليك لينا، كبرنا يا صُهَيْب.”
تراجع بجسده قليلًا وقال مازحًا:
“أنا كبرت؟ لا، قولي على نفسك يا ست نهى، أنا لسه شباب وممكن أتجوز تاني كمان.”
نظرت إليه بغضبٍ طفيفٍ ودفعت صدره قائلةً:
“إنت بتقول إيه؟ تهون عليك تقول كده بعد العمر ده كله؟”
أمسك بخصرها ونظر في عينيها قائلًا:
“وأنا أقدر أفكر في حد غيرك؟ إنتِ روحي.”
اقترب مستندًا بجبينه على جبينها وهمس:
“مقدرش أزعل نَهانيهو قلبي.”
تراجعت بخجلٍ بعدما استمعت إلى صوت جاسر
“مش عيب كده في الجنينة؟ طيب، اتكسف.”
“أهو الحلوف وصل! كنتوا مرتاحين مني، أهو جيت.”
نظر إليه صُهَيْب مبتسمًا وقال:
“وصلت إمتى؟ وبعدين ريحتك سبقتك!”
جلس جاسر أمامهما وقال مازحًا:
“بتوحشني يا صُهَيْب، وحياة طنط نُهى بتوحشني.”
ضحكت نُهى وقالت:
“أجيب لك حاجة تشربها؟”
رد جاسر بابتسامةٍ عريضة:
“لا، عايز أتغدى. أبويا طردني وماليش غيركم!”
ضحك صهيب متمتمًا
-وش كسوف يالا
اقترب ينظر بمقلتيه
-مين اللي مربيني ياصهيوب
-بارد يابن جواد …
غادرت نهى، فالتفت جاسر متسائلًا:
“عز فين؟ .”
أشار صهيب نحو الطابق العلوي قائلاً:
“فوق، لسه جاي من شوية. أيهم وآدهم عندكم.”
أومأ جاسر بإيجاز وتمتم:
“شوفتهم بيلعبوا مع الولاد. المهم… كنت عايز أتكلم مع حضرتك شوية.”
ابتعد بأنظاره عن صهيب، محاولًا كبح اضطرابه، ثم أردف بصوت منخفض:
“بيجاد كلمني امبارح. هم في الطريق، هيقضوا أول يومين رمضان معانا، وبعدين هيرجع يكمل الأسبوع مع والده. بيقول إنه قرر يستقر في روسيا خلاص، مبقاش عارف يستقر هنا.”
صمت صهيب قليلاً، مستوعبًا الكلمات، ثم تساءل بقلق:
“وطبعًا والدتك هترفض الاقتراح ده زي قبل كده، صح؟”
حاول جاسر جاهدًا إخفاء حزنه، لكنه لم يستطع منع نبرته من الانكسار وهو يجيب:
“أنا مش عايز ماما تزعل يا عمو، وفي نفس الوقت مش عايز نقف قدام حياة بيجاد. من حقه يبني مستقبله. الصراحة، بيجاد طول عمره راجل وجدع، مع بابا ومعانا كلنا.”
نظر إليه صهيب بتفهم وأردف بنبرة متزنة ومحاولة تهدئة:
“أنا هتكلم مع والدتك. من حق بيجاد يشوف حياته، وهي أكيد هتتفاهم.”
توقف جاسر للحظة، وكأن كلام صهيب كان بمثابة طوق نجاة. اقترب منه، ثم انحنى وطبع قبلة فوق رأسه:
“حبيب قلبي، كنت متأكد إنك هتعرف تلمّ الدنيا. أنا هطلع لعز، ومتنساش… بلاش بابا يعرف بالموضوع لما تتكلم مع ماما. حضرتك عارف جواد… ممكن يطلقها منه علشان ما تزعلش ماما.”
راقبه صهيب وهو يصعد السلم بخطواته السريعة، ثم نهض من مكانه متجهًا إلى منزل جواد
بالأعلى، أنهى عز تبديل ملابسه، ثم تحرَّك نحو الخارج، حيث وقعت عيناه على زوجته، التي كانت منهمكة في تفريغ محتويات الحقيبة. اقترب منها بخطوات هادئة، وقال بابتسامة دافئة:
“روبي، هنزل أشوف عمو. كنتِ خلَّصتي؟ خلّصي بسرعة يا روحي، والحقيني علشان زمان غنَى على وصول.”
رفعت رأسها نحوه، ثم اقتربت وتوقّفت أمامه، وكأنّ ثقلًا جثم على صدرها، فخرجت تنهيدة عميقة من أعماقها. لم يتردد عز في احتوائها بين ذراعيه، محاولًا طمأنتها:
“حبيبتي، ارمي حمولك على ربنا. وإن شاء الله عمو جواد هيلاقي حلّ وسط. أنا متأكد إنه مش هيوافق على سفر غنَى.”
همهمت بصوت مكسوّ بالألم، ثم همست بخفوت:
“أنا ماليش غيرها يا عز… إزاي عايزة تبعد عنّا؟ بتوحشني وهي هنا، تِخَيَّل لما تبعد…”
ربت عز على ظهرها بحنان وقال:
“يا حبيبتي، ما تفكّريش كتير. أكيد ربنا شايل لنا الأحسن.”
قطع حديثهما صوت جاسر القادم من الطابق السفلي، يتساءل:
“عز فوق، يا طنط منى؟”
أومأت منى وهي تبتسم:
“آه يا حبيبي، لسه راجع.”
هرولت إليه روبي مسرعة نحو السُّلم:
“ده جاسر! وحشني أوي…” قالتها وهي تركض بخفّة، لتلمحه واقفًا مع الخادمة.
“جاسر!”
رفع جاسر عينيه نحوها، ثم صعد السُّلم بخطوات أسرع، ليلتقيها وهي تركض نحوه كطفلة تلهف للقائه. حين وصلت إليه، رفعها من خصرها ودارت ضحكاتهما في أرجاء المنزل:
“حبيبة أخوها مهما عدّت السنين.”
عانقته بشوق كبير، بينما كان عز ينزل الدرج ويعلّق ساخرًا:
“ابعدي يا بِنْت عن الحلوف ده! إيه يا أختي، ما لكيش راجل؟”
دفنت روبي رأسها في صدر جاسر وهي تردّ بضحكة طفولية:
“بس يا عز، جاسور وحشني!”
اقترب عز وأطلق ضحكة رجولية، ثم مدّ يده ليصافح جاسر بحب:
“وحشتك يالا مش كده؟”
ضمه بحنان أخوي وقال:
“حمد الله على السلامة يا حلوف. كنت واحشني بجد. إيه أخبار الإمارات من غيري؟”
لكمه عز بخفة وهو يضحك:
“مرتاحين منك يا بغل! إنت إيه أخبار المساجين اللي معاك؟”
ضحك جاسر بصوت عالٍ وتحركا معًا نحو الخارج، بينما كانت روبي تتبع خطواتهما بعيون مليئة بالدفء.
التفت عز حوله وأخذ شهيقًا عميقًا، قبل أن يعلّق بشغف:
“أوووه! إيه الجمال ده؟ فعلاً رمضان له روايح، ومش تلاقي الروايح دي غير في مصر!”
ابتسم جاسر وهو ينظر إليه:
“قصدك حي الألفي!”
أتى المساء سريعًا، والجميعُ تجمع كعادتهم في حديقةِ جواد. التفَّ الأحفاد حوله، ومنهم من جلس على قدمه ليستمع إلى قصصِه التي دائمًا ما تحمل الفائدةَ والحكمة. في ركنٍ بعيدٍ هادئ، كانت غنى تجلس في حضن أختها، محاولةً الهروب من صخب المشاعر.
بابا عرف يا غَنون إنك هتسافري ولا لِسَّه؟
تسارعت المشاعر داخلها كأمواجٍ عاتية، وامتلأت عيناها بسحبٍ من الدموعِ التي لم تستطع منعَها من الانحدار. أجابت بصوتٍ مثقلٍ بالألم:
أنا مش عارفة أعمل إيه يا روبي… بجد، بابي ومامي زعلانين علشانهم، بس دي حياتي، ولازم أقرر أنا.
قريبًا منهما، جلس بيجاد بجوار غزل وصهيب. قطع صهيب الصمتَ بحمحمته وهو يلتفت نحو بيجاد:
بيجاد، طنط غزل عايزة تتكلم معاك، يا حبيبي.
رفعت غزل عينيها الممتلئتين بالدموع نحوه وقالت بنبرةٍ حزينة:
عايزاك تيجي في إجازةِ نص السنة يا بيجاد… متخليش غنى تبعد عن حنان إخواتها.
اقترب بيجاد منها وجلس على ركبتيه، ثم أمسك بكفيها وقبَّل يديها بحنو:
حبيبتي، أول ما تطلبي مني أنزل، هنزل على طول. صدقيني حاولت أتأقلم هنا، بس معرفتش. سفيان كبر، وعايزه يتعلم برَّه. وحضرتك أكتر واحدة عارفة إن الحياة هناك هتفرق معاه. أنا مش عايز ولادي يكونوا متسيبين. لازم كل حاجة تكون بإتقان، وشغلي هناك بياخد كل وقتي… مش هقدر أفضل مشتت بين هنا وهناك.
ربَّتت غزل على يده بحنان، ثم وجَّهت نظرها إلى صهيب:
يا حبيبي، دي حياتك، ومن حقك تعيشها بطريقتك.
حاولت أن تحبس دموعها، لكن دمعةً خائنةً انسابت عبر وجنتيها. هزت رأسها نافيةً وقالت بصوتٍ متحشرج:
لا، يا حبيبي، متقولش كده. أهم حاجة عندي سعادتكم.
اقترب أوس من الجلسة، ثم توقف أمام بيجاد، وقال بنبرةٍ جادة:
يعني هتسافر وتستقر هناك ومش هترجع تاني؟
أومأ بيجاد برأسه، قائلاً بنبرةٍ هادئة:
لازم أروح أتكلم مع عمو جواد. لازم يفهم وجهة نظري.
ابتعد بيجاد بضع خطوات، تاركًا غزل التي لم تستطع كبح دموعها. استند صهيب على الطاولة وهو ينظر إليها محاولًا تخفيف وطأة الألم:
غزل، محدش بيفضل قاعد بأهله طول عمره. كل واحد من حقه يعيش حياته بالطريقة اللي شايفها صح، حتى لو إحنا معترضين.
أجهشت غزل ببكاءٍ حاد وقالت:
هي هتوحشني يا صهيب… طيب هنا كنت لما توحشني بروح لها. هناك، في آخر بلاد العالم، هشوفها إزاي؟
ربَّت صهيب على ظهرها بحنان الأخ الأكبر:
يا زوزو، العالم كله بقى أوضة وصالة. لما توحشك، هروح معاكي نزورها.
رفع عينيه نحو أوس الذي كان ينظر بغضب لبكاء والدته، ثم أردف بابتسامة محاولًا تلطيف الجو:
بس جواد يوافق… خايف يقتلني!
ابتسمت غزل وسط دموعها وقالت بصوتٍ مكسور:
لا، طبعًا… أنا أروح مع جوزي، أروح معاك ليه؟
ضحكت قليلاً، لكنها سرعان ما عادت إلى صمتها الحزين، تستجمع ما تبقى من قوتها لتقبل الواقع الذي بدا قاسيًا عليها.
بعد فترة، تحرَّك الأطفال يلهون بفوانيس رمضان، ويدندنون بأغانيه الشهيرة. رفع جوادُ نظره إلى بيجادَ بعدما انتهى من الحديث معه عمَّا يشغل باله.
قال جواد بابتسامةٍ هادئة:
ــ حبيبي، دي حياتك، وأنا مقدرش أعترض عليها. اللي شايفه مناسب ليك اعمله، بس المهم تحسب خطواتك صح.
قبل أن يرد بيجاد، اقترب الأطفال من جواد، وقطع كنانُ الصغير حوارهما بسؤال بريء:
ــ جدو جدو، هو إحنا ليه بنصوم رمضان؟
قاطعه سفيانُ، الذي كان يجلس بجوار والده، قائلاً بثقة:
ــ علشان ده ركنٌ من أركان الإسلام يا كينو!
رمقه كنانُ بنظرةٍ غاضبة تُعبّر عن استيائه من إجابته السريعة، ثم التفت إلى جواد وقال:
ــ طيب، هسأل سؤال صعب، علشان متعملش كبير عليا. ليه ما بنحتفلش بعيد رأس السنة، مع إن معظم المسلمين بيحتفلوا بيه؟
داعب جوادُ خصلاتِ شعر كنان بحنانٍ، ثم ضمَّه إليه وطبع قبلةً على رأسه. قال بابتسامةٍ أبويةٍ دافئة:
ــ علشان يا حبيبي ده مش عيدنا. ده تقليدٌ للغرب، وإحنا كمسلمين عندنا عيدان فقط: عيد الفطر وعيد الأضحى.
وضع الطفلُ إبهامَه على ذقنه الصغيرة في محاولةٍ لفهم ما قاله جده، ثم تساءل ببراءة:
ــ طيب، ليه فيه مسلمين بيحتفلوا؟ هم مش عارفين إنه حرام؟
قاطعه أيهمُ، الذي كان يجلس بجوار جواد، قائلاً بحزم:
ــ زي ما فيه كذابٌ يا كينو، وعارف إن الكذب حرام، لكنه بيكذب رغم إنه مسلم.
نظر أيهمُ إلى جواد بعيونٍ تحمل تساؤلاتٍ أكبر من عمره وقال:
ــ عارف يا جدو؟ عندي أصحابٌ بيفطروا في رمضان، ويقولوا إنهم صغيرين. طيب، يا جدو، لازم كلنا نصوم رمضان؟
ابتسم جوادُ بحنانٍ وشرح قائلاً:
ــ أيوة يا حبيبي، الصيام واجبٌ على المسلم البالغ العاقل، غير المريض. لكن فيه حالاتٌ ربنا سمح فيها بالإفطار.
رفع كنانُ حاجبيه بفضولٍ وقال:
ــ زي إيه يا جدو؟
رد جواد:
ــ زي المريض يا حبيبي، والمسافر.
ابتسم كنان وقال بمكرٍ طفولي:
ــ يعني أنا لو سافرت إسكندرية عند أنطي غنى، أقدر أفطر في رمضان؟
ضحك الجميع بصوتٍ عالٍ على تعليق الصغير، بينما وقعت عينا جواد على زوجته التي كانت تبدو شاردةً وحزينة. نهض من مكانه، مشيراً إلى الأطفال قائلاً:
ــ يلا ليلة سعيدة آل الألفي..قالها وتحرك إلى أن أوقفه عز
– رايح فين ياجواد وسايب عيالك
رمقه بنظرة اخرسته
طوقت ذراعه وتحركت بجواره بالحي، ليخرجون لقضاء صلاة القيام، حتى حدة حزنها
كانت الأجواء مفعمة بمزيج من البهجةو. زينة رمضان المتلألئة تعانق نسمات الليل، فيما تردد تواشيح النقشبندي بين الأرواح، فتنساب الطمأنينة في القلوب. جلس الشباب على العشب يتسامرون ويتبادلون ذكريات رمضان الذي جمعهم. وفجأة، قطع بيجاد الحديث مستأذنًا:
“بعد إذنكم يا شباب، هطلع أستريح شوية، سهرة سعيدة ونتقابل على السحور إن شاء الله.”
قالها بابتسامة وهو ينحني ليمسك كف غنى برفق. التفت نحو سفيان، وصوته يفيض بالمسؤولية:
“خلي بالك من إخواتك، يا حبيبي.
رد سفيان بحسم:
“حاضر،. هلف مع لين شوية بالبيسكليت وبعدين أنام.”
رمق بيجاد غنى بنظرة تحمل شجنًا عميقًا، وكأنها نافذة لمشاعر لم يُفصح عنها. احتواها بحنان، ثم توجه بها إلى الداخل.
توقف فجأة، وقبضة من الألم اعتصرت قلبه وهو يرى الدموع تلمع في عينيها. سألها بصوت خافت:
“طيب ليه الدموع دي، يا غنى؟”
حاوطت خصره بحنان، وقالت بصوت مختنق:
“زعلانة علشان مامي وروبي، يا بيجاد. أنا عارفة إنها حزينة من وقت ما عرفت إننا مسافرين. علشان كده بابا خدها وخرجوا.”
مرر أنامله بحنان على وجنتيها، وكأنه يمسح همومها:
“حبيبتي، وعد، كل حاجة هتكون كويسة. هننزل كل فترة. لكن مش هنقدر نقعد هنا أكتر. بابا مبقاش قادر على الشغل، وطنط عارفه… هم مش بيخلفونا علشان وقت ما يحتاجونا ما نكونش موجودين.”
احتوى وجهها بين يديه وطبع قبلة دافئة على جبينها، قبل أن يهمس:
“هنكون كويسين، وعد مني، يا غنى.”
—
في الخارج، كان سفيان يقود دراجته بينما تجلس لين خلفه، يتجولان في الحديقة. توقّف بهدوء، وأمسك كفيها برفق:
“انزلي براحة. تعالي، هنروح عربية بابي، جبتلك فانوس وبيقول ميوزيك باسمك.”
صفقت لين ببراءة، عيناها تشعّان فرحًا:
“أحلى سيفو في الدنيا!”
فتح سفيان السيارة وأخرج علبة صغيرة، ثم جذب يد لين واتجه إلى مكان هادئ في الحديقة. جلس بجانبها، وفتح العلبة بحماس ليُخرج مصحفًا صغيرًا مزينًا، وفانوسًا يضيء برسالة تقول: “كل سنة وأنتِ طيبة يا لينو”.
ابتسمت لين بسعادة بريئة، واحتضنت المصحف وقبّلته قائلة:
“بشوف بابي ومامي بيعملوا كده.”
ثم اقتربت وطبعت قبلة على وجنتيه
“شكرًا سيفو”
احتضنها سفيان بحنان، وقال بصوت يملؤه الاطمئنان:
“لينو، هنروح روسيا، وهنقعد هناك، بس بابي وعد إننا هننزل في الأعياد.”
ثم تذكّر شيئًا، فركض إلى السيارة وأخرج جهازًا محمولًا صغيرًا، وناوله لها بابتسامة:
“دي هدية عيد ميلادك، علشان مش هحضره بعد شهرين. هكلمك عليه كل يوم، ولو حد زعلك، عرفيني!”
اقتربت راسيل بخطوات سريعة وقالت بنبرة عاتبة:
“كنت عارفة إنكم هنا، بدور عليكم من زمان!”
ابتسم سفيان ومدّ يده ليأخذها برفق:
“تعالي يا راسو، بما إنك الكبيرة، فأنا هوصّيكي على لينو.”
تذمرت راسيل بطفولية:
“أنا مش بحب عمو بيجاد، سيفو! هروح أقول له كده!”
-يعني ايه مسافرين بعيد ياسفيان، مش زي اسكندرية يعني
ابتسم وهو ينظر إلى راسيل
-لا بابي عايز اكمل تعليمي برة، الثانوية هناك، انت لسة صغيرة، لما تكبري هتفهمي
-بس انت هتسبنا كدا، وكمان قصي وتيا، لا انا زعلانة
قالتها لين بتذمر، لتجيب راسيل
-وأنا كمان زعلانة اوي سيفو، اووف، توقفت لين قائلة
-هروح اقول لعمو بيجاد انا مش بحبه
ركضت سريعًا تصيح باسمه، مما أثار فضول جاسر الذي توقف ينظر إليها بلهفة:
“لينو، فيه إيه؟”
وصلت لين إلى الداخل وهي تنادي بيجاد بأعلى صوتها. خرج بيجاد على صوتها، وحين رأى وجهها البريء الحزين، انحنى ليكون بمستواها وسألها بلطف:
“مالك يا لين الجميلة؟ ليه زعلانة؟”
هزت رأسها بتردد، قبل أن تنطق بصوت مكسور:
“ما تسافروش يا عمو. ليه هتسافروا؟ سيفو وقصي وتيا مش هيجو عندنا!”
ابتسم بيجاد بحنان وقبّل جبينها:
“طيب، إيه رأيك، وقت ما تحسي إنك عايزة تشوفيهم، هييجوا فورًا؟”
اجتمع الأطفال حول بيجاد، يراقبونه بتساؤل، فأشار إلى أيهم وقال بابتسامة:
“أيهم، خد بنت عمتك، وصلها لباباها.”
اقتربَ جاسرُ من ابنتِه وهو يداعبُ شعرَها بحنانٍ، وقالَ بصوتٍ مليءٍ بالمودَّة:
حبيبتِي، عمو رايح شُغلُه وهيرجع بعد كام شهر. عندِك إيهم وأدهم ويوسف، وكمان كينو وراسيل ورنيم. كلهم حواليكِ، ليه ماسكة في مقصوفِ الرقبة ده؟
عقدتِ الصغيرةُ ذراعيها بتذمُّر، وقالت ببراءةٍ واضحةٍ:
أنا بحبهم كلهم يا بابي، بس سيفو غير. علشان قالي لما نكبر هنتجوز!
ضحكَ بيجادُ وضربَ كفَّيهِ ببعضِهما، وقال بمزاحٍ ظاهرٍ:
البنت طلعتْ لأبوها! رَبِّي بنتك يا أخويا. وبيقولوا ابني مش متربي.
دخلَ عز بجوارِ سفيان مبتسمًا، وقال ممازحًا:
بتضحكوا من غيرنا؟
اقتربَ بيجادُ من عزِّ ووضعَ يدَه على كتفِه، وقالَ بفخرٍ مشوبٍ بالدعابة:
شوف يا سيدي، إحنا ناس محترمين ومتربيين، وولادنا بيتشَقّطوا!
ردَّ جاسر بابتسامةٍ هادئةٍ:
سخيف يا ابنَ المنشاوي! دا كلام يتقال قدام العيال؟
أشارَ جاسرُ بيدِه إلى الأطفالِ، وقال برفقٍ:
يلا يا حبايب خالو، كملوا لعب بره. عمو بيجاد بيحب يهزر.
اقتربَ سفيانُ من والدِه بخطواتٍ واثقةٍ، وهو ينظرُ إلى لين التي اختبأتْ في أحضانِ والدِها، وقالَ بهدوءٍ:
بابا، حضرتك زعلت لين ليه؟ هي صغيرة ومش فاهمة حاجة.
انحنى بيجاد منها وجلسَ على ركبتَيْه ليكون بمستوى نظرِها، وقال بابتسامةٍ مليئةٍ بالحبِّ:
بتكرهيني يا بنت جاسر؟ وجاية تخطبي ابني؟
رفعَ رأسَه إلى جاسر وضحكَ قائلاً:
ابني غالي يا ابن حمايا. والله لو دفعت حي الألفي كله مش موافق!
ظهرتِ الصدمةُ على وجهِ جاسر واقتربَ من بيجاد قائلاً بابتسامةٍ مستفزةٍ:
وانت لو جيتْ من إسكندرية حافي علشان أوافق على ابنك اللي شبهك، والله ما يحصل.
قاطعهُ عزُّ ضاحكًا:
بس يا بابا! مين اللي حافي يا ابن جواد؟
أطلقَ عزُّ صفيرًا وقالَ بصوتٍ مرتفعٍ:
جواد! تعالى بيتك، فيه حريقة بسبب مفاعيض العيلة!
دخلَ ياسينُ متسائلًا:
مالكم؟ بتتخانقوا ولا إيه؟
ردَّ بيجادُ وهو يمسحُ أنفَه بغمزةٍ واضحةٍ:
أنا أوافق على الناس المحترمة زي ياسين، إنما المنفلتين أصحاب الزراير؟ لا.
نظرَ جاسرُ إلى بيجاد بغضبٍ وجذبه من تلابيبِه قائلاً:
وحياة جواد الألفي لو بوست إيدي، ما أنا مجوزهم لبعض!
قاطعهُ سفيانُ بهدوءٍ وثقةٍ:
خلصتوا خناقة؟ محدش يقدر يقرر مصيري، لا حضرتك يا بابا ولا خالو. ولينو عروستي زي ما جدو قال.
ابتسمَ جوادُ الذي دخلَ مع غزل، وقال بمرحٍ واضحٍ:
-برافو عليك حبيب جدو، ثم التفت إليهم
بتتخانقوا على العيال؟ وأنا فكرت هرجع ألاقيكم بتصلوا القيام! يا عيني عليك يا جواد، معرفتش تربي!
ردَّ بيجاد ضاحكًا:
أنا متربي يا حمايا، بس ابنك اللي عايز يتربى!
دخلَ صهيبُ قائلاً بابتسامةٍ عريضةٍ:
مين اللي عايز يتربى وأنا أربيه من أول وجديد؟
ضحكَ بيجاد بصوتٍ عالٍ واقتربَ منه قائلاً:
كنت فين يا رجل يا كُبرة؟ جوز بنتك مش متربي وعايز يتربى!
غمزَ صهيب وقالَ بمرحٍ:
يتربى يا بيجو. عز، أختك وحشاك يا زيزو، خدها في حضنك الليلة يا حبيبي!
ردَّ عزُّ بابتسامةٍ واسعةٍ:
حضرتك تؤمر يا بابا.
أمسكَ عزُّ برُسغِ جنى وقالَ بلطفٍ:
تعالي، خليهم يلعبوا شوية علشان طنط غزل.
اومأتْ جنى بابتسامةٍ رقيقةٍ وتحركت. أوقفها جاسرُ وقالَ بصوتٍ حنونٍ:
بت يا جنى، رايحة فين؟
نظرتْ جنى إلى صهيب، ثم إلى عز، وهتفت بتردد:
رايحة أسحر مع بابا. هي مش غنى وربي هيسحروا معاكم؟ أنا هسحر مع بابا!
خرجتْ بجوارِ عزِّ، واقتربَ جاسرُ من صهيب وقال
-كنت عارف ياصهيب ا:
فرحان؟ طيب، اشربها أنت وبنتك!
قبَّلَ بيجادُ وجنتَيْ صهيب بحبٍّ، وقالَ:
ربي يخليك يا صهيوب، يا رب!
صعد للأعلى يسبها
-ماشي يابنت صهيب، ناسية بكرة رمضان..وصل إلى الغرفة وبدأ يدور بها
ثم تذكر شيئا
-لو مش خليتك تيجي يابنت صهيب
في اليوم التالي، اجتمع الجميعُ حول مائدةِ الإفطارِ التي جمعت أفرادَ العائلةِ كأنها قطعةٌ من الجنةِ وسطَ أجواءِ رمضانَ الساحرة. جلس جوادٌ على رأسِ المائدةِ، يحيط به دفءُ العائلةِ، بينما يقابله صهيبٌ بابتسامةٍ تحمل معنى الاحترامِ وروحِ الأخوةِ.
انطلق صوتُ مدفعِ الإفطارِ، فتوقفت الحركةُ للحظةٍ، وكأنَّ الوقتَ تراجعَ احترامًا لتلكَ اللحظةِ الروحانية. أغمض الجميعُ أعينَهم بخشوعٍ، يرددون دعاءَ الإفطارِ بصوتٍ واحدٍ يشعُّ بالإيمانِ واليقينِ. كانت رائحةُ الطعامِ الزكيةُ تمتزجُ مع عطرِ الإيمانِ، لتضفي على المكانِ أجواءً رمضانيةً لا تُنسى.
بدأوا بتناولِ التمرِ وشربِ الماءِ، كما أوصى رسولُ اللهِ ﷺ، في لحظةٍ جمعت بين البساطةِ والقدسيةِ. ارتفعت أصواتُ الضحكاتِ والتعليقاتِ اللطيفةِ، وكأن السعادةَ قررت أن تكونَ ضيفًا دائمًا على مائدتهم. بعدها نهضوا للصلاةِ، صفًّا واحدًا، وكأنهم يعيدون تأكيدَ وحدتِهم تحت مظلةِ الإيمانِ.
عندما عادوا إلى المائدةِ، كانت الأجواءُ تفيضُ بالبهجةِ. أصواتُ الأحاديثِ الوديةِ امتزجت مع ضحكاتِ الأطفالِ التي أضفت لمسةً بريئةً
وصوت الألعاب النارية، طافت أعين جواد على الجميع يدعو ربه بسريرته
أن يجمعهم دائما على المحبة والألفة، شعر بيد صغير على كتفه، رفع عيناه للذي اقترب منه
“جدو جواد حضرتك وصيتني عليهم كلهم، وقولت اخواتك، بس برضو حضرتك قولت لي عروستك لينو، خليك قد كلمتك، علشان خالو رافض
ابتسم جواد بحنان، ثم أشار بالجلوس بجواره وتمتم بهدوء:
-حبيبي لما تكبر وجيت قولت لي كدا لو لسة في العمر بقية، وهي عايزاك وعد يابن بيجاد هتكون من نصيبك، بس انت لسة صغير اوي حبيبي، خلص دراستك ولو لينا عمر هنتكلم
-أنا مش صغير وعارف بقول ايه، وبابا اتجوز ماما وكان بينهم عمر كبير، قاطعهم وصول بيجاد الذي جذب مقعد وجلس بجوار جواد متسائلا
-فيه ايه؟!
-فيه أمانة مني ليك يابن ريان المنشاوي، انت هتاخد احفادي، بس لو الوجوه متقلبتش تاني وصيتي لو ابنك لسة باقي على بنت خالو تجمعهم
هزة عنيفة أصابت جسد بيجاد حتى نهض من مكانه وتجمعت عبراته قائلا
-وأنا خلاص لغيت السفر ياعمو جواد، خلاص هبعت اصفي كل شغلي هناك، بس بلاش تقول كدا، ربنا يبارك لنا في عمرك، ليه تزعلني منك كدا
صمت بالمكان على صوت بيجاد لينهض جواد يضمه بمحبة
-الموت علينا حق يابن ريان
شهقة بصوت مرتفع اخرجتها غزل بعد سماع حديثه، لتقترب منه
-ليه دايمًا بتحسسني انك ممكن تتخطف من بينا ياجواد، ليه حرام عليك، قلبي مبقاش متحمل
-وحدوووه
قالها فارس الذي يتناول الكنافة، ثم أشار إلى جواد
-الراجل زي البومب اهو انت اللي عيلة نكدية، ألقى الطبق فوق الطاولة
-سديتوا نفسي، الهي يسد نفس جواد حازم
ارتفعت ضحكاتهم مرة أخرى ..بينما نهض صهيب من مكانه متسحبًا بهدوء
يخطو بالحي بخطوات ثقيلة، هو يعلم أن الموت علينا حق، ولكن هل سيتحمل القلب لحظة الفراق
توقف على إطلاق الألعاب النارية التي بدأ الشباب بإطلاقها .. دقائق سكينة ليرتفع اذان العشاء ليتوجهون إلى إقامة صلاة العشاء والقيام
حلقة خاصة بمناسبة العيد
وعيد سعيد عليكم جميعا
اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض
لّ الحكايات تبدأ بنظرة… ثمّ تنقلب قدرًا لا يُقاوم.
نركض نحو الحب كالعطشى في صحراء الأمنيات، لا نبالي بحدود، ولا نخشى السقوط.
لكن الحقيقة المؤلمة؟
أنّ الحب لا يكون دائمًا خلاصًا… أحيانًا يكون الهاوية التي نُلقى فيها بأيدي من أحببناهم.
نحاول الهروب، فنعود مُنهكين إلى حنينهم… إلى كلمةٍ عالقة، إلى ظلّ عناق لم يكتمل.
مساءٌ ربيعي هادئ، في حديقة فيلا جواد الألفي.
كانت طاولة الطعام ممتدة تحت أشعة الشمس الذهبية التي توارت خلف الغيوم بخجل، يتناثر فوقها ضحك انجال الألفي وأحاديثهم الجانبية، في مشهدٍ دافئ يُشبِه اللوحات المعلّقة في ذاكرة انجال الألفي قبل احفاده، انجال وأحفاد تأسسوا على القيم الأخلاقية والتربوية، قيم رسخت بالأذهان لتضرب الكثير من الامثال، نعم قرائي الاعزاء، فالقيم والأخلاق التي يبنيها الأجداد والاباء تظل اطول من اعمارهم، فهناك من يرسخ بالقيم وهناك من يرسخ بانحلال والفساد وكلاهما يظل اطول من أعمار من رسخهم، فيقول بعض السلف سيرة الشخص اطول من عمره، سواء خيره أو شره، كان يترأس الطاولة جاسر وهو الابن الأكبر لجواد الألفي، وفي مقابله ابن عمه عز، وعلى إحدى أطرافها اقرب اصدقائه راكان البنداري وعائلته، فكان لديه ولدا وابنة، وابن أخيه امير سليم البنداري الذي هو بمثابة ابنه الاكبر، ولم يكن مجرد لقب فقط، فلقد تسلم كل مجموعات البنداري بعد ابتعاد والدته عن مجال العمل، وأصبح له اسم بمجهوده، وليس باسم عائلته فقط، كان يجاوره من الطرف الآخر زين أخيه الاصغر، واخته التي تدعى كيان ، فهي بالنسبة إلى راكان البنداري اسم على مسمى كيانه ، كانت تجلس بين إخوتها حيث النسائم تعبث بخصلاتها، تحاول التقاط فهم بعض الأحاديث ..
طاف امير على الحديقة بابتسامة سعيدة ثم قال:
-الحي دا ليا ذكريات كتيرة فيه، فاكره من ايام جدو جواد، اتجه بنظره نحو راكان وأكمل حديثه
-فاكر يابابا لما كنت بتجبنا واحنا صغيرين هنا، انا وزين وكوكي
قاطعه زين الذي رمق لين بنظرة ثم قال
-مش فاكر حاجة، بينما ردت كيان
-ولا انا يازين، بس فاكرة إن أمير كان بيتحايل كتير على بابي علشان يجي هنا
ابتسم امير ورد بابتسامة سعيدة:
-فعلا كنت بحب قصص جدو جواد اوي، وكنت بلعب هنا مع قصي وسفيان وأيهم ..التفت إلى ايهم
-فاكر قصص جدو جواد
هنا صمت مخنوق بالحزن ساد المكان، إلى أن قاطعته جنى التي تنظر إلى زوجها بحزن وقالت:
-أيوة فاكرة ياامير، شوفت السنين بتعدي بسرعة ازاي، اعرف دايما حي الألفي مفتوح للجميع
هز راكان رأسه موافقًا
-اكيد ياباشمهندسة
قاطع “جاسر” ذلك الجو الهادئ بصوته الجاد حتى يغير حالة الحديث:
– مقولتليش يا راكان… مين اللي هيمثّل الشركة في إسبانيا؟
رفع راكان عينيه عن طبقه، مضغ لقيمته بهدوء، ثم أدار نظره نحو ابنته، وابتسامة فخر ترتسم على وجهه:
– “كيان.”
ساد صمتٌ مذهول لبرهة، تبعه صوت ليلى التي انحنت تمسد خصلات ابنتها بحنان:
-كوكي شاطرة يا حضرة العقيد… ما تخافش، أنا متأكدة إن النتيجة هتكون مرضية للجميع.
أومأ جاسر برأسه، محاولًا إخفاء دهشته:
– ما عنديش شك… بس كيان تصميم، والمشروع هندسة معمارية؟ مستغرب بس..
رفع راكان إصبعه وهو يتناول قطعة خبز:
-إنت مش واثق فيا؟ على العموم… تيم هناك من أسبوع، بيجهز كل حاجة ومستني نِمضي العقود
– يااه! دا انت متأكد كمان إنهم هيمضوا؟!” تساءل جاسر بدهشة.
اعتدل راكان في جلسته، وأشار إلى نفسه بفخر:
– طبعًا يا ابني… هو انت قدّامك حد؟”
زمّ جاسر شفتيه وهز رأسه باستخفاف:
– آهي دي اللي لحد دلوقتي مش فاهمها… شغلتك إيه بالظبط، أنا معرفش
ارتفعت ضحكات الجالسين، فيما حدجه راكان بنظرة ساخرة:
-اسم الله عليك، وزير داخلية وأنا معرفش؟ ما تسكت… دا انت آخرك
توقف فجأة، ثم تمتم بمكر وهو يغمز بعينيه:
– ولا بلاش.
قاطعهم صوت “عز” الذي تكلم بجدية مموّهة بابتسامة:
– أنا ليه حاسس إنكم بتتخانقوا على منصب وزير الداخلية؟
قطّب راكان جبينه، ورد بغرور:
– أحسن منه يا بني… ما تقول لابن عمك مين راكان البنداري
ضحك عز بخفة، وقال:
– مش لما أعرفه الأول؟ يرضيك أقول حاجة وأنا مش مقتنع بيها؟
نهض “أيهم” من مكانه، يزيح محرمة الطعام عن حجره وهو يعتذر:
– أنا شبعت… عندنا سباق عربيات، هسيبكم تشوفوا مين يستاهل يبقى وزير الداخلية
قفز زين من مكانه متحمسًا:
– وأنا كمان جاي… لحد ما تتفقوا.
انسحب الشباب تدريجيًا من الحديقة، تاركين الكبار وسط أجواء مرحة ومشاكسات خفيفة.
بعد لحظات صمت، تساءل راكان فجأة:
– أيهم اللي هيسافر؟ ولا مين؟
أجابه جاسر وهو يمد يده نحو كأس العصير:
– لا… سفيان المنشاوي، هو هناك أصلاً، وعارف الناس وهما عارفينه… يعني الموضوع تقريبًا خلصان.
همهمت كيان بصوت خافت وهي تضع الشوكة على الطبق:
– أهو كدا عرفنا إن الصفقة ضاعت…”
ورغم نبرتها الخافتة، إلا أن الكلمتين اخترقتا السمع كطلقة، فالتفت إليها كل من راكان وجاسر في آنٍ واحد.
رفع راكان حاجبه، ثم قال مطمئنًا:
– بالعكس يا كوكي، أنا متأكد من ذكاء سفيان… بس ليه مش أيهم؟ مش هو مهندس المشروع؟”
أجابت جنى بنبرة هادئة لكنها واثقة:
– لأ… أيهم عنده مشروع وزاري قوي، وبصراحة يستاهل يقدّم فيه. وأنا بدعمه في النقطة دي.”
أومأ راكان بتفهم، وقال:
– يعني سفيان هو اللي استلم؟
– أيوه، وهيكون راجع مصر أول ما يخلصوا.
رمقها راكان بفضول:
– أوبس، متقوليش بيجاد هينزل مصر؟!
تنهد جاسر وهز رأسه نافيًا:
– ما أظنش إنه يرجع زي الأول… أنا بتمنى، بس هو نازل إجازة، بطلب من عمو ريان.
أطرق راكان برأسه وقال بخشوع:
– “ربنا يصلح الحال للجميع يارب.”
– “اللهم آمين.”
رفع جاسر نظره نحو كيان متسائلًا:
— “هتسافري إمتى؟”
– “بكرة بالليل يا عمو.”
ابتسم:
– بالتوفيق إن شاء الله… ارجعوا بالنجاح اللي بنتمناه، المشروع ده هيفرق جامد.
ثم أردف راكان فجأة بفكرة طرأت عليه:
“إيه رأيك يا جاسر في مشروع مجمع مستشفيات للحروق؟ من زمان في دماغي، وعندنا دكاترة في العيلة هيكونوا على دراية.”
نظر لجنى، التي أومأت برأسها مؤيدة:
— “هو نفس اللي كان جاسر بيفكر فيه، بس أنا محمستوش… عشان تخصصات الدكاترة عندنا مش حروق.”
اعترض راكان بكتفه:
– مش شرط نفس التخصص، لين أطفال، ودكتورة ربى نسا، ويامن ابن نوح مخ وأعصاب…
قاطعه عز ضاحكًا:
– “وأدهم علاج نفسي… ويوسف جراحة!”
انفجر راكان ضاحكًا وهو يشير إليه:
– “يا عم العيلة كلها دكاترة! يبقى نكمل المشروع على بركة الله، وأنا متأكد من نجاحه.”
بعد فترة من مغادرة راكان واسرته، تحرك جاسر يتجول بالحديقة بجوار عز، الذي توقف معترضًا:
-معرفش ليه دخلت سفيان في المشروع، انت نسيت أنه حفيد المنشاوي
توقف مستديرا ورد:
-علشان عمك، ايه نسيت كلام عمك
-جاسر انت كدا هتولع الدنيا، عارف معنى كدا ايه، بيجاد هيعترض، ومش بس كدا هترجع تقلب في القديم تاني، ليه بس تسرعت، ماكان يوسف أو ادهم
-عز انا عملت كدا علشان حي الألفي يفضل مفتوح للكل، لازم بيجاد يرجع مصر
-غلطان يابن عمي، انت كدا بتولعها نار، اتهورت بقرارك ياجاسر
-لا متهورتش، انا عارف بعمل ايه، ايه يااخي، اختي وحشتني، هنفضل نلف بدايرة مقفولة
هز عز رأسه باعتراض:
-ياخوفي لتكون بتحط النار جنب البنزين يابن عمي وترجع تندم
تكورت الدموع في عين جاسر واردف بصوت مبحوح
-علشان جواد الألفي لازم اعمل اي حاجة ياعز، علشان دا يفضل مكتوب عليه حي الألفي لازم اعمل كدا، علشان ولاد اختي لازم اعمل كدا، علشان ولادك وولادي وولاد الكل لازم اعمل كدا
-ياجاسر انت بتتحدى مين بالظبط
-نفسي يااخي، بتحدى نفسي، عايز اشوف بيجاد آخره ايه
-ياخوفي يابن عمي لتولعها ومتعرفش تطفيها
-عز انت وعدتني قبل كدا، وهتفضل على وعدك ربى وجنى مايعرفوش حاجة
-وغنى ياجاسر، دي كمان مش من حقها تعرف ايه اللي وصل جوزها لكدا
-غنى عمرها ماتشك في علاقة بابا وبيجاد
ربت عز على كتفه وتمتم:
-بيجاد نار لو قادت هتاخد الكل صدقني انا عارفه، واسأل راكان البنداري عليه هو كان زميله وعارفه لما بيقلب بيعمل ايه
رمقه بنظرة ساخطة وهتف باعتراض
-محدش هيعرفني بجوز اختي، دا ابن جواد الألفي الكبير، ولو كنت ناسي افكرك يابن عمي
امسكه عز من تلابيبه، وانسابت دموعه
-ماهو علشان كدا بقولك، بيجاد عند جواد الألفي مابيرحمش، خليه برة احسن من المواجهة، لو عرف يبقى كدا ولعت الدنيا
-عز مش مطلوب منك غير انك تساندني، عارف هيثور شوية، بس لازم كل واحد ياخد حقه
-طيب وابوك، هتقدر تعمل عكس اللي ابوك عايزه
-اه ..صرخ بها وهتف بإصرار
-أنا مش جواد الألفي ياعز، ابويا لازم ياخد حقه، حتى لو كان ضد رغبته، وبما انا ابنه الكبير محدش له يقولي لا
-ايه اللي بسمعه دا ..قالها ياسين الذي اقترب يتجول بنظراته بينهما
-ياسين ..!! انت رجعت امتى
-ايه اللي سمعته دا، يعني كل اللي بابا قاله كان كذبة، غنى مشيت من هنا بكذبة
-اسكت مسمعش صوتك وبطل هبل، انت فهمت غلط
قهقه ياسين بسخرية يضرب كفيه ببعضمها، ثم أشار إلى نفسه
-اللي واقف قدامك ياسين الألفي ياجاسر، مش كنان ابنك، انا كنت شاكك في الاول بس قولت مستحيل جواد الألفي يعملها
اقترب اوس الذي يتحدث بالهاتف
-تمام حبيبتي، وهما كمان بيسلموا عليكي، سلمي على سفيان وقصي، وبوسي حبيبة خالها
نظر إلى هاتفه ثم قال:
-مال صوتكم ياولاد الالفي، مش هتبطلوا معيلة
-بيجاد المنشاوي ليه قاطع حي الألفي يااوس
رفع اوس عيناه من فوق الهاتف، ينظر إليه بتساؤل:
-مش فاهم !
-أنا اقولك
-ياسين متقولش كلام من استنتاجك
لكمه بصدره بقوة :
-اسكت ياجاسر، اسكت خالص، انا متأكد ورا الموضوع دا انت
ارتجف جسد جاسر ينظر إلى عز بحزن
أشار عز إليه ورسم ابتسامة ساخرة:
-لسة متحركناش يابن عمي، وأخواتك نفسهم قالوا ايه ، استلم بقى لما الباقي يعرف، واولهم بيجاد المنشاوي اللي هتكون انت المتهم الأول في نظره
-ايه اللي بتقوله دا ياعز
-بقولك الحقيقة يابن جواد، عرفت ليه عمي كان على حق
رفع اوس يده وهو يتعمق بالنظر إلى جاسر:
-لا استنوا كدا ..هو اللي بيحصل بالظبط، وانت عمك عمل ايه، وبيجاد ماله مش فاهم مش دي رغبة بيجاد ولا انا بقيت برة العيلة دي
-عز سفيان هيستلم المشروع، ومش عايز ولا كلمة، غنى وبيجاد هينزلوا مصر تاني، وبيجاد لازم يعرف كل حاجة وخليها تولع
صدمة أصابت كلا من ياسين واوس اللذان ينظران إلى بعضهما بتيه إلى أن أردف عز:
-ربنا يستر، وبدل انت ناوي، من الأفضل اخواتك يعرفوا
قالها عز وتحرك مغادرا المكان
بعد عدّة أيام، في إسبانيا…
خرجت “كيان” من قاعة الاجتماعات ووجهها يشعُّ بابتسامة انتصار، كانت خطواتها واثقة، وعيناها تلمعان بالحماسة، بينماكان “تيم” ينتظرها بالخارج، متكئًا على الجدار وذراعاه مكتوفتان، اقترب منها اول ظهورها امامه
– “إيه يا كوكي؟ عملتوا إيه؟”
رفعت يدها ملوّحة بالنجاح:
You doubt that, son?”
عندك شك يابني وقّعنا.
اتسعت عينا تيم، ثم مال برأسه قليلًا وهو يرمق “سفيان” الخارج من القاعة ذاتها وهو يتحدث مع أحد العملاء.
“استني… أشوف سفيان.”
رمقته كيان بضيق وقالت بحدة مكتومة:
– “يا بني الواد دا بارد، ولو اتكلمت معاه كلمة ممكن أضربه، دا فاكر نفسه ملك الكون.”
ضحك تيم وقال:
– “بصراحة يا كوكي… يستاهل. دا ابن بيجاد المنشاوي، وحفيد ريان المنشاوي… ملك الاقتصاد.”
– طيب اسكت، لو سمعك هينفخ ريشه، وبعدين انت قريبي ولا قريبه؟!
وصل إليهم “سفيان، وقال بنبرة هادئة:
— إنت هنا يا بني؟ أومال ما حضرتش ليه؟
أجابه تيم ساخرًا:
– لا… أنا معنديش صلاحية، صلاحياتي أوصل كوكي الفندق بس.
ضحك سفيان وهو يتفحّص كيان:
– ليه؟ خايف عليها؟ دا أنا شايف إنك المفروض تخاف على نفسك أكتر!
نفخت كيان وجنتيها بغيظ، ثم ارتدت نظارتها الشمسية، وهتفت بنبرة ضجرة:
– تيم … هستناك في العربية. الجو هنا خنق.
ردّ عليها سفيان بنبرة ماكرة:
– فعلاً يا .. مش مهم، بقالي عشر سنين في إسبانيا، أول مرة أحس إنها ضيقة كده… تفتكر ليه يا تيم؟”
قهقه تيم وهو يشير له بالسكوت، ولكنه تابع:
– بيقولوا من امبارح حصلها احتباس حراري، ياله على يتفجر واشوف مفرقع في الجو
نظرت كيان له نظرة مميتة قبل أن تنصرف، بينما ضحك تيم بخفوت.
– أنا متفائل بيكم من اليوم اياه والله
ردّ عليه سفيان بضحكة ساخرة:
سيبك منها، المهم العقد دا كان خالو حاطط 20% انا وصلتهم30%، المشكلة بقى أنهم فاكرين جزء منه تبع المنشاوي، انا مردتش اتكلم في الحتة دي، علشان العقود بتنص على شراكة البنداري والالفي، وكمان وجود البوتجاز دا نقطة ضعف ليهم لو اتكلموا
-بوتجاز ايه مش فاهم
ضربه بخفة على رأسه وضحك، يشير إلى كيان
-بنت خالك، إنما فيه سؤال كنت عايزة اسأله لها، بس كويس أنها مشيت، هو خالك سليم اخو خالك راكان، البت دي فرق كبير بينها وبين امير، اه هي شبه اخوها الاصفر الاتنين دول نمشيهم لسيادة المستشار
-لا محترم اوي يااخويا، وانت بتفخمه وتقوله سيادة المستشار
قهقه بصوت مرتفع، مما جعل كيان تهتف بضجر على تيم
-تيم هفضل مستنية كتير، أشار إليها وتحرك متجها نحوها، بينما
اقترب سفيان من السيارة، أشار للسائق بفتح الزجاج، ثم انحنى وقال بنبرة ساخرة:
– ست الحسن والجمال، سليلة الحسب والنسب… مبروك المشروع! ما تنسيش تمجديني عند سيادة المستشار، وحياة عيالك يا شيخة، وريه الفيديو وإنتي بتاخدي النسخة!”
صرخت كيان:
-عيال ايه ياوقح، ثم اتجهت نحو تيم:
-“تيم يالا، أنا مش هلوم عليك، هلوم على عمو جاسر جايب واحد محشش بيقول سوفاااااج!”
ضحك سفيان:
بيقول ايه ياختي..سو ايه
لا ميغركيش شكلي الحلو، دا انا متربي في حي الألفي يابنت البنداري، وممكن اقلب لك سوفاج بس بالاسباني
كتم تيم ضحكته يشير إليه
-والله انا متفائل بيكم جدا
رمقته كيان وتمتمت باعتراض:
-بتجمعني مع الكائن دا، انت نسيت عمل ايه في زين في الحفلة، ازاي دا قاعد في مكان زي دا وبتعامل بالهمجية دي
انحنى يحدجها بنظرة ثم أشار إلى شعرها الاحمر وقال:
-زي ماسايبنك بشعر الاشرار دا، لو منهم اخدك اخوف بيكي الاطفال
صرخت بالسائق باللهجة الإسبانية:
-ممكن تتحرك ..أشار إليه سفيان
وهو يغلق الباب خلفه:
– أنا كنت عايز أقولك خلي بالك من الترعة… بس للأسف، مفيش ترعة هنا، بس ميمنعش تخلي بالك من البوتجاز
أطل تيم برأسه:
— “إنت متأكد يا بني إنك متربي في إسبانيا؟! أصلّي شايف واحد طالع من عزبة البقر
-عزبة بقر..ايه العيال دي، لا وراسمين أنهم أرستقراطين وهما شبه عمو عبدو البواب اللي عند جدو
-امشي ياعم شكلنا هننضرب هنا
هذا ما قاله تيم، بينما أوقفه سفيان وانحنى ينظر إلى كيان اقترب برأسه منها واردف
-لازم اديكي هدية قبل ماتسافري يااستاذة كوكي، انا معرفش وظيفتك ايه اصلا، على العموم كوكي اللي انتي فرحانة بيها، مصنع فراخ في مصر..انا اشتريت المصنع دا وهكتب عليه كوكي البنداري
يتبع.. (عشق لاذع “تمرد عاشق الجزء الثالث”) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.