رواية عازف بنيران قلبي الفصل الثالث والعشرون 23 – بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي – الفصل الثالث والعشرون

البارت الثالث والعشرون

البارت الثالث والعشرون

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

نضطر أحياناً بالتظاهر بما ليس في القلب كي نحافظ على مظهرنا وملامحنا الخارجية ولا نقلل من أنفسنا أمام من أحببنا.

فالجرح الذي يأتي من الحبيب يظل غائرًا في القلب، ولا تتمكن الأيام من مداواته.

❈-❈-❈

قبل سفر راكان بقليل..

استقلت بجواره السيارة، أمسك هاتفه وقام بمهاتفة أحدهم:

-معتصم أنا في طريقي للمطار الحقني على هناك عشان ترجع بمدام ليلى.

أنهى اتصاله، ثم اتجه لحارسه:

سوق يامحمود وخلي بالك موضوع سفري اتعرف.

أومأ الحارس الشخصي بالموافقة وأجابه:

-تمام ياراكان باشا، فيه حاجة لازم تعرفها، قالها وهو ينظر إلى ليلى..

حمحم راكان وتحدث بمغزى:

-تمام يامحمود امشي عشان نلحق ميعادنا.

اتجه بأنظاره إليها مردفًا بهدوء:

-مالك؟! قطبت ملامحها وسألته بجدية:

-مش ملاحظ موضوع اللخبطة في شركة والدتك دا مريب شوية، إنت قولت سليم مظبط كل حاجة قانونية واتنقلت باسمك، إيه المشكلة دلوقتي؟..

جذب كفها وتشابكت أنامله القوية بأناملها الصغيرة ثم رفعها وطبع قبلةً في باطن كفها قائلًا:

-سيبك من دا كله، المهم اهتمي بنفسك وأمير كويس، وبلاش تخرجي لوحدك مهما يكون، يعتبر مالوش غيرك في غيابي، محمود هيكون معاكي..

صمت للحظات ثم اتجه ينظر لمقلتيها:

-مهما يحصل وتسمعي من حد حتى لو جدي مترديش عليه، أنا شوفت الفيديو اللي كان بينكم..

كسا الوجوم ملامحها فأردفت:

-جدك دا لايطاق بجد، معرفش إزاي دا أب اصلًا.

رسم قناعًا باردًا فوق ملامحه رغم الغليان القابع في صدره من محاولات جده البائنة:

-عايزك تفهمي إن جدي أهم حاجة عنده السلطة، ومن وقت ماخسر شركاته بيستعمل قسوته ومفكر دا قوة، فأنا بحاول أتغاضى عنه لأني عارف هينزل على مفيش..

-هحاول أبعد عن أبو لهب بتاعكم دا، آخر مرة كان هيبلعني..

كتم صوت ضحكاته وأردف:

-يعني داخلة عليه تطرديه من المكتب ويسكت يالولة، دا توفيق البنداري بردو مش أي حد.

تمتمت  بكلمات استياء محاولةً السيطرة على غضبها:

-أنا عمري ماتكلمت مع حد بقلة ذوق بس دا متجبر بجد، يعني كل حياته أوامر وبيبص للناس باحتقار..

كان يطالع حركات شفتيها المغرية، وغضبها الذي أحبه حيث توردت وجنتيها بلون غضبها..

قطعت حديثها وهي تنظر إليه..فولَّت بنظراتها بعيدًا عن نظراته المخترقة لها..

ضغط على كفها فاتجهت له..دنا يهمس لها:

-أنا بقول توفيق دا مفتري ولازم أرجع أحاسبه عشان مزعل لولة، وبالمرة ألغي السفرية دي وأجهز لسفرية تانية، فيها حاجات تانية طعمها حلو..

احمرت وجنتيها بحمرة الخجل وهي تذهب بأنظارها للخارج، وابتسامة مغرمة على شفتيها من كلماته..

حاولت سحب كفها ولكنه كان متمكنًا بسيطرته الكاملة عليها..

صمتٌ دام لدقيقة بينهما ثم قطعته محمحمة:

-راكان ممكن أطلب منك طلب؟..

رفع ذقنها بأنامله قائلًا:

-إنتِ تؤمري حبيبي مش تطلبي.

وضعت رأسها على صدره صامتةً للحظات، حاوطها بذراعيه وتساءل:

-عايزة إيه؟!..اتخذت نفسًا عميقًا ثم اعتدلت تنظر إلى مقلتيه:

-راكان عايزة أروح أقعد عند بابا لحد ماترجع، بابا محتاجني قوي الأيام دي، وحياتي ماترفض.

لامس وجنتيها بإبهامه وعينيه تطالعها بصمت..

لحظات من الصمت، بينهما ولكن هناك نظرات رافضة، ورغم رفضه:

-باباكي مسافر بعد بكرة يعني وجودك مالوش لازمه هناك..احتضنت كفه  وترجته مرةً أخرى..

أومأ لها متنهدًا بعدما ضعف أمام عيناها الراجية:

-هتروحي بس ممنوع اختلاطك بآسر ياليلى، الولد دا مبحبوش.

تراجعت بجسدها لمقعد السيارة وابتسامة على وجهها..رفع حاجبه وتساءل:

-الابتسامة دي وراها إيه؟!

طالعته وأجابت:

-أصل آسر يوم ماسليم طلبني للجواز، تخيل قال إيه؟..

قبضة قوية اعتصرت قلبه بعدما ذكرته بالذي تمنى أن يفقد ذاكرته بسببه، حاول أن يسيطر على غضبه حتى لا يغضبها..

-قالك إيه؟!

تذكرت ذاك اليوم وأجابته:

-قالي راكان أحسن من سليم، راكان واضح ماتسمعيش اللي بيتقال عنه..

لم تر ردة فعلٍ منه غير إيماءة من رأسه..بعد قليل وصلا إلى المطار..توقفت السيارة..

باتت نبضاتها الهادرة تتخبط بعنف بين ضلوعها..

وقبضة قوية اعتصرته، قبضت على كفه، وخيط مترقرق من الدموع،  فهمست بصوتٍ متقطع:

-إحنا وصلنا..شعر بالحرارة المنبعثة من جسده ونيران قلبه تكويه دون رحمة، فجذب رأسها وطبع قبلةً مطولة على خدها يبث فيها كل أشواقه ويشعرها بالاطمئنان:

-مش هتحسي بغيابي وإن شاء الله هرجع بسرعة..المهم زي ماقولتلك، لازم تاخدي بالك كويس ومتثقيش في أي حد.

ترجلا وهما متشابكي الأيدي إلى أن وصلا مهبط الطائرات..

داعبها بعينيه وهو يفترس ملامحها، ثم جذبها يحاوطها بين أحضانه قبل صعوده للطائرة..

همس بجوار أذنها:

-لما ترجعي البيت هتلاقي نوتس في الدريسنج روم يبقى شوفيها، وفيه علبه جنبها دي بتاعتك.

طبع قبلةً على جبينها وهمس:

-“بحبك مولاتي” قالها وتحرك بعدما أشار بعينيه إلى محمود الحارس الشخصي، وصعد إلى طائرته دون النظر خلفه..

ظلت لدقائق معدودة حتى أقلعت الطائرة، هنا فقدت سيطرتها وانزلقت عبراتها كشلالٍ وهي تمتم:

-هتحمل غيابك إزاي وإنت من دلوقتي وحشتني”..أزالت عبراتها متحركة إلى منزله أولًا..

عند حمزة استيقظ على رنين هاتفه:

-دا إيه الصباح الحلو دا حبيبي..هب فزعًا عندما استمع لشهقاتها وهي تتحدث بصوتٍ غير مفهوم متقطع..

اعتدل يمسح على وجهه ويرجع خصلاته متسائلًا:

– درة حبيبتي اهدي عشان أعرف بتقولي إيه..

سحبت نفسًا تضع كفها على فمها وتحدثت:

-سيلين كلمتني وعمال تصرخ وتقول قتلت يونس وعايزة راكان، وراكان تليفونه مقفول وليلى مش عارفة أوصلها، هما كلموني من ساعة تقريبًا وقالوا هيروحوا المطار..

ممكن راكان يكون في الطيارة، بس ليلى تليفونها مقفول معرفش ليه، اتصرف ياحمزة واوصل لسيلين، أنا مش عارفة أتصرف لوحدي..

صدمة بل صاعقة صفعته بقوة حتى توقف عقله عن التفكير، وهو يمسح على وجهه عله يستوعب مااستمع إليه فأجابها:

-طيب يادرة أنا هتصرف، أغلق الهاتف سريعًا وقام الاتصال على يونس..

كانت تجلس بجواره وجسدها يرتعش، تضع يديها على جرحه ودموعها تنسدل بقوة، وتتمتم:

-راكان إنتَ فين..تعال انقذ يونس، راكان..ظلت تكررها بهدوء ونظراتها في اللاشيء..

استمعت إلى رنين هاتف يونس، أمسكته ظنًّا أنه راكان وأجابت سريعًا بصوتٍ متقطع:

-راكان أنا قتلت يونس..قطعت حديثها عندما استمعت إلى صوت حمزة:

أنتوا فين ياباشمهندسة؟..نظرت حولها بضياع وأجابته:

-في شقته..تحرك بسيارته بأقصى سرعة، ولم يلاحظ ممن يتحرك خلفه لمراقبته..

وصل بعد قليل وطرق على باب الشقة ولكن لا يوجد رد..كانت بالداخل تنظر بحدقيتها ولا تشعر بما حوله،

دفع حمزة الباب وهو يصرخ بصوته عليها:

-سيلين افتحي الباب، ظلت تائهة ضائعة، تصنم جسدها، وشل لسانها، وتوقفت حياتها..

وصل المسؤول عن المبنى، صرخ به حمزة:

-افتح الباب دا ولا أكسره..اعترض الرجل قائلًا:

-مينفعش ياحمزة بيه الدكتور يونس ممكن يطردني..

أمسكه حمزة يطبق على عنقه، هات مفتاح الشقة، قالها صارخًا، بسط الرجل يده بالمفتاح..

هرول سريعًا يفتح الباب، دلف إلى الداخل يبحث عنهما..صدمة قوية نالت منه لدرجة شعر بأن الكون يدور به، فكانت نظراته نحو سيلين التي تجلس تحتضن يونس ودموعها تنسدل بصمت..عينين هالكتين وجسد بلا روح..

اقترب منها وتحدث:

-باشمهندسة سيلين، يونس ..ظلت كما هي كأنها فقدت الحركة والكلام..

جذبها حمزة من ذراعيها..بعدما أخذ يونس الذي شعر ببرودة جسده وتخضب شفتيه بالزرقة..اهتز جسد حمزة خوفًا على صديقه..

تحركت دون مقاومة، أجلسها على الأريكة، واتجه سريعًا إلى يونس يحمله مع الحارس متجهًا إلى الأسفل:

-خلي بالك منها وهرجعلك بسرعة.. تحرك بسيارته بأقصى سرعة وأمسك هاتفه..

❈-❈-❈

عند نوح..

حاوطها بجسده ينظر إلى مقلتيها مقتربًا من شفتيها:

-هتقدري تعيشي بعيد عن نوح ياأسما، قلبك هينبض وتقدري تتنفسي وأنتِ بعيد عن حضني؟..

شهقة خرجت من فمها تبعها بكاء مرتفع، ودموعها المنسدلة على وجنتيها تحرقها كلهيبٍ يحرق أحشاءها، هزت رأسها رافضة:

-أنا مش قادرة يانوح، أنا بموت..

أغمضت جفونها من أثر الرجفة التي هاجمت جسدها، انتبه على رنين هاتفه الذي صدح لعدة مراتٍ متتالية..

دفعته أسما تتخذ أنفاسها بصعوبة وتحدثت بصوتٍ متقطع:

-نوح شوف تليفونك.

أرجع خصلاته للخلف متنهدًا ونيران عشقه تسيطر عليه؛

-مين البارد على الفجر دا..أمسك هاتفه ثم زفر بغضب:

-عريس الغفلة سهران، حد قده الليلة، أكيد عايز يتسلى..

أطلقت ضحكةً خافتة من بين شفتيها:

رد عليه ممكن يكون حاجة مهمة..ابتسم وهو يجذبها لأحضانه هرد بس مش عشان أعرف عايز إيه، عشان ضحكة حبيبتي اللي اتحرمت منها شهور.

نظرت للأسفل وتوردت وجنتيها حتى أصبحت بلون التفاح الذي حان قطفه..دنا يطبع قبله على وجنتيها غامزًا:

-أموت في التفاح ياتفاحة حبي..

استمع إلى الرنين مرة أخرى..أخرج زفرة غاضبة وأجابه:

-إيه يابني ماترحم أمي..

-نوح اسبقني على مستشفى يونس بسرعة، ومش عايز حد يعرف دلوقتي حتى أسما..

هب فزعًا من صوت حمزة الذي إن دل على شيء فيدل على فاجعة..تحدث بصوتٍ متقطع:

-راكان حصله حاجة ولا إيه؟..نهضت أسما سريعا تقف بجواره، متسائلة:

-نوح فيه إيه؟! إيه اللي حصل؟!

رفع كفيه يشير إليها بالصمت..ثم تحرك سريعًا يبدل ثيابه:

-أسما، يونس بيموت وحمزة واخده المستشفى بلاش تعرفي ليلى عشان راكان أكيد سافر دلوقتي..

شهقة خرجت من فمها تضع كفيها عليه متسائلة:

-إزاي يعني يونس بيموت..وضع قبلة سريعةً على جبينها قائلًا:

-معرفش هروح وأعرف، المهم ليلى متعرفش ..حمزة مأكد على درة هي كمان..

أومات متفهمة..ثم تحرك سريعًا متجهًا للخارج..

بعد قليل أمام غرفة العمليات يجلس نوح بجواره حمزة، نهض يضرب على الحائط:

-هما اتأخرو ليه؟..جلس حمزة يتطلع إلى الأمام ولم تتحرك عضلة من وجهه، استمر بجلوسه الهادئ رغم ناره التي تكمن داخله..

خرج الطبيب، وصل نوح إليه بخطوة:

-إيه ياطارق..يونس عامل إيه؟!

هز الطبيب رأسه بأسف:

-خسر دم كتيير والكلية اتأثرت من الطعنة للأسف.

صرخ نوح عندما فقد السيطرة:

-هو إنت بتنقطني يابني قول هو عامل إيه؟!

نظر الطبيب إلى الأسفل وتحدث بهدوء:

– حالته مش مطمنة، هنشوف الساعات الجاية، وزي ماقولت لك الكلية اتأثرت، وطبعًا أنا حاولت أوقف النزيف بس ..

هوى نوح على المقعد عندما شعر بانسحاب أنفاسه، جلس واضعًا رأسه بين راحتيه..

عند ليلى بقصر البنداري..

عادت إلى القصر دلفت للداخل، تقابلت بزينب عند مصلاها:

-ليلى حبيبتي إيه اللي جابك دلوقتي؟..

راكان قالي أنك هتباتي عند باباكي، ارتبكت من وجودها..

فركت كفيها وتحدثت بتقطع:

-ماهو أنا استأذنت منه أقعد عند بابا لحد مايسافر، وهو وافق وجيت عشان آخد هدوم ليا ولأمير..

ربتت زينب على كتفها وأردفت:

-بس متتأخريش عليا بأمير يابنتي..أومأت برأسها وتحركت من أمامها سريعًا..

دلفت إلى غرفتها أولًا ووضعت بها بعض الثياب، ثم اتجهت إلى غرفته،

دلفت بخطواتٍ متعثرة عندما استقبلتها رائحته تحتضن صدرها، تنفست بتثاقل حتى تتمتع برائحته الندية لقلبها، اتجهت إلى فراشه تتحسسه بأناملها، لأول مرة تجلس عليه..

تسطحت تضع رأسها على وسادته تستنشق رائحته العبقة وتضم الوسادة مع هطول عبراتها على وجنتيها وهي تهمس باسمه..

وضعت كفيها على أحشائها:

-تفتكر هيكون عندنا ولد، النهاردة عندي إحساس كبير هكون حامل، خايفة قوي ياراكان، خايفة من إلي جاي، يرجعوا يلوموني ويقولوا أخدت الأخين..آهة خفيضة خرجت بنيران العشق..

رفعت سترته تستنشق رائحته كمدمن:

-بعشق الريحة دي، سحبت كمًّا كبير تملأ رئتيها ثم ضمتها لأحضانها..

ظلت لبعض الدقائق بنفس الحالة، ثم توقفت تجلس أمام مرآته تحمل عطوره واحدةً تلو الأخرى تستنشقها حتى تعبئ رئتيها منهم..

ظلت تتجول بغرفته تتمنى أن يخرج من أي ركنٍ بها حتى وصلت إلى غرفة ثيابه..

دلفت بهدوء ونبضات قلبها تتسارع بالنبض..

فتحت الخزانة بهدوء تنظر بعينيها على جميع ثيابه وتتلمسهم بأناملها، وصلت عيناها لتلك النوتس الموضوعة بجانب علبةٍ مخملية مزخرفة بنقوش ماسية..

حملتهما واتجهت للأريكة تجلس عليها، فتحتها بهدوء ورغم هدوء تحرك أناملها إلا أن هناك تدفق بأوردتها وتسارع بنبضاتها..

فتحت العلبة أولًا وجدت بها كارت به رائحته..

ويكتب عليه:

“ليلى راكان البنداري”..تاريخه منذ سنتين ونصف.

فتحته وقرأت مابداخله:

-آسف كان لازم أعمل كدا عشان نتقابل..

قطبت مابين جبينها بتساؤل:

-يقصد ايه؟!

وضعت الكارت وقامت بفتح تلك العلبة الصغيرة..تحتوي على خاتم ألماسي به فص من الأحجار الكريمة ويُنقش بداخله اسمها واسمه، وتاريخ صناعته..

توسعت عيناها حينما وجدت الخاتم، رجعت بذاكرتها لذاك اليوم، اليوم الذي قبلت به زواجها من سليم..

تنهدت متألمة وأنفاسها المرتفعة، أطبقت على جفنيها بحزن وهمست:

-غبية أنا واحدة غبية، كنت حاسة ورغم كدا كذبت إحساسي..

فتحت النوتس ونظرت بداخلها:

-مولاتي..بل حبيبتي وزهرة حياتي، معرفش هتشوفي كلماتي البسيطة دي ولا لأ، ولا هنتقابل في يوم يجمعنا ولا لأ..

سميتك مولاتي لأنك تحكمتي في عرش قلبي واخترقتي الفوارق..

-ليلي وسماي بل قمري المنير في دنيا ظلام حياتي..

كلماتي ماهي إلا وصف لحالتي..

-فأنتِ الحب والعشق والغرام..

بدأت تقرأ كلمات مابين السطور وعبراتها تسبق شفتيها التي تنطق كلماته، وكل صفحة بها صورة لخروجها من إحدى الشركات، صورة تلو الأخرى بمختلف الأماكن..

لمست أناملها صورته التي توضع بآخر صفحاته، ويكتب بجوارها:

“من يطرق باب العشق ويدخله بإرادته، ياإما أن يعود طفلًا بحبه للحياة أو يخرج منه إلى منفى

أسيرًا للمماتِ”

أمسكت صورته تطالعها بعينيها التي انهمرت عبراتها ممزوجةً بنزيف قلبها بظلم قدرها..

احترق قلبها من غبائها وتهورها بعدما اتضح كل شيءٍ أمامها، نعم عشقها مثلما عشقته، كان خلفها بخطواته وروحه وقلبه النابض ، ولكن ماذا فعلت..هي من أدمت قلبه لينزف جراح ويحترق..

نهضت تجمع الأشياء وتضعها بصندوقها، ثم قامت بترتيب الخزانة وتاركةً لنفسها مساحةً لثيابها، كانت تلمس كل شيء باشتياق..كمغترب يعود لوطنه بعد سنين يتلهفه الشوق والاشتياق..

مرت قرابة الساعة ثم اتجهت إلى هاتفها الذي يوضع على الشاحن، وفتحته وقامت الاتصال بأختها:

-درة صباح الخير..أجابتها درة التي تحمل طفلها وتطعمه:

-صباح الخير حبيبتي..راكان سافر؟..

تنهيدة حارة خرجت من جوفها مع غصة تشكلت به قائلةً بعين مترقرقة:

-سافر من ساعة ونص، وأنا كنت جاية أخد شوية هدوم عشان نقعد كام يوم عند بابا..

قاطعتها درة سريعًا:

-ليلى مينفعش تسيبي بيت جوزك في غيابه، مهما كانت الظروف وكمان بابا هيسافر بكرة بليل يعني وجودك هنا زي عدمه..

ضيقت ليلى عيناها متسائلة:

-إنتِ بتطرديني يابت ولا إيه، ماهو ماما موجودة هقعد معاها.

نهضت درة بعدما وضعت الطفل وحاولت أن تتحدث معها لإقناعها:

-براحتك بس أنا شايفة لازم تفضلي عندك، عشان الكل يفهم إنك مراته فعلًا مش مجرد أرملة.

زفرت ليلى بضيق وهي تشعر بأن هناك شيئًا، ورغم ذلك نفضت حديث درة واتجهت إلى غرفتها وهي تتحدث:

-أمير صحي ولا لسة؟..

أجابتها بتنهيدة وهي تنظر إليه وهو يلعب بألعابه:

-صحي بعد ماراكان كلمني بنص ساعة، ماما أخدته غيرتله وعملت أكله، وأنا أكلته ودلوقتي بيلعب.

ارجعت خصلاتها للخلف:

-آسفة يادرة عارفة تعبتك معايا إمبارح بس حقيقي كنت محتاجة أفهم حياتي هتكون إزاي..

تنفست درة بتثاقل كلما تذكرت ماصار إلى سيلين ثم زفرت الهواء على دفعات وأجابتها:

-المهم تكوني انبسطي ياليلى، ياله تعالي عشان ابنك زهق مني، وكمان لازم أنزل عندي مشوار مهم.

أنهت اتصالها، ثم استمعت لطرقات على باب غرفتها..

-دلفت زينب إليها تنظر بالغرفة، ثم اتجهت تجلس بمقابلتها حينما شعرت بألمٍ يخترق قلبها:

-سيلين مرجعتش لحد دلوقتي كنت مفكرة إنها معاكي، وبما إنك هنا يبقى هتكون فين؟..

فغرت شفتيها مصدومةً من حديث زينب فتساءلت:

-يعني سيلين برة من إمبارح، لسة مارجعتش؟!

وضعت زينب رأسها بين راحتيها متنهدةً بوجع قلبها:

-لسة، واتصلت بيونس مبيردش، قلبي وجعني عليها، روحت سألت عنه قالوا مرجعش، خايفة يتهور عليها دا مجنون..

ربتت ليلى على كفيها وتحدثت:

-أن شاءالله هتلاقيهم شوية وداخلين، يونس كان بيقول وراه عملية، ممكن تكون استنته وتليفونها فصل شحن اهدي..

هزت رأسها ورجف قلبها من الخوف،  وشعورها بشيءٍ مريب:

-لا هي عمرها مااتأخرت ولا باتت برة، وكمان أخوها وأبوها مش موجودين، لا قلبي وجعني لازم أتصل بأسعد وأعرَّفه..

جلست ليلى بمقابلتها وحاولت تهدئتها:

-طيب نستنى شوية كمان وأنا هحاول أتصل بيها، يمكن فونها صامت أو في حتة مفهاش شبكة..

❈-❈-❈

بفيلا خالد صرخ بأعلى صوته وصفعة قوية على وجه الرجل الذي كان يقوم بمراقبة حمزة..

-لسة جاي تقولي ياحيوان، بنت الحرام موِّتت حفيدي..وحياة ربنا لأموتها..

حاول الرجل الحديث ولكنه لم يدع له الفرصة، تحرك توفيق كالمجنون يصرخ على خالد:

-اصحى ياخالد ابنك في المستشفى بيموت..

فزعت فريال بنومها وكأنه كابوس،  فنهضت بثياب نومها تهرول إلى الأسفل على صرخات توفيق، بعينين زائغتين مردفةً ولسانٍ ثقيل:

-ابني!! أنهي فيهم حصله إيه؟!

أشار لها بسبابته وهو يصيح:

-البنت دي لازم يكون آخر يوم في حياتها النهاردة، اللي تقرب من حفيدي أدفنها في مكانها..

وصل خالد على صيحات والده متسائلًا:

-مين دي يابابا وقصدك على مين؟..

-بنت الحرام ضربت يونس بالسكينة وهو بينازع الموت في المستشفى، وحضرتك نايم في العسل..

شهقة بصرخة من جوف فريال وهي تصيح باسم ابنها..نظر إليها توفيق نظراتٍ تحذيرية أخرستها:

-أنا هروح أشوف يونس وإنتوا الحقوني، مش عايز نفس ولا حتى عايدة تعرف، هما بيحاولوا يخبوا بس وحياة ربي لأندمهم..

وصل توفيق إلى قصر البنداري وصاح بصوتٍ هز جدران القصر، كانت ليلى تجلس بجوار زينب بالأعلى، هبتا فزعًا من صوته الجهوري..

وتحركا للأسفل..

وصلت زينب أمامه وصاحت بغضب:

– صوتك ياحمايا إيه مفيش حرمة للبيت..

جذبها من ذراعها بعنف، وتحولت عيناه للهيبٍ من نيران جهنم وهو يضغط على ذراعيها حتى صرخت من الألم:

-حفيدي لو حصله حاجة هدفنك إنتِ وبنت الشوارع دي، قسمًا عظمًا أدفنكم أحياء يابنت محمد الدمياطي، ثم دفعها بقوة كادت أن تسقط لولا ذراع ليلى التي تلقفتها..

شهقة بفزع من ليلى عندما وجدته يتعامل مع زينب بتلك الطريقة نهضت ثم اتجهت..وتوقفت أمامه بأنفاسٍ ملتهبة:

-إيه اللي عملته دا!!.مفكر نفسك مين؟!..

التوت زاوية فمه بعبث وهو يقترب منها:

-مش متفاجئ منك ماهو إنتِ شبهها، أشار إلى زينب التي تجلس تنتفض خوفًا على ابنتها بعد حديثه:

-عرَّفيها يازينب اللي بيوقف قدامي بعمل فيه إيه؟!

وقفت ليلى أمامه بثبات رغم تيبس مفاصلها من مظهره المريع، وهتفت بصوتٍ صاخب:

– أنا هنا ليلى البنداري، قوتي من شخصيتي ولا إنتَ ولا عشرة غيرك يقدروا يضعفوني..

اقتربت تناطحه بكبريائها:

-اسمي ليلى راكان البنداري اللي بتملك أكتر منك شخصيًا..

دارت حوله عندما بهتت ملامح وجهه ثم أردفت:

-لو ناسي فجوزي كتبلي كل حاجة، غير كمان أمير اللي له نصيب من جده ومنك شخصيًا..

فياريت لما تيجي توقف تتكلم معايا تتكلم بهدوء، متنساش أنا صاحبة البيت دا، بعد إذن ماما زينب طبعًا..

جذبها بعنف من حجابها وكأنه يقتلع خصلاتها وهمس بصوتٍ جحيمي:

-لو ملمتيش نفسك هخليكي تتمني الموت ومش تلاقيه، ودلوقتي عرضي ليكِ ومفيش غيره تطلعي من البيت دا النهاردة بكرامتك بدل ماأطلعك بطريقة تانية، وأملاكك كلها هتكون باسمي..

نهضت زينب تقف أمامه لتخليص ليلى فصاحت بصرخة:

-بنتي فين ياتوفيق باشا، ودي اللي عمال تهين فيها بتكون مرات راكان..

تهكم بسخرية:

-أيوة عارف ياختي منك ليها، مراته على الورق وبس، راكان مراته بنت النمساوي اللي هي دلوقتي في حضنه وبيقضوا شهر عسلهم..

قالها بضحكاتٍ ساخرة متحركًا بعد قنبلته التي ألقاها عليهم، ثم توقف أمام الباب:

-ماهو مش معقول حفيد توفيق البنداري هيتجوز واحدة مستعملة،

وعرض عليها ليلة وهي رفضته وأهانته وراحت اتجوزت أخوه انتقامًا بس، مش كدا يابنت المحاسب المريض..

ترنح جسدها، شهقت بصدمة قبل أن تشير إليه بسبابتها وتصرخ به:

-إنتَ واحد مريض معرفش اللي زيك ليه عايش في الدنيا دي ليه..وصل إليها بخطوة وصفعها بقوة على وجنتيها ثم أمسكها من خصلاتها:

-عايش عشان أربي أمثالكم،

هتطلقي من راكان وتتنازلي على كل أملاك سليم وقبل دا كله هتتنازلي عن حفيدي..

دفعته بقوة صارخة:

-دا على جثتي ياتوفيق باشا، موِّتني الأول وبعدين اعمل اللي عايزه..

رمقها بنظراتٍ نارية مدققًّا النظر بعينيها التي ظهرت بها خيوط حمراء من الغضب فاقترب منها:

-لا هتعملي كله من غير ماأدوس على جثتك..بس مش مستغرب كلامك،

ماهي الست اللي ترخص نفسها وتفضل في بيت راجل غريب وراضية تكون على ذمته، بعد ماحاول يشتري ليلة هستنى منها إيه..

ابتلعت مرارة الإهانة واقتربت ترمقه بنظراتٍ لو تحرق لأحرقته قائلة:

-أنا هفضل ليلى راكان البنداري، سواء عجبك ولا مش عجبك، أما علاقتي بجوزي محدش له علاقة بيها غيرنا إحنا الاتنين، يشتري ليلة يشتري عشرة دا مش شغلك..

ضحك بسخافة على حديثها ثم تحدث مستهزئًا:

-واحدة رخيصة، عارفة ومتأكدة جوزها هيتجوز غيرها وكل ليلة في حضن ست وقاعدة تبجح معايا، بس اللي متعرفهوش إنه معاكي لحد دلوقتي عشان أمير وأملاك سليم وبس، ماهو مش معقول هيتنازل عن إهانته ورفضه..

دقق النظر إلى ملامحها التي بهتت وتحولت كجسد موتى وأكمل:

-راكان عنده الستات كلها واحد، ماأخدش إلا إهانته، طبعًا عمره ماهينسى إهانته..هو بس بيخططلك على تقيل عشان يضرب ضربته بموتة،  ولو مش مصدقة هسمّّعك..

قام الاتصال على نورسين:

-صباح الخير ياجدو..قالتها نورسين.

-صباح الورد ياحبيبة جدو..بقولك يانور، إنتِ ممكن تعدي عليا النهاردة محتاجك ضروري..

-سوري ياجدو، النهاردة أنا مسافرة ألمانيا، حضرتك عارف راكان سافر الصبح وأكد عليا ألحقه بعد مايخلص اجتماعاته، هكلمك لما أوصل، معرفش فيه حاجة غريبة حصلت

وأنا بكلمه عشان أتأكد من السفر، قفل في وشي على طول زي مايكون مش عايز حد يعرف إني هسافر معاه..

نظر توفيق بتهكم إلى ليلى، التي شعرت بدوار يضرب رأسها من صدمتها، وقلبها الذي نزف من الألم وهي تتخيله مع أخرى..

اتجهت زينب تمسكه من كفه:

-سيلين فين ياعمي، أوعى تكون أذتها، صدقني هتندم طول حياتك..

نزع كفه بعنف مردفًا:

-دوري عليها بنت الل..ثم تحرك بعد ثورة عنيفة أدمت قلبهما..

عند نوح وحمزة

وقف حمزة ينظر إلى يونس من خلال النافذة الزجاجية، اتجه نوح ووقف بجواره:

-لسة مفيش تحسن، أنا دخلت له من شوية..

أطبق حمزة على جفنيه وأردف:

-لازم راكان يعرف، حالة سيلين مش عجباني، وتوفيق لو عرف ممكن يموتها..

أسبل جفونه ينظر للأسفل ويتذكر انهيارها بعدما رجع إليها:

-باشمهندسة سيلين..كانت تنظر في اللاشيء..

أوقفها بذراعه يحاوط خصرها حتى يهبط بها إلى الأسفل، تحركت معه ولا تشعر بشيء حتى وصلت للمشفى..

قام الطبيب بالكشف عليها وإعطائها بعض المهدئات حتى تظل نائمة،  واتجه إلى حمزة قائلًا:

-دا انهيار عصبي، أنا نوِّمتها بالمهدئات..

خرج من شروده على وصول توفيق وهو يزمجر بغضب:

-فين حفيدي؟..بنت المؤذية عملت فيه إيه؟!..توقف حمزة أمامه:

-حفيدك جوا وحالته مستقرة، بس منعرفش مين اللي عمل فيه كدا،

دفع حمزة وهو يشير بسبابته:

-لو مقولتش بنت الحرام فين يبقى مترجعش تبكي على اللي هعمله فيك يامتر.

توقف نوح يطالعه بصمت ثم تحدث:

-جدو توفيق إحنا منعرفش حضرتك بتتكلم على إيه؟..

أبعد نوح من أمامه وأشار على حمزة:

-صاحبك أخد سيلين وداها فين؟..البت حاولت تقتل يونس، وأنا بلغت والشرطة هتيجي دلوقتي لازم أسبها تعفن في السجون..

كور حمزة قبضته محاولًا السيطرة على نفسه، لا يعلم كيف عرف بتلك المصيبة التي أحلت على رأسهم جميعًا..

خطا حمزة بعض الخطوات وهو يتحدث إلى نوح:

-نوح خلي بالك ولو حصل جديد عرَّفني، لازم أجهز حمايا للسفر..

صرخ توفيق بصوتٍ مرتفع متجهًا إليه:

-فين سيلين يامتر، أنا بكلمك بعقلي دلوقتي..

تحرك حمزة ولم يجبه يزفر بغضب، بينما اتجه بنظراته إلى نوح:

-وديتوا البت فين يانوح..هز نوح رأسه وأردف:

-معرفش حضرتك بتتكلم عن إيه؟!

تحرك توفيق إلى غرفة يونس بعدما رمقه بنظراتٍ نارية..هعرف يانوح وأحاسبكم كلكم..

ظل نوح جالسًا يفكر فيما عليه فعله..

عند ليلى اتجهت إلى منزل والدها سريعًا، دلفت متجهةً إلى والدها:

-حبيبي عامل إيه النهاردة؟..

مسد والدها على خصلاتها بحنان أبوي، ثم تحدث بصوتٍ متعب:

-معرفناش نتكلم إمبارح، عاملة إيه مع جوزك؟!

ابتسمت بارتجاف وأجابته:

-كويسة يابابا، راكان كويس جدًا وبيعامل أمير زي ابنه.

أومأ عاصم برأسه وضم كفيها يربت عليهما:

-عارف إنه كويس أنا اتكلمت معاه، وشكله بيحبك كمان..

بدا على وجهها الحزن الشديد الذي انتهى بعبور دموعها على وجنتيها،

رفع والدها ذقنها:

-بتحبيه ياليلى زي ماهوَّ بيحبك كدا؟..

وقبل كل حاجة أنا عرفت..

طالعته بعينين مستفهمة..

-يعني سألته عليكي وعلى علاقتكم وإزاي هتكون علاقتكم وكدا، مخبيش عليكِ يابنتي آسر خوفني منه، وكمان بسمع عنه كلام إنه بغيَّر في الستات زي قمصانه..

اختلج صدرها ألمًا فاختفت ابتسامتها وتحدثت بتقطع:

-أنا مشفتش منه حاجة كدا، بينا احترام متبادل، من وقت مااتجوزنا عمره ماحاول يهين من كرامتي ولا حتى سمعت عنه حاجة مش مضبوطة، ممكن زي مابتقول يمكن إعجاب..

قاطعهم دلوف حمزة ودرة:

-بابا حبيبي جاهز، حمزة جاي عشان نجهز ونسافر بالليل، بدل بكرة،وكمان ماما هتيجي معانا، حمزة حجزلها..

..أومأ برأسه ورفع نظره إلى حمزة:

-معلش يابني هشغلك شوية معايا، جلس حمزة بجواره ورسم ابتسامة:

-حضرتك في مقام والدي، ياريت متعتبرنيش غريب..

-ابني يابني والله ربنا يسعدك..نهضت ليلى إلى غرفة ابنها، دلفت إليه تطالعه بألمٍ يخترق فؤادها نظرت بساعتها:

-زمان عمو وصل دلوقتي..صمتت لدقيقة تمسد على خصلاته وأردفت:

-مش هخليك تقوله عمو، دا هيكون بابا ياأمير، لأنه يستاهل يكون باباك..انزلقت عبراتها على وجنتيها وبركان أشواقها له سينفجر وأردفت:

-مامتك غبية ضيعته وضيعت نفسها،

ودلوقتي مستكترينه عليا، بيحاولوا يسرقوا سعادتي،بس مستحيل أنولهم اللي في بالهم..

هخطف سعادتي حتى لو من فم الأسد..

قطع حديثها مع طفلها رنين هاتفها..ابتسامة شقت ثغرها وعيون مترقرقة بضرباتٍ عنيفة بصدرها، وكثير من المشاعر المتناقضة وهي تجيبه:

-راكان..على الجانب الآخر استقل سيارته بسائقه الخاص بألمانيا وقام بمهاتفتها..

شعر وكأنه قلبه سيتوقف من شدة نبضه، نظر أمامه وعيناه تقطر ألمًا من صوتها الحزين:

-حبيبي وصلت؟..هكذا قالتها ليلى..أطبق على جفنيه وهناك شعور قاسي تخلل إلى قلبه وهو يهمس لها:

– في العربية هروح على الشركة على طول، صمت لحظة وتنهد بصوتٍ مرتفع حتى استمعت إلى أنفاسه:

-ليلى، أمير عامل إيه، إنتِ عند بابا دلوقتي؟..

أزالت عبرة انسدلت على وجنتيها وأجابته:

-عند بابا وهروح بيت جوزي حبيبي دلوقتي، مش عارفة أقعد بعيد عن ريحته..

ابتسم من خلال كلماتها التي أروت قلبه:

-بتغريني حبيبي يعني ولا إيه؟..

انفلتت ضحكة من بين شفتيها وأجابته:

– ياريت ينفع، تعرف اتمنيت يكون ليا جناحين عشان أوصلك دلوقتي..

آهة خفيضة من شفتيها وهو يشعر بروحه تصدر ألحانًا، وقلبه يعزف من كلماتها التي جعلته كطائر النورس فوق المياه..

-طيب لو قولتلك ندمت عشان مجبتكيش معايا..

جلست وهتفت بدلال أشعل رغبته بها:

-خلاص أنا ممكن أحجز وأسافر حالًا لحبيبي.

دغدغت  مشاعره بجنون فهمس:

-أو أرجع أنا وأخدك في حضني وأنسى العالم بيهم..

ابتسامة شقت ثغرها أنستها ماصار منذ ساعات..صمتت ثم تساءلت:

-راكان هي نورسين هتسافرلك؟..

اندفعت الدماء إلى أوردته من سؤالها المباغت لروحه فتحدث معاتبًا:

-إنتِ سألتي قبل كدا، وقولت لا، ليه بتسألي تاني، مفيش ثقة في كلامي؟..

– أبدًا حبيبي والله بس جدك قابلني وقالي كلام وجعني قوي.

قطب مابين حاجبيه متسائلًا:

-قالك إيه، وليه راحلك أصلًا؟..

أرجعت خصلاتها للخلف تتخلل أناملها بداخلها وهي تشعر بأنين عشقه:

-معرفش قال كلام عن يونس وسيلين مفهمتش حاجة، المهم أنا هحاول أبعد عنه، وأنت ارجع بسرعة..

هرجع حبيبي عشان ليلي وحشتني..

ابتسمت وهمست:

“بحبك راكاني”…أغلق الهاتف وهو يزفر وكأن خناجر تشق صدره دون رحمة من تحكم جده..

❈-❈-❈

مساءً وصلت إلى قصر زوجها بعد سفر والدها..

جلست بحديقة المنزل تنتظر زينب التي خرجت ولم تعلم إلى أين ذهبت، وصلت عايدة وجلست بمقابلتها..ألقت عليها نظرة جوفاء قاسية فتحدثت متهكمة:

-هي حماتك فين ياليلى ؟!

زفرت ليلى وحاولت ألا تدخل معها بنقاشٍ عقيم، فنهضت تحمل ابنها متجهةً الى الداخل، ولكنها توقفت حينما تحدثت عايدة:

-إنما عايزة أعرف إنتِ قاعدة هنا بصفتك إيه؟..خطت إلى أن وصلت أمامها ترمقها شزرًا وأكملت:

-بما إنك أرملة وجوازك من راكان ماهو إلا حبر على ورق، إزاي هتقعدي هنا وهو هيتجوز بعد شهر..مع إن الفرح كان المفروض يكون من شهرين فاتوا بس معرفش الظروف اللي جت فوق بعضها عليه..

ربتت على كتفها بقوةٍ تبخ سمها كحية رقطاء:

-نصيحة مني اهربي قبل ماينفذوا لعبتهم، وكمان راكان مش سهل.. مستحيل يسيب الجمال دا وميدقش منه..

أكملت بنظرةٍ شيطانية مستهزئة:

-دا مفيش حد بيوقف قدامه وطبعًا سمعتي عن علاقات راكان البنداري النسائية..دنت وهمست بجوار أذنها:

-نفسي أعرف بيعمل إيه في الستات عشان يترموا قدامه، دا حتى نورسين اللي أجمل رجال الأعمال كانوا بيجروا وراها رغم كدا سابت الكل وجريت وراه، وسمعت من حمايا إنها سافرت وراه على اتفاق بينهم يقضوا كام ليلة هناك..

استدارت ليلى إليها وشيعتها بنظراتٍ دنيئة تحولت إلى الكره الشديد، واشتعلت عيناها حتى أصبحت كجمرتين من اللهب الحارق فتحدثت:

-لا نورسين ولا غيرها يهموني، وطول ماهو بيقول أنا هنا بصفتي مراته يبقى أنا هنا مراته..

ولو مش قادرة تتقبلي الفكرة فدا شيء ميخصنيش، دنت وفعلت مثلما فعلت معها عايدة وهمست:

-أنا ليلى راكان البنداري وهفضل كدا لحد ماأموت، ياريت تقنعي نفسك وغيرك بكدا..

رمقتها عايدة بنظراتٍ نارية واقتربت بملامح جامدة مسترسلة حديثها:

-خليكي اضحكي على نفسك ماهو معرفش هو مثبتك بإيه، يمكن ليلة حمرا ولا حاجة، أصله راكان البنداري برضو..

كانت مشدوهة لما تسمعه فأطبقت على جفنيها واحترق جسدها بالكامل فأردفت:

-ليلة حمرا ولا بيضة دا جوزي، وبلاش تتخطي حدودك معايا، سمعتيني ولا لا..ثم نظرت لها والكبرياء يعتلي كل ذرة في وجهها مكملةً بحديثها:

-هو للدرجة دي غيظكم، أومال لو حملت منه هتعملوا إيه..دنت منها  وبعيونٍ مهلكة إلى عايدة:

-اصبري ليدي عايدة وعد مني من ليلى راكان البنداري ليكون عندنا طفل في أقرب وقت، ماهو جوزي، وليه لأ مايكونش حبيبي، تخيلي كدا لما أكون حبيبة راكان البنداري، ممكن يعمل إيه..

ضحكات ساخرة أطلقتها عايدة،  وتوهجت عيناها ترمقها  بتعالي ونفور:

-وليه لأ، مالجارية حلمت بالسلطان..

أفلتت ليلى ضحكة سخرية وأجابتها:

-والجميلة فتنت الوحش، مش كدا ولا إيه؟..

قالتها وهي تشيح بعينيها تتمالك أعصابها التي تتعمد عايدة بإثارتها..

جلست عايدة تضع ساقًا فوق الأخرى؛

-والله إنتِ صعبانة عليا، ياحبيبتي احلمي على قدك، لو راكان وهمك بحاجة عايزة أفوقك، دا ستاتي من الدرجة الأولى، ويموت لو فضل مع ست واحدة..صمتت بعدما وجدت نظرات ليلى الضائعة فتحدثت:

هثبتلك دا شوفي..أمسكت  هاتفها بعدما نجحت بإغضابها:

-هاي نور، عاملة إيه؟..

لم تحيد بصرها عن ليلى وتحدثت متهكمة:

-عاملة إيه ياروحي، وحشاني، جهزتي لفرحك؟..

على الجانب الآخر تحدثت نورسين بصوتٍ منخفض وهي تنظر إلى راكان الغافي:

-نايم دلوقتي كله تمام..تحدثت عايدة بمغزى:

أيوة ياروحي افتحي الكاميرا أصلك وحشتيني، فتحت الكاميرا..كانت تجلس بجواره على الفراش مرتديةً ثياب الحمام وهي تمسد على خصلاته..

إيه دا هو إنتِ مع راكان؟..آسفة ياروحي..اتجهت إلى ليلى تنظر لهاتفها وهي تهز رأسها يمينًا ويسارًا

مستنكرةً ماتراه، زوجها ينام بجوار نورسين وهي ترتدي برنس الحمام وهو عاري الصدر!!.

صدمة عنيفة شلت جسدها عن الحركة، وهي تستمع إلى نورسين قائلة:

-راكان قوم يلا السيرفس روم جاب الفطار، إيه النوم دا كله، أنا جوعت..أردف بصوته:

-نور أنا تعبان وعايز أنام، اطفي النور..

نكست رأسها بأسفٍ مما تراه، رفعت رأسها وقالت بألمٍ يعتصر ماتبقى من روحها:

-عادي بتوريني إيه، راكان مايهمنيش..ابني اللي يهمني، ولو كنتي فهمتي كلامي غلط وأنا بقولك إني مراته، ولو عايزة أخليه يحبني هعمل كدا، بس أنا بتعامل معاه على أساس  أنا تحت حمايته، بس مش هو الراجل اللي ممكن أفكر إنه جوزي، ولو عايزة صدقيني هخليه يزحف تحت رجلي، فبلاش غروركم بيه يكون الراجل اللي محصلش، راكان بالنسبالي لحد دلوقتي عم لابني، وعشان تطمني أخره معايا الحبر اللي على الورق، أصل أنا ست حرة مبحبش أخد راجل يلملم الزبالة زي اللي معاه دلوقتي..

كانت تقاتل بضراوة ألم قاتل بصدرها وهي تراه بأحضان أخرى، فدنت وأكملت بروحٍ محترقة:

-مش راكان البنداري اللي يملى عين ليلى المحجوب، يعني ثقي زي ماقولتي من شوية مش دا اللي أمنله على قلبي..

قالتها بروحٍ متمزقة وحملت طفلها متجهةً للداخل سريعًا، تحركت بخطواتٍ متعثرة، ساقيها تلتف حول بعضها البعض، وكأنها ستسقط بحركاتها الواهية..

وصلت غرفتها ودموعها تفترش أمامها وحديثه عن ثقتها به، أمسكت هاتفها، وهاتفته سريعًا..

عند راكان..

استيقظ على ألمٍ يفتك بجسده، استمع إلى رنين هاتفه تناوله مبتسمًا عندما وجد متيمة روحه:

-ليلى..على الجانب الآخر أزالت عبراتها وحاولت تلتقط أنفاسها بهدوء.. فتحدثت بهدوءٍ رغم نيران قلبها وروحها المحترقة:

-راكان حبيبي وحشتني قوي، لازم ترجع أنا بموت هنا من غيرك..اعتدل جالسًا وهو يرجع خصلاته المتناثرة على وجهه من أثر النوم..

ارتعدت أوصاله من صوت بكائها، فهمس محاولًا السيطرة على قلبه المتألم لأجلها:

-مالك حبيبتي هو إحنا مش لسة قافلين مع بعض وكنتي كويسة، وقولتلك طنشي توفيق وثقي فيا شوية..

أسبلت جفنيها تحاول الثبات فتحدثت بصوتٍ متحشرج:

-افتح الكاميرا وحشتني وعايزة أشوفك..فتح الكاميرا دون حديث وأكمل حديثه:

-إيه اللي حصل ياليلى؟..

أدمعت عيناها أمامه، وألمًا يشطر قلبها ولهفةً عليه فأردفت:

-وحشتني ياراكان، هو مش من حقي جوزي يوحشني..

ابتسم لها رغم آلام جسده فأردف:

-خلي بالك الإغراء بيوسع ياحبي، ودا مش في صالحك..لحظات واستمع لفتح باب مرحاضه يُفتح وتخرج منه نورسين وهي تضع منشفةً على خصلاتها تتحدث بمغزى:

-حبيبي أخيرًا فوقت، أنا يئست منك، من وقت ماصحيت زهقت من القعدة لوحدي، دي الفسحة اللي وعدتني بيها؟..

لم يستوعب الصدمة من وجودها بتلك الهيئة وجلوسها بجواره.. وحاوطته بذراعيها تمسد على صدره العاري مستندةً برأسها على صدره،

ثم نهضت وتصنعت المفاجأة:

-إيه دا أنا معرفش إنك بتكلم أرملة سليم..آسفة مدام ليلى، ثم فصلت الخط وهي تلوح بيديها:

-بعدين راكي يكلمك مش فاضيين..

ساد صمت مختنق عند ليلى وهي تجلس لا تستوعب مارأته، جلست لدقائق وكأن أنفاسها سُرقت وشعور بنصل سكينٍ حاد مغروسًا بصدرها، شعور قاسي مما رأته، كتمت صرختها وهي تهمس إلى نفسها:

-مش معقول دا كله كذب وخداع، فيه حاجة غلط، لا راكان ميعملش فيا كدا، دول بيتلاعبوا بيا ..

جلست كمن تلقى ضربة موجعة قسمت ظهرها كما شطرت روحها،  هزت رأسها رافضة مبتلعةً ريقها بصعوبة:

-هي ضحكت عليا ودمرتني مرة، لازم أسمعه، لازم أعرف إيه اللي حصل، مستحيل بعد الحب اللي حسيته يكون مخادع، لا مستحيل..

استمعت إلى رنين هاتفها، أمسكته سريعًا ظنًّا منها أنه هو ولكن تفاجأت بآسر ابن عمها..

تحدث آسر سريعًا:

-ليلى عمو فيه ناس قطعوا طريقنا وأخدوه.

صاعقة ألجمتها ولم تقو على الحديث وشعورها بانهيار عالمها بالكامل، تحدثت بتقطع:

-إيه اللي بتقوله دا ياآسر ومين دول؟!..

استمعت إلى دفع باب غرفتها بقوة ودلف منه توفيق يرمقها بسخرية:

-ليلى راكان البنداري، عاملة إيه ياباشمهندسة؟..سقط الهاتف من يديها على الأرض مصدرًا صوتًا..

نهضت تنظر إليه بغضب؛

-إزاي تدخل بالطريقة دي، إنتَ ناسي إني لوحدي هنا..اقترب يرمقها بنظراتٍ نارية يصك على أسنانه ثم جلس أمامها:

-دا بيت أحفادي يابت متنسيش نفسك، معرفش نافخة نفسك على إيه، أومال لو متجوزة راكان حق وحقيقي..

ابتلعت غصة مريرة وردت بنبرةٍ تقطر وجعًا:

-هنرجع نقول جواز ولا مش جواز، هو حضرتك مفيش حاجة تشغلك غيري وغير علاقتي بجوزي؟..

❈-❈-❈

قوس فمه بسخرية:

-جوز مين يابت..بصي لو  عشمتي نفسك بحاجة أكبر وإنك هتكوني مراته حق وحقيقي، تبقي عبيطة، إنتِ أخرك ليلة على سريره، ماهو حفيدي مبيضيعش..وقت ليه يحرم نفسه برضو.

-اخرس مسمحلكش تتكلم عني كدا، واتفضل اطلع برة، ووعد مني لأكون مرات راكان حق وحقيقي..

دنا بخطوات سلحفية ونزل بجسده لمستواها مدققًّا النظر بحدقيتها:

-اوعدي على حاجة تكوني قدها، إنتِ بتوعدي هتكوني مرات راكان، ليه هو أنا حمار عشان أسيب واحدة زيك تتهنى بكدا، طيب أنا سكت على سليم عشان سليم طيب، ومالوش في اللؤم وآخره يرجع بيته وينام، إنما راكان المتحكم فيا شخصيًا هسيبك كدا..

أمسكها من أكتافها يضغط بقوة:

-تبقي عبيطة مش حتة بنت مارضيش أشغلها خدامة، أخليها مرات كبير العيلة..

دفعها فهوت جالسةً على فراشها، حاولت مقاومة رغبة قوية للبكاء، وهي تنظر إلى بكاء طفلها، اتجه توفيق يحمل الطفل:

-بس ياحبيبي، متزعلش بكرة ألاقي لك أم تعرف تربيك مش بتاعة حواري..

تصنم جسدها وهي تراه يحمله بأحضانه، وكأن هناك سكينًا يُغرس بصدرها من بكاء طفلها الذي ارتفع، وصوت هاتفها برقم زوجها..

دفع توفيق الهاتف بقدميه بعيدًا عنها،  عندما وجده راكان وتحدث وهو يحاول تهدئة الطفل:

-مش مطلوب منك غير حاجة واحدة بس، هتمضي على الورق دا.

اتجهت بأنظارها للورق الذي وضعه أمامها:

-إيه دا؟..

دار حولها وأردف:

-دا تمن حياة أختك وأبوكي..دا اللي هيعيشك بعيد عن جحيم توفيق البنداري، وقبل كل حاجة:

-أكرملك، يعني من الآخر راكان ميهموش غير ابن اخوه، فلو عشمك بحاجة تبقي غبية لأنه مبيبكيش على ست، دا واحد متجوز خمس مرات.. تخيلي خمس مرات ومفيش طفل عنده، دا ميخوفش..

هزة عنيفة أصابت جسدها مما جعلها تتهاوى ساقطة على فراشها وتسلسل دموعها وهي تتحدث:

-إنتَ كداب، راكان مش حقير لدرجة دي!!.

أطلق ضحكةً صاخبة واقترب منها وصرخات الطفل وذراعيه تجاه والدته..التي شعرت بانشقاق قلبها عندما حاولت أخذ طفلها، أبعده عنها وهو يتحدث بصوته الغليظ:

-امضي ووعد هديلك الولد، وكمان أبوكي هيسافر.

أمسكت الورقة ظنًّا منها تنازل عن أملاك سليم ولكن جحظت عيناها وهي ترى وثيقة طلاقها من راكان..

تسمرت للحظات تنظر إلى الورقة وإلى طفلها تراجعت للخلف وهي تصرخ بقهر:

-مستحيل، اللي بتطلبه مستحيل، جوازي من راكان هيفضل مستمر وأعلى مافي خيلك اركبه.

-بيقى إنتِ اللي اخترتي، ووعد هخليه يطلقك قبل فرحه كمان، والولد هنعرف ناخده وكله بالقانون.

كانت كلماته كطلقاتٍ نارية مزقت قلبها، هزت رأسها رافضةً حديثه:

-هات الولد واعمل اللي إنتَ عايزه، حفيدك هيرجع ويعرف يحاسبك..

-متشغليش بالك بحفيدي، هو مشغول دلوقتي مع خطيبته، معرفش الولد دا يموت وهو بيستمتع بالستات، خايف يكون سادي لا سمح الله..

اخرس، إنت إيه مش معقول تكون انسان، والله لما يرجع لأخليه يحاسبك على كل دا..

راق له اشتعال نيرانها بالغضب فأجابها بسخرية:

حفيدي هيحاسبني على إيه ياترى، بالعكس دا هيشكرني لما يعرف الست اللي مكتوبة على اسمه باتت في أحضان عشيقها إللي هو ابن عمها..

وحتى شوفي الصور دي، آه نسيت أقولك،ماهو ماصدقتي يسافر وروحتي لحبيب القلب..

نزلت كلماته القاسية كالصاعقة على قلبها، ابتلعت جمرات نيران كلماته:

-حسبي الله ونعم الوكيل فيك، ولو صدقك يبقى وقتها ميهمنيش،  ومحدش يقدر يضغط عليا وياخد ابني..

اقترب من مقعدها ودار حولها ليثير بها الرعب، ثم فتح شاشة هاتفه أمامها وضغط على فكيها متحدثًا بصوتٍ كفحيح أفعى:

-هتعملي اللي هقوله، وإلا…

هبت فزعة تنظر إلى والدها الذي يجلس بسيارة الإسعاف لا حول له ولا قوة، وقفت عاجزة تنظر بأعينٍ تغشاها الدموع، عينين متشتتة ضائعة فهمست:

-“بابا”..ضحكة ساخرة وهو يضع ساقًا فوق الأخرى..ثم فتح الشاشة مرةً أخرى وبها حمزة مقيد وكأنه فاقد الوعي..

هزت رأسها واقتربت منه تصرخ بوجهه، تحاول أن تطاله بيديها لتمزيق وجهه، ولكن توقفت حينما اتجه للخارج وهو يحمل طفلها:

الولد معايا، تمضي على ورقة طلاقك هتنقذي الكل ولو حاولتي تقولي لراكان أي حاجة، صدقيني أبوكي وأختك وجوزها هيموتوا.

ثم أمسك هاتفه وتحدث وكأنه يتلذذ بدموعها التي انسدلت أمامه:

-أمجد باشا العصفور وقع في القفص،  ممكن تيجي تاخده أهو بيرفرف قبل ماراكان يرجع.

قالها وتحرك وصرخات الولد تشق الجدران..

أسرعت خلفه حافية الأقدام وهي تصرخ بقهرٍ باسم ابنها..

أغلق الباب عليها وخرج سريعًا..

جثت على ركبتيها وكأن حياتها سُلبت منها دون رحمة، لحظات مرت عليها وشعورها بفقدان وعيها وتوقف مجرى الدم بعروقها وشعورًا بضعف الدنيا يحتل كيانها، ولا يوجد في مخيلتها سوى زوجها وهي تصرخ باسم راكان:

-“راكااااااااان”

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق