رواية عازف بنيران قلبي – الفصل الثامن والثلاثون
البارت الثامن والثلاثون
الفصل 38
لو كنت أعلم
أن حبك قاتلي
ماكنت عشقتك حد الممات
وجعلت حروف اسمك آخر الكلمات
ماكنت أعلنت الغرام
ووهبتك قلبي وجعلتك
لروحي إدمان
❈-❈-❈
بمزرعة نوح
جلس يحيى بمقابلته، يجلس وجسده كالنيران التي تحرق دواخله، وتلاحقت أنفاسه الحارقة وهو يتحدث بفظاظة
-الحيوانة عايزة تموتك هي وأبوها، وربي لأدفنها مكانها ومش بس كدا هفضحها الفاجرة دي..
حاول نوح التحدث معه بهدوء حتى يخرجه من حالة الثوران فتحدث
-بابا لو سمحت انا طلقتها وخلاص، مش عايز منها حاجة، ولسة متأكدتش إن الولد ابني ولا لا، فلو سمحت ممكن متدخلش
نهض وهو يصيح بغضب
-عايزني أهدى بعد اللي عملوه فيك، إنت قاعد على كرسي متحرك يابني، فاهم معنى الكلام دا يعني إيه
دلفت أسما وهي تطالع يحيى بغموض وتحدثت حتى لا تحزن زوجها
-دا نصيبه يا عمو، بلاش نعترض على حكم ربنا، المفروض نحمد ربنا
جلس عندما فهم ماترمي إليه أسما فأردف
-عارف اتعصبت شوية بس من اللي حصله، اتجه يجلس بجوار إبنه يربت على ظهره
-متزعلش مني يا حبيبي، أنا آسف عارف دا كله حصل بسببي
اعتدل يحيى ينظر إلى أسما
-عاملة إيه يا أسما، وأخبار أحفادي.. مسدت على بطنها مبتسمة
-الحمد لله بخير، خلاص يا جدو بقالنا تلات شهور وتلعب معانا
إلتمعت عيناه بسعادة مأمنا على حديثها
-ان شاءالله يا بنتي، خدي بالك عليهم واتغذي كويس، وبلاش إرهاق، أنا جبتلك سفرجي كمان مع سيدة عشان متتعبيش نفسك
جلست بجوار نوح تربت على ظهره
-انا كويسة ومش محتاجة حاجة طالما نوح معايا يا عمو صدقني
قاطعهم دلوف حمزة وهو يحمل بعض الورود بجواره درة القى تحية المساء
-مساء السعادة يا دكتور نوح، لم ينتبه ليحيى الجالس بجوار الشرفة، دلف متجهًا يلكز نوح بابتسامة
-بقيت زي الحصان يا حمار بعد ما نشفت دمي، وخضتني لما قطعت الخلف..حمحمت أسما وهي ترفع حاحبها اتجاه يحيي تهز رأسها
ضيق عيناه ثم توجه للذي يجلس يطالع حمزة بصمت، رفع حمزة كفيه مشيرا
-دكتور يحيى، آسف مأخدتش بالي..ابتسم يحيى بمحبة قائلا
-إزيك يامتر عامل إيه..جلس بمقابلته
-الحمدلله والله بعد اللي ابنك عمله نحمد ربنا في السراء والضراء
رفع بصره إلى درة
-عاملة إيه حبيبتي…دنت إليه بإستحياء تبتسم
-عامل ايه يا عمو، وأخبار خالتو إيه
ربت على ظهرها
-خالتو كويسة كانت هنا وروحت عشان لميا هتسافر الصبح، إيه مش ناوين تفرحونا وتتجوزوا بقى
نزلت ببصرها للأسفل تفرك كفيها ، توردت وجنتيها مبتلعة ريقها بصعوبة بسبب خجلها، أجابه حمزة عندما شعر بحالتها قائلاً
-نطمن على نوح الأول، مش احنا هنسافر بكرة ان شاءالله
أومأ يحيى قائلا
-إن شاءالله، بس مفيش داعي يابني تعطل نفسك وتيجي معانا، إحنا كلنا هنكون معاه، وكمان راكان هناك..قاطعه حمزة ينظر إلى نوح وكأن هناك مايؤلم روحه من نتيجة العملية إذ لم تنجح فأردف
-مستحيل أسيب نوح، إحنا عمرنا ما اتخلينا على بعض يا عمو، وهنفضل وراه لحد ما يوقف على رجله، قاطعهما رنين هاتفه وكانت الممرضة الخاصة بيونس
-استاذ حمزة، استاذ حمزة..كررتها عدة مرات مردفة
-ضربوا دكتور يونس بالنار، وحالته خطيرة
هب فزعًا كالملدوغ، وغصة تحكمت من مجرى تنفسه فهمس بتقطع
-بتقولي إيه، اتجه للخارج سريعا دون حديث..أسرعت درة خلفه ولم يستمع لصوت نوح الذي يناديه، وصل إلى سيارته
-حمزة إيه اللي حصل؟!..نظر إليها بتيه وكأنه اصيب بصاعقة فتحدث
-يونس انضرب بالنار، لازم اروح المستشفى بسرعة، راكان في ألمانيا
استقل سيارته وقاد السيارة بسرعة جنونية وهو يتمتم
-إيه اللي يحصل دا، أمسك هاتفه ليحادث راكان ولكن هاتفه مغلق
بقصر البنداري..كانت تجلس تعقص خصيلاتها بقلمها، وهي تدرس بعض موادها الصعبة، أمسكت هاتفها تنظر إليه بملل، فمنذ الأمس لم يرسل إليها شيئا
تراجعت على المقعد تحتسي مشروبًا دافئًا، استمعت لطرقات على باب الغرفة
-ادخل، دلفت سارة وهي تدخل رأسها
-ممكن أدخل ولا أرجع..زفرت بحنق وتحدثت هازئة
-لا ولو قولتلك لا يعني مش هتدخلي، ادخلي يا باردة أما أشوف آخرتها ايه إنتِ ودكتور الستات بتاعك
قهقهت سارة تجذب مقعدا وهي تحدق بها
-يا بت بلاش شغل لا بحبه ولا بقدر على بعده..وضعت سيلين كوبها ورمقتها ساخرة
-عايزة إيه يا سارة، ما هو متحاوليش تفهميني إنك بقيتي كويسة، لا وكمان بتشجعيني عشان أرجع ليونس اللي هو حبيبك
جذبت سارة القلم من خصلاتها الناعمة فانسدل على ظهرها حتى تمرد على وجهها
طالعتها سارة بإعجاب فتحدثت
-يونس يستاهل واحدة في جمالك يا سيلين، انت جميلة فعلا، ومش بس شكلك، لا كمان قلبك أبيض، عشان كدا هو يستاهلك
يونس جميل قوي وحنين يا سيلين، وأكيد انت تعرفي دا أكتر مني
نهضت متجهة للشرفة تعقد ذراعيها وتتوجه بنظراتها للحديقة، متنهدة بحزن والمًا معًا
-انا مش عايزة الجمال والحنان يا سارة، قد ما محتاجة الحماية والثقة، ياترى يونس هيقدر يخليني أثق فيه، بعد اللي عمله ولا لا
استدارت وطالعتها بهدوء رغم النيران المتقدة
قائلة
-لو كنتي ترضي إن جوزك وحبيبك يخليكي محطة في حياته، أنا ميرضنيش
تحركت حتى وصلت إليها
-كله إلا الخيانة يا سارة، ويونس خانني مرتين، مرة معاكي ومرة مع غيرك
توقفت سارة تهز رأسها وترقرق الدمع بعيناها نادمة على ما قدمته يداها قائلة
-يونس مخانكيش معايا صدقيني، أنا اللي عملت دا كله..جلست بمقابلتها
-مش قصدي دا أبدًا، قصدي إنه وافق على الارتباط بيكي وهو بيحبني، تقدري تقولي إن دا في نظري خيانة، مجرد إنه يوافق على حاجة ويدوس عليا فـ دا خيانة ليا ..قاطعهما صوت زينب التي تحدثت بصوت مرتفع
-مين اللي ضربه بالنار يا أسعد؟! ، طيب يلا مش هنروحله
هبطت سريعا درجات السلم ظنًا أنهه راكان، هرولت إلى والدتها تبكي
-ماما راكان حصله إيه…اتجهت بنظراتها الحزينة
– دا يونس حد ضربه بالنار…شهقت واضعة كفيها فوق فمها متراجعة للخلف بحدقتين متسعتين، وهي تهز رأسها رافضة حديث والدتها، فتحدثت بتقطع
-يو..نس، يو..نس، انضرب بالنار، قالتها وعبراتها تجري كالسيل على وجنتيها..اقتربت والدتها تضمها لأحضانها
-اهدي حبيبتي إحنا هنروح دلوقتي ونشوف ايه اللي حصل..صرخت بإسمه صرخة اقتلعت القلوب، وانتفضت تهرول سريعا بثيابها المنزلية، اتجاه سيارتها وهي تبكي بشهقات مرتفعة
-يونس، آه ، آه ..قالتها وهي تقود سيارتها متجهة للمشفى بسرعة جنونية
بألمانيا بشقة بيجاد التي تأجرها
وضعها على الفراش يغرز نظراته بليلها، يحاوطها بجسده
-كنتي بتقولي ايه برة، سمعيني كدا، شعرت بقشعريرة لذيذة دبت بسائر جسدها تأثرُا بلمس أنفاسه لبشرة عنقها وهو يهمس لها بجوار آذانها
ارتجفت شفتيها وتعمقت بنظراته ترسمه بإشتياق قائلة
-لو شايف اللي عملته صح وهعديه يبقى بتحلم، مستحيل أسامحك بعد اللي شوفته
اتسعت حدقتيه متصنعًا ذهوله
-ليه كنت عملت ايه، عشان كنت خالع القميص، اومال لو شوفتي..رفعت ابهامها على شفتيه، وانسدلت عبراتها بقوة أذهلته
-لو محستش بوجعي يبقى ملوش لازمة العتاب..
شعر بأنياب حادة تنهش قلبه بنيران مشتعلة، وهو يرى دموعها..أزال عبراتها بابهامه وهو يزفر بحزن، ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها
-متوجعيش قلبي حبيبي، وحياتك عندي ما قربت منها ولا حتى خليتها تلمسني
لكزته بصدره وصرخت به
-هو باللمس ياحضرة النايب بس، إنت خلعت قدامها، عايز اكتر من كدا إيه
ما زال محاوطها بذراعيه،
-ليلى ..همس بها ثم اكمل
-انت شايفة إني ممكن أخونك حبيبي؟؟ ، ليه متعرفيش انك هزيتي عرش البنداري ولا إيه؟؟.. رفعت نظرها وتقابلت بشمسه قائلة
-قلبي وجعني اوي يا راكان، جوايا نار مش قادرة أطفيها.. تألم لقهرها منه، رفع كفيه يمسد على خصلاتها وأمسك بعضها يضعها خلف اذنها متحدثا
-آسف يا حبيبة عمري، وعد مش هوجعك تاني، خلي عندك ثقة فيا
رفع ذقنها يلامس وجنتيها بإبهامه
-ليلى أنا مش شايف غيرك، إنتِ ملكتيني، متخليش شيطانك يأثر عليكي
انحنى قائلا
-آسف لقلب حبيبي اللي اتوجع بسببي، ..ارتفع نبضها فأصبح كالطبول، شعر بها
-آسف..رفعت كفيها تمشط بها خصلاته، تطالعه بإشتياق، تقابلت نظراتهما المتلهفة، هو بأسفه وهي باشتيقاهها الذي حاولت إخفاؤة، جذبها لأحضانه يعصرها بين ذراعيها وآهة خفيضة خرجت من جوفه، إن دلت تدل على آلام روحه
تمسحت بصدره تستنشق رائحته بإشتياق ولهفة
-كنت خايف عليكي اوي، لامس بطنها ينظر إليها
-خايف على ابننا ليضيع مننا تاني، ورغم خوفي مقدرتش أقولك، عشان عارف إنك هتضعفي وضعفك هيضعفني
❈-❈-❈
ازال خصلاتها المتمردة فوق عينيها، وهو يحاورها بدقاته
– بس حبيبي أخيرِا عقل ومتجننش، ابتسمت تضع رأسها بصدره
-مين قالك أن الست ممكن تكون عاقلة لما تشوف جوزها وحبيبها في حضن واحدة تانية، دي ممكن تتجنن، أنا الصدمة بس اللي خلتني مقدرتش أعمل حاجة، وكمان خوفت على بنتك اللي في بطني
طالعته بعيون راجية، وقلبًا ينزف:
-فكر في أي حاجة إلا كدا يا راكان، مش قادرة أتحمل الوضع دا، والله ماقادرة حرام عليك، إللي صبرني أنها محاولتش تلعب قدامي،
تحولت لقطة شرسة
-عارف لو كانت حاولت تعمل حاجة قدامي، كنت هولع فيكم انتو الاتنين
كان يود لو يطلق العنان لضحكاته، من غضبها اللذيذ ولكن دموعها التي سقطت من ليلها، سقطت على قلبه كجمرة نارية فجذبها يحتويها بين ذراعيه
-اهدي يا ليلى، تفتكري كنت هسكت على كدا..وصل إلى عقلها هاجس استذكره قلبها فتحدثت
-إزاي قدرت تقنعها إنك بتضحك عليا، وانك صادق معاها، ليه نورسين بذات اللي بتقرب منها، لو سمحت يا راكان ريح قلبي وابعد عن البنت دي، حاسة أنها فاهمة كل حاجة وبتلعب بينا
جذب رأسها بصدره يمسد على خصلاتها متراجعا يستند على الفراش
-لولة حبيبتي، نورسين شاكة عارف، بس اللي عملته في الأخر قطع شكها دا، رفعت عيناها إليه
-وايه هو اللي عملته خلاها تصدقك يا حبيب ليلى، ممكن تقنع حبيبتك أنها مش هتلعب بينا
احتضن وجهها بين راحتيه، ينظر لمقلتيها مردفا
-انا مش أهبل حبيبي واعرف أتصرف كويس، دي كانت حاطة جهاز تصنت في تليفوني، وسيبتها ورغم إني عارف بس سيبتها، الشغالين عندنا في القصر فيه منهم شغالين لحسابها، غير الراجل اللي بعتته يراقبنا واحنا في بيت المزرعة، تفتكري دي واحدة ممكن العب معها بسهولة
انزلت كفيه وترقرق الدمع بعيناها
وليه بتعمل كل دا، قولي عشان إيه، وليه إنت مستحمل قرفها دا
ازال عبراتها واحتضن كفيها متنهدًا
-فيه حاجات مينفعش أقولها، دي أسرار شغل حتى لو إنت مراتي، بس فيه حاجات حبيبي مينفعش أقولها، عايزك تتأكدي إنك الوحيدة اللي مستعد أهدم الكون عشانها، لو سمحتي لازم توقفي جنبي، مش هقولك غير إني عايز ارجع حق سليم، كفاية دي يا ليلى
لفت ذراعها حول خصره وتنهدت بألما
-هحاول يا راكان، بس موعدكش هفضل هادية..
– تعالي نامي انا تعبان وعايز أرتاح
كانت شاردة بحديثه حتى أخرجها وهو يداعب وجنتيها
-حبيبي نامي ووعد عمري ما اكسر قلبك، انتٍ غالية على روحي يا ليلى، دا لو مكنتيش روحي حبيبي
استندت بذراعيها على صدره
– مش هتاكل، انا جعانة، فتح جفونه بتثاقل وتحدث بإرهاق
-ازاي تفضلي من غير أكل لحد دلوقتي..نزلت ببصرها للاسفل قائلة
-مكنش ليا نفس، كنت بحاول أكل أي حاجة عشان البيبي بس..داعب شفتيها بإبهامه
-عايزة تاكلي إيه أخليهم يعملوه..وضعت رأسها على صدره
– أي حاجة مش فارقة، المهم إنت هتاكل معايا فالأكل اللي تجيبه هاكله ..اعتدل يجذب قميصه ويرتديه وهو متجها للخارج
– هشوف الشغالة، تطلب بيتزا ايطالي عارفك بتحبيها
نهضت سريعا تقف أمامه تدفعه بيديها
-قولي هو انت فرحان بنفسك وبعضلاتك ولا إيه بالظبط، إزاي عايز تخرج للشغالة كدا، البس هدومك الأول يا محترم، ولا القعدة مع عورسين نسيتك إن في ست معاك
قهقه عليها وهو يرفعها من خصرها حتى أصبحت بمقابلته
-قطة شرسة مولاتي..دفعته تصيح به
-نزلني يا بتاع الستات، وروح ياخويا وريهم
رفع حاجبه مشاكسًا إياها
-طيب أعمل إيه جوزك حلو الستات كلها بتجري وراه..لكمته بيديها الاتنين
-نزلني يا حلو يا بتاع الستات، والله هشوهك عشان تفرح بحلاوتك دي..توقف يطالعها حتى تعمق النظر بعيناها
– دا اعتراف من مراتي الحلوة، إن جوزها حلو..وضعت رأسها بصدره ولم تجبه، اكتفت بالصمت لأنها تعلم أنها ستكون الخاسرة بالتأكيد
خرج بها متجهًا للمطبخ واجلسها على الرخامة، بعدما أمر الجميع بالخروج
– مولاتي عايزة تاكل ايه وانا تحت أمرها ..تحرر من صدرها نفسـاً ناعمًا مبتسمة ترفع حاجبها بشقاوة وتهز ساقيها
-عايز تفهمني راكان البندراي بيوقف في المطبخ وبيعمل
أكل ..حاوطها بذراعيه وضحك ضحكة خفيفة قائلا ببحته الرجولية العذبة
-مولاتي تؤمر واعملها أي حاجة..توسمت بملامحه القريبة، وأطالت التحديق تتأمل ملامحه البهية بإنبهار وأعين تفيض عشقًا، وضعت كفيها تلامس وجنتيه، وفؤادها الذي أصبح كنسمة ربيع ، وروحها أصبحت مثلجة بعدما شعرت بنيرانها كفوهة بركانية،
تعرف اللي بتعمله دا هيتقلب ضدك..رفع شمسه يطالع ليلها بأعين متسائلة
حركت أناملها الرقيقة تداعب وجهه وابتسامة ثغرها وعيناها جعلها كفاكهة شهية للإلتهام، تعلقت عيناهما فتحدثت
– هتحولني من حبيبة، لمجرمة في عشقها، يعني ممكن اقلب لمجرمة لو شميت ريحة مش عجباني
قهقه عليها بصوت مرتفع، ثم رفع كفيه عند شفتيها يتلمسها
– الشفايف دي بترمي قنابل إنما ايه، بس بردو بتغريني..قالها وتراجع بعد لحظات وهو يشير إلى المبرد
– انا مبعرفش أعمل غير بيتزا…ناظرته جاحظت الأعين قائلة:
– واو بتعرف تعمل بيتزا مرة واحدة، طيب كويس والله، شيف راكان باشا بيعمل بيتزا، ممكن بقى تجيبلي فوني عشان أصورك
– اتجه يخرج محتويات البيتزا، وانشغل بها قائلا
– من وقت ما طلبتيها من سليم، وانا قررت أتعلمها، لما عرفت إن دي أكلتك المفضلة..قالها وهو يقوم بتشغيل العجان
ألجمها حديثه، وشعرت بتخدر لسانها الذي عجز عن الحديث، نزلت بهدوء متجهة إليه وتوقفت خلفه، تورمت غصتها وازدرد ريقها بصعوبة فتحدثت بشفاتين مرتجفتين
– اتعلمت عشاني، يعني حتى وانا متجوزة روحت اتعلمت تعمل حاجة أنا بحبها..توقف عما كان يفعله، وشعر بالاختناق حتى لم يستطع التنفس عندما تذكر تلك الأيام ..استدار بهدوء محاولا السيطرة على آلامه الذي بدأت تعيق تنفسه من ذكريات مؤلمه، فرسم ابتسامة وتحدث
– اه عادي، حتى لو متجوزناش بس كنت ناوي أعملها عشان أفرحك بيها، بما إنك بتحبيها وكنتي حامل، رجع مرة أخرى وأكمل
– بس جت مشكلة سليم الله يرحمه مع فرح، وبعدها ..احتضنته من الخلف وانسابت عبراتها على وجنتيها
-آسفة يا راكان..بتمنى تسامحني حبيبي ، والله والله ما كنت اعرف ..استدار إليها يحاوطها بين ذراعيه
– ممكن أعرف بتعيطي ليه دلوقتي، يعني واقف في المطبخ وكمان بتعيطي، بدل ماتفكري ازاي تفاجئيني عوضًا على وقوف راكان في المطبخ
ابتسمت من بين دموعها، ورفعت نفسها عندما توقفت على أصابع أقدامها تحاوط عنقه
– تعرف حبك بقى عندي هوس، يعني شوية وهتخليني مهووسة بيك، ودا مش حلو على فكرة…رفعها من خصرها
كم كانت جميلة رغم شحوب وجهها من حملها، تعمق بعيناها ونظرته الحالمة لوجهها الذي عشقه هامسًا لها
– ودا المطلوب إثباته حبيبي، عايزك تتهوسي بيا ومفيش غيري اللي يشغل بالك
ابتسمت واتجهت بنظرها للذي يفعله
-إيه انا جوعت ولا بتاع كلام وخلاص..أطلق ضحكة صاخبة، فانزلها بهدوء واتجه يكمل ما كان يفعله
❈-❈-❈
جذبت بعض الخضروات ووقفت بجواره
-هعمل سلطة، أهو بساعدك عشان متقولش اني مبساعدش
ابتسم لها وتحدث
-طبعا يا حبي عشان الأكل يكون ليه طعم، لازم إيدك الحلوة دي تشارك..وقفت وقامت بغسل بعض الخضروات بعناية، واعدت جميع السلطات التي يحبها زوجها، كانت تراقب كل حركة وايماءة تصدر منه وتحفظها على ظهر قلب ..بعيون سعيدة قامت بعمل فيديو لهما وهما يعدان الطعام مع مزحاتهما لبعضهما، انتهيا بعد فترة، قامت بتفريغ السلطة ووضعتها على طاولة الطعام، وجلست تنتظره حتى فرغ مما يقوم به، واتجه إليها يضع أمامها ما أعده ..جلس بجوارها
– دوقي وقولي رأيك حبيبي..قالها وهو يقطع جزء ويضعه بفمها..
– تسلم إيدك حبيبي طعمها حلو أوي..التوت زاوية فمه بعبث قائلا
– دا اللي ربنا قدرك عليه ،فكرتك هتاخديني على الأوضة.. جحظت عيناها من مغذى حديثه، ارتبكت من نظراته تنظر إلى الطعام تلوكه بهدوء، وهو يطالعها بصمت،أشارت له
– إيه مش عايز تاكل مش جعان، انا عملتلك السلطات اللي بتحبها، جذب من أمامها الصحن الذي يوضع به قطع البيتزا
– لا هاكل من دا..ضيقت عيناها تشير إلى البيتزا
– إنت هتاكل منها، من إمتى بتحبها..قام بتقطيع جزء منها يلوكها بهدوء وهو يتعمق النظر بعيناها
– مش قولتلك اي حاجة بتحبيها أنا بحبها..توقفت متجهة إليه وجلست فوق ساقيه تحتضن عنقه، تضع رأسها على كتفه تطعمه وهي سعيدة، لم يحيد بصره من عليها
-كملي أكلك
– نهضت مردفة
-شبعت….توسعت عيناه وهو ينظر للطعام،
– بتهزري يا ليلى، يعني بعد التعب دا كله مش هتاكلي، وضعت رأسها بصدره تهز رأسها رافضة
-شبعت عايزة أنام، أخرجها يضمها لصدره
-كلي الأول وبعدين هننام، مكلتيش حاجة..أنزلت كفيه الذي يمدها بالطعام
-شبعت والله ولو أكلت حاجة تاني معدتي هتقلب، إنت كمل أكلك وأنا هروح آخد شاور واصلي العشا أذنت
نهض وهو يحاوطها
– لا انا كمان شبعت، انا كنت قاعد عشان تاكلي، وخايف اخليكي تاكلي غصب عنك ترجّعي وتتعبي، الأكل أهو وقت ما تحسي إنك عايزة تاكلي كلي..وضعت رأسها بعنقه
– حبيبي ربنا يخليك ليا، حقيقي لو قادرة كنت أكلت كل اللي عملته، البيتزا طعمها حلوووو اووي،بس خايفة اتعب
أخرجها يحتضن وجهها
– المهم تهتمي بأكلك متنسيش انك حامل، وكويس العصاير والألبان خليكي مداومة عليها…حاوطت خصره
– حاضر، متجبليش سيرة الاكل بجد بطني وجعتني، ممكن نروح نصلي بقى عشان هنام وانا واقفة
جذبها من كفيها متجها للمرحاض، حتى يغتسلا ويقيما صلاة العشاء معًا
بفيلا قاسم الشربيني
جلست تتآكل من الغيظ، ثم توقفت تدور وكأن مسها مسًا
– يعني إيه الأرض انشقت وبلعتها، هو بيقولي راح الشقة وراكان عندي، ازاي يعني رجعت القاهرة بهدوم البيت، لا ومن غير عربية
دلف قاسم الشربيني وهو يصيح كالثور الهائج
– هموته يحيى الكومي دا.توقفت زوجته قائلة
– قولتلك بلاش تلعب مع يحيى الكومي، كلنا عارفين إنه مش هيسكت
جلس ينفث تبغه بغل، ينظر لنورسين
– باباكي لسة مجاش من برة ..هزت رأسها بالنفي
– لسة والله يا عمو، معرفش اتأخر ليه، حتى راكان كمان مختفي، قالي هيروح يحجز لنوح في المستشفى ، وكان المفروض يرجع بالليل اتصل وقالي هبات وبكرة
اهتم لحديثها مردفا
-قصدك إن راكان رايح يحجز لابن الكومي، طيب ما ابوه دكتور، ليه محجزش
ارتشفت من كأس عصيرها، ثم وضعته على الطاولة، تضع ساقا فوق الأخرى، وأردفت
– لا ما هو يحيى مجهز كل حاجة، بس فيه شوية حاجات كان لازم يعملها، وكمان يشوف وكيل أعماله اللي هناك
نفث قاسم تبغه متسائلا
– مش المفروض تتجوزوا بقالكم سنتين أهو، ايه مفيش اخبار عن الفرح؟ اتجوزيه عشان نقدر عليه
دلف أمجد وهو يقوم بالتصفير
– برنسس نورسين عندنا يا جمالك يانور .نهضت تقابله بالعناق، هامسة له
– وحشتني يا أمجد، وزعلانة منك، قابل همسها بتهكم وأجابها
– بلاش نتكلم يا نور قلبي، لأني مش هرحمك لو ليلى مظهرتش
تراجعت للخلف تطالعه بذهول
– يعني إيه لحد دلوقتي مظهرتش وكمان جاي متضايق عليا..اتجه يجلس على المقعد وهو يزفر بغضب، ينظر لوالده
– إياك ياقاسم باشا تكون إنت السبب في اختفائها..نفث قاسم تبغه مردفا
– انا مش أهبل عشان أقرب من راكان في الوقت اللي هيتجوز فيه نورسين، انا إزاي اتغابيت ووافقت أساعد البحيري، اللي دمر تخططينا
اتجهت نورسين تجلس على ذراع مقعده
-وطبعًا راكان هيأجل الفرح عشان عملية نوح..زفرت بحنق وتوقفت
– مسمعتش كلام بابي يا عمو، وادي النتيجة ، لا وحضرتك كنت عايز تموت يحيى الكومي لولا تدخل بابي
❈-❈-❈
نصب قاسم عوده وتوقف أمام أمجد
– متقربش من راكان دلوقتي، لازم فرحه على نورسين يتم..توقف بمقابلة أبيه
– وانا أكتر واحد عايز الفرح دا يتم، بس لازم اعرف مكان ليلى
تأفف بضيق على جنون ابنه بتلك الفتاة، فاقترب يحدق به قائلا
– معرفش البنت دي غسلت دماغك، مالبنات مالية الدنيا، وأحسن منها، مش واحدة متجوزة مرتين وعندها ابن..قاطعهم رنين هاتفه
– أيوة يابني..جحظت عيناه وتسائل
– هو عايش ولا مات..اجابه على الجانب الآخر
– في العمليات، بيقولوا الرصاصة جت في صدره
مين اللي عمل كدا..تسائل بها قاسم
– مدام حلا يافندم..شهق بفزع مغلقا الهاتف يلقيه بغضب صارخًا
– غبية ومتخلفة..دنت نورسين متسائلة
– ايه اللي حصل..اتجه إليها بنظرات جحيمية
– ابوكي هيغرقنا، انا اتحملته كتير، قولتله بلاش تدخل حلا في عيلة البنداري، وأهو هتجيب أجلنا كلنا..قالها وتحرك مغادرًا للخارج
توقفت مذهولة مما أردف به قاسم تنظر إلى أمجد الذي رفع أكتافه بعدم فهم متجهًا للأعلى قائلا
-سيبك من دا كله وتعالي يا نور محتاجك فوق
بمشفى يونس البنداري
الجميع يقف أمام غرفة العمليات بإنتظار خروج الأطباء..وصل نوح بمقعده المتحرك متجها إلى حمزة الذي يستند على الجدار عاقدًا ذراعيه، مطبق الجفنين
– حمزة يونس ايه اللي حصله ؟!..تسمر بمكانه يستجدي طريقة يفكر بها ليخفي حزنه الكامن داخله
-ايه اللي جابك يا نوح؟!..يونس كويس شوية وهيخرج
اقترب بمقعده يطالعه بنظرات نارية
-ليه عشان عاجز مينفعش أكون جنبه، انا لسة فيا نفس يا متر..انحنى حمزة يحدقه
-مش قصدي ياصاحبي، انا قصدي بكرة عندك سفر ولازم ترتاح عشان العملية..ضغط نوح على مقعده مستديرًا تجاه فريال وأسعد وخالد الذين يجلسون بصمت ينتظرون ما يطمئنهم
-سلامته إن شاء الله، يونس قوي وهيعدي منها على خير..انسابت دموع فريال تومأ رأسها
-إن شاءالله، إ شاءالله ربنا هيطمني عليه..ابتسم أسعد
– إنت تعبان يا حبيبي واحنا هنا، ليه تتعب نفسك وتيجي..أجابته اسما
-والله يا عمو قولتله، بس هو اللي أصر هنعمل ايه، رفع نظره إليها بأن تصمت..تذكرت قبل قليل بعد خروج حمزة
– ايه اللي حصل يادرة ليه حمزة مشي بسرعة كدا..جلست درة وعيونها متحجرة بالعبرات والحزن على ملامحها البريئة
-يونس انضرب بالنار، دا اللي قاله
سقط قلبه مما استمع إليه، امسك هاتفه محاولا الاتصال به..اجابه حمزة بعد عدة مرات
-ايوة يا نوح..ازاي يا متخلف تمشي من غير ما تقولي..أردف بها نوح بصوت صاخب
-نوح يونس كويس مالوش داعي وجودك..
-اخرس يا حمزة بعدين نتكلم، طمني هو فين؟!
اجابه حمزة الذي توقف أمام غرفة العمليات
-جوا يا نوح، لسة مدخلينه من شوية
-مين اللي ضربه..تسائل بها نوح الذي يشير لزوجته بإحضار ثيابه
-معرفش لسة معرفش حاجة دلوقتي، هكلمك لما اطمن عليه
نظر حوله بحزن ورفع بصره لأسما
-واقفة ليه، عايز أغير لازم اكون جنبهم هناك، راكان مش موجود..ربتت أسما على كفته
-حبيبي مينفعش تروح وانت تعبان، ومتنساش عندك عملية بعد يومين، ولازم ترتاح عشان السفر، والدكتور يحيى راح ومعاهم دلوقتي
– أسما..صاح بها بغلظة ينظر إليها بغضب
– لو تقلت عليكي ممكن تسبيني وانا هعرف أتصرف، قالها وهو يتجه بمقعده لغرفته
جلست تضع رأسها بين راحتيها
– دا اللي كنت خايفة منه..ربتت درة على كتفها
– حبيبتي معلش هو غصب عنه، والموضوع صعب، روحي معاه، هو انا اللي هقولك علاقتهم ببعض ازاي، وأنا هروح عشان مرهقة وعندي امتحانات وهطمن عليه من حمزة…قالتها درة وهي ترتدي حقيبتها متجه للخارج
خرجت من شرودها على صوت فريال
-فين راكان، ازاي ميكنش هنا مع ابن عمه؟!
أجابها أسعد عندما توقف متجهًا لسيلين التي تجلس دون حول منها ولا قوة عبراتها تنسدل بصمت
-راكان في ألمانيا يا فريال..ولو عرف هتلاقيه هنا في أول طيارة، مش مستني حد يقوله انزل
جلس أسعد بجوار ابنته وزينب، وجذبها لأحضانه
بكت بنشيج تضع رأسها بصدر والدها
-هموت يا بابا لو حصله حاجة، ادعيله يا بابا..مسد أسعد على خصلاتها ثم طبع قبلة محاولا تهدئتها
– إن شاء الله حبيبتي، يونس قوي وبيحبك وهيقوم علشانك، هو ينفع يسيب سيلي برضو
ظل عدي أخيه يقطع الممر ذهابًا وإيابًا..قائلا
-هم اتأخروا ليه كدا، بقالهم أكتر من تلات ساعات..أما التي تجلس بركن وتمسك بمصحفها تقرأ به وعبراتها تنفجر كالبرك
اتجهت فرح تجلس بجوارها
-زعلانة عليه بعد اللي عمله فيكي، بصي حواليكي، وشوفي هو مع مين، سيبك من سلبيتك
أغلقت سارة المصحف، ورفعت عيونها المتورمة بالدموع
-يونس بقى اخ ليا يا فرح، مش مجرد حبيب، لأني اكتشفت حبه ليا كأخ أضمن وأحسن وأقوى من حب الحبيب، على الأقل لما احزن وأضعف هلاقي سند اتسند عليه، مش ناس تخطط عشان الفلوس، بصي انتٍ حواليكي وشوفي سيلين عاملة إزاي في حضن أبوها، وافتكري لو راكان هنا كانت هتبقى زي كدا، مع أنه مش اخوها ولا يربطها بيه حاجة سوى إنه ابن عمها وبس، بس مستعد يحرق الدنيا عشانها، انا محتاجة لراجل كدا، محتاجة اخ قبل حبيب، لو كنا عاملنا ولاد عمنا كويس بعيد عن الطمع مكناش منبوذين كدا، بصي كدا لسلمى وشوفي عدي حاضنها ازاي، مع أنه فاشل وصايع بس وقت الوجع اتحاموا ببعض .ياريت تفكري وتلحقي نفسك انتِ عندك ولد محتاج الحنان أكتر من الفلوس اللي في لحظة ممكن تضيع منك، ابنك محتاج لاب ومحتاج لأخ قبل كل حاجة يا بنت أمي وأويا، قالتها وتوقفت متجها إلى سيلين
جلست فرح بملامح جامدة، تنظر حولها بين أفراد عائلتها، تسترجع حديث اختها الذي ضغط على جرحها وتذكرت حديث سليم قبل موته
فلاش
توقفت أمامه، اقتربت منه تنظر إليه باشتياق، لما لا وهو متيم قلبها منذ الصغر،
-سليم لازم نتكلم، صدقني عملت كدا غصب عني..ضغط على ساعديها ونظرات مشمئزة
-غصب عنك، تحطيلي حاجة في القهوة وتنزلي لمستوى دنئ، وجاية تتبجحي وتوقفي قدامي وتقولي غصب عني
– لا يا أستاذة يا عظيمة انا مش مسامحك..عقد ذراعيها خلف ظهرها وهمس بغلاظة
– انا بحب مراتي، بعشقها، ومهما توسخوا صورتها انتِ واختك الحقيرة هفضل أحبها، مراتي حامل هتقربي منها هفعصك زي الحشرة، انا كنت بعاملك كأخ، بس انتِ بحقارتك خسرتي الأخ دا، وأخر كلام عندي يا مؤذية
مراتي خط احمر..قالها ودفعها بقوة حتى هوت على الأرضية
بكت بصرخات مردفة
– وانا هنتقم من مراتك دي عشان هي اللي خطفتك مني، إنت عارف إني بحبك من زمان، بس روحت واتجوزتها مع إنها مش بتحبك…اتجه إليها حتى وصل إليها بخطوة واحدة، يجذبها من خصلاتها
– هتسيئ لشرف مراتي هدفنك يا فرح سمعتي، هدفنك واولع فيكِ..خرجت من شرودها على خروج الطبيب
هرول الجميع وتوقفو أمام الطبيب مع خروج يحيى من غرفة العمليات
– احنا عملنا اللي نقدر عليه وكله بيد الله، ادعوله الرصاصة كانت قريبة من القلب، قاطعه يحيى قائلا
– نقلناه على العناية، يعدي الساعات الجاية على خير، مطلوب مننا ندعيله..هزت فريال رأسها بالنفي
– لا ابني!! دا لسة من كام شهر مضروب، ايه اللي بيحصله دا، ابني لا ابني، صاحت بها بشفتين مرتجفتين..ضمتها زينب متجهة بها للمقعد قائلة
– أسعد خلي الدكتور يديلها مهدئ..أما خالد الذي هوى على مقعده بعد سماع الطبيب
– إن شاءالله هيقوم بالسلامة..تحرك حمزة سريعا اتجاه غرفة العناية، وقف المسعفين
استنوا..تحرك بخطوات متعثرة وعيناه متعلقة بجسده المسجى على الفراش..وصل وبكفه رفعه على وجهه وانحنى يطبع قبلة على جبينه
– يونس أكيد إنت عارف مقدرش اكمل حياتي من غيرك، لو مفوقتش صدقني المرادي هزعل منك جامد…قاطعه المسعف
-لو سمحت لازم يتحط على الأجهزة..اومأ برأسه وهتف له
-ساعة بالكتير يا يونس واسمعك بتناديني يلا سمعتني..قالها بصوت مرتجف..شعر بأحد خلفه، استدار وجده نوح وبجواره أسما..هنا خارت قواه وانحنى يضم نوح باكيا بصوت مرتفع لأول مرة
-ايه اللي حصلنا يا نوح، ليه مش قادرين نفوق من كم الضربات دي، يونسسس …آه حارقة خرجت من أعماق قلبه وهو يبكي بصوت مرتفع
– الواد دا طول عمره بيعاني، رغم هزاره بس جواه طفل حنين والله ، مش هقدر يا نوح لو حصله حاجة
ربت نوح على ظهره وهو ينظر إلى أسما أن تتركهم، فتحدث. مازحًا
-دا ايه الضعف دا يا عبيط، دا شوية و هلبسك طرحة يا حمار، اجمد يالا متضحكش علينا البُعدا
تنهد بألمًا واضعًا رأسه بين كفيه وأردف بصوت مختنق
– إن شاء الله..لازم راكان يعرف، مينفعش ميعرفش، وخصوصًا أن حلا اللي ضربته والبوليس قبض عليها، ممكن يقتلوها، لازم يرجع في أول طيارة
– هو راكان عند ليلى مش كدا؟!
أومأ له وتحرك متجها للأتصال به
عند راكان وليلى قبل قليل…انتهى من صلاتهما..جلسا يتسامرون في بعض الأحاديث، نهضت ليلى متجهة بمخدعهما ..طالعها يشير لثيابها
– هتنامي كدا..اومأت وهي تعدل من وضعية الغطاء
-ايوة الجو برد اوي هنا، من وقت ما جيت هنا اتعودت انام بترنجي..نهض يتحرك ببطء حتى وصل ووقف أمامها، يفتح سحابها
– دا لما كنتِ بتنامي لوحدك يا حبي، بس دلوقتي جوزك جنبك هيدفيكِ، ليه الهدوم دي كلها …قالها وهو يقوم بخلع ترنجها المكون من ثلاث قطع، حتى أنتهى..حاوطت خصره وتحدثت بصوت متحشرج من نومها الذي طغى عليها
-راكان خلاص هنام وانا واقفة..حاوطها متجها بها للفراش ودثرها بالغطاء وتسطح بجوارها يجذبها لأحضانه الدافئة
– بردانة، لو بردانة اجيبلك الترنج تلبسيه..هزت راسها بالنفي وهي تدفن نفسها بأحضانه
– لا..دفيانة، احكي لي عن حياتك القديمة معرفش عنها حاجة غير موضوع شمس، قولي اتعرفت إزاي على حلا ومين اللي اتجوزتها تاني، قولتلي قبل كدا اتجوزت تلات مرات
مسد على خصلاتها مردفا
-حبيبي إنسي دا ماضي ومش حابب اتكلم عنه، ولو ينفع أمسحه همسحه من حياتي، قولتلك قبل كدا يعتبر ميلادي من يوم ما اتجوزتك
اعتدلت تتوسد ذراعيه حتى أصبحت بمقابلته
– أنا عايزة اعرف، ولا فجأة الاقي واحدة داخلة عليا زي الست حلا بتقولي ابنك
تأفف من حديثها اتجه ببصره إليها
-برضو يا ليلى هنرجع نتكلم في الماضي، ليلى انا محاسبتكيش على الماضي، وعلى مغامرات أمجد زفت وهو بيجري وراكي من هنا لهنا.
– اعمل فيه إيه وهو كان مجنون بيا، دا فضحني في كل مكان ويتكلم عن حبه المجنون ليا، لدرجة صعب عليا والله بس أهو نصيب
لكزته بأناملها ورمقته بغضب
-هو اللي بيجري، مش انا اللي كنت بجري زي حضرتك..صك على أسنانه وتحولت عيناه للهيب من نيران لو خرجت لأحرقتها
– ليلى مش عايز أسمع نفس على أمجد، مجرد اسمه بيعصبني، ايه بيجري وراكي دي، احترمي الفاظك شوية أنتِ نايمة في حضن جوزك، وبتتكلمي عن راجل معجب بيكي
ابتسمت تراقص حاجبها
-مش حضرتك اللي عاملي فيها روميو، وكل شوية واحدة ترمي نفسها قدامك
أطبق على جفنيه وحاول أن يكتم ضحكاته على غيرتها الشعواء ، فهتف بهدوء رغم سعادته الداخلية
-نامي يا ليلى عشان موريكيش روميو مجنون ليلى ممكن يعمل فيها إيه..فتحت فمها قائلة
-اه نامي يا ليلى واتفلقي، وبعد يومين أشوف صورك انت وعورسين زفت مالية أخبار النجوم والفن تقولش اكتشاف لمسلسلات رمضان الجاي، والكل يقول واو البطل جنان وهيولع في المسلسل ولا التانية اللي تقول يا بخت البت الباردة اللي جنبه دي..ولا..وضع أصابعه على شفتيها
-كلمة كمان والله هكلمها فيديو حالا واتغزل فيها قدامك، وهقلبها نكد، نامي يا مجنونة وبطلي جنان
وضعت رأسها بصدره وتمتمت بقلب ينزف بنيران الغيرة
– اه أهو دا اللي أنا باخده ، يخربيت قلبي الأهبل اللي كل مرة بينسى وانت بتدوس عليه
ضغط من ضمها مطبق على جفنيه مستمتع بأنفاسها وقربها حتى حديثها المجنون راق له كثيرًا..رفعها حتى أصبحت بمقابلته..بعد فترة كانت تغفو بعمق وهو يتكئ على ذراعيه يمسد على خصلاتها، ويداعب وجنتيها .شق ثغره ابتسامة عندما تذكر جنونهما منذ قليل، هل هذا عشقا..
تنهد براحة وهو يتمدد يدنو من انفاسها، دافنا رأسه بعنقها وانفاسه الحاره تلفح عنقها
بعد قليل
استيقظ على إهتزاز رنين هاتفه الذي يوضع بوضع الصامت..فتح عيناه بتثاقل واعتدل بعدما أعدل من وضع زوجته يجذب الغطاء عليها، وامسك هاتفه بعدما وجده حمزة
خرج من الغرفة هامسًا بصوته النائم ينظر للساعة التي تعدت الواحدة ليلًا
– فيه إيه يا حمزة، خير …من أمام غرفة العناية يقف ينظر ليونس المسجى
-راكان لازم ترجع مصر فورًا، على أول طيارة..انعقد لسانه وتاهت المفردات من صراخ حمزة لأول مرة، فاهتز جسده يحاول ابتلاع ريقه متسائلا بصوت متقطع
-إيه اللي حصل، ماما وسيلين كويسين ..
استمع لبكاء سيلين وشهقاتها المرتفعة بعد اتجاهها لغرفة العناية بعدما اغشي عليها من حديث الطبيب
وقفت خلف الزجاج الشفاف وعبراتها كزخات المطر تطالعه وهي تتلمس الزجاج
-قولي يا بابا إنه لسة عايش..هو ليه مفيش حد بيخرج يطمنا..تراجع راكان بجسده هاويا على المقعد عندما شعر بفقدانه للوعي وهمس بصوتا كاد أن يسمع
-عملوا إيه في يونس يا حمزة ..تحرك حمزة بعيدًا عن صياح سيلين هاتفا له
– الوضع هنا مش كويس خالص يا راكان، أمجد عرف إن ليلى ركبت عربية بيجاد وبيدور وراه، وحلا ضربت يونس ومنعرفش ايه اللي حصل
قاطعه صائحًا حتى استمعت ليلى لصياحه
– طمني على يونس، هو كويس أهم حاجة، نظر حوله ينظر لجميعهم أمام غرفة العناية
– لحد دلوقتي كويس، بس معرفش ايه اللي هيحصل، كلام الدكتور مش مريح وكمان دكتور يحيى قال الرصاصة كانت قريبة أوي من القلب، خايف يحصل مضاعفات ويدخل في غيبوبة
جلس يمسح على وجهه بعنف ثم نظر بساعته
-تمام هشوف طيارة لمصر، أغلق هاتفه وهاتف أحد رجاله
– طيارة بأقرب وقت لمصر تتصرف حتى لو هتشوفلي طيارة خاصة
– تمام يا باشا هشوف وارد على حضرتك..كور قبضته حتى ابيضت مفاصله، وشعر بألما مفرط يجتاح كل خلية بجسده، اقتربت ليلى تجلس بجواره
-راكان ايه ال حصل ؟!
رفع بصره إليها وانعقد لسانه يمسح على وجهه
– يونس انضرب بالنار،، شهقة خرجت من فمها وهي تضع كفيها على فمها
– هو عامل ايه..؟! نهض ولم يعرف بما يجبها فهز رأسه
-كويس، انا لازم انزل مصر حالًا، وهاجي بعد كام يوم عشان عملية نوح
تسمرت بوقفتها، ودنت منه
-هنزل معاك يا راكان مستحيل أقعد هنا وانت هناك وبينا بلاد ومعرفش عنك حاجة
تعلقت نظراتها المرجوة به بنظراته الرافضة
– مستحيل يا ليلى، مستحيل أغامر بحاجة زي كدا، انتِ متعرفيش حاجة، بلاش توجعي قلبي لو سمحتي..دنت تحاوط خصره واجهشت بالبكاء
-هموت لوحدي هنا لو سمحت متسيبنيش..قالتها والدمع يتساقط من محجريها وكلماتها المتقطعة التي أضعفت قلبه المسكين
أخرجها يحتضن وجهها
-ليلى لو خايفة على نفسك وبنتك لازم تسمعي الكلام حبيبي ، يومين وهجيلك
انزلت كفيه واتجهت تجلس على الأريكة بجفنين معتكرين يُسحب عبراتها الكثيفة دون حديث
بتر حديثهم صوت هاتفه ..أجاب وعيناه تعانق عيناها الحزينة
-ساعتين تمام، بعد ساعتين إلا ربع تكون تحت البيت .قالها وتحرك متجها إليها يجلس بجوارها يجذبها لاحضانه
– ليلى ممكن تسمعيني، عايزك تعرفي انا لما بكون بعيد عنك، مبكونش عايش، بس مضطر أبعد عشان ولادنا، فترة بسيطة لحد ما أشوف هم عايزين إيه، انا معرفش مين عدوي ومين صديقي، سحب نفسا وزفره بهدوء ثم صمت هنيهة
– مش عايز أخوفك، بس دول وصلوا جوا بيتي، تخيلي إيدهم وصلت لبيتي وكمان الشغالين، كانوا بيموتوا جدي بالبطئ، وضعت رأسها على كتفه ودمعة ملتاعة كوت وجنتيها ، اترضى بالابتعاد عنه لفترة وتقف بجانبه حتى يجتاز مصائبه، ام تعانده وتقترب لتنعم به
نهضت بخطواتها الضعيفة إلى غرفتها قائلة
-هحضرلك الحمام، يلا عشان تلحق الطيارة…آلمته حالتها سارع نحوها وجذبها لاحضانها يدمغ جبهتها قبلة
ثم رفع كفيها يقبله
– حبيبتي متزعليش مني يومين وعد وهكون عندك، رفعت كفها على وجهه وتفجرت برك عيناها
-متتأخرش عليا، انا وأمير مالناش غيرك..جذبها يعصرها بأحضانه، ود لو دفنها بين ضلوعه
حملها ببن ذراعيه ورسم ابتسامة
-وداع بقى بحمى لذيذ كدا من مراتي الجميلة .كانت بحالة لا تجيد المزاح كل ما فعلته دفنت نفسها بعنقه تستنشق رائحته تدفنها داخل رئتيها
❈-❈-❈
بعد عدة ساعات وخاصة أمام غرفة العناية المركزة وصل راكان بكل لهفة وعينان تبحران فوق الجميع
-إيه الأخبار..هرولت إليه سيلين تلقي نفسها بأحضانه وتبكي بشهقات مرتفعة
– قوله يقوم يا راكان، انا مسامحاه والله هسامحه، هو بيسمع كلامك..أزال عبراتها يحتضن وجهها
– حبيبتي إهدي، هو كويس، هو بيتدلع بس مش كدا ولا إيه، عايز يعرف إنك هبلة وبتحبيه..دفنت وجهها بصدره، رفع بصره لحمزة
-تعالى ورايا يا حمزة…رايح فين يا راكان مش تطمن على ابن عمك الاول…قالتها عايدة التي جلست تضع ساقًا فوق الأخرى
استدار بعد خطوتين يرمقها بإشمئزاز
– واصلة معايا لحد هنا، كلمة كمان و هنسى إنك ست، أنتِ لو عندك دم اصلا كنتِ قفلتي على نفسك، بس أقول إيه، ناس معندهاش إحساس..نهضت متجه إليها ونظرات جحيمية تشير إليه
– مين المسؤول عن كدا، مش مجايبك، خربت بيتي واهي قتلت يونس، يارب تتبسط، طول عمرك وانت بتتنطط على الكل ويوم ما إتجوزت إتجوزت لمامة
وصل إليها بخطوة وأمسكها من أكتافها يغرز أصابعه بلحمها
– إوعي تفكري عشان مرات عمي هسكت، لا فوقي انا كنت بتحملك عشان بناتك مش أكتر، إنما انتِ تحت جزمتي..دفعها بقوة حتى كادت أن تسقط
صاح خالد غاضبا
– هو دا وقته يا راكان، طيب كبرنا يابني، مش معقول دا
أشار عليها وبعيونا ملتهبة
-دي واحدة حقيرة، محدش يوقفني بعد كدا، ثم استدار إلى خالد
– لمها قتالة القتلة…صاعقة نزلت على الجميع، فنهضت مرتبكة تنظر حولها
-ايه اللي بتقوله دا..دنى ينظر لمقلتيها الهاربة بكافة الاتجاهات
-بلاش شغل التلات ورقات دول، لا فوقي واتعاملي مع اللي قدامك على أنه مش غبي، انا سايبك بمزاجي، اوعي تفكري الحلوف التاني انا سايبه لا اصبري واتفرجي عليه..قالها وتحرك متجها لغرفة العناية، ارتدى الثياب الخاصة بها ودلف للداخل..اقترب من رفيق العمر بل أخيه الذي حاوطه بجناحيه منذ صغره، رفع بصره وعيناه مترقرقه بالدموع عندما وجده ملقى لا يحرك ساكنا مجرد بضعة أنفاس متألمة تخرج وتدخل لصدره
جذب المقعد وجلس بجواره تنهد متألما وهو يطالعها بعينين خائفتين وروح تائهة خوفا عليه
-يا ترى الدور على مين يا يونس، المرة دي جت فيك، بس ملحوقة فوق كدا بس وحقك مش هسيبه
ظل للحظات يطالعه بصمت حتى أتى لينهض، فوجد أصابعه تتحرك..دنى يمسد على خصلاته
-برافو حبيبي، عارفك قوي، فوق وانا شوية وراجعلك
خرج يتحدث مع الممرضة
-شوفي الدكتور، بدأ يفوق..ابتسم حمزة الذي وقف بالخارج ينتظره
-يونس فاق..جذبه من تلابيبه
-اه ياخويا، عارفه حلوف بيوقع قلبنا وخلاص، كنت عايزه يطول أهو ارتاح منه شوية
قهقه حمزة حتى أدمعت عيناه، فمن يراه الان لم يظن أنه الذي جلس يبكي منذ ساعات
دفع راكان يمازحه
-انت الاسد يا أسد لما بتبعد بنموت من غيرك..توقف راكان عن السير يرمقه ساخرا
-ولا ..خلي بالك من نفسك عزرائيل جالي من يومين وقالي خلي حمزة ياخد باله من نفسه، أصله عاجبني
ضرب كفيه ببعضهما متحركا للسيارة بملامح جادة مختلفة عما كانت منذ قريب
بعد قليل وصل راكان لمكتب جاسر الذي كان يحتسي قهوته ويتحدث بهاتفه..دفع الباب ودلف للداخل..استدار ينظر إلى حمزة
-عرفت ليه إحنا بنوقع زي الفراخ عشان الأمن مستتب بقيادة هذا الكائن
قهقه حمزة بصوتا مرتفع حتى جلس على المقعد يمسك بطنه
-يخربيت فصلانك..اتجه يجذب مقعده ينتظر إنهاء مكالمته..وضع جاسر هاتفه يوزع نظراته بينهما قائلا
-خيرا أن شاءالله!!
ظل راكان يطالعه بصمت ثم تحدث
-إنت يابني مين اللي امتحنك في الشرطة وخلاك ظابط، يابني انا تعبت منك اه والله، قولي عملت ايه من وقت ما مسكت القضية، غير كل ما اخل عليك الاقيك تحب في التليفون بس اقول ايه معذور
تراجع جاسر بمقعده، وأمسك قلمه ينظر به
-بقولك يا حضرة المستشار هو مفيش في الداخلية غيرك إنت وعيلتك، يابني انا تعبتلك والله، وتعبت للظباط اللي ملهمش غير راكان البنداري ومصايبه
دنى يحدق به قائلا باستفزاز
– دا النائب العام معملناش معاه كدا، قولي ومتخبيش عليا، إنت ناوي تترشح للنيابة بمنصب النائب العام
جذبه راكان من ياقته هاتفًا من تحت أسنانه
– عملت إيه في موضوع نور، مسكت الولد اللي هجم على بيت المزرعة ولا قاعد زي الست الوالدة تطلب مشروبات وبس
كتم حمزة ضحكته قائلا
-راكان براحة انت ماسكه زي حرامي الغسيل كدا ليه
دفعه راكان يشير إليه بغضب
-يا ريته ينفع حتى حرامي غسيل دا فاشل، مش نافع غير في المصايب وبس
ابتسم ورفع حاجبه مستنكرا حديثه
-ما شاء الله عليك يا حامي الوطن، أمسك ملفا ملقيه عليه
-شوف بلاوي مجايبك يا جميس بوند، وبعدين تعالى حاسبني
أمجد ونور نورسين ..اجتمعوا مع بعض في فيلا (. ) من يومين، وطبعا البواب قالي أن أمجد بيتردد على الفيلا دي من فترة وفيه علاقة بينه وبين نورسين
نهض يضع يديه بجيب بنطاله ينظر من النافذة
-نور لسة متعرفة على أمجد من فترة بسيطة، وعرفت كمان أن قاسم برضو كان بيتردد على الفيلا دي..اسمع بقى القنبلة الجاية
– مدام عايدة مرات عم حضرتك كانت بتروح هناك كل ما قاسم يكون هناك .ايه اللي يربطهم معرفش مع أن فرق السن كبير جدا، وأخر مرة راحت مع نور ودا كان أول مرة نور يروح هناك، بس اللي يخوف في الموضوع فيه واحد شكله جاي من برة، معرفش الراجل دا مين، صورته وبعت الصورة للتحري
اه وفيه كمان في الفيلا دي صور كتير اوي لمدام ليلى في أوضة، وفيه في أوضة صور ليك مع يونس وحمزة ونوح وحوالين الصور دايرة إلا من صور نوح
ربط راكان حديثه بالاحداث الأخيرة
-يعني مش هما اللي ضربوا نوح…ازاي ؟!
ارتشف رشفة خفيفة ونظر إلى راكان
– اللي وصلناله إن البحيري طلب مساعدة من الشربيني بحكم مشاركتهم في المشروع الجديد، وطبعا الشربيني متأخرش، بس فيه حاجة ناقصة
– الشربيني ازاي يتفق مع عايدة أنها تقتحم بيت المزرعة، وهو عارف ومتأكد إنك هتكشفه، فيه حاجة مش مظبوطة
قاطعه حمزة قائلا
– بما إن الموضوع فلوس مش ورق القضية بس يبقى هو كان عايز الورق، بس عايدة طمعت في موضوع الولد وحضانته، وخصوصا إنها كانت عايزة تخلي مدام ليلى تشك في راكان، لما قالتلها اتنازلي لشخص تاني بعيد خالص، أو راكان
اومأ راكان موافقه الرأي، وتوقف يسأله
-زرعت كاميرات في البيت دا..هز رأسه موافقا
-ايوة زرعت في كل مكان، ورشيت البواب يعني ظبطت الدنيا، فيه حاجة كمان قولتها لحمزة، عرفوا أن ليلى ركبت مع بيجاد، وأمجد بيدور وراه، بس عمو ريان اتدخل وجاب الراجل وعمل معاه الواجب، بس هدوء أمجد يخوف، مع أنه ميعرفش علاقتك ببيجاد وكويس انك لجأتله بس خلي بالك احنا خلاص قربنا على الإنتهاء، يارب ميحصلش جديد
مط شفتيه للأمام وهز رأسه
-كله ماشي زي ما طلبت بالظبط، وتحاليل جدي اللي وصلتلهم دلوقتي هتريحهم كتير، لحد ما اخلص من عملية نوح ونفوقلهم
بعد قليل بغرفة يونس بالمشفى، تجلس بجواره تضع رأسها على كفيه وتغفو، دلفت فريال تطالعهما بصمت ، اتجهت إليها تنظر لذاك الذي يجلس يقرأ بالمصحف، توجهت له
-أسعد روح انت وزينب من امبارح وانتوا هنا، وكمان خدو سيلين معاكم، شكلها أرهقت اوي
هز رأسه رافضا حديثها وتسائل
-خالد راح فين، جلست بمقابلته وأجابته
-نزل يشرب قهوة تحت، وقال هيكلم جلال من امبارح وفونه مقفول، مش ناوي تسامحه..فتحت زينب عيناها .
-يونس صحي ولا لسة، اتجهت بأبصارها لأبنها وأجابتها
-لا لسة نايم، الدكتور قال النوم أحسن له
نهضت زينب متجهة لأبنتها
-البت دي ضهرها هيوجعها..وصلت إليها تمسد على خصلاتها
-حبيبتي قومي نامي على السرير، رقبتك وضهرك، اتجهت بنظرها إلى يونس
-لما يفتح عيونه، واطمن عليه..ابتسمت زينب وجلست بجوارها وظلت تمسد على خصلاتها
-وكان ليه من الأول طالما جواكي الحب دا كله، ياما قولتلك بس دماغك دي في حتة تانية
دنت تداعب وجهه وأجابتها بقلبا متألم
-وجع القلب وحش أوي يا ماما، مهما أقولك مش هتحسي بيا، وفي نفس الوقت بتتمني تقربي، يعني لا عارفة تبعدي ولا تقربي، استدارت تطالعها
-اهو يونس كدا، على أد ما هو واجعني بس مش عايزاه يبعد وفي نفس الوقت مش عايزاه يقرب، صمت هنيهة تطالعه وعبرة انبثقت من جفنيها
– بحبه ومش قادرة أسامحه، ولا قادرة أبعد عنه، قوليلي أعمل ايه
-“سيلين”..همس بها يونس، ابتسمت تمسح دموعها ثم نهضت تمد كفيها لأمها
-دلوقتي لازم أقولك انا كدا اطمنت وعايزة أنام، أنام كتير اوي..
ضيقت زينب عيناها مردفة
-مش هتستني لما يفتح عيونه يا بنتي…كانت تطالعه بصمت للحظات، فرفعت بصرها لوالدتها
-ماما انا اطمنت عليه، يفوق وبعد كدا لازم نتكلم انا وهو
بمركز الشرطة صفعة قوية على وجهها، يلف خصلاتها بكفيه
-وصل بيكِ الحال ترفعي السلاح وتضربيه، هموتك..تراجعت للخلف مبتعدة عنه، تقف خلف حمزة
-انت السبب، اخدت ابني مني، وحرمتني منه، كنت مستني مني ايه، عارفة اني غلطت لما روحت وقولتلك الولد ابنك، هم اللي قالولي كدا وحياة ربنا قالولي إعملي كدا، وهيرجعك لعصمته، بعد ما عمك كان عايز يطلقني،
نظرت له من خلف حمزة وأردفت ببكاء
-ظلمتني يا راكان، عارف ليه عشان الليلة الوحيدة اللي طلبتها منك كنت بتهلوس بإسمها هي، كأن الست اللي في حضنك دي حشرة ملهاش حق تتكلم، قولتلك عايزة ولد، كان ردك ايه
– يبقى أطلقك دلوقتي ولا كأنك شوفتيني، ليه عملت ايه لدا كله، ما انا ندمت ورجعت وانت عارف ومتأكد إنهم غصبوني أبعد عنك
اقتربت تطالعه وتوقفت أمامه
-عملتلك كل حاجة، جبتلك أسرارهم كلها، وكان جزاتي ليلة مع راكان البنداري، ويا ريت يكون بعقله وقلبه معايا، بعد ماعمل كافة احتياطته عشان ليلته ميكونش فيها أي ذكريات، فضل يشرب ويشرب لحد ما فقد حتى نفسه، وكأن الشخص دا انا معرفتوش ولا عمري شوفته، ضيعت امنيتي الوحيدة وجاي توقف وتقولي عملتي كدا ليه، أيوة ولو طولت الحيوانة التانية هموتها بإيدي، حيوانة اتجوزت واحد وشغلت التاني
امسكها يطبق على عنقها وتحولت عيناه لنيران من الجحيم
-هموتك يا حقيرة، انت اللي عملتي مني شخص فقد الثقة في كل اللي حواله، كرهتيني في الستات كلها، شحب وجهها وكادت تختنق لولا ذراع حمزة
-راكان هتموت في ايدك، دي متوسخش ايدك فيها..دفعها بقوة حتى سقطت على الأرضية تسحب أنفاسها، تضع كفيها على عنقها
وقف أمامها وانفاسه المحترقة تكاد تحرق مايقترب منه، نيران بصدره تعصف به، حتى انحنى يجذبها من رسغها بعنف
-مين قالك تضربي يونس يا بت، وايه موضوع الولد اللي جبتيه من عمي دا، اتجوزتيه امتى
رفعت نظرها تطلق ضحكات وهي تمسح دموعها
-عمك دا غلبان اوي، ازاي اتجوز حرباية زي عايدة دي، والله صعبان عليا، دنت تحدق به
-روحتله اعيط واقوله راكان طلقني وانا حامل ومش راضي يعترف..صعبت عليه، وخدني في حضنه ما هو محروم من الصدر الحنين، ولعبت عليه زي غيره، لحد ما كتب عليا، وبعدين شوية سهوكة لحد ما دخل عليا، ماهو جلال البنداري برضو، يعني عز وجاه، وبعدها حملت حق وحقيقي، ويا سلام لما عرف اني حامل في ولد، طار من الفرحة، رغم أنه عارف الولد ابنك عبيط اوي جلال دا
ظل مسلطا بصره عليها ينظر ببغض عليها فاردف
-الولد متستاهليش تكوني أمه، عشان كدا، اتسجل باسم عمي، بس رحمة بيكي هخليكي أمه في الشهادة بس، وفيه واحدة محترمة تربية..دنى يهمس بجوار آذانها
-جلال البنداري طلقك بالتلاتة، وبيقضي شهر العسل مع ام ابنه، اه عايزك تعرفي عايدة كمان بكدا، ماةهو الراجل ماصدق أنه طلع عنده ولد، وست محترمة، اخترتها على الفرازة مش شوية قذارة
❈-❈-❈
قالها وهو ينظر لجاسر
ارميها إنفرادي وخلي بالك منها للصبح اسمع خبرها، لسة محتاجها معايا..هرولت خلفه
-وحياتي يا راكان، بلاش تعمل فيا كدا، ابني وديه لامي تربيه، ووعد هقولك كل حاجة
تحرك ولم يعريها اهتمام حتى هتفت بصراخ
-حتى لو عرفت إن أمجد اتفق مع سليم أنه يهدد ليلى عشان يتجوزها..تسمر بوقوفه مستديرا ببطئ إليها
-بتقولي إيه يا حقيرة..اتجهت تقف أمامه
-سليم عرف إن أمجد بيجري ورا ليلى، راحله وهدده أنه يبعد عنها، كان عارف بعد كلامه أمجد هيضايق ليلى اكتر، وكان عارف انك حاولت أن ليلى تخضع لك، يعني سليم كان عارف كل حاجة
صاعقة نزلت فوق رأسه حتى شعر بتخدر بجسده بالكامل، وكأن أقدامه تسمرت ولم يعد لديه القدرة على الحركة، دنت بعدما وجدت تغير ملامحه واكملت ما قسم ظهره
-وعارف إنك كنت بتحب مراته، عشان كدا سبقك وراح خطبها، وافتكر كويس يوم كتب كتابنا قالك ايه
دنت أكثر وأكثر قائلة بنبرة شيطانية
-أخوك مات بسببك أنت لما راح زي المجنون يواجه ليلى،اللي اعترفت له وقالت له انكواد بتحبوا بعض، وبعدها خرج زي المجنون وركب عربيته ومات بسببكم ..قالتها وهي تنظر لعيناه بشماتة ثم أدارت حوله
واهي لو مش مصدقني اتصل بيها وأسألها، ما هي اكيد انت عارف مكانها بعد حملها اللي بتحاول تخبيه عن الكل، معقول يا حضرة المستشار
– تكون انت السبب في موت اخوك …شايف الناس كلها قذرة وانت مقضيها مع مرات اخوك اللي منعرفش أمير ابنك ولا ابن سليم المسكين، اللي قتلتوه انتو الاتنين
اشتعلت عيناه كجمرتين من اللهب الحارق، أطبق على عنقها يجز على اسنانه، وأنفاسه مستعيرة بالنيران، حاول جاسر وحمزة الفكاك بها من بين كفيه ولكنه تحول لمارد أراد أن يحرق مايقابله
بعد عدة أسابيع في فندق يقام على نهر النيل، وقف ينفث تبغه..توقف نوح خلفه
-لو عملت كدا يبقى بتقضي على كل اللي ما بينا يا راكان، ليلى متستاهلش منك كدا، دي منهارة وممكن
استدار يطالعه ثم أردف
-لو خلصت اللي جاي تقوله ممكن تمشي لو مش عايز تحضر الفرح
دلفت سيلين توزع نظراتها بينهما
-ابيه راكان ماما رفضت تيجي، وكمان بتقولك أنسى أن لك ام
ألقى سيجاره يدعس عليها، متجها للخارج
-براحتهم كلهم، النهاردة فرحي اللي عايز يحضر يا مرحب بيه،اما اللي مش عايز برضو مرحب بيه
وصل لغرفة نورسين التي تجهزت وأصبحت بكامل أناقتها
-حبيبي خلاص انا جهزت
بسط يديه ليحتوي يديها
-طالعة حلوة أوي يا نور، الفستان حلو أوي ..
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.