رواية القاضي المتهم الفصل السادس 6 – بقلم سيلا وليد

رواية القاضي المتهم – الفصل السادس

الفصل السادس

الفصل السادس

“لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ”

أيها الجريء لا تخلق اعذارا لظلمك ولا تلقى الملامه على الاخرين لا تغمض عينك وانظر إلى كل مايدور من حولك لأنك تدرى بأن بلاؤك من صنع يديك اصنعت شئ لم ترى له ظلاً اغرست بذرة ولم تحصدها كل ما صنعت من روحك وجسدك وسيأتي اليوم ترى فيه البلاء كطفل

جلال الدين الرومي

بعد اسبوعٍ

بأشهر الفنادق المطلة على نهر النيل، توقف أسفل الدرج بأناقته وبدلته التي أظهرت وسامته الطاغية،توقف ناصبا عوده بجواره صديقه ووالد عروسه، هبطت بجوار أخيها على أنغام الموسيقى الكلاسيكية الهادئة تعانق ذراع اخيها

طلت بفستانها الأبيض الجميل الذي يشبه ملامح وجهها، فستانا من التل وححاب مطرز باللؤلؤ أضاف لوجهها نورًا واشراقة كإشراقة الصباح الندي

ارتفعت أصوات الموسيقى شيئا فشيئا لتخبر الجميع عن وصول العروس

رفع نظره إليها، هنا تمرد قلبه وارتفع نبضه، ورغم ذاك كانت نظراته إليها نظراتٍ باردة ..تحرك بعدما لكزه صديقه، لمقابلتها، وتوقف والدها أمامها، طابعا قبلة حنونة نادما على ما فعله بها..همس لها

-بيت ابوكي مفتوح في أي وقت متفكريش انك وحيدة

ابتسمت بهدوء لوالدها وأجابته بنبرة خافتة:

-ربنا يخليك ليا يابابا . استدار يرمق بدر ثم أشار عليها

-اتمنى تحافظ عليها..بسط كفيه إليها؛ لتتشابك الأيدي

خطت بجواره عدة خطوات حتى توقف لتعانق ذراعه لدلوفهم لقاعة الزفاف

جلس بجوارها لبعض الوقت حتى ينتهي ذاك الزفاف الذي لا يعلم لماذا اعده، طالعها بنظراته وهي تبتسم للجميع كأن ابتسامتها نزلت على صدره بلسمًا لجراح روحه، نهض يعانق كفيها ليصل بها لمكانهما المخصص بالرقص حتى ينهي تلك المسرحية كما اوصله عقله

أحاط خصرها بذراعه وأمسك كفيها ليتحرك على نغمات الموسيقى، رفع نظره إليها:

-كنتي بتضحكي من شوية، رفعت رأسها وتلاقت بسواد ليله مردفة بنبرة متهكمة:

-ليه حضرتك مستني مني اضحكلك مثلا، أنا بحاول اقنع الناس بطيبتك المزيفة قدام الجميع

امال برأسها وهمس أمام شفتيها:

-مش محتاج منك تحسني صورتي قدام حد، حسني صورتك إنتِ بس

أشعلت كلماته صدرها حتى انهارت قواها أمامه

-إنت مين؟! فين بدر بتاع زمان

حاوطت خصره ودنت منه وعيناها تراقب نظراته المتهربة

-لو حقيقي مقتنع اني شيطانة زي ماعقلك بيقولك يبقى مستحيل نتقابل، انا مقتلتش جدك

ابتسم بسخرية واتجه يوزع نظراته للجميع

-احنا اتفقنا، ودلوقتي إنتِ مراتي لحد مالشروط تتقبل

تراجعت متنهدة بألمًا يفتك قلبها قائلة:

-افتكر اني حاولت اكلمك واوضحلك انك ظلمتني

التوت زاوية فمه بإبتسامة ساخرة

-أيوة عارف انك مظلوم زي ما مالك بيه ظلم والدي

-افهم بقى انا ماليش دعوة بحد ..ضغط على خصرها فرفعت موج بحرها لتعانق جحيم نظراته، اهتزت نظراتها فرفرفت بأهدابها تبتعد عنه وهي تنظر بكافة الأرجاء بإبتسامة مصطنعة، رغم نيران صدرها

..انتهت الرقصة متجهين لمكانهما..توقف بجوارها يعانق كفيها ويتلقى التهنئة..اقترب صديقه

-مبروك يابدر، بالرفاء والبنين ..هز رأسه

-عقبالك ياكريم..تحركت والدتها كوثر تضمها بحنان أموي

-ربنا يسعدكم يابنتي ويرزقكم الخلف الصالح، ثم اتجهت الى بدر

-رهف دي كانت هدية من ربنا ليا يابدر، وانا دلوقتي بعطيلك الهدية يابني بتمنى تحافظ عليها

قبل كفيها وابتسم

-إن شاءالله ياطنط، متخافيش عليها ..ربتت على كتفه

-ربنا يبارك فيك ياحبيبي

بعد فترة

وصل إلى منزله بعد إنتهاء حفل الزفاف، كانت تتحرك خلفه بجسدًا ينتفض من الخوف، رغم إنها تعلم إنه ليس من الرجال الذين يأخذون شيئا غصبًا، إلا أن هناك مايرعب دواخلها

امسك كفيها فوجدها باردة كبرود الثلج، رمقها بصمت ثم تحرك بخطواته الواثقة، شعرت بإنحباس النفس بصدرها، بسبب لمسه لكفها الناعم، توقف يطالعها بصمت مريب، توقفت أمامه -ايه مش هندخل ولا رجعت في كلامك، قطع نظراته المريبة صوت هاتفه، في ذاك الوقت..تحرك بعض الخطوات ليجيب على هاتفه

أخذت تتنفس الصعداء بعدما تركها، نظرت حولها على تلك الحديقة الشاسعة، ورغم مابها من أشجار وزروع إلا أنها افتقدت لروح الحياة

وصل إليها بعد لحظات معدودة يبسط كفيه لتعانقه، مرجعتش في كلامي ولا حاجة، توقفت تنظر إليه تشير إلى المنزل :

-مفيش حد موجود، المسرحية خلصت..ثورة حارقة اندلعت بجوفه، أراد أن يلتهمها بعدما استمع لكلماتها ..فسحبها من كفيها وتحرك بخطوات تأكل الأرض إلى أن وصل لداخل منزله.. وجد العاملين والعاملات يتوقفون للترحيب به مع عروسه

توقف يوزع نظراته عليهم ثم تحدث:

-الكل النهاردة أجازة، وبكرة من بدري تبقوا موجودين، نهال هانم مش هترجع الليلة

تحرك الجميع بصمت و طاعة لحديث ولي نعمتهم

أشار لها على جناحه

-ياله ياعروسة هتفضلي واقفة كدا..أحست ببرودة بجسدها حتى تصلبت أقدامها ولم تقو على الحركة

زفر بضيق عندما وجد توقفها، فاتجه إليها يجذبها من كفيها..حاول تهدئتها عندما شعر ببرودة كفيها وعيناها الضائعة فهتف:

-رهف متخافيش مش هقرب منك بدون إذنك، ممكن تهدي

ابتلعت ريقها وتحركت بجواره دون حديث، وصلت لذاك الجناح الذي يخصه

ولجت خلفه، قابلتها رائحته التي اخترقت رئتيها، انقبض صدرها ولم تعلم لماذا

توقفت بمنتصف الغرفة ولم تعلم ماذا عليه فعله

تحرك إلى المرحاض وهتف

-هدخل أغير في الحمام وانتِ غيري هنا

جلست على الفراش الوثير تنظر حولها تتفحص الغرفة، اعجبت بذوقه الراقي، وأساسه الفاخر، ذهبت ببصرها إلى ذاك الإطار الذي يوضع على الكومودو يحتوي على صورته، حملتها تنظر إليه

أغمضت عيناها من أثر الرجفة التي انتابت جسدها، فأخذت أنفاسها بصعوبة، لا تعلم بماذا تشعر..لمست الإطار بأناملها تطالعه بألم كاد أن يخترق عظامها، وضعته مكانه

خرج بعد فترة وجدها مازالت تجلس بمكانها، تحرك إلى أن وصل إليها

-مغيرتيش ليه؟!

نهضت تفرك كفيها فهمست بتقطع:

-الفستان، أصله .. فهم ماتريد قوله، ڤأدار جسدها بهدوء دون حديث

سحب نفسًا قويا عندما أصابته قشعريرة قوية بعموده الفقري، من ملامسة أنامله لظهرها حينما فتح سحاب فستان زفافها

حملت فستانها وتحركت بعدما اكتشف معظمه أمامه، تحركت بخطوات متعثرة ونبضات عنيفة تخترق روحها، ولجت لغرفة الملابس، تركت فستانها فانزلق من فوقها ، هوت على الأرض تكتم شهقاتها من جراحها الداخلية التي تعج بالألم، تريد أن تهرب من ذاك القيود التي وضعها حول عنقها..ظلت جالسة لفترة تضع ذقنها على ركبتيها، تنظر بشرود كالذي فقد الحياة..استمعت إلى طرقاته ثم هتف

-اتأخرتي ليه، إنتِ كويسة، أزالت عبراتها واجابته بصوت متقطع:

