رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثامن والثلاثون 38 – بقلم نعمة حسن
_٣٨_
~ لا تحفر قبرك بيدك ! ~
______________
بعد مرور يومين..
خرجت سارة من غرفتها قاصدةً غرفة أمها لتخبرها بأنها ستخرج، وقفت أمام الباب الذي كان مواربًا وهمت بطرقه ولكنها تراجعت عندما استمعت إلى صوت نهنهات أمها تصدر من الداخل، فتسللت ودخلت بهدوء فإذ بها ترى أمها وهي تقبع فوق الفراش وحولها الكثير من الصور، تنظر إليها وهي تبكي بانهيار، حالة من الشجن والضياع لم يسبق أن رأتها بها قبل ذلك.
رق قلبها وشعرت بالحزن والشفقة لأجلها، فتقدمت منها وجلست بجوارها وهي تنظر للصور المبعثرة فوق الفراش ثم نظرت لأمها وقالت بحنان:
_ هل أنتِ بخير ماما؟
ارتمت فتون عليها وحضنتها وهي تبكي بحسرة وتقول:
_ لست بخير أبدا سارة، شعورًا بالحسرة يملؤني، أشعر بالقهر يجتاح قلبي ولا أعرف سبيلا للخلاص منه.
طوقت سارة عنقها وقالت بأسف:
_ هوّني على قلبك أمي، هذا قدرنا.
كانت الأخيرة تهز رأسها برفض وهي تقول بحرقة:
_ كيف لي أن أهون على قلبي سارة؟ كلما تذكرت كلام والدك أشعر بالقهر ينهش قلبي، ليتني لم أزُرهُ، كنت قبل زيارته متماسكة بعض الشيء ، كنت أرتدي قناع الجمود والنسيان واللامبالاة ببراعة لسنوات طويلة، ولكن ما إن رأيته حتى سقطت كل الأقنعة التي كنت أرتديها وظهر الحب والحسرة على حقيقتهما. أنا أحبه سارة!
وابتعدت عن ابنتها وأمسكت بالصورة التي كانت تجاورها وأشارت لسارة وهي تقول:
_ انظري، في هذه الصورة كيف كان يحتضنني! نحن نحب بعضنا بشدة، أليس ظلمًا أن يفترق حبيبين كل هذه المدة؟ أليس ظلمًا أن يضيع شبابنا وأجمل أيامنا وكل واحد منا بمكان! ويَعدُني أنه سيعوضني عن كل ما فاتنا بعد أن يخرج؟ متى سيخرج سارة؟ بعد شهر؟ بعد سنة؟
وأغمضت عينيها بيأس وهي تقول:
_ بعد سبع سنوات! تُرى يوجد بالعمر كم سبع سنوات!
أحاطتها سارة بحنان ومسحت دموعها بأناملها الرقيقة وقالت:
_ إهدئي أرجوكِ ، عليكِ أن تقبلي بالأمر الواقع أمي، لا نملك حلا آخرا للأسف!
أومأت فتون بقلة حيلة وعادت لهدوئها مرة أخرى وقالت:
_ للأسف، هذا قدرنا فعلا.
ربتت سارة على ذراعها بحنو وهي تحاول مد الدعم إليها وقالت:
_ هل نخرج سويا؟ أنا أيضا أشعر بالضيق وكنت أفكر أن أخرج لأتمشى قليلا.
هزت فتون رأسها بيأس وقالت:
_ لا، لا أشعر أني في حالة جيدة، أخرجي ولا تتأخري.
أومأت سارة بموافقة، ثم مالت عليها وقبلت وجنتها ثم خرجت ، بينما تمددت فتون في فراشها بحزن وظلت شاردة تتخبط أمام هجوم من الذكريات التي لا ترحمها.
مدت يدها وفتحت درج الصِوانة المجاور لسريرها وأخرجت علبة سجائرها وقداحتها الذهبية، ثم أشعلت سيجارة وأخذت تنفث دخانها بيأس وهي تردد:
_ لا سبيل للفرار من الكآبة للأسف!
بعد قليل سمعت رنين جرس الباب، تجاهلته أول مرتين ولكن أمام إصرار الزائر لم يسعها سوى أن تنهض بتثاقل وتفتح الباب.
_ مرحبا تونة، ما بكِ هل كنتِ تبكين؟ وما هذا هل تدخنين؟! لقد فاجئتِني!
دخلت فريال كالإعصار الذي لا يستأذن ولا يتمهل فيجرف كل شيءٍ في طريقه، تقدمت كصاحبة بيت تعرف الطريق جيدا نحو غرفة المعيشة وجلست وتربعت فوق الأريكة، بينما فتون لا تزال واقفةً أمام باب الشقة تحاول ضبط انفعالاتها كي لا تطرد تلك الجارة المتطفلة التي أتت في وقت غير مناسب تماما.
_ هيا تونة، هل تنتظرين ضيوفا أخرى أم ماذا؟
صفقت فتون الباب مما أجفل فريال وجعلها تقفز فوق الأريكة بفزع ونظرت إليها باستغراب وقالت:
_ ما بكِ يا مجنونة؟ على ما يبدو أنكِ لستِ بمزاج جيد أبدا.
