رواية الماسة المكسورة – الفصل السابع والسبعون
الفصل السابع والسبعون(كلانا يحب، ويؤلم الآخر)
*~_*روايةالماسةالمكسورة💎💔
بقلمي_ليلةعادل✍️🌹*_~*
{~ ما أصعب أن تصبح الحياة بيننا بلا روح، بلا أمل، ممتلئة بالصمت والصرخات المكتومة، بعد أن كانت مليئة بالسعادة والحب، فبعض الجروح لا تَشْفى رغم المحبة الكبيرة التي تملأ قلوبنا، فكلما كبر الحب، زاد الوجع، وكلما زاد الوجع، كانت ردود أفعالنا أعنف ~}
الفصل السابع والسبعون❤️🤫
[ بعنوان: كلانا يحب، ويؤلم الآخر]
بعد أن أغلق سليم الهاتف مع مكي، أمسك بالخاتم بين يديه، ونظر إليه قائلًا:
هترجعيلي، مستحيل أسمح أن تكون دي النهاية بينا، مش هرتاح غير لما نرجع تاني زى زمان، إنتي حربي الجديدة وهافوز بيها لأني مش هقبل غير كده.
مسح وجهه، وعيناه تفيضـان وجعًا.
في تلك الأثناء، خرجت ماسة من الحمام، ارتدت ملابسها، ثم جلست على الفراش في صمت، تغوص في بحر أفكارها.
وضعت يدها على جبينها بتعب، وعيناها تزفران دموعًا متحجرة، تذكّرت حديث سليم، وهمست بصوت خافت:
إنت إللي وصلتنا لكده مش أنا، حتى لو كنت غلط، فغلطتك كانت أكبر بكتير.
لم ينم سليم تلك الليلة، بل بقي جالسا في الحديقة، يعصف به الوجع، يفكر كيف يمكنه إصلاح الأمور بينه وبين ماسة، أما ماسة، فقد استسلمت للنوم كأنها وسيلة للهروب من ضجيج قلبها.
حتى جاء اليوم التالي
مكتب سليم ، العاشرة صباحاً
جلس سليم خلف مكتبه، يحرك خاتم ماسة بين أصابع يديه بألم، عيناه محمرّتان من السهر، لم يغمض له جفن ليلة أمس بعد قليل، دخل عليه مكي.
مكي وهو يقترب: صباح الخير يا سليم.
سليم رفع رأسه ببطء، بصوت مرهق: صباح النور. تعال.
جلس مكي على المقعد الأمامي للمكتب، أخرج جواز السفر من جيب بدلته، ومده له وهو يقول: أنا خلصتلك كل حاجة، الطيارة بكرة الساعة 5، وبعتلك كام صورة للبيوت على الإيميل، اختار إللي يعجبك بالمواصفات إللي طلبتها، والرجالة كمان نص ساعة هايكونوا موجودين، بس قولي إيه التغييرات دي؟
اتكأ سليم على المقعد، قال بوجع خنق نبرة صوته من الندم: أنا غلطت يا مكي تماديت، أنا إللي اتمايت، مش هي.
هز مكي راسه بأسف: أنا قلتلك إن إللي عملته مع عمار غلط، اعتذرلها، وإن شاء الله الموضوع يعدي.
سليم بمرارة: الموضوع مش بس عمار. معاها هي كمان غلطت في حقها، أنا اعتذرت، بس هي ماسامحتش.
مكي بهدوء:طبيعي مش هاتسامح على طول، لكن قولي عملت إيه تاني غير إنك حابسها؟
نظر سليم لأسفل، وقال بصوت خافت: عملت أوحش من كده، هي ماكانتش محبوسة في الفيلا، كانت محبوسة في الأوضة، حبستها تلات أيام، وكان ممكن أكمل لأسبوع، ولو ماكنتش تعبت ماكنتش هخرجها.
نظر له وهو يشعر بالضيق والغضب تابع:
الغضب عماني، نسيت إنها حبيبتي، ونبض قلبي، إني قبل ما بأقسى عليها، بأقسى على نفسي، إيه يعني؟ وجعتني؟ طب ما أنا وجعتها كتير وسكتت! وأستحملت، وأنا مع أول غلطة ليها، دست عليها، كنت كل شوية أطلعلها، أرميها بكلام زي السم، وجبت سيرة بنتنا بطريقة جارحة، إنت عارفني وأنا غضبان ببقي عامل ازاي؟! نسيت إن إللي قدامي دي ماسة قلبي وروحي، اتعاملت معاها كإني بتعامل مع عدوي.
مكي نظر له بحدة: ليه يا سليم؟ ليه وصلت الدنيا لكده؟ ليه ماكلمتنيش كنت اخدت رأي.
كتم سليم دموعه بوجع دفين: كنت موجوع يا مكي،
ماتوقعتش إنها تعمل معايا كده، كل إللي كان في دماغي وقتها، إني ما أذيتهاش، وإني كنت بحاول أصلح، بحاول أبني وهي بتهد، كل مدي بتوسع المسافة بيني وبينها، وأنا مش فاهم ليه؟!حسيت إني بتظلم، إني اتخذلت من أكتر حد حبيته في حياتي، من أكتر حد كان عندي استعداد أموت نفسي عشانه، الشخص الوحيد اللي اخترته ووثقت فيه،كسرتني ووجعي منها كان عاميني، خلاني أتصرف التصرفات دي
مكي بتنهيدة بعقلانية: بص، إنت غلطت أكيد،
بس ماسة كمان غلطت، ماينفعش نشيل من عليها الغلط، أي راجل حتى لو ملاك، مراته تهرب منه أكتر من مرة؟ طبيعي لما يوصلها، هيغلط! وهيصدر منه ردود أفعال مبالغ فيها، بس خلاص إنت عرفت غلطك وبتعتذر، ودي خطوة كبيرة،خطوة السفر دي ممتازة، وإنك تاخد أهلها كمان، فكرة عظيمة، هي هاتعند شوية، بس هتعدي.
سليم بنبرة مهزومة: خايف أكون خسرتها.
هز مكي راسه برفض: لا، إنتوا الاتنين غلطتوا،
ماتشيلش الغلط لوحدك، ولازم تفهمها ده، إن هي هربت؟ ليه توصلك للمرحلة دي؟ وإنت! حتى لو ردة فعلك كانت زيادة، بس غصب عنك، وهي إللي وصلتك لكده، ماتلعبش مع الأسد وتزعل بقى لما يعوض، بعدين هي عملتها قبل كدة وإنت سكت وعديتها برغم إن هي كانت هتعرض نفسها لكارثة
زي ماقلتلك اتكلم معاها وفهمها غلطها، وإنك ماكنتش تقصد ولو النهاردة ماسامحتش بكرة ولا بعده هتسامح.
شد سليم على أسنانه بإصرار: أنا مش هبطل أكيد هاحاول، مش هسمح إني أخسرها، وإنت كمان أوعى تخسر سلوى.
ابتسم مكي ابتسامة جانبية حزينة: لا يا سليم فيه فرق، سلوى حاجة، وماسة حاجة تانية. رغم إني متضايق من ماسة جدًا بس في فرق كبير.
سليم بنبرة مبحوحة: إزاي يعني؟
مكي بنبرة غاضبة من الوجع، قال بصوت باكي:
ماسة عندها مبرر، حتى لو إحنا مش مقتنعين بيه،
إنت غلطت في حقها، وحبسك ليها أكتر من سنة، والقوانين إللي خنقتها بيها، كل ده كان ضغط! غير كده، ماسة من بعد الحادثة وفقدانها لبنتكم، اتعرضت لحاجات كتير، دماغها كانت نار زي بوتاجاز بيتنفخ، لحد مانفجر، بس لما أنفجرت، اتصرفت غلط، بس برضه عندها حق تقدر تبررلها وتسامحها.
ارتسمت نصف ابتسامة حزينة لم تصل إلى عينيه تابع بألم خنق نبرة صوته:
إنما سلوى؟! سلوى ماعندهاش أي مبرر، كانت كويسة معايا لحد يوم عيد ميلادها، وقضينا وقت جميل سوا وكانت مبسوطة، رجعنا البيت، وقعدنا على التليفون مع بعض لحد تاني يوم، اتصلت بيا وقالتلي: “أنا نازلة رايحة لأختي”، وكانت كويسة جدًا، ومن بعد الزيارة دي اتحولت! التحليل الوحيد إللي عندي؟ إن ماسة قالتلها حاجة، وهي بدل ما تيجي تسألني وتفهمني أو حتى تواجهني بعتاب، أو حتى تواجهني بعصبية، صدقت الكلام، سلوى ماتغيرتش بعد هروب ماسة او اللي إنت عملته اوإسماعيل، هي متغيرة من زمان، وأنا كنت واخد بالي، بس كنت مستني أشوف هتعمل إيه؟ وأول مالقت الفرصة شبطت فيها، وخلصت مني، كل مابقعد مع نفسي، بحس إن قلبي اتكسر، إديت قلبي لحد مايستاهلوش.
سليم بعد لحظة صمت: بس إنت مش عارف ماسة قالت لها إيه!
مكي بحدة: مهما كان، كان لازم تيجي تسألني، تواجهني، مش تحكم وتنفذ.
زم سليم شفتيه بأسف: أنا آسف، كان المفروض أسأل ماسة.
مكي بهدوء: يعني إنت في إيه ولا في إيه؟
سليم بضجر: بس برضه كان لازم أهتم بموضوعك،
حقك عليا أوعدك إن النهاردة هتكلم مع ماسة وأفهم منها أي حاجة، وإنت روح اتكلم معاها تاني، قول لها: من حقي أفهم، من حقي أعرف، ماتسيبينيش كده، جرب تاني، وثالث، لو بتحبها، ماتستسلمش.
مكي بحزن: أنا بحبها وبحبها أوي كمان بس كرامتي بحبها أكتر.
سليم بحكمة: أسمع مني، ماتخليش كبريائك يغلطك زيي، صدقني، هتندم ماسة وسلوى كويسين، مشكلتهم إنهم حساسّين، والعند السبب، البنات لما بيحبوا من قلبهم، بيتهزوا بسرعة، بس برضه بيرجعوا بسرعة، صدقني.
مكي تنهد: حاضر أنا هسمع كلامك، أنا كنت هحاول برضه من غير ماتقول.
سليم: قول لي عملت إيه قريبه سحر.
مكي: دي بنت غلبانة خالص عندها 18 سنة مافيش أي خطورة منها.
سليم: خلاص أبقى قول بقى لسحر تجيبها
أمسك سليم قدمه وتحسسها قليلا انتبه مكي: حاسك الفترة دي بتشتكي من وجع رجلك كتير.
فتح سليم الدرج بصمت، تناول حبة دواء، ابتلعها سريعًا، رشفة ماء: فعلا المسكن مابقاش عامل نتيجة.
وأثناء ذلك دخل الحارس وهو يقول: سليم بيه الحاجة وصلت.
سليم توقف: طيب خمس دقائق وتطلع ورايا نظر إلى مكي وهو يقول: هطلعلها.
مكي: ماشي أنا هنا.
تحرك سليم، بينما ظل مكي في مكانه، أخرج هاتفه، فتح الاستوديو، وبدأ يقلب في صور سلوى.
قال بصوت منخفض وهو بيكتم غضبه: قد ما أنا مستفز منك، بس وحشتيني، يا رب المرة دي تبقي عاقلة.
غرفة ماسة.
صعد سليم إلى غرفة ماسة، ويبدو أنها قد استيقظت للتو من النوم؛ كانت ممدّدة على الأريكة وملامح الإرهاق بادية على وجهها. فتح الباب ودخل دون أن يطرقه، وما إن وقعت عيناه عليها حتى توقّف لحظة، وسكنت ملامحه نظرة استغراب.
سليم وهو يقترب منها: مانزلتيش تحت ليه مادام صحيتي؟!
ماسة ببرود، وهي تنظر له من طرف عينها: أنا حرة.
سليم، بنبرة هادئة وعيناه ما زالت مشدودة إليها:
طب ألبسي حاجة، الحرس طالعين.
ماسة متعجبة: ليه؟!
سليم، دون أن يلتفت: يلا بس.
زفرت بضيق، مررت أصابعها بين خصلات شعرها بتأفف، ثم نهضت ببطء، ارتدت روبًا طويلًا فوق فستانها، وسارت نحوه بخطوات متثاقلة.
ماسة باستخفاف: خير هاتحطلي قفص يا سجاني.
سليم: اصبري بس.
بعد دقائق، دخل الحرس، كانوا يحملون شاشة تلفاز كبيرة، وجهاز كمبيوتر، وصندوق أدوات، بدأوا بفك الحديد من الشرفة أولًا، ثم وزّعوا الأجهزة، ووصلوها بالكهرباء.
كانت ماسة واقفة في الركن، تتابع بصمت. عيناها تتحرّكان ببطء، من سليم، إلى الحرس، إلى الأجهزة، لم تفهمه بعد ما حدث، وبعد أن انتهى الحرس، غادروا الغرفة في هدوء.
اقترب سليم، وقال بهدوء: لو محتاجة أي حاجة تاني، قوليلي أجيبهالك، اللابتوب هيبقى عندك، مد يده بهاتف: كمان تليفون عشان تكلمي أي حد تحبيه.
نظرت لما بين يده قالت برفعة حاجب: ليه بقى كل ده؟
اقترب سليم أكثر، امسك إيدها، لكنها سحبتها بجفاء بتوضيح قال: يعني ده صح؟
سألته، وهي تبتسم بسخرية وجفاف: تفتكر بعد إللي عملته ده، هسامحك بشويه الحاجات دي؟!
هزّ سليم رأسه، وعيناه تبحثان عن ثغرة في جدارها المغلق، وقال بهدوء يقطر وجعًا: أنا مش بعمل كده علشان تسامحيني، أنا بعمل كده علشان ده الصح، غضبي كان عاميني، كان مخليني أهوج في تصرفاتي، فبصلح غلطتي، ودي البداية.
ابتسم ابتسامة خافتة وضع الهاتف على الطاولة، ثم أخرج من جيب بدلته جواز سفر وتذكرتي سفر، مدهما أمامها كعرض لا يرفض:
حجزت تذكرتين لسويسرا، هنسافر، وبعدها نبعت نجيب والدتك ووالدك وإخواتك، ونعيش هناك، حتى بفكر أعمل العملية.
ضحكت ماسة بمرارة، تحركت وهي تعطي، ظهرها له، لكن صوتها كان أشد من الطعن: مشكلتك إنك لسة عايش في أوهامك، لسة فاكرني ماسة بتاعة زمان؟ إللي أول ماتمشي خطوتين وهي زعلان منك، ترجع لحضنك وتقولك بحبك وسامحتك؟ لااا كان زمان، أنا عمري ماهسامحك، وبكره.
سليم بنبرة واثقة، لم يهتز، وكأنه متمسك بآخر خيط في قلبها: وأنا مش هستسلم، وهفضل أحاول لحد مانرجع لبعض، لإنك بتحبيني بس زعلانه مني، بس أنا كنت عايز أسألك على حاجة مهمة، فلو سمحتي جاوبيني؟!
ألتفتت له بإختناق: مش فاضية والله.
سليم برجاء: لو سمحتي يا ماسة.
زفرت بضيق، أغلقت عينيها للحظة قبل أن تفتحها ببطء: اتفضل
سألها سليم، وعيناه لا تبارحان ملامح وجهها المتوترة: إنتي قلتي إيه لسلوى؟ خلّيتيها تبعد عن مكي؟
ماسة، وهي تشيح بوجهها بنبرة مهتزة: أنا ماقلتش حاجة
سليم بإصرار، ونبرة بدأت تميل للحدة: لا قلتي، أمال هي اتغيرت فجأة بعد عيد الميلاد ليه؟ في حاجة، إنتي قلتيلها حاجة خلتيها تبعد عنه.
صمتت ماسة للحظة، ثم قالت، بصوت خافت مجهد:
ممكن تطلع وتسيبني لوحدي؟
سليم بعتاب وضيق، وهو يخطو خطوة نحوها:
يبقى قولتي، ليه يا ماسة؟ ليه كنتي سبب إن حياتهم تنهدم؟! أنا غلطت في حقك، وأنا معترف، رغم إنك كمان كنتي سبب، بس ليه تدمري حياة أختك؟
رفعت ماسة عينيها إليه تحدثت من بين أسنانها، وعيناها تمتلئ بالدموع: عشان مأعيش أختي نفس إللي أنا عشته، ماخليهاش تقع في مصيري، في نفس المصيدة، هو نسخة منك، يمكن أبشع.
ضيق سليم عينيه، وحدة في صوته ارتفعت فجأة، كأنها طعنة تعجب: مكي ده كان بيدافع عنك لحد آخر لحظة، رغم إنه فقد البنت إللي بيحبها بسببك، مكي ماحكاليش إنك حاولتي تهربي قبل كدة، غير لما فعلاً هربتي آخر مرة وقال لي بس لأنك كان ممكن تكوني عند كارمن، ليه بتعملي فيه كده؟ عمل إيه؟!
قاطعت ماسة حديثه بانفعال، نبرتها كانت كسكين حاد مزق صمته: عمل إيه مكي؟!
رفعت صوتها، وبدت كأنها لم تعد قادرة على الاحتمال أكثر، تابعت وهي تقترب بخطوتين، وعيناها تلمعان بدموع الوجع والغضب:
مكي لو حد كويس زي ما إنت بتقول، ماكنش عمل إللي عمله، وأيوه، أنا فعلاً قلت لأختي تبعد عنه، عشان هو شبهك، ولاااازم الجوازة دي تتوقف، عشان ماتعيشش نفس المصير إللي أنا عيشته
صمتت لحظة، ثم تابعت، والنار تتصاعد في صوتها وهي تشير له بإصبع مرتجف:
أوعى تقولي بقى الأسطوانة إياها، مالهوش ذنب، بينفذ أوامر، شغال عندي، أنا عارفة، فاهمة دماغك ودماغه، بس ده مش مبرر!
رفعت حاجبيها بقوة، وحدّقت فيه بحدة:
بقولك إيه، بأمانة ربنا لو بدلنا الأدوار، بنفس شخصيتك دي، وإنت كنت مكانه، وشفت راجل واقف قدام أهل مراتك وبيهددهم، كنت هاتسكت له؟! أقسم بالله لا، كنت هاتقف قدامه، تحط عينك في عينه، وتقوله: فكر بس تقرب منهم، وأنا همسحك من على وش الأرض، دول معايا في حمايتي لو إنت مكي فأنا سليم، حتى لو كنت شغالة عندك، مش هاسمحلك تدوس على حد فيهم، مش كنت هتعمل كده؟ حتى دي هو ماعملهاش!
أخفضت صوتها فجأة، كأنها تخاطب نفسها أكثر منه:
وعايزني أرضى إن أختي تتجوز واحد مادافعش عنها قصادك!؟ وقصاد أي حد ممكن يأذيها، يمكن مكي ماعندوش نفس نفوذك، يمكن فعلاً بيشتغل عندك، وإنك تقدر عليه، بس مهما كان حتى لو هتموته كان لازم يقف في وشك، (بخذلان) بس على الأقل كان هيموت بشرف، هيموت وهو بيدافع عن شرفه.
رفعت يدها كأنها توقفه عن أي رد: وأوعى تقول مش مراته لسة!! لا يا أستاذ، الوعد إللي مابينهم، والكلام إللي اتقال، وإن كان فاضل كام يوم وتبقى مراته، ده كفاية يخليه يعمل أي حاجة علشان يحميها..
توقفت لثوانٍ ثم ابتسمت بسخرية باكية، وقالت بصوت مكسور: بس هو ماعملش غير إنه يبررلك
يقول إنك كنت عصبي، كنت غضبان، عارفة مكي كويس؟ما هو كان بيبرر لي نفس التبريرات السخيفة دي لما كنت حابسني وبتـهددني!
سليم، بصوت هادئ ونظرة صادقة سكنت ملامحه، وكأنه يحاول لملمة ما تبقى: صدقيني هو عنده مبرر، هو عارفني كويس، عارف إني مش هعمل حاجة، عارف إن كل ده كلام، بهوش بيه؟ وأقسم لك لو في يوم أنا فعلاً كنت ناوي أعمل حاجة، مكي كان هايقف قصادي، كان هيمنعني، ساعتها وهيقول: لحد هنا وكفاية، بس هي من قبل الموقف ده، سلوى متغيرة كأنها مستنياها عشان تسيبه هي سمعت كلامك، ونفذت مجرد ماقولتلها إنه شبهي برغم وحياة بنتي في فرق مابيننا هو أعقل مني كتير.
ماسة، بأقتناع كامل، بوجع خنق نبرة صوتها،والدموع تسيل على خديها دون مقاومة:
أنا عملت الصح، كفاية، كفاية أنا اتوجعت، واتجرحت، وتحطمت، واتهددت، ماحبتش أعيش أختي نفس الألم، إن في يوم جوزها، حبيبها، يقف قصادها ويقول لها بمنتهى البجاحة والبرود: لو عملتي كذا، هعمل كذا، يهددها، وعينه في عينيها، ويبرر ده إنه كان غضبان، أو خايف، أو متعصب عارف؟ لو جدت تسالني تاني، أنا هقولها: أوعي تتجوزي مكي أو تسامحيه، وهحكي لها على كل إللي عملته فيا، وفي عمار، وإن مكي ماعملش حاجة فضل واقف يتفرج، إن هي دي أخلاق الراجل إللي عايزة تتجوزه، وإللي هاتستأمني نفسك في حضنه، مافيش أمان، في خوف وبس، وإنه زيك بالظبط، وإنه هييجي في يوم ويستخدم جبروته ونفوذه، وهو باصص جوا عينيها…
بدأ صوتها يهتز، والدموع تزداد، وصدرها يعلو ويهبط من شدة القهر والحزن والخذلان. لم تعد ملامحها تنطق، بل تنهار واصلت:
لو خرجتي برة حدوده، هتدفعي التمن، ولو حد أخدك منه، هيموته، وإن ممكن يسيبك تلات أيام محبوسة، بتتوسلي له يخرجك، ويرفض يبعت حد يقعد معاكي، وإنك هتهوني عليه يشوفك بتتعذبي وبتبكي، وإنه كان عارف وشايفك وإنتي مابتاكليش، ولا بتشربي، وبتنهاري، ومكمل، بقسوته، وكل يوم هيدخل يسمعك كلام يوجع القلب، يغرس السكينة في قلبك من غير رحمة، لدرجة إنه يوجعك ببنتك، بنتك أللي هو عارف إنك لحد اللحظة دي، مكوية بنار فراقها، مش هيقف لحد هنا تؤتؤ هيكمل ويطرد أهلك قدامك، ويهددك بيهم إنه ممكن يموتهم، جوزك، حبيبك، أمانك وسندك، إللي المفروض يكون درع الحماية ليكي من العالم وقساوته، عمل فيكي إللي مايتعمل..
إنهارت من البكاء، بوجع كاد أن يُنهيها:
الخوف…الخوف إللي كان جزء منك، وكنتي بترمي نفسك في حضنه عشان تحتمي فيه، هو إللي هايعيشهولك، وأن حياتك هتبقى كلها خوف ورعب، والسند وقع فوقك، لحد ماهدك وحطمك، حضن الحماية بقى هو إللي بيخوفك، ومعيشك في رعب، إنك لو مشيتي، هيقتل أهلك، وهقول لها كمان، إنه ممكن يعمل فيكي زي إللي بيعمله مع أعدائه، وإنه هينسى العِشرة والعيش والملح، وإنه جوزك، وإنكم كنتم في يوم شيء واحد بتاكلوا في طبق واحد تناموا على سرير واحد، والميثاق الغليظ، والمودة والرحمة هاينساهم..
أخذت نفسًا متقطّعًا، وكأنها تحاول استعادة قوتها التي تذوب تحت قدميها، ثم قالت بقهر وحسرة:
وهقولها عارفة ليه هيعمل كل ده؟؛ عشان غلطتي، غلطتي غلطة واحدة، غلطة من تسع سنين برغم إنك استحملتي فيهم حاجات كتير، الغلطة دي هتخليه ينسى كل حاجة، مش هيفتكر غير إنك أنانية، ووحشة، وماتستاهلش حبه، وندمه إنه عرفك وهيشبهك بناس، هو عارف كويس إن ظفرك براقبتهم إنه إنسان نكّار، ما بيفتكرش غير الوحش عشان غلطه منك.
ثم ابتسمت بوجع، وهزّت رأسها بلا، تمسح دموعًا لا تُمسَح:
لا لا، استحالة أعيش أختي الانكسارات، والأوجاع كفاية أنا عايشاها، كفاية العذاب إللي أنا فيه، حرام عليك، ليه عايز تعمل فيها كده؟ أنا مش هقبل أعمل فيها كده، ولو على موتي.
نظر لها سليم الذي كان يستمع لها والوجع يفتك بقلبه بدموع تغرق عيناه والندم يلتف حول رقبته كجنزير ناري:
ماسة ماتشبهيش مكي بيا إنتي بتتكلمي عن نفسك إنتي بتقولي كل إللي أنا عملته فيكي، مكي مايعملش كده بيعرف يحط كنترول صدقيني لو سلوى عملت إللي عملتيه هيطلقها، ماتخليهوش يشيل ذنب أنا إللي عملته بإيدي أرجوكي يا ماسة.
ماسة بألم وهي تمسح دموعها: أنا عارفة إني بتكلم عن نفسي بس إللي أنا بتكلم فيه ده هو إللي هيحصل لها حتى لو اختلفت الطريقة.. متحوليش تقنعي بغير كدة اللي يوافق على اللي عملته يعمله.
أشارت بيديها بقوى وتهديد:
ولازم تفهم أنا مش قاعدة هنا علشان أوجعك وبس، قاعدة كمان علشان أحمي أهلي من شرك، لاني عارفة، طول ما أنا هنا، إنت هتبعد عنهم، واسمعني كويس؟ خليك فاهم لو فكرت تقرب منهم، أنا هموت نفسي، والله هموت نفسي قدام عينك، لأنك أكدت لي إن كل الحب إللي حبتهولك، ماتستاهلوش
بدموع وحسرة تدافع عن نفسها: إنت دايمًا كنت فاكر إني بختار أهلي عنك، بس والله العظيم أنا كنت بحبك أكتر منهم كنت بحبك أكتر من نفسي أنا كنت بدافع عنك لحد آخر لحظة، بس لما شفت إنك ممكن تأذيهم، علشان أفضل جنبك، وإنك بتحبنى حب تملك، حب مريض، وإنك مش هتتغير هتعيد نفس الغلط تاني ولو فكرت أمشي،والا أخرج، أو حد منهم وقف معايا ضدك هاتأذيهم، وهتفضل تقول لي: خروجك من هنا ثمنه أهلك، فإنت عايزني أعيش أختي نفس المرض؟ استحالة!
أشارت بيدها لجعله يسكت: أوعى تقول لي تاني مش زيك، هو زيك، أسوأ منك، لإنه ماعندوش شخصية، مايعرفش يقولك لا، خروف ماشي مع القطيع يتقال له يمين يمين شمال شمال.
كان سليم يستمع لها في صمت، والحزن ينهش ملامحه قطعةً قطعة، وعيناه ساكنتان، لا تنهمر منهما الدموع، يشعر بقهرها بخذلانها وبخوفها منه يعلم يقينًا أنها لا تبالغ وأنها بالفعل تملك الحق في كل ما تفكر فيه.
سليم بصوتٍ مجروح، حاول فيه أن يدافع عن نفسه، لكن الوجع واضحًا في نبرته، يعرّي كل محاولاته:
أنا عارف إني ظلمتك، بس حطي نفسك مكاني، حطي نفسك مكاني دقيقة واحدة، الراجل إللي بتحبيه، بتعشقيه، بتحاولي تبني معاه بيت، قرر فجأة يسيبك، من غير سبب، وهو عارف قد إيه إنتي بتحبيه، عارف إنك ماتقدريش تعيشي من غيره، عارف إنك مالكيش غيره، كنتي هتعملي إيه؟ أنا أنا افتريت عارف، وعارف إني زودتها أوي، بس والله العظيم من وجعي، من انكساري، أنا حسيت إني انكسرت يا ماسة، كل إللي إنتي حساه من وجع بسبب رد فعلي دلوقت، أنا كمان حسيته لما هربتي.
ماسة، بنبرة مخنوقة وقهر خنق صدرها: بس أنا كان عندي سبب.
سليم، قرب خطوة، صوته هدى شوية: إللي هو إيه؟
ماسة بعند، وهي تمسح دموعها بظهر إيدها: مش هقولك؟!
سليم بنبرة غاضبة: يعني إيه مش هاتقولي؟ ما كفاية عند.
ماسة بوجع وانتقام: عشان عايزة أوجعك لما أحس إن قلبي هدي، وغليلي شفي، زي ما إنت عملت أنا هعمل، ويمكن ساعتها أقولك، أنا اتحايلت عليك كتير كنت عايزاك تسمعني تديني فرصه، وإنت رفضت، خلاص بقى.
تنهد سليم بتعب أمسك يديها بنبرة عشق ورجاء:
أنا قابل منك الوجع والقسوة أنا استاهل ده اعملي اللي نفسك فيه، حتى مش عايز أعرف أسبابك، كل إللي عايزه ومهم ليا، إن إحنا نرجع سوا، ونحقق أحلامنا إللي ماعرفناش نحققها خلينا نمشي خلينا نبدا صفحةجديدة، ونعتبر كل إللي فات كابوس مزعج، نطوي صفحات الماضي، أنا وإنتي هنسي بعض، إحنا مرينا بحاجات أصعب من كدة بكتير، إحنا الأتنين وجعنا بعض يا ماسة، إنت وجعتيني بهروبك أكتر من مرة، حسستيني إني مش مهم في حياتك، إن الاستغناء عني شيء عادي، وأنا وجعتك بردة فعلي، ليه مش عايزة تسامحي؟! رغم إن قلبك لسة بيعشقني، إنتي لسة بتعشقي سليم، زي ما سليم بيعشق متسة، وإن كل إللي إنتي بتعمليه ده، بتعمليه من وجعك وانا معترف إني غلطت، بس سامحي بقى، خلينا نعيش إللي فاضل من حياتنا بسعادة خلينا نسافر..فرصه اخر فرصه.
نظرت له ماسة وعيناها دامعتان ووجهها شاحب، لكنها كانت قوية قاسية حتى، بعينيها التي لم تعد تبكي ضعفًا بل وجعًا، ولم يبقَ فيها إلا صقيع الخيبة سحبت يديها من بين يديه وعادت خطوة للخلف وهي تشير بيديها:
لو سمحت، ماتحاولش تاني، أنا وإنت انتهينا.
مدّت يدها، وانتزعت جواز السفر من بين أصابعه.
نظرت له لحظة ثم مزّقته أمام عينيه.
ماسة بصوت حاد، مشبع بالخذلان: سويسرا مين دي إللي هسافرها معاك؟ عايزني أروح معاك وأعيش معاك نفس الذكريات الكدابة من تاني؟
قاطعها سليم مسرعاً، بوجع يشق قلبه: لا يا ماسة
هي ماكانتش ذكريات كدابة، دي الحاجة الوحيدة الحلوة في حياتنا.
ماسة، وهي تهز رأسها نافية، تحدثت من قاع القلب:
صح وبندم عليها، وهفضل أندم طول عمري إني اتجوزتك وحبيتك، ولو لسة ليا شوية خاطر عندك، أبعد مكي عن أختي ، أما بالنسبة لي إنسى إن في حاجة ما بينا، انسى إني ممكن أسامحك، حتى أهلي أنا مش عايزاهم يجوا، ولا عايزة كل إللي إنت عملته ده، أنا مش تحت مزاجك، ولا تحت رحمتك، مش وقت ماتحس إنك خلاص، تجيب أهلي وتخليني أشوفهم، وتفك قضبانك والمطلوب أرضى وأقبل.. لا أنا مش “شخشيخة” في إيدك، شوية تمنعني عنهم، وشوية تجيبهم، شوية تمنعني من التلفزيون واللاب توب، وشوية تقول لي: إنتي عايشة هنا بأوامري، في زنزانتك. ودلوقتي هعملك كل إللي إنتي عايزاه، ما توسلتلك كتير. وإنت رفضت تسامحنى تسمعني كنت بتقول لي أنا لسة مأمرتش تتكلمي مأذنتش تتكلمي نسيت كل ده؟!
تنهدت بتعب وهي تتوسل: لو فعلًا عايز تخلص كل ده، وعايزني أفكر أسامحك، طلقني، وسيبني أمشي، وأبعد عني أنا وأهلي، أنا مش عايزة منك حاجة غير كده، وهرجعلك كل حاجة، والله حتى الهدوم، بس أرحمنا وعتقنا لوجه الله وساعتها هسمحك طلقني لو فعلا عايز صورتك تفضل زي
ما هي..
تابعت وهي تصرخ ألما:
وأحلام سويسرا، أحلمها لوحدك، لإنها إنتهت، زي ماكل حاجة بينا انتهت، إنت انتهيت وقتلتك جوايا لو فكرت في يوم احلمها تاكد مش هتكون فيها.
رمش سليم بعينه الذي كان يستمع لها بتأثر شديد، بعينين اغرورقت بدموع القهر، فجأة اقترب سليم منها بخطوات عنيفة، سحب مسدسه من خصره ووضعه في يدها المرتعشة.
سليم بنبرة هادئة لكنها تحمل موتًا وجنون الرفض: لا يا ماسة لااا خدي يا ماسة، خدي موتيني، خدي تار أهلك، خدي تار عمار،واديني الرصاصة اللي ضربته بيها، أضربي قلبي برصاص، خليه يوقف عن إنه يحبك، إديني رصاصة، وخلصي وجعك، بس أوعي تطلبي مني أبطل أحاول، أو إنك بتكرهيني، أو إننا مانكونش سوا، أوعي تقولي إن سويسرا، بقت مجرد أمنية مستحيل تتحقق، أو إنها هتبقى مع غيري، أوعي تقولي كده.
كانت ماسة تمسك بالمسدس، يدها ترتجف ودموعها تنهمر بصمت وقلب يعصف الما، حركه سليم المسدس ببطء حتى لامست فوهته قلبه.
سليم، وهو يثبت عينه في عينيها: أضربي يا ماسة أضربي، بس أوعي تقولي كلمة “طلّقني” لازم تفهمى إن الحاجة الوحيد إللي هتخلصك مني هو موتي موتينى يلا.
نظرت له ماسة، نظرةً يملؤها الانكسار، انكسارٌ لا شفاء فيه، قالت بصوتٍ أقرب إلى البكاء منه إلى الكلام:
إنت عارفني، عارف إني مش هعمل كدة أنا مش قتّالة قتلة، بعدين إنت أصلًا ميت، إنت ميت في نظري، وفي قلبي وفي روحي يوم ماخذلتني، و وجعتني، وخليتني أعيش الخوف ده بإيدك.
سكتت، قالت بصوت داخلي: إنك طلعت زي أهلك بالضبط، عملت فيّا نفس إللي عملوه، هددتني بأهلي، ونفذت تهديداتك، عشان تخليني أعيش معاك، غصب، وإنك، حققت كلامهم، الكلام إللي كنت بدافع عنك منه، وبقول مستحيل تعمله، بس عملته، ومتأكدة، إنك هتعمله تاني.
نظرت له، دموعها لم تكن مجرد نزيف كانت لعنة،
همست بصوتٍ مخنوق، نبرة أقرب إلى الانهيار منها إلى الكلام:
مش هقولك غير يارب تعيش نفس الوجع إللي أنا عشته، من قلبي بتمنالك تعيشه، وتعيش نفس الخوف، نفس الكسرة.
وضعت المسدس في يده، ثم تراجعت خطوة للخلف، وقالت بهدوء قاتل: لو سمحت، سيبني لوحدي كفايه وجع ارحمني الله يخليك.
توقف سليم في مكانه، عيناه تنهمر منهما الدموع بصمت قال بصوت مبحوح منكسر بإصرار:
أنا مش هبطل أحاول، لحد ما نرجع، ولحد ماتسامحيني، ولحد ماتغفري.
أخرج الخاتم من جيبه، واقترب منها وأمسك أصابعها المرتجفة، رغم أنها كانت تحاول سحب يدها بعيدًا
ألبسها الخاتم غصبًا عنها، وعيناه لا تفارق وجهها.
سليم بنبرة دامية: الخاتم ده، مش هتقلعيه غير وإنتي في قبرك وحتى لما تنزلي، هتفضلي لبساه.
نظرت له ماسة بضيق، وقالت بجمود: إنت تقدر تلبّسهولي غصب بس بالنسبالي كأنه مش موجود.
سليم ببرود يكسوه وجع خفي: مش مهم، بس تعرفي
إنتِ بتقولي إني مابتغيرش؟ لا أنا بتغير، أنا ممكن أسامح، وأعدي، وأغفر كل حاجة، إلا إنك تسيبيني، أو إن حد يكون سبب في بعدك عني، أنا مابعرفش أتحكم في نفسي ساعتها، ببقى أعمى، فأحذريني، أنا قلتلك قبل كده، أنا عندي استعداد أحرق العالم عشان خاطرك، زي ما إنتي ممكن تعملي كل ده عشان تحمي أهلك، أنا كمان هعمل كتير علشان أحمي الناس إللي بحبهم وأنا مابحبش غيرك.
قال كلماته تلك وتركها وغادر.
جلست ماسة على الفراش، وضعت وجهها بين يديها، والدموع تنهمر في صمت، الوجع بيفتّك بيها، بيأكل قلبها قطعة قطعة:
مش هتتغير يا سليم، أنا متأكدة إنك هتأذيهم
لو بعدت عنك إنت قولت هحرق العالم، وأي حد، ممكن يكون السبب في بعدك عني.
مالت بجسدها للخلف، وأسندت ظهرها إلى الفراش، بصمتٍ يحطم القلب، كانت خالية تمامًا، كأن الروح انسحبت منها
أما سليم، فدخل غرفته بخطواتٍ ثقيلة، جلس على المقعد وهو يخفي وجهه بين يديه، لكن دموعه فضحته، سالت بصمت، تغرق عينيه، وتفضح ما بداخله.
ترددت كلماتها في أذنه، كأنها خناجر تتكرر بلا رحمة:
“إنسَي أحلامنا… طلّقني… بكرهك”
كل كلمة منها كانت طعنة، قاطعة، لا تترك مجالًا للتنفس، ولا للنجاة.
صرخ من الأعماق ببحه رجوليه جهور بوجع، نهض فجأة، وركل بقدمه الطاولة التي أمامه بعنفٍ عارم، كأن ما بداخله يفيض، كأن الصبر انكسر تمامًا.
♥️________بقلمي_ليلة عادل________♥️
وبعد قليل، تلقّى سليم اتصالًا يدعوه ضرورة الحضور إلى اجتماع في المجموعة، أخذ يفكّر للحظة، يتساءل بينه وبين نفسه: هل يذهب أم يبقى؟ شعر أن الذهاب ربما يخفّف عنه وطأة أفكاره التي تنهشه بلا رحمة، فـكلما تذكّر كلمات ماسة، ونظراتها، وماتحمله في قلبها من ألم، أحسّ بأن هناك من يخنقه، يسلبه أنفاسه، وكأنه وقع في غابةٍ موحشةٍ مليئة بالوحوش المفترسة، تنهش جسده، وهو يركض بإستماتة نحو النجاة، وعندما بلغ النهاية، وجد نفسه على حافة هاويةٍ لا يُدرك قرارها، لم يجد مخرجًا؛ أتراه يعود إلى تلك الوحوش؟ أم يسقط في المجهول؟
في النهاية، اتّخذ قراره أن يذهب عساه يغوص في أعماق العمل، فينسى فقط لحظة، يحتاج إلى لحظة واحدة يسكن فيها صراخات قلبه، ويهدأ نيران عقله.
ذهب بالفعل، واندمج في عمله بكل قوّته، كان تركيزه شديدًا. وإذا ما شرد ذهنه للحظة فيما حدث بينه وبين ماسة، أسرع بإعادة تركيزه، وكأن ما جرى صار سجنًا لا يُهرب منه إلا عبر الانشغال.
أما ماسة، فقد بقيت في غرفتها معظم الوقت، يتملّكها وجعٌ داخلي لا يهدأ، أكثر ما آلمها أن سليم، رغم حبّه، لم يمنحها وعدًا قاطعًا بعدم إيذاء عائلتها. وذلك كان أصعب ما يمكن أن تواجهه امرأة، أن يكون زوجها، من تُؤمن أنه أمانها وسندها، غير قادر على طمأنتها، لا لنفسها ولا لعائلتها، ربما لو وعدها، لخفّ الألم، ربما كانت منحته فرصة أخرى، لكنه أضاعها.
كانت حزينة حد الانكسار، ممزقة بين حبها العميق له، وبين خيبة ظنّها لم تكن تتخيّل أن سليم قد يؤذيها إلى هذه الدرجة.
بكت كثيرًا، بصمتٍ موجِع، تتخبّط في حيرتها، بين أن ترضخ لما يُفرض عليها، أو ترفضه بكل ما فيه، شعرت بأنها لم تعد تملك من أمرها شيئًا، كأنها تحوّلت إلى دمية، يحركها كما يشاء، وفق شروطه وشعرت في أعماقها أن ماتعيشه ليس طبيعيًا بل مؤلمًا وغير آدمي.
قرّرت أن تُعيد الهاتف. دخلت غرفته، ووضعته فوق الفراش، ثم هبطت إلى الأسفل، جلست أمام التلفاز، تحاول أن تُلهي قلبها، أن تنسى، ولو قليلًا لكنها لم تستطع، لم تكن قادرة على مسامحته، وكلما استعاد عقلها مافعله، أوجعها قلبها، وسقطت دموعها بصمت.
قصر الراوي
غرفة ياسين وهبة الخامسة مساءً
دخل ياسين الغرفة، يحمل حقيبة سفر صغيرة.
كانت هبة تجلس على الأريكة، تتابع التلفاز بملامح باهتة، ما إن رأته، حتى نهضت سريعًا واقتربت منه.
هبة بنبرة حادة: حمد الله على السلامه كل ده يا ياسين؟
ياسين ببرود: آه كل ده، وياريت كان أكتر من كده. بس للأسف الشغل خلص.
هبه بضيق: بس أنا سمعت إنك مسافر بمزاجك، وكان ممكن تخلص كل ده بتليفون أو تبعت أي مدير من شركتك!
جلس على طرف السرير، وهو يتفادى النظر إليها: أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده.
تقدمت خطوة، وقفت امامه بحدة: لا، هنتكلم! ده إنت حتى مارجعتش البيت تاخد هدومك، كلمتني في التليفون كإني غريبة! أنا مسافر، ومافيش خروج من القصر،؟!
نهض ياسين، يحاول يتفادى أي انفجار جديد، لكن صوته مضغوطًا، غضبه ظاهر رغم هدوئه:
كنتِ عايزاني أعمل إيه؟ المفروض أعمل إيه بعد إللي حصل؟ بعد إللي قلتيه عني؟! تربيه الداده ده يا هانم إللي إنتِ اخترتيه بنفسك يبقى جوزك، وعشتِ معاه لحد اللحظة دي، وخلفتي منه كمان، وجايه دلوقتي تقوليلي ده تربية دادة؟!
هبة بخجل: أنا ماكنتش أقصد كده!
ياسين بشدة: لا، كنتِ تقصدي.
هبة بإعتراض: كنت قصدي إني مش عايزة ولادي يعيشوا نفس مصيرك ومصير أخواتك.
ياسين بخذلان: أنا مش قادر أستوعب إزاي بتبصيلي النظرة دي وبالمناسبه، ماسة إللي اتكلمتي عنها بإستهانة دي، إنسانة عظيمة، وأنا بكنّ لها كل احترام، دي فيها صفات أحسن منك بكتير، ياريتك كنتِ زيها، ماسة إللي بتقف جنب جوزها، تحترمه، تدعمه مش اللي تفكر تمدها او تعايرة لو في نظرك إن كل الصفات دي نوع من الضعف إنتي محتاجة تعيدي ترتيب وجهات نظرك.
هبة بتوضيح: أنا ما كنتش هامد إيدي، كنت بدافع عن نفسي.
ياسين بهدوء: امم المفروض بدل ماواقفة قدامي بالنبرة دي تتكلمي، تعتذري تبوسي راسي، وتعملي المستحيل علشان تصالحيني، لكن لااا إنتي شايفة نفسك مش غلطانة، ودي المصيبة…
تنهد مسح وجهه بحزن وخذلان:
هو إنتِ كنتي كدة من الأول؟ ولا إنتي إللي اتغيرتي؟ مش عارف، بس أنا غضبان منك، ومتضايق جدًا فلو سمحتي، أبعدي عني شوية.
أمسكت يده، نظراتها دامعة، صوتها مهزوز:
أنا آسفة يا ياسين، والله العظيم أنا مش زي ما أنت فاكر، أنا بس ماتعودتش على الإهانة، ماتعودتش حد يعلي صوته عليا، وإنت عارف كده، وعارف إني مابحبهمش هنا، ولا هما بيحبوني، بيكلموني؟ آه، بس بحس كلامهم مزيف، الوحيد إللي كنت بحترمه هنا هو سليم، بس لما عرفت عنه إنه مافيا، وبيهدد ماسة، وقع أوي في نظري، وماسة؟ ماعجبنيش إللي بتعمله، هي حرة طبعًا، بس أنا مش زيها.
مرر سليم عينه عليهابمرارة: أنا مش متضايق من إللي اتقال تحت، أنا أصلاً عارف ماما شايفة إيه، وعارف نيتها، هي دايمًا مستنية تغلطك، بس أنا إللي وجعني إللي حصل بيني وبينك، طريقتك صوتك العالي، ومفهومك عن “الدفاع عن النفس.
هبة: طب ما أنا اعتذرت وقلتلك خلاص أنا آسفة!
ياسين: مش قادر أقبلها.
هبة بحزن: يعني هتفضل زعلان؟
ياسين مد شفتيه: حاولي تاني، يمكن أقبل المرة الجاية، أنا هاخد شاور وأنام، محتاج أرتاح.
تحرك ياسين داخل الحمام بينما ظلت هبة متوقفة مكانها وهي تبكي بحزن شعرت أنها خسرت ياسين بفعلتها تلك.
فيلا عائلة ماسة الخامسة مساءً
الصالون
نرى مكي كان جالسا مع مجاهد وسعدية ويبدو على ملامحهم الضجر.
سعدية بقلق: يعني هي كويسة يا ابني؟
مكي بإبتسامة صغيرة: كويسة الحمد لله، وأنا والله كان نفسي آجي من بدري، بس حسيت لو كنت جيت والدنيا لسة مولعة، كنا هانزود الطين بلة.
مجاهد بحدة: وهتبرر تاني إن سليم كان غضبان؟
مكي بهدوء: أنا مش ببرر، بس بقول إللي حصل، عمار استفزه، ودخل البيت بالعافية وخد ماسة من بين إيديه، وسليم كان طبيعي جدًا يثور. أنا شخصيًا كنت عند البوابة، وقولت لهم يسيبوا ماسة، وطمنتهم، وفضلت أتحايل عليه عشان يمشي، لكن عمار كان معاند، وسليم ماكانش ناوي على أذى. بس بردو، إللي حصل كبير مش هنكر.
مجاهد بصوت حاسم: إيه إللى بتقوله ده، ده كان
ممكن يموته بالرصاصة أفرض ايده اتهزت أو أي حاجة حصلت لا قدر الله، وابني راح فيها.
مكي حاول يهدي الوضع: أنا متفق معاك إن سليم غلط، بس برده عمار غلط، بس والله ما كان قصده يقتله، وخليني أقول إني مش جاي أبرر له، أنا جاي أتكلم عن نفسي فين سلوى؟!
سعدية خلاص، سلوى نازلة.
مجاهد بهدوء: بص يا ابني، إحنا مش ضدك، بس بعد إللي حصل، البت مش عايزة تكمل الجوازة وأنا مش هقف ضدد رغبة بنتي.
مكي بنبرة حادة قليلاً: حتى لو رغبة بنتك مش صح وفيها ظلم كبير ليا.
دخلت سلوى الصالون بهدوء.
سلوى: مساء الخير.
توقف مكي أمامها بصعوبة يخبئ ضيقه: مساء النور أتمنى تكوني هديتي.
سلوى بنبرة باردة: هديت؟ أكيد هديت، بس بعد إللي حصل مع عمار، لو كان عندك أمل، المفروض يكون اتمسح.
مكي بضجر خفيف: ياترى عمار ما قالكيش إن الحراس مسكوني؟ وإن سليم كان هايضربني؟ وإني فضلت أقول لعمار أمشي؟! وهو فضل مصمم هو فيهد إيه ؟!!
شعر بالانزعاج علي صوته قليلا اتحدث ببحة رجولية بقوة وحدة:
في إيه بجد يا جماعة إنتوا هاتتعدوا الأصول والا إيه؟! مين راجل في الدنيا يقبل إن مراته تتاخد غصب عنه من بين إيديه وهو أصلا ماغلطش في حاجة بالعكس مغلوط فيه، معلش يعني هي بنتكم كانت خارجة من غير إذنه، دي كانت هربانة عارف يعني إيه هربانة يا عمي، بمساعدة أختها كمان، عمى إنت راجل أبن بلد وبتفهم في الأصول، وعارف إن لو ست عملت كدة عندكم بتدبح وبيتقال عليها إيه! فاللي سليم عمله ده حاجة بسيطة جداً، يعني سليم ده لو كان دبح مراته ودفنها صاحية ماكانش حد هيلومه أقل كلمة هيقولوها له غسلت عارك، ماهي الست إللي تهرب من ورا جوزها ومن ورا أهلها ومن بيت أهلها ومساعدة اختها كمان، إنت عارف بيتقال عليهم إيه؟!
قلب عينه وتنهد وحاول أن يحافظ على نبرته مرة أخرى لكن تحدث بنبرة صارمة:
ومش هقول تاني هو ماكانش عايز يقتل عمار هو كان بيهوشه عشان يمشي ومايجيش تاني ومع ذلك ده مش موضوعنا أنا جاي هنا أتكلم عن نفسي ولو سمحتي أنا عايز أسمع أسباب للرفض تخصني أنا وبس اتمنى ماسمعش سليم في جملة مفيدة.
سلوى بشدة: وأنا قلتلك أسبابي أنا مش هتجوز واحد موافق وبيبرر الغلط وسمح للي شغال عنده يرفع مسدسه على أهل خطيبته إللي هتبقى مراته.
مكي نظر في ملامحها وكأنه يكشفها قال بهدوء:
سلوى إنتى من قبل موضوع إسماعيل وسليم وإنتِ متغيرة من بعد عيد الميلاد وإنتِ بتبعدي، بلاش بقى جو التمثيل ده وإنك زعلانة إني ماوقفتش معاكم ووقفت لسليم والأسطوانة الحمضانة بتاعتك دي عشان مش داخلة ولا هاتدخل فهاتي من الآخر طالما إنت ست جريئة يعني قوليهالي وإنتي باصة ججو عيني وايا ماسة قالتلك إيه وإنتي سمعتي كلامها؟!
سلوى يبتهكم: ماسة ماقالتليش حاجة، وأنا إللي مش عايزة أكمل، خلاص أنا حرة ماعنديش أسباب يا سيدي.
مكي بنبرة مكسورة: كان نفسي تيجي وتواجهي، مش تحكمي من بعيد بس عموماً، مش هفرض نفسي، رغم إني بحبك. إنتِ إللي بايعاني، مش العكس.
سلوى بحدة: أنا شايفة إنك ماقدرتش توقف سليم، وإنه مش بيحترمك لإن لو بيحترمك ما كانش يعمل إللي عمله ده وإنت ماخترتنيش واخترته، فأنا مش هاختار واحد ماختارنيش.
مكي بوجع: يعني ده القرار الأخير؟
تلتفت سلوى بزاوية أخري: أيوة قرار نهائي.
زم مكي وجهه حاول إخفاء الوجع: تمام يا سلوى،
بس نصيحة أخيرة، بلاش تخلي حد يمشيكي علشان أنا مش شايف شخصيتك أنا شايفك بتنفذي كلام شخص ثاني قاللك أعملي واحد اثنين ثلاثة وانتب بتنفذي، علشان دي مش طريقتك سلام.
سلوى: أستنى، خد حاجاتك.
مكي وهو يعطيها ظهره: أرميها في الزبالة.
خرج بخطوات سريعة، دخل عربيته، خبط على الدريكسيون بغيظ، وهو بيقول بحنق مكتوم
ياخسارة حقيقي خسارة يا سلوى.
في الداخل، جلست سلوى على الأريكة، تحاول تكتم دموعها.
سعدية: ماتفكري يا بت؟ مكي غلبان، مش قادر يعمل حاجة، وسليم ده مفتري.
مجاهد بعقلانية: هي عندها حق، مكي ساب إللي حصل يعدي، ماقالش ولا كلمة ده حتى مارضاش يسيب شغله معاه وحتى لو بنتي غلطت فإللي عمله مع عمار ما يعديش.
سعدية: بس هو بيحبها، يا بت فكري تاني.
سلوى تنهدت: بعد إذنكم، مش عايزة أتكلم دلوقتي.
أنا طالعة أوضتى.
صعد سلوى غرفتها وجلست على الفراش وأخذت تبكي بحرقة: مخترتنيش طبيعي مش هختارك.
فيلا ماسة وسليم السابعة مساءً
عاد سليم من “المجموعة”، وملامحه التي تخفي أكثر مما تُظهر، في المطبخ، كانت سحر تضع اللمسات الأخيرة على العشاء. أما ماسة، فجلست على السفرة تنتظر في صمت، ذراعاها متشابكتان، وعيناها زائغتان في الفراغ.
أقترب منها سليم وهو يخلع ساعته ببطء.
علق بصوت ساخر وهو يراها: كنتي هتاكلي من غيري؟ مش تستنيني؟
لكنها لم ترد.
أضاف بصوت يحمل نبرة لاذعة: المدموزيل متقمصة شخصية الشوكة إللي قدامها؟ والا هي الشوكة نفسها؟ أصل الشوكة شبهك، بتعور، قوية ومفترية.
لم ترد ماسة، لكن إبتسامة خفيفة ظهرت رغماً عنها
قالت بهدوء مشوب بالمرارة: أنا قوية ومفترية؟ أومال إنت إيه؟ ده أنا ضعيفة جداً ياريت كنت قوية.
رد بثقة وهو يرفع حاجبه قليلاً معترضا: إنتي ضعيفة!!!! ماتقوليش على نفسك كده بس، إنتي قوية قال ضعيفة قال؟!
ثم ألتفت نحو سحر وأمرها: بعد كدة ممنوع يتعمل العشا من غيري مفهوم.
هزت سحر رأسها بإيجاب.
نظر لماسـة قائلاً بنبرة ساخرة: هطلع أغير هدومي، ياريت الأستاذة شوكة تستناني.
قلبت وجهها بطفوله وأخرجت لسانها بخفة، ساخرة من تعليقه.
صعد سليم إلى غرفته، فوجد الهاتف على الفراش. أمسكه، وابتسم ابتسامة باهتة: قال لنفسه عنيدة
دخل الحمام، غسّل يديه ووجهه، وأرتدى ملابس البيت ثم نزل مجددًا.
كانت سحر قد بدأت في وضع الطعام.
سألها سليم: سحر مكي قالك هاتي بنت أختك.
سحر وهي تضع الطعام: آه إن شاء الله يا بيه هتيجي بكرة.
تدخلت ماسة وتساءلت: فيه حد جديد هايجي يشتغل.
أجابت سحر: آها بنت أختي وفيّة.
ماسة: اسمها جميل.
علق سليم بنبرة متفائلة: يا رب تكون وفيّة فعلًا زي اسمها.
تحركت سحر وبدأوا بتناول الطعام وبعد ثواني.
نظر سليم إلى ماسة وسألها بنبرة مازحة: العنيدة رجعت التليفون ليه.
أجابت بهدوء دون أن تلتفت إليه: علشان أنا مش تحت مزاجك.
سليم بضيق: هو إيه إللي مش تحت مزاجي يا بنتي أنا بحاول أصلح القرف إللي أنا كنت عامله إنتي بتفكري إزاي؟!
مالت براسها قليلا بدلال لكنه رخم: كده
تحرك سليم بطريقتها: كدة ثم مال برأسه إتجاه آخر ماتخليها كدة.
ماسة وهي تزم شفتيها برفض: أنا حابة إن هي تبقى كدة، أنا حرة بعدين كل المسقعة حلوة.
تناول سليم الطعام وهو يقول: أنا قلت أجيبلك تليفون عشان تكلمي أهلك وتطمني عليهم بحاول أثبت حسن نيتي.
سألته ماسة فجأة: طب ما تخليهم يجوا هنا؟
سليم بإختصار: لا.
ماسة بتعجب وكأنها تستدرجه وهي تاكل: ليه؟!
سليم وهو يتناول الطعام ولا ينظر لها قال بنبرة جافة: أنا حر مش عايزهم يجوا عندي لازم أدي مبرر كفاية اوي تكلميهم في التليفون.
ماسة بإستغراب: ليه؟ مش إنت بتقول إنك اتغيرت؟
والكلام إللي إنت قولته لي إمبارح والنهاردة الصبح ومحتاج فرصة.
سليم هز راسه بإيجاب قال بإنزعاج بنبرة هادئة:
أنا لسة ماتغيرتش بحاول، ماحدش بيتغير في ساعتين، بعدين أنا متضايق ومتعصب منهم جدا خصوصا عمار وسلوى أنا مش ضامن نفسي من إللي ممكن أعمله لو شفتهم قدامي ولا حتى هقبل إن هما يجوا وأنا مش هنا.
هزّت ماسة رأسها ببطء، وملامحها تتقلب بين الألم والقهر.
كان صوتها مكسورًا، يخرج كأنه ينبثق من قلبٍ أنهكه الوجع ومزّقته الخيبات: يعني بتعاقبهم؟ زي مابتعاقبني دلوقتي؟
رفعت عينيها له، والدموع تتساقط منها،وصوتها خرج مهتز وهي تحاول تقاوم:
إنت عارف هم كانوا بيحبوك قد إيه؟ كانوا بيجوا عليّا علشانك ازاي؟! أمي كانت بتكسرني علشانك، أنا اتضربت واتهنت، وكنت كل مرة أقول الحمد لله، كنت وأنا بصلي بحمد ربنا إنك راجل محترم، إنك مش من النوع إللي يذل مراته بأهلها لما يعرف إن هما واقفين معاه ضدها خصوصا بعد
ما ماما رجعتني وقالتلك أضربها وهينها وأعمل فيها إللي إنت عايزه، وعرفت بعدها إن إنت روحتلهم واتخانقت معاهم عشاني دي حاجة أنا ماقدرش أنساها لك، بس بأستغرب من رده فعلك معاهم لإنهم ماذؤكش أنا إللي يمكن أذيتك في المقابل، بتعاقبهم؟! بتعاقب الناس إللي كانت شايفاك ملاك.
كان سليم ينظر إليها في صمت، صدره يعلو ويهبط، وملامحه لا توحي بشيء، سوى صداع خفي يتكون داخله، ويكبر مع كل كلمة تقولها.
سليم متعجباً علق: الغريب انك لسه بدافعي عنهم برغم كل اللى حصلك.
هزت راسها بصوت مكسور: يمكن خذلوني جدا، بس مقدرش أشوفهم بيتأذوا منك وأسكت دول أهلي أبويا وأمي مهما حصل.
تنهد بعمق، ثم وضع الشوكة على الطاولة، وأسند ظهره على ظهر المقعد، محاولًا أن يضبط نبرته:
أنا مش مبسوط إن أهلك بيجوا عليكي عشاني، ولا فرحان إنهم كانوا بيكسروا بنتهم عشاني، حتى لو إنتي غلطانة، أنا عمري ماكنت هسمح لحد يهينك، إنتي عارفة ده.
سكت لحظة، ثم أكمل بصوت منخفض:
بس خليني أقولك، هما كانوا شايفين إنهم بيحموا بيتك، شايفين إنك بتدلعي، وإنك بتكبّري المواضيع. حتى لو أنا تصرفت غلط، زي مثلا ردة فعلك على إللي كنت بعمله معاكي كانت أكبر من أي خطأ.. وصلتك انك تهربي؟ تهربي لكذا مرة؟ ده كان أكبر غلط.
رفعت ماسة نظرها إليه للحظة، ثم خفضته من جديد. بصوت خافت قالت: أنا عارفة، عارفة وجهة نظرهم، وعارفة إني يمكن غلطت وإن بهروبي كنت بدّي إللي عملته حجم أكبر من حجمه، عشان كدة أول مرة اتراجعت، بس هل إنت؟ لما رجعتني هنا، ماعملتش نفس الغلط؟
سليم بنبرة موجوعة: أيوه،أنا كبرت الموضوع، وغلطت، بس يا ماسة، أنا لسة لحد دلوقتي بعتذر، ومستعد لأي حاجة إلا الطلاق، أو إنك تمشي من هنا.، محتاج فرصة.
رفعت الشوكة من الطبق، وقالت وهي تتابع الطعام دون اهتمام: إنت ماتستاهلش فرصة، إنت أخدت فرص كتير.
قاطَعها، وهو يعدّ على أصابعه: قولي لي فين الفرصة إللي ماستحقتهاش؟ أنا عارف إن أول سنين جوازنا كنت مش كويس، وكنت زوج صعب، وإنك اتحملتي كتير، بس في كل مرة كنت بطلب فيها فرصة، كنت بنجح، واتغيرت كتير إنتي عارفة ده.
صمتت، ثم قالت بعد لحظة نظرت له قالت بنبرة هادئه: إنت اتغيرت مستحيل أنكر ده، بس واضح إنه مش كفاية، إللي عملته لما جبتني هنا كان بشع، ولسة لحد دلوقتي مكمل استبدادك، وبتقول مش هايجوا هنا، وكفاية تليفون. مش هتخرجي، ومش هتطلقي، شايف ده طبيعي؟
سليم بنبرة شبه منفعلة: هو لما أحب مراتي وأتمسك بيها أبقى مش طبيعي؟ أنا ممكن أتنازل وأجيبلك أهلك، بس سلوى وعمار لا، أنا مش طايقهم، سلوى كانت المفروض تبقى صوت العقل، تقولك بلاش، تهديكي لكن هي ساعدتك مش بس كده رفضت تقول لي مكانك، وأنا كنت هتجنن، كان ممكن أخسرك بسببها كان ممكن يحصلك حاجة وإنتي لوحدك في بلد بعيدة وغريبة لأول مرة؟! وعمار؟ عمار خدك من بين إيديا، كان عايز يحرمني منك، إزاي عايزني أتقبل ده عادي وأغفر لهم؟!
تنهدت ماسة بتعب قالت بنبرة أكثر ألمًا:
همت بيحبوني، زي ما إنت بتحبني ومستعد تحرق العالم عشاني، هما كانوا عايزين يحموني من آذاك.
سليم بنبرة مهتزة: بس إنتي عارفة إني مستحيل أاذيكي.
ماسة بإنكسار: بس عندك استعداد تأذيهم.
تنهدت وهي تهز رأسها بيأس تابعت:
أنا مش طالبة منك حاجة، غير إن أهلي يجولي. بس كده لو فعلا عايز تبين حسن نيتك يا كلهم يا لا.
رفع حاجبيه مستنكرًا: يعني إنتي شايفة إن ده وقت مساومة؟
ماسة بنبرة حاسمة، صوتها يهتز من القهر: أنا شايفة إن ده وقت بيأكد لي إنك لسة زي ما إنت قاسي، مستبد، ومحب للتملك، وطول ما إنت كدة مش هسامحك، وخلي بالك، كل يوم بتوسع المسافة بيني وبينك بإيدك.
تابعت بحدة لكنها هادئة: مش هقولك تاني أنا مش بس هنا علشان أوجعك، أنا هنا عشان أحمي أهلي منك ومن بطشك، أنا عارفة كويس إنت ممكن تعمل إيه؟! خيالي نفسه مايقدرش يوصل للي ممكن يحصل لو ممشتش على خطاك مش ده كلامك.
حاول سليم أن يتمسك بشيء من الهدوء: بطلي عناد يا ماسة، خلى باباكي ومامتك يجولك، وخلصينا وسلوى وعمار لما أهدى من نحيتهم هشوف، بكرة هبعت أجبلك مجاهد وسعدية.
نظرت له بعند وتصميم: والله العظيم لو جبتهم، ماهنزل من أوضتي.
رد بتنهيدة فيها قهر: إنتي عنيدة.
رمقته بنظرة هادئة، فيها تحدٍ: مش مهم، المهم إني مرتاحة كده يا كلهم يا مش عايزة ونصيحة ماتطلبش فرص طول ما إنت كدة؟!
هز رأسه وقال بإصرار: أنا مش هبطل أطلب الفرصة، كل إنسان يستحق فرصة.
ردت دون تردد: أول ما أحس إن أهلي بأمان منك، وقتها أفكر أديك فرصة، غير كده لأ.
رفع عينيه إليها بنظرة فيها خيبة: أنا مش قادر أوعدك بحاجات معرفش أعملها، بس إللي أقدر أوعدك بيه، إني هحاول اتغير، وأسيطر على غضبي.
نظرت له للحظة طويلة، ثم قالت بحسرة: والله خسارة، أحساس مرعب محطم للقلب، لما توصل الواحدة لمرحلة إنها تخاف على أهلها من جوزها إللي المفروض أمانها، وده إللي بعيشه معاك ده إنت حتى مش قادر توعدني إنك مش هتعملهم حاجة والله خسارة ..
مسحت دموعها بمرارة تنهدت بألم:
على العموم، شكرًا على إللي عملته فوق، كنت محتاجاه.
نهضت من مكانها، وتحركت بإتجاه الدرج.
سليم بصوت منخفض: مش هتكملي أكلك؟
أجابت بهدوء: شبعت، تصبح على خير يا سجاني.
قال من مكانه وهو ينظر أمامه بنبرة موجوعة: اسمي سليم.
ردت دون أن تلتفت: طول ما إنت على حالك، هفضل أقولك سجاني.
جزّ سليم على أسنانه بغضب، ثم فجأة، مدّ يده ودفع بكل ما على المائدة، فتبعثرت الأطباق والكؤوس وسط صخبٍ عبثي يعكس صخبه الداخلي، كان الغيظ يتدفّق في عروقه، لا من الآخرين، بل من نفسه.، من عجزه عن كبح نيرانه، ومن يقينه القاطع بأنه، إن وقف أحد من عائلتها في طريقه، فلن يستطيع أن يعدها بالرحمة.
بينما صعدت هي إلى غرفتها، وجسدها يتثاقل كأن كل كلمة قالتها سحبت جزءًا منها، جلست على الأرض، استندت إلى الباب، واحتضنت ركبتيها بصمت، دموعها أنهمرت بصوت خافت، بكاء مكتوم، لم يكن ضعفًا بقدر ما كان إحتراقًا داخليًّا، كأنها تذوب من الداخل، لكنها لم تصرخ، فقط بكت.
♥️______بقلمي_ليلةعادل_______♥️
مجموعة الراوي، العاشرة صباحاً
مكتب سليم
سليم جالسًا خلف مكتبه، يتحدث مع عزت بهدوء.
دخل مكي فجأة، دون أن يستأذن، فنظر له سليم وقال: تعالى يا مكي
ثم نظر لعزت: خلاص أنا هسافر
عزت: لو مش عايز تسافر أبعت طه.
سليم بثبات: لا، أنا محتاج أسافر، قولّي رشدي قالك إيه؟!
عزت تنهد: أنا عايزك تسيبه، ماتركزش معاه، رشدي هيفضل طول عمره رشدي.
سليم أسند ظهره للخلف وقال بحسم: طب بلغه إنه من النهاردة برة المجموعة، وإن كل أول شهر هايوصل له مصروفه، ولو عايز ييجي ييجي فسحة علشان يطمن على مشروعه الخاص اليتيم إللي ليه فيه نسبة ٤٠٪، غير كده لا.
عزت وهو يهم بالخروج: هبلغه، أنا هروح ألف على المصانع شوية.
خرج عزت بينما تبادل مكي النظرات مع سليم، ثم سأله: ماتخلي أي حد يسافر مكانك؟
سليم بنبرة مرهقة: تؤ، أنا إللي هسافر، محتاج أبعد، محتاج أهدي دماغي، ماسة لسة ماعندة، أنا سألتها، طلعت فعلاً قالت لسلوى تبعد عنك عشان ماتعيش نفس المصير، يعني إنك ممكن تهددها أو تعمل فيها زي ما أنا بعمل.
مكي هز راسه بحسرة أخرج أنفاس ساخنة: الشيء المتوقع، هي قالت، والتانية صدقت وتعاملت على الأساس ده، من غير ماتفكر، أنا روحتلها إمبارح، وللأسف لسة ماعندة، مش عايزة تسمع غير دماغها، بايعة على الآخر.
تنهد سليم قال بعقلانية بنبرة دافئة: بس أنا مش عايزك تيأس، عايزك تجرب تاني.
مكي هز رأسه برفض: مش دلوقتي خالص، لإن أنا متضايق، أنا حتى مش بروّح البيت عشان أمي ماتفضلش تتكلم.
شعر سليم بألم في معدته، وضع يده عليها، فإنتبه مكي: إنت تعبان؟
سليم حاول يخفي الألم: معدتي وجعاني شوية، بقالها فترة كده، اليومين دول زادت.
مكي بقلق: طب ماتكشف.
سليم هز راسه بإيجاب وهو يحاول تحمل الالم: أنا هكلم الدكتور،وأخد معاد. بقول لك إيه، أنا هروح البيت أجهز شنطتي، عشان هسافر، إنت هتفضل هنا مع ماسة، عشري هييجي معايا يلا خلينا نمشى.
وبالفعل تحرك سليم مع مكي للأسفل حتى السيارات، وأنطلق إلى الفيلا.
فيلا ماسة وسليم الحادية عشر صباحاً.
كانت ماسة قد استيقظت للتو، هبطت للأسفل، أعدت فطورها، وجلست في الحديقة تحتسي النسكافيه بصمت.
فور أن وصل سليم إلى الفيلا وهبط من السيارة، توقف أمام عشري وقال
سليم بهدوء: عشري هتروح تجيب مجاهد وسعدية، بس، مفهوم؟ وأي حد تاني يقولك عايز ييجي، تقول له سليم بيه مأمرش بكده، بدل مايلغي المقابلة كلها، وتبقى حاسم معاهم.
عشري بثقة: أمرك يا ملك
أنطلق عشري، بينما مكي وقف جنب سليم:
حلوة الخطوة دي، بس ليه مش عايز إخواتها ييجوا؟
سليم تنفس بصعوبة، كأنه بيكتم بركان:
أنا متعصب منهم، لو شفتهم قدامي، مش عارف هعمل إيه؟! لسة مش قادر أسامح سلوى إنها ساعدت ماسة تهرب، ومارضيتش تقول لي مكانها، والتاني تحداني، كان عايز ياخدها مني، وأنا إيش ضامني لو جه هنا وأنا مش موجود، مايحاولش ياخدها؟ وساعتها أنا مدي أوامر للحراس، لو حد فكر يساعد ماسة من غير تفكير، رصاصة في نص دماغه.
مكي حاول يهدّيه وهو يشير بأيده:، طب إهدى
تابع سليم على ذات النبرة المنفعلة: ولو جه وأنا موجود والموقف اياه اتكرر، أنا ممكن أعمل نفس الغلطة، لسة ما عنديش ثبات إنفعالي في الموضوع ده.
مكي هز راسه: طيب إهدى، أنا هبقى موجود بوعدك إللي حصل المرة إللي فاتت مش هايتكرر.
نظر له سليم بحدة: إنت مابتعملش حاجة، بتفضل حاطط في اعتبارك إنهم أهل سلوى. قلتلك عمار وسلوى لأ، ماتضايقنيش بقى.
وضع يده على بطنه مرة أخرى، ثم تحسس قدمه.
انتبه مكي قال بقلق: أنا هتصل أحجزلك عند دكتور وفيق، عشان موضوع رجلك ومعدتك، ده ممكن يكون من أثر الرصاصة.
سليم بإقتناع: ماشي خليها بعد بكرة.
ثم تحرك سليم بينما قال مكي بصوت عالي: أهدَى يا سليم. أهدَى.
نظر له سليم، وهز رأسه بإيجاب، ثم دخل إلى الداخل، صعد للدور الثاني، فتح غرفة ماسة، لكنها لم تكن بها. عبس وجهه، ثم هبط للأسفل، وتوجّه إلى المطبخ.
المطبخ
كانت تتوقف سحر تقوم بغسل بعض الصحون بينما تجلس الخادمة الجديدة وفية تبلغ ١٨ سنة، ملامحها عادية. وهي تقوم بقطف الملوخية على الطاوله.
فور أن رآها قال: سحر، ماسة هانم فين؟
سحر: في الجنينة.
وقعت عين سليم على الفتاة، قال: بنت أخوكي؟
سحر: بنت أختي.
سليم قال بنبرة صارمة: قلتلها القوانين؟
سحر: قلتلها على كل حاجة.
سليم سأل: ماسة هانم شافتها؟
سحر: لأ، هي يدوبك فطرت في الأوضة، ودخلت على الجنينة على طول.
سليم هز راسه بإيجاب: طب من فضلك أطلعي حضريلي شنطة هدومي علشان مسافر، طقم واحد، أنا هرجع بكرة بالليل، حاجة للنوم وبدلة؟ خديها معاكي علشان تعرفيها نظامي.
قال كلماته تلك وتحرك للخارج
فور خروجه نظرت وفية لسحر وقالت: ده شكله رخم اوي يا خالتي.
سحر بهدوء: سليم بيه طيب جدًا، بس هو عصبي شوية، بس هتلاقي في حاجة مضايقاه، ومراته أطيب وأطيب، هما الفترة دي كده، ربنا يصلح لهم الحال يلا تعالي معايا.
الحديقة.
خرج سليم إلى الحديقة، يسير بخطى متثاقلة يتبعها صمتٌ ثقيل.
كانت ماسة تجلس هناك، على المقعد الخشبي تحت ظل الياسمينة، تحتسي النسكافيه بصمتٍ شارد، وعيناها معلّقتان بنقطةٍ ما في الفراغ، كأنها تحاور نفسها، كانت تفكر بما حدث في الليلة الماضية، هل ظلمته حين أغلقت الأبواب في وجهه، حين رفضت أن تمنحه فرصة؟
أم أنه هو من جرحها، حين لم يستطع أن يمنحها وعدًا، وعدًا صغيرًا فقط، بأنه لن يمسّ عائلتها، مهما بلغ غضبه؟
أيّهما كان على صواب؟ وأيّهما ازداد الآخر وجعًا؟
أسئلة كانت تنهش قلبها، تمامًا كما كان الغضب ينهش قلبه.
اقترب سليم توقف بجانبها قال بنبرة ناعمه: مساء الخير
رفعت حاجبيها، دون رد.
قال بنبرة ساخطة: مش هتبطلي بقى الأسلوب السخيف ده؟
لكنها لم ترد.
زفر بإختناق قال بهدوء: أنا بعت عشري يجيبلك سعدية ومجاهد، أنا مسافر وراجع بكرة بالليل هيقعدوا معاكي ساعتين ثلاثة كده، وأتمنى إنك ماتعمليش حاجة تخليني أندم على الخطوة دي، أنا مش هبقى موجود، صح، بس مكي معاكي، والحراس واخدين أوامر يوقفوا بيها أي مهزلة ممكن تحصل وهنا.
لم تعد قادرة على الصمت، حديثه أغضبها، فهو يهددها مجددًا، للمرة التي لم تعد تحصيها، رغم أنه بالأمس فقط كان يطلب فرصة، واليوم… كأنه شخص آخر تمامًا.
توقفت ماسة، رمقته بنظرة سريعة من أعلى إلى أسفل، ثم قالت بمرارة:
إنت مبهر يا أخي، أنا لو في دماغي أو قلبي في ذرة مسامحة ليك، إنت بتمسحها بأستيكة، إللي يشوفك إمبارح وإنت عمال تعيط، وتمسكني مسدس، تطلب السماح وفرصة، وتحسسني إن أنا إللي جبّارة، أنا إللي ماستاهلش حبك ولا مغفرتك، لكن إللي يشوفك دلوقتي وإنت بتحط قوانينك، وكلامك إللي متلون بالتهديد، يقول إنت واحد تاني، مش بقولك إنت مريض؟ إنت إنسان مريض، يعني إيه حراسك واخدين أوامر؟ يعني لو بابا مثلًا خدني من إيدي وشدّني وعمل إللي عمله عمار، خنازيرك الأوفياء يضربوه بالرصاص؟ مش ده كده!
سليم ببرود: هو ده إللي عندي، يا ماسة، قلتلك أنا عندي استعداد…
قاطعت جملته وأكملتها بطريقته: تحرق الدنيا كلها، ولا إن أبعد عنك…
تنهدت بيأس نظرت أمامها وكأنها قبلت شروطه:
ما تقلقيش، مش هعمل حاجة..
نظرت له مرة أخرى تساءلت بأستغراب:
وبعدين، إنت ليه ماجبتش عمار وسلوى ويوسف.
سليم بحسم: يوسف؟ هفكر، لكن سلوى وعمار، أنسيهم. قلتلك، لحد ماهدى منهم، عمار ممكن يعمل أي حاجة تنرفزني، سواء كنت موجود أو مش موجود مش هيدخلوا هنا.
ماسة بعينين مترقرقة بالدموع:
مش بقولك؟ إنت بتندمني على أي لحظة فكرت فيها أسامحك، مش بقولك: إنت مبدع، هتعرف تخليني أكرهك، وأنا بقيت فعلاً بكرهك، وبكره قلبي إللي حبك،
صمت للحظه وهي تمرر عينيها عليه قالت بخذلان:
إنت من إمتى بقيت كده؟ إمتى هتشفق عليا؟ كام مرة ناوي تقتلني بطريقتك دي؟ هو انت معندكش ضمير؟ عمرك فكرت إن قراراتك وشروطك وطريقتك بتوجعني؟ بتأذيني؟
مافكرتش ولو مرة، إزاي بيجيلك قلب تقولّي الكلام ده وانت باصص جوه عنينا ؟! وتطلب مني أقبل وأسكت؟ إزاي مصدّق نفسك؟ إنت ليه مصمم.د تشوه صورتك وتكسرني بتوجعني أكتر؟
مسحت دموعها بوجع قالت بحسم:
أنا مش عايزة منك حاجة، عايزاك تبعد عني، عن أهلي، وسيبنا في حالنا، وبطل تمثّل إنك طيب، عشان إنت مش طيب، إنت مش عايز تتنازل، ومش هتعمل غير إللي إنت عايزه وتمشينا جوه مسارك وبس.
نظر لها سليم قال مفسرا: إنتي ليه واخداها تهديد؟! ليه متاخديهاش إنه تحذير أو توضيح بفهمك ماسة، مش هقولك تاني، باباكي ومامتك هاييجوا، تقابليهم وتقعدي معاهم براحتك، بس ماتعمليش حاجة تخليني أندم، أما عمار وسلوى ممنوع يدخلو من بوابة الفيلا يوسف لما أفكر هقرر وقولك.
جزت ماسة على اسنانها قالت بحسم:
وأنا مش هقولك تاني، ماتجيبهمش، عشان أنا مابأمنش عليهم في البيت ده وفي وجودك، ده قرار نهائي مش هخليك تمشيني على مسارك تاني ياسجاني.
رفع سليم حاجبه بغضب مكتوم: قرار نهائي يعني
نظرت ماسة داخل عينع بحسم: أيوه، قرار نهائي.
سليم بضجر: كدة تمام رفع هاتفه، وقال بهدوء قاتل وهو ينظر داخل عينيها: عشري، وصلت؟
رد عشري: لسة يا ملك، قربت.
سليم بحسم: لف وأرجع
أغلق الخط نظر سليم لماسة قائلا: أنا كده عملت إللي عليا عموما العرض بتاعي مستمر بلا نهاية بس القواعد والشروط مش هاتنازل عنها حتى التليفون أنا حطيته ليكي في الكومود في أوضتي والخيار خيارك.
نظرت له ماسة وهي تنهار لكن نبرتها هادية: وسع المسافة، وسعها براحتك، إنت كل مرة بتثبتلي إنك ماتستحقش المسامحة.
جلست ماسة بصمت، تحاول أن تتمالك دموعها، فيما كان قلبها يحترق كقطعةٍ من الجمر، يتلوّى تحت وطأة الوجع، وبرغم كل ما حدث، لا تزال تحاول منحه فرصة لكنها، في كل مرة، تندم.
ظلّ سليم يحدّق فيها طويلاً، وصراعٌ داخليّ يعصف به.
يعلم جيدًا أنه أخطأ، بل لا ينكر ذلك، لكن الخوف ينهشه من الداخل؛ خوفه من نفسه، ومن عائلتها، لا سيما عمار، الذي يشعر حياله بتهديد حقيقي، وحق له ذلك، فذلك التهديد قادم لا محالة.
لم يكن الأمر عنده كبرياءً، ولا رغبة في فرض السيطرة، بل كان خوفًا خوف من فقدانها، من أن تُنتزع منه مجددًا، من أن تعبث العائلة بعقلها كما في السابق، فتعود للهروب، هو يرى أن ما يفعله حماية، وكلّه نابع من عشقه، عشقه المجنون.
لكن ماسة، لم ترَ في عينيه ذلك، بل رأت رجلاً يلوّح بالتهديد، يفرض شروطًا، ولا يمنح الأمان.
وهي الآن، في مرحلة لم تعد تسمح لها لا بالتحليل، ولا بالتنازل، هي تخافه، نعم، تخافه حقًا، لأنه حتى هذه اللحظة، لم يمنحها الأمان الذي ترجوه.
وفي النهاية، لا يمكن لوم أحدهما دون الآخر… فهما معًا أضاعا الطريق.
عاد سليم إلى حيث كان مكي وعشري واقفَين قرب السيارة، وكانت سحر قد أنزلت الحقيبة
اقترب أحد الحراس ووضع حقيبته في صندوق السيارة الخلفي، بينما ظلّ هو واقفًا، يحدّق في الفراغ لا يعلم إن كان يغادر فعلاً، أم يفرّ من وجعه، بعد ثواني تنهد وقال
سليم بنبرة حاسمة: عشري، إنت هاتيجي معايا.
عشري: أمرك يا ملك، طب ممكن تديني دقيقة أجيبلي طقم من الاستراحة؟
سليم: أنجز بس.
سأل مكي متعجباً: هو إنت مش قلت إن عشري راح يجيب مجاهد وسعدية؟
سليم تنهد بتعب: ماسة مش عايزة تشوفهم غير بوجود عمار وسلوى، وأظن إني فهمتك وجهة نظري
مكي بضيق: تفكيرك غلط، إزاي عايز تصلح العلاقة ما بينكم وبتعتذر، ولسة مصر أنك تمشي في طريق كله شوك وتفرض شروط، وعمال توسع المسافة بينكم؟
سليم بضجر من حاله: أنا مش عارف أسيطر على غضبي: أنا لا بثق فيها، ولا فيهم، وبالأخص عمار، وبعدين، هي حلفت إنها مش هتقابلهم، يعني هي كمان بتعاند رغم إني فهمتها قلت لها يا ماسة الفترة دي متعصب منهم بس هي معاندى وبس مش عايزة تتنازل ولا تفهمني طب متقبل دلوقت بمجاهد وسعدية ايه مشكلة؟!
مكي أنفعل:
أنا عايز أفهم، هي بتعاندك على أساس إيه؟ سليم، بص، إنت غلطان، وأنا بقولك إنك غلطان. بس إنت عندك مبرر، هي بقى؟ ماعندهاش، ولا هنفضل نحلل موقفها ونلتمس لها الأعذار، هي برضه لازم تفهم إن أي راجل حر طبيعي كان ممكن يعمل إللي إنت عملته، وأكتر كمان.
نظر له سليم باستغراب: مالك متعصب كده ليه؟
مكي أنفجر: مش قادر أستوعبها! إنت اعتذرت، ولسة مصممة. إنت غلطت؟ تمام. أعترفت بغلطك؟ تمام. طب مش المفروض هي كمان تعترف بغلطها وتقول كانت بتعمل كده ليه؟ وننهي بقى المسرحيه الرخيصة دي، لكن لأ، هي عنيدة، عنيدة زي أختها. الأتنين دول خدوا وش، خدوا حب بزيادة، ففرضوا نفسهم بزيادة.
سليم بنبرة هادية: أنا عارف إنت بتتكلم كدة عشان منزعج، ومتعصب. وكانت السبب…
قاطعه مكي: لو ماسة سبب، فسلوى سبب أكبر. سمعت كلامها من غير تفكير. مش هقول لك الجملة دي تاني، أنا زعلان عليك، حاسس إنك بتحب حد مايستاهلش.
سليم نظر له وقلب عينه، وقال: مكي، قفل على الموضوع ده قلتلك ماسة خط أحمر، علشان مانخسرش بعض أنا وهي غلطانين وأنا الأكتر علشان أنا الراجل أنت لسه قايل ماينفعش أفرض شروط قفل على الموضوع ده…
رجاء محدش ينسى يضغط على النجمه وكتبلولي كومنتات بين السطور ❤️
باقي الفصل السابع والسبعون
باقي الفصل ٧٧👇
صعد سليم إلى السيارة بصمت، بينما مكي نظر له بضيق، وتمتم: والله العظيم حبك ده شكله هيضيعك
في تلك اللحظة، جاء عشري وهو يضع الحقيبة قال له مكي بتنببه: خد بالك منه كويس، خلي المسكن دايمًا معاك، رجله بتوجعه الأيام دي كتير
أومأ عشري برأسه، ثم صعد إلى المقعد بجانب السائق، تحركت السيارة، وخلفها سيارات الحراس.
بينما ظل مكي ينظر لأثاره بإختناق
وبالفعل، سافر سليم إلى وجهته في مدينة السويس، لإنهاء بعض الأعمال المعلّقة.
أما ماسة، فبقيت في الفيلا، تجلس في الحديقة تبكي بصمت من أفعاله هذا الثبات المؤلم في طباعه فهو لا يتغير، وبعد وقتٍ من الشرود، صعدت إلى غرفتها، توقفت أمام المرآة، وعاد إلى ذاكرتها وعدٌ قطعته على نفسها: أنها ستوجعه كما أوجعها لكنها حتى الآن لم تفعل كيف؟! كان داخلها يقول إنه لا يستحق المغفرة، ما دام لا يزال يهدّدها بأعزّ ما تملك، لكنها لا تعرف من أين تبدأ، ولا ماذا تفعل، وضعت يديها على شعرها، ثم ابتسمت بخفوت، يبدو أنها وصلت إلى فكرة، فتحت الدرج، وأخذت تبحث إلى أن أمسكت بالمقص، دخلت إلى الخزانة، اختارت بعض الملابس، ثم ذهبت إلى الحمّام، واتحممت وحين خرجت، كانت تلفّ شعرها بإيشارب، لا يظهر منه إلا الجزء الأمامي، لم تتناول الطعام في ذلك اليوم، إذ كان حزنها شديدًا، وقلبها يعتصره الألم.
في المقابل، لم يكن سليم مركزًا تمامًا في عمله، رغم انشغاله، كان يطمئن عليها من خلال سحر، ومن خلال كاميرات الفيلا، وعندما علم أنها لم تأكل شيئًا، انتابه القلق، لكنّه اطمأن قليلًا حين عرف أنها شربت شيئًا، وتناولت إفطارها في صباح اليوم التالي.
في اليوم الثاني، ظل سليم غارقًا في العمل، أما ماسة، فقد بدت طبيعية، أكلت جيدًا، لكنها لم تفك الإيشارب عن شعرها، مما لفت انتباه سليم، وإن لم يدرك مغزاه.، وفي تلك الليلة، عاد سليم إلى الفيلا وهو يحمل بين يديه باقة من ورد القرنفل، الذي يعرف جيدًا كم تعشقه، أول مافعله أن صعد مباشرة إلى غرفة ماسة، كان مشتاقًا لها، ويود أن يراها بعينيه، يطمئن عليها بنفسه، أما ماسة، فرغم أنها لم تكن تعرف موعد عودته بدقة، إلا أنها شعرت أنه سيعود هذه الليلة، لقد بدأت تحفظ عاداته… وخصوصًا حين يشتاق.
غرفة ماسة، الثامنة مساءً
دخل سليم الغرفة ونظر لها بابتسامة مشتاقة
كانت ماسة جالسة على الفراش، في وضع بدا مثيرًا قليلًا، ترتدي فستانًا زيتي اللون بحمّالات رفيعة، ومازال الأشرب يغطي شعرها، كما فعلت منذ الأمس.
سليم بصوت هادئ: مساء الخير
ماسة، دون أن تتحرك، بنبرة ساخطة: هي مامي فايزة ماعلمتكش أصول الإتيكيت؟ حتى لو داخل على مراتك لازم تخبط على الباب، يمكن أكون بعمل حاجة نسائية مثلًا؟!
سليم وهو يبتسم ويقترب من الفراش: مابياكلش معايا الإتيكيت ده.
مد يده بالورد نحوها نظرت إليه بنظرة باردة: إنت عارف كويس إني مش هاخده، وبعدين صبار بيجيب قرنفل؟! أوعى تجرحه بشوكك، وسمك يموته!
سليم بصوت هادئ: وليه ماتقوليش إنه هو إللي ممكن يهديني ويطيبني ويعالِجني ويشيل الشوك مني؟ بدل مابقى صبار، أبقى فل وأرجع تاني كراميل بدل السجنجن.
ضحكت ماسة بخفة: الصبار هيفضل طول عمره صبار يا سجنجن.
سليم تنهد بتعب: يعني مش هتاخدي الورد؟
رفعت ماسة حاجبيها للأعلى، بالرفض الواضح.
تنهد سليم ووضع الباقة على الفراش، ثم نظر إلى الأيشارب على رأسها وسأل بمزاح ساخر: اتحجبتي؟
ماسة بإبتسامة خبيثة: عاملالك مفاجأة
سليم وهو يرفع حاجبيه: إللي هي إيه؟
رفعت الأشرب ببطء، فكشف شعرها الجديد، قصة كاريه حادة، وغير متوقعة. لكنها كانت غير مستوية، وكأنها قُصّت بيد مرتجفة.
نظر إليها سليم بدهشة، لم يكن يتوقع ذلك أبدًا
ضيقت عينيها، كأنها تحاول أن تقرأ ردة فعله، تعرف أنها طعنته بهذا الفعل، تعرف كم يحب شعرها الطويل، وكم رفض مرارًا قصه.
رمش بعينيه قليلًا، وظل صامتًا.
قالت بنبرة باردة: الصدمة أكبر من استيعابك للدرجة دي اجبلك ميه!؟
لكنه تبسّم فجأة، وغير قواعد اللعبة: تحفـة.
نظرت له ماسة بدهشة شديدة، لم تكن تنتظر ذلك كانت تنتظر غضبًا: تحفة؟! هو إيه إللي تحفة؟
سليم وهو يومئ بإعجاب: القصة، تحفة بجد، شكلك زي القمر، ماكنتش متوقّع إنك هتبقي بالجمال ده وإنتِ شعرك قصير، ياريتني وافقتك من زمان، النيولوك ده تحفه… تحفـة.
ماسة اتسعت عيناها: يعني إنت مش متضايق؟
ضحك سليم: خالص! هتضايق ليه؟ هو إنتِ عاملاه كده عشان تغيظيني؟ يعني هتوجعيني بالهبل ده؟
ماسةبإصرار: قول إللي تقوله، بس والله العظيم إنت متضايق، وبتحاول تضيع فرحتي، بس أنا متأكدة إنك زعلان من جواك، وهتموت.
سليم بسخرية وهو يضحك: هموت عشان قصيتي شعرك؟!
ماسة: أيوه، عشان إنت كنت بتحبه.
أقترب منها وقال بنبرة أهدأ بحب: أنا بحبك إنتِ ومادام إنتِ لسة معايا، يبقى ده المهم، بشعر قصير، بشعر طويل، حتى لو قرعة، مش فارق معايا، أنا بحبك إنتي بجميع أحوالك يا ماستي المتمردة.
مدّ يده، ومررها على شعرها القصير بنبرة مداعبة:
بس بجد، تحفة، بس مش متساوي أجيبلك البنت هنا تظبطه ليكي؟
ماسة أبعدت يده بعنف وقالت بغيظ: مش عايزة منك حاجة عاجبني كدة.
ضحك سليم، وغمز لها وهو يقترب منها: واحد صفر المرّة دي أنا إللي كسبت، فكري في فكرة تاني، يا مجنونة يا عنيدة، عشان توجعي قلبي بيها.
ثم تركها وهو يضحك، لكن الضحكة كانت سطحية، تخفي وراءها غليانًا داخليًا.
ماسة رمقته بنظرة حادة، ثم أمسكت بأحد الفازات على الطاولة وألقتها على الأرض بقوة، تحطمت.
صرخت خلفه: والله العظيم إنت متضايق!
دخل سليم غرفته، وهناك ترك الغضب يفضح نفسه، فكّ ربطة عنقه بعنف، شدّها حتى كادت تخنقه، ثم ألقاها أرضًا.
تمتم بغضب وهو يتحرك في الغرفة: عنيدة… عنيدة مستفزة، قصة شعرها الغبية، مش عارف في عناد للدرجة دي؟ صمت للحظه وكأنه تذكر:
آه أكيد كانت أكتر من مرة مستعدة تعرض نفسها للخطر بس عشان تغيظني، وتثبت إنها صح
فتح أحد الأدراج، نظر إلى الهاتف ما زال كما هو تنهد وتمتم بسخرية مرة: ماشي يا ماسة أما نشوف آخرتها معاكي ومع عنادك إيه.
أثناء ذلك طرَقَ الباب، ودخلت سحر.
رفع سليم عينيه نحوها وهو يبدو منهكًا: أفندم يا سحر؟
بخفوت: أحضرلك العشا.
وهو يتحسّس معدته: ماشي، هي ماسة هانم هتتعشى؟
سحر: هتاكل في أوضتها.
سليم: ماشي، وأنا كمان هاكل هنا.
سحر وهي تتأمله: شكلك تعبان يا بيه.
تنهد سليم: شويه.
أخرج من جيبه علبة دواء، تناول حبة منها، ثم عاد ليستلقي على ظهره في الفراش، ملامحه كانت منهكة، ليست من المرض فقط، بل من شيء أعمق.
خرجت سحر في صمت، بعد دقائق، عادت وهي تحمل صينية الطعام.
سحر: سليم بيه.
نهض من مكانه وهو يومئ نحو الطاولة: حطيهم هنا.
بدأ في تناول الطعام بصمت، ثم قال بنبرة خفيفة:
بقولك إيه، لو ماسة طلبت منك تليفونك تتكلم فيه أديها.
سحر: أمرك.
خرجت سحر بدا سليم يتناول الطعام بصمت
خلال الأيام التالية…
تدهورت العلاقة بين ماسة وسليم، كانت تهبط لأسفل فقط في غيابه عندما يكون في المجموعة، وما أن يعود حتى تختفي في غرفتها، وكأنها تهرب حتى من ظلّه وهذا كان يثير جنونه كان لا يراها الا فقط عبر الشاشات.
فيلا ماسة وسليم الخامسة مساءً
دخل سليم من الباب الرئيسي في موعده المعتاد، وما إن رأته ماسة حتى نهضت لتصعد غرفتها، لكنه أوقفها، وأمسك بذراعها وهي على أول درجات السلم.
سليم: تعالي هنا، هو إنتي كل ماتشوفيني تمشي؟ إيه شفتي عفريت؟
ماسة نظرت له بجمود: لا سجان، وبعدين أنا مش طايقة أشوفك، مش عايزة أشوفك شوفتك بتقفلني بتخنقني بتتعبني نفسيًا.
سليم بتعصّب: بلاش طولة اللسان دي؟
ماسة بنبرة مكسورة: دي مش طولة لسان، دي مشاعر، أنا كل مابشوفك بفتكر كلامك بفتكر تهديداتك، مساوماتك، بفتكر إني حبيت واحد زيك فطبيعي، مش هحب أقعد معاه.
سليم بتنهيدة ثقيلة: طب سيبك من الانتقامات العبيطة دي، تعالي نخرج تحبي أوديكي مكان معين؟ أنا الفترة الجاية، هكون مشغول شوية.
ماسة بتعجب: إيه ده؟ إنت سخن ولا إيه؟ هتسمحلي أخرج؟
سليم بنبرة موجوعه: اممم تعالي نسافر ماتسمعي كلام وتريحي قلبي وخلينا نمشي من هنا.
لم ترد فقط صمت تنهد سليم بتعب أغمض عينه للحظه اخرج انفاس ساخنه:قال: طب تعالي نخرج.
ماسة بضجر: تفتكر إني هقبل أخرج معاك؟ أنا مش طايقة أشوفك بقولك؟
صمتت للحظه ثم قالت: طب خلاص وديني عند ماما.
سليم: مروح هناك مرفوض، أجيبلك باباكي ومامتك هنا، غير كده غير مسموح.
ماسه بغضب مكتوم: أنا عمري ماشفت كدة واحد عايز يصلح إللي عمله مع مراته ويصلح أخطاء الماضي يوريها إن هو قد إيه بقى حد كويس ويستاهل الفرصة يقعد يساومها وبيحط شروط.
سليم بتوضيح: يا بنتي مش شروط قلتلك مش هعرف أمسك غضبي لو حد فيهم عمل حاجة، أقبلي باللي بقوله علشان إنتي إللي هتخسري.
ارتسمت على شفتي ماسة نصف إبتسامة وجع قالت بمرارة بعينين ترقرق بدموع: هو في أكتر من إللي خسرته؟!أنا خسرت قلبي، خسرت الراجل إللي حبيته واتجوزته، وجعك جوايا كل يوم بيزيد، وإنت مش شايف نفسك غلطان عموما أنا مستعدة أقبل بشروطك وهستكفى بـ بابا وماما أهو، بتنازل بس عايزه شرط.
سليم بجمود: أسمع الشرط الأول.
ماسة: حاضر.
نظرت له بثبات: تقدر توعدني إنك مش هتعمل فيهم حاجة لو حد تجاوز في حقك أو يعني فكر، يخرجني من هنا لإني ماضمنش ردة فعلهم بصراحة؟
سليم بهدوء: إنتي عارفة إني ماقدرش أوعد بحاجة، أنا مش ضامن نفسي فيها زي ما إنتي مش ضامنة ردة فعلهم أنا كمان مش ضامن ردة فعلي.
ماسة زمت شفتيها بحسرة: يبقى الحال كما ما هو عليه.
سليم: طب روحي ألبسي، نخرج شوية.
ماسة بضيق:قولتك لا مش عايزة أخرج معاك ولا حتى عايزة أشوفك وجودك وبيوجعلي قلبي.
نفخت بضيق، وصعدت لغرفتها، بينما وقف سليم مكانه يتابعها بنظرة ضيق.
بدأ سليم يصعد خلفها، لكن ملامحه كانت توحي بالتعب. وفي منتصف السلم، انتهب له توقفت فجأة، واستدارت تنظر إليه بقلق.
ماسة بقلق: هو إنت رجلك بتوجعك؟
تحسّس ساقه قليلًا: آه بس مش فاضي أروح لدكتور مكي حجزلي قبل كده، بس ماكنتش فاضي.
اقتربت منه ونظرتها مليئة بالقلق: بس لازم تروح تطمّن على نفسك.
ابتسم سليم ابتسامة خفيفة:خايفة عليا؟
ماسة بصوت خافت وهي تتفادى عينيه: بلاش تهمل في نفسك، روح اطّمن، ماتنساش إن الرصاصة ممكن تكون السبب، ألف سلامة عليك.
مدت يدها صوبه لتساعده، نظر سليم إلى يدها، ابتسم قلبه قبل شفتيه، ووضع كفه على كفها، فساندته وهو يصعد، كان يستطيع أن يصعد بمفرده، لكنه أراد فقط أن يظل قريبًا منها.
ماسة قالت وهي تصعد الدرج: ليه مش بتطلع بالأسانسير؟ أحسن.
سليم: عادي.
ماسة: لا اطلع بيه افضل، إنت كلت؟
سليم: ممم.
ماسة: ألف سلامة عليك.
كان سليم يشعر بسعادة عميقة، يكفيه أنها إلى جواره، وصلا إلى الغرفة، وساعدته على الجلوس، ثم نظرت إليه تسأله: أجبلك مسكن؟
رد بهدوء:لا، أنا واخد من شوية.
ماسة:طيب مش عايز حاجة تاني؟
قال وهو يشير إلى ظهره:ساعديني بس افرد ظهري.
ماسة:حاضر.
اقتربت تساعده، كان ينظر لها بابتسامة دافئة، ورائحتها تتسلّل إليه، منذ وقت طويل لم يقتربا بهذا الشكل، فهو يحاول أن يعود إلى قلبها بأي طريقة.
لكنها فجأة ابتعدت: محتاج حاجة تاني.
نظر لها سليم: فكري تاني في موضوع الخروج.
قاطعته بحدة وهي لا تنظر إليه:
قلتلك مش عايزة أخرج معاك، أنا ساعدتك بس عشان إنسانية وعِشرة، أنا إنسانة مش توبة!
ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيه، وقال بنبرة منخفضة: فاهم فاهم.
تحركت ماسة وهي عند باب التفتت له: تصبح على خير. أنا مش هنام دلوقتي، في فيلم هتفرج عليه، لو احتجت حاجة، ناديني، أنا صاحيّة متصحيش سحر عشان حرام.
هز سليم راسه بإيجاب بابتسامة صغيرة، خرجت من الغرفة متوجهة إلى غرفتها.
جلست على الأريكة، وعيناها شاخصتان نحو اللاشيء. تمتمت: إنت ما بتحبهوش؟ بتساعديه إنسانية؟ اوعي تنسي، لحد اللحظة دي، مش راضي يطّمنك ولا حتى يستاهل فرصه.
في الجهة الأخرى، كان سليم يحدّق في الباب المغلق، وقلبه يخفق بسعادة خافتة، اهتمامها به كان كافٍ ليوقظ فيه الأمل، اعتدل في جلسته، أمسك بهاتفه، وأجرى اتصالًا بأحد الأطباء، يطلب موعدًا للكشف.
_______💞بقلمي_ليلةعادل💞________
منزل مكي، الرابعة مساءً
نرى مكي جالسًا إلى المائدة مع والدته، يتناول طعامه في صمت، بينما كانت ليلى تنظر إليه بعينين يملؤهما الحزن.
إنتبه لنظراتها وقال وهو يرفع حاجبه ساخرًا: بتبصيلي كده ليه؟ هو أنا مت ولا إيه؟!
ليلى بإستهجان: بقولك إيه، إنت مهما عملت نفسك مش فارق معاك، بس أنا عارفة إنك من جواك بتتقطع. إنت، روّحت اتكلمت معاها؟
هزّ رأسه: آه، ولسة مصممة. بقولك يا ماما، أنا عايزك تدوريلي على عروسة.
نظرت إليه بدهشة: طب وسلوى؟
مكي بجمود: هي فرصة، ويبقى خلاص.
تنهدت ليلى بتهكم: والله عندك حق. هي ماتستاهلش ظفرك. مالها بتتنك عليك على إيه؟! أنا بقى هجيبلك واحدة قمر، هخليها تندم إنها سابتك. هجيبلك ست الستات.
مكي وهو ينظر أمامه: بس ماتفتحيش معاهم الموضوع غير لما أنا أقولك.
ليلى وكأنها تفكر: أنا مافيش قدامي غير نيرة، صاحبة بنت عمك فطومة قمر، ودكتورة أسنان.
أومأ مكي: ماشي، بس اهم حاجة متتكلميش معاهم في حاجة غير لما أنا أقول.
مدت ليلى يدها تربّت على قدمه بلطف: بس إنت ماتزعلش، هي ماتستاهلكش قولي: راجع شغلك والا لا؟
مكي: آه، وأعملي حسابك، بعد كده أنا إللي هبات على طول في ورديات الليل. عشري هيتجوز الشهر الجاي ومش هاينفع يبات تاني أنا هخلص اكل رايح مع سليم للدكتور ادعيله تعبان.
ليلى وهي تدعو بقلق: ربنا يشفيه يارب، طب مايروح يشيل الرصاصة إللي تعباه دي.
مكي: فيه مخاطرة، هو كده كده هايسافر ألمانيا قريب. هخليه يعمل أشعة ويطمن عليها ويكلم الدكتور تاني.
ليلى: ربنا يسهل لكم الأحوال هروح بقى أعلقلك على الشاي كمل أكلك يا ولا والله ماتستاهل ظفرك ووضعت قبلة أعلى راسه.
تحركت ليلى بينما نظر مكي أمامه وهو يقلب في الصحن بلا هدف والحزن يطوى قلبه.
أحد عيادات الجراحة السادسة مساءً
نرى سليم جالسًا على طرف الفراش كان الطبيب “وفيق”، متوقف أمامه يراجع بعض الفحوصات التي أمامه.
الطبيب: تعب معدتك ده مالوش أي علاقة بالرصاصة، أنا هكتبلك اسم دكتور باطنة ممتاز، تتطمن منه أكتر.
سليم يومئ بصمت.
الطبيب تابع وهو يشير نحو قدمه: لكن بالنسبة للألم إللي في رجلك ده طبيعي جدًا، المجهود إللي بتعمله فوق الطبيعي، لازم تعمل أشعة، لازم نطمن على الرصاصة، الإهمال أللي إنت بتعمله في نفسك بقى حاجة فوق الاحتمال.
سليم تنهد: إن شاء الله أنا كدة كدة مسافر ألمانيا قريب.
الطبيب: تمام، بس كل مانعملها بدري، كل مايكون أفضل، أنا هكتبلك مسكن أقوى شوية، بس أرجوك يا سليم ماتهملش.
سليم: حاضر.
سيارة سليم
فتح باب السيارة وجلس بجوار مكي، الذي كان ينتظره وهو يقلب في هاتفه.
مكي وهو يغلق الهاتف: عملت إيه؟
سليم: كل حاجة تمام كتبلي مسكن أقوى، وقال لي أعمل أشعة، بس مش مستعجل هعملها في ألمانيا لما أسافر.
مكي بإهتمام: طب مانستناش المؤتمر، خلينا نسافر قبله.
سليم هز كتفه: الدكاترة بتحب تكبّر كل حاجة، أنا اليومين دول كل ما أتعصب، برزع برجلي في أي حاجة، بطلع السلم كتير، فطبيعي رجلي توجعني.
سكت لحظة، ثم نظر لمكي: المهم إنت عملت إيه مع سلوى؟
مكي، بعد لحظة صمت: خدت قرار. هخطب.
سليم بأستغراب: بتقول إيه؟ إنت اتجننت؟ بلاش تاخد قرارات وإنت غضبان هاتندم.
مكي بحزم: صدقني أنا مش غضبان أنا جبت أخري، هاقابلها بكرة، هي خارجة علشان تستلم شهادتها، لو رفضت، خلاص، قلت لأمي تدوّرلي على عروسة.
وضع سليم إيده على ذراع مكي: يا مكي، أسمع الكلام ده ممكن يزعلها أكتر.
مكي نظر أمامه بجمود: أنا عملت إللي عليا هعرف رد فعلها، وخلاص، مش عايز أتكلم في الموضوع ده تاني بعد إذنك.
ثم ألتفت له: المهم إنت عملت إيه مع “ماسة لسة في عندها؟
ضحك سليم بخفة: اممم، مش عايزة تتكلم، كل حاجة بقت تضايقها حتى بقت تكره تشوفني، لما قلت لها نخرج، قالت لي “ماينفعش أخرج مع واحد وجوده بيدايقني، وكل شوية تفكرني إنها مش هاتسامحني غير لما تشوف كل أهلها وأنا لسة مش ضامن نفسي.
مكي اتنهد ونظر له: طبيعي لما تقول لها كده، تخاف منك أكتر وتعند أكثر هو إنت مش عايز تحسن صورتك وتصلح إللي إنت عملته.
سليم دافع عن نفسه: أيوة بس.
قاطعه مكي: مافيش بس، إنت لسة غضبك عاميك إنت لسة ماصافتش، وطول ما إنت كدة أعرف إن علاقتك مش هتاخد خطوة في الطريق إللي إنت عايزه لازم تتنازل.
سليم: أنا اتنازلت وقلتلها هجيبلك باباك ومامتك اكتر من كدة لا يلا سوق عشان أنا تعبان.
تنهد مكي بتعب وقاد السيارة
بعد عودة سليم من عند الطبيب، بدأ يصعد الدرج بخطوات ثقيلة، فصادفته الخادمة الجديدة تقف عند المدخل:
الخادمة: أعملك حاجة يا بيه؟
سليم: لا نامي قوليلي، ماسة نزلت تحت النهاردة؟
الخادمة: آه، كانت طول اليوم هنا، بس طلعت من شوية، يمكن وإنت بتدخل العربية.
أومأ سليم برأسه بحزن، ثم أكمل طريقه نحو الأعلى.
وجهته كانت واضحة: غرفتها
كعادتها ماسة مؤخرًا، لا تريد رؤيته تتجنبه كما لو كان غريبًا حتى عندما يتأخر في مواعيده لم تهتم.
غرفة ماسة العاشرة مساءً
جلست ماسة على طرف الفراش، تحدّق في التلفاز دون تركيز، كانت وحدها، والصمت حولها لا يُكسر إلا بصوت الشاشة.
اقترب سليم من الباب، وحاول فتحه، فوجد أنه مغلق بالمفتاح، تشنّج وجهه، وجزّ على أسنانه، ثم طرق الباب بعصبية:
سليم: ماسة!
ماسة من الداخل: مين؟
سليم بأمر: أفتحي.
ماسة بجمود: عايز إيه؟
سليم بنبرة صارمة: قلتلك أفتحي.
ماسة بعند: مش عايزة! أنا حرّة، ومش طايقة أشوفك يا أخي!
سليم بحزم: أفتحي الباب. اسمعي الكلام بدل ما أكسره
زفرت ماسة بغيظ، توقفت ببطء، ثم فتحت الباب وهي تتجنّب النظر إليه.
سليم: ليه قافلة على نفسك؟
ماسة بجفاء: علشان مش كل شوية تدخل عليا من غير ماتخبط، وبعدين، مش عايزة أشوفك أصلاً.
سليم بحزن: هتفضلي على نفس الكلام الرخم ده؟
ماسة بنبرة كالرصاص: ده مش كلام رخم، دي مشاعري، أحاسيسي تجاهك.
سليم يحاول السيطرة على غضبه: طب مش عايزة تخرجي؟ نروّح سينما ملاهي نروح اليخت، نسافر أي حتة! هتفضلي حابسة نفسك لحد إمتى؟
ماسة بعين دامعة: لا مش عايزة أخرج، ولا حابسة نفسي أنا بس مش عايزة أشوفك علشان بيجيلي ضيق تنفس لما بشوفك.
تنهد سليم حاول تحمل كلماتها التي مثل السكاكين: إنتِ مش مدّياني فرصة! كل مرة أمد إيدي ليكي، ترفضي.
ماسة عدلت من وقتها نظرت بجانب آخر بنبرة جامدة: إنت عارفني كويس، أنا مش من النوع إللي بيتأثر بهدية أو بخروجة، أنا محتاجة أمان، الأمان إللي فقدته معاك، وإللي أتحول لخوف، منك إنت.
سليم بصوت مكسور: إنتِ عارفة إني عمري ما هأذيّكي.
تهزّ رأسها بحزن نظرت له بدمعة ساخنة: عارفة، أنا مش بخاف على نفسي منك، بخاف على إللي حواليا، بخاف من قلبي إنه يقع في نفس الفخ تاني، الأماكن إللي بتتكلم عنها دي؟ بقت وجع، آخر ليلة كنا فيها في اليخت، كانت كلها وعود، وعود كدابة.
سليم بحده ممتلئ بالعتاب: ومين كان السبب إن هي ماتتحققش أنا يا ماسة؟! أنا؟!
ماسة بنبرة متألمة: لا أنا، بس أنا بتكلم على حاجة واحدة من ساعة يوم الهروب، كل حاجة اتكسرت، أنا غلطت، ماشي، بس ردة فعلك كانت أسوأ، وإنت مش عايز تصلّح، مش عايز توعدني إنك مش هاتكرّر إللي عملته مش عايز تطمني.
سليم بنبرة مهتزة: علشان أنا مش ضامن نفسي، لكني بحاول، أصبري معايا أقبلي باللي أنا بقدمه وبعدين هاتاخدي كل حاجة الصبر.
ماسة بنظرة حادة: وأنا مش طالبة غير الأمان، مش طالبة غير راحة البال، مش عايزة أخاف، ولا أتوجع، ولا أعيش متأهبة كل لحظة إنت عايز تديني نص أمان وأنا مش هقبل غير بكل الأمان أنت خايف من نفسك وأنا بقيت بخاف منك رغم إن عمري ما كنت بخاف منك.
نبرتها ترتفع، صوتها يهتز: يلا بقى أمشى ماتجيش هنا تاني، وجودك بيقهرني، بيخليني أكره نفسي. بتنرفز لما بشوفك، عارف يعني إيه؟ يعني لما بشوفك، جسمي بيألمنى، نفسي بيضيق.، عايزة أهرب من كل حاجة بتفكرني بيك، حتى صوتك بيجيبلي صداع!
سليم بنبرة مكتومة: أنا مش عايز حاجة، غير إنك تفرحي، روحي الأماكن دي، مش علشاني لنفسك.
ماسة بضجر: موافقة، بس مش هروح معاك.
سليم بتوتر: يعني إيه؟ أمال مع مين؟
ماسة بهدوء قاتل: مع أي حد، من سجانك بس مش معاك.
سليم بحسم: يا معايا يا مفيش!
ماسة: يبقى مفيش! وأنا مبسوطة بزنزانتي!
سليم: خليكي فاكرة، إنتي إللي بتقطعي كل الحبال إللي بينا.
ماسة بسخرية: أنا؟
سليم بعصبية: إنتِ إللي مش عايزة تتنازلي!
ماسة بتهكم صاحت به بوجع: لا، إنت إللي مش عايز تتنازل يلا أمشي، بجد، أنا مش قادرة أتحمل وجودك أكتر من كده، أنا مش قادرة أفهم إزاي أتجوزتك! إزاي ضحكت عليا كل السنين دي؟انا بجد مش مصدقه ان كل القسوه دي كانت فيك وانا كنت عاميها
فجأة، وضعت يدها على صدرها، وقطعت السلسلة من رقبتها، ثم ألقتها في وجهه: حتى دي بقت بتخنقنى خد كل ذكرياتك مش عايزاها.
اقتربت منه، ومدت يدها لتسحب السلسلة التى على صدره، لكنه أمسك يدها فجأة. عيناه واسعتان، والدمعة محبوسة داخلمها:
سليم بصوت مرتجف:شيلي إيدك.
ماسة صاحت به بألم: مابقاش ليها مكان زي ما إنت بقى مالكش مكان جوة قلبي لازم تعرف كده
أبعدت يدها ببطء، ثم نظرت إليه بنظرة كلها كراهية:
لازم تعرف هو ده إللي هوجعك بيها إنك تعرف إني بقيت، بكرهك وبكره أشوفك أسمع صوتك، ولو بصيت لنفسك بعنيا، هاتكره نفسك أكتر يا سجان.
فجأة دفعته بعيدًا، وأغلقت الباب في وجهه، جلست على الأرض، وإنهارت في بكاء صامت، يُشبه الليل الثقيل.
بينما توقف سليم في خارج الغرفة، دقّات قلبه تتصارع بعنف داخل صدره، وأنفاسه تتلاحق كأنّ الهواء قد خان رئتيه، شعر وكأنّ قلبه سيتوقّف من شدّة الألم، فوضع يده عليه محاولًا تهدئة ارتجافه، عبثًا، الغضب والحزن كانا يتصارعان في داخله كوحشين لا رحمة بينهما.
كلمة “أكرهك” وحدها كانت كفيلة بأن تهدم ماتبقّى فيه من ثبات، كأنها خرجت من بين أنياب الموت نفسه، فغرست مخالبها في أعماقه دون شفقة.
رفع قبضته، وضرب بها الجدار بقوة، فاهتزّ من عنف الضربة حتى انجرحت يده، ثم التفت فجأة وركل الطاولة الصغيرة في الممر، فتطاير الورد، وتناثر الزجاج على الأرض.
وفجأة.. صرخة رجولية انفجرت من أعماقه، عالية، جهورية، ممتلئة بالوجع والإنكسار، لم تكن صرخة غضب فقط، بل كانت صرخة رجل تحطّم من الداخل، رجل فقد السيطرة على كل شيء، حتى نفسه.
الجامعة الأمريكية الواحدة مساء
خرجت سلوى من بوابة الجامعة وهي تبتسم بثقة، ويغمرها شعور بسعادة فقد نجحت بتفوق، لكن سعادتها لم تدم طويلًا، إذ وقعت عيناها فجأة على مكي، واقفًا بجوار سيارته، يراقبها وينتظرها.
أدارت وجهها سريعًا، وغيّرت طريقها على الفور.
مكي تحرك خلفها يحاول توقيفها: سلوى، استني خلينا نتكلم!
تأففت بشدة: مافيش بينا كلام يا مكي، كمّل طريقك!
في تلك اللحظة، أقترب منها أحد زملائها بإبتسامة مرحة: سوسكا! تعالي أوصلك.
كان مكي يراقب من بعيد، عيناه تمتلئان بالغيرة والتساؤل.
نظر لسلوى وكأنه يختبرها، وهي بدورها رمقته بنظرة طويلة، ثم ألتفتت إلى زميلها وقالت: يلا بينا.
وقبل أن يتحركا، اقترب مكي منهما بخطوات سريعة، صوته متهدج بالغضب: مين ده أنطقي.
سلوى: مالكش دعوة.
مكي: طب أمشي معايا ده إنتي مابتتعلميش من أخطائك.
الشاب: هو إيه يا أستاذ؟ إنت مش شايفها واقفة معايا؟ هو إنت مين أصلًا؟
مكي بطرف عينه ببحة رجولية: أبعد يا بابا.
الشاب: بابا؟ لا أنا مش أبوك.
قلب مكى وجهه حاول السيطرة: مش هقولك تاني بس يا بابا.وأمشي أحسنلك.
الشاب بتحدي: ولو مامشيتش؟ هتعمل إيه يعني؟ ولا إنت بتحلو قصادها.
كاد مكي أن يضربه لكنه مازال يحاول أمتلاك غضبه قال: سلوى إنهي الموضوع ده، علشان والله العظيم أنا مش عارف ممكن أعمل إيه!
سلوى: مكي إنت إللي تنهي الموضوع وأمشي من هنا، أنا حرّة، أعمل إللي أنا عايزاه! وإنت مالك بيا أصلاً؟!معلش يا محمد ده كان خطيبي، مش عايز يقتنع إننا خلاص خلّصنا.
مكي: سلوى إنتِ كده بتدوسي على كل حاجة!
سلوى: ماشي.
مكي: سلوى دي أول وآخر مرة هقولك فيها إني لسة بحبك، ولسة شايفك شريكتي، ولسة عايز أكمل حياتي معاكي، كفاية بقى تقوليلي ماسة قالتلي، ماسة عملتلي، أنا غير سليم.د، من فضلك، تعالي نتكلم كأتنين كبار، بعيد عن أي حد.
سلوى: قلتلك مافيش حاجة، ومفيش تفاهم.
مكي بحده: أنا هخطب لو مارجعتيش عن إللى في دماغك.
تجمّدت للحظة، توقفت ساكنًة، ثم قالت بصوت مجروح: مبروك.
ثم ألتفتت إلى صديقها: يلا يا محمد.
جزّ مكي على أسنانه، وراح يراقبها وهي تتحرك معه دون أن تلتفت، لم يتكلّم، لم يصرخ، لم يلحق بها، لكنه شعر وكأن أحدهم قد انتزع شيئًا من صدره ومضى.
تنفّس ببطء ثم تحرّك نحو سيارته بخطوات هادئة، بينما النار تتأجج في صدره، جلس خلف المقود، وأغلق الباب بهدوء مبالغ فيه، كأنه يخشى أن تنهار أجزاؤه لو علا الصوت، أدار المحرك، لم يتحرك.
مدّ يده، ألتقط هاتفه، وضغط على الاسم المسجّل: “أمي”. وبعد ثوانٍ ردت: أمي؟ أنا موافق على العروسة.حددي معاهم معاد، خلينا نخلّص بسرعة.
ثم أغلق الخط، وأسند رأسه إلى المقود، مغمضًا عينيه، لم تسقط منه دمعة، لكن قلبه كان ينزف بصمت
أحد الكافيهات الواحدة مساءً
نرى عمار وأمنية، فتاة محجبة في بداية، العشرينات، بسيطة وأنيقة، يجلسان على أحد الطاولات، أمامهما كوبان من القهوة، والحديث بينهما دافئ.
أمنية بابتسامة: مبروك يا عمار، أنا مبسوطة إنك نجحت، عقبال كل سنة!
عمار يرد بلطف:مبروك ليكي إنتي كمان، تستاهلي الامتياز.
أمنية: بابي وعدني إنه هايوديني جزر المالديف، وإنت ناوي تروح فين؟
عمار بهدوء: أنا؟ هروح بيتنا، إنتي عارفة إني سبت الشغل عند سليم، وبدوّر على شغل تاني.
أمنية: هو مش رامي كان جايبلك شغل عند باباه؟
عمار زم شفتيه بأسف:وفتحت معاه الموضوع، بس حسيت إنه مش مهتم، وأنا بصراحة مابحبش أكون تقيل على حد. قدمت ورقي في كذا مكان، وإن شاء الله خير.
أمنية تنظر له بتردد: هو إنت مش ناوي تقول لي كنت مضايق ليه الفترة إللي فاتت؟ بلاش تقول لي أنا كويس، إحنا بنحب بعض، وهانرتبط، ماينفعش نخبي على بعض أي حاجة، بعدين ما أنا بقول لك كل حاجة وبقعد اشتكي لك.
ضحك عمار بخفة: أنا بحب أسمعك، وبحب أسمع مأسوياتك، كفاية!
أمنية تبتسم وترد بحماس: وأنا كمان عايزة أسمعك. يلا، إحكيلي قول إيه إللي حصل؟ سبت الشغل ليه؟
تنهد عمار: ماشي، هقولك كل حاجة.
وبدأ يروي لها، عن كل ما فعله به سليم، وما مرّ به خلال الشهور الماضية.
أمنية بدهشه:إيه ده! سليم عمل معاكم كده؟ أنا ماعرفهوش شخصيًا، بس من كلامك عنه ومن كلام سلوى وحتى في الكام المرة إللي شوفت فيها ماسة، كان بيبان عليه إنه محترم وجنتل مان.
عمار: إحنا كلنا كنا فاكرين كده، بس فجأة، كل حاجه اتغيّرت.
أمنية بعقلانية: بُص يا عمار، مافيش حد بيتغيّر فجأة، ومافيش حد ممكن يخدع السنين دي كلها ويقدر، يلبس قناع مش حقيقي، أكيد كان هيبان في بعض التصرفات،ماعتقدش خالص إن دي شخصيته الحقيقية، يمكن وقتها كان متضايق أو متعصب، عشان كده اتصرف معاكم بالطريقة دي، بصراحة كمان، إللي أختك عملته، مهما كانت أسبابها، صعب وعيب، مافيش راجل محترم يقبل بكده. حط نفسك مكانه، لو أنا عملت كده، تتقبلها؟
رد عمار مسرعاً: لأ طبعاً هطلقك وأسيبك لأهلك هما يغسلوا عارك.
أمنية بهدوء وعقلانية: أهو! يبقى طبيعي إن رد فعله يبقى بالشكل ده، أنا مش بدافع عنه، بس أنا شايفة إنه بيعشقها، عشق هوس، زي ما بتحكي، وده بيوجع الراجل لما ينجرح كرامته، بس برضه، الضرب غلط، والمعاملة الوحشة غلط، يعني كانت طلبت الطلاق ولا تهرب بالطريقة دي؟!
عمار بأسف: هي فعلاً طلبت الطلاق منه، بس ماما وبابا رجّعوها، إنتي عارفة إحنا من الريف، والطلاق عندنا حاجة مستحيلة. للأسف هما خذلوها.
هزت أمنية راسها بهدوء تحدثت بعقلانية:
بس ده مش مبرر ماكانوش لازم يضغطوا عليها، لإن بسبب الضغط ده واضح إن أختك كانت بتمر بأزمة نفسية، فمن غير تفكير هربت، بس عارف مين أكتر شخص غلطان؟ سلوى، سلوى بنت كبيرة وناضجة، هي مش صغيرة علشان تخليها تعمل كده، وبعدين إنت بتقول لي فضلت رفضه تقول مكانها لحد ما إللي اسمه إسماعيل ده هددكم، إنت سألتها كتير على كلامك، حتى طنط ليه ماتكلمتش؟ كان ممكن تلحقها، أصلاً كانت المفروض تمنعها تعمل كده، تقول لها مش للدرجة دي، تشتكي لك لكن تساعدها تهرب؟ أكبر غلط، مافكرتش إن ماسة ممكن يحصل لها حاجة؟ أصلاً انت بتقول لي إن ماسة مقفول عليها، يعني ماتعرفش حاجه في الدنيا، كانت هاتواجه العالم ده إزاي؟
عمار بضيق: أمي وأبويا السبب كانوا دايمًا بيضربوهم وبيزعقوا لهم، حتى أنا، برضه مش أخ يعني عاقل، أحيانا كنت بتصرف تصرفات مش كويسة معاهم، بس أقسم بالله في الأوقات دي بأبقى واقف جنبهم، وهي عارفة ده.
أمنية بعقلانية وهي تحتسي القهوة: بُص يا عمار، إللي حصل كبير بس كمان، هو اتعرض لإهانة منك كبيرة قدام نفسه كراجل وزوج، وقدام رجّالته. طبيعي يتصرف بعنف، هو ماغلطش لوحده، إنتوا كلكم غلطتوا، بس ماسة إيه أخبارها؟
عمار تنهد بأسف:ماعرفش عنها حاجة؟!
صمتت أمنية للحظة وقالت بتردد: هو إنت لو جالك الفرصة، ممكن تروح تجيبها بنفس الطريقة؟
عمار بحسم: أكيد طبعاً هروح اخدها أنا أصلا نفسي أعمل كده ولو هموت فيها بس أنا ناوي المرة الجاية هبقى عامل حسابي هسرقلي مسدس من الحراس إللي عندنا، بس أمي إللي منعاني، خلتني أحلف على المصحف قدامها إني ماقربلهاش حتى يوسف وسلوى منعتهم، لدرجة راحت قعدت عند خالتي أيام تهددنا بيها.
اتسعت عينا أمنية بصدمة: إنت مجنون أوعى تعمل كده، والدتك عندها حق، هي أم لازم تخاف على أولادها، بس برضه، ماينفعش تفضلوا قاعدين كده، لازم تشتغل وتتحرك.
عمار: أول ما ألاقي شغل وفلوس، هتصرف.
أمنية تتفكر قليلًا ثم تقول: أنا هكلم بابي، يشوفلك شغل. أكيد يعرف ناس ممكن يساعدوك، بس ماتزعلش.
عمار بإبتسامة ممتنّة: متشكر جدا.
قصر الراوي
غرفة ياسين وهبة العاشرة مساءً
كانت الغرفة مزينة بالشموع والورود، تُضفي جوًا من الرومانسية الهادئة، ظهرت هبة جالسة على الفراش، ترتدي فستانًا قصيرًا يصف منحنيات جسدها بدفء، بدت كالقمر في بهائها، كانت في انتظار قدوم ياسين، تودّ أن تُصالحه عمّا فعلته، تشعر بالضيق والحزن، بسب ما فعلته.
بعد قليل، فُتح الباب ودخل ياسين مرر عينيه في الغرفة بنظرات فاحصة، قبل أن ينطق بكلمة اقتربت منه، أحاطت رقبته بذراعيها وقالت بإعتذار.
هبة: أنا آسفة، حقك عليا.
نظر لها بصمت دون رد قالت وهي تحاول استعطافه: يعني هبوشة حبيبتك، عشان غلطة واحدة عملتيها من سنين خلاص تنسى كل حاجة كده؟
ياسين بنبرة ثقيلة:هي غلطة من سنين، بس غلطة كبيرة.
سألته هبة بإنكسار: طب قوليلي أعمل إيه علشان تصالحني؟
ياسين بجدية: توعديني ترجعي هبة إللي أنا حبيتها واتجوزتها؟
هبة بإصرار:أوعد.
ياسين وهو ينظر من حوله: أمال فين نالا؟
أجابته هبة ببساطة: في أوضتها، خليت عفاف تقعد معاها.
رفع حاجبيه مستنكرًا: مش خايفة عليها من تربية الدادة؟
ضحكت هبة بخفة وهي تحاول التخفيف: بطل سألة بقى، تعالى شوف عملتلك إيه، عملتلك الأكل بإيدي
نظر للطعام أمامه، كانت المائدة تضم مكرونة بالصلصة وبانيه، فقال ساخرًا: ده عمايل أكل؟ أمّال ورق العنب والبيكاتا؟ والحمام المحشي؟ إيه؟!
ضحكت هبة وقالت بحنان: هاتعلّـمهملك
ضحكت وقالت بمودة: خلاص صافي لبن؟
وهو يضع قبلة على خدها: صافي يا لبن
ابتسم كلاهما، ثم جلسا وتناولا الطعام، وقضيا وقتًا لطيفًا معًا، ملأه الدفء والهدوء.
وبعد مرور فترة
فيلا سليم وماسة.
في صباح يوم الجمعة، كان سليم قد إنتهى لتوه من الاستحمام، أرتدى ملابس منزلية، رشّ عطره وجهّز نفسه للذهاب إلى الجامع لصلاة الظهر، وأثناء خروجه من غرفته، مر على غرفة ماسة كان الباب مواربًا فتحه.
كانت ماسة تقف أمام المرآة، تتأمل شعرها القصير، تمرر يدها عليه في صمت.
علق سليم وهو يراها: بتندمي؟
نظرت له ماسة: استحالة أندم، على أي حاجة ممكن توجعك هعملها من غير تفكير.
سليم بهدوء: طيب، بقولك إيه، أنا رايح أصلي الجمعة، تيجي معايا؟
ماسةوعقدت حاجبيها: أجي معاك فين؟
سليم: تصلي الجمعة في الجامع، وبعدين نخرج نروح الحسين
تابع بمزاح:عشان تدعي عليا هناك براحتك.
ماسة تبسمت بهدوء: ماتقلقش، أنا بدعي عليك وأنا بصلي هنا، الدعوة بتستجاب في أي مكان.
سليم صمت للحظة قال بنبرة مكتومه: بتدعي عليا بايه؟!
ماسة بوجع: بدعي على قلبي إنه يزيد كرهه ليك.
تنهد سليم بألم مسح وجهه قال: طيب، أنا هروح القصر أجيبلك بقيّة الحاجات إللي ناقصاكي، لو في حاجات معيّنة عايزاها، قوليلى.
ماسة: هو إنت ليه مش تبات عند فايزة كام يوم كده؟
سليم: للدرجة دي مش طايقة تشوفيني؟
ماسة تستفزه: دي أسعد ساعات حياتي وإنت مش هنا، ياريت تبقى تروح تقعد هناك في القصر الملعون بتاعكم ده يومين في الأسبوع، وتعالى خميس وجمعة زي بتوع الجيش.
قلب سليم عينه بصمت عن قسوة حديثها: آخر كلام؟ مش عايزة حاجة معيّنة؟
ماسة بشدة: مش عايزة حاجة منك.
سليم: براحتك.
تحركت ماسة وهبطت إلى الأسفل، وأثناء نزولها على الدرج، سمعت صوت أغنية تسلّلت إلى أذنيها بهدوء، لكنها كانت كفيلة بأن توقظ في أعماقها جراحًا وآلامًا دفينة..
كانت أغنية عمرو دياب “زي الملايكة” تنبعث من المطبخ، وهي ذاتها الأغنية التي سمعتها للمرة الأولى يوم أن طلبها سليم للزواج، حين كانت في طريقها إلى القاهرة اليوم الذى تحوّلت فيه حياتها وتغيّرت فيه ملامح عمرها في لحظة واحدة، صارت الأغنية كأنها نارٌ تشتعل في صدرها، تحرق ذاكرتها، وتثير فيها طوفانًا من الصور والمشاعر، ذكرى ذلك اليوم اجتاحتها بقوة، وكأنها تعيشه من جديد، رأت سليم أمامها، يطلب يدها يرمقها بنظرات لا تُنسى، ويحدّثها بكلماتٍ حفرتها في قلبها، عجز قلبها عن احتمال الوجع، ضاقت أنفاسها، لم تشعر بنفسها إلا وهي تركض بعشوائية وتصرخ بإنهيار.
ماسة وهي تصرخ: مين مشغل الأغنية دي؟!
توقفت وفية بسرعة: أنا يا هانم.
ماسة بأمر وهي تشير بيدها: أقفلي الأغنية دي أقفليها!
وفية بسرعة وهي تغلقها: أنا آسفة يا هانم والله، بس لسة بدري على الصلاة.
ماسة تحاول كتم غضبها: مافيش أغاني تشتغل هنا لعمرو دياب بالذات، إنتي سامعة؟
وفية متعجبة: إشمعنا يعني؟ هو عمرو دياب حرام نسمعه ولا إيه؟
ماسة: قولي حاضر.
سحر تحاول لم الموقف: حاضر يا بنتي، مش هاتشغلها تاني أنا.
كان سليم واقفًا خلفها مباشرة، يعلم جيدًا ما حدث لها، ويدرك تمامًا كم آلمتها تلك الأغنية، وما إن استدارت، حتى وجدته واقفًا أمامها. تبادلا نظرات متخمة بالوجع والندم، كلاهما كان مذبوحًا من الداخل.
سليم بصوت مكسور وهو ينظر إليها: مش هاتهربي يا ماسة، أنا جواكي.
نظرت له ماسة بجمود: صح، بس بألم، بوجع، بندم.
تحركت ماسة وهي تصطدم به بكتفها، والدموع تتساقط من عينيها.. تحرك سليم بدوره وهو يهز رأسه نافيًا، كأنما يرفض الهزيمة، يرفض أن يخسرها.
فى الخارج
أمسكها من ذراعها في الردهة وقربها لديه وقال برجاء: قولي لي إللي ممكن أعمله عشان تسامحيني وخلينا نبدأ من جديد.
ماسة بصوت مخنوق: مافيش حاجة ممكن تخليني أنسى، تخليني أنسى وجعي منك.
سليم بهدوء: لا يا ماسة، كله وجع له طريق لعلاجه.
ماسة بنبرة صارمة موجوعه: بس إنت وجعك مالوش علاج. وجع مزمن، زي المرض المزمن، زي الأمراض إللي ملهاش علاج. إحنا انتهينا، ومش هقولك تاني، ومش هفضل أقولها لك، طلقني وخلينا ننهيها.
سليم بثبات: مش هطلقك.
نظرت له بحدة بعينين تتساقط منها الدموع: هاتعيش مع واحدة مش عايزاك؟ هاتعيش مع واحدة غصب عنها؟ تقبلها على نفسك؟
أجابها سليم بإصرار بنبرة حب: أنا هعيش مع واحدة بتحبني، بس زعلانة مني، وده آه أقبله على نفسي، لحد ماعرف أرجّعك. حتى لو مش دلوقتي، حتى لو بعد شهور، بعد سنين، مش فارق معايا، أنا مش هسيبك يا ماسة، مش هبعد عنك.
صرخت ماسة بانهيار: قلتلك، عايزة الطلاق، مش عايزة أعيش معاك. بكرهك!
سليم بعين دامعة: وأنا بحبك يا ماسة، ومش هسيبك، مش هسيبك. وتأكدي، اللحظة إللي هعرف فيها إنك بطلتي تحبيني، هي نفس اللحظة إللي هسيبك فيها، علشان ساعتها هموت.
ماسة بنبرة كسر: وأنا بطلت أحبك.
سليم بصوت مرتعش امسك بدها ووضعها عند قلبه وضع كفه فوق كفها: قولي زي ما إنتي عايزة، بس قلبي مش هايسمع، لإنه لسة بيدق، وطول ما هو بيدق، يبقى إنتي لسة بتحبيني.
ماسة بعناد موجوع سحبت يدها: أنا هثبتلك إني بطلت أحبك، وهتشوف، خليك واقف مستنيني.
تحركت ماسة بسرعة إلى الطابق الأعلى، دخلت الغرفة كالمجنونة، عيناها تفتشان في الأركان بعشوائية، توجهت إلى غرفة الملابس وبدأت تعبث في كل زاوية كأنها تبحث عن شيء بعينه، وفجأة، وقع نظرها على صندوق خشبي كبير، كان ثقيلًا، لكنها حملته بقوة ونزلت به إلى الأسفل.
كان سليم لا يزال واقفًا في مكانه، وقفت ماسة في منتصف الردهة وضعت صندوق على الأرض، فتحت الصندوق الخشبي. بداخله صورهم القديمة، وبعض الهدايا.
كان هناك وردة ذابلة، والعقد اللؤلؤ الذي أهداه لها عندما كانت لا تزال خادمة، والتليفون بزراير الذي اشتراه لها ذات يوم.
أمسكت ماسة الوردة، رفعتها أمام عينيه وقالت بصوت مخنوق: فاكر الوردة دي؟ الوردة إللي إنت حطّتهالي في شعري وقت مالورين ضربتني؟ كنت محتفظة بيها.
وأشارت إلى العقد: شايف العقد ده؟ العقد ده إنت برضه جبته لي لما لورين بوّظت لي العقد بتاعي، ودي صورنا وإحنا في شهر العسل إللي كله كذب. ودي هداياك.د، دي كل هداياك.
ثم أمسكت خصلات شعرها المقصوص التي تحتفظ به: شعري إللي بتعشقه أهو، مابقاش ليهم مكان، وهوريك حالًا.
ركضت ماسة نحو المطبخ، وسليم ظل واقفًا لا يفهم تمامًا ما تنوي فعله، لكنه كان موجوعًا للغاية وعينا تسكن بها دمعه، عادت بعد لحظات وهي تحمل جركنًا صغيرًا وكبريت، وقفت أمامه مباشرة وقالت:
دلوقتي هحرقهم قدام عينك، زي ماحرقتها جوا قلبي.
فتحت الجركن، وحين همّت بسكب البنزين، أسرع سليم وزقّ يدها، لكن القليل سقط فعلًا على محتويات الصندوق.
صرخ سليم وهو يمنعها: مش هسمحلك، مش هسمحلك تعملي كده.
حاولت ماسة تدفعه بعيدًا بكل ما أوتيت من قوة: أوعى، أبعد عني.
أمسكها سليم بعنف أكبر، ونظر لها بعين متسعة ومرتجفة: ماتلمسيش أنضف ذكرياتنا أوجعيني بأي شيء تاني إلا ده، إنتي بتوجعي نفسك قبل ماتوجعيني فوقي بقى كفايه، مش هسمح لك تحرقي الذكريات دي.
صرخت ماسة: هحرقها يا سليم، هحرقها.
وفجأة، اشغلت العود الكبريت، سقط من يدها، اشتعل الصندوق على الفور، إذ إن البنزين قد سبق ولامس الصور والهدايا.
النار أمسكت فيهم، وبدات ان تلتهم كل شيء.
ماسة بتحدي، وعيونها تلمع من النار المنعكسة فيها: لازم تفهم، مهما حبستني هنا، هاييجي عليا يوم وهخرج، وهسيبك لوحدك. ووقتها، هكون هحرقك جو قلبي زي ماحرقت الذكريات دي وهمشي، مش ها أبص ورايا لحظة.
سليم بصوت حاسم، وهو يحدق في النار تلتهم الذكريات، نبرته موجوعة لكنها ثابتة:
أحرقيها، بس إنتي بتكدبي على نفسك، بتهربي من الحقيقة، أنا لسة جواكي لاحرقك، ولاكلامك، ولا إللي بتعمليه ده هايثبتلي إنك بتكرهيني أو إنك مستحيل تسامحيني ولا هسمح إنك تخرجي من هنا لو على موتي أو موت أي حد يا ماسة والمرة دي أنا واعي كويس أنا بقول إيه! فعلاً خروجك من هنا هيكون تمنه حاجات خيالك مايتصورهاش.
أضاف بنبرة أكثر خطورة:
أوعي تجربيني في الجزء ده، عشان إللي عملته، نقطة في بحر حاجات أنا لسه معملتهاش.
نظرت إليه ماسة بصمت، عينيها تتنقلان بينه وبين النيران التي تفصل بينهما كأنها جدار من اللهب لم تجد ما تقوله، فالتهديدات كانت أقسى من أن تُردّ.
مسحت دموعها بعنف، وصعدت إلى غرفتها، جلست على الأرض، وانهارت في بكاء موجع، لم تستطع كبته.
أما سليم، فظل واقفًا في مكانه، يراقب الصندوق وهو يحترق، وعيناه تتبعان كل صورة، وكل هدية، وكل ذكرى تتحول إلى رماد… والوجع يفتك به من الداخل.
بصوت خافت مبحوح: مستحيل، مستحيل أقبل تكون دي النهاية.
مسح دموعه، وخرج إلى الخارج، توجه إلى الجامع، أدى فرض الصلاة بعد الاستماع إلى الخطبة، وراح يدعو بحرقة، دعا الله أن تعود إليه، أن تسامحه، أن يهديه، وأن يمنحه القدرة على احتواء عائلتها وإعطائهم فرصة، وأن يصبح أكثر هدوءًا لكنه كان يعلم داخله أنه لا يزال غير قادر على فعل ذلك.
وبعد الصلاة، طلب من مكي وعشري أن يحضّرا له مفاجأة في الحديقة لماسة، مثل تلك التي اعتاد أن يفعلها لها في الماضي.
جهز مكي وعشري شاشة عرض كبيرة في منتصف الحديقة، علقوا الزينة، وفروع اللمبات الصغيرة تضيء المكان بنعومة، فبدت الأجواء ساحرة وهادئة، وكأنها من مشهد سينمائي رومانسي.
طلب سليم من سحر أن تُنادي ماسة وتنزلها إلى الأسفل وبالفعل نفءت سحر ما طلب منها، لم تفهم ماسة ما الذي يجري، لكنها في النهاية استجابت.
خرجت إلى الحديقة وهي ترتدي فستانًا يوميًا بسيطًا، مظهرها هادئ، لكنها كانت، كعادتها، جميلة مهما بدا مظهرها بسيطًا.
قابلتها سحر عند الباب: خير يا ماما سحر؟
سحر وهي تسحبها من يدها: تعالي بس، عايزة أورّيكي حاجة.
ماسة متعجبة: هاتوريني إيه؟
سحر: هاتعرفي، تعالي بس.
تحركت معها بخطوات مترددة، وما إن دخلت المكان حتى اتسعت عيناها. كان كل شيء منسقًا بعناية: الورود، البالونات، الإضاءة، الخيمة الصغيرة، حتى المرجيحة التي لطالما أحبتها..
كان سليم متوقفا في المنتصف، ينتظرها بصمت يشبه الرجاء.
انسحبت سحر بهدوء، وتركت المكان لهما.
اقترب منها سليم وقال بهدوء: مادام إنتي رافضة تخرجي، وكل مرة أقولك تعالي نخرج، تعالي أودّيكي مكان، ترفضي وتقولي مش عايزة تروحي، جبتلك الحاجة إللي بتحبيها لحد عندك ولو يا ستي مش عايزة وجودي هنسحب المهم سعادتك.
ماسة بجفاء: ولا حتى عايزة حاجة منك.
حاولت أن ترحل، لكنه أمسك من كفها بلطف، أوقفها وقال اقربها منه اقرب وجهه من وجهها: بطّلي عناد، كفاية بقى.
ماسة نظرت له بقوة: ده مش عناد، قلتلك مليون مرة، مش عناد أنا مش عايزة منك حاجة غير الطلاق. يا كده، يا كل واحد يعتبر التاني مش موجود.
سليم بوجع: إنتي بتقتليني بطريقتك دي.
ماسة بدموع ونبرة مكتومه: وهو ده المطلوب، قلتلك،
وضعت يدها على قلبه: أنا هوجعك من هنا، مستحيل أقضي معاك ليالي زي دي تاني. كنت زمان بتضحك عليا بيها، وبسامحك، كنت غبية، دلوقتي، لأ..
استدارت ورحلت، بينما ظل هو واقفًا مكانه، كأنما سُحبت روحه معها، يحدق في الزينة التي لم تفرح أحدًا، والتي صار حضورها أشبه بالمفارقة
ومضت فترة بعد تلك الحادثة، لم يتوقف سليم عن المحاولة، لكن لا أمل، حتى حين نجحت ماسة في الجامعة، رغم أنها لم تحضر جميع الامتحانات، وحصلت على امتياز…لم تقل شيئًا سوى شكرًا
المطبخ
نرى ماسة متوقفة أمام البوتاجاز، تقلب الطعام تجلس خلقها وفية.
وفيه بفضول: ريحة الأكل حلوة، طلعتي شاطرة
تبسمت ماسة: بعرف أطبخ.
أشارت إلى شعرها القصير سألت بفضول: إنتي قصيتي شعرك؟ كان حلو، ليه كده؟
ماسة: ملل.
وفية بدهشة: ملل إزاي يعني؟
ضحكت ماسة: إنتي حشرية، فكرتيني بنفسي زمان
عند مدخل المطبخ، توقف سليم مستندًا إلى الحائط، ذراعيه متشابكتان، وعيناه تتابعان المشهد بصمت دافئ. ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه، وكأن قلبه استعاد نبضه القديم.
وفية: كنتي زمان إزاي يعني؟
استدارت ماسة بنصف جسدها موضحة: كنت بسأل كتير زيك كده، وسليم كان دايمًا يقولي إنتي فضولية..
وفية بفضول أكبر: عرفتيه إزاي؟!
ماسة بإبتسامة صغيرة:كنت شغالة عند قريبة ليه.
وفية: شغالة إيه؟
ابتسمت ماسة بسكون، وعادت تقلب الطعام: خدامة.
وفية بصدمة: مين دي؟
ماسة: أنا كنت خدامة. ماتعرفيش ده؟
وفية بعدم تصديق: ده مين إللي خدامة؟ إنتي بتهزري معايا ولا إيه؟
لم ترد ماسة، فقط ابتسمت.
اقتربت وفية منها بفضول: طب قوليلي، وقعتي سليم بيه إزاي؟
نظرت إليها ماسة: والله معرفش، بس هو حبني،يمكن عشان كنت حشرية زيك، شكله بيحب البنات الفضولية
تابعت بنظرة حادة بغيرة:
بس لو إنتي عملتي كدة علشان تلفتي نظره، أنا هقطعك زي البصل ده أوعي.
ضحكت وفية: لا يا ستي، ماتقلقيش، مش هسرقه منك بس عايزة أعرف عملتي إيه تاني؟
وهنا دخل سليم بإتسامة لم تفارق وجهه:كانت بتقولي ماتستصغرنيشي يا سليم بيه.
دخل سليم إلى المطبخ، يداه في جيبه، يدور حول ماسة كمن يطوف حول كنز قديم، وهي تتابعه بعينيها بصدمة اقترب منها، ملامحه تحمل ذكريات
بإبتسامة: وقعتيني على طول.
وفية متعجبة: يعني إنت حبيتها عشان قالتلك ماتستصغرنيش؟
هز رأسه بإيجاب وعبنه على ماسة: شفتي؟ روحي كلمي خالتك، عايزاكي.
وفية:حاضر
غادرت وفية المطبخ.
اقترب سليم من ماسة أكثر وهو يقول بخبث: هاتقطعيها زي البصلة؟
حاولت ماسة ألا تنظر إليه، لكنها شعرت بحرارته تقترب قالت بنبرة مهتزة: أنا بتكلم عادي، كنت بفهم البنت أتعرفنا إزاي، وبعدين ماتكلمنيش مش إحنا مابنتكلمش
سليم وهو يقترب بنظرات تقشعر: لا، إنتي إللي مابتتكلمش.
عادت ماسة للخلف بصمت، أقترب سليم منها بخطوة أعمق، نظراته تفترس المسافة بينهما: بس إنتي غيرتي.
ماسة وهي تعود للخلف أنا ماغرتش.
سليم بنظرات عاشقة بثقة: والله غيرتي.
اصطدم ظهرها بالثلاجة، فارتبكت، بينما أقترب منها أكثر وأحاطها بذراعيه، محاصرًا إياها.
ماسة بضيق وهي تهرب بعينيها::إنت واقف كده ليه؟ أبعد.
سليم وهو يقرب وجهه منها: أنا أقف براحتي، ماتنسيش إنك مراتي.
أشاحت بوجهها عنه، تحاول أن تجد مخرجًا: طب أوعى، عشان أشوف الأكل.
سليم بمزاح محبب: بتحاولي تسميني ولا إيه؟
ماسة نظرت له برخامة: يمكن
سليم بحب: أنا ما عنديش مشكلة أموت على إيدك، أحلى موتة.
أمسك بيديها برفق، رفعها نحو شفتيه، قبّلها بنظرات غارقة في حب وشوق.
تسارعت أنفاس ماسة، وارتجف قلبها، وقالت بنبرة خافتة: لو سمحت أوعى
سليم: هو أنا ماسكك
اقترب منها أكثر، لامس أطراف شعرها بلطف، همس قرب أذنها: بس إنتي غيرتي عليا.
قبل خدها قبلة ناعمة، دفعت صدره بكفيها بقوة خفيفة، وهربت من بين ذراعيه، غادرت المطبخ بسرعة.
ظل سليم واقفًا، ابتسامة واسعة على وجهه، وضع يديه خلف رأسه، وأطلق تنهيدة عميقة، غيرتي عليا يا عنيدة، كل نظرة منك بتقول: أنا لسة بحبك يا سليم.
إحدى الشقق المجهولة السادسة مساءً
شقة بسيطة، بأثاث عصري متواضع، لكنها منسقة بذوق مريح.
نرى مكي مرتديًا بدلة أنيقة، وعلى وجهه ملامح لا تحمل الكثير من الفرح بجواره والدته ليلى، في الجهة المقابلة، تجلس عائلة نيرة العروس: والدها، والدتها، وأشقاؤها، وإلى جوارهم تجلس فطومة، بنت خالة مكي، التي لعبت دورًا كبيرًا في هذا اللقاء.
مدّت والدته نيرة يدها، وضعت طبقًا من الحلويات على الطاولة، وقالت بإبتسامة واسعة: اتفضلوا يا جماعة، دي حاجة بسيطة كده.
نيرة كانت تجلس في هدوء. فتاة جميلة، ذات شعر أسود طويل ينسدل على كتفيها، وعينين خضراوين فيهما هدوء غريب، وجهها فيه براءة وسكينة ذات ٢٥غاما.
كان الجو العام يشير إلى أن الأحاديث الودية قد انتهت، فقال والد نيرة: خلاص، أنا موافق، أنا ماعنديش طلبات تاني يا ابني، أهم حاجة تتقي ربنا في بنتي
ليلى بصوت واثق: من الحتة دي ماتقلقش خالص.
مكي: طيب خلاص، نقرأ الفاتحة.
قرأ الجميع الفاتحة، وتبادلوا كلمات المجاملة. وما إن انتهوا، حتى خرجت زغرودة من قلب والدة نيرة، وضحكتها تملى المكان.
أخرج مكي من جيبه خاتمًا بسيطًا من الذهب، وقام بإلباسه لنيرة.
مكي بهدوء: معلهش، هي هدية بسيطة كده.
والد نيرة: مقبولة منك يا حبيبي.
قالت والدة نيرة بحماس: خدي عريسك يا نيرة، وأقفي شوية في الفرندة، الفرندة بتطل على النيل، منظرها يجنن، هايعجبك يا مكي.
نهضت نيرة بخطوات خجولة، ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا، وملامح وجهها يغلب عليها الحياء. وقف مكي بجوارها، وخرجا معًا إلى الفرندة.
الشرفة
كان الجو هادئًا، النسيم يمر برقة من النيل، وصوت المياه يتسلل حولهما.
نظرت نيرة إلى النهر وقالت بهدوء: عجبك المكان؟
مكي وهو ينظر للنيل ثم التفت إليها: أيوة، شكله حلو
وإنتي كمان شكلك حلو.
خفضت نيرة عينيها، وابتسمت بخجل، ثم قالت: إنت شكلك مابتتكلمش كتير مع إن فطومة قالت لي إنك بتتكلم.
مكي بهروب: مصدّع شوية، جاي من الشغل على طول، وإنتي عارفة شغلنا عامل إزاي؟!
أومأت نيرة بتفهم: آه طبعًا، إنت ناوي تكمل في الحراسات؟
مكي بنبرة حاسمة: آه، ودي حاجة لازم تبقي عارفاها من دلوقتي، أنا مش هسيب شغلي مع سليم، والشغل ده لازم تفصليه عن أي حاجة تانية
نيرة بلطف: أكيد، ربنا معاك ويوفقك.
ثم ابتسمت وقالت: تحب أعملك قهوة؟ أجيبلك أسبرين؟ شكلك تعبان.
مكي بإبتسامة شكر: ماتتعبيش نفسك.
نيرة بخفة: لا لا، دي لحظة وهرجع.
غابت للحظات ثم عادت تحمل القهوة، وقدمتها له.
مكي وهو يأخذ الفنجان: تسلم إيدك.
سألت نيرة بلطف: ممكن أسألك سؤال؟
مكي بهدوء: اتفضلي.
نيرة بهدوء: هو إنت ليه سبت خطيبتك وخطبت بسرعة؟ فطومة قالتلي حاجات، بس كنت حابة أسمع منك، أصل سمعت إنكم كنتم خلاص على وش جواز
تنهد مكي: أنا وسلوى فعلاً سبنا بعض، بس ماكناش على وش جواز، كان كتب كتاب، هي حبت تبعد، وأنا احترمت ده، ماحبش أكون تقيل على حد، خصوصًا في العلاقات، أصعب حاجة إنك تفرضي نفسك على حد مش عايزك.
نيرة: طب ليه خطبت بسرعة؟
مكي عقد حاحبه وهو يهز راسه: مش بسرعة أوي
بقالنا حوالي أربع شهور، وحسيت إن خلاص لازم أبدأ من جديد.
نيرة بهدوء: ممكن توعدني؟ لو ماعرفتش تنساها، تقولي ماتجرحنيش.
مكي بهدوء: أكيد أوعدك، خلينا نحاول مع بعض
نيرة بإبتسامة: تمام
ابتسم لها، ثم عادا سويًا إلى الداخل.
كانت البهجة في الغرفة، الكل يضحك، يلتقط صورًا، يتبادل عبارات المجاملة.
اقتربت نيرة من مكي وهي تمسك بهاتفها: يلا نتصور سيلفي، أنا لازم أنزل الصورة وأعملك تاج
ضحك مكي بخفة: زي ما تحبي.
التقطا الصورة، ونشرتها نيرة على الاستوري، وكتبت:
أقبل اني أبقى خطيبتك وعملت له تاج.
ابتسم مكي، لكنه كان يُجاهد ليعيش اللحظة.
وفجأة، لاحظت نيرة في هاتفه أن العلاقة بينه وبين سلوى لا تزال موجودة.
نيرة بدهشة: إيه ده؟ هو إنت لسة سايب العلاقة إللي بينك وبين خطيبتك القديمة على صفحتك؟
مكي بإرتباك:معلش، ماخدتش بالي أنا أصلاً ماليش في الكلام ده، هي إللي كانت عاملة كل حاجة.
سألته نيرة بهدوء: هي معاها إيميلك؟ والباسورد؟
مكي:آه
نيرة بهدوء: طب بعد إذنك الباسورد؟
أعطاها مكي هاتفه دون تردد: خدي، أعملي إللي إنتي عايزاه
أخذت نيرة الهاتف، وأغلقت العلاقة القديمة، فتحت الصور المنشورة سابقا. ، لكنها لم تجد صورًا له مع سلوى نشرت من قبل
نيرة بإستغراب:إنت مش ناشر صور ليكم مع بعض ليه؟
مكي: أنا ماعنديش إيميل أساسًا، هي إللي كانت عاملاه وكانت بتعمل كل حاجة، الفيس والحاجات دي مش من اهتماماتي.
نيرة بهدوء: تمام انا هغير الباسورد ممكن.
هز راسه بإيجاب بصمت، جلست بجواره، وكمّلت الليلة بإبتسامة هادئة وأحاديث ودودة.
سيارة مكي.
نرى مكي يقود السيارة بصمت وبجواره ليلى التى كل بضع دقائق تنظر له، ثم قالت بإستغراب.: طب ما دام إنت زعلان كده، خليتنا ليه نخطب؟ ليه قرّيت الفاتحة ولبّستها الخاتم؟ ما كانش فيه داعي نستعجل.
مكي بهدوء: أنا عايز أنسى يا ماما مش هفضل محبوس في حبها.
ليلى بصوت خافت: أنا حاسة إننا اتسرعنا، كان لازم نستنى شوية، إنت لسه بتحبها يا مكي، سلوى دي ساكنة في قلبك زيي، عصفور صغير مربوط بعشه.
مكي بصوت منخفض: هانساها يا ماما، نيرة شكلها بنت كويسة.
قالها كأنه بيقنع نفسه قبل ما يطمن أمه.
فيلا عائلة ماسة، الثانية عشر صباحاً.
غرفة سلوى، جلست سلوى على الفراش، تمسك هاتفها وتتصفح تطبيق الفيسبوك. فجأة، عقدت حاجبيها بدهشة، واتسعت عيناها بصدمة، بدا لها أن مكي قد حذفها من صفحته وعلامة العلاقة أيضاً التى كانت تربطهم.
فتحت صفحته بسرعة، وقلبها يخفق بقوة، ظهرت أمامها صور خطوبته، صور الفاتحة، صورة السيلفي، الخاتم الضحكات وهو ممسكاً بيد أخرى، كل ما كان ملكًا لها أصبح الآن ملكًا لغيرها.
انهمرت دموع سلوى فجأة، وهمست بصوت مرتع: كداب، وخاين، يا خاين
ثم صرخت بأعلى صوتها: كدااااب! خاين!
أمسكت بالوسادة وألقتها بعنف على الأرض.
في تلك اللحظة، أنفتح باب الغرفة، ودخلت سعدية مسرعة، والقلق بادٍ على ملامحها.
سعدية: إيه يا بنتي! إيه يا سلوى مالك؟
رفعت سلوى رأسها، ووجهها يشتعل من البكاء، عيناها محمرتان ودموعها لا تتوقف: الخاين يا ماما خطب كان عامل نفسه بيحبني الغشاش.
نظرت إليها سعدية بإستغراب: مين إللي خطب؟
سلوى بنبرة مكسورة: مكي خطب واحدة تانية؟!
إنهارت من البكاء
سعدية متعجبة: طب وإنتي زعلانة ليه؟ مش إنتي إللي ماكنتيش عايزاه؟ والواد كان بيجري وراكي بقاله شهور. إحنا إللي كنا بنتقل، مالقناش في الورد عيب قولنا أحمر الخدين.
سلوى وهي تكاد تختنق من البكاء: مش بالخطوبة، وبالسرعة دي!
أغلقت سعدية الباب خلفها، واقتربت منها وجلست بجوارها على الفراش قالت بتهكم: سرعة إيه؟ ده بقاله شهور وإنتي نازلة تطفيش فيه، هو شكله مش من الرجالة الرومانسية إللى تتحمل، كرامته وجعته زعلانة ليه مش إنتي إللي مش عايزاه؟!
همست سلوى بصوت مخنوق: خلاص يا ماما.
وضعت سعدية يدها على كتفها بلطف: طب ماتعيطيش يا بنتي، مافيش راجل بيقعد على واحدة وإنتي زعلتيه، مش يمكن بيعمل كده علشان يغيظك؟
سلوى بنظرة مترددة: تفتكري؟
ضحكت سعدية بخفة: ممكن.. وريني كدة صورتهم.
أخرجت سلوى الهاتف، وناولته سعدية نظرت إليها سعدية، ثم علّقت بنبرة مرحة: بُتّ قمر.، أحلى منك.
نظرت سلوى إليها بغيظ شديد: بتغظيني؟
سعدية بهدوء: بصي يا بنتي، الراجل لما يخطب بسرعة كده، ويصوّر نفسه، بيبقى عايز يغيظك خصوص إنك قلت لي قبل كده إنه مش من النوع إللي بيحب ينزل صور والكلام ده وإنتي إللي كنت بتنزليها غصب عنه.
سلوى بصوت خافت: يا ريت.
نهضت سعدية وهي تنظر إليها بحنان: ربنا يهديكي تصبّحي على خير، ما تعيطيش بقى وفكري تاني إنتي إللي ضيعتيه من إيدك مش هو، زعلانة ليه وبتعيطي ليه؟! على رأي المثل مايخربش الزريبة إلا البهيمة الغريبة.
نظرت لها سلوى بصمت خرجت سعدية من الغرفة بهدوء، وبقيت سلوى وحدها.
جلست سلوى على طرف السرير، مدت يدها إلى درج الكومودينو، وأخرجت منه صورتين: إحداهما لـمكي وحده، والأخرى لهما معًا.
أمسكت بالصور بيدين مرتجفتين، وحدّقت فيهما طويلًا، ثم تمتمت وهي تبكي بحرقة:
بعتّني بالسرعة دي كده يا مكي؟ كدة تروح تخطب واحدة تانية أمال فين الوعد مش هكون غير ليكي فين كل أحلامنا إللي مش هحققها إلا معاكي إنتي وبس وكل ستات الدنيا بالنسبه لي زي أمي يا كذاب، مهما حصل ماكنتش تخطب كنت أصبر شوية، دول أربع شهور، أربع شهور بس ، زعلتني منك أوي… أوي
أخذت تبكي بحرقة وانهيار.
مجموعة الراوي، مكتب عزت الثانية مساءً
نرى سليم جالسًا على المقعد الأمامي لمكتب عزت، يتأمل فنجان القهوة بين يديه، بينما عزت منشغل ببعض الأوراق، ونانو واقفة خلفه بهدوء تتابع التفاصيل.
أنهت نانا ما بيدها، ثم انسحبت في صمت.
رفع عزت رأسه، عدّل جلسته، وقال وهو ينظر لسليم: يلا، أنا سامعك، خير؟ في إيه؟
رفع سليم نظره إليه، ابتسامة جانبية ارتسمت على شفتيه: معاك إيه ضد إسماعيل؟
ضاق عزت عينيه، مستغربًا: يعني إيه؟
سليم بنفس الإبتسامة: يعني ماسك إيه على إسماعيل؟ إديني إللي معاك.
ضحك عزت بسخرية بسيطة: ضايقك في إيه؟ لو ضايقك رصاصة ننهي كل شئ، هو أصلاً بقى كارت محروق.
سليم، وهو يضع فنجانه جانبًا: خليه أنا بحب العساكر الطيشة، ساعات بنحتاجهم، لما نحب يبقوا خرفان.
عزت أشار له بإيده: طب فهمني، أنا أعمل معاك إيه؟
سليم ببرود، وعينيه مازالت على المكتب: هو لسة بس ممكن، فحابب أكون جاهز.
ابتسم عزت وقال بنبرة إختبار:يعني عايز تفهمني إنك مش معاك حاجة؟
سليم ضحك بخفة:لا يا باشا، طبعًا معايا حاجات، بس عايز أشوف، إللي معايا زي إللي معاك؟ ولا لو عندك زيادة، نزودهم في الملف؟
عزت بإشارة رأس موافقة: خلاص، النهاردة بالليل هديك حاجات ماتخطرش على بالك، بس توعدني، لو راجعت إللي معايا ولقيت إن فيه عندك حاجة مش عندي تحطها لي.
سليم أبتسم: بس كده؟ عينيا يا باشا.
نظر له عزت نظرة ماكرة: مش هاتقولي مخبّي أسرارك فين يا سليم؟
ضحك سليم وهو يرد بنفس النبرة: هو أنا سألتك مخبي أسرارك فين؟
عزت لمّح بنبرة مزاح ثقيل: مش ناوي تجيب مراتك القصر؟
سليم نزل عينه عن نظراته، وقال بهدوء: لا، إحنا كده تمام أنا همشي بقى.
كاد أن ينهض، لكن عزت نظر له بنظرة طويلة وقال:
إنت كويس يا سليم؟ إنت وماسة، كويسين مع بعض؟
سليم ابتسم ابتسامة حزينة وهو يرد بهدوء: الحمد لله، كويس عن إذنك.
خرج سليم بهدوء من المكتب، وتوجه إلى مكتبه الخاص. جلس خلف المكتب، وأول ما وقعت عينه على صورة ماسة، توقف، نظر لها بتأمّل، نظرة حب وغصة تعب، تنهد ببطء، ثم مدّ يده نحو الملفات، وأكمل عمله في صمت.
الكافيهات، السادسة مساءً
جلس مكي وسليم على طاولة، امام كلٍ منهما فنجان قهوة، وبين أصابعهما تتصاعد سحب من دخان السجائر كان يبدو على ملامح سليم الاستياء والضجر.
سليم بضيق: يعني إنت مبسوط باللي عملته؟ سيبك من سلوى ومن نفسك، البنت إللي دخلتها في الموضوع دي، ماتستاهلش تتظلم.
مكي بهدوء: أنا لو حسيت إني مش قادر هبعد.
سليم زفر بحدة: هو إنت لسة مش حاسس إنك بتغلط؟! إنت كنت لسة بتحكيلي، وبتقولي كنت حاسس إني مش موجود، كان قلبي واجعني، ماكنتش مبسوط، هتعمل ايه؟! هتاخد أسبوع، اتنين، شهر، وتسيب البنت بعد ما عشمتها؟
مكي بتردد: قلت لها هحاول.
سليم تنهد سليم قال بعقلانية:ما تحاولش أنهي الموضوع. قول لها الحقيقة قبل ماتتعلق بيك، ممكن تحبك، تتشد ليك، تتعشم.
مكي نفخ بقوة وهو بيطفي السجارة: يعني أخطب إمبارح… وأسيب النهاردة؟
سليم هز راسه بتأكيد: آه، فين المشكلة؟ إنت أصلاً كنت رايح تتقدملها، اتفاجئنا تاني يوم بصور الخطوبة نازلة. أصبر شوية، فكر شوية.
تنهد مكي وقال بنبرة موجوعة: سلوى أختارت تمشي، وأنا أحترمت ده، بس لسة وجعي منها جوة، أنا مجروح يا سليم، أنا عمري ماتوجعت كده قلبي واجعني، ماتوقعتش إني ها اتألم كده، استنيتها سنين، كنت متفهم طريقتها لما كانت بتحاول تاخد حقها مني، بس لما حلمنا وعدنا بعض، فجأة كل حاجة اتغيرت، ليه؟ ماعرفش، حسيت إن كرامتي متهانة، حبي ووعودي متهانة.
هز سليم راسه وقال بصوت خافت حاول إقناعه:
أنا فاهمك والله، بس ده مالوش علاقة إنك تدخل في علاقة مع حد تاني، أنا مش عايزك تجرح واحدة وتدعي عليك، دي مش طريقتك، يا مكي، مش كل من قلبه وجعه يروح يتعرف ولا يخطب واحدة ثانية عشان ينسى الحب إللي ما كملش ده مش عدل ترضاها لنفسك صدقني يا مكي إنت هاتندم وهتكره نفسك يوم ما البنت تيجي تقول لك أنا عملت فيك إيه عشان تعمل كده.
مكي أشاح بوجهه، وقال بعند: ماتقلقش، مش هاتتعلق بيا، أنا مش زيك، أنا رخم، وبعدين مدي لنفسي أسبوعين، لو ماحسيتش براحة، هفركش ..هتروح لعزت باشا بعد ما تخلص معايا.
سليم اممم.
زفر سليم وهو يهز راسه بيأس، وعيناه معلقتان بصديقه، تحملان قلقًا لم ينطقه.
قصر الراوي
مكتب عزت الثامنة مساءً
نرى عزت خلف مكتبه، عيناه تلمعان بثقة، وابتسامته لا تفارق وجهه. أمامه جلس سليم بهدوء.
مدّ عزت يده ببطء، وناول سليم ملفًا مغلقًا بإتقان. قال وهو يبتسم بتفاخر: دي هديتي ليك
أخذ سليم الملف، فتحه بهدوء في البداية، لكن مع قراءة السطور الأولى، اتسعت عيناه بالدهشة، وظهر التوتر في ملامحه لأول مرة.
عزت وهو يراقبه: مش قلتلك؟ أنا ماسك عليه حاجات مايتخيلهاش.
ثم فتح درج مكتبه، وأخرج أسطوانة CD، وضعها على اللاب توب الذي كان بجانبه، وقال: لسة كمل… اتفرج
أخذها سليم وشغّلها بسرعة. لم نرى محتوى مايشاهده، لكن وجهه تغيّر بوضوح اتسعت عينا بصدمه يبدو إنه لم يخطر بباله ما يشاهده
ابتسم سليم وهو ينظر لعزت: إنت هتفضل دايمًا عزت الراوي الواحد بيتعلم منك.
ضحك عزت: ماطلعش إللي معاك زَي إللي معايا بس قولي، ناوي تعمل إيه؟
أغلق سليم الملف، ثم قال بثقة: أنا هاخد ده كله، أدرسه على راحتي، وأختار إللي يخصني وإللي ناقصك، هايوصلك أول ماخلص.
ابتسم عزت، وقال بنبرة ممتزجة بالإعجاب والاختبار:
بس قولي هتتصرف إزاي؟ خد من خبرتي عرفني دماغك اللعب مع اسماعيل مش سهل بالتأكيد ماسك علينا حاجات.
نظر له سليم، نظرة باردة لكنها عميقة ثم اقترب بجسده، وإنحنى قليلًا للأمام، وقال له ما ينوي فعله، لكننا لم نعرف
جهاز أمن الدولة، مكتب إسماعيل، الثالثة صباحًا
كان إسماعيل جالسًا على مكتبه تتناثر فوقه ملفات كثيرة.
عيناه مرهقتان من كثرة القراءة، لكنه كان لا يزال مستيقظًا، يراجع أوراقًا متفرقة، صمت المكان تمامًا، حتى رنّ إشعار خافت على هاتفه.
نظر إسماعيل إلى الشاشة، رسالة جديدة على واتساب، من رقم مجهول، فتحها، وفي لحظةتغيّرت ملامحه كليًا.
عقد حاجبيه بذهول، عيناه تجمّدتا، يده بدأت ترتعش خفيف، وابتلع ريقه بصعوبة، ظهر على الشاشة محتوى صادم، شيء، ما يخطرش على البال..
استوووب …. توقعاتكم ورأيكم
رجاء محدش ينسى النجمة على اللايك
الى اللقاء في حلقة القادمة من رواية الماسة المكسورة💎 💔
أتمنى تكون الحلقة عجبتكم النهارده ❤️
#ليلةعادل
#الماسةالمكسورة
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية الماسة المكسورة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.