سكر ناعم (رواية باسم ونيرة) الفصل الثامن والعشرون 28 “حلقة خاصة”

سكر ناعم (رواية باسم ونيرة) – الفصل الثامن والعشرون

 

 

حلقه خاصه

أشتهي عناقاً

الحكاية الاولي..

الفصل  الاول

سلسلة (أغراب بلا وطن)

أسما السيد..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم..

أنا (إيلاف)  أنا تلك التي ينعتوها بغريبة الأطوار، إسمي غريب وهيئتي غريبه لست كأهل المشرق، ولا أهل البلاد أنا ذات النمشات الغربية وذات العيون الزرقاء، أنا من أخفي مفاتني جميعها عن الأعين أنا ذات الرداء،  من يتمناها الجميع لأنفسهم،  ولا أعجب ذاك الذي ينعتني دوماً بالبكماء، أنا من أبكي ليلاً حسرةً علي ما صابني، وأنا الغريبة الوحيدة ،  بلا أهل ولا دار،.. أنا تلك الغبية التي وقعت لعشق رجل،  جعلني لا أستطيع عنه الإستغناء،  أنا من يأتي ليلاً  يقبلها،  ويهديني بأثمن الاشياء، أنا من يحسدونني علي كل شيء، ولا يعلمون أنني أفتقر حتي لأبسط الأشياء، أنا من تشتهي ذاك العناق..أنا من تتقوقع علي نفسها ليلاً بعد عشقة الجارف، أخبر الله بكل الاشياء، وأنني فقط لا  أشتهي منه إلا ذاك العناق..

أنا من تبكي ليلاً علي أتفة الأسباب..أنا أيلاف..أنا تلك التي لا تشعر بالأمان..أنا الغريبة، بلا وطن ولا إنتماء..

ــــــــــــــــــــــــــــ

ـ إيلاف..يا إيلاف..إنتي يابت مش هتقومي تروحي بقي، ولا ناوية تباتي هنا الساعه بقت خمسة؟

زفرت إيلاف بهم وهي تستمع لنفس ذات الكلمات التي تخبرها بها جيداء كل نهاية دوام لهم في الجامعه..

ـ خلينا شوية ياجيداء..ما أنتي عارفة إللي فيها، أنا باجي الكلية عشان أفك عن نفسي..

جيداء بحزن عليها..

ـ أنا عاملة عليكي يا إيلاف هتروحي متأخرة زي كل مرة وجوزك هيقلق عليكــي ويقلب الدنيا، دا أنتي وراكي لسة  طريق سفر طويل..

ادمعت عين إيلاف وهي تتذكر  زوجها التي أجبرتها والدتها علي الزواج منه حتي تتخلص من عبئها وهي بسنتها الاولي من كلية الأداب جامعة القاهرة، جواد إبن عمها الغير شقيق لوالدها، الذي سافر لإحدي الدول الأوربية لسنوات وجمع مبلغاً من المال لا بأس به، ووضعة وديعة بإحدي البنوك ويعيش علي العائد الذي يأتي منه، بالحادي والثلاثتين من عمره، منذ تزوجتة وهو لا يشغل بالة الا السهر ليلاً وشرب المكيفات مع أصدقاءه، وطيلة النهار نائماً علي أثرة..أو هكذا خُيل لها..

لا أحد يعلم ما تعانية  بدقة معه إلا هي..أو هذا ما تود هي إخبارهم به، لا أحد يشعر بها، ما يروه هم نعيماً، هو الجحيم بذاته لها..

أربعة سنوات قضتهم من عمرها هباءً منثوراً، لم يتغير، وبنظرها لن يتغير أبداً، حاولت مراراً، ولا امل منه،تعاني وتعاني ولا يشعر بها، لا تريد أموالة ولا تشتهي شيئاً مما يأتي لها بة…

تشتهي فقط منه عناقاً دافئاً..حتي بتلك اوقاتهم الخاصة تفتقر لة..

هبطت دموعها تباعاً بغزارة، ومالت برأسها تنظر لذاك البعيد الذي يلهو أمامها، وكأن الدنيا لا تسعه  من السعادة، طفلها..ذات الثلاث سنوات..الذي يحارب معها في معركتها الخاصة مع والدة..

(جواد) وما أدراك ما هو؟

ليست غبية ليخفي عليها،  عشقة المتملك لها، لقد عاشوا معاً ببداية زواجهم أجمل لحظات معاً، وكم كانت تعشق دلالة لها، حتي لو لم يصرح بعشقة، ولم تصرح هي، ولكن لا تعلم اين رحل كل ذاك الدلال، أم هي من كانت عمياء منذ البداية..وكل ذاك الدلال فخاً لتقع هي بعشقة البائس

هتفت جيداء بتنهيدة…

ـ هتفضلي لحد أمتي كده يا إيلاف..جوزك بيضيع منك لازم تحافظي علي بيتك وجوزك..أنتي ملكيش غيرهم..يا إيلا..حاربي ورجعي جوزك لحضنك..

دفنت إيلاف وجهها بين قدميها، وأنفجرت بالبكاء..

هتفت جيداء سريعاً، بلهفه وندم..

ـ طب خلاص ياإيلاف أنا آسفة والله ما كان قصدي..أنا خايفة عليكي..اقسم بالله..نفسي اشوفك سعيدة، انتي تستحقيها يا إيلا..

رفعت إيلاف رأسها ودموعها تنهمر بغزارة علي وجنتيها..وهتفت ببكاء..

ـ فكرك أنا مبسوطه بإللي بيحصلي ده..أنا موجوعه علي نفسي،  وعلي حياتي أكتر من أي حد..

أنا حاسة إني عايشة في دوامه، ومحدش حاسس بيا، اه مرتاحة مادياً، ومعايا فلوس، وفلوس كتير، وبلبس أحسن لبس، صحيح واسع ومجبورة عليه، ومفروض عليا فرض،  بس مش رخيص أبداً، جواد بيصرف علية  اكتر ما بيصرف علي نفسة، وتليفوني بيتجدد كل شهر، واكلنا معظمه من برا، ومعايا عربية أحدث موديل بسافر بيها وارجع، زي ما انتي شايفة،  بس…

جيداء بترو..

ـ بس إيه…. إيلاف كملي ياحبيبتي..أنتي مخبية عني حاجة تانية، في إية يا إيلا….

من أسبوع، وأنتي مهمومه وحزينة..

عاودت البكاء بحدة أكبر..

ـ أنا حامل يا جيداء..حامل تاني..

جيداء بصدمه،

ـ حامل؟

هزت جيداء رأسها بلا فهم وهتفت ببلاهة..

ـ طب ودي حاجه تزعلك أوي كده..المفروض تكوني فرحانه..

أغمضت إيلاف عينيها وهتفت بتهكم، وهي تمسح دموعها

ـ ما انا فرحانه أهو..شفتي الفرحة إللي انا فيها..

جيداء بتساؤل..

ـ أنا مبقتش فهماكي ياإيلاف وخايفة عليكي من نفسك أوي..

ـ لية؟

ـ حاسة إنك مش راضية بعيشتك يا إيلاف، مع إن ناس كتير غيرك تتمناها..

ـ تقصدي إية؟

ـ مقصدش والله يا أيلاف..بس والله إللي يشوف بلاوي الناس يهون علية بلوته، تعالي شوفي حفصة بيحصل فيها إية؟ولا حالها وصل لإية؟

إيلاف بإنتباه..

ـ هي عاملة إية صحيح؟

ـ معرفش عنها حاجه.من آخر مرة كانت هنا، بس سمعت أن جوزها جالة اللهم احفظنا المرض الوحش..وهي من آخر مرة غضبت فيها، قاطعت أهلها ومبقتش تيجي، لأنهم منصفوهاش، وضيعوا حقها هي كمان..

إيلاف بحزن..

ـ لا إلة إلا الله، ياريت بإيدي كنت رحتلها هناك، بس الصعيد بعيدة أوي عن هنا..ربنا يشفية ويعافية..

جيداء بغيظ..

ـ قولي ربنا يرحمها منه..

إيلاف بصدمه من حديثها..

ـ لية بس بتقولي كده..عشان بناتها..

جيداء بتهكم..بناتها..وهو يعني كان عاوزهم، دا كان عاوز يتجوز عليها اللي تجيبلة الواد..بس ربك منتقم جبار، واهو كلهم بعدوا عنه، وهي أللي شيلاه..

زفرت إيلاف بهم، وإستقامت تحمل مالك طفلها علي يديها..

ـ يالا يا جيداء نروح، عشان أنا فعلا اتأخرت أوي الساعة بقت خمسة  والطريق بياخدله ساعتين سفر..

تمسكت  جيداء بيدها، وهتفت برجاء..

ـ ماتباتي هنا انهاردة يا إيلاف بالله عليكي وحشني قعدتنا ونومتنا سوا…

إيلاف بوجع..

ـ هبات عند مين يا جيداء..عند اخويا إللي بيني وبينه مصانع الحداد ولا مراته إللي بتعاملني كأنها صاحبة البيت، ولا عند أمي اللي طردتني آخر مره..

جيداء بحزن عليها..

ـ لا باتي معايا يا إيلاف فوق علي  السطح ماا أنتي عارفة مرات أبويا طردتني من الشقة وقاعدة فوق أنا واختي جيلان..واهو تونسينا ونقضي ليلة من بتوع زمان..ونفرج الواد ملوكة علي سطحنا الجميل..

ـ مش هينفع يا جيداء..أنا مقولتش لجواد وأنتي عارفة دماغة بتحدف شمال..

إبتسمت جيداء علي زوج صديقتها..

ـ والله الواد ده بيحبك بس مبيعرفش يبعبر عن مشاعيرة..

لوت إيلاف فمها، وهتفت بسخرية..

ـ يبعبر..ضيعتي اللغة الله يحرقك يا جيداء..

جيداء بحنق وهي تلكذها بيدها..

ـ والله هبلة، مفتاح جواد ده في أيدك، وأنتي إللي خايبه، مش عارفة تشكلية علي إيدك..

إيلاف بتهكم..

ـ ياراجل..

ـ ياست..

ـ هاااا..رخمه..أووي..

جيداء بحماس وهي تقف أمام سيارة إيلاف..

ـ يالا ياإيلاف بالله عليكِ..تعالي باتي معانا انهاردة..وبكرة روحي..مفيش محاضرات، دا إحنا هنهيص مع بعض..

ـ مش هينفع ياجيداء..جواد مش هيرضي يخليني أبات برة..

ـ طب انا عندي فكرة خطيرة…

ـ إية هي يا ناصحة؟

ـ كلمية وقوليلة انا تعبت وهروح أبات عند ماما وكدا، وأهي مامتك مش حد غريب..

ـ ياسلام..هو عارف إني لو هموت مش هروح عند أمي..

جيداء بتساؤل..

ـ هو عارف أللي بينكم..؟

إيلاف بحزن..

أيوا، ماهو الكلام كان قدامة لما جة ياخدني أخر مرة..قالتلي مادام جوزك بيصرف عليكي وبيتك مش ناقصة شيء، يبقي مشوفش وشك تاني.. ولا زايرة ولا متزاره..الراجل ميعيبوش إلا جيبة، ومادام بيصرف عليكي ملكيش حجة..

جيداء بشهقة..

ـ يا جبروتها…أمك دي قلبها جامد أوي يا إيلاف..مش عارفة جايبة جومدية القلب دي منين؟

إيلاف بتهكم..

ـ واحدة مصاحبة مرات ابوكي عاوزاها تبقي إية..ملاك..؟

حكت جيداء رأسها بتذكر..

ـ عندك حق..نسيت والله..بتفكريني لية، ربنا ينتقم منك يا شكران يابنت نحمدة، إلهي ربنا ياخدك وارتاح منك..

قهقهت أيلاف عليها..وهي تضع مالك بالخلف..

ـ طب إركبي يختي اوصلك وألحق أروح أنا، لقدري ..

ـ طب وربنا بتعشقية، وباين عليكي..

ـ طبعا بحبة، مش جوزي يابنتي..

ـ امممم، ياسيدي يا سيدي..أوعدنا يارب..

صعدوا للسيارة، وهمت بالرحيل إلي  أن قاطعها صوت هاتفها برنتة المميزة بإسمة هو..

ـ جواد..

إنتقضت برعب، ومدت يدها بيدين ترتجف لتخرجة من حقيبتها..

أشفقت جيداء عليها، ولمعت عينيها بمكر، وخطفت الحقيبه من يدها، وأخرجت الهاتف…و..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالبلدة..

استيقظ يتحسس بيدية مكانها بشوق..زفر بنفاذ صبر بعدما تأكد أنها ليست هنا كالعادة بجانبه..استقام بتكاسل يجر بجسدة جراً، حتي انحني علي طرف الفراش، ومد يدة بخمول، ليجلب علبة سجائره، أشعل سيجارة، تبعها بأخري، وهو شارد الذهن بها، أين ذهبت ومع من تقابلت اليوم؟

يعشقها ولكن غيرته المرضية عليها دوماً كانت سبب كل مشاكلهم..

حتي بات لا يفهمها ولا تفهمه..إيلاف إبنة عمة   الغير شقيق لوالدة،  دوماً  والدها كان مكروها  من جميع العائلة،  لانه أخاً لهم غير شقيق،  ولكنة عشقها منذ كان شاباً مراهقاً، وكانت تأتي للبلدة مع شقيقها ووالداها، طلبها من عمه ووعدة بتزويجها له ولو بعد سنوات،  تغرب وعاني الأمرين من أجلها، حتي كون ثروة لا بأس بها، وعاد وتزوج بها بعد موت والدها بعد خطبة سرية دامت لسنوات بينه وبين والدها..لم يخبرها يوماً كم يعشقها، وأنه مريضاً بها، وأنه فضل المكوث بجانبها غيرةً، وخوفاً عليها..

ليس إلا..

يظلمها  دوماً، وهو يعلم ذلك، ولولا وعده لعمة رحمة الله لما جعلها تكمل تعليمها

لا تعلم كم مرة ذهب خلفها مراقباً لها، ولتحركاتها، يجبرها علي أخذ طفلها معها ليعلم الجميع أنها ملكاً لأحدهم..وها هو ثمرة عشقة لها..

أغمض عينيه وسحب هاتفة،  يمني نفسة أنها ربما هاتفته، ولكن كالعادة لا شيء، خواء، كخواء علاقاتهم البكماء، كما ينعتها دوماً..

بقي شارداً بصورتها التي تزين هاتفة هي وطفلة كثيراً بعشق متملك لهم..حتي وقعت عينه علي الساعه..

جز علي أسنانه، وعادت شعلة الغضب له من جديد..أين هي للأن؟

دق رقمها بغضب، ثواني واستمع لصوت ما..وسرعان ما أغلق الخط..

جز علي أسنانه، وألقي بالهاتف علي الفراش بغضب..هاتفاً بغيرة..

ـ إيلاف…إصبري عليا..

ـــــــــــــــــــــــــ

خطفت الهاتف من يد جيداء، واغلقته سريعاً، وهي تمتم برعب..

ـ لا يا جيداء بالله عليكي، أوعي تعملي كده..أنتي عاوزه تجننيه..

جيداء بتساؤل..

ـ ليه يا إيلا..عادي كنت هستأذن منه واقوله إنك تعبانه ويخليكي تباتي معانا..

زفرت إيلاف بتعب وهي تضع يدها علي بطنها، تشعر ببوادر ذاك  الدوار المصاحب لحملها مجدداً..

ـ عمرة ما هيوافق جوزي،  وأنا عرفاه لو ميته هيقولي تعالي بردة..

رفعت الهاتف ودقت هي علية..وسرعان ما أجابها بغضب..

ـ أنتي فين يا إيلاف واتأخرتي لية لدلوقت..؟

لوت فمها بسخرية وهي تجيبة..

ـ هكون فين ماانت عارف..

صرخ بها عاليا بغضب..

ـ اتكلمي عدل ياإيلاف..أنتي فين دلوقت بالظبط…طلعتي من المحروقة دي ولا لا؟

إيلاف بتعب ووجع بقلبها علي طريقة تعاملة معها..

ـ طلعت ياجواد طلعت..وجاية بالطريق أهو..

حاول التحكم بأعصابة، وهو يمسح علي وجهه بعصبية بعدما وصلة صوتها المجهد..

ـ طيب يا إيلاف أنتي فين بالظبط، ومالك نايم ولا صاحي؟

نظرت بقلق لجيداء التي تراقب ملامح  وجهها بإهتمام..

وهتفت..

ـ لسة طالعه حالا أهو، اتأخرت كان عندي محاضرة متأخرة..

جن جنونه مرة أخري وصرخ بها..

ـ كان عندك محاضرة ولا بتهربي بقعدتك مع الست جيداء وأختها..قولتلك تبعدي عنهم خالص..أنا..

وصل لجيداء صوته العالي فوضعت يدها علي فمها بصدمه..

ابتلعت إيلاف ريقها وهتفت بصبر..

ـ أنا هقفل يا جواد أنا علي الطريق..سلام..

استمعت لصراخة عليها، ولكنها أغلقت سريعاً..تنظر لتلك التي هتفت بصدمه..

ـ اوعي تقولي إللي سمعته، وفهمته صح.؟

خفضت إيلاف رأسها بخجل من صديقتها التي لا تقل تعاسة عنها..

ماذا تخبرها أنه منعها من مجرد إلقاء السلام عليها..

ـ لية يا ايلاف..هو أنا عملت إيه بس؟

ايلاف ببكاء..

ـ معملتيش ياجيداء، ولا أنا عملت، بس هو دماغة كده، أي حاجه بحبها لازم يحرمني منها..

جيداء بصدمه..ليه؟…ليه؟

ـ معرفش..نصيبي كده..

اخذت جيداء نفسا عميقاً تهدأ به من نفسها،حتي تستطيع تهدأت تلك التي نكست رأسها علي المقود وتبكي بقوة..

ـ طب اهدي ياقلبي، اهدي كده مش كويس عشان البيبي..أهدي كل حاجه هتبقي كويسه..

ايلاف ببكاء..

ـ سامحيني ياجيداء والله غصب عني..مش بإيدي..

جيداء بتصنع المرح..

ـ عارفه ياختي..جوزك دا عامل زي أبو لهب..أعوذ بالله، بس سيبك أنا وراكي والزمن طويل..محدش يقدر يفرقنا ابدا..

إبتسمت ايلاف علي حديث صديقتها..

ـ طبعا محدش هيفرقنا، بس لو لقيتيني متغيرة ولا بعدت فجأه اعرفي أنه مش بإيدي، والله غصب عني..

أحتضنتها جيداء بأعين دامعه..

ـ عارفة ياقلبي..عارفه..ربنا يصلحلك الحال ويهديك ياجواد يارب …

ودعت صديقتها علي باب العمارة التي تقطن بها جيداء وعائلة إيلاف، رفعت عينها  تنظر لشرفة شقة والدتها،  علها تلمحها،  فوقعت علي تلك الحرباء زوجة أخيها وهي ترمقها بحقد..

عادت بسيارتها من حيث أتت، وهي تعيد علي نفسها، أن تصبر، وتحتسب فلم يعد لها مكاناً هنا..

فرغم عيوب زوجها، إلا أن النار معه أحسن من الجنة، ببيت عائلتها..

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بالبلدة..

يدور حول نفسة كالأسد الجريح ينظر للساعة كل دقيقة، أغلقت هاتفها، أو هكذا خيل له، وتعدي الوقت التاسعه مساءً، أهلكة أصدقاءه بإتصالاتهم، كالعادة للسهر معهم..وفي كل مرة يتجاهل اتصالاتهم..

يغلي من الداخل، ولم يعد يري أمامه..بيدة سيجارته، سيجارة  جرت أخري حتي أنهي علبتين كاملتين..

جلس علي الأريكة منكس الرأس دافناً وجهه بين يدية..شيطانه يتوعد لها..وقلبة يعاتبة ويخبرة أنه السبب بكل هذا..وألف سؤال وسؤال جال بخاطرة..

ـ ماذا ينقصة ليعيش سعيداً معها..يعشقها، عشقاً لو وزع علي الكون لفاض ووفي، لما لا تشعر بة من نفسها..لما لا تعلم من نفسها أن الافعال عندة هي أثباتاً لعشقة لها..، وانة رجل أفعال وكلمات العشق عنده لا تشكل أي أهمية، لقد قاطع أهلة،  جميعهم كرامةً لعيونها تلك النمشاء الغبية البكماء التي لا تري..

ـ أين العيب إذن؟ به؟ أم بها؟

عاد بظهرة للخلف، شارداً باللا شيء.. لم يعلم كم مر من الوقت ولكنه استفاق فجأه علي دلوفها من الباب حاملة طفلها علي ذراعها نائماً بعمق..

أستقام سريعاً، وفتح فمة ليصرخ عليها..فقاطعتة هي برجاء..

ـ ششش أرجوك، سيبني انيمة الأول، وبعدين زعق براحتك..

وضعت طفلها بفراشة، ودثرته جيداً..وأستدارت لتخرج من الغرفة وجدته بوجهها..

جذبها من يدها بعنف للغرفة الأخري..

ـ كنتي بتتسرمحي معاها مش كده؟

لم تستطع منع نفسها من البكاء، بكت بحرقة….ومالت برأسها علي صدرة..علة يشعر بها، وبحزنة الشديد منه..

لم تجد منه اي ردة فعل..فتمتمت بألم ينخر بقلبها..

ـ بتعمل ليه كده فيا؟..لية بتمنعني من كل حاجه بحبها..يا جواد..أنا استاهل منك كده؟

صدمه عتابها،  وانهيارها هكذا لأول مرة أمامه، أجفلة، وجعل قلبة يرتجف بين ضلوعه، لطالما عهدها بكماء لا تنطق بأي شيء يؤلم قلبها، لا تعاتبة، حتي بأوج لحظات غضبة تلتزم الصمت..وتعود لتحادثه كما لو لم يكن قد حدث شيئاً أبداً..

يعلم أنها دوماً  تبكي خفيةً عنه..

وبكاءها الخفي دوماً ما كان يقطع بقلبة ارباً، فماذا عن بكاءها الجهري هذا..؟

أغمض عينيه، وهي تعيد علية سؤالها..مرة بعد مرة بإلحاح…

بماذا سيجيبها، أنه يغير عليها حتي من رؤيتها لنفسها بالمرآه..وأنه مريضا بعشقه لها..!

مد ذراعية ليحتضنها، ولكن ككل مرة يأتي بعقلة حديث والدتها، أن لا يعطي بكاءها اهتماما حتي لا تتمرد عليه،  وتحني رقبتة ببكاءها…

أبعدها سريعا عن صدرة، وأخذ سترته وهرول للخارج حتي لا يضعف أمامها..

لم تصدم من رد فعلة، فهو هكذا دوماً يهرب من بكاءها الخفي وحزنها، ارتمت علي الفراش تبكي بقوة، تبكي عمراً يضيع  منها يوماً بعد يوم بجانبة، تبكي وحدتها، وقلة حيلتها، تبكي أهلاً لم يكونوا يوماً اهلاً لها، وتبكي عناقاً حاراً تفتقر لة بأحلك وأصعب لحظاتها..

حاوطت نفسها بذراعيها بقوة وهي تمتم ..

ـ أنها لا تحتاج لأحدهم، هي قوية بنفسها..لا تريد عناقة، فيكفي أن تعانق نفسها، بنفسها..

ــــــــــــــــــــــ

هبط من البيت سريعا، يصارع حزنة علي حالة وحالها، لو بقي أمامها لجثي أرضاً، وبكي كما تبكي هي..يخبرها أنها غبية وأنه يعشق التراب التي تمشي علية..

يدور بسيارتة بلا وجهه، هائماً بالأرض، لا وجهه..ولا هدف..

لا يريد أن يذهب لأصدقائه فينتهي حالة أخر الليل، ككل ليلة، ويزيد من كرهها له..

وجد نفسة أمام بيت عائلتة..لا يعلم لما قادته قدمية لهنا..

دلف للمنزل يجر قدمية جراً، يعلم أنه بمجيية لهنا لن يخرج كما اتي، سيشحنوه كالعادة عليها..وربما انتهي بة الأمر لضربها..منذ شهور لم يأت لهنا خوفاً عليها..

فتحت والدته باب المنزل..

دلال (والدته).. بتهكم.. أهلاً..اهلاً..بسيد الرجال..انت شرفت..

جيت ولا الهوا إللي رماك..

تجاهل كلامها، وخطي بثقل لداخل المنزل…

اتسعت عينية بصدمة، وهو يري جميع العائلة مجتمعه بالأسفل

جواد بدهشة..

ـ متجمعين عند النبي ان شاءالله..

هتفت إبنة عمة (نور)..التي يعلم الجميع عشقها له، وانها لم تتزوج للان عشقاً لة…

ـ ما هو انت لو بتسأل علينا كنت عرفت أن انهاردة كانت خطوبة نازلي أختي علي اخوك راسل….

تبعت كلامها بنظرة عتاب منها لة، وأردفت بحقد..

ـ ولا خلاص نسيت عيلتك ياجواد عشان خاطر ست إيلاف..

زفر جواد بحنق من كلامها..

ـ قولتلك ميت مرة ملكيش دعوة بإيلاف..ولما تتكلمي عنها تتكلمي بأدب..

شهقت والدته وهتفت بغضب …

ـ أتكلم بأدب ياجواد..وحسك عينك تعلي صوتك علي بنت عمك تاني..وبعدين تعالي هنا..هي ست الحسن والدلال مقلتلكش إني أتصلت عليها إمبارح وعزمتها..وقولتلها تقولك..

إبتلع جواد ريقة وهو يحاول تذكر، هل أخبرتة أم لا..؟

ولكنة هتف سريعاً..

ـ قالتلي ياأمي وأنا جيت أهو..وايلاف كانت في الجامعه ولسة داخلة من شوية، وتعبانه..

دلال بلوية فم…

ـ تعبانه؟ اااه…ماشي..ربنا يشفي..

زفر وهو يجلس بجانب شقيقتة سما..

ـ عاملة ايه يا سما؟

ـ كويسة يا ابية..حضرتك ومالك عامل ايه؟

ـ كويس ياحبيبتي..بيسلم عليكي..بطلتي تيجي عندنا لية؟

نكست سما رأسها بحزن..

ـ ماما منعتني ياابية، وبتقول لراسل وبيضربني..

جز جواد علي أسنانه..وهمس…

ـ بردو راسل..ماشي يا راسل..

سما بخوف..

ـ بالله عليك ياأبية أوعي تعمل حاجه..أحسن هيضربني هو وماما..

جواد بتنهيدة وهو يربت علي كتفها..

ـ ماشي يا سما..مش هقولة..أختك ريم عاملة أيه؟

سما بغيظ..

ـ هتكون عاملة إيه؟..أهي هنا 24ساعه، هي وجوزها واكلين نايمين شاربين..يابختك يا أبية بعدت عن القرف ده..

قرص خدها بخفة، وهتف بضحك..

ـ بكرة تتجوزي وتسيبي البيت كلة انتي كمان..ووقت ماتتخنقي بيت اخوكي مفتوح ليكي دايماً..وانتي عارفة إيلا بتحبك اد إيه؟

قاطع همسهم صوت والدته المتهكم..

ـ وانت بقي ياسي جواد مش أربع سنين جمبها كفاية، وترجع بقي قبل ما اقامتك تنتهي ولا لسه القرشين اللي معاك مخلصوش..

جز علي أسنانه،وهم بالحديث إلا ان قاطعته نور بخبث..

ـ معلش يا مرات عمي تلاقية خايف يسيبها لوحدها، تغلط كده ولا كده..

انتفض جواد صارخا عليها..

ـ ولا كلمة زيادة عنها، مراتي أشرف منك ومن امثالك، ولو رميتها وسط رجاله الدنيا انا واثق انها هتحافظ علي نفسها..

دلف شقيقة راسل للمنزل بنفس اللحظه الذي صرخ بها ودارت بينهما حرب لفظية من التهكم إلا أن طردتة والدته وعمة الاكبر، من منزل العائلة كالعادة بعدما سمموا عقلة بالحديث عنها وعن افعالها.

ظل هائماً بسيارته بالطرقات، حتي وقف أمام محل البيتزا التي تعشقها هي..

ابتسم وهو يمني نفسة أنها ستسعد بها كثيراً..بالتأكيد ظلت تبكي ولم تاكل شيئاً بعد، ونست نفسها….

طلب لها البيتزا التي تعشقها بميكس الجبن الشهير، وطبق البطاطس المقرمشة التي تعشقها..

دلف للمنزل يبحث عنها بعينة..استمع لهدير الماء من خلف باب الاستحمام..

إبتسم بعشق ودلف ببطيء ووقف خلفها….

شهقت بصدمه وهي تراه خلفها في المرآه  من أمامها..

ـ جواد؟

ادارها بيديه، قاطعاً شهقتها بشفتية، وهو يقر لنفسة أنه أشتاقها..

أشتاقها كثيراً..واشتاق لتلك اللحظات التي تشعرة بها أنها ملكٌ لة هو..

همساتها وأستسلامها المخزي دوماً له..طمأنة أنه مهما فعل، ستبقي هي وفقط علي إسمة هو مهما فعل بها.…

إيلاف جواد  الناردي..وأن غربتة وبعده عن العالم أجمع، لا يهم..مادامت هي هنا..وطناً  ، وسكناً له..

يتبع.. (سكر ناعم (رواية باسم ونيرة)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق