رواية انما للورد عشاق الفصل الثاني والعشرون 22 – بقلم ماهي عاطف

رواية انما للورد عشاق – الفصل الثاني والعشرون

إنما للورد عشاق
الفصل الثاني والعشرون ..

صعد الطابق الذي يمكث فيه بعد عناء من عمله الشاق، دُهش حينما استمع لصوت ضحكات صاخبة بالداخل، فترك حقيبته ثم توجه نحو غرفة المعيشة ليرى من بها، فوجد زوجته تقبع فوق الأريكة وبجوارها شاب في أواخر العشرينات.

حينما أقبل “ماجد” عليه، هرول نحوه ليعانقه، فبادله العناق بهدوء عكس ما بداخله. جاء ليجلس بجوار “ورد” مرة أخرى، فأسرع بالجلوس في موضعه مما جعل الآخر يشعر بالخجل قليلًا.

تحدث “ماجد” بنبرةٍ قوية تحمل الكثير بين طياتها: نزلت امتي مصر؟ وبعدين مكلمتنيش ليه قبل ما تيجي هنا يا جمال؟

شعرت “ورد” بتوتر الأجواء فاستأذنت ثم ولجت نحو المطبخ تُعد لهم القهوة.

بينما في الخارج، أردف “جمال” بدعابة محاولًا التقليل من شعور التوتر الذي استحوذ عليه: حبيت أعملها مفاجأة ليك يا ابن عمي، بس بذمتك مش مفاجأة حلوة؟

تخلّى عن وقاحته معه مبتسمًا قبل أن يُعقب بنبرةٍ تحذيرية: متعملهاش تاني علشان متزعلش من رد فعلي

قهقه بصخب مغمغمًا بتعالٍ: براحتي واعمل إللى عايزاه

صمت بضع ثوانٍ متابعًا بجدية شديدة: أنا محتاج منك خدمة أنت و ورد

ولجت “ورد” في هذه اللحظة عقب ذُكر اسمها فجلست والفضول ينهش بداخلها

استرسل بخفوت مراقبًا قسمات وجههم بتمعنٍ: أنا اتجوزت من سنتين وخلفت بس مراتي ماتت بعد ما ولدت شعيب ابني بشهرين فلما نزلت جبته معايا هنا علشان مش هسيبه هناك لوحده، أنا جالي فرصة شغل كنت مستنيها علشان استقر هنا

ابتلع لُعابه بصعوبة مجيبًا بتلعثم: أنا عرفت من مرات عمي إنك يعني.. يعني أنت عندك مشكلة في الانجاب

_” فعلشان كده بقى أنت قررت إنك هتسيبه هنا، صح؟ “

تشنجت ملامح “جمال” جراء جمود الأخر معه، مستكملًا بتعقُل: خمس شهور والله لحد ما الأمور تتظبط، أنا والله كنت هسيبه في ألمانيا مع خالته بس خايف بعدين يتعلق بيها

وجه حديثه نحو “ورد” التي اشاحت بعينيها بعيدًا عنه كي لا يرى وميض عيناها التي تلمع من شدة السعادة: أنا عارف إنك هاتتعاملي معاه زي ابنك وأكتر يا ورد، صح؟

لم تجب عليه فهي تنتظر حديثٍ من زوجها بسلاسة قبل أن تخضع لحديث “جمال”، دب اليأس داخله من جديد التقط أشيائه وجاء ليغادر فقاطعه” ماجد” بإمتعاض: أنا بنام بدري على فكرة، لو هاتجيبه النهارده يعني

ابتسم بتهلل ثم اقترب منه وعانقه من جديد بحبور مردفًا بإشادة: شكرًا يا ماجد، بجد شكرًا مش عارف اقول لك إيه

_” ابقي اسأل عليه بس، متبقاش واطي معاه زي ما أنت واطي مع ابن عمك كده “

قهقه عاليًا ثم غادر بعدما أخبره بأنه سيأتي به هذا المساء.

ذهب نحو غرفته كي يبدل ثيابه دون أن ينبث بكلمةٍ معها، فبخطواتٍ متأنية ذهبت خلفه، وجدته مستلقيًا فوق الفراش،
لاح نحوها بنظراتٍ انبعث منها شرارة الغضب؛ فابتلعت لُعابها بصعوبة متوجسة خيفةً من نظراته المصوبة بتركيز عليها.

ارتسمت فوق شفتيها ابتسامة بلهاء، فعقبت بتنهيدة حارة بعدما أصبح الصمت سيد الموقف: أنا عارفة إنك متعصب علشان جيه من غير علمك، بس مكنتش أعرف أعمل معاه إيه، متزعلش مني.

زفر بعمق مُجيبًا بنبرةٍ تحذيرية: آخر مرة تحصل يا ورد، لو في حاجة زي كده حصلت تكلميني على طول، سامعة؟

أومأت له بلهفة ثم أسرعت مهرولةً نحوه تعانقه مما جعله يقهقه عاليًا لأفعالها البلهاء المحببة له.
****

بات الأمر بالنسبة لها واقعًا لا تستطيع فعل شيء سوى الرضوخ لقلبها كالمعتاد، بعدما أذعنت لحديثه المعسول عن حبهما والتفكير في حل لهذه المعضلة التي واجهتها في منتصف الطريق نحو قلبه.

لاحظ شرودها منذ مجيئهم في اللاشيء، عقلها في دوامة من التفكير العميق.

فطرق بسبابته فوق الطاولة كي تنظر نحوه، تنهدت قائلةً بحديث ذات مغزى: أنا عايزة أقول لك حاجة نسيت أقولها امبارح

عقد حاجبيه مستفهمًا بتساؤل: حاجة إيه؟

_” أنا لما روحت عند عاصي البيت لاقيته بيعمل حاجة غريبة تحت السرير.”

اقترب أكثر منها مغمغمًا بنفاد صبر: حاجة زي إيه؟، ما توضحي يا فرح

زفرت بضيق مردفةً بإيجاز سلس: السرير يتحرك من مكانه، وكان هناك سلالم لمحتها قبل أن يتفزع ويرجع كل شيء لمكانه.

ليهتف بجبين مقطب: غريبة، هايكون وراه إيه يا ترى؟

_” أنا حاسة وراه حاجة وكبيرة كمان يا حمزة، أنا عايزاك تيجي معايا البيت نكتشف ده بنفسنا. “

قهقه عاليًا ثم تحدث بإستخفاف: فرح يا حبيبتي خيالك راح لبعيد خالص، هايكون وراه إيه يعني؟

تجاهلت نبرته المستهزئة قبل أن تعقب بنبرةٍ تحذيرية غاضبة: حمزة متستقلش بكلامي، بتكلم جد عايزة اروح اشوف في إيه، وبيعمل إيه في غياب مرات عمي وعنان

رفع يده باستسلام ثم قال بيأس من رأسها اليابسة: ماشي يا ستي، هانروح وامري لله.

أراحت جسدها على الأريكة محاولًة إخفاء سعادتها، بنظرة نارية متوحشة وهدوء يسبق العاصفة أجابت: بكرة الجمعة بيروح يقضيه في دهب عند صاحبه أكرم

ابتسم عكس ما بداخله مستطردًا بغمزةٍ عابثة: ما شاء الله، دا أنتِ عارفة عنه كل حاجة.

_” بجد آه، روزا نفسها متعرفهاش.”

****

عقب مجيء “شعيب”، لم تتحرك “ورد” من جواره أنش واحد وكأنها تناست كل شيء بوجود هذا الصغير. حينما أقبل عليها، شعرت بسعادة غمرتها لم تشعر بها من قبل. ارتجف جسدها عندما عانقته، لكنها شعرت أيضًا بالشفقة نحوه بسبب حياته البائسة.

بينما الجالس أمامها اعتصر قبضته بقوة مُحاولًا استمداد القوة لرؤية حبيبته بهذه السعادة التي لم يرَها من قبل، حتى عندما تزوج بها!

تمنى بداخله لو يستطيع رسم هذه البسمة على وجهها، لكن لا يد له فيما يمر به من عوائق الإنجاب.

استفاق من شروده على صوتها المتلهف المليء بالحماس: اللهم بارك، شكله عسل أوي يا ماجد، بص خدوده!

ارتسمت فوق شفتيه ابتسامة، ومدّ يده يمسح فوق شعره قبل أن يُعقب بخفوت: ربنا يحميه يا ربّ.

تمعن في النظر نحو عينيها مُردفًا بنبرةٍ حزينة: أنا آسف يا ورد، مش هقدر أخليكِ تحسي باللحظة دي.

رمقته بغضب ليصمت عن هرتلته تلك، فقالت بامتعاض: اسكت بقى وبطل كلام، تعالى يلا شيله شوية.

عانقه بحنو غير راغب في تركه بتاتًا كأنه اعتاد على وجوده معه!

فتحدث مستفهمًا بعد صمت دام لثوانٍ: ياترى لو كنت بخلف يا ورد كنا هانجيب ولد ولا بنت؟

_”هانجيب توأم علشان محدش يزعل.”

قهقه عاليًا على مزحتها ثم استطرد بحماس عكس ما بداخله: هروح أعمل كنافة بالمانجا وأجي لك فورًا.

تركت “شعيب” فوق الفراش ثم وثبت واقفة قائلة: طب اقعد وأنا أعمل لك!

حرك رأسه بنفي، فأردف بحزم: لأ، عايز أدوقك حلوياتي.

أومات له، فدعابةً أجابت: ماشي يا عم الشيف، بس متتأخرش علينا!

تحرك للخارج نحو المطبخ، تاركًا العنان لدموعه التي حاول بالداخل السيطرة على ذاته كي لا تشعر بحزنه، النقص الذي يشعر به كلما وجد شعور الحماس نحو الأطفال يزداد في عينيها.

” يُتبع ” ..

” مــاهــي-عــاطــف.”

عرض أقل

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية انما للورد عشاق) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق