رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح) – الفصل الحادي عشر
[العبث الحادي عشر]
[العبث الحادي عشر]
-رُكاب سفينة نوح.
•عنوان الفصل/ رصاصة مُلطخة بـِ حُمرة شِفاه
” هي كـ الماء وأنا النيران، إن إقتربت لأروي شوقي تجاهها ستنطفيء للأبد ولن أراها مُجددًا، وإن إبتعدتُ عنها سيرتوي غيري مِنها ليزيد إشتعالي، وأحرق المدينة.. أنا بين خيارين، إما أن تكون هي ضحيتي الوحيدة، أو أن يقترِب أحد مِنها ليُثير غيرتي.. فـ ينتهي كُل شيء.. سأظلُ محرومًا مِنها في كِلتا الحالتين”-بقلمي
المكان: غُرفة مُضاءة بالضوء الأصفر الباهِت
كان قاعِد على طرف السرير ببنطالُه الجينز الأسود ،قدامه الشوز السودا السيفتي
مُتدلي من رقبتُه سلسال غير اللي إداه لمياسة ،إنحنى عشان يلبس الشوز والراديو اللي على طرف الشباك يصدح مِنُه صوت جارة القمر وهي بتقول ” فايق شو حكينا بليالينا وزرعنا بالسهرات غنيات فايق شو بنينا أمانينا وضيعنا تنهيدات وحكايات”
قام وقف بعد ما لِبس الشوز بتاعُه وبص للمرايا وهو بيقفل زراير القميص بتاعه الإسود ماعدا أول زرار من فوق عشان بيتخنق ،لبِس فوقه الجاكيت الإسود بتاعُه وهو بيعدل شعرُه بصوابعُه
ـشكلك حلو أوي يا عيسى!
صوت طفولي لبنوتة صغيرة..صوت مش غريب عليه،عينيه الشمال رفت كالعادة وهو بيبُص على رُكن الأوضة ..أمل الطفلة كانت قاعدة في الرُكن وضامة رجليها لصدرها وهي بتبُصله وبتضحك مبينة أسنانها
جاتلُه رعشة مِن الرهبة إنُه شايفها قُدامُه .. ورجعت ليه ذاكرة سنين كتير أوي فاتت
[مُنذ سنوات]
كانت الدنيا ليل،واقِف الغُريبي جنب مراتُه في الشارع مستنيين تاكسي يعدي،ومعاهُم عيسى اللي كان لابِس بدلة أولاد صُغيرين سودا وقميص أبيض ومركز عشان يوقف هو التاكسي
نزلت أمل وهي بتتنطط على السلم مع أهلها،كانت فاردة شعرها الأشقر الطويل المُجعد مِن الأطراف،ولابسة فُستان تحت الرُكبة بحاجة بسيطة لونه أبيض وبيلمع
عيسى لما شافها بصلها بإعجاب فـ قرب مِنها وهو بيبُصلها بنفس نظرات الحُب،إبتسمت أمل وهي بتبُصله وقالت:شكلك حلو أوي يا عيسى
كانت بُثينة واقفة مع مامتها وشيفاهُم وعينيها دمعت،لوت بوزها بطفولية ورفعت راسها وهي بتبُص لمامتها بحُزن وبتقول:ماما هو انا وحشة؟
بصتلها مامتها بصدمة وهي بتحُط إيدها تحت دقنها وبتقول: دا إنتِ زي القمر يا ماما ليه بتقولي كِدا؟
بُثينة بلوية بوز وهي بتبُص على عيسى وأمل :عيسى كان بيكلمني أنا الأول وبيلعب معايا بس لما أمل جت هي وباباها ومامتها سابني وبقى معاها دايمًا
مامتها بهدوء:طب ما تلعبي مع حد تاني وسيبيهم سوا
بُثينة ودموعها بدأت تنزل: بس أنا عايزة عيسى وبس!
[الوقت الحالي]
فاق مِن شروده في الذكريات وأخد مفاتيحه وقفل الراديو ونزل ..مقرر يحضر جنازة السيدة شجن والدة أمير
المكان:قصر أمير الذهبي
تحديدًا:كُرسي شجن هانِم
أمير كان قاعِد على كُرسي شجن وهو باصِص مِن الشباك،والأفكار عمالة تروح وتيجي في بالُه ..حزين بعدها تيجي حقيقة موت مامتُه فـيبرق ويترعش من فكرة وجوده في العالم مِن غيرها،ينفُض راسُه عن الأفكار دي،وخايف يبُص وراه يشوف جُثتها اللي على السرير متغطية ولو كلمها مش هترُد ،قربِت مِنُه صِبا وهي بتعيط وبتقول: متعملش في نفسك كِدا عشان خاطري،يا حبيبي إدعيلها أنا جنبك أنا وإبنك واللي جاي في السِكة كمان
بصلها أمير وقال بتوهان:أدعي لمين؟
صِبا ضمت شفايفها بحُزن وهي بتمسح دموعها وبتقول:طب عيط او صرخ حتى،إنت مِن ساعة ما شوفتها وإنت ساكِت أنا مرعوبة عليك يا أمير عشان خاطري
بص قُدامثه ومردش عليها،وشُه كان أصفر،نفسُه تقيل وقلبُه بيدُق جامِد .. والهوا برا مِن الشباك بيحرك الشجر والعصافير بتطير الصُبح،خبر وفاة شجن هانم إنتشر بسبب خدم القصر على الإنترنت،بالإضافة لتحضيرات الجنازة والدفن ..
قعدت صِبا على طرف السرير وهي بتعيط جنب جُثمان شجن،أمير قال بعقلانية مِن غير مايبُصلها وبصوت رجولي: بطلي عياط ،الحُزن غلط على الحمل،وأنا مفيش فيا حيل أخسر غالي تاني
رفعت صِبا راسها بإستغراب مِن تماسُكُه وعقلانيتُه في وضع زي دا،بعدها حطت إيدها على قلبها وهي بتقرأ قُرأن بهمس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان:منزل أعلى تل مُرتفِع
تحديدًأ:جناح رفيف
كان الدكتور واقِف وهو بيمسح العرق بتاعُه وبياخُد نفسُه وبيقول لنوح:قعدت طول الليل بحاول في الجرح بتاعها ،الـ24 ساعة اللي جايين هُما اللي هيحددوا بقت بخير ولا ربنا هيستلم امانتُه
كانت مرام واقفة قرب الباب بتترعش وبتعيط وهي بتفتكر أخِر محادثة حصلت بينها وبين أمنة ،ووراها واقِف خالِد مداري دموعه ورا الماسك بتاعُه،خرج الدكتور ورفيف شايلة ولادها الإتنين على دراعها وهي بتحرك راسها يمين وشمال برُعب وبتقول:أنا مُستحيل أبات في الأوضة دي بعد اللي حصل إنت مُلزم تشوفلي أوضة تانية أبات فيها
بصلها نوح بتكشيرة حازمة وقال جدية:هتنامي معايا إنتِ والولاد في جناحي،روحي خُدي حاجتك وإستنيني هناك
إتحركت رفيف لبرا بينما بصت مرام لنوح وهي بتترعش فقالها بنبرة أمر:إمسحي الدم اللي مالي المكان دا وعقمي الأوضة طالما فيها مريضة
خرج نوح ومرام واقفة في نص الأوضة بتبُص على أمنة اللي وشها أزرق وخلصانة،عيطت مرام وهي بتحاول تبعد دموعها عن وشها وبتقول بصوت مش طالِع:سامحيني..سامحيني يا أمنة انا السبب
دخل خالِد وهو بيشيل الماسك عن وشه،وشه كان أحمر ومعيط وهو بيقرب لأمنة وبيقعد على ركبه قُدام السرير وهو ساند راسهُه على دراعها وبيعيط وبيقولها برجاء حزين:متسبنيش يا امنة،متعمليش فيا كدا..إنتِ كُنتِ الأمل الوحيد إن أدميتي ترجعلي ونُخرج مِن هنا سوا،أنا من غيرك وحش بِلا روح
كانت مرام مراقبة اللي بيحصل وبتعيط خايفة على أمنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان: سيارة أمير
كانت قاعدة جنبُه صِبا وهي مستغربة البرود اللي هو فيه وطريقتُه في التعامُل بشكل عادي رغم تعلُقه الكبير بوالدته الراحلة،لابسة فُستانها الإسود بالاكمام ،لابسة على راسها بُرنيطة سودا كلاسي..وأمير لابِس بدلتُه السودا وسايق وهو ساكِت تمامًا وشارِد ودا كان مخوف صِبا لاحسن يعملوا حادِث أو شيء،مُسبقًا ودت الولد عند مامتها عشان تقدر تكون مع أمير بكامل وعيها
وصلوا للمدفن الخاص بالعائِلة
أمير بدأ يركِن عربيته ..اما صِبا حطت صوابِع إيديها على زُجاج العربية وهي بتتحسسُه وبتقول بهدوء:الدنيا بتمطر،والسماء غيمت.
أمير بهدوء وهو بيفتح باب العربية عشان ينزل:إنزلي الموضوع مش هياخد وقت
نزلت صِبا وهي بتبُص لأمير بإستغراب ،سرعت خطواتها وهي بتلحقه تحت المطر وقالت بحذر: أمير إنت مُتأكِد إنك كويس؟طب عندك فِكرة إحنا هنا ليه؟
وقف أمير في مكانه وهو بيكور إيدُه وبيغمض عينيه مُحاولًا التحكم في نفسه وقال:صِبا،أنا متجننتش لدرجة إني مزعلش على أمي،انا بس مستني أنيمها في مرقدها بسلام ولما أروح بيتي هنهار ،متقلقيش التماسُك الكتير بييجي بعدُه إنهيار .
بلت صِبا شفايفها بلسانها وهي بتحُط إيديها في إيد أمير وبتمشي معاه
الأجواء كانت مُغيمة زرقاء والسُحب مُمتلِئة بالأمطار اللي بتنزل مِنها بغزارة
وقفوا صفوف متساوية حوالين المدفن بعد ما خرج جُثمان السيدة شجن وبدأوا يدفنوها ،نزل أمير معاهم وبدأوا في الدفن
بدأ الشيخ في تلاوة القُرأن والدعاء للميتة..ظهرت عربية سودا فخمة بتركن على جانِب الطريق شافها امير وهو بيضم شفايفُه بتكهن عن مين صاحِب العربية دي،نزِل منها نوح وهو لابِس بدلة رجالية فخمة وغالية ونظارة شمسية سوداء،فتح المظلة الشفافة بتاعتُه وهو بيقرب مِن الجنازة وبعدها دخل بهدوء وثِقة وسط الناس،في نفس التوقيت وصلت عربية شُرطة ونزِل مِنها ليث ومنال بدون أمر رسمي لحضورهم، قرب نوح لأمير ووقف قُدامه وهو بيرفع نظارتُه على شعرُه وبيبُص لأمير بنظرات ثابتة وبيقول بهدوء مِن تحت مظلتُه: البقاء لله.
أمير رد بطريقة غير متوقعة: كويس إنك عارف.
ضحك نوح ضحكة رجولية بسيطة وقال بعيون جريئة: اللي تشوفه يا بياع السِبح.
بعدها بص لـ صِبا وقال: البقاء لله يا مدام.
إتحرك نوح ووقف جنب الرجالة المُصطفين أمام المقبرة، مالت منال على ليث وهي بتقول بهمس: هو واقِف كِدا بأريحية مِن ساعة ما جالك مكتبك في النيابة وهددك بشكل واضِح بمراتك وولادك، واحد زي دا نقدر نثبت عليه شيء ويخلصنا من القضية دي للأبد؟
بصله ليث وقال بنفس الهمس ردًا عليها: مقدرش أتحرك ضِدُه مِن غير دليل، إثبات، أي مُستند إدانة قُدام النيابة العامة.
صِبا كانت باصة لنوح بإستغراب وخوف، بصت لأمير مِن تحت البُرنيط بتاعها وقالت: طالما حابب يعمل واجِب مجابش رفيف معاه ليه؟
أمير مِن غير ما يبُصلها قال بحزم: ملناش دعوة، توقفي جنبي زي الألِف متتحركيش ولا تروحي ناحيته عشان تسأليه.
مسكتتش صِبا بل قالِت بنبرة شك: هو أنا ليه حاسة إنُه شمتان؟ طريقة كلامُه معاك بتدُل على كدا.
هِنا بصلها أمير مِن غير ما يتكلم وكان باين عليه الحُزن العميق والكِتمان فـ بصت صِبا للأرض وسكتت إحترامًا لحالتُه..
بدأ الشيخ ينعيها بالأدعية والكُل بيقول أمين وراه، لغاية ما عربية عيسى جت وركنت على جنب، نزل عيسى بهيئتُه المُلفتة وهو بيعدل مِن شعرُه اللي طار على عينُه وبيرفع النظارة لفوق، المطر لازال مُستمِر.. وقِف عيسى في مكانُه بعيد عن الجنازة بخطوتين وهو بيفتكر أول مرة راح للمدافِن، كانت رهبة كبيرة بالنسبة لطفل يشوف صديقتُه وأقرب حد ليه جسمها ساكِن.. ملفوفة في قماشة بيضا وبينزلوها لتحت الأرض.. ويغمروها بالتُراب
فاق عيسى مِن شروده وقرب بخطواته ناحية أمير، لغاية ما وقِف قُدامه وبص للأرض وهو بيقول بنبرة فيها تردُد: البقاء لله وحدُه
أمير فضل ساكِت، باصص لعيسى مِن غير أي ريأكشن.. وفجأة سحب عيسى لحضنه وبدأ جسمه يتهز شوية،
أدرك عيسى إنه بيعيط فـ حاوط جسمُه بدراعاته وهو بيقول:إستهدى بالله وشد حيلك،كُلنا لها وإنت أكتر واحِد عارف
بعد أمير ووقف بثبات وهو بيحرك راسُه وبيقول: ونعم بالله،شكر الله سعيكُم
إستغرب عيسى وهو بيبُص لعيون أمير المُتحجِرة اللي منزلتش ولا دمعة،عارف هو الشعور دا كويس..إختبرُه يوم وفاة والدُه الغُريبي
إتحرك عيسى ناحية صِبا اللي واقفة وقال بهدوء:البقاء لله
إبتسمت صِبا إبتسامة مكسورة وقالت بهدوء:شُكرًا على حضورك،مياسة فين؟
إبتسم عيسى بمرارة ورد قال:هو إنتِ متعرفيش إننا أتطلقنا؟
بصت صِبا للأرض بحُزن وسكتت،إتحرك عيسى يوقف وسط ناس،كان الرايق متابعُه بعينيه من بعيد ،إتنهد الرايق وهو بيتكلم مع اللي جنبُه..واحِد مِن الأرانب بدون ماسك وقال:هقف الناحية التانية خليك إنت هنا ولو حصل أي شيء مُريب كلمهُم يقربوا بالعربية من المدافِن
الأرنب بصوت واطي:أمرك يا باشا
إتحرك نوح بثبات وعيون أمير،ليث ومنال عليه..لغاية ما راح وقِف جنب عيسى وقال من غير ما يبُصله:إزيك؟
ضحك عيسى ضحكة خفيفة وساخِرة وقال: رايق
ضحك نوح وبعدها قال بصوت واطي:هو انا اطول؟
عيسى بنفس النبرة الهادية:تطول إيه؟
الرايق بنبرة بدأت تبقى حزينة وواقعية: أبقى زيك..قلبي نظيف زيك
عيسى وهو مكشر من ورا نظارتُه قال: لمعلوماتك مفيش حد فينا إحنا الأربعة قلبُه نظيف،إحنا قتالين قتلة وهنتجمع في الجحيم جزاء أعمالنا..بُص للأرض كدا وإنت تفهم،لإنك زيي معملتش حساب اللحظة دي .
سكت نوح شوية بعدها بلع ريقة وقال ببحة صوت:أنا بس جاي أقولك إني أكتر واحد يهمه تكون بخير،حتى لو كنت وسخ معاك في اللي عملتُه..يهمني إنت بالذات تعرف إن مش مسموح لحد يأذيك في وجودي
قال عيسى بنبرة لامُبالاة وبرود:بعرف أحمي نفسي شاكرين جهودك العظيمة.
إتحرك نوح ووقف جنب الأرنب مرة تانية،وبدأوا يستنوا ظهور عزيز..سواء السُفراء أو الشُرطة منال وليث ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان:سيارة سوداء مفيمة
ـ الطريق إلى الجنازة
كانت شغالة أغنية فرنسية قديمة بصوت إديث بياف ،في المقعد الأمامي للسائِق كان قاعِد رجُل في مُنتصف الأربعينيات مِن عمره قال فجأة:مُهم نزولك قبلنا عشان عيون عيسى تزوغ معاكِ،شخص زيُه بعد ما عرفنا سِر مرضُه مفيش حاجة هتجيب أجلُه غيرك..ظهورك هيشتته ويخلينا نتصرف بشكل أسرع
قالت هي بتوهان وصوتها الهادي كالعادة:مفيش إحترام للأموات
الشخص اللي قاعد على المِقعد المجاور للسائِق لف وبصلها وهو مصوب في وشها سلاح وقال بجنون:لا متقوليش كدا أكيد كلنا بنحترمك .
وأنهى جملته بضحكة عبثية لكِن هي بلعت ريقها بتوتر وقالت:مش هتقدر تموتني إلا لما ننهي مشوارنا مع عيسى وتوصل للي إنت عايزة مِنه.
قال وهو باصص قُدامه:صدقيني بلاش تختبري صبري كتير،أنا مش دافع ملايين لتجميد جُثتك عشان في الاخر تتصرفي على هواكِ
بعدها وجه كلامُه للسائِق وقال:فاضل كتير؟
السائِق بتركيز في الطريق: نُص ساعة مش أكتر.
بصت لهُم وهي بتبلع ريقها ومرعوبة، مِن إجبارهُم ليها على مواجهة عيسى!.
وبينما كانت السيارة المجهولة دي في طريقها للجنازة، كان الوضع كما هو عليه، أمير مراقِب جميع الحاضرين بعينيه ومستغرب وجود منال وليث، لكِنُه مش قادر يواجِه أي شيء حتى لو نظرات.. فِقدان شجن شيء قاسي لأبعد حد على قلبُه، وفوق تعبُه العقلي والنفسي يُضاف سبب أخر لكونه غير مُدرِك بخطورة أفعالهُ اللاعقلانية على الواقعية.
المطر خف، لكِن موقِفش.. وإكتملت الجنازة بحضور عزيز ومياسة..
قدم عزيز التعازي لأمير وإتحرك بهدوء يوقف جنب عيسى، كان مرجع شعرُه لورا، خُصلة واحدة بس اللي تمردت ونزلت على جبهتُه، لابِس قميص رمادي فاتِح وبدلة سودا.. ودُقنه أصبحت ظاهرة عن الأول، ناهيك عن نظارتُه الشمسية اللي محدش قدر يحدد ريأكشنات وشه بسبب إنُه لابِسها.
وقِف جنب عيسى وهو بيفتح أول زُرار من فوق للقميص بخنقة ومتكلمش، كذلِك عيسى فضل باصِص قُدامه والمطر الخفيف نازل عليهُم..
سلمت مياسة على صِبا وألقت التعازي على أمير، بعدها وقفِت جنب صِبا وعينيها على عيسى.
بلعت صِبا ريقها وقالت لمياسة بهمس: مش هعرف أقولك روحي أوقفي جنبُه عشان هو واقِف وسط رجالة، بس لازم الخِلاف اللي وصلكُم للطلاق يتحل عشان بنتكُم قمر.
مياسة كانت واقفة ساكتة، مِن تحت البُرنيط الإسود قالت: الموضوع أكبر مِن مُجرد خِلاف، أنا على وشك الجواز يا صِبا خلاص.
برقت صِبا وقالت: إنتِ أكيد إتجننتي!
مياسة: ششش، بس نتكلم بعدين عشان حُرمة الأموات.
كان الناس إبتدوا يتحركوا بعد ما إنتهت مراسِم الدفن، على ميعاد حضور العزاء في القصر بالليل
وسط حركة الناس قربت مياسة مِن عيسى وهي بتقول والمطر نازِل عليها: إنت ليه فونك مقفول؟
عيسى بهدوء: مش بستعملُه كتير الفترة دي، عودي نفسك مش هتلاقيني بمُجرد ما تعوزيني الفترة الجاية.
قالت ببحة صوت من البرد: أنا بس عاوزة أعرف، سِر المُفتاح اللي أنا لاقيتُه في السلسلة! إنت ليه مش راضي تقولي! أنا لو قعدت أفكر سنين مش هعرف لوحدي.
سكت عيسى وضم شفايفُه بخيبة أمل وقال: إنتِ مبتحبيش المُعافرة في شيء، حتى معافرتيش تبقي ليا لأخر نفس!
وطت راسها وبعدها رفعتها بكبرياء وقالت بثقة مجروحة: يعني إنت اللي كُنت هتبقى ليا؟
قلب عينيه مللًا مِن تِكرار الحديث دا بينهُم، رفع نظارتُه الشمسية فزق شعرُه وبصلها وقال: قمر فين؟
مياسة بهدوء: سيبتها مع مامتك عشان أتحرك بخفية، مش ناوي تقولي دا مُفتاح إيه؟
برق وهو بيقول من بين سنانُه: ششش! أنا كأني مديكِ سِر فيه حياة أو موت، متخرُجيش بيه في أي مكان ولا تكلمي حد عنُه، أنا وثقت فيكِ عشان أم بنتي.. خليكِ قد الثقة دي ولو لمرة في حياتك.
سحب كف إيدها وحطُه على السلسلة اللي في رقبتها وضغط عليه جامد بمعنى حافظي عليه بسرية، هزت راسها بتفهُم وجت تمشي من قُدامه لكن لفت نظرها شيء بيلمع في رقبتُه مدت إيديها لرقبته وهي بتتلمس السلسال المُنسدل منه وقالت:للدرجة دي السلسال كان شاغل حيز في حياتك ومقدرتش تسيب مكانه فراغ؟
وقبل ما يوصلها إجابة مِن عيسى كان في عربية مفيمة سودا وقفت على جانِب طريق الجنازة.. تابع عيسى العربية بعينيه لغاية ما الباب الخلفي إتفتح بهدوء،ظهرت مِنُه قدم لابسة هيلز سودا في نبيتي ومكشوفة تدُل إن الشخصية دي لابسة قُصير
نزلت مشن السيارة بفُستان إسود أنيق وسيمبل،لكن كانت باصة للأرض ومغطي راسها ووشها بُرنيط كبير مش مبين مِن ملامحها شيء،مياسة إلتفتت وبصت للنُقطة اللي باصص لها عيسى،وشافت البنت دي بتمشي بهدوء وبحرص إن وشها متغطي ميبانش
بصت مياسة لعيسى تاني وهي مكشرة بإستغراب وقالت:مين دي؟حد من عيلة الذهبي؟
عيسى بغموض:أتمنى يكون لا..كفاية اللي حصل لنانسي مِن تحت راسي
ساب مياسة وهو رايح ناحية البنت دي،كان مُدرِك إن في فخ لظهورها في مكان ميخصهوش ولا يخصها ..فـ بعد مسافة عن مياسة.. بصتله مياسة بخذلان بعدم فهم..وبدأ بقية السُفراء لاحظوا وجود غُرباء وشيء مش مريح بيحصل
قرب عزيز لعيسى وهو بيقول بصوت هامِس:مين دول؟
وقبل ما عيسى يجاوِب كان في طلق ناري مِن الجماعة دول..في لحظة أمير كان مطلع سلاحُه وبيبادلهثم طلقات النيران ودا اللي خلا عيسى يبرق مِن الصدمة إن أمير ليه معرفة بيهم وجاهزلهم،المُشكلة إن أمير ونوح الوحيدين المتجهزين بالأسلحة لإن عزيز وعيسى قالوا رايحين جنازة يحترموها،أمير فضل ثابت عند مدفن والدته بيتصدى الطلقات وبيضرب طلقاته
،أما ليث ومنال حاولوا قدر الإمكان يوقفوا التبادُل الناري اللي بيحصل بأسلحتهُم الميري فشلوا فـ أخدوا صِبا ومياسة ركبوهم عربية الشُرطة لحمايتهُم وعشان يوصلوهم بيتهم بأمان
صِبا بزعيق لليث اللي بدأ يطلُب الدعم:أنا عايزة أنزل لجوزي حالًا هيموتوه
ليث بعد ما إدى الإشارة للقسم قالها بنبرة جادة:مينفعش،هو على الأقل معاه سلاح إنتوا لا،منال خليكِ معاهم لازم أنزل بسلاحي
بدأت صِبا تنهار وهي بتقول:نزليني مش عايزة أدفن حماتي وجوزي في يوم واحِد
غمضت منال عينيها وأخدت نفس عميق وهي بتقول: مدام صِبا حاولي تساعدينا ومتصعبيش الأمور
أما مياسة كانت بتتلفت على عيسى من العربية بتشوفه فين،لقت نوح ساحِب عيسى وعزيز وراه وبيجروا برا المدافِن
عيسى كان بيقول لنوح بغضب:إحنا كدا بنهرب وبنسيب أمير لوحده!
نوح بعصبية إنت وعزيز مش معاكُم أسلحة،انا سايب رجالتي كلهم مع أمير..يلااا
جريوا لبرا ناحية عربية نوح لقوا في رجالة محاوطين عربياتهثم كلها! واضِح إنهُم عصابة كبيرة
وقف عزيز وقال بعصبية وزعيق:دا تلاقيه ملعوب وسخ من ألعابك زي زمان،قتلك هيكون على إيدي يا رايق وقف المهزلة دي
نوح بجدية وحلفان:ورحمة أمي الغالية انا ما أعرفهم حلفتلك بالست اللي مبحلفش بيها كذب أبدًا
كملوا جري على الطريق لغاية ما لقوا ميكروباص شعبي معدي بالصُدفة،شاوروله فـوقف
كان في أربع كراسي في أماكن مختلفة،طلعوا وركبوا والميكروباص إتحرك..أخد عيسى نفسُه وهو بيعدل شعره ومكانش مستغرب الناس اللي حواليه لإنه أصلًا من منطقة شعبية
عزيز كان قاعد جنب ست لافة حوالين راسها إيشارب بُني ولابسة عباية سودا،بتاكُل لبانة وحاطة الفون الصغير جوة الإيشارب وبتتكلم فيه
والسواق مشغل أغنية (نزلت سوق الجمال أختار لقلبي حبيب)
الست اللي جنب عزيز بتقول للي معاها فون: من إمبارح وهي بتـ*خ على روحها،أه بتتصير يا عيني معدتها سايبة،صحيت أخدت دكر البط اللي زغطته تتأوت بيه..وماله يما لاحسن سلفتها تقول بنستخسر دا ولية لسانها متبري منها
عزيز بص بقرف لنوح اللي بصله وسكت وهو كمان مش مرتاح،الراجِل اللي جنب نوح تحت دراعه كان عرقان وريحته صعبة،كل شوية يرفع إيدُه وهو بيشاور للسواق وبيقول:الكوبري معاك يسطاا
السواق:مش سامع
الراجل رفع إيده وهو بيشاور ونوح كان معدته قلبت وقال: ياعم بيقولك الكوبري معاك،نزله عند الكوبري ..نزله بسرعة!
السواق وهو بيبُص لنوح وعيسى وعزيز في المرايا قال بفضول:والبهوات يحبوا ينزلوا فين،أصل لامؤاخذة يعني الحتت الهاي مبعرفش أدخُلها بعربيتي
عيسى بهدوء:سيبها على الله يسطا إحنا هننزل قريب هنا،كُلنا ولاد تسعة زي بعض
وقِف السواق على جنب ونوح كان معاه كاش حاسبُه،نزلوا من الميكروباص وهثما واقفين في الشارع بياخدوا نفسهُم بالعافية فـ قال نوح بتريقة:الراجِل كل ما يتكلم يرفع إيده وريحته رنجة
حط عيسى إيديه في جيبُه وقال ببرود:معلش الدنيا مبتديش كُل حاجة..دا راجِل شقيان في عز النهار حتى لو شِتا.. المجهود بيخلي الشخص يعرق، عاوز يصرف على بيتُه وعياله بالحلال.ودا عرق الحلال مش فلوسك الجاهزة اللي كلها حرام في حرام،أنا زيك اه لكِن أقِل مِن الناس اللي عيشت وسطهم طول عمري لا..
نوح بسُخرية:يا حبيبي يا حنين،النظافة الشخصية ملهاش علاقة بغني او فقير،متضُرش غيرك
ضحك عزيز بصوت عالي وبص لنوح وقال: ما إيه يخويا؟طب إعمل إنت بالمثل دا الأول.
تجاهل نوح تعليق عزيز وقال بتعب وإرهاق:أنا حاسس غني عطشان،مفيش ماركِت قريب مِن هنا نجيب مِنُه مياة او عصير حتى؟
بص عيسى لمحل صغير كدا بعدين قال بهدوء:تعالوا ورايا
وقف عيسى قُدام الراجِل وقال:عايز ثلاث كوبايات عصير قصب كُبار
نوح بضيق:كويس إقتراح القصب برضو،بيروي
عيسى بهدوء:أنا لما لمحته ريقي جري عليه
حط الراجِل قُدامهم الكوبايات وخلصوها وطلبوا تاني.. بينما عيسى تفكيره كله في اللي بيحصل في المدافِن
في المدافِن كان أمير واقِف وجنبه ليث ومنال،وعدد مِن أفراد الحكومة بيتفحصوا المكان والطلقات المضروبة في كُل جهة،بعد ما أنهوا سؤال امير عن كُل اللي حصل وكذلك منال وليث وكمان قالوله لو إستدعيناك ضروري تحضر
إتحركوا وهما بيدوا ليث التعليمات بكُل شيء وبعدها مشيوا وأمير واقِف مكانُه زي الصنم،قرب مِنُه ليث وهو بيقول بجدية:مدام صِبا ومدام مياسة تاكدنا وصولهم لبيوتهم بامان ،بعد ما تأكدنا إنك سايب كل الحرس الخاص بيك في القصر بتاعك!
أمير ببرود:متوقعتش يحصل كدا في جنازة والدتي
ليث بشك وهو بيبُصله:اومال جايب سلاح معاك الجنازة ليه؟
أمير بنفس البرود: يعني لا حرس ولا سلاح؟
منال بتعب وإرهاق:في إيه يا ليث إنت بتلمح لإيه؟
مردش ليث عليها وفضل مثبت نظره على أمير وبعدها قال بهدوء:عمومًا زي ما رامز باشا قالك،لما نحتاجك للتحقيق ياريت تيجي
أمير بإختصار:أوك
إتحرك ليث مع منال عشان يركبوا العربية ويمشوا فـ قال ليث بعتاب: إنتِ بجد بتسأليني بلمح لإيه قدامه؟المفروض إني أشارِك أفكاري وشكوكي قدام مُشتبه فيه! مالك يا منال الحمل مأثر ولا إيه؟
ركبت منال في المِقعد الأمامي وهي بتتنهد بتعب وبتقول:أه والله مأثر فعلًا،نفسي في فطيرة شرقي باللحمة
ليث وهو بيتحرك بالعربية:والله ما هرد،أنا منمتش بقالي ثلاث أياام،أنا جعان نوم
المكان: غُرفة مجهولة
قلم نزل على وشها خلاها تتحدف على السرير وهي بتعيط برُعب،قرب مِنُه الشخص التاني وهو بيقول:كفاية كدا متنساش يا أخي إنها عاملة عملية وبشرتها لسه لينة وحساسة
بعده عنه بغضب وهو بيرد عليه وبيقول:يا حنين! البت دي كانت هتضيعنا بغبائها،نبهت عليها قبل ما نتحرك لمكان الجنازة وأنا بديها التعليمات وتتصرف إزاي
قعد التاني اللي كان بيحاول يهديه وولع سيجار وهو بيقول بغضب: بلاش حجج فارغة! هي مش الشماعة اللي هنعلق عليها عجزنا عن اخد حقنا منهُم ،إحنا اللي فشلنا نخلص عليهم
قعد جنبه وهو بيرد ويقول بخيبة أمل:أعمل إيه عشان أخلص منهم!
نفث الأخر دُخان سيجارُه وقال:نعكس الأدوار
الشخص التاني بإستغراب:مش فاهم؟
ضحك الأخر بسُخرية وقال:بما إن الطُعم اللي رميناه معرفش يصطاد الحوت،ننزل بطُعم الجمبري
التاني بضيق خُلق:ياعم هات من الأخر
بصلُه بطرف عينُه بخُبث، وبعدين حرك نظرُه ناحية اللي مرمية على السرير بتعيط وقال: عيسى مش قادر يشوف أمل.. عشان مراته اللي كانت واقفة مع في الجنازة، هي الحاجِز الكبير بينه وبينها.
وسعت عيون الشخص التاني وقال بصدمة: نقتلها؟
إبتسم الأخر ابتسامة جانبية ضئيلة وقال: نخليها تحب واحد فينا، يظهر في حياتها زي طوق نجاة مِن شبح عيسى، والعلاقة بينهم تخرب للأبد.. حد مننا يتجوزها بعد ما يوقعها في شباكُه.. أنا عندي اخبار إنهم مُنفصلين في الأساس.
كشر التاني وهو بيكور إيدُه بغيظ وبيضغط على سنانُه وبيقول: لاا، مش عجباني الفكرة دي، لإن اللي سمعتُه إنها اصلًا داخلة على جواز من الواد إبن صاحِب العُمارة اللي إسمُه أيمن، فـ كدا كدا عيسى سامحلها تموڤ أون ومش فارِق معاه، اللي تفرِق معاه بجد هي أمل، والبت دي لو متعدلتش وسمعت الكلام ونفذت اللي بنقوله بالحرف هتبقى ناهيتها
بصتلهُم برُعب وهي بتنكمِش على نفسها وبتضُم رجليها لصدرها بخوف!
______________________________________
المكان: حارة المنيل.
تحديدًا: أمام دُكان الغُريبي.
كانت واقفة والدة عيسى بترُش مياه بملح وبتنظف الباب الحديد بتاع العِطارة بمنشفة صغيرة، كانت أم بثينة شارية حاجات للعشا، رفعت عبايتها وهي معدية مِن قُدام الدُكان وبتقول: سلام عليكُم يا حجة.
وقفت والدة عيسى وهي بتمسح وشها بمعصم إيديها وبتقول: عليكم السلام يا أم بثينة، تعالي إتفضلي.
ضحكت أم بثينة وقالت: أتفضل فين دا إنتِ غرقتي الدُنيا مياه، ليه ياختي دا حتى الجو شِتا.
أخدت أم عيسى نفسها وهي بتقول: عشان البركة متروحش، الحج الغُريبي الله يرحمُه كان متعود يعمل كِدا.
أم بثينة قعدت على الرصيف العالي وقالت وهي بتاخُد نفسها: وإزي عيسى ومراتُه على حِسُه؟
لفت والدة عيسى الطرحة كويس وهي بتتنهد وبتقول: ياختي ما إنتِ عارفة اللي فيها ما هُما متطلقين، ربنا يصلح الحال.
والدة بُثينة بلهفة: طب بقولك إيه، مطلُبش مِنك طلب بس مترُدنيش؟
والدة عيسى بفضول: خير ياختي.
والدة بُثينة: عزماكُم على الغدا بُكرة إنتِ وعيسى ويوسف ومراتُه، أمانة عليكِ مترُدنيش.
أم عيسى برفض لطيف: إنتِ عارفة إني بحب أطبخلهُم بنفسي وألمهُم حواليا وكدا، وكمان عيسى كريه عينُه ياكُل وبنته مش في حضنه، أه منفصل عن مراته بس هي شهادة لله بنت أصول مبتحرمهوش من شوفة البت.
جت عربية عيسى ركنت على جنب بعد ما راح جابها بنفسه من مكان الجنازة
أم بثينة لما شافت عربية هيسى قالت بسرعه: وماله هاتي طليقته وبنته البيت يساع، بس مترُدنيش.
مسحت أم عيسى وشها بنفاذ صبر وقالت بهدوء: ربنا يعمل اللي فيه الخير.
قامت وقفت وهي شايلة الأكياس وعدت من جنب عيسى وهي بتقول بإبتسامة: يا عيسى، هنستناكُم بكرة إنت وماما وأخوك والجماعة، يجعلك ربنا عتبة جديدة حلوة وثابتة.
مشيت راحت ناحية عُمارتها فـ إتلفت عيسى وراه لقى بُثينة كـ العادة مستنياه في البلكونة لغاية ما يرجع.
رفع كف إيدُه كـ سلام من بعيد فـ مسكت هي السور بتاع البلكونة بإيديها وهي بتبُص بلهفة وبتشاور بإيديها الإتنين، عينيها دمعت وهي بتضحك عشان شاورلها، فـ بص لأمه وهو بيمشي بحذر عشلن ميوقعش وقال: إيه يماا اللي إنتِ عملاه دا؟ هو دا السر اللي حكيتهولك.
والدته بهدوء: بيتهيألك إن حد كان بيحاول يرفع الباب، أنا قريت قُرأن وأنا برُش المياة وإن شاء الله ربنا الحارِس.
جت عينيها على بُثينة فـ قالت وهي باصة عليها: البت دي من ساعة ما نزلت وهي قاعدة كدا، كل يوم بتستناك في البلكونة لغاية ما ترجع من برا، أول ما إنت ترجع هي بترتاح ولما تطلع العمارة هي بتدخُل.. كان نفسي يا عيسى..
قاطعها عيسى وقال بضيق: هي تستحق حد أحسن مني يماا البت دي غلبانة.. ربنا يوفقها بالأحسن.
ضم عيسى والدته من دراعها وهو بيقول: تعالي نطلع عشان تغيري هدومك الجو برد.
طلعوا سوا للعمارة وعيون بُثينة عليهم، وهما طالعين على السلم قال عيسى بهدوء: هي أم بثينة بتقول مستنياكم ليه؟
والدة عيسى بتنهيدة شيل هم: بتقول عزمانا كُلنا على الغدا عندها بكرة.
عيسى بسرعة: لا لا إعفيني أنا، أنا ورايا شُغل مش هقدر.
فتحت والدة عيسى باب الشقة لقت نور الصالة مطفي فـ قالت بإستغراب: إيه دا؟ هي ماسة نامت ولا إيه؟
عيسى بلهفة عليها: هشوفهم أنا، غيري هدومك إنتِ.
إتحرك عيسى ناحية الأوضة وفتحها بهدوء، كانت مياسة نايمة على ظهرها ومغمضة عينيها وفوقيها قمر نايمة على بطن مياسة.
قرب عيسى بهدوء وهو بيخلع الكوت بتاعُه، مال على قمر باس راسها وهو بيهمس ويقول: وحشتيني.
كان بيقولها لقمر، فتحت مياسة عينيها ولأن عيسى منحني. على قمر كان وشه قريب من وش مياسة.
قعدوا يبصوا لبعض من غير كلام لمدة دقيقة، لغاية ما مياسة إتعدلت وعيسى عدل وقفته وهو بيتنحنح وقال: إتعشيتي؟
مياسة وهي بتحط قمر على السرير وبتغطيها من غير ما تبصله قالت: دا قبل ما تسيبني في الجنازة ولا بعد؟
قعد عيسى على السرير وقال: لو تلاحظي إني ممشيتش غير بعد ما ركبتي عربية الشُرطة!
مياسة بهدوء: مبتكلمش عن النقطة دي، لما كنت واقفة قصادك بكلمك وعينك راحت ناحية حاجة تانية، عمرك ما هتتغير يا عيسى.
رجع عيسى شعرُه لورا وقال: مش هتفهميني، لما ييجي الوقت المناسب هتفهمي.
صوت تخبيط على باب الأوضة فـ قال عيسى بهدوء: إدخُل.
دخلت والدته وهي شايلة صينية أكل وقالت: متناموش غير لما تتعشوا.
مياسة برفض: لا يا ماما تسلم إيدك أنا مش جعانة.
والدة عيسى بهدوء: لا إزاي أنتِ بترضعي، إتعشوا عشان عيسى يروح ينام في أوضة يوسف.
عيسى بفهم: متقلقيش أكيد مش هبات هنا يعني.
طبطبت والدته على كتفه وخرجت، رن فون مياسة وكان بعيد عنها فـ قال عيسى بهدوء: هجيبهولك أنا.
قام مِن مكانه وبص على الفون لقى أيمن اللي بيتصل..
ضغط على الفون بإيديه جامد وهو باصصلها وبعدها حدف الفون عليها وهو بيقول بقرف: ردي.
مياسة ببرود: ما أكيد هرد.
خرج عيسى من الأوضة ورزع الباب فـ قالت مياسة بصوت واضح: البنت هتصحة مخضوضة أيه الهمجية دي!
لسه مكملش خطوتين لأوضة يوسف سمعوا صوت صويت في المنطقة من عيلة صغيرة، عيسى جري ناحية الباب وهو بيفتحه وبينزل على تحت، ووراه والدته وهي بتحط الطرحة وبتقول: سترك يارب، لا إله إلا الله.
مياسة كانت بتتكلم في الفون فـ قالت من كتر الصويت: معلش يا أيمن هكلمك بعدين، تمام باي.
لبست الچاكيت بتاعها فوق التيشيرت والبنطلون السبورتي، ولفت بنتها في البطانية وشالتها ونزلت لتحت وراهم عشان كانت خايفة.
نزلت تحت لقت عيسى واقِف جنب بنوتة صغيرة وشها أصفر وبتترعش جامد، وجنبها البوهيمي وشيخ المسجد ويوسف كان جاي جري من بعيد.
شيخ الجامع بهدوء: إهدي يا بابا خدي نفسك، إيه اللي طلعك فوق.
البنت كانت بتترعش وصحابها اللي كانت بتلعب معاهم واقفين بعيد مرعوبين.
البنت بصويت: شوفتها ولمستني، والله العظيم لمستني.
شيخ الجامع: مين دي!!
البنت برُعب: الـ العفريتة، كانت بـ..
كلهم باصين لها مستنيين تنطق فـ قالت بهستيريا: ماسكة عروسة بتسرحلها، والله العظيم يا عمو انا مبكذبش والله هي العفريتة اللي صورتها في الجورنال القديم، اللي.. اللي متعلق في دُكان عمو شِحتة.
برق يوسف من الخوف وقال: أمل!
عيسى فضل متنح وساكِت، ومياسة حضنت بنتها وهي متضايقة، بُثينة كانت واقفة وراهُم وهي مغطية بوقها بإيديها، رُعب الطفلة يأكد إن الكلام صح. البنت بصت لشباك أوضة أمل اللي بقت مكان لفراخ أم عيسى حاليًا، كان في خيال صغيرة بشعر طويل واقف عند الشباك، بصوا مطرح ما هي باصة وشافوها! لدرجة إن مياسة دفست وشها في بنتها
شيخ الجامع بتكرار لأية الكرسي وهو مش عارفيشيل عينه.
فجأة ظهرت ام البنت وهي بتحضنها وبتشيلها وبتمشي بيها
شيخ الجامِع بخوف على البنت: لحظة من فضلك يا مدام.
الست وهي حاضنة بنتها وماشية بيها: بنتي لا شافت حاجة ولا تعرف حاجة دي خيالات عيلة.
بُثينة للست وهي معدية من جنبها: بس إحنا شوفنا!
تجاهلتها الست وراحت ناحية عمارتها.
شيخ الجامع لما لقى الشباك فاضي قال للناس اللي واقفين خايفين: يا جماعة إستهدوا بالله، البنت توفت من سنين في عز طفولتها بطريقة وحشة، طالبة الرحمة يمكن حصل كدا عشان تترحموا عليها.
طالب ثانوية عامة عدل من نظارة وشه الطبية وهو بيقول وبيترعش: أنا كُنت سمعت، إن الأرواح المعلقة بتظهر كتير لغاية ما يرجع حقها.
عيسى بإهتمام: يعني إيه الأرواح المُعلقة؟
بصله الشاب وهو بيبلع ريقه وبيقول: يعني اللي أتقتلوا غدر، بدون ذنب وموتتهم كانت وحشة، روحهم بتفضل تحوم في المكان اللي أتقتلوا فيه لغاية ما حقهُم يرجع.
عيسى وهو بيكلم نفسه: بس أنا أخدت بحقها!
شيخ الجامع بإيمان: صلوا على اللي يشفع فيكم، وأدعوا للبنت بالرحمة.
الناس بدأت تتفرق وهما بيتكلموا عن اللي حصل، ما عدا عيسى فضل واقِف مكانه، مياسة شافت بثينة هتقربله فـ قربتله هي وقالت: أنا خايفة، مش عايزة أطلع فوق.
عيسى بص لـ مياسة وقال بتبريقة صدمة: دي ظهرت لكُل الناس! كُل الناس شافوها! يعني أنا.. أنا معنديش إنفصام زي ما بيقولوا؟ أنا مبتخيلش يا ماسة!
______________________________________
المكان: منزل أعلى تل مُرتفِع
تحديدًا: الطابِق السُفلي.
خالد كان حاطط راسُه بين كفين إيديه وبيعيط على أمنة مش مستوعِب فِكرة إنها ممكن تروح بعد ما حبها وعلق أمله بيها!
وقف قُصاده نوح وهو مُبتسِم أبتسامة غريبة، رفع خالِد راسُه وبص لنوح وقال: باشا.
نوح بنفس الأبتسامة قال وهو بيهرش في دقنُه: قتلت أمنة ليه يا خالِد؟
أتفزع خالِد ورجع لورا في مكانُه وقال: لاا!! مقتلتهاش! أنا بحبها مستحيل أعمل كدا!.
واحد من الأرانِب قرب من الرايق وقال بهدوء: يا باشا خالِد تعبان عنده متلازمة كابجراس أكيد كان شايفها حد تاني، مفيش سبب يأذيها وسعادتك عارِف.
خلع نوح ساعة إيدُه وفتح أزرار أكمام قميصُه وهو بيقول: ما هو عشان أنا عارف، مخليه تحت عيني، ومخليه الجارد المُميز بتاعي، داخِل طالع براحتُه على الطابِق اللي فيه مراتي وولادي، متوقعتش مرضُه يتفشى بالسُرعة دي، أنا مثلًا عشان أبقى بالحيونة اللي أنا فيها خدت سنين، إنما المرمية فوق متصفي دمها دي أعمل فيها إيه!
بدأ خالد ينهار ورافِض يدق فِكرة إنه هو اللي طعن أمنة، وقِف قُدام نوح وهو بيترعش وبيقول بإنهيار: مكانتش أمنة دي واحدة.. واحدة انا عارفها كويس مُنتحِلة شخصية أمنة، فـ أنا.. عشان متأذيهاش والله عملت كدا عشان متأذيهاش.
ضربُه نوح قلم جامد خلى مناخيرُه تنزل دم ةقال بعصبية وهو بيرفعُه من رقبتُه: كُنت حاجزك زي الكلب من ساعة ما خلصتك من إيد الشمامين اللي كُنت وسطهُم، فاكِر يالا؟؟ عشان تتعالِج.. مش عايز اعالِج نفسي بس بعالجك ومعرفش هل أنا الجنون وصل معايا لدرجة أحتفظ بواحد زيك وسط الناس اللي بتعامل معاهُم، دا إنت مُمكِن تغدُر بيا.
رفع نوح السلاح وحطُه على مُقدِمة راس خالِد وقال: لازم أصحح أخطائي!
الجارد اللي كان بيقوله عن مرض خالد مسك أيد نوح وهو بيبوسها ويقول: أبوس أيدك يا باشا، هنعالجُه بس سيبه دا واد غلبان.
خالد كان بيترعش من الصدمة وباصص لنوح مش فاهِم حاجة.
نوح بأمر قال بضحكة مُسلية: إرموه مع اللي فوق، نحُط رهان لو خلص عليها يبقى مخفش وهيحصلها، مخلصش عليها يبقى في طريقه للعلاج.
واحد من الجاردز: بمُناسبة البنت القعيدة اللي فوق يا باشا لا بتاكُل ولا بتشرب، ورافضة أي كلام.
نوح بضيق منها: في ستين داهية، أنا دي بالذات مش هقتلها، هسيبها لحظها مع الموت.
سابهم وراح طلع الطابِق التاني عشان يتطمِن على أمنة، ورفيف والأولاد.
أول ما طلِع قرب مِنُه الجارد وهو بيقول: ليه عملت كدا يا خالد، ليييه!
خالِد بصدمة وعياط: مكانتش هي، هي مش هتسامحنيي!
______________________________________
المكان: قصر أمير الدهبي
تحديدًا: جناح شجن هانِم.
دخلت صِبا الجِناح وهي شايلة إبنها وبتبُص على أمير اللي قاعد متربع على السرير زي الطفل المتذنِب
صِبا قالت بهدوء: إبنك موحشكش! إنت مشوفتهوش طول اليوم.
مردش أمير عليها فضل منزل راسُه لتحت، بعد وقفة طويلة حوالي خمس دقايق أدركِت إنُه مش قادِر يتكلم، لفت عشان تطلِع فـ قال أمير من غير ما يرفع راسُه: أنا أمي ماتت مسمومة.
برقت صِبا وهي بتقرب للسرير وبتقعد عليه وبتقول بصدمة: إيه؟؟؟
________________________________________
صباح اليوم التالي..
بعد ما غسل عيسى وشه وخد شاور صباحي، وهو بينشف شعره بالفوطة وصله إتصال على فونه، خاف إن أهل البيت يصحوا من صوت الفون فـ سحبُه ولقاها سيلا! بِنت عزيز.
رفع حواجبه بسعادة ورد وهو بيقول: لا أنا زعلان لا، نسيتيني كدا؟
سيلا بطفولية: يا عيسى أنا عاوزة أشوفك أقابلك.
عيسى بنكش: أشوفك وأقابلك الأتنين؟ فين بابا طيب أخدتي الإذن منه؟
سيلا بدأ صوتها يبقى عياط هستيري وهي بتقول: أخدوا بابا يا عيسى.
عيسى بخضة: مين اللي أخدوه؟ مين يا سيلا فين ماما طيب؟
سيلا بعياط: ماما مع جدو بدر في المستشفى وسيباني مع تيتة.
عيسى إبتدا يقلق وقال: فهميني طيب إيه اللي حصل بالراحة!
صحيت مياسة على صوت عيسى وهو بيتكلم، كانت لابسة عبايتها.. نزل عيسى الفون وهو باصصلها وقال: رايحة فين؟؟
مياسة ببرود: هشتري حاجات من الصيدلية اللي تحت البيت.
عيسى برفض: شوفي عايزة وهجيبهولك بنفسي مفيش نزول.
مياسة صوتها بدأ يعلى: أنت ملكش حُكم عليا أقولك بتاع إيه؟ لو تلاحظ إني مخطوبة مش من حقك!
عيسى لـ سيلا في الفون: طب إقفلي يا سيلا أنا جايلك.
قفل الفون وسحبها من دراعها وقال من بين سنانُه: لما إنتِ مخطوبة وماليش حُكم عليكِ قاعدة عندنا ليه؟؟ ما تغوري على بيت خطيبك وعمارته، ولا عشان عارفة إنه عيل طري مش هيعرف يحميكِ؟
مياسة بألم وغضب: سيب دراعي!
عيسى بتكملة: ولا أقولك روحي بيتك القديم بتاع نبيل، بيللي! فكراه ولا أفكرك؟؟
سحبت دراعها من إيدُه وهي بتقول بزعيق: والله ما أنا قعدالك فيها.
خاف صوت زعيقها يصحي مامتُه فـ كتم بوقها بإيديه وهو مبرقلها، قعدت تتحرك عشان تفلت منه معرفتش.
بلع ريقه وهو بيبصلها بين إيديه.. ومقدرش يتحمل.. فـ مال عليها وقبلها.
كانت بتحاةل تبعد بس هو كان بينفث غضبه فيها، وفجأة بعدته من صدره وهي بتمسح شفايفها وبتقول بعصبية: حيوان صحيح!
وجريت على السلم وهي بتتلفت وراها، مسح عيسى بوقه بمعصم إيديه وهو بيتنفس بسُرعة، إفتكر عزيز فـ جري على السلم هو كمان ورزع الباب، صحيت مامته على صوت عياط قمر فـ شالتها وقعدت تسكتها.
دخلت مياسة الصيدلية وهي بتقول: السلام عليكُم.
البنت اللي واقفة في الصيدلية: عليكم السلام لحظة بس أخلص مع الأنسة وهشوف حضرتك.
بصت مياسة جنبها لقت بُثينة هي اللي واقفة، فـ قالت بسُخرية وبرود: أزيك يا بُثينة..
بصتلها بُثينة ولسه هترُد، شافت حاجة بتلمع حوالين رقبتها، سحبت بُثينة السلسلة لبرا عباية مياسة وهي لسه لبساها وقالت بخضة: جبتي السلسلة دي منين!!!
يتبع..
#العبث_الأخير.«رُكاب سفينة نوح»
#بقلميييي
#روزان_مصطفى
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية العبث الأخير (ركاب سفينة نوح)) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.