اقتربت فتون منها ورمت جسدها فوق الأريكة بانهزام وأخذت تدخن وهي لازالت تبكي بصمت ، بينما تطالعها فريال بأسف ثم قالت:
_ غالبًا تعانين من الحنين للماضي، أعرف تلك الحالة جيدا، حينها يشعر الإنسان أنه تائه، يفقد نفسه ويظل يبحث عنها على أمل إيجادها، يشعر بالحنين لنفسه القديمة، لشكله، ملامحه، ذكرياته، أحلامه التي طواها دفتر الأيام والواقع المرير.
كانت فتون لا زالت تتشبث بسيجارتها التي تساعدها في تمثيل حالة من اللامبالاة، ولكن بداخلها فقد هزها كلام فريال وأثر فيها بشدة، وبينما هي تستمع إليها كانت دمعاتها تشق خديها بانكسار.
مالت فريال نحوها وربتت على كتفها بمواساة وقالت:
_ لا تتركي نفسك للحنين فتون؛ فالحنين قاتل.. الحنين يقودنا للجنون أحيانا.
أومأت فتون بهدوء عكس الضجيج الذي يلتهم روحها ويعيث فيها فسادا ، ثم اقتربت من المنفضة وأطفأت بها السيجارة، ثم مسحت على وجهها بضيق وهي تنظر إلى فريال ورسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها وقالت:
_ حسنا، أخبريني كيف حالكِ؟
تنهدت الأخرى بضيق وقالت:
_ حالي ليس أفضل من حالك للأسف، بتُ أشك في مقولة أننا جنس لطيف هذه، صراحةً الأقرب للواقع والحقيقة هو أننا جنس كئيب، حزين، سوداوي، أما جنس لطيف هذه لا تمت للواقع بصلة .
ضحكت فتون رغما عنها وقالت:
_ للأسف نحن مساكين، كل الظروف ضدنا، لذلك تجدين أننا أصبحنا كئيبات وسوداويات.
_ أعرف ذلك، ولكن علينا ألا ننهزم بتلك السهولة يا امرأة! أنا مثلا أبكي في الليلة مرتين، وأنتِ كذلك.. تبدو عينيكِ وكأنها كاسات من الدم من فرط البكاء! ألا يجب أن ننجو بأنفسنا من بحور الكآبة والنكد التي نغوص فيها هذه!
ابتسمت فتون على حالميتها المفرطة وتساءلت باستهجان أقرب منه لسؤال وقالت:
_ برأيك كيف سننجو؟
رفعت كتفيها جهلا وضيقا ثم قالت وهي تنظر أمامها بشرود وتفكر:
_ لا أعرف، ولكن أعتقد أننا بالاسترخاء والبحث عن الطاقة الإيجابية والتفاؤل يمكننا أن ننجو، في النهاية كلنا محاطون بالأحزان والانهزامات ولكن علينا الصراع من أجل البقاء !
ضحكت فتون وهي تهز رأسها بتعجب ثم قالت :
_على ما يبدو أن زياراتك المتكررة لطبيبنا العزيز جعلت منكِ أخصائية نفسية ماهرة!
ابتسمت فريال بحيرة وقالت:
_ ربما.
ابتسمت فتون لما رأت ابتسامتها وقالت:
_ هل تحبينه فلة؟ عيناكِ تقطر حبًا يا مسكينة .
ضحكت فريال وشردت ببصرها مجددا وقالت:
_ لا أعرف، كل ما أعرفه أني أحب رؤيته، أتحجج وأخترع الذرائع كي أذهب إليه، وعندما أذهب لا يسعني سوى الصمت.. أظل أبحث عن كلاما أقوله ولكنني لا أجد سوى بعض العبارات المتناقضة والجُمل الغير مفهومة، في الحقيقة هو يستقبل تخبطي وحيرتي بكل لطف ولكني بتُ أشعر بالحرج، أخشى أن يظن أنني أتحجج لزيارته فحسب.
ضحكت فتون وقالت:
_ يظن؟! يؤسفني أن أخبرك أنها واضحة للأعمى عزيزتي.
ضحكت الأخرى بحرج وقالت:
_ صحيح ، لذا توقفت عن زيارته، مر يومين لم أذهب لزيارته بهما وهذا ما يثير ضيقي وغضبي وجنوني أيضا.
_ أوووه.. هل هذه لوعة الشوق يا فلة؟!
_ ربما، صراحةً أنا فعلا أشتاقه وبشدة، وبصراحة أشد أنا أشفق عليكِ فتون، كيف تحملتِ كل تلك السنوات بدون زوجك؟ كيف أخرستِ شوقكِ كل هذه المدة؟! أنتِ جبل فعلا.
أصابتها بمقتلٍ فكان وقع كلماتها عليها كالسيف ؛ مما جعلها تشعر بالاختناق فخرجت إلى الشرفة وجلست تطالع البحر في صمت فلحقت بها فريال وجلست بجوارها وهي تقول بأسف:
_ أنا آسفة تونة، لم أقصد مضايقتك صدقيني.
هزت فتون رأسها بهدوء وقالت وهي تزيل دمعاتها بإباء:
_ لا بأس، إنها الهشاشة النفسية ليس إلا.. المرءُ أصبح ينفعل بسبب أتفه الكلمات وأبسط الأفعال، للأسف بداخلنا تراكمات سوداء وهي من تتحكم بنا، أصبحت أشعر أنني كالكأس المملوء لآخره الذي لا ينبغي أن يقوم أحدا ما بهزِهِ كي لا ينسكب فجأة.
تنهدت الأخرى بضيق وقالت:
_ وأتيتُ أنا بكل حماقة وأفضتُ الكأس، أنا حقا أعتذر، على كل حال لقد أخذت من وقتك أكثر مما ينبغي، لذا سأغادر الآن.
هزت فتون رأسها وودعتها فانسحبت فريال وهي تؤنب نفسها وتلومها، ثم نزلت باتجاه شقتها لتتفاجأ بالدكتور ممدوح وهو يخرج من المصعد وقد بدا عليه الإرهاق والتعب.
اشتعل قلبها وتأججت نيران شوقها وهي تراه بعد غياب يومين فابتسمت لا إراديًا وقالت:
_ مرحبا دكتور.
طالعها بعتاب مبتسما وقال:
_ مرحبا فلة، لديكِ غرامة غياب ليومين.. إلا أن يكون السبب مقنعا.
ابتسمت بتوتر وقالت:
_ كنت مشغولة بعض الشيء.
همهم بهدوء وقال:
_ حسنا عزيزتي، كما يحلو لكِ، على كل حال أنا سعيد لأنني رأيتكِ اليوم، لأني سأغيب لأسبوع كامل.
خفتت ابتسامتها ونظرت إليه بضيق وقالت:
_ هل ستغيب؟ وما السبب؟
نظر إليها مبتسمًا وقال:
_ السبب سيدتي هو أنني أستعد لحفل زفاف….
_ مرحبا ..
برز صوت قصي فقطع ممدوح حديثه عندما رأى ابنه الذي أقبل عليهم مبتسما ومد يده لمصافحة فريال بلطف ثم قال:
_ أعتذر لأنني قطعت حديثكما ولكنني كنت أحتاج التحدث معك بصفة ضرورية أبي.
نظر ممدوح لفريال مبتسما وقال:
_ أعتذر منكِ، هذا المتطفل دائما ما يأتي بالأوقات الخاطئة، على كل حال أراكِ لاحقا.
هزت رأسها بشرود وأكملت طريقها نحو شقتها بتثاقل وبطء ، دخلت وأوصدت الباب وهي تردد بتيه:
_ سيتزوج؟! أيعقل؟!
سقطت العَبرات من عينيها بغزارة وأحست بانقباض قلبها وارتجف جسدها بالكامل فتهاوت على الأريكة المجاورة للباب وهي تهمس بغير تصديق:
_ هل قال أنه سيتزوج؟! مستحيل! هذا يعني أنه لم يحبني كما أحببته! إذًا لماذا كان يعاملني بتلك الطريقة؟! لماذا كان حنونا ومراعيًا بذلك القدر؟ أم أنني من كنت أتوهم! خلقت لنفسي أملا كاذبا كي أحياه وتقمصت دور المحبوبة ولم أضع بالحسبان أنني مجرد امرأة لا تملك حق الحب!
أغمضت عينيها وظلت تبكي وتضرب على قلبها علّه يهدأ أو تنصرف تلك الانقباضة التي تنذر بالموت.
_ مسكينة يا فلة، ظننتِ أنكِ وجدتِ الحب أخيرا، ونسيتِ أنكِ كنتِ وما زلتِ وستظلين فريال المنحوسة التي يفر منها الحب كما لو أنها لا تستحق.
°°°°°°°°°°°°°
كان قاسم يجلس بمكتبه بالمعرض بعد غياب دام لأسابيع ، يتابع حركة البيع ويراجع كشوف الإيرادات بتركيز، رن هاتفه برقم السيد أكثم فأجاب باهتمام:
_ مرحبا سيد أكثم كيف حالك؟
_ مرحبا قاسم، أنا بخير والحمد لله.
_ أخبرني، هل كل الأمور على ما يرام بشأن الزيارة؟ لقد تحدثت مع السيدة فتون وأخبرتها أنني من سيذهب لزيارة سيد حبيب برفقة سارة هذه المرة.
_ لا تقلق، كل شيء على ما يرام ، حقيقةً أنا لا أحدثك لأجل الزيارة، اتصلت لكي أبشرك. تم الحكم على طبيب الغفلة بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات.
زفر قاسم بارتياح بعد انتظار وتوتر وتحفز لفترة طويلة ثم قال بابتسامة مشرقة:
_ وأخيرا. الحمد لله.
_ أجل، والحكم في قضية عنبر ستكون آخر الشهر المقبل.
هز قاسم رأسه بتمهل بعد أن انقبضت ملامحه بضيق وردد:
_ ليفعل الله خيرا.
_ إن شاء الله. في الحقيقة أنا اتصلت من أجل موضوع آخر قاسم، وجدي المحامي كان قد أخبرني أنك تحدثت إليه بخصوص حسان وأنك تحاول أن تجد له مخرجا من قضية المخدرات.
_ صحيح.
_ قاسم أنت تعرف مقدار معزّتك لديّ، وتعرف أنني أقدرك كثيرا وأقدر مجهودك مع سارة ومدام فتون، لذا سأكون صريحا معك.
قطب قاسم جبينه متعجبا وأردف بقلق:
_ تفضل أستاذي أنا أسمعك.
تحدث أكثم ببساطة قائلا:
_ هل لديك استعدادا كي تدخل السجن بدلا من حسان؟
توقف عقل قاسم عن التفكير لحظة ثم قال بجمود:
_ بالتأكيد لا.
_ إذا لماذا تقوم بنبش الماضي؟!
_ أنا لا أفهمك.
_ سأوضح لك، أولا وجدي المحامي ليس لديه فكرة عن أنك من دبرت قضية المخدرات لعبدالله ثم أقنعت حسان بالاعتراف بتلك التهمة، لذلك رحب باقتراحك وأخبرك أنه سيسعى لمساعدتك. أما أنا، ولأني أعرف عنك كل شيء وعلى دراية بكل تحركاتك فأقول لك لا تحفر قبرك بيدك.
ابتلع قاسم لعابه بتوتر بينما استطرد أكثم حديثه قائلا:
_ أعرف سبب محاولاتك تلك يا قاسم، أنت تشعر بالذنب، ضميرك يؤنبك وقلبك يؤلمك من أجل صبر، لذا تحاول إسعاده وتظن أنك بإمكانك إنقاذ والده وتبرئته من تهمة هو اعترف وأقر بكامل قواه العقلية أنه ارتكبها. إذًا لا سبيل لنفي تلك التهمة عنه إلا بإثبات أنه تعرض للضغط أو الابتزاز من قِبَل عبدالله حتى يعترف بتلك التهمة بدلا منه ، هل تملك دليلا على ذلك؟
_ لا، ولكنني ظننت أن المحامي بإمكانه أن يجد ثغرة أو ما شابه تساعده في ذلك..
_ أنت قلتها بنفسك هو محامي وليس حاوي، أي أنه يعتمد في دفاعه على أدلة ملموسة وحقيقية، والدليل الوحيد الذي تملكه أنت يا قاسم هو أن حسان قد تعرض للمساومة والابتزاز فعلا ولكن من قِبَلك أنت!
ابتلع قاسم هذه الكلمات بقسوة ومرارة واحمر وجهه وشعر بعروقه التي نفرت من الانفعال وأومأ بغضب مكتوم وهمس:
_ للأسف، هذا صحيح.
_ لذا أقول لك لا تحفر قبرك بيدك، لا يوجد دليل أن عبدالله هو من ابتز حسان كي يحمل التهمة بدلا منه، وحتى إذا اخترعنا دليلا على ذلك ووجدناه من العدم سيكون دليلا مطموسا يا قاسم. لذا أرى أنه من الأفضل ألا تحاول إصلاح ذلك الأمر لأنك حينها ستفتح على نفسك أبواب الجحيم.
هز قاسم رأسه بعجز شديد ، وكم مَقت ذلك العجز واستنكره وشعر بالضعف والخزي يمتلكانه. أنهى الاتصال مع أكثم وقام بالاتصال بوجدي المحامي وأخبره بإلغاء قراره فيما يخص قضية حسان، ثم غادر المعرض واستقل سيارته وهو يشعر بالاستياء والضيق الشديد، يشعر بالحقد تجاه نفسه ويشعر كأن الكون قد ضاق عليه فجأة، فأدار محرك السيارة وهو يهمس لنفسه بأسى:
_ لا بأس قاسم، هناك حياة!
//////////////
كانت حياة لا تزال بفراشها نائمة، بعد أن حضرت لقاسم فطورا رومانسيا وودعتهُ بعدها بسيلٍ من القِبل، ثم عادت لفراشها من جديد كي تستجيب لحالة الخمول والنعاس التي بدأت تفرض سيطرتها عليها.
انتفضت فجأة بعد أن شعرت باهتزاز الهاتف بجوارها وطالعتهُ لثوان ثم أجابت بصوت ناعس:
_ مرحبا بابا، كيف حالك.
_ أنا بخير حبيبتي ، أنتِ كيف حالكِ؟ على ما يبدو كنتِ نائمة!
_ بخير الحمد لله ، نعم كنت نائمة، أصبحت أنام أكثر مما أتنفس.
ابتسم بحنان مردفًا:
_ أعانكِ الله حبيبتي، هل قاسم لا يزال بالمعرض؟
_ أجل، هل هاتفك اليوم؟
_ نعم، هاتفني وأخبرني أنه سيحضر لي ممرضة مرافقة.
تنهدت بضيق وقالت:
_ ألا زلت تخاصم أمي؟
_ ولن أرضى عنها أبدا ما دامت تعيث فسادا بحياتكن، يكفي أنها دمرت أختك، لن أسمح لها بتدميرك أيضا.
_ لا تخف عليّ أبي، أنا بأمان ما دام قاسم معي. أرجوك لا تخاصمها أكثر من ذلك، أنت تعرف أمي لا تعرف غيرنا، لا تملك أهلا ولا أقاربا حتى تلجأ إليهم، لذا أرجوك لا تكن قاسيا عليها.
_ لا تشغلي بالك حياة، أمك منذ زمن وهي تحتاج لوقفة، وللأسف لقد تأخرت كثيرا عن فعل ذلك. لعل خصامي وهجري لها يجعلها تقف وقفةً مع نفسها وتعيد التفكير في أفعالها من جديد.
مسحت حياة على وجهها بحيرة وزفرت بتعب ثم قالت:
_ ليفعل الله خيرا يا أبي، أرجوك لا تحزن لأني لم آتِ لزيارتك منذ غادرت ولكنني… حقيقةً لا أعرف كيف سأواجهها بعد ما حدث، أشعر أنني لن أقوى على النظر بوجهها أبدا.
_ لا تضغطي على نفسك حياة، أنا بخير لا تقلقي ، حنان تأتي للاطمئنان عليّ وعزيز يزورني يوميا مرتين ، أصلح الله باله هو من يساعدني في دخول الحمام والاستحمام. الحياة ليست متوقفة على صفية على كل حال.
زمت شفتيها بأسف وتملكها الحزن إثر حالة التوتر التي نشبت بين والديها وهذا أشد ما يؤلمها ويعكر صفو حياتها، بالرغم من علمها أن والدتها مخطئة وتستحق عقاب أبيها ولكنها كلما تخيلت أنها منبوذة ووحيدة الآن تكاد تجن من فرط الحزن والأسى على حالها.
أنهت الاتصال مع والدها وهمت بالاتصال بقاسم لتتفاجأ به يفتح الباب ثم دخل متجها على الفور نحوها وقام بضمها إليه بقوة وبدون مقدمات.
تعجبت حياة حالته خاصةً وأنه لم ينطق بحرف واحد، وهذا ما أوحى لها أنه بحالة سيئة فأحاطت خصره بذراعيها وهي تقول بنعومة:
_ هل أنت بخير قاسم؟
هز رأسه برفض وهو لا زال يعانقها بكل ما أوتي من قوة وأردف بصوتٍ متحشرج:
_ لا، لست بخير أبدا.
انقبض قلبها بخوف وابتعدت عنه تنظر إليه باستغراب وقالت:
_ ماذا بك؟ هل حدث شيئا؟
ظل ينظر إليها لثوانٍ طويلة دون أن ينبس بكلمة، أساسا هو لا يجد ما يقوله، لا يعرف من أين سيبدأ وكيف وإلى أين سينتهي به الحديث. كل ما يعرفه أنه يشعر شعورا سيئا جدا ولا يعرف كيفية التعبير عنه.
كان يجلس واجمًا، قاطبًا جبينه بشرود ولسانه لا يتوقف عن الاستغفار ، أمسكت حياة بيده وشدت قبضتها فوقها وهي تسأله بحيرة:
_ ماذا حدث يا قاسم؟ ما سبب حالتك هذه؟!
كان كلام أكثم يتردد برأسه الآن، وكأنه يملك مخالبًا حادة ويحفر بها في ثنايا قلبه فيترك جرحًا لا يندمل أبدا. فنظر إليها وتحدث بشرود وقال:
_ أنا ضعيف جدا حياة. أشعر بالقرف من نفسي.
نظرت إليه بصدمة وقالت:
_ لماذا تقول هذا الكلام قاسم؟ أنت لست ضعيفا أبدا ولا ينبغي أن تشعر بمثل ذلك الشعور. أنت مدعاةً للفخر حبيبي .
ابتسم متهكما بسخرية وقال:
_ بنظرك أنتِ فقط حياة. أنا تجاوزت حدودي، تخطيت كل المسموح به، أنا تسببت في تيتُم طفلين مسكينين، سجنت والد صبر في تهمة لم يفعلها، أجبرته على الاعترف بتهمة لم يفعلها كي يفدي عبدالله الذي سجنته أيضا في تهمة لم يفعلها كذلك، ساومت حسان وقمت بابتزازه واستغلال مرض ابنه الوحيد، جعلته يحمل على عاتقه تهمة وهمية أنا من اختلقتها ودخل السجن على ذمتها وسيبقى به لثلاث سنوات. حرمت ابنه المريض منه بكل خسة وندالة، كل هذا من أجل سراب، من أجل وهم اسمه الانتقام!!
ونظر إليها وعينيه تلمع بالدموع الساكنة وقال :
_ أنا نادم حياة، نادم بشدة.
قاومت كي لا تبكي ولكنها لم تنجح، وبينما هي تنتحب كان هو يحكي قائلا:
_ السيد أكثم أخبرني بأكثر حقيقة مؤلمة في حياتي. ألقاها بوجهي بكل صراحة ووضوح وقال لا تحفر قبرك بيدك ، إن حاولت تبرئة حسان من هذه التهمة فعليّ أن أعترف أنني الفاعل الحقيقي ، أنا من دسست المخدرات بالمحل لعبدالله، وأنا من أخرجته من السجن وأدخلت حسان بدلا منه، وللأسف حياة، أنا لا أملك الشجاعة الكافية كي أفعل ذلك، لست شجاعا بما يكفي كي أعترف أنني الفاعل وأبرأ حسان، ليس لدي استعدادا أن أدخل السجن مرة أخرى حتى لو في سبيل إنقاذ حسان وإسعاد صبر. أنا ضعيف وجبان.
نظرت إليه بشفقة وهي تبكي حالهُ المسكين، ثم أحاطت وجهه بكفيها وأسندت جبهتها على جبهته وقالت:
_ لا تحمّل نفسك فوق طاقتها قاسم، لا تفكر في الماضي. ما حدث قد حدث ولا سبيل لإصلاحه. في النهاية هذا ما كنت تسعى إليه.
تجهم وجهه بضيق وراوده شعور غريب بالقهر والحسرة وقال:
_ أتذكرين حياة، أتذكرين عندما سألتنِي يومًا ما هو هدفك ماذا كان جوابي؟
أومأت ودموعها تسترسل على خديها وقالت بشجن:
_ أجل، جوابك حينها كان أن يطمئن قلبك!
أومأ تباعا وهو يتمعن إجابتها بهدوء وقال بأسف:
_ صحيح. لذا سعيتُ للانتقام، ظننتهُ عدلا، تجبرتُ واستخدمت كل ما أملك كي أصل لهدفي، واسيتُ بقايا ضميري الحي بأن ذلك هو القصاص، أغمضتُ عين الحق وتجاهلتُ حدسي ومضيتُ في طريقي قدمًا، حطمتُ عبدالله ، وعنبر، وحسان، حققت كل ما أردت تحقيقه منذ البداية. وفي النهاية لم يطمئن قلبي!
أنهى حديثه وأجهش بالبكاء بقوة مرتميًا عليها فضمته بقوة وشاركته البكاء وهي تبحث عن كلمات من شأنها أن تواسيه ولكنها لم تجد. فهي تعرف في صميم نفسها أنه محق! لذا أيا ما ستقوله الآن سيكون نفاقا ليس إلا، وهي لن تنافقه أبدا مهما حدث؛ لذا آثرت الصمت وضمته أكثر حتى أفضى ما بقلبه تماما وهدأ واستكان بين ذراعيها ثم ابتعد عنها وهو ينظر إليها ويقول:
_ أشعر بالذنب حياة، أشعر بالندم والخوف كذلك. ليتني لم أفعل كل ما فعلته، كان عليّ أن أكون أكثر إيمانا وتسليما ، كان علي أن أعمل بالمقولة التي رباني عليها والدي .. ” ما انتقم أحدٌ لنفسه قط إلا وأعقبه ذلك ندامة ” .. ظننتُ أن بذلك سيشفى قلبي، ولكني أصبحت كالمدمن، لا أشبع ولا أكتفي بداخلي رغبة في تدمير كل شيء، ظننتُ أن الانتقام سيعطيني شعورا بالرضا والتعويض عما فقدتهُ ولكني اكتشفتُ أن الانتقام لا يفيد بشيء.
أنهى كلماته ونوبة انهياره وأسقط جذعه للخلف متمددا فوق الفراش ثم جذبها لترتمي فوق صدره وطفق يمسد ذراعها بلمساتٍ حنونة، ثم مال ليقبل جبينها وقال:
_ لا تتخلي عني أبدا حياة، عديني أنكِ ستساعديني حتى أعود لقاسم الذي كنت عليه، النسخة التي أنا عليها الآن أكرهها وبشدة.
اقتربت منه وقبلت وجنته وهي تهمس إليه:
_ أعدك حبيبي، سأكون معك دائما وأبدا، ما دام هناك قاسم سيكون هناك حياة بكل تأكيد.
_ أشعر بالاستياء، أودُ الهرب من هذا الشعور، ضميني حياتي.
طلب فلبت ، أمر فأطاعت، استغاث فأغاثته بأكثر ضمة حنونة كان يأمل في الحصول عليها يوما ما. وأمام ذلك العطاء والمشاعر السخية تلك لم يسعه سوى أن تتلاقى جفونه ويغفو سريعا.
__________
كانت سارة تجلس بأحد الكافيهات النائية ، والذي تقصده نادرًا عندما تود الهرب من ضجيج صديقاتها، وتريد أن تنفرد بنفسها لبعض الوقت؛ فكانت دوما تختار طاولة صغيرة مكونة من كرسيين بزاوية المكان بجوار النافذة الزجاجية المُطلة على البحر.
طلبت مشروبها المفضل وهو كوبا من القهوة المثلجة وجلست ترتشفه بهدوء وشرود وهي تتطلع نحو البحر وتشم رائحة اليود التي تغلف المكان من حولها فتزيد إحساسها بالونس والألفة والاسترخاء.
عيّرت الوضع الصامت على هاتفها ووضعتهُ بالحقيبة وانغمست بداخل حالة من الانفصال عن الواقع، أو بالأحرى هو ليس انفصالا بقدر ما كان هروبًا اضطراريا.
هروبًا من كل شيء، الأشخاص، الظروف، الواقع، الانهزامات والاخفاقات. هروب من نفسها إن صح القول .
وبينما هي تغمض عينيها وتتلذذ بتلك الرائحة قطع وصلة تأملاتها صوت شاب وهو يقول بذهول:
_ سارة!
اهتز بدنها وارتجفت يداها حتى أن الكوب مال من يدها وهي تطالع هذا الشاب بصدمة وتقول:
_ سيف!
نظر إليها سيف بابتسامة مهزوزة مترددة ثم قال:
_ منذ زمن بعيد لم أرَكِ هنا.
هزت رأسها بتأييد وقالت:
_ صحيح، لأنني لم آتِ إلى هنا من فترة.
_ كيف حالكِ؟
ابتسمت ابتسامة مهزوزة وقالت:
_ بخير، بخير للغاية كما ترى.
هز رأسه وقال:
_ هل تنتظرين أحدا؟
أجابت بعفوية صادقة:
_ لا، أقصد نعم.. نعم أنا أنتظر صديق لي.
وفجأة وكأن القدر استجاب لها فرأت قصي الذي دخل للتو فوقفت و نادتهُ بصوتٍ جهور وهي تقول:
_ قُصي، أنا هنا.
نظر سيف حيث تنظر ليرى شابا وسيما فارع الطول يتقدم نحوهما بابتسامة عريضة فبادرت سارة بالقول وهي تصافح قصي بحرارة وتقول:
_ لماذا تأخرت، انتظرتك كثيرا.
قطب قصي جبينه متعجبا ولكنه فهم نظرتها ذات المغزى فأدرك جيدا ما عليه فعله فقال:
_ أعتذر سرسورة، لولا زحام السير لكنت أتيت قبلك وبقيتُ في انتظارك، أنا آسف.
شعر سيف بالحرج حينما أدرك أن وجوده غير لائق أبدا فقال:
_ حسنا لن أزعجكما إذًا. عن إذنكما.
ابتسمت سارة ابتسامة مُجامِلة وكذلك قصي فانصرف سيف موليا، بينما زفرت سارة مطولا وقالت:
_ أشكرك كثيرا قصي، خفت أن تسبب لي الإحراج.
ابتسم وقال:
_ لقد التقطت الإشارة بعينيكِ فورا، على ما يبدو أن وجوده لم يكن مرغوبا به أبدا.
جلست على مقعدها مرةً أخرى وهي تقول بابتسامة باهتة:
_ صحيح.
أشار إلى المقعد المقابل لها وقال:
_ هل يمكنني أن أجلس، أم أنكِ تنتظرين أحدا ؟
ابتسمت وهي تشير للمقعد وقالت:.
_ لا أبدا، تفضل.
جلس واستند بذراعيه على الطاولة وهو يقول مبتسمًا:
_ تفاجئتُ بوجودك هنا، ربما لأنني كنت أظن أن هذا المقهى بالتحديد غير معروفا ونائيا بما يكفي لكي لا يتردد عليه الكثير.
ضحكت ملء فمها وقالت:
_ أنا أيضا آتِ لهنا دائما لأني كنت أعتقد نفس السبب، ولكن على ما يبدو أن الجميع هنا.
ضحك بدوره فبرزت غمازتيه مما جعله يبدو أكثر وسامة فقالت بتردد مصحوب بابتسامة خجلى:
_ تبدو وسيما جدا عندما تضحك.
ارتسمت ابتسامته على شفتين مستقيمتين ونظر إليها بعينين تشعان بالدفء وقال:
_ أشكرك سرسورة، وأنتِ تبدين جميلة في كل حالاتك.
ابتسمت وهي تعيد خصلات شعرها المتمردة خلف أذنها وقالت:
_ هل تطفلت عليك؟ ربما كنت تود الجلوس رفقة أصدقائك.
_ لا أبدا، أنا آتِ لهنا كي أنفرد بنفسي، عندما أرغب في الالتقاء بأصدقائي نذهب لمكان آخر، هل تعرفين؟ أنا أخبئ ذلك المكان عن رفاقي حتى لا ينتشرون فيه، آتي إلى هنا خلسةً ولا أفصح لأحد عن مكاني حتى لا يصبح معروفا. ولكن الغريب أن آتي لأجدك هنا، وهذا الشاب على ما يبدو أنكما تعرفان بعضكما..
أومأت أن نعم وقالت:
_ للأسف نعرف بعضنا، ولكنها معرفة قديمة وانتهت.
مط شفتيه ببساطة وقال:
_ لا أظن ذلك، فقد أوحت إليّ نظرته بالكثير.. على الأغلب أنه لم يتجاوزك بعد، وأنتِ أيضا!
نظرت إليه بعينين مفزوعتين وقالت وهي تحاول نفي تلك التهمة عنها :
_ لا، هذا ليس صحيحا أبدا، أساسا نحن لم نكن نحب بعضنا حبا حقيقيا، كان مجرد شعورًا عابرًا مؤقتًا لا قيمة له.
رفع حاجبيه بحيرة وأردف بإصرار قائلا:
_ ربما من جهتك ، ولكن من جهته لا أعتقد، هذا الشخص لازال يحمل بداخله مشاعرا تجاهك، ليس بالضرورة أن تكون مشاعر حب، من الممكن أن تكون ندم، أسف، احتياج. ولكن الأكيد أنه لم يتجاوزك بعد.
زفرت بضيق وامتلأت عيناها بالدموع فقالت:
_ ربما، ولكن هذا لا يهمني أبدا. كل ما يهمني هو أنني تجاوزته وتجاوزت تلك الفترة أخيرا.
لم يقتنع بكلامها، فلغة جسدها تؤكد تناقض حديثها تماما، ولكنه لم يود الضغط عليها أكثر فهذا ليس من شأنه لذا قال مبتسما:
_ على ذِكر التجاوز دعينا نتجاوز تلك الفقرة وننتقل للفقرة التالية.
ضحكت فضحك قائلا:
_ أخبريني كيف حالك؟ كيف حال والدتك ووالدك؟
ابتلعت لعابها بخوف ملحوظ ولكنه غير مبرر حتى الآن، ثم ابتسمت بشرود بعد تردد دام لدقيقة كاملة وقالت:
_ بخير.
_ متى سيعود والدك؟ أود التعرف عليه كثيرا، بالطبع يملك شخصية جميلة ورثتيها أنتِ عنه.
ابتسمت بحزن وأجابت:
_ صحيح،هو إنسان جميل جدا، عفوي وطيب ولديه قلبا كالألماس.
_ لقد حمستيني لأتعرف عليه.. متى سيعود من كندا؟
نظرت إليه بتردد وتوتر ثم قالت:
_ ربما يكون قريبا.
التمس تخبطها وتشتتها بعينين متمرستين فأومأ موافقا ثم قال:
_ إن شاء الله.
__________
كانت صفية تجلس بغرفة حياة التي أصبحت مستقرها بعد أن أعلن صالح حالة الطوارئ بالبيت ونبذها تماما، كانت تجلس على طرف الفراش ممسكةً بإطار يضم صورة لابنتيها في سن الطفولة، تتلمس ملامح كلا منهما باشتياق وهي تبكي وتقول بخفوت:
_ اشتقتُ لكما حبيباتي، حياتي بدونكما موحشة.. أنا آسفة.
ارتفع رنين جرس الباب فمسحت دموعها سريعا وخرجت من الغرفة قاصدةً الباب وهي تظن أن القادم عزيز ولكنها تفاجئت بشابة في عمر الثلاثين، لديها جمالا فتانًا، تنظر إليها بوجهٍ باسمٍ وتقول بصوتٍ ناعم:
_ مساء الخير، منزل الحاج صالح؟
طالعتها صفية من شعر رأسها لأخمص قدميها بتقييم ثم نظرت إليها بتعجب وقالت:
_ من حضرتك؟
أجابتها الشابة بابتسامة عملية ودودة:
_ أنا حسناء الممرضة، أعمل ضمن فريق للتمريض المنزلي، اتصلوا بنا في المكتب وطلبوا ممرضة مرافقة للحاج صالح وتم اختياري، هلا سمحتِ لي بالدخول؟
_ ممرضة ؟!!
كانت صفية على وشك نتف ريشها وإلقائها خارج البيت ولكن صوت صالح هو من أنقذ هذه الحسناء عندما برز صوته وهو يقول بصرامة:
_ دعيها لتدخل.
على الفور ابتعدت صفية عن الباب فدخلت حسناء وهي تجر حقيبتها ثم نظرت إلى صفية وتسائلت:
_ أين غرفتي؟
_ غرفتك؟!
قالتها صفية باستنكار شديد بينما تابعت الممرضة وقالت:
_ أجل، أقصد الغرفة التي سأقيم بها! أين هي لكي أضع أغراضي وأبدأ فورا بمباشرة عملي.
هزت صفية رأسها بغير تصديق وأشارت إليها نحو غرفة الصالون فتقدمت حسناء نحو الغرفة بينما اندفعت صفية صوب غرفة صالح وقال بانفعال وغيظ:
_ ما الحكاية؟ من هذه وماذا تفعل هنا؟
نظر إليها صالح بلا مبالاة وقال:
_ الحكاية كما أخبرتك الممرضة، هي جاءت لخدمتي ومساعدتي وستبقى هنا حتى أتعافى، وأذكرك صفية، لقد استنفذتِ جميع فرصك ومحاولاتك، الخطأ القادم ستجدين نفسك بالشارع، هيا لا داعي للإطالة.. تفضلي.
نظرت إليه بانكسار وخرجت من الغرفة وهي تغلي من شدة الغيظ لتتفاجأ بما جعل غيظها وحنقها يتفاقم ويزداد أضعافًا، عندما رأت الممرضة وقد بدلت ملابسها لأخرى خاصة بالعمل فكانت عبارة عن طقم طبي خاص بالممرضات باللون الأبيض ولكنه كان يضم انحناءاتها ببراعة ويرسم جسدها الممشوق بحرفية عالية.
شعرت صفية بالدماء تكاد تنفجر من عينيها من شدة الغيظ وهي تراها تتقدم بتلك الهيئة نحو غرفة صالح فوقفت أمامها وهي تقول بغضب:
_ إلى أين يا نجلاء؟
نظرت إليها حسناء بابتسامة وقالت:
_ اسمي حسناء.
_ لا يهم، إلى أين ؟ هل أنتِ ذاهبة للغطس أم ماذا؟ ما هذه البدلة التي ترتدينها؟
نظرت إليها حسناء بتعجب وقالت:
_ ماذا بها البدلة؟!من فضلك لا تعطليني. عن إذنك.
تجاهلتها ودخلت الغرفة حيث يجلس صالح وتركت بالخارج صفية ترغو وتزبد من فرط الغيظ والغيرة.
__________
يتبع
حب_في_الدقيقة_التسعين!
• تابع الفصل التالى ” رواية حب فى الدقيقة تسعين ” اضغط على اسم الرواية