رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثامن والاربعون 48 – بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثامن والاربعون 48 – بقلم نعمة حسن 

ـ ٤٨ ـ

~ لقد عاد بابا!! ~

ـــــــــــــــــ

بعد مرور ستة أشهر ..

كانت حياة نائمة ، غارقة في النوم بوهن شديد أصبح يلازمها في الآونة الأخيرة ، وإذ بها تشعر بركلة قوية أسفل بطنها ففتحت عينيها فجأة وتتابعت الركلات مما أثار رهبتها وخوفها ، اعتدلت بمرقدها وجلست وهي تمسح على بطنها برفق وتتحدث إلى نفسها وتقول:

ـ يا إلهي، ما سبب هذا الانقلاب بالداخل !! هل يعقل أنني سألد اليوم ؟!

شعرت ببطنها المنتفخ يتحرك فراقبت الحركة فإذ بها تشعر وكأن بطنها يرتفع ويهبط بحركة مموجة كموج البحر فسالت دمعاتها وهي تراقب ما يجري باندهاش وتقول:

ـ ما هذا ؟! لا.. لا يمكن أن ألد قبل خروج قاسم.

التقطت هاتفها فورا وقامت بالاتصال بحسناء التي أجابت على الفور:

ـ صباح الخير حياة، كيف حالك اليوم ؟

ـ حسناء، هناك شيئا ما يحدث ببطني !! هل هذه ولادة مبكرة؟!

ـ إهدئي حياة، ما الذي يحدث اشرحي لي.

ـ حركة غريبة كالموج ، علاوة على أنها حركة مفرطة .. لم يسبق أن لاحظت هذا الشيء.

تبسمت حسناء وقالت:

ـ هذا أمرا طبيعيا حياة لا داعي للقلق ، الصغار يمرحون قليلا.

ابتسمت حياة وقالت:

ـ حقا ؟! أخشى أن تكون ولادة مبكرة، أرى أنه من الأفضل أن أنتقل إليكم اليوم .

ـ وأخيرا اقتنعتِ ؟! هذا ما قاله ويقوله والدك.. بقاءك بمفردك هذه الأيام ليس في صالحك. هيا .. ننتظرك.

رن جرس الباب فقالت:

ـ حسنا ، الباب يدق، سأذهب لأفتحه.. مع السلامة.

نهضت من السرير بتثاقل، ثم ارتدت إدناء الصلاة فوق قميص نومها المريح، وذهبت وفتحت الباب..

ـ قاسم !!

قالتها بصدمة وسقط فمها أرضا من هول الذهول والمفاجأة، وظلت واقفة بمكانها بسكون وكأنها قد تسمرت بالأرض.

دخل قاسم وأوصد الباب وهو يقول بابتسامة مبتهجة:

ـ نعم قاسم .. على ما يبدو لقد نسيتِ فمك مفتوحا.

قالها قاسم وهو يقترب منها وأطبق شفتيها على بعضهما بابتسامة ثم ضمها إليه بقوة ، قوة لم يملكها إلا في هذه اللحظة فقط .. أطبق ذراعيه حولها وقربها منه مغمضا عينيه ، متأوهًا بحنين واشتياق أضناه ستة أشهر كاملة !! 

هذا وهي تقف متيبسة مكانها دون  أي رد فعل، فابتعد عنها ونظر إليها فوجدها تبكي بصمت فقال مازحا:

ـ إن خلى البحر من الموج لن تخلو عيناكِ من الدمع يا كهرمانة. البكاء بالنسبة لكِ ضروريا كالماء والهواء.

وأمسك كفها ووضعه فوق خدّهِ الكَـث وأمسك الكف الآخر وطبع به قبلةً وهو يقول:

ـ ألن تعانقيني يا فتاة ؟! هل هذا هو استقبال المرأة لزوجها بعد غياب دام لستة أشهر ؟! وأنا الذي ظننت أنني سأحصل على سيل متوحش من القبلات فور وصولي ، اتضح أنني كنت واهمًا.

وتدحرجت عيناه إلى بطنها المكور فدمعت عيناه ورق قلبه وأخذ يمسح على بطنها وهو ينظر إليها قائلا:

ـ بسم الله ماشاء الله.. لقد انتفخ بطنك جدا حياة.

وانحنى حتى جثا على ركبتيه فكان وجهه مقابلا لبطنها ، فأحاط بطنها بيديه وهو يتأملها ويتحدث قائلا:

ـ مرحبا يا صغيري، لقد عاد بابا .

سالت دمعات حياة كالعادة ولكن هذه المرة تأثرا بالموقف، وكانت تطالع قاسم من علوٍ وهو ينظر إلى بطنها بإمعان ويتحدث معها وفجأة انتفض بعيدا وهو يقول:

ـ حياة، إنه يتحرك !! يا إلهي ! لقد شعرت بحركته ، أقسم أني لاحظتها ورأيته وكأنه يسبح ببطنك !

تعالت ضحكاتها الممتزجة بالبكاء وأومأت بموافقة وهي تؤكد قائلة:

ـ نعم ، لقد أصبحا يتحركان كثيرا ؛ هذا لأنهم في شهرهم الثامن .. يعني لم يتبق سوى أيام ويعلنان قدومهما .

تعجب صيغة المثنى التي تتحدث بها ولفتهُ حديثها فقال:

ـ ماذا تقولين ؟! ماذا يعني أنهما يتحركان ؟! من هما ؟!

نظرت إليه بابتسامة غارقة بالحنان وقالت:

ـ أولادك .

ـ أولادي ؟!! 

ـ أجل .

أحدث جبينه تقطيبة متعجبة وقال:

ـ أولادي ؟!

ضحكت وقالت:

ـ أجل أولادك ، ما خطبك ؟!

ـ هذا يعني …

وصمت ونهض واقفا وهو يطالعها بتفكير وكأنه قد أصيب بالغباء فجأة فأصبح عاجزا عن استيعاب ما تقوله، فأمسكت حياة بيديه ووضعتهما على جانبي بطنها وقالت بابتسامة عذبة:

ـ هما هنا تماما . الولد هنا.. والفتاة هنا .

حدق بها بعينين متسعتين بذهول فهزت رأسها تؤكد ما خطر على باله الآن وأردفت:

ـ أنا حامل بتوأم يا قاسم .

فغر فاه، ووضع يده على فمه بذهول وغير تصديق، ونظر إليها وهو يحاول التمسك بالقليل المتبقي من ثباته الانفعالي وقال:

ـ حقا ؟! أنتِ حامل بتوأم فعلا ؟! يا إلهي.. 

وأخذ يدور حول نفسه وهو يقلب كفيه بغير تصديق، ثم عاد ليقف أمامها مجددا وقال:

ـ هل أنتِ متأكدة؟ هل هما توأم فعلا ؟!

أومأت بموافقة فضمها إليه مجددا وهو يقول:

ـ اللهم لك الحمد ؛ لقد استجاب الله دعوتي يا حياة، لقد تمنيت من الله أن يهبنا توأما ، أتذكرين ؟!

أومأت وهي تتشبث بعنقه بقوة وتمتمت:

ـ أذكر جيدا ، ولكن هل سنكمل حديثنا هنا أمام الباب ؟! 

ـ لا ، بالطبع لا.. 

نظرت إليه بابتسامة ومسحت بأناملها على وجنته وهي تقول بابتسامة:

ـ حمدا لله على سلامتك حبيبي، الآن فقط ردت لجسدي الروح.

مسح على رأسها وقبلها، جبينها ، وجنتيها ، وأخيرا شفتيها اللتين أهداهما قُبلة معبرة نهمة طالت وطالت حتى أعلن الصغار احتجاجهما وبدأا في الركل بعشوائية فابتعد قاسم قليلا وهو ينظر إلى بطنها ويقول باستهجان زائف:

ـ ما بكما يا دودتيّ القز ؟! دعاني أرحب بالجميلة والدتكما كما يليق بها.

ثم انحنى وحملها ونظر إليها وهو يزِنها بين ذرعيه ويقول باسما:

ـ ماشاء الله ، أستطيع تقدير الكيلوغرامات التي اكتسبتِها على وزنك ، سبعة كيلوغرامات على الأقل. 

ضحكت فضحك ثم أردف مازحا:

ـ لا تخافي حياتي، عينيّ صافيتين وليس من سماتهم الحسد. 

ابتسمت فانتقل بها من الصالة إلى الغرفة، ووقف أمام الباب يتطلع المكان باشتياق ثم قال:

ـ الحمد لله. الحمد لله أن تلك الأيام انقضت وعُدت إلى بيتي وإليكم.

ودخل الغرفة ، ثم وضعها فوق الفراش بخفة وقال:

ـ علي أن أتعرض لسيل ساخن من الماء، أشعر أن رائحة الزنزانة والمسجونين لا تبارحني.. 

واتجه نحو الحمام فنهضت تتبعه واستندت على باب الحمام، بينما وقف هو أمام المرآة يشذب لحيته أولا فقالت:

ـ لا تقصر شعرك.

نظر إليها بالمرآة مستفهما فقالت بابتسامة:

ـ أرى أمامي قاسم المتمرد الذي وقعت في هواه من النظرة الأولى عندما رأيته في مثل هذا اليوم!

أطلق ضحكة ساخرة متهكمة وقال:

ـ ترين قاسم المتمرد ؟! أم قاسم رد السجون ؟! هه.. يا إلهي .. لقد قضيتُ في السجن نصف عمري تقريبا حتى باتت جدران السجن تعرفني وصار بيننا لغة حوار أيضا.

لم تعقب على ما قاله وتسائلت بهدوء وقالت:

ـ كان من المفترض أن تخرج في نهاية الأسبوع كما أخبرني عزيز. ماذا حدث ؟

ترك ماكينة الحلاقة اللاسلكية خاصته واقترب منها وأحاط خصرها وهو يقول مُسهِبًا النظر في عينيها :

ـ لا، أنا من أبلغت عزيز بهذا الموعد عمدا ، لأني لم أرغب في ارهاقكم ؛ فأنا أعلم أنكِ إن علمتِ بموعد خروجي ستأتي لاستقبالي، وكذلك حنان.. وأكيد هي أيضا تشعر بالوهن مثلك.

أومأت بتأكيد وأسندت رأسها على صدره العاري فباتت دقات قلبه بالقرب منها تُطرب أذنيها وقلبها ..

قبّل أعلى رأسها ثم نظر إلى الإدناء الذي لازالت ترتديه وقال:

ـ حياة، لمَ لا تخلعين هذا الإدناء ؟! أنا لست غريبا لعلمك.

ضحكت ونظرت إليه بابتسامة وقالت:

ـ لقد نسيت ، هذا بسبب المفاجأة وسعادتي برؤيتك..

هز رأسه وقال:

ـ حسنا، ولكن لو أنكِ تخلعينه سنكون كلنا سعداء. 

وساعدها حتى نزعته وظهر قميص نومها الأسود الذي يضيق حول منحنياتها وخاصة مع بروز بطنها فأضفى عليها لمسةً جذابة، أطلق قاسم صفيرا عاليا وهو يتفحصها بإعجاب وقال:

ـ يا لجمالك حياتي ، لقد زادكِ الحمل أنوثة وجاذبية.

ومال على عنقها يقبله وهو يتمتم باشتياق:

ـ أرى أنه ليس ضروريا استكمال حلاقة ذقني ، يمكنني البقاء هكذا بنصف محلوق ونصف لا.. ستكون آخر صيحة.

توقع أنها ستضحك ولكنه تفاجأ بدمعاتها التي تسيل على غير أوانها فنظر إليها بصدمة وقال:

ـ ما بكِ حياة ؟! بربك أخبريني متى سينفذ منسوب الدموع لديكِ ؟! ما الذي حدث الآن يا فتاة لكي تبكي ؟! 

ارتمت بحضنه فجأة وقالت بانهيار:

ـ أمي يا قاسم . لا يمكنني الشعور بالفرح وأنا أجهل مصيرها ! أشعر أن الفرح سيكون محرّمًا علي طالما أنها ليست موجودة.

زم شفتيه بأسف ، وضمها إليه أكثر ، ثم سار وهو يضمها نحو السرير وجلس ثم أجلسها على قدمه وأحاط خصرها بذراعيه وقال:

ـ أعتذر يا حياة، فرحتي برؤيتك أنستني أن أسألك عن والدتك. 

وصمت لأنه لم يجد ما يقوله بينما انطلقت الكلمات الحبيسة منذ زمن وأخذت تتحدث دون توقف، وكل ما يفعله هو أنه يستمع إليها بصمت لا يخلو من لمسات رقيقة حانية داعمة..

ـ ماذا ستسألني ؟ وبماذا سأجيبك ؟! نحن لا نعرف شيئا إلى الآن ، ستة أشهر كاملة مضت ونحن نبحث عنها كمن يبحث عن إبرة في كوم قش دون جدوى، في الأيام الأولى كان يتم اخطارنا يوميا بأن هناك جثة قد وصلت إلى المشرحة تحمل نفس مواصفات والدتي ؛ فأركض إلى هناك.. تمنعني الشكوك ويدفعني الأمل . وأشعر بالراحة لأن الجثة ليست أمي، ثم أعود إلى البيت وأدعو الله أن أصل إليها لكي يطمئن قلبي. وفي اليوم التالي أركض مجددا للتعرف على جثة أخرى وأنا أدعو الله أن يمنحني فرصة ثانية وألا تكون هذه هي جثة أمي. إلى أن وصل بي الحال أنني صرتُ أكثر استعدادا وتقبلا للفكرة. صرتُ على اقتناع بما يقولونه لي جميعهم : بلوغ الحقيقة مهما كانت مؤلمة أفضل من التشبث بأمل زائف يتلاعب بك في اليوم ألف مرة. لدرجة أنني صرت أدعو الله أن أجد جثتها من بين هذه الجثث ، بعد أن كنت أدعوه ألا تكون إحداهن هي جثتها صرتُ أدعوه أن أجد جثتها، حينها على الأقل سيكون مصيرها معلوم، سيهدأ بالي من التفكير المُضني الذي ينخر فيه كما ينخر السوس في الخشب.

وبعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا انقطعت كل الأخبار، حتى المشرحة ، توقفوا العاملين بها عن طلبنا للتعرف على الجثث الواردة والتي لها نفس مواصفات أمي ، بعدها فقدت الأمل وتملك مني اليأس وأدركت حقيقةً واحدة : لو أن أمي لازالت على قيد الحياة فلن تقوى على فراقي كل هذه الفترة ، بالتأكيد كانت لتحاول التواصل معنا بأي طريقة، أليس كذلك ؟

ونظرت إليه وعينيها الكهرمانيتين مغرورقتين بالدموع فأزالها بأنامله وقال:

ـ في كل الأحوال لا يمكننا الجزم بشيء، ولكني أعدك أنني سأحاول قصارى جهدي أن أصل لإجابة . لن يبقى الأمر معلقًا كثيرا أعدك.

عانقته بقوة وامتنان ، بينما ربت هو على ظهرها وهو يقول:

ـ حياة، ما أصل الموضوع من البداية ؟ أقصد .. كيف وصلت الأمور بين عمي وأمك إلى هذا الحد ؟! هل حدث شيئا لا أعرفه ؟!

صمتت حياة عن الحديث وظلت تستمع إليه وهي تفكر بحيرة ، لو أخبرته عن السبب الرئيسي فبالتالي سيصل الحديث إلى ما فعلته أمها بحياة، وهي لا تثق بردة فعله عندما يتعلق الأمر بشقيقته، بالتأكيد لن يظل متفهمًا ومراعيًا بهذا القدر . ومن المؤكد أيضا أنه سيتراجع عن وعده الذي أعطاها إياه للتو وسيتجاهل أمر والدتها برمته، حتى أنه من الممكن أن يعدم أمها رميًا بالرصاص إن وجدها ، وكيف لا وهي كانت ستتسبب في موت أخته الوحيدة، ناهيك عن تاريخها المُشرّف الذي لا يشفع لها على الإطلاق.

ـ في وقتٍ لاحق يا قاسم أرجوك ، سنتحدث لاحقا.

أومأ بتفهم وقال وهو يشير إلى وجهه وذقنه بالتحديد:

ـ حسنا حياتي، علي أن أنتهي من هذا الأمر أولا ثم أعود إليكِ. اتفقنا ؟!

أومأت بتأكيد فنهض متجها إلى الحمام، وقررت هي استغلال الوقت في إعداد طعام الفطور لهما ، فهذا هو أول فطور تعده في بيتها منذ ستة أشهر.

ـــــــــــــــ

في مكان آخر ، في بلد آخر ، في قارة أخرى .

في أكبر مدينة تركية ؛ في اسطنبول.

وبالتحديد في فندق ( ريتز كارلتون اسطنبول ) والذي يُعد من أفخم وأحلى الفنادق التي تطل على مضيق البوسفور مباشرةً.

بداخل غرفة فخمة مزدوجة ، أثاثها من اللونين الأبيض والأسود، يتداخل ويتناسق اللونين المتناقضين في كافة عناصر الغرفة من طلاء أرضيات وجدران ومفروشات ومصابيح، تتميز بديكور أنيق وهادئ ذات لمسة كلاسيكية ، ولها إطلالة رائعة على المضيق وإطلالة أخرى خلفية.

خرجت سارة من الحمام بعد أن أخذت حماما دافئا ووقفت أمام خزانة ملابسها لكي تنتقي فستانا مناسبا لحضور حفل غنائي سيحييه المطرب التركي الشهير، الوسيم ، مفتول العضلات و سارق قلوب الفتيات ، المطرب صاحب الصوت الحالم والوجه الباسم …. ( مراد بوز  ) .

اختارت فستان باللون الأسود ، يصل طوله إلى بعد الركبتين بقليل وتنحسر أكمامه عند منتصف الذراعين . ارتدته ثم ارتدت حذائها ذو الكعب العالي ، ثم وقفت أمام المرآة لتضع زينتها فإذ بها تتلقى اتصالا من والدتها فاستقبلته بابتسامة وقالت:

ـ Merhaba anne 

( مرحبا أمي )

تعالت ضحكات فتون ثم أجابت :

ـ Merhaba sevgilim 

( مرحبا عزيزتي )

ضحكت سارة بدورها ثم قالت:

ـ يا إلهي، ما أحلانا ونحن نتبادل العبارات بالتركية وكأننا تركيات أصيلات. الأمر ممتع حقا.

ـ صحيح، هاا أخبريني سرسورة هل أنتِ جاهزة ؟! التجهيزات بالأسفل تُدار على قدمٍ و ساق استعدادا لوصول مطربك الوسيم .

تنهدت الأخرى بحالمية وقالت:

ـ نعم لقد انتهيت، سأنزل بعد دقائق، ماذا تفعلين ؟!

ـ لن تصدقي سارة ، أقف بمكاني منذ نزلت من الغرفة لا أفعل شيئا سوى أنني أشم الهواء المحمل برائحة اليود القوية ، تلك الرائحة تُنعش ذاكرتي وتحمل معها ومضات من الماضي.

أطلقت سارة تنهيدة قوية وأردفت:

ـ أمي العزيزة، لقد أتينا إلى هنا لكي نتجاوز الماضي وها أنتِ تستحضرينه عن طريق بعضا من اليود وما شابه. بربك إلى أين سنهرب مجددا ؟

ضحكت فتون وأردفت:

ـ سنهرب يا فتاة، هيا ينتظرنا الكثير من التسلية والمرح ، لا تتأخري.

وأنهت فتون الاتصال بينما أكملت سارة ما بدأته والتقطت حقيبتها وخرجت من الغرفة متجهة إلى الأسفل حيث القاعة الخاصة بالحفلات والتي سيقام بها حفل الليلة.

وصل المطرب إلى الفندق فتجمهر حوله المصورين والصحفيين المتطفلين، بينما التف حوله العديد من رجال الحراسة الخاصة به حتى دخل إلى القاعة وبدأ منسقي الحفل بالاستعداد لانطلاق الحفل الأكثر رواجًا .

بدأ المغني بالغناء فهدأ تصفيق وصيحات الجمهور الكبير ، وسادت حالة من السكون التام وهم يستمعون إليه وهو يتغنى بصوته ذات النبرة الحزينة، وازداد انسجامهم مع تبدل الإضاءة لأخرى أكثر خفوتًا وشاعرية. مما ساعدهم على الانخراط في حالة عاطفية جياشة.

Dışardan gördüğün gibi değil

لست انا الذي تراه من الخارج

bir kez olsun buradan bakmadın

ولا لمرة واحدة تتعب نفسك بالنظر لي

Üzüldüm zannediyorsan şunu bil

إن  كنت تعتقد بأني حزين فقط اعرف

canım yandı geçti çok yakmadın

لم أعد أشعر بالألم فأنت لم تعد تؤذيني

Yaz gelir içimi sarar aynı telaşlar

أتى الصيف وما زالت نفس التساؤلات لدي

kim bilir belki de bir aşk başlar

فمن يعرف لربما يبدأ عشق جديد

Dalgalanır deniz ne çıkar durur yavaşlar

البحر يتموج ويتوقف ببطء ماذا يعني؟

kim bilir belki de bir aşk başlar

فمن يعرف لربما يبدأ عشق جديد

Ben özledim galiba seni

انا بالفعل أشتاق لك

bu yüzden bu kadar sitemlerim

لهذا أنا أشكو كثيرا

Sen üzülme acıdan bu sözlerim

فلا تحزن مني لان انفعالاتي بسبب قلبي المكسور

karşımda görsem dolar gözlerim

فإذا رأتك عيناي سيفيضان بالدموع

كانت سارة – وبالرغم من اندماجها مع الكلمات واللحن – إلا أنها لم تستطع تجاوز تلك الحالة التي احاطتها ، خاصةً عندما استشعرت أنفها رائحة عطر مميزة جدا ومألوفة بالنسبة لها، فاهتز قلبها وتحفزت دقاته، وأخذت سارة تتلفت حولها يمينا ويسارا بحثا عن صاحب هذه الرائحة التي لا يخطئها قلبها أبدا. ولكنها لم تجده. بالتأكيد لن تجده. فلقد قطعت أميالا واسعة فقط لتهرب منه ومن حصاره الذي فرضه على مشاعرها، كان لا بد لها أن تتحرر من قبضته وتعلن على مشاعرها الخائنة التمرد والعصيان؛ لذا تركت كل شيء خلفها ولم تأبه لشيء، و اصطحبت أمها وغادرت. 

ولكن على ما يبدو أنها حتى وإن غادرت الماضي فالماضي لن يغادرها أبدا.

تنهدت سارة بألم، وهي التي كانت على بُعد خطوات معدودة من التعافي، ليأتي هذا العطر اللعين ويعيدها إلى حيث كانت ، إلى نقطة الصفر من جديد . ليجعلها تتسائل وتفكر مليًا : كيف لمجرد عطر أن يثير حنينها إلى الماضي وإلى الذكريات التي ألقت بها في سلة مهملاتها ! حسنا هي قرأت كثيرا أن العطور يمكن أن تعزز استرجاع الذاكرة وتنشط الذكريات المرتبطة بها ولكنها لم تؤمن بذلك الكلام أبدا.. ولكن اليوم أيقنت أنها حقيقة لا تدع مجالا للشك؛ فبمجرد أن تشم رائحة معينة مرتبطة بذكرى أو بشخص معين ستتفاعل مشاعرك معها فورا ولن تجد نفسك إلا وقد وقعت أسيرا لهذه الذكرى في الحال.

أفاقت من شرودها على صوت تصفيق الحضور بعد أن توقف المغني عن الغناء وانصرف ليستعد لغناء أغنية أخرى .

كانت سارة في تلك اللحظة تشعر بالتعب والأرق بعد أن تبدل مزاجها تماما فنظرت إلي أمها التي كانت شاردةً بدورها وقالت:

ـ سأعود إلى الغرفة، أشعر بالرغبة في النوم.

نظرت إليها أمها بتعجب من تبدل حالها المفاجئ وقالت:

ـ فعلا ؟! هل ستنامين الآن ؟!

ـ نعم، هل ستأتين برفقتي؟

ـ لا، سأنتظر ريثما ينتهي الحفل ، هذا الأذعر كلماته تخترق القلب اختراقا.

ابتسمت سارة بفتور وانصرفت عائدة نحو غرفتهم، فمنذ أتوا إلى هنا وهما تنزلان أسبوعيا بفندق مختلف رغبةً منهما في اكتشاف كل إنش بهذه المدينة . ومن مخططاتهم أيضا أن يغادروا هذة المدينة وينتقلون إلى ريف تركيا في الأيام المقبلة لخوض مغامرة فريدة من نوعها.

سارت سارة بالرواق إلى آخره حتى وصلت إلى الغرفة الخاصة بهما ومدت يدها لتفتح الباب ولكن عيناها جحظت عن محجريهما بفزع عندما شعرت بذلك الكف العريض الذي أطبق على فمها فجأة !!!!

ـــــــــــــــ

ـ اللهم لك الحمد كما أنعمت علي ، لك الحمد كما رزقتني وحفظتني وسترتني ويسرت لي كل أمرٍ عسير. الحمد لك وليس لأحدٍ سواك يا رب العالمين.

كان قاسم يردد هذا الدعاء بعد أن انتهى للتو من صلاته ثم نهض ونظر إلى حياة التي كانت ترمقه بابتسامة مفعمة بالحنين ثم قالت:

ـ حرمًا يا حبيبي.

قبل رأسها مردفًا :

ـ جمعًا إن شاء الله.

نظرت إليه بابتسامة وقالت:

ـ إن شاء الله ، أتمنى أن نذهب سويا رمضان المقبل لأداء العمرة ، لقد ذهب عزيز وبرفقته حنان رمضان الماضي، حينها كنت أتمنى لو أننا ذهبنا برفقتهم.

مسح على رأسها برفق ولين وقال مبتسما:

ـ لم يأذن الله بعد يا كهرمانة.

أومأت بتأييد ثم قالت:

ـ صحيح ، هل تعرف قاسم ؟ 

همهم متسائلا وهو يهذب خصلات شعرها ويرتبها بيديه فقالت:

ـ أتمنى أن يهبنا الله الفرصة لكي نعيش ما لم نستطع عيشه، نحن تزوجنا في ظروف غامضة ، الأجواء جميعها من حولنا كانت مرتبكة ومتوترة.. رأينا أحزانا تفوق الفرح بكثير، ماذا لو أننا استطعنا تعويض ولو جزء بسيط من الذي فقدناه؟

ابتسم وأمسك بكفها ورفعه إلى فمه ثم قبله وقال:

ـ أعدكِ يا حياتي أنني سأحاول تعويضك عن كل شيء، مع مرور الوقت سأمحو كل دمعة وأبدلها بضحكة إن شاء الله.

تنهدت بأمل وقالت:

ـ إن شاء الله ، ولكن ليس قبل أن أصل للقول الفصل بخصوص أمي .. قبل أن تعود أمي سيبقى كل شيء ناقص.

مسح على وجنتها بإبهامه واقترب منه وعض خدها وهو يقول مغمغما محاولا تغيير مسار الحديث:

ـ ما هذه الرائحة الجميلة حياتي ؟ هل هي رائحة سائل الاستحمام أم أن الحوامل الجميلات يُصبن بمتلازمة رائحة الياسمين مثلك ؟!

أنعش قلبها التشبية واندست بين ذراعيه تغرس نفسها عنوة في أحضانه ثم اشتمت رائحته بقوة وأردفت:

ـ يا إلهي، وأخيرا أصبح بإمكاني الاستمتاع برائحتك دون الشعور بالغثيان.

ضحك وقال:

ـ أرأيتِ أن قراري بالذهاب للسجن في هذا الوقت بالتحديد كان صائبا ؟! الحمد لله ساعدتك لكي تتجاوزي فترة الغثيان والوحام اللعين على خير.

خرجت من حضنه فجأة ونظرت إليه بلوم وقالت:

ـ لا، أنت مخطئ قاسم، أنا لم أتجاوز أي شيء، أنا كنت مرغمة على التعايش، هناك فرقا.

أومأ فتابعت:

ـ مرت علي أيام كانت في طولها كالدهر، كنت أبكي بمفردي وأتألم بمفردي، كنت أحتاج لعناقك.. كنت كاليتيمة بدونك.

وتقوست شفتيها كالأطفال تماما وبكت بحرقة فضمها بقوة وهو يمسح دمعاتها بحنو ويقول:

ـ أنا آسف حياتي، منذ اليوم لم تَعُدِ يتيمة ، لقد عاد بابا.

ابتسمت وطوقت عنقه بذراعيها وقالت :

ـ حسنا يا بابا قاسم ، أنا لم أشترِ قطعة واحدة لأبنائك. ما العمل ؟

ـ أبنائي؟ من يسمعك يظن أنكِ حامل بستة إناث وأربع ذكور  ، بربك لا تبالغي ولا تنطقي هذه الكلمة مجددا وخاصة أمام الغرباء. العين فلقت الحجر .

ضحكت بقوة وهي تستمع إلى حديثه الغريب وأردفت:

ـ هل تخشى الحسد فعلا ؟!

ـ ولمَ لا أخشاه ، كل ذي نعمةٍ محسود ، وتعلمي ألا تتباهي بالنعم التي أنعم الله عليكِ بها أمام فاقديها .

نظرت إليه مطولا ثم أردفت وهي تفكر:

ـ لعلمك أنت مخطئ ، لأن الله سبحانه وتعالى قال ” وأمّا بنعمة ربكَ فحدّث ” وها أنت تطلب مني ألا أتحدث عنها وأخفيها خشية الحسد.

رد عليها بثقة وأجاب:

ـ التحدث بالنعم يكون بشُكرها وإظهار آثارها وليس تعديدها وإخبار الناس بها ، هل فهمتِ يا أم سند ؟

نظرت إليه مبتسمة بإشراق وقالت:

ـ فهمت يا أبا سند ، لقد اشتقت إليك وإلى نصائحك ودروسك كثيرا قاسم..

قرص وجنتها مداعبا ونظر إليها بنظرة معبرة وأردف:

ـ وأنا أعتقد أن تلميذتي النجيبة تحتاج إلى مكافأة كبيرة وعاجلة..

ومال عليها استعدادا للهجوم المباشر ولكنها تفادت ذلك الهجوم وتملصت من بين ذراعيه وهي تركض بخطوات متثاقلة وتقول:

ـ  هيا الغداء جاهز .

رفع حاجبا بإستياء وحنق وقال بصوت وصلها :

ـ و إذا ؟! ألا يمكنه الانتظار قليلا ؟! هل لديه موعد مثلا ؟!

صدح صوتها بالمطبخ وهي تقول:

ـ لا، ولكن نحن من لدينا موعدا هاما ، لقد أخبرت والدي أني سأذهب إليهم بعد ساعة وطبعا لم أخبره بقدومك، أريدُ مفاجئته.

دخل المطبخ وهو يقول:

ـ جيد،  هيا اتصلي بحنان واطلبي منها أن تأتي إلى بيت عمي .. فليكن لها حظا من المفاجأة هي الأخرى.

نقلت طاجن الحساء إلى الطاولة المستديرة بالمطبخ وهي تقول:

ـ حنان أساسا تقيم ببيت العائلة .

نظر إليها متفاجئا وقال:

ـ فعلا ؟! منذ متى ؟!

ـ منذ فترة طويلة، قررنا أن نعيش سويا في بيت العائلة أنا مع والدي، وحنان بشقتكم، من أجل كريم.. الولد كان يمر بحالة نفسية سيئة للغاية لذا اقترح والدي أن نجتمع سويا من أجله.. وبعدها ذهبا كلا من حنان وعزيز لأداء العمر وظل كريم برفقتي ، وبعد عودتهم تعرضت حنان لبعض المشكلات بالحمل ونصحها الدكتور أن تحصل على الراحة التامة من أجل صحة الجنين؛ فعرضت عليها حسناء المساعدة وبالفعل وافقت وظلت. 

أومأ بهدوء وقال:

ـ على ما يبدو أن زوجة عمي إنسانة ودودة للغاية .

تنهدت مهمومةً ثم قالت وهي تضع الطبق الأخير على المائدة:

ـ صحيح، في بداية زواجها من أبي لم أستسغ الفكرة أبدا، لم أكن متقبلة كيفية أن تحل إمرأة أخرى محل أمي، ولكن بمرور الوقت والمواقف أثبتت أنها رؤوفة بقلبٍ رحيم.. كانت تعتني بي وبحنان بنفس الوقت وكأننا حالتين تقوم على رعايتهما، لا تدخر جهدا في الاعتناء بنا، ولكني تركت البيت وأتيت إلى هنا منذ فترة لأنني أردت إعمار البيت إستعدادا لوصولك يا حبيب الروح.

ضمها إليها وأردف ضاحكا:

ـ حبة البطيخ هذه أصبحت عائقا يحول دون الوصول إليكِ حيوتة، أشعر أنني يمكنني الجلوس عليها وتقبيلك بشكلٍ رائع.

وانفجر ضاحكا فحدجته بنظرات صارمة وقالت بحدة:

ـ قل ما شاء الله.

ـ ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، لا تخافي لن أحسدك ، لقد حصلت على لقاح ضد الحسد في صغري.

قلبت عينيها بملل وأردفت:

ـ حسنا يا خفيف الظل ، الحساء سيبرد وينافس برودة دمك .

قذفها بالليمونة الموضوعة بجوار طواجن الحساء وقال:

ـ تأدبي وأنتِ تتحدثين مع زوجك يا فتاة، على الأقل احتراما لفارق العمر بيننا.

ثم سحب الكرسي الخاص بها في عرضٍ مسرحي وقال:

ـ تفضلي ، هذا لتعلمين كم أنكِ محظوظة من بين مثيلاتك من النساء، مَن منهن يسحب لها زوجها المقعد كما فعلت أنا ؟!

جلست بهدوء ونظرت إليه باسمةً وقالت:

ـ مَن مثلك يا حبيبي ؟ 

أجابها متعمدا إثارة حنقها:

ـ لا أحد بالطبع.. أنا آخر قطعة من نوعي.

طالعته بضجر فضحك على نظرتها التي اشتاقها كثيرا ونظر إلى المائدة وهو يطلق صفيرا معجبا وهو يقول:

ـ ما هذا ؟! دجاج بلدي محشي وحساء وطاجن بازلاء بالكوسة ؟! تحتاجين قبلة يا فتاة.

وأمسك بيدها وقبلها بقوة ثم نظر مجددا إلى الطعام بشهية مفتوحة وقال:

ـ هذا المنظر جعلني أتذكر أمي رحمها الله ، كانت تعد لنا نفس الأطباق في كل يوم جمعة ، وكنا نجتمع نحن الأربعة حول المائدة بعد صلاة الجمعة ونتناول الطعام .

وشرد وهو يسترجع تلك الذكريات ثم قال:

ـ لا بد أن أذهب لزيارة قبرهما اليوم . رحمهما الله.

شردت حياة كذلك وأردفت بانكسار علمها الاستسلام وقالت:

ـ رحمهم الله .

أكملا طعامهما بصمت وهي تطالعه من فينة لأخرى فتجده شاردا فتلتزم الصمت إلى أن قطعه هو وقال:

ـ تذكرتُ شيئا ، كنت قد رأيت مناما من قبل ، اتضح أنه لم يكن مناما عاديا.. زارني والدي مرة في المنام وأعطاني عملتين ذهبيتين وأوصاني أن أهديكِ إياهم في الوقت المناسب.!!

قطبت جبينها مع ابتسامة خفيفة وقالت:

ـ  عملتين ذهبيتين ؟؟ ماذا يعني ؟

نظر إليها بإحباط وقال:

ـ ماذا يعني ؟! لا أبدا لا يعني شيئا ، على الأغلب لقد قضى الحمل على قدرة الاستيعاب لديكِ .

قالت بعد تفكير:

ـ فهمت، أنت تقصد أن العملتين هما دلالة على حملي بتوأم . أليس كذلك ؟

ـ هو كذلك تماما .

ـ هل تعرف ؟ أنا أيضا حلمت أنني كنت أجلس أسفل شجرة وسقط فوق رأسي تفاحتين !!

نظر إليها متعجبا وانفجر ضاحكا فحدجته بغضب وقالت:

_ علام تضحك ؟ 

نظر إليها مبتسما وأردف وهو يمسك بيدها ويقبلها:

ـ هل سقط التفاح فوق رأسك فعلا ؟!

هزت رأسها بتأكيد فقال بنظرة عابثة:

ـ هذا لأنكِ تتمتعين بجاذبية تفوق الخيال.

رمشت بعينيها عدة مرات بلطف وقالت بابتسامة:

ـ أشكرك زوجي العزيز، كانت هذة مجاملة لطيفة منك.

ـ هذه ليست مجاملة أبدا، هذه حقيقة .. أنتِ تملكين قوة جذب رهيبة تجعلني دائما أدور في مدارك .

ابتسمت بسعادة ثم نظرت إليه بشراسة وقالت:

ـ ماذا إن حدث يوما ودُرتَ في مدارا آخرا ؟!

ليرد عليها بثقة ويقول:

ـ سأكون حينها قد حكمتُ على نفسي بالهلاك بكل تأكيد.

ــــــــــــــــــــــــ

أطبق على فمها بكفه العريض فتشبثت يداها تلقائيا بساعده الذي يحيطها وهي تحاول زحزحته عنها ولكنه همس بأذنها بصوتٍ أسرى الرجفة في جسدها وقال:

ـ لا تخافي ، أنا قصي .

تحركت بين يديه بعشوائية ففك وثاق ذراعيه من حولها فالتفتت إليه وهي تنظر له بصدمة وقالت:

ـ قصي ؟! أنت هنا ؟!!

نظر إلى ملامحها المحببة إليه عن قرب باشتياق ولهفة ثم قال:

ـ أنا هنا كما ترين ، اشتقت لكِ.

طالعتهُ بغضب شديد وقالت وهي تضرب صدره بقبضتها الناعمة:

ـ ولمَ تصرفت بتلك الحماقة كأنك لص أو مجرم ؟ لقد أرعبتني وكنت على وشك الموت خوفا.

أمسك بقبضتها وقبض عليها بكفه وهو يطالعها بحنان وقال:

ـ أعتذر منكِ ، اضطررت لفعل ذلك لأن رجال الأمن منتشرين بأرجاء الفندق وفي الأروقة لتأمين الحفل وخشيت أن تقومي بأي تصرف متهور أو أن تصرخي مثلا وتجلبي القاصي والداني فيتهمونني بالتحرش بكِ أو محاولة خطفك .

نظرت إليه بضيق شديد وهتفت بانفعال :

ـ وقح .

نطق بهدوء كالتلميذ الذي يتعرض للتعنيف من أستاذه:

ـ أنا آسف .

استشاطت غضبا وضربت رأسه بحقيبة يدها وهي تقول:

ـ وحقير ونذل.. اللعنة عليك .

فمد ذراعيه أمام وجهه ليتفادى هجماتها المباغتة وهو يقول:

ـ أعتذر منكِ لم أقصد إخافتك صدقيني .

صرخت بوجهه كالمجنونة وقالت بعصبية:

ـ إذا لماذا أتيت ؟! لماذا تصر على اللحاق بي أينما ذهبت ؟! لقد تركت لك القارة بأكملها وأتيت إلى هنا لكي أبدأ من جديد ، لماذا تتبعني ؟

ـ تبدأين من جديد وتتركين القديم ناقصا ؟! 

ـ أيُ قديم ؟! قديمك هذا كان مجرد كابوس غادرته بإرادتي ولن أعود إليه أبدا مهما حدث .

ـ كابوس؟! تسمين علاقتنا كابوسا ؟

نظرت إليه بضيق واستياء وقالت:

ـ علاقة غير متكافئة تماما ، نحن غير متكافئان يا قصي ولن نصبح ، هيا غادر وعُد من حيث أتيت .

واستدارت وفتحت الباب ودخلت فهَمّ بالدخول وراءها ولكنها أوصدت الباب فجأة فاصطدم وجهه بالباب فقال بألم طفيف وحنق فائض:

ـ لا يهمني إن ذهبتِ لآخر المجرّة حتى، هذه المرة أنا متمسك بكِ ولن أبرح أرضكِ يا سارة .

كانت سارة تستند على الباب من الداخل وهي تستمع إلى ما يقوله بانهزام وقد خارت كل قواها المزعومة وانهارت الحصون التي كانت تختبئ خلفها طيلة الأشهر الماضية.

وعندما لم تستمع إلى صوته مجددا أدركت أنه قد غادر ففتحت الباب ببطء لتجده وقد ترك خاتم الزواج الذي قد أهداه إليها من قبل أمام الباب فانحنت لتأخذه وفجأة سمعت صوته يأتي من اللامكان وهو يقول:

ـ  كنت أعرف أنكِ ستفتحين الباب مجددا ..

تلفتت حولها بفزع ودخلت كالأرنب المذعور ولكنها توقفت عندما سمعته يقول:

ـ هل ستتركين الخاتم أمام الباب ؟! هيا سارة لا تكوني عنيدة ورأسك متحجر .

أخذت تنظر حولها بغيظ ولكنها لم تجده ولكنها تعلم أنه يراها فأمسكت بالعلبة وألقتها بسلة المهملات الموضوعة أمام باب الغرفة وهي تنظر حولها بتشفي وتحدي ثم قالت:

ـ ها هو ذا .. في المكان المناسب تماما.

ودخلت غرفتها وصفقت الباب بقوة أجفلتها هي شخصيا فسمعته يقول:

ـ جيد جدا ، أرفع لكِ القبعة ، ولكن لا تفتشي بسلة المهملات مرة أخرى بحثا عنه فهذا لن يكون لائقا .

أدركت من خلال نبرة صوته أنها نجحت في هزمهِ وكسر خاطره وهذا لم يشعرها بالراحة على عكس ما توقعت ، ظلت واقفة خلف الباب لقرابة الربع ساعة ثم أذعنت صاغرةً إلى فضولها أولا ونداء قلبها ثانيا وفتحت الباب بهدوء وترقب، ثم أخذت تتلفت حولها مرة أخرى بحثا عنه ومدت يدها بسلة المهملات لتستعيد الخاتم ولكنها فوجئت بأنه غير موجود!

هذا ما أشعرها بالضيق والأسف على حالها ، فدخلت غرفتها مجددا باستسلام وغرقت في فيضان من الحنين .

بينما كان قصي يختبيء بالخارج بركن مجاور للغرفة المقابلة ممسكا بالخاتم وهو يتحدث إلى نفسه قائلا:

ـ لا تراجع ولا استسلام يا سارة العنيدة ؛ حتى لو كلفني الأمر الذهاب خلفك إلى بلاد الواق واق حتى  .

ـــــــــــــــــــــــــ

كانت حياة قد استعدت وارتدت ملابسها التي هي عبارة عن عباءة سوداء بطراز خليجي واسعة فضفاضة تمنحها الحرية عند الحركة وتناسب وضعها .

بينما خرج قاسم من الحمام ليطلق صفيرا معجبا فور رؤيتها ثم قال:

ـ ما هذا الجمال والدلال كله حبيبتي! تبدين كالبدر في ليلة تمامه .

ابتسمت بسعادة وثقة تكتسبها دوما منه وقالت:

ـ أشكرك سيد قاسم ، على ما يبدو أنك كنت تتعلم مهارات الحديث والإطراء على النساء في السجن . 

قهقه عاليا وقال:

ـ الأمر لا يحتاج لتعلم مهارات حياتي، القلب ينطق قبل اللسان في حضرة سيدة الحُسـن والجمال حياة هانم صالح فضل الحداد ، الشهيرة بحياة هانم صالح فضل الحداد أيضا .

علت ضحكاتها وهي تهز رأسها بيأس ثم قالت:

ـ حسنا يا كثير اللغو ، هيا لقد تأخرنا .

ارتدى قاسم ملابسه على عجالة وغادرا شقتهما ليتقابلا على السلم مع عصفورين الحب ممدوح وفلة اللذان تفاجئا بوجوده ورحبا به ترحيب بالغ وقاما بدعوتهما لتناول العشاء في مساء الغد .

اتخذا كلا من قاسم وحياة طريقهما نحو المرآب وهما يتحدثان فقال قاسم:

ـ يا إلهي ، كيف ستعد لنا سيدة فريال العشاء ببطنها هذا ؟! السيدة تمشي كالسلحفاة .

ضحكت حياة وهي تهمس إليه وتقول:

ـ هل لديك من يكتم السر ؟!

نظر إليها متعجبا وهمس مثلها :

ـ في بئر .

أشارت إليه ليقترب وكأنها ستخبره بأسرار تهدد أمن الوطن وقالت بفحيح مضحك:

ـ السيدة فريال حامل بتوأم ثلاثي .

نظر إليها مصدوما وقال بغير تصديق:

ـ لا تمزحين !

ـ أقسم بالله .. هي الآن في شهرها السادس ولكنها تعاني معاناة الحامل في الشهر الحادي عشر.

ضحك وهو يهز رأسه بغير تصديق وقال وهو يحدث نفسه:

ـ ما شاء الله ، على ما يبدو أن الدكتور ممدوح سره باتع !

ـ ماذا ؟! ماذا تقول ؟

نظر إليها وهز رأسه وقال:

ـ لا أبدا، لم أقل شيئا . إذًا وكيف استقبل ابنه الخبر ؟ لقد أصبح رجلا بطول الباب .

ضحكت وقالت:

ـ تقصد قصي .. أخبرتني فلة أنه كان فرحًا للغاية ، الجميع أساسا فرحين من أجل فريال ، لقد عوضها الله عما عاشته وعانته سابقا.

دخلا المرآب ليجد سيارته السوداء الفخمة التي تصطف جانبا بكل أبهة وقد كساها التراب فقال:

ـ يا للهول ! هل غبت طويلا لهذه الدرجة ؟!

نظرت إليه بابتسامة مشفقة وقالت:

ـ نعم ، ستة أشهر الشهر منهم كالسنة الكبيسة .

هز رأسه بتأييد وأردف وهو يفتح لها الباب:

ـ الحمد لله أني خرجت قبل أن يحفر فوقها حماده العاشق قلبا وسهمين بمفتاحه اللعين ويكتب عليها حماده يحب سماح ، كنت لأصاب بسكتة قلبية في الحال.

تعالت ضحكات حياة فضحك بدوره واستدار ليركب خلف المقود ثم انطلق بعد أن ردد:

ـ بسم الله توكلنا على الله.

كان يقود بيمناه ويده اليسري تستند على حافة النافذة بجواره فكان مثيرا للاعجاب جدا، مما جعل حياة تمعن النظر إليه وعلى ثغرها ابتسامة متألقة وقالت:

ـ هل تعلم أنني بكيت بحرقة أول مرة رأيت بها السيارة بعد دخولك السجن ؟!

نظر إليها ضاحكا وقال:

ـ لا أعلم ، ولكن ما أعلمه جيدا أنكِ تخترعين أسبابا خزعبلية لتبكي.

طالعته بحنق فضحك وقال:

ـ حسنا أمزح معك ، وماذا بعد أن بكيتِ ؟! ثم أخبريني أولا ، ماذا كنتِ تفعلين بالمرآب بمفردك  أساسا ؟!

ـ لا لم أكن بمفردي ، كانت برفقتي السيدة فتون وسارة وقد أوصلاني بسيارتهما يوم زفاف فلة والدكتور.

ـ لقد تذكرت ، كيف حال سارة ؟ في آخر زيارة للسيد أكثم لي في السجن أخبرني أنها ألحت على والدتها للسفر !

تنهدت بأسف وقالت:

ـ نعم ، والدتها أخبرتني أنها متعبة جدا وتمر بحالة نفسية سيئة حتى أنها عرضت عليها أن تعرضها على الدكتور ممدوح ليساعدها ولكن سارة رفضت بشدة وكل ما طلبته أن تبتعد عن هنا فورا ، وأمام رغبتها لم تملك والدتها إلا أن تنصاع إليها وبالفعل سافرتا إلى تركيا .

مط شفتيه متعجبا وقال:

ـ ولمَ إختارتا تركيا بالأخص ؟! ما السبب ؟!

ـ سارة تقول أنها تتوق لاستكشاف بلدها المفضل ومقابلة نجومها المفضلين.

ـ مممم.. 

همهم باقتضاب فقالت بترقب:

ـ هل يمكننا زيارتهم في مرة ؟! هل تمانع في ذهابي لرؤية نجومي المفضلين ؟

نظر إليها بطرف عينه وأردف:

ـ لا أمانع ، ولا أمانع في إرسالك للجحيم أيضا .

لوت شفتيها بنزق فتمتم بقلة حيلة:

ـ أستغفر الله العظيم.

ظلا يتجاذبان أطراف الحديث إلى أن صف السيارة أمام مدخل بيت العائلة ونزلا فأخذ يتطلع إلى المكان باشتياق جارف بينما هي شعرت بانقباضة في قلبها ولكنها شكّلت ابتسامة ناعمة على ثغرها وصعدت برفقته إلى الأعلى.

وقفا أمام الباب فطرقهُ ونظر إليها وهو يعدل لياقة قميصه بغرور مصطنع فضحكت ، انفرج الباب وصُدم قاسم عندما رأى عمه يفتح له الباب بنفسه وهو واقفا ناصبا ظهره .

ـ قاسم ؟!

قالها صالح متفاجئا وعانقه بقوة وأخذ يربت على ظهرها بقوة وهو يقول:

ـ حمدا لله على سلامتك يا بني، حمدا لله على سلامتك .

ـ حمدا لله على سلامتك أنت يا عمي ، سررت كثيرا برؤيتك تقف على قدميك، لا حرمك الله الصحة والعافية.

دخل قاسم تتبعه حياة فعانقها والدها بقوة وقال:

ـ حمدا لله على سلامة زوجك حبيبتي ، لا حرمكِ الله أُنسه ثانيةً.

خرج كريم من غرفته راكضا نحو الخارج وعانق قاسم بقوة فاجئته، فعانقه قاسم وقال:

ـ اشتقت لك كثيرا يا بطل .. كيف حالك ؟

تحدث كريم بابتسامة مشرقة وقال:

ـ أنا بخير، اشترك لي عمي عزيز في لعبة الچودو وحصلت فيها على الحزام البرتقالي ، وأستعد للحصول على الحزام الأصفر ومن ثم الأبيض .

ابتسم قاسم وهو يربت على رأسه بحنان وقال:

ـ أحسنت يا فتى، هيا كن بطلا لكي تكون قدوة لأود خالاتك وأعمامك فيما بعد . ستكون قائدهم بالتأكيد.

ابتسم كريم حتى بانت نواجزه وأردف بحماس:

ـ إضافة إلى ذلك فجدي يحفظني القرآن يوميا وختمت أربعة أجزاء كاملة ، ووعدني جدي مع ختم كل عشر أجزاء ستكون لي هدية فاخرة من اختياري .

نظر قاسم إلى عمه باستحسان واعجاب ونظر إلى الولد بفرح وعطف وقال:

ـ بارك الله فيك يا كريم ، أنا فخور بك جدا والله .

اتسعت ابتسامة كريم إلى آخرها وتابع يعدد المزايا الذي حصل عليها في الفترة الأخيرة فقال:

ـ أما عن حياة فهي تعلمني الرسم ، لقد رسمنا أنا وهي لوحات عديدة سنشارك بها في معرض الفن التشكيلي القادم .

ـ أووووه… 

قالها قاسم بإعجاب بالغ وقرص وجنة حياة وقال :

ـ حبيبتي الفنانة المبدعة.. 

ضحك الجميع فنظر قاسم إلى كريم وقال :

ـ وأنا أعدكم أن أكون أول الداعمين وسأشتري منكم لوحتين واحدة للمعرض والأخرى للبيت .

صفق كريم بحماس وأخذ يركض نحو غرفته بفرحة عارمة وحماس شديد بينما خرجت حسناء من المطبخ واتجهت نحوهم وصافحت قاسم ورحبت به ترحيبا يليق بها ثم عادت إلى المطبخ لكي تعد لهم العشاء .

ارتفع رنين جرس الباب فخمن قاسم أن الآتي عزيز أو حنان لذا قرر أن يكون هو من يستقبلهم ونهض وفتح الباب لتصاب حنان بالدهشة فور رؤيته وارتمت بحضنه فجأة فعانقها عناقا حارا وقبل رأسها.. ثم استقبل عزيز الذي كان يقف بجوارها وقال:

ـ قاسم ، كيف خرجت؟ ألم يكن مقدرا موعد خروجك في نهاية الأسبوع ؟

ـ لا، لم أُرد ارهاقكم وجعلكم تنشغلون بموعد خروجي لذا ألقيتُ إليك ميعادا وهميا .

قالت حنان التي تجلس بجواره :

ـ حمدا لله على سلامتك حبيبي، كيف حالك ؟ هل أنت بخير؟

ربت على كتفها بحنو وقال:

ـ أنا بخير والحمد لله ، كيف حالكِ وحال طفلك ؟

ابتسمت وقالت:

ـ بخير، قررت أنا وعزيز أن نسمي الطفلة غالية نسبةً لاسم أمي رحمها الله.

اقشعر بدنه واهتز الخافق بصدره، ثم نظر إلى عزيز نظرة صامتة ممتنة، ونظر إلى حنان وقال:

ـ رحمها الله، ورزقكِ رؤية غاليتك سليمةً معافاة .

ـ إن شاء الله.. وإياكم .

أعدت حسناء وليمة فاخرة تستقبل بها قاسم ودعتهم جميعا للاجتماع حول المائدة فالتفوا حولها مسرورين بجمعتهم الغالية وبدأوا بتناول الطعام وهم يتناولون أطراف الحديث والضحكات .

بعد انتهاء العشاء وانصراف حنان وعزيز إلى الأعلى قرر قاسم المغادرة أيضا، ودعه عمه ثم قال:

ـ قاسم، أود أن أطلب منك طلبا ، طبعا أنا لم أطلب هذا الطلب من عزيز لأنه مشغولا بكريم والمعرض وزوجته الحامل بما يكفي ،كانت حسناء قد طلبت مني أن أبحث لشقة المعمورة عن مستأجرين، الشقة الآن باسمها وتريد تأجيرها واستثمار عائد الإيجار في تحويلها لدار لرعاية الأيتام فيما بعد . لقد عرضت عليها مساعدتها وتمويل المشروع ولكنها رفضت وأصرت أن تكون النفقات من مالها الخاص ؛ لذا ستلجأ لتأجيرها عدة أشهر ومن ثم ستقوم بتجهيزها بواسطة المال الذي ستجنيه من الإيجار .

أومأ قاسم متفهما وقال:

ـ حسنا لا مانع ، من الغد سأتولى هذا الأمر لا تقلق .

ـ لست قلقا إن شاء الله ، ليفعل الله خيرا.

ـ إن شاء الله ، هيا نحن نستأذن .

انصرفا كلا من قاسم وحياة عائدين إلى بيتهما فدخلت حياة إلى الحمام لكي تنعم بحماما باردا ينعشها ثم خرجت وتمددت فوق السرير بتعب وهي تحيط بطنها برفق واحتواء فانضم قاسم إليها وأحاطها بذراعه وقال وهو يمسد بطنها بحنان:

ـ ماذا سنختار لهما من الأسماء ؟! 

نظرت إليه بابتسامة وقالت:

ـ ماذا برأيك يا أبا سند ؟

ضحك وقال:

ـ حسنا نحن متفقان من قبل على اسم الولد ولكن بالنسبة للفتاة ؟ ما رأيك في اسم … في اسم …. سيدة أبيها ؟! 

تهدلت ملامحها باحباط فانفجر ضاحكا وأضاف:

ـ أو عين أبيها ..

ـ عين أبيها ؟! 

أومأ وهو يضحك عاليا فقالت :

ـ تخيل أن يسألني أحدا ما أين عين أبيها فأقول لهم عين أبيها خرجت .. بالله عليك ماذا سيكون شعورك ؟!

قهقه عاليا فشاركته الضحك بقوة حتى شعرت بركلات مفاجئة فصرخت بفزع وهي تقول:

ـ يا إلهي ، ما هذا ؟! 

كانت بطنها في تلك اللحظة تتحرك حركة عشوائية فأمسكت بيده سريعا ووضعتها أسفل معدتها تماما وهي تقول:

ـ هذه رأس أحدهما !

ونقلت يده إلى جانب بطنها وقالت:

ـ وهنا رأس الآخر .

كان قاسم يتلمس موضع رأسيهما وهو يشعر برغبة في البكاء بشدة ثم انزلق للاسفل وقبل موضع يده فوق رأس طفله أو طفلته لا يدري ، ثم ضمها إليه بحنان وقال:

ـ تعالي يا حياتي ، اشتقت إليكِ كثيرا يا أم سند وعين أبيها.

تعالت ضحكاتهما سويا وتنعما بلقاءٍ دافيء في ليلٍ هاديء استفز حنينهما وأجج شوقهما وأهداهما نسمات عليلة من الحب.

ــــــــــــ

يتبع..

• تابع الفصل التالى ” رواية حب فى الدقيقة تسعين  ” اضغط على اسم الرواية

أضف تعليق