رواية طوفان الدرة – الفصل التاسع والثلاثون
إعتراف بالحُب مصحوب بكذبة جعله يضحك،بل يُقهقه وهو يعود برأسه للخلف ينظر لوجهها بتكذيب ساخر.. نظرت له يخفق قلبها من ضحكاته التى تُعطيه وهجً بقلبها العاشق… تأملت خطوط وجهه بإحساس… قائلة بإستفسار:
بتضحك على إيه.
مازال يضحك وهو يُعطيها الرد:
بضحك على كدبتك، إفتكري كويس يا حبيبتي أنا يومها حذرتك وقولت لك هتقعي بس إنتِ اللى عاندتي.
تغنجت بدلال وهي تُسبل جفنيها تتمايل براسها بدلال قائلة بإصرار:
برضوا إنت السبب، إنت لما إتكلمت أنا إنتبهت لك وفضلت أبصلك ومركزتش فى السلم.
قهقهته خفتت تدريجيًا، وملامحه صارت أهدأ وهو يطالعها بعينين يملؤهما العشق، ابتسامة عريضة مازالت ترتسم على شفتيه:
يا سلام… يعني أنا السبب لما كلمتك خطفت عقلك من الدنيا كلها.
بدلال أومأت رأسها بتأكيد، ضحك طوفان وهو يرفع رأسها يتأمل عينيها سعيدًا وهي تنظر له تبتسم، أحنى رأسه يشتهي شفتيها المُبتسمة ضمهما فى قُبلة ناعمة تزداد شغفً مع تجاوبها معه وهي ترفع يديها تُعانق بهما عُنقه، وهو يضم خصرها بيديه يُقربها منه، تزداد يديه عبثً وجرأة على جسدها يُبعثر أنفاسها ما بين اللذة والإشتياق،من قوة مشاعره… لا تستطيع مقاومة انجذابها، كلما حاول عقلها أن يتمسك بخيط واهن من الاتزان، يذوب مع حرارة لمسته، كأنها سُلبت القدرة على التفكير…
أغمضت عينيها مستسلمة للحظة، بينما هو يزداد اقترابًا، يُمزج بين عاطفةٍ جارفة ورغبةٍ عاتية، هامسًا جوار أذنها باسمها،يجعلها تهمس إسمه بخفوت، متشبثة بعنقه أكثر، تستسلم لفيضان عذب يُغرقهما.. تسارعت أنفاسهما، كل خلية بجسدها تستجيب له كأنها تذوب بين ذراعيه، تائهة بين لذّة القبلة وحرارة اللمسات.. يديه تجولان فوقها بجرأة ، يضغط على خصرها ليقربها أكثر، حتى صار ملتصقين… تسمع خفقاته المتلاحقة تختلط بخفق قلبها المُنتعش…
انزلقت أنامله تتلمس وجنتيها بشغفٍ… يهمس باسمها من جديد، بصوت مبحوح، من شدة الولع والوله، يود أن تمنحه المزيد، فارتجفت بين يديه ، لا تريد سوى الغرق أكثر في ذلك الفيضان الذي اجتاح كيانها، بل كيانهما بالكامل…
بعد وقت ساد صمت بالمكان لا يُسمع سوا صوت رياح بعيدة، لا يشعر سوا بأنفاسها المضطربه بكنف عُنقه وهي تتنفس
وهي لا تشعر بشيء سوا يديه اللتان يحكمهما بتملُك يضم جسدها عليه يحتضنها بقوة عاشق
ارتخت جفنيها وهي مازالت ملتصقة بصدره، بينما هو يُشدد من ضمته، يطبع على شعرها قبلة طويلة…
رفعت رأسها ونظرت له كان يُغمض عيناه، تفوهت بهدوء:
طوفان إنت نمت.
فتح عيناه يهز رأسه بنفي.. تبسمت قائلة:
طوفان أنا…. جعانه
ضيق عينيه بإندهاش قائلًا:
إنت إيه…
أجابته بتأكيد:
أنا جعانه، إيه الغريب في كده…مالك مستغرب كده ليه هو مش انسانه وبجوع.
ضحك قائلًا:
مش مستغرب، بس فكرت هتقوليلي عاوزة أرجع عشان إبني.
نظرت له وتهكمت بسخرية قائلة:
إبني… إبني زي باباه، بيرتاج مع الحجة وجدان كأني مش مامته وأنا اللى حملت فيه تسع شهور، حتى الرضاعة من صدري استغنى عنها.
ضحك طوفان لكن سريعًا بدل وضعهم ليصبح فوقها… تلمع عيناه بشغف، لوهلة شهقت وهي تُغمض عينيها بقوة، قلبها يخفق بجنون، رفعت عينيها تنظر له تبتسم…
ضحك بخفوت، ضحكة خليط بين شوق ورضا، ثم عاود يُقبلها وهي تستجيب معه بلا عقل ولا إهتمام لقسوة المكان…هما معًا فقط وكل شيء ساكن،انفاسهما ودقات قلبيهما فقط…مشاعر تفيض مع تدفُق عذب يرتويان منه،يغرقان فى ثمالة…
فى النهايه طبع قبلة إمتنان وعشق على جبينها،وضمها لصدره…لحظات قبل أن
ترفع رأسها بخجل مصطنع، ابتسمت تعض على شفتها السفلى.. ضمها أكثر، يسمع خفقات قلبها المتسارعة، وصوته انخفض ليصبح همسًا دافئًا:
من النهاردة بلاش تعاندي تاني… إنتِ قولتي حقيقة قلبك من غير ما تاخدي بالك… أول مره تعترفي إنك بتحبيني وإنتِ مش فى موقف خطر.
ضحكت سائلة:
قصدك إيه.
أزاح بعض خصلات شعرها عن عُنقها قائلًا،بتذكير:
يعني الاعترافات السابقة كانت بتبقي وقت مِحنة.
رفعت عينيها له بلمعة مُغرية، وقالت بمرح:
الحقيقة إني وقعت… وقعت في حبك قبل ما أقع من على السلم.
ابتسم وهو يمد يده يمسح على شعرها بحنان:
ووقوعك ده، أسعد لحظة في حياتي.
لمعت عينيها… نظر في عينيها بتركيز جعل أنفاسها تتلاحق، وصوته صار أهدأ وأدفأ:
وإنتِ من يومها خطفتي قلبي كله… حتى وأنا بضحك دلوقتي، جوه قلبي في رهبة، لأنك أهم حاجة في حياتي.
شعرت بارتجاف خفيف يجتاحها، فحاولت الهروب بالابتسامة وتفوهت بغرور:
إنت كتير قولت إنك بتحبني.
قهقه بهدوء، ثم أمسك بيدها يضمها بقوة وهو يرد بنبرة جادة ممزوجة بالعاطفة:
عارفة الأرض أما تكون قاسية وناشفة، ويجي شوية مطر صغيرين يروها، إنتِ المطر ده يا درة… يمكن عشقك هو اللى خلى جوا قلبي حتة لينة كان سهل تبقي حجر.
ارتجفت شفتاها من وقع اعترافه، نظرت لملامحه التي تلمع بالصدق، ثم همست بخجل وعيونها تفيض عشقًا:
وأنا… وقعت، ومش ناوية أقوم من الوقعة دي.
أقترب من وجهها صارت أنفاسه تختلط بأنفاسها، وملامحه تكاد تلامس وجهها… نظر إلى عينيها التي تهرب تارة وتعود تارة أخرى، ثم همس بصوتٍ منخفض لكنه نافذ بأمنية:
طب قوليها تاني…
ارتبكت، عضّت على شفتها السفلى، كأنها تحاول الهروب من ثقل اللحظة، لكنها ما لبثت أن رفعت عينيها نحوه وهمست بعشق:
بحبك.
لم يستطع التماسك أكثر، ضمّها إلى صدره بقوة، كأنما يخشى أن يسرقها منه الزمن… سكنت بين ذراعيه، تسمع دقات قلبه المتسارعة فتزداد يقينًا أن قلبها وجد موطنه…
همس عند أذنها وهو يمرر يده برفق على شعرها:
إنتِ دنيتي يا درتي.
ابتسمت وهي تدفن وجهها في صدره يديها تعانقه، تحدثت قلوبهم كثيرًا فى لحظة العناق الصامت الذي قطعه طوفان حين همس جوار أذنها :
اتكلمي… بس قولي حاجة واحدة بس…
تنفست بعمق، وشعرت إن الوقت لا يحتمل الهروب، فنطقت بصدق:
أنا ليك… أنا اخترت أعيش في حضنك.
ضمها أقوي، فى لحظات صمت… قطعتها هي
حين سألته سؤال دائمًا حيرها وهو الوحيد الذي لديه الإجابه :
طوفان ليه بعد موت باباك فضلت مدة ومفكرتش تتقدم وتطلبني من بابا تاني.
-تاني
قالها باندهاش سائلًا:
قصدك إيه بـ تاني.
لوهلة شعرت بإرتباك، رفع رأسها عن صدره ينظر الى عينيها التي حاولت الهرب وهي تتذكر بعد معرفتها بحقيقة عقد قرانها على طوفان بذاك التوكيل التي فعلته لـ شاهر من أجل بيع شقة القاهرة، لا تنكر عصبيتها، ربما أرادت أن يحدث ذلك لكن بطريقة مباشرة دون مراوغة…جعلتها تشعر بأنها خُدعت أو أن الأمر تم من خلف ظهرها..تحاول كبح فرحتها ، بينما كان قلبها يتقافز من الصدمةٍ
لكن شعرت بغصة قوية فى قلبها حين وقع نظرها على صورة والدها الموضوع بإطار فوق طاولة جوار الفراش إقتربت وأمسكت ذلك الاطار تنظر إليه بوجع قوي فى قلبها، هطلت دموعها، لكن سُرعان ما جففتها وضعت الاطار بمكانه مرة أخري حين سمعت صوت طرق على باب غرفتها، سمحت له بالدخول، دلف يبتسم قائلًا:
لسه سهرانه.
أجابته:
كنت هنام.
اقترب منها وضع يده على كتفها يبتسم قائلًا:
جبت لك شمع عسل نحل، إنتِ بتحبي تاكليه.
غص قلبها وهي تنظر الى ذلك البرطمان الصغير، تذكرت والدها الذي كان يأتيها بذلك الشمع العسلي، مدت يدها وأخذته منه، تذوقت جزء صغير، تدمعت عينيها، ليس نفس المذاق السابق، تنهدت بأسي، شعر باسل بالأسي هو الآخر قائلًا:
دي أول قطفة عسل نحل بعد وفاة بابا، للآسف زي ما ماما بتقول “المال بيحزن على صاحبه” الإنتاج مش زي ما كان بس أنا ههتهم بالمنحل وان شاء الله هيزيد الانتاج تاني، تعرفي بسبب المنحل ده، فى مرة شوفت
والد طوفان، كان راجل ضخم وشكله يخوف، أو يمكن هيبة، معرفش بس وقتها كان بيتهجم على بابا، كمان جه طوفان يومها، وإعتذر من بابا، أنا فاكر إنه قاله إنه عاوز يتجوزك وطلبك من بابا يومها، بس بابا قاله لازم موافقة باباك الأول.
إنصدمت درة من ذلك وسألت باسل بإستفسار وتأكيد:
طوفان طلبني من بابا.
أجابها بتأكيد:
أيوه أنا كنت واقف يومها قريب منهم.
ذُهلت درة… وتحير عقلها يُقارن بين ذاك الفيديو التي رأته من هجوم والد طوفان على والدها، وبين معرفتها الآن برد فعل طوفان وقتها…
أيقنت أنها تسرعت وأخطأت حين إستسلمت لتسرُع عقلها ووافقت على الزواج من حسام…
أغمضت عينيها يمُر بخيالها لو كان حسام مازال حيًا، بالتأكيد لن تتخيل أن يكون زوجها، ذلك كان بعيد عن رأسها تمامً،
تبسمت لـ باسل الذي وضع يده على كتفها وتحدث بحنان أخوي مادحً طوفان:
أنا كنت رافض جوازك من حسام، لكن فرحت النهاردة لما عرفت إن طوفان هو اللى هيبقي من نصيبك، متأكد إنه بيحبك، هو قالي كده لما كنت فى النيابة، وإتحمل قضية كان ممكن تضره،مش بش عشان يظهر الحقيقة،لاء كمان عشان كمان عشان يحميك إنتي من أي شبهه أو كلام جارح…
ساعتها عرفت إن مشاعره ليكي صادقة، وإنه بيشوفك مش مجرد زوجة مستقبلية، لكن أمان وحلم وحياة.
كلمات باسل دخلت الى قلبها ،شعرت بسعادة مصحوبة بغصة قوية جعلت.. دمعة خفيفة لمعت في عينيها وهي تبتسم بخجل ممزوج براحة…
التفتت له قائلة:
مش يمكن وهم…وهو مخادع.
رد باسل بابتسامة مطمئنة نافيًا:
مش وهم يا درة، طوفان مش من النوع اللي يضحك على حد بمشاعر كدابه، ولو كان حبك ضعف في نظره، كان اختار يبعد، لكن هو اختارك بإصرار.
اتسعت ابتسامتها رغم ارتباكها، بينما قلبها يدق بشدة
كلمات باسل أيقظت بداخلها مشاعر حاولت وئدها خوفّ من الخذلان.
عادت من ذلك على مشاغبة طوفان وهو يُسلل أصابعه بين أصابعها يتشابك أيديهما معًا، نظرت نحو يده بتلقائية كانت يدها تضغط بقوة على يده ثم رفعت بصرها نحو وجهه وعادت تستفسر:
مردتش على سؤالي يا طوفان.
ضحك طوفان قائلًا بمشاغبة:
واضح إن جواب السؤال ده مهم أوي بالنسبة لك.
أومأت رأسها بتأكيد، فتنهد طوفان بتعب قائلًا:
بعد موت أبويا المفاجئ،إنه مكنش مريض وازمة قلبية فجأة كده تنهي حياته رغم عمره ما إشتكى من أي ألم بس ربنا بيسبب الأسباب زي ما أمي قالتلى وقتها لأني كنت مذهول،إزاي بكل الجبروت ده فى لحظة ينتهي ، ابوي كان شديد حتى فى إدارته لشؤون العيلة…يمكن أوقات بقول مكنش لهم غير كده… بعد وفاة أبوي، مكنش فى دماغي أمسك إدارة العيلة وأسيبها لخالي عزمي، بس للآسف خالي عزمي كل اللى يهمه الوجاهه، ومشاكل العيلة كبرت والحلول بقت صعبة، ولازم شد وحزم، العيلة بدأ يبقي لها خلافات مع عائلات تانية،وخالي عزمي بيحكم حسب مزاجه،بصراحة خوفت من مستقبل العيلة تتورط فى نزاعات،وقتها كلمني” الشيخ عرفة” وقالي يا طوفان العيلة بتتمزع وخالك هوائي مينفعش كبير عيلة، إنت اللى تنفع، وغصب واقفت، وكان لازم أبقي حازم وحاسم فى أي قرار أقوله، بصعوبة سيطرت على جماحهم وجمعتهم تاني تحت سيطرة قوية،إدارة العيلة مش زي أي إدارة ، هنا النفوس متقلبة، كل واحد ليه مصلحة، وكل كلمة بتتوزن بميزان حساس…
كنت بحس إن كل قرار باخده لازم يكون سيف قاطع، ولو اترددت لحظة، العيلة كلها هتتفتت…
أمي كانت دايمًا تقولي “خليك شديد يا طوفان، ده اللي هيخليهم يسمعوا كلامك”، وأنا عارف إن الشدة مش كفاية، لازم كمان يبقى في عقل وتخطيط…
خالي عزمي ما استحملش إني أخدت منه مكانة كبير العيلة، وفضل يحاول يبين إنه الأحق، بس الحقيقة إنه مجرد واجهة، يهتم بالمنظر قدام الناس، ومش فارق معاه الجوهر…
الشيخ عرفة كان دايمًا يقعد معايا، ينصحني
“الكبير مش بالشدة بس، الكبير اللي يعرف إمتى يقسى وإمتى يحن، لو فضلت ثاير طول الوقت هضيع اللي حواليك.”
وكلامه دايمًا بيرن في وداني كل ما أغلط أو أعنف حد زيادة… كمان
المصانع، الاجتماعات، مشاكل مع التجار، وخصومات العائلات… كله وقع فوق دماغي مرة واحدة…
بس جوايا كان في يقين أنا لازم أكون قدّها، ولازم أكمل الطريق اللي أبوي بدأه، حتى لو الثمن إني أفقد راحتي، أو جزء مني يضيع في وسط المعارك دي…
كمان شُغل المصانع، وأنا مكنتش أعرف عن الإدارة غير حاجات بسيطة إكتسبتها من الممارسة… كل ده خد وقت مني على حساب مشاعري الخاصة، وقتها إنتِ كمان كنت يادوب متخرجة من الجامعة، والوقت سحبنا من دون ما نحس.
جوابه كان مُقنعًا يُزيد الآسف والندم برأسها، وهي فسرت ذلك على هوا عقلها أنه إستسلم لرغبة والده وكلمات الحب الذي كان يُخبرها بها كانت مجرد كلمات فقط… لكن الحقيقة إن كل منهم فهم الموقف بشكل مختلف….
هي…رات إنه ضعف واستسلام لرغبة والده.
وهو يرا إن تضحيته كانت نوع من الوفاء والبر، وإن حبه لها ليس مجرد كلام لكنه واقع مكبل بالقيود…
كل منهم يحمل ألم مختلف…
هي ألم الخذلان والفقدان….. وهو ألم العجز.
لكن كان لابد لذلك أن ينتهي، وإنتهى… ضمها قويًا وهي تبسمت تضم نفسها إليه… عاود يُقبلها، وهي تستجيب، بداخله شعور مختلف اليوم بهذا المكان الذي كان سابقًا كـ خندق بهواء مسموم يخنقه…
….. الآن فضاء هادئ يهيم بين نسائمه الرقيقة المُنعشة للوجدان.
❈-❈-❈
قبل عِدة ساعات
بمنزل حاتم
إستغربت والدته حين رأته وهو يدخل الى المنزل يحمل جود بين يديه،
شهقت بخضة سائلة:
مالها جود، وجايباها هنا ليه.
نظر لوالدته قائلًا:
جود بخير ممكن توسعي وتطلعي قدامي تفتحي باب الشقة اللى فوق.
طاوعته وصعدت أمامه فتحت باب الشقة دلف خلفها وضع جود على آريكة قريبة من الردهة، نظرت له بدرية وعاودت الاستفسار، فرد عليها ببساطة:
أنا خطفتها، ومن فضلك مش عاوز مواعظ ولا تأنيب،ولا حتي نقاش دلوقتي.
شهقت بدرية وارتفعت يدها تلقائيًا على صدرها، قلبها يدق بقوة وهي تحدّق في وجه وجه حاتم غير مستوعبة ما قاله سائلة:.
إيه اللى بتقوله ده… خطفتها… إنت عقلك راح منك.
اقترب منها بخطوات باردة وصوته منخفض لكن نافذ:
– أيوه عاقل، وعارف أنا بعمل إيه كويس، وياريت بلاش تأنيب.
ارتجفت قلببدرية ما بين خوف على حاتم من من تهوره وبين قلقها من ناحية أهل جود، بالاخص طوفان… تحدثت لائمة:
اللى إنت عملته غلط و…
قاطعها حاتم:
غلط أو صح مبقاش قدامي طريق تاني خلاص.
أطبقت بدرية شفتيها، عقلها بين الانفجار بالصراخ أو التزام الصمت، لكن عينيها ما قدرتش تخفي رعبها:
إنت بتدخل نفسك في طريق ملهوش رجوع… و..
قاطعها مره أخري:
من فضلك يا ماما، ممكن تسبيني لوحدي مع جود، عشان خلاص البنج قرب مفعوله ينتهي وأنا عاوز أبقي أنا وهي على إنفراد.
حاولت بدرية الإعتراض والالحاح على حاتم، لكن لم يستمع لها، شعرت بخوف شديد… غادرت غصبً.
جلس حاتم على مقعد مُقابل تلك الآريكة، ينظر الى جود وملامحها الرقيقة، الهادئة، مثل شخصيتها، ذكريات تمُر وندم ينهش كيانه، لكن لن يستسلم ويتركها، هي مازالت تحمل مشاعر نحوه،
إعترض عقله:
لو كانت لسه فعلًا بتحبك مكنتش كل ما تقرب منها تصدك وتتعمد لومك وتذكيرك بفداحة ما فعلته معها ومقابلتك لمشاعرها بالجحود…
واعتراض آخر، أو بالأصح ما يتمني:
هي بتعمل كده عشان مجروحة
وبين الاعتراضات والافتراضات هو شئ واحد حقيقي جود أمامه وبالشقة التى جمعتهم سابقًا،ولن يتنازل عن عودتها له.
بدأت جود تفتح عينيها بغشاوة تشعر بصداع طفيف،رفعت نصف جسدها عن الآريكة … تفرك رأسها من الألم حتى إستوعبت وتذكرت آخر ما حدث، إنتفضت بغضب ونظرت أمامها، كم كانت بسمة حاتم بغيضة بالنسبة لها فى هذا الوقت، حاولت النهوض لكن شعرت بدوخة، ظلت جالسه، بينما حاتم اقترب منها بلهفه وحاول مساعدتها، نفضت يديه بقسوة قائلة بإستهجان وهي تنظر حولها:
إيه اللى جابني هنا، ده آخر مكان كنت أتمنى أرجع ليه،أنا لازم أمشي فورًا.
ارتكزت جود بإيدها على طرف الأريكة تستند عليها نهضت بصعوبة رغم تلك الدوخة التي تسيطر عليها. مدّ حاتم يده سريعًا لكنها صدته بنظرة صارمة قائلة بحدة.:
إوعى تلمسني، وإبعد عني كفاية، انا مش عاوزه مشاكل يا حاتم، طوفان زمانه عرف وأكيد رد فعله هيبقي قوي، انا مش خايفه عليك، أنا خايفة على أخويا، بسببك ممكن يتهور، أنا اللى سبق قبل كده شُفت بعيني إزاي ممكن يفقد عقله لو حد مسني بأذى.
تجمدت ملامح حاتم، ضاقت عينيههو يضغط على أسنانه:
عارف إن طوفان ممكن يقتلني من غير ما يفكر… بس ده مش هيمنعني…
هزّت رأسها بعصبية، وقاطعته دموع الغضب تلمع بعينيها:
لا يا حاتم المرة دي أنا مش هسمحلك تخليني سبب في دم تاني ممكن يتسفك… كفاية اللي حصل قبل كده… كفاية.
تقدم خطوة منها، نبرته مُشبعة بوجع دفين وندم:
وإنتِ فاكرة إني كنت عايز أذيكِ أنا… أنا كل اللي عايزه تبصيلي زي ما كنتِ قبل كدة،نظرة عينك كان كلها دفا، انا مش عدوك،يا جود وصدقيني انا ندمت على اللى حصل،كنت مشوش….إنتِ دلوقتي خايفة على طوفان من مجرد إنه يتأذي بسببِ، لو اتبدلت الاماكن وكنتِ مكاني وفجأة إنهارت كل حاجه حواليك… أخوكِ اللى المفروض فرحه بعد أيام،
حتى القانون مقدرش ياخد القصاص المظبوط القاتل طلع حُر طليق،… سبق وقولتيلي درة كانت أشجع مني، هي فعلًا كده، أنا
توقف يحاول كتم غصته يبتلعها بجوفه بمرارة قائلًا:
أنا ضعفت يا جود… معرفتش أكون زي درة، يمكن هي أشجع مني فعلًا، بس أنا… أنا كنت مجرد واحد تايه بين وجع وحقد وصدمة… كل يوم كنت بصحى وأحس إني مخنوق، مش قادر أتنفس، وألاقي صورت أخويا قدامي… والقاتل اللي عايش حياته عادي وأنا أخويا تحت التراب.
قرب خطوة صغيرة منها وهو بينظر الى عينيها برجاء:
إنتِ شايفة إني وحش… بس صدقيني، أنا كنت بني آدم مكسور، يمكن اتصرفت بغباء، يمكن ضيعتك ، لكن عمري ما كنت عايز أأذيك… أنا عايزك تفهميني، ولو للحظة واحدة، زي ما كنتِ قبل كده من غير ما أتكلم.
شد أنفاسه بمرارة وابتسم ابتسامة باهتة:
ندمي ده بيقتلني كل يوم… يمكن مفيش طريق أرجع بيه زي ما كنت، بس على الأقل خليكِ جنبي أرجوك… حتى كنوع من الإنسانية
قلبها بينبض بسرعة عاليه من التوتر، لكن صوتها خرج ثابت رغم الارتجاف :
إنسانيه…. كل ده مش مبرر يا حاتم على اللى عيشته معاك، شوفت جفا… عاوزني اتعامل معاك بإنسانية إزاي بعد ما كسرتني، جرحتني قدام نفسي… قدام الناس… مشكلتك إنك بتبرر لنفسك دايمًا إنك مظلوم، لكن عمرك ما سألت نفسك جرحت ولا لاء.
ارتعشت شفتيها وهي تكمل بنبرة غاضبة:
أنا كنت فعلًا مقدرة اللي مريت بيه… مقدرة وجعك، بس ده مكنش مبرر إنك تحوّل حياتي جحيم. إنت اخترت الطريق السهل… اخترت الانتقام بدل ما تواجه، واخترت إنك تغرق وتشدني معاك.
اتسعت عينيه من وقع كلماتها، ولم يعترضها ظل يسمع إستهجانها:
أنا مش هسامح بسهولة، ومش هقدر أشوفك زي قبل… يمكن يوم من الأيام ربنا يداوينا، بس دلوقتي… كل اللي بيني وبينك، حدود. ومهما حاولت…
سكتت لحظة، وهي تنصدم من حديث
حاتم الذي انهار يبوح بمرارة ودموع:
أنا تعبت يا جود… تعبت من إني أبان قوي وأنا من جوه ميت… إنتِ الوحيدة اللي كنتِ شايفاني، اللي كنتِ فاهمة أنا مين… ولما خسرتك حسيت إني خسرت آخر أمل يخليني بني آدم.
نظر لها من بين دموعه قائلّا بصدق :
أنا مش طالب تسامحيني دلوقتي… ولا حتى تبصيلي زي زمان. أنا بس… نفسي تفتكري إني مش عدوك، إني بني آدم وقع… وبيحاول يقوم.
وقفت جود متصلبة مكانها، قلبها يخفق بين غضبها وشفقتها، ما بين خوفها على طوفان وبين الذكريات التي تحاول مقاومنها… اتنهدت بوجع قائلة:
حاتم… مش عارفه إذا كان في يوم هقدر أصدقك تاني ولا لأ… بس دلوقتي، خلينا نقول إنك محتاج تواجه نفسك.
نظر لها حاتم بإحتياج…
بنفس الوقت بالأسفل، خفق قلب بدريه بهلع حين فتحت باب المنزل ووجدت طوفان امامها، لم ينتظر أن تسمح له بالدخول بل إقتحم المنزل سائلًا بغضب:
جود فين.
ظلت بدرية صامته، لكن شعرت ببعض من الإرتياح حين دخلت درة خلف طوفان… نظرت الى بدرية سائلة:
جود فين يا عمتي..
لم ينتظر طوفان الرد وصعد الى الأعلى كان باب الشقة مفتوحّ… بحث عن جود متلهفًا، حتى وقع بصره عليها توجه نحوها جذبها يضمها قائلًا:
جود إنتِ بخير الحيوان الحقير ده عملك إيه.
بمهادنه تفوهت جود برجاء
أنا بخير يا طوفان… خلينا نمشي.
وقع بصر طوفان على حاتم الذي يبدوا من ملامحه مهزوم، شعر بغضب من خطفه لـ جود
ابعدها عن حضنه وبلحظة اتجه نحو حاتم كانت لكمة قوية يتردد صوتها،ولكمة أخرى وأخرى ثالثه،وحاتم يتلقى الضربات بلا دفاع.
ربما لانه لا يود إثارة غضب جود،او السبب…أنه يستحق تلك اللكمات.
سريعًا توجهن جود ودرة نحو طوفان وقبل أن يلكم حاتم وقفن الإثنتين أمامه نظراتهن كفاية لجعله يهدأ ولو قليلّا…أنزل يديه،بينما إتجهت بدرية نحو حاتم تشعر بأسي وندم هي قد تكوت سببً فيما وصل إليه حاتم من خسارة فادحة، قسوتها على جود… كذالك معاونتها لـ ماهيتاب لتتسلل لحياة حاتم كي لا ينشغل بـ جود وتُسيطر على مشاعره…
ندم لكن بوقت خطأ…
غادر طوفان ومعه درة وجود التى رمقته بنظرة
ظاهرها… يكفي محاولات بلا جدوى، لكن في أعماقها شعور خفي لا يريد أن يفضحه كبرياؤها…
باطنها… مازال هنالك أمل لا تستسلم…
ضغطت على شفتيها تخنق غصة بداخلها، وكأنها تُعاقب نفسها قبل أن تُعاقبه…
أما هو فكان ، يُخفي تحت صلابته انكسارًا لم يعهده من قبل…
لم يكن يعرف،كيف يجر قلبه الممزق خلفه أم يهرب من لوم والده الذي جاء للتو، نظرة عينيه كافية عن الحديث بلوم… فلا داعي لذلك.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
صباحً
بالعيادة الطبية الخاصة بالثكنة العسكرية
حاول وليد تمثيل الألم وهو يحاول الإعتدال فى الفراش كنوع من التحية للقائد الذي إقترب من ذلك الفراش المُتكئ عليه…
نظر له القائد بصرامة سائلًا:
إيه اللى حصلك.
أجابه وليد:
إتزحلقت وأنا بجري ورجلي الشمال اتكسرت.
نظر له القائد رغم عدم تصديقه وحاول محاورته عله يُخطأ بالرد لكن وليد كان حريصً، تنهد القائد بزفر قائلًا:
تمام…
قاطعه وليد وهو يدعي الحرج:
حضرتك انا دلوقتي مُصاب، والمفروض أخد راحة لحد ما أعرف أدوس على رجلي، ممكن الأجازة دي أروح أقعد فى المنيا عند أهلي، يعني الرعايه هتبقي هنا زي هناك، بل هناك أفضل.
فكر القائد للحظات ثم وافق بمضض قائلًا:
تمام هوافق لك على أجازة أسبوعين لحد ما تفك الجبس.
انشرح قلب وليد، وظن أن الخِطة نجحت.
❈-❈-❈
مساءً
ببهو منزل طوفان… اعطي صغيره الى والدته وهو يبتسم لـ درة التى وصلت قائلة:
أنا جاهزة، خلينا نمشي عشان منتأخرش على ميعاد كتب الكتاب متنساش إنه هتبقي واحد من الشهود.
تبسم لها، كذالك وجدان تبسمت رغم شعور خفي بقلبها، لكن تفوهت بتمني:
عقبال ما تشوفوا كتب كتاب نوح وتخاوه كمان.
نظر طوفان نحو درة وغمز بعينيه، شعرت بالخجل من نظرة وجدان، لكن حايدت ذلك وقبلت وجنة صغيرها، أشار طوفان لها بأن تتقدم أمامه، غادر الاثنين نظرت لهما وجدان لا تعلم سبب لذلك الخفقان الزائد بقلبها… لكن همهمات الصغير جعلتها تنفض ذلك الاحساس.
❈-❈-❈
بعد وقت
بمكان قريب من منزل مرعي
ترجل وليد من تلك السيارة يستند على عكازين طبيين، وتوجه نحو منزل مرعي
بخطوات بطيئه، لكن توقف حين سمع أصوات الزغاريد تخرج من المنزل، سمع حديث إحد النساء تتحدث مع أخرى تسألها عن سبب الزغاريد:
ده كتب كتاب بنت مرعي الكبيرة الليلة،وطوفان بيه مهران هو اللى ادخل واتوسط للعريس، كمان هيبقي شاهد على كتب الكتاب، أم زينة قالتلى كده الصبح.
صدمة… بل إنهيار فى عقل وليد، انقبض قلبه وكأن أحدًا يعتصره بيديه،عقله غير مستوعب كيف خان مرعي الوعد الذي كان بينهما
زاد حقدًا وهو يرا طوفان يخرج من منزل مرعي وبصحبته تلك الحقيرة زوجته يبتسمان
تلك البسمة كانت مثل خنجر مُلتهب إخترق قلبه… ضعط على أسنانه يكاد ينكسر فكيه… يديه تشنجت حول العكازين، وهاتف بداخله يُحرضه لما لم تسفك دم طوفان وتلك الحقيرة التى تسير لجواره تبتسم، كأنها تراه وتتشفي به… شهقة غيظ حبست أنفاسه، عينيه جحظت بحمرة الغضب، اختزلت في لحظة الانتقام… لكنه فجأة شد أنفاسه ببطء، صوته الخافت خرج كزئير وحش جريح…
لكن لن يتنازل عن محاسبتهم جميعًا التى تأخر فيها، والبداية كسر قلب طوفان عن طريق تلك الحقيرة “درة”…
يتبع.. (رواية طوفان الدرة) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.