-خلاص شوية وخارجة..نهضت بجسد متراخيًا واتجهت تفتح الخزانة وجدت تلك المنامة أمامها..ألقت فستانها بغضب

وسحبت منامة بيضاء اللون، تعد لتلك الليلة، بحثت عن شيئا آخر فلم تجد سواها

زفرت بضيق عندما تذكرت ترك ثيابها بالسيارة

ضغطت بأسنانها على أناملها

-وبعدين ، اروح أقوله عايزة هدوم..جذبت المنامة وارتدها ثم أرتدت فوقها مأزرها، جلست بمكانها ولم تقو على الخروج بتلك الحالة

تراجعت على الأريكة ثم سحبت نفسًا قويا لتثبط نوبة بكاء مرة أخرى كانت على وشك انهيارها ..استمعت إلى طرقات على باب الغرفة مرة اخرى، ثم دفع الباب وولج بهيئته المؤذية لقلبها

منعت تنفسها من رائحته التي ملأت رئتيها، تحرك بخط سلحفية متجهًا إلى جلوسها

-قاعدة كدا ليه!! قولتي خلصتي ومخرجتيش ،سحبت بأناملها مأزرها القصير للأسفل ..ذهب ببصره لحركتها ثم اقترب منها :

-متخافيش ولو خلعتيهم كلهم قولت لك مش انا اللي اخد واحدة غصب عنها، تحرك إلى النافذة وأكمل ماشق صدرها:

-لو عليا مش قادر اتقبل وجودك، لكن لازم منه..استدار برأسه ورمقها

-تفتكري لو أنتِ مكاني ممكن تعملي إيه في عدوك علشان تنتقمي منه

خطت للخارج وهدرت به:

-تموتني علشان ترتاح بعد ماتاخد حقك

-مخبيش عليكي فكرت فيها، لكن محبتش؛ ليه علشان كدا هريحك، وانا مش عايز اريحك

كانت إجابة واهية معدومة الصدق، لو نظرت لعمق عيناه لهرب منها

-تمام ياسيادة المتر المبجل، أنا قدامك اعمل اللي انت عايزه، دنت منه خطوة وتوقفت تغرز امواج بحرها بسواد ليله وهتفت

-ومتنساش وانت بتاخد حقك مني

بسط كفيه إليها

-قومي علشان نصلي، تحركت من أمامه هاربة، ابتسامة شقت ثغره على حركاتها الطفولية ..توقفت بمنتصف الغرفة وهتفت بتقطع

-هدومي في العربية، مفيش حاجة ألبسها علشان كدا لبست البتاع دا

اتجه إلى الخارج، رجع بعد دقائق وبيده إسدالا ثم بسط يديه إليها

-إلبسي دا، علشان نصلي، والصبح هجبلك هدومك من العربية ، أصلها مش هنا، مفيش غير عربيتنا اللي جينا فيها

ومش معنى هصلي بيكي يبقى حياتنا عادية متحلميش بكدا، تحرك إليها ومازال يضع كفوفه بجيب بنطاله وتابع :

-دي سنة للعروسين ممكن تعتبريها كدا..دنى برأسه وتعمق بعينها

-تعرفي اكتر حاجة بتكسر الست ..همس بجوار أذنها

-لما الراجل يبقى مضطر يقبل يعيش مع اكبر حد بيكرهه في حياته، ويعاملها وكأنها مش موجودة

لف ذراعه حول خصرها وجذبها بقوة يقربها إليه، حتى وضعت كفيها على صدره، ودنى أكثر من اللازم حتى اختلطت أنفاسها

-اجهزي ياعروسة علشان تنفذي شرطي بعد مانصلي ، هتنزلي الشرف دا يابنت مالك المحلاوي وتكوني ام لابن بدر القاضي

توقف مجرى الدم بعروقها وهي تسأله بصدمة:

-إنت قولت مش هتقرب مني دون اذني

عقد حاجبيه بغرور رجل متجبر:

-هو أنا قولت هقرب بدون اذنك، انا قولت هتكوني ام لابن بدر القاضي، وقت ما تكوني مستعدة تبعدي عني، أما بقى لو عجبك حياتي ودا اكيد انتي عايزة تفضلي جنبي اكبر وقت فبكدا هتمنعي نفسك علشان هتخافي ان الشرط يتنفذ وتبعدي عن بدر القاضي..أغمضت جفونها من إهانته المتعمدة لها

استدارت للمغادرة ولكنه أوقفها قائلاً:

-اجهزي علشان نصلي أنا تعبان وعايز ارتاح

اومأت له دون حديث ودلفت للداخل، خرجت بعد دقائق معدودة، كان يقف بالشرفة يواليها ظهره، شعر بخطواتها، استدار ينظر لها، احتقن داخله من جمالها الذي هز كيانه، وذهب بخيالاته لتلك الأيام ..همست بصوتها الرقيق

-انا جاهزة ..استدار للجهة الاخرى واغمض عيناه للحظة محاولا تمالك أعصابه من هيئتها فقد كانت

ندية مثل قطرة الماء،

-بدر..همسات بها بعدما وجدت صمته

هنا شعر بدقات عنيفة بشقه الأيسر، لهمسها لاسمه أول مرة ، كور قبضته لابعاد ذاك الشعوروتحرك مقتربًا منها

اتجها لركنيهما الخاص بالصلاة، وقاموا متجهين للحي القيوم

انتهى بعد قليل ..جلست تسبح ربها تهرب منه، نهض متجهًا إلى الفراش، قام بخلع كنزته وألقاها على المقعد

-استدارت بوجهها تصيح غاضبة

-ايه دا، انت ناسي إني معاك في الأوضة، وبعدين هنام فين

أشار على الفراش وتحدث:

-احنا لسة مخلصين صلاة، مش عايز كلام كتير، ومبحبش أعيد الكلام مرتين، إنتِ مراتي هتنامي جنبي هنا على السرير، ودا آخر كلام

نهضت تشيربسبباتها محذرة إياه:

-أكيد بتهزر أنام جنبك إزاي، انكمشت ملامحها بألم وظهر غضبها على وجهها فأردفت:

-هروح انام في أوضة تانية

تسطح على ظهره واضعا كفيه تحت رأسه ينظر لسقف الغرفة، ثم تحدث:

-يبقى اعمليها، وشوفي هعمل إيه

ظلت متسمرة بمكانها لا تعلم ماذا تفعل، اخذت تمرر يديها التي ارتجفت كحال جسدها على خصلاتها وهي تراه بتلك الحالة ، تحركت إلى الأريكة وهتفت موبخة إياه:

-إلبس حاجة مينفعش تقعد كدا، نهض من نومه متجها إليها ، فيكفي ماصار طيلة اليوم، يريد أن يريح ذهنه،

توقف أمامها وبفظاظته المعهودة معها تحدث محذرًا إياها:

-انا قولت مبحبش اعيد كلامي، ايه مش شيفاني راجل قدامك، ولا شايفة جايبك من الشارع علشان تنامي في مكان وانا في مكان ..

انحنى يجذبها من عنقها حتى جلست بمقابلته بجسد مرتجف:

-طول ماانتِ على ذمتي هتنامي جنبي حتى لو غصب عنك ، قالها ثم

حملها رغمًا عنها واتجه بها إلى الفراش، انزلها محاوطًا إياها بذراعيه بقوة رغم محاولتها الفاشلة من التملص من بين ذراعيه

قام بنزع مأزرها مردفًا:

-هننام في ليلتك دي، ولا اعمل حاجات مش هتعجبك، قالها بنظرات نارية، جعلتها تتراجع متجهة إلى الفراش

تسطحت تجذب ذاك الغطاء لتخفي جسدها عن أعينه الأختراقية التي لأول مرة تراه بها

والته ظهرها مبتعدة عنه على طرف الفراش..تلقى بجوارها، ثم قام بإغلاق الأضاءة الخافتة، اغمض عيناه محاولا السيطرة على دقات قلبه التي بدأت تنبض بعنف من رائحتها الشهية، فمنذ إقترابه منها، وبدأت مشاعره تتحكم به، ظل يتقلب بنيران مشاعره التي خرجت عن السيطرة، كلما تذكر أن غيره يمتلك قلبها

تعاقبت ساعتين وهو بنفس الحالة، ولا يختلف الأمر لديها، لم يغفو لها جفنًا بسبب انحباس النفس بصدرها، ورائحته التي طاردت رئتيها بقوة، ابتلعت غصتها كلما تذكرت أن هذه ليلتها التي كانت تحلم بها مع من يمتلك قلبها، ولكن أتى هذا ليحطم أحلامها، بسبب ماضي مأسوي يحاصرها لم ترتكب به شيئًا سوى إنها ابنة الرجل الذي اتُهم بقتل والده، وتمر عدة سنوات وتقع فريسة له بسبب إتهاماته الباطلة بقتل جده

حدثت نفسها، هل هذا الشخص الذي أول من دق له قلبها، انسابت عبرة كلما تذكرت طفولتها معه، ذهبت بذاكراتها

Flash

استيقظت من نومها مهرولة للخارج

-ماما فيه أخبار عن النتيجة، حيث كانت بالصف الثالث الأعدادي، كانت كوثر تذهب ذهابًا وإيابا منتظرة إتصال هاني القاضي، لحظات واستمعت إلى زنين جرس المنزل

هرولت لتفتح الباب، وجدته واقفًا بطلته البهية لعينها والخاطفة لقلبها

-بدر!!..أشار بعينيه

-ينفع تطلعي تفتحي الباب وانتِ كدا

نظرت إلى منامتها الصيفية فهرولت للداخل بعدما شعرت بالخجل

ولج للداخل : صباح الخير ياطنط كوثر

-صباح الخير ياحبيبي، معدتش على مدرسة رهف النهاردة نتيجتها

ابتسم وهو يعانق الأخرى ببصره فهتف:

-مبروك الأستاذة نجحت الأولى على مدرستها

صرخت كالأطفال

-نجحت ياماما، نجحت بتفوق، هرولت إليه

-احلى خبر من احلى بدر في الدنيا..استمعوا إلى طرقات على باب المنزل

فتحت الخادمة ..ولج مالك يوزع نظراته بينهما

-مالكم واقفين كدا ليه !!ثم اتجه بنظره الى بدر قائلا:

-شايف جيتك بقت كتير يابن هاني القاضي

استدار متحرك فهتف:

-كنت ببارك لبنتك، تحركت رهف إليه

-بدر هتمشي..وضع كفيه بجيب بنطاله مردفًا

-رايح الجامعة أشوف النتيجة، ثم رفع بصره إلى مالك وصنع تواصل بصريا بينه ثم تحدث بمغذى

-عيلة القاضي هضيف محامي عنده ضمير..اقترب منه مالك يطالعه بوجوم

-تقصد ايه يالا..تحركت كوثر إليه سريعا

-يبقى طمني ياحبيبي على النتيجة

تحرك ولكنه توقف عندما استمع إلى صوت مالك

-اه ياريت تعرفوا نتيجته ايه قبل ماتسافروا

ارتجف جسد رهف من حديث والدها، فذهبت ببصرها إلى بدر، الذي تصنم بوقفته فهتف متسائلا:

-هتسافروا!!..اقترب مالك بخط سلحفي واستفهم بإستهجان :

-ايه عندك مانع ولا إيه !!.

هز رأسه رافضا ثم ذهب ببصره الى كوثر

-هتوحشوني ياطنط كوثر يبقى طمنوني عليكم

ربتت كوثر على ظهره

-إن شاءالله حبيبي، شكرا على كل حاجة

تحرك بعدما ألقى تلك المتصنمة نظرة وداع

ارتفعت حرارة جسد مالك بعد خروجه

-نفسي اعرف ليه بتقابلوا الولد دا هنا

انسابت عبراتها بقوة وتحدثت بنبرة شجية

-أنا مش عايزة أسافر..اقترب والدها غاضبا

-هتسافري تكملي تعليمك برة، زيك زي أختك، مش مستعد تدخلي ثانوي هنا وتطلعي فاشلة، هتسافري مع والدتك وأخوكي ودا آخر كلام عندي

دفع ذراعه عن ابنتها وهتفت غاضبة

-ابعد عن البنت يامالك، احنا مش عايزين نسافر، ايه هتجبرنا ولا ايه

تجعدت حواجبه بإنزعاج وزمجر غاضبا بوقوع عاصفة قوية بينهما

-قولت هتسافروا، وجهزوا نفسكم ..استدارت لأبنتها

-رهف ادخلي جوا حبيبتي،عايزة اتكلم مع بابا

تحركت ودموعها تفرش الأرض أمامها

-عايز ايه يامالك، جاي بتجبرنا على حاجات مش عايزينها ليه

قبض على ذراعها هاتفا بنبرة قوية :0

-متخلنيش اندم اني سبت الولاد معاكي، احترمي نفسك ياكوثر، وابعدي بولادك عن عيلة القاضي، بدل وحياة أغلى حاجة لأحرمك منهم، اجهزي على بكرة الصبح هتسافروا امريكا، بنتك تكمل تعليمها هناك وابنك كمان كبرلازم تفكري في الولاد

انسدلت عبراتها على خديها بعجز

-هو فين ابني دا، ابني اللي حرمتني منه عشر سنين، ربنا ينتقم منك يامالك

دنى يضغط على ذراعها بعنف، حتى شعرت بغرس أظافره بلحمها وهتف بنبرة غاضبة دون جدال

-ومستعد احرمك منه تاني، ومش بس كدا مستعد اخد منك بنتك، وانتِ عارفة إني اقدر

عودة للحاضر

خرجت من ذكريات مؤسوية ، تتذكر ذاك اليوم الذي قابلته بعد خمسة عشر عاما ..

كانت تدلف لداخل المشفى تتحدث بهاتفها

-حاضر ياماما، لو جه مش هتناقش معاه، واحاول اخلص بدري علشان حضرتك قلقانة على بنتك الدكتورة اللي كملت 30سنة، كدا كويس

-رهف حبيبتي متتريقيش على مامتك..زفرت بقوة بعدما شعرت بتأنيب الضمير

-خلاص ياماما وعد احاول اخلص شغل بدري ، كدا كويس ياست الكل

ابتسمت كوثر قائلة:

-ربنا يبارك لي فيكي ياحبيبتي..أغلقت الهاتف مع والدتها وتحركت وهي تضع الهاتف بحقيبتها ولكن اصطدمت بحائط بشري، توقفت معتذرة بعدما سقط الهاتف من كفيها، وامالت بجسدها تلتقطه قائلة:

-آسفة يافندم، انحنى قبلها والتقطه يبسط كفيه إليها

-أنا كمان اسف، كان المفروض اخد بالي …ذبذبات اخترقت جسدها من صوته، رفعت رأسها سريعا لتتأكد من مصدر الصوت أنه هو..ابتسامة لمعت بعيناها عندما وجدته، فهمست بصوت كاد أن يسمع:

-“بدر”..نزع نظارته بعدما همست اسمه، يحدج بها ورغم معرفته بها، لكنه أنكرها، وتحمحم

-عفوًا، مين حضرتك..اختفت الابتسامة متذكرة مافعله بها قبل سفرها بيومًا، فتراجعت متأسفة وهي ترتدي نظارتها قائلة:

-آسفة يافندم شبهتك بواحد معرفة قديمة، سوري..قالتها واستدارت متحركة للداخل، لاحت ابتسامة ساخرة على وجهه ثم أردف:

-حاولي تتذكري كويس، علشان مش كل الناس هتكون محترمة وتوقف تتكلم معاكي بأسلوب راقي، إلا إذا كان الموضوع متكرر ووخداه تسلية..قالها وهو يشيعها بنظرة مشمئزة، ثم انزل نظارته على وجهه وتحرك من أمامها بعنجهية..انسابت دمعة غادرة تحرق وجنتيها ليتها لم تنتظره كل هذا الوقت

قبضت بكفيها على الفراش لحظات لتنظم من تتفسها ثم استدارت بجسدها إليه ..وبأنفاسًا هادرة ودقات قلبها التي تقرع كالطبول تحدثت بهدوء رغم عواصفها الداخلة:

-أنا جاهزة، لكن عندي شرط

اعتدل بجسده على ظهره ينظر لسقف الغرفة، والتوى فاهه بإبتسامة ساخرة:

-مالكيش شروط عندي، انا شرط وانتي وافقتي..هبت من نومها تطالعه بغضب وصاحت بصوتا متقطع:

-لو ربنا رزقني بطفل مستحيل أتنازل عنه، سمعتني ولا لا ..

-لا ..قالها ببروده المستفز..نظرت إليه بعيون عاجزة ماذا ستفعل لهذا المغرور ..لحظات صمت مميتة أرادت بها قتله حتى تريح من دقات ذاك الضعيف، من أنفاسه ورائحته حتى صوته المزعج ..نهضت من فوق الفراش وتحركت لداخل غرفة أخرى تصفع بابها بقوة صارخة من خلفه

-يبقى مش هيحصل بينا حاجة حتى لو هتموتني ..انا بكرهك يابدر سمعتني بكرهك وبكره كل حاجة بتفكرني بالماضي اللي جمعنا

تعاظم الغضب بداخله حتى ارتفعت أنفاسه فهب من مكانه متجهًا اليها، دفع الباب ودلف وجدها تجلس على الفراش تبكي بصمت ..ارتجف جسده من حالتها، عيناها التي تورمت وانسياب دموعها بكحلها حتى أصبحت وجنتيها بها خيط اسود، أنفها الذي ازداد احمرار من كثرة شهقاتها..خصلاتها الهاوية على وجهها بشكل عشوائي، حقًا من يراها يزعم بإنهيارها للحد الذي يصل بها لفقدان الحياة

زفر غاضبًا ثم اقترب منها يجلس بجوارها ثم أردف:

-احنا مش اتفقنا ليه جاية تغيري رأيك كدا

رفعت عيناها الباكية:

-إنت امتى بقيت شخص عدواني كدا، ليه مش عايز تصدقني، انا ماليش ذنب بتاخد طارك مني ليه

أوقفها يضم أكتافها ثم تحرك لغرفته:

-رهف انا تعبان ممكن نتكلم بعدين ، بقالي كام يوم منمتش وماليش خلق للكلام دلوقتي..ممكن تأجلي أي حاجة لبعدين

طالعته بأعين حزينة تريد أن تعرف ماذا حدث له، تخيلت سيخبرها ، تخيلت قسوته وهما أمام والدها فقط، ولكن ذهب هباء بعد حديثهما ..تحركت بهدوء للغرفة فصوته المتعب لا تنال منه اي حديث..تسطحت على الفراش تواليه ظهرها ..تمدد بجوارها ثم اقترب منها يجذبها لأحضانه ومرر أنامله يزيل عبراتها وهمس لها:

-رهف الليلة دخلتنا، مش عايز اغصبك على حاجة

أغمضت عيناها ورجفة اخترقت جسدها من همسه وانفاسه التي ضربت عنقها

جذبها أكثر حتى لم يفصل بينهما شيئا، بعدما وجد صمتها ، وبدأ يمرر أنامله بخصلاتها يستنشق رائحتها

، انتفض جسدها بين ذراعيه بقوة ، حتى شعرت بتصلب جسدها، الذي انتابته قشعريرة

همس بجانب أذنها:

-اشش ، أهدي هاخدك في حضني بس ..أطبقت على جفنيها تحاول السيطرة على عبراتها التي تجمعت بعيونها مرة اخرى، ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة بألمًا تجلى بصوتها :

انت مش عايز تتكلم، رافض تتكلم، انت قولت لي انا بنت عدوك، ودلوقتي بتاخدني في حضنك

-وينفع تاخد بنت عدوك في حضنك، البنت اللي قتلت جدك ..أدارها بهدوء،وتنهيدة عميقة غادرت ضلوعه، فتحدث بأسى:

-عارف إنك مظلومة، لكن دا ميمنعش إنك غلطي، ودلوقتي فكري انك مراتي وبس، والليلة دخلتنا

رفعت موج عيناها تعانق سواد ليله :

-ليه عملت فيا كدا، ليه سرقت فرحتي مني، عملت فيك ايه، مع إنك أكتر واحد أذتني

أشار على نفسه عاقدا حاجبه:

-أنا ..أنا أذيتك، طيب أقول ايه وحياتي اتسرقت مني، بسبب مالك بيه، ردي عليا ابوكي اللي حرمني من أحب حاجة لقلبي، موت أبويا بحسرته بعد ما بخس بسمعته الأرض

رفع ذقنها وحاوطها بنظراته

-تعرفي حاولت اكرهك وانتقم منك بس مش عارف..انسابت عبراتها على وجنتيها بصمت، ازالها بإبهامه وأكمل

-أنا كنت شاكك انك تكوني بالأجرام دا، لكن دا ميمنعش إنك اذيتيني

أطبقت على جفنيها، ممكن تبطلي عياط، دنى منها وهمس بجوار أذنها

-ألف مبروك ايه مش هنكمل المباركة !!

شعرت برجفة من اقترابه الزائد عن الحد، ومضمون حديثه ناهيك عن أنفاسه التي لافحتة وجهها، تراجعت برأسها بعيدا متمتمة

-دا مش إتفاقنا، متنساش إن جوازنا إتفاق، وانت قولت مش هتقرب لي

جذبها بقوة لصدره:

-إنسي أي كلام قولته، المهم لازم تنفذي الشرط، وكان من ضمن إتفاقنا يكون ليا طفل…مرر أنامله على عنقها

-عايز طفل منك يارهف، الليلة دخلتنا اتمنى تكوني جاهزة

ذبذبات عنيفة انتابت بجسدها بالكامل، فعانقته بعيناها

-تقصد إيه؟!

ارتفعت درجة حرارة جسده من همسها وقربها ورائحتها الشهية حتى فقد السيطرة وعصرها بأحضانه ناسيا وعده محاولا الأنسياق وراء رغبته بها بعدما فقد سيطرته الكاملة ..تشابكت عيناه بعيناها، ثم اقترب قائلا

-أقصد كدا…قالها وهو يثبت رأسها ليتذوق شهدها ويغزو قلبها ويخترق أسوارها بصك ملكيته بعد فترة من همساته ولمساته الخبيرة، حتى وقعت صريعة بعشقه المدفون لسنوات بقلبها، لتصبح زوجته قولا وفعلا

دفنت نفسها بأحضانه بعد فترة اجتاحت كلا منهما، غفت بسبب إنهاك جسدها، ظل لفترة يطالع نومها بهدوء، رغم شعور جديد اجتاح كيانه إلا أنه غضب من نفسه بسبب انسياقه وراء رغبة شهوانية لأول مرة، كيف سيبرر لها بالصباح، بعدما اشعرها بقوة حبه

اشتعل صدره ودقات قلبه العنيدة تدق بعنف عندما رسمتها عينيه بتقلبها وابتسامتها البريئة، كم كانت جميلة بنومها

لمس وجنتيها بأنامله هامسًا لنفسه:

-فيكي ايه خليتني أفقد نفسي..زفرة حارقة من جوفه كلما تذكر همسه له وانسياقه خلف قلبه الذي بدأ يعزف بقربها

اعتدل ناهضا إلى المرحاض، خرج بعد اغتساله، ثم تحرك إلى الشرفة وقام بإشعال سيجاره وذكريات الماضي تصفعه بقوة ..كور قبضته بعنف حتى شعر بتمزق أوردته

-ازاي قدرت تقرب منها، من إمتى وانت ضعيف كدا، ظل يحرق تبغه إلى أن شعربنيران تحرق صدره

اتجه إلى الأريكة وألقى بجسده عليها ينظر لسقف الغرفة وذكرياته المتألمه تشق صدره، ظل على ذاك الحال إلى أن غفى

مرت عدة ساعات، نهض متجها إلى مرحاضه، وخرج بعد فترة وجدها قد استيقظت، أرجعت خصلاتها المتمردة على وجهها، ثم رفعت نظرها إليه

-صباح الخير..وقف أمام المرآة واجابها دون أن يعريها إهتمام

-صباح النور..كانت تطالع ظهره الذي يواليها به، بحثت عن روبها ثم جذبته، أورتدته ناهضة من فوق الفراش

-هنسافر دلوقتي؟!تسائلت بها وهي تقف خلفه تنظر لأنعكاس صورته

ارتدى ساعة يديه، بعدما قام بتصفيف خصلاته، ثم استدار متجها إلى أشيائه الخاصة وهتف بنبرة هادئة

-مفيش سفر غيرت رأيي

ابتسمت بمرارة بينما تكونت الدموع بعينها لتقول بصوت مختنق

-طيب معرفتنيش ليه، مش كنت قايل هنسافر، حتى كنت جبت هدومي

لم يجد كلمات تعبر عن أسفه عندما شعر بحزنها من خلال نبرتها

استدار يطالعها بصمت للحظات ثم تحدث:

-مش فاضي عندي شغل، ومتنسيش إتفاقنا، واللي حصل إمبارح كان علشان الأتفاق، دنى خطوة ثم رفع ذقنها بأنامله وتعمق النظر بعينها، عايز طفل، مفيش حاجة أكتر من كدا، تجمدت بوقوفها تنظر إليه بأعين زائغة، غير مستوعبة

ابتلعت غصة وخزت جوفها بمرار إهانته، فرفعت موج بحرها تريد إسترداد كرامتها فأجابته بنبرة باردة:

– عارفة..انتقلت أنامله لخصلاتها يزيحها بعيدًا عن عيناها قائلًا:

-أكيد أنتِ مش زعلانة، لأننا عارفين الغرض من الجواز دا

ابتلعت نيران بجوفها وأردفت بصوت يكاد يسمع

-ربنا يوفقك، قالتها واستدارت تعض أناملها ندما على تفريطها بكبريائها له ليلة أمس

اتجهت بخطوات بطيئة، كأنها تحمل فوق عاتقها حمل الجبال، ولجت المرحاض، ثم أغلقت بابه خلفها، وهوت جالسة تضع كفيها على فمها تمنع شهقاتها

سطر الحزن ملامح وجهها الجميل، حتى دفع الدمع بالدمع يحرق وجنتيها حرقًا، ونزيف روحها يخنقها

ظلت فترة تبكي بصمت حتى شعرت بجفاف دموعها

أغمضت عيناها متألمة على ماصار لها، نهضت متخبطة، وولجت للداخل لتنهي حمامها

بعد فترة انتهت واتجهت للواحد القاهر الذي يذيب آلم روحها

فردت سجادتها ثم اتجهت للحي القيوم لتؤدي فريضتها، ركعت بخشوع وانسابت عبراتها داعية الله المولى أن يريح قلبها ويرزقها الراحة والأطمئنان والسعادة، أنهت صلاتها بعد فترة، ثم جلست تسبح ربها، ثم نهضت متجهة إلى فراشها، والقت نفسها عليه بإسدالها..استنشقت رائحته على الفراش شعرت بإختناقها، نهضت سريعا تبحث عن غرفة أخرى حتى تقيم بها الأيام القليلة التي تجمعهم

ولجت لداخل الغرفة اتجهت للفراش وتمددت عليه لتذهب بنومها هاربة من مستقبل لا تعلم ماذا سيكون قدرها به

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية القاضي المتهم) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق