Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم نعمة حسن 

_٢٤_


~جوهرة ثمينة ~


~~~~~~~~~~~~~~


كان قاسم يجلس بمكتبه في المعرض يتابع إيرادات الأسبوع فإذا به يتفاجأ بعزيز الذي يقف أمامه واجمًا وعلى وجهه آثار الحزن والهم واضحةً وهو يقول:

_ صباح الخير قاسم.. أعلم أنك لا تود رؤيتي ولكني أتيت من أجل حنان.


طالعه بتمهل ثم سأل بضيق واضح:

_ ماذا تقصد؟ تحدث مباشرةً.


تقدم منه ووقف كالمذنب وقال:

_ حنان تركت البيت منذ أيام..


أومأ قاسم متفهما وأردف:

_ أجل، عرفت.. وما المطلوب مني؟ هذه مشكلة شخصية بين زوجين، ما دخلي أنا؟


_ حنان تعاقبني على ذنب اقترفناه منذ سنوات.. 


قاطعه قاسم متحفزا وقال:

_ ألا ترى أنك تستحق العقاب؟ ما فعلته حنان كان حتما سيحدث سواء الآن أو لاحقا، أنت خدعتها واستغليت أنها مراهقة لا تفقه شيئًا ، استغليت أنها وحيدة، والدها متوفي وأمها توفت منذ أيام وأخوها الوحيد بالسجن، أقنعتها أنت وأخاك الشيطان أن تفتري على أخوها وإن لم تفعل فلن تلقى سوى الوحدة والعذاب ببعد حبيبها عنها.. يا لك من مسكين لا تستحق العقاب فعلا.. 


ثم أخذ يتحرك بمقعده يمينا ويسارا وهو ناصبا ظهره ويطرق بالقلم على مكتبه ويقول بتسلية:

_هل تعرف عزيز أختي مهما فعلت فلن أكرهها لأنها أختي، أما أنت سأظل أحقد عليك حتى ولم لم تفعل شيئا فقط لأنك أخاه.


جلس عزيز على المقعد أمامه وقال باستسلام:

_ وأنا متنازل عن أخوته، يكفيني ما نالني منه، من الآن فصاعدا سأحتسبه ميتًا، لا يهمني عبدالله ، كل ما يهمني حنان.. صدقني قاسم أنا أحبها بصدق .


أومأ قاسم متمهلا وتنهد ثم أسند ذراعيه على المكتب ونظر إليه فقال:

_ حسنا عزيز سأصدقك، وأساعدك، بالرغم من أنني كنت قد أخذتُ عهدًا على نفسي ألا أتعامل معك مجددا ولكن ما يهمني هو راحة أختي وسعادتها وهي للأسف معك فقط.. أنا من جهتي سأمنحك فرصة أخيرة، عليك استغلالها جيدا، ولكن ولائك سيكون لي، صدقني عزيز إن اكتشفت أنك تخطط للغدر بي مرة أخرى أنت أو أخاك أقسم سأمحيك ، ولن يثنيني أحدا عن قراري وقتها ولا حتى حنان نفسها.


أومأ عزيز موافقا وقال بحماس:

_ أعدك أنني لن أكرر خطأي مرة أخرى، لقد ندمت على ما فعلت صدقني ولن ترى مني غير كل خير.


_ سنرى، على كل حال أنا أحتاجك للعمل معي هنا، سنتناوب لأنني لست متفرغا أبدا وخاصةً حاليا، أرني همتك.


أومأ عزيز موافقا وقال بسعادة:

_ كن مطمئنا، لن تندم على قرارك هذا أبدا، ولكن كل ما أتمناه هو أن تحاول إصلاح علاقتي بحنان.


أومأ قاسم وقال:

_ لا تقلق بشأن علاقتك بحنان، الحب لا يموت، أتركها لتأخذ من الوقت ما يكفيها.


تنهد الآخر بقلة حيلة وقال:

_حسنا، على كل حال أنا أعتذر قاسم، وأتمنى أن نعود رفاقا كما كنا دوما، أود أن نبدأ صفحة جديدة.


مد يده إليه يصافحه بترقب فنظر إليه قاسم، ثم إلى يده الممدودة ثم صافحه بقوة وهو يقول:

_ سنبدأ صفحة جديدة سويا يا عزيز.


////////////


في المساء..


كان عبدالله يجلس بالمحل فإذ به يتفاجأ برسالة على هاتفه ففتحها ليتفاجأ بمقطع فيديو مرسل من كاميرا مراقبة ويظهر به أخاه وهو يجلس بكل أريحية ويقول:

_وأنا متنازل عن أخوته، يكفيني ما نالني منه، من الآن فصاعدا سأحتسبه ميتًا، لا يهمني عبدالله ، كل ما يهمني حنان..


حملق عبدالله بالفيديو بصدمة وأعاد تشغيله عدة مرات وهو يستمع لما يقوله بغيظ ويتمتم:

_ خابت أخوتك يا نذل يا جبان، تحتسبني ميتًا أليس كذلك ؟ حسنا.. صبرا يا عزيز .. أقسم أنني سأريك الأخوة كيف تكون.


حاول الاتصال على الرقم الذي أرسل له الفيديو ولكنه لم يجِب فقال بغضب:

_ مؤكدًا أنك من أرسلته لتتشفى بي يا مجرم يا حقير .. أقسم أنني سأجعلك عبرة لمن لا يعتبر، فقط انتظر.


خرج من المحل واتجه نحو بيت أخيه مسرعا وما إن انفرج الباب حتى قفز فوقه وكال إليه اللكمات بغضب وهو يقول:

_ أنا لست أخاك؟ تتنازل عن أخوتي إذا؟ مقابل ماذا؟ من أجل امرأة ؟!


أمسك عزيز بأنفه بألم وطالعه بغضب وهو يقول:

_ نعم من أجل امرأة، هذه الامرأة هي زوجتي، وأجل أقولها بكل صراحة ووضوح أنا متنازل عن أخوتك يا عبدالله ، من الآن فصاعدا لا أخًا لدي.


أومأ عبدالله بوجوم وشر مستطير وقال:

_ حسنا، حسنا عزيز كما تشاء، ولكن من لا خير له في عائلته فلن يكون له خيرا في الناس.


وتركه وانصرف وهو يشعر بالضيق يملأ صدره ويفعل به الأفاعيل. ويتوعد قاسم قائلا:

_ حسنا سيد قاسم، تستفزني وتلعب معي بدناءة، وأنا أحب هذا الأسلوب أيضا


//////////////////


في نهاية الأسبوع …


حل اليوم المنتظر أخيرا..


استيقظت حياة من نومها على صوت رنين هاتفها فأجابت والابتسامة تعلو ثغرها:

_ صباح الخير قاسم.


_ مرحبا حياة، هل لا زلتِ نائمة؟على حسب معلوماتي أن اليوم عقد قراننا؟ هل تنامين بيوم عقد قرانك يا فتاة؟


ابتسمت بحماس وقالت:

_ أنت محق، لدي مهاما كثيرة علي أن أنجزها قبل الثامنة.


_ حسنا، حنان أخبرتني أنها سترافقك اليوم.


تنهدت بضيق وقالت:

_ أجل، أكيد لن أقوم بكل تلك التجهيزات بمفردي.


فهم قصدها وأن ما يصيبها بالضيق عدم وجود أختها معها في مثل هذا اليوم، إضافةً إلى أنها تشعر بتأنيب الضمير وجلد الذات أكيد، لذا كان عليه أن ينزعها من تلك الدوامة الساحقة فقال:

_ أنتِ لستِ بمفردك كهرمانة، أنا معك، إذا كنتِ ترغبين يمكنني تأجيل كل شيء ومرافقتك أينما تحبين.


اتسعت ابتسامتها بحالمية وقالت:

_ أشكرك سيد قاسم، عليّ أن أكون مراعية ولا أضع فوق كتفيك مهاما إضافية، لذا سأصطحب حنان، إضافة لكونها تحتاج للخروج والانشغال بأي شيء يبعدها عن الحالة السيئة التي تعيشها.


_ أنتِ محقة، حسنا يا عروسة أتمنى لكِ قضاء يومٍ سعيدٍ.


_ وأنت كذلك، مع السلامة.


أنهت الاتصال وقفزت من سريرها بسعادة ، ثم فتحت خزانتها وأخرجت منها تلك اللوحة الممزقة التي قامت بتجميعها ولصقها وأخذت تنظر إليها بابتسامة وهي تقول:

_ مرحبا قاسم، مرحبا حياة، منذ اليوم لن تفترقا أبدا.


وضمت اللوحة إليها وعانقتها بسعادة، ثم وضعتها بالخزانة مجددا وذهبت لتستعد.


خرجت من غرفتها قاصدةً الحمام فالتقت بأمها التي كانت تنظر إليها بتجهم، فمنذ اليوم الذي أعلنت فيه عن موافقتها على الزواج من قاسم وهي تتجنبها ولا تتحدث إليها إلا للضرورة.


_ صباح الخير أمي.


قالتها حياة بترقب وهي تراقب ردة فعل والدتها التي ردت بجفاء:

_ صباح الخير.


تخطتها أمها متجهةً للمطبخ ولكن حياة استوقفتها عندما قالت:

_ ألستِ سعيدة من أجلي؟ 


توقفت صفية بمكانها وهي تستمع إلى ابنتها التي تستطرد بحزن طغى على صوتها:

_ اليوم خطبتي وعقد قراني.. وبعد أسابيع زفافي.. هل ستظلين على نفس جفائك تجاهي؟ ألستِ سعيدة من أجلي؟


لم تنظر إليها، بل أجابتها بصوتٍ متحشرج وقالت:

_ لا يمكنني الرقص من أجلك على دموع أختك.


أغمضت حياة عينيها بحزن واستدارت تنظر إليها وقالت بصوت ميت:

_ أنتِ السبب في دموعها منذ البداية ولست أنا أمي.


وتجاوزتها ثم دخلت إلى الحمام وأوصدت الباب خلفها، ثم انفجرت في البكاء بقوة في نوبة أخذت دقائق بسيطة، ثم بعدها مسحت دموعها وهي تنظر لصورتها بالمرآة ولعينيها الذابلتين وتقول:

_ كفاكِ حياة، لا تسمحي لأيًا كان أن ينزع فرحتك اليوم.


بعد دقائق.. خرجت من الحمام وبدلت ثيابها، ثم قامت بالاتصال بحنان تخبرها أنها أصبحت جاهزة، ثم خرجت من غرفتها لتجد والدها يقف أمام الباب ممسكًا بيده وردة حمراء وهو يقول بابتسامة:

_ صباح الخير وردتي.


تقوست شفتيها فجأة وعادت لنوبة البكاء من جديد واحتضنته وهي تقول:

_ أنا أحبك كثيرا أبي.. أرجوك لا تتخلى عني أبدا.


تعجب هشاشتها المفاجئة واحتضنها وهو يربت على كتفها ويقول:

_ ما بكِ حبيبتي ؟ هل هذه دموع الفرح؟


ضحكت من بين دموعها وابتعدت عنه وهي تجفف وجهها وتقول:

_ على ما يبدو، لا أعرف ماذا دهاني منذ الصباح يروقني البكاء والنحيب.


مسح دموعها بأنامله الحانية العطوفة وقال:

_ تفضلي وردتي، الورد للورد.. 


ابتسمت بسعادة والتقطت منه الوردة، ثم قبلت خده وقالت:

_ أشكرك يا حبيبي.. إذا كنت أنا وردة فأنت بستان ورود يا أبي.


ابتسم بحنو وربت على وجنتها بلطف وقال:

_ ها حبيبتي ، هل تستعدين يا عروسة؟


ارتسمت على ثغرها ابتسامة مترددة وقالت بهدوء:

_ أجل، سأذهب أنا وحنان لصالون التجميل.


تنهد بقلق خفي وأجاب بابتسامة ثابتة لا تتراجع:

_ اعتنِ بنفسك جميلتي.


أومأت بموافقة ثم نظرت إليه وقالت:

_ هل أنت سعيد من أجلي أبي؟


لمعت عيناه بفرحه وحنان وهو يؤكد:

_ طبعا حبيبتي ، سعيد لأنكِ سعيدة، سعيد لأن صغيرتي سترتبط برجل تحبه.


تهدل جفنيها وبكت مرة أخرى وقالت:

_ وعنبر؟ ألست حزينا من أجلها؟


تنهد بإحباط واختفت ابتسامته وحل محلها الوجوم وهو يقول:

_ قلبي ينفطر لحالها، ولكن كلاكما قطعة من روحي، لا يسعني تجاهل واحدة منكما على حساب الأخرى.. لا تقلقي ابنتي أختك ستكون بخير، أنا لن أتركها أبدا.


أومأت بموافقة مريرة ومسحت دموعها مجددا ثم قالت:

_ أنا سأذهب أبي، أرجوك لا تدعو جارتنا أم بكري وأحفادها، البيت أساسا بالكاد يحملنا لا تجعله ينهار بنا وبأم بكري وأحفادها.


ضحك ملئ فمه ثم قال:

_ لا تقلقي يا مشاكسة، الحفل سيكون عائليا، لن يحضر سوى راجح و محسن أولاد عمي لحضور عقد القران.


أومأت بابتسامة لطيفة وقالت:

_ حسنا يا حاج صالح، ألقاك لاحقا.. عن إذنك.


وخرجت من الشقة وهو لازال يتأمل أثرها متمتمًا بقلق:

_ استودعتكِ الله يا ابنتي.


_______


خرجت حنان وحياة من البيت فإذا بحياة تتلقى اتصالا من قاسم، فنظرت إلى حنان قائلة بابتسامة عريضة:

_ يا إلهي، لا يطيق الابتعاد عني للحظة.


ضحكت حنان وأجابت الأخرى فقالت:

_ مرحبا قاسم.


_ مرحبا كهرمانة، هل نزلتِ؟


_ نعم، أنا أقف أمام البيت الآن.


_ حسنا، ستصلكما سيارة الآن سترافقكما حيث تريدان الذهاب.


_ حسنا سيد قاسم، هذا كرم أخلاق منك والله.


_ أعلم يا خفيفة الظل، هيا مع السلامة.


أنهت الاتصال وهي تنظر لحنان بزهو وتقول:

_ خطيبي سيد قاسم أرسل لي سيارة خاصة ستكون برفقتي ريثما أنتهي من تحضيرات اليوم.


سارت بجوارها حنان وهي تقول بابتسامة مرحة:

_ هذا يليق بكِ يا سمو الأميرة.


توقفت السيارة أمامهما فركبتا بالمقعد الخلفي وأخذتا تتبادلان أطراف الحديث فلاحظت حياة شرود حنان وانشغالها بهاتفها فقالت:

_ ماذا بكِ حنان ؟ هل لا زلتِ تتجاهلين مراسلات عزيز ؟


أومأت الأخرى بحزن وقالت:

_ لا أستطيع التخطي حياة، كأن هناك حاجزا وضع بيننا لا أستطيع تجاوزه، الأمر أصبح خارج سيطرتي للأسف.


أمسكت حياة بيدها بين كفيها وقالت بدعم:

_ كل شيء سيكون بخير، الأيام تداوي الكثير.


تنهدت الأخرى بيأس وهي تنظر إلى الهاتف بيدها وإلى اتصالات عزيز المتكررة فقالت حياة:

_ أجيبيه حنان، تحدثي معه من الممكن أن يكون في حديثكما شفاء لكما، اثنانكما تشعران بنفس الشعور وأنتِ متأكدة أنه يعشقك بصدق، لمَ لا تعطينه فرصة.


أومأت الأخرى برفض وقالت:

_ لست مستعدة الآن، ربما في وقتٍ لاحق.


توقفت السيارة أمام صالون التجميل أخيرا وترجلت كلا منهما وذهبتا في طريقهن إلى الصالون كي تبدأ رحلة استعدادهما فدخلت حياة إلى غرفة خاصة بتزيين العرائس فقط وبقت حنان بالخارج.


لم تتوقف اتصالات عزيز ولم تمتنع رسائله اللحوحة أبدا مما اضطرها لإجابته فقالت بنفاذ صبر:

_ ماذا هناك يا عزيز، أخبرتك مرارا ألا تضغط عليّ ولكنك تتجاهل رغبتي دومًا ولا تسمح لي بـ…


_ حنان، أنا أحتاجك…


قاطعها صوت بكائه الذي مزق قلبها فصمتت تستمع إليه وهو يقول:

_ فعلت كل الحيل لأرضيكِ، ذهبت واعتذرت لقاسم ووعدني بأن نبدأ صفحة جديدة سويا، قاطعت عبدالله من أجلك، وعلى استعداد أن أفعل أي شيء كي ترضي عني، أرجوكِ حنان كفاكِ هجرا أنا لا أملك سواكِ.


استمع إلى شهقاتها فقال بلهفة:

_ لا حبيبتي، لا تبكي أرجوكِ، لن أسمح لنفسي أن أكون سببا في بكائك مجددا، أرجوكِ لا تبكي. 


خارت قواها جميعها، وانهارت جميع الحصون التي كانت تضعها أمامها رادعا كي لا تضعف، وذاب قلبها وهي تستمع لرجائه واحتياجه لها وقالت بضعف:

_ أنا أيضا أحتاجك عزيز، صدقني أنا أيضا أحتاجك، ولكن قلبي يؤلمني بشدة.. 


تجدد الأمل بداخله مرة أخرى وقال بلهفة:

_ أقسم أنني سأحاول جاهدا أن أرمم ما كسرته، صدقيني لن أتوانى عن تعويضك عما فعلته، أرجوكِ كل ما أحتاجه هو رؤيتك وضمك.. صدقيني هذا كل ما أريده ، حتى لو قررتِ الذهاب لشقة والديكِ مجددا ومواصلة هجري يكفي ضمة واحدة منك.


مسحت دموعها وتنهدت وهي تقول باستسلام:

_ حسنا، أنا الآن برفقة حياة في صالون التجميل، سأتركها وآتي إليك ولكنني سأعودإليها سريعا.


_ حسنا، حسنا حبيبتي أنا في انتظارك..


نهضت من فورها وغادرت المكان ثم استوقفت سيارة أجرة وانطلقت بها عائدة إلى بيتها وهي تتمنى لو أنها تطير فوق السحاب فتصله سريعا وتضمه إلى صدرها بقوة كي تهدأ روحه وتستكين.


وأخذت تردد دون وعي:

_ لا بأس حنان، هو عناقًا واحدًا وتعودين حيث كنتِ، عناقًا واحدًا يكفي.


////////////


وصلت حنان إلى شقتها، فتحت الباب ودخلت فوجدت عزيز يتمدد فوق الأريكة باستسلام وهو يضع ذراعه فوق عينيه وبمجرد أن استمع لصوت الباب حتى هب واقفا وركض نحوها وضمها إليه بشوقٍ جارف، رفعها عن الأرض وهو يضمها إليه بقوة مغمضا عينيه براحة كبيرة بعد تعب مضني أضناه أياما طويلة.


طوقت عنقه بيديها باحتياجٍ شديد وأطلقت زفرة حارة وكأنها وجدت ضالتها أخيرا.


أبعدها عنه وهو يطالع قسمات وجهها الذي اشتاقه حد الجنون وباغتها بقبلةٍ عاصفة تصرخ بحاجته الشديدة لها، ثم ابتعد عنها وهو ينظر إليها مجددا بغير تصديق وضمها لصدره مجددا وهو يقول:

_ وأخيرا حنان، أخيرا حبيبتي.. كدت أن أصاب بالجنون من فرط شوقي إليكِ.


وأخذ يقبل وجهها باشتياق حقيقي وهو يقول:

_ أنا آسف، لن أفعل إلا ما تجدينه صوابا، لن أبكيكِ مجددا أبدا أعدك.


أسند جبهته على جبهتها ووقف مغمضا عينيه وهو يهمس:

_ أحبك، وأنتِ تعرفين، أو.. لا.. لا تعرفين، لأنني اكتشفت أنني حتى أنا لم أكن أعرف ذلك ، لم اكتشف مدى حبي لكِ إلا عندما أحسست أنني سأفقدك، أحبك كثيرا حنان .


تنهدت وهي تشعر بسيل ساخن من الدمعات الحزينه تبلل وجنتيها بينما هي تقف مغمضةً عينيها وهي تستمتع بأنفاسه القريبة منها والتي تدفء روحها وتطمأن قلبها وقالت:

_ وأنا أحبك عزيز، ولكن هناك شيئا بقلبي يؤلمني، إحساسًا بالذنب، يختلط بعتاب مؤلم، أحبك ولكنني غاضبة منك، أحقد عليك لأنك خدعتني واستغللتني، أشعر بالغضب يملأ قلبي لأنك لم تكن ملاكي الحارس كما كنت أتوهم، لا .. أنت استغليت حبي لك وحاجتي لك أسوأ استغلال .


وابتعدت عنه خطوات وهي تنظر إليه بلوم صريح وتقول:

_ لماذا عزيز؟ لماذا فعلت ذلك بنا؟ أنا كنت صغيرة، غبية، مراهقة تلهث خلف الكلام المعسول والمشاعر المجنونة التي تختبرها لأول مرة، أنا كنت بريئة عزيز وأنت استغليت برائتي.. أنا أحقد عليك بشدة.


انفجرت في نوبة بكاء جديدة فحاول الاقتراب منها ولكنها صرخت به بقوة:

_ لا، ابتعد أرجوك.. أنت استغليت حبي سابقا، ولا زلت تستغلني بكل بشاعة، أنت تعرف أن روحي مدموغة بعشقك يا جبان، لذلك تنجح في استغلالي كل مرة، وها أنت تفعلها مجددا… 


رفعت يديها تضغط على جانبي رأسها ثم نظرت إليه بغضب وقالت:

_ وأنا كالبلهاء أركض إليك في كل مرة دون تفكير، لماذا؟ لأني أحبك.. للأسف أحبك .. أنت تعرف أني أشعر بالتشتت والضياع، أشعر بالصراع داخلي ومع ذلك لا تمنحني الفرصة كي أستجمع شتاتي، تستدرجني بوهم احتياجك لي يا نذل..


أقبل عليها فوضعت كفيها أمامها كساترًا بينهما وهي تقول:

_ أرجوك عزيز كفى ، احترم رغبتي ولو لمرة واحدة ، أرجوك لا تستغل ضعفي وحاجتي إليك أرجوك..


تهدل كتفيها بيأس فاقترب منها وضمها إليه بكل قوته وأردف وهو يقبل أعلى رأسها:

_ أنا آسف، آسف حبيبتي ، والله آسف ونادم وأشعر بالخزي، أرجوكِ سامحيني، أنا أتعذب في بعدك حنان، أنتِ تعرفين أنني لا أملك غيرك..


وأمسك بوجهها بين كفيه وهو يرنو إليها ويقول:

_ لا أملك عائلة، أنتِ عائلتي الوحيدة، لا أملك رفاقا، أنت رفيقتي الوحيدة، حتى أخي لا أريده، أنتِ ستكونين أختي إن احتجت لأخ، ستكونين رفيقتي إن احتجت لرفيق، ستكونين لي كل شيء كما كنتِ دوما.


هدأ بكائها قليلا فقال:

_ أنا اعتذرت من قاسم، ووعدني بأن نبدأ صفحة جديدة كما أنني سأعمل معه بالمعرض من الآن فصاعدا ، أقترب منه من أجل ان أثبت لكِ صدق نواياي، صدقيني أنا أحبك وأستطيع فعل أي شيء يرضيكِ، لا تتركيني مجددا حنان أرجوكِ.


قالت وهي تشهق بتأثر :

_ الأمر ليس بإرادتي عزيز، أنا مشتتة، مشتتة بين ألف هاجس يغزو عقلي في كل لحظة، أنا وأنت ارتكبنا ذنبا لا يغتفر، عوقبنا عليه بوفاة ابنتنا، كلما تذكرت ابنتي وهامت روحها حولي أتذكر ما فعلناه .. لو أننا لم نفعل ما فعلناه بحق قاسم لكانت ابنتنا حية وبحضني الآن.. هذا عقاب الله لنا.. وأشعر بأننا سنبقى معاقبين للأبد..


ضمها إليه وهو يجاهد كي يمنع دموعه من السقوط بينما هي تنتحب بقهر وهي تتمسك بقميصه وهو يحاول تهدئتها واحتوائها ويقول:

_ الحمد لله على كل شيء يا حنان، لله ما أعطى ولله ما أخذ، هذا قدرنا وعلينا أن نرضى به كي يرضى عنا الله.. نحن أخطأنا وكل البشر خطائين..


نظرت إليه بضيق وغضب شديد ثم تقدمت نحوه باندفاع وهي تقول:

_ أخطأنا فعلا ، وأنت تزيد الخطأ أخطاءً، أصبحت تقبل على شرب الخمر كذلك، يا إلهي.. لا أصدق.. هل أتعرف عليك من جديد عزيز؟ منذ متى وأنت تشرب الخمر؟ 


أطرق وجهه أرضا بخزي وندم وقال:

_ تلك كانت أول وآخر مرة، أرجوكِ لا تبتعدي عني مجددا.. أنا ضعيف بدونك حنان، أنتِ من تقوميني وتدعميني وتوجهيني، أنتِ تعرفين ذلك لذلك لا تتخلي عني أرجوكِ..


أومأت بتخبط وشرود فما كان منه إلا أن أحاط خصرها بيديه وهو يقول بنغمة حب تعرفها جيدا:

_ أنا لكِ وأنتِ لي حنان، كلانا واقعان في الحب، كلانا لا نملك سوى سلاحا واحدا.. قلبنا.


أغمضت عينيها وهي تستمع لكلامه الذي تغلغل في روحها وجعل حقدها وغضبها يلفظان أنفاسهما الأخيرة فقالت:

_ أنا لك وأنت لي عزيز، كلانا واقعان في الحب، كلانا لا نملك سوى سلاحا واحدا، قلبنا.


وتناست حنان، تناست كل ما كانت تحمله من مخاوف وأحقاد وأفكار مؤلمة، لم تتذكر الآن سوى أنها عاشقة، متيمة وتهوى الوقوع في الحب دون أدنى شعور بالذنب.


________________


بعد مرور ساعة تقريبا، كانت حياة قد انتهت للتو، وقفت تطالع نفسها بفرحة وعيونها تبرق بريقا سعيدا، أمسكت هاتفها وقامت بالتقاط صورة لها ثم أرسلتها لقاسم الذي فور أن رآها قام بالاتصال بها سريعا.


_ مرحبا قاسم.


_ بربك حياة، ما كل هذا الجمال؟!


ابتسمت بخجل وتوردت وجنتيها أكثر فقال:

_ تبدين أميرة فعلا.. ولو أنني أرى أنكِ لستِ بحاجة لأي زينة أو تجميل، أنتِ جميلة بدون أي إضافات.


ازداد خجلها فقالت:

_ شكرا، أنت رجلًا وسيمًا أيضا.


ضحك من قلبه وقال:

_ الحمد لله ، لو أني كنت بشعًا كنتِ ستختالين عليّ بجمالك.


ضحكت وقالت:

_ لا عزيزي، أنا متواضعة جدا، الجمال جمال الروح.


_ صحيح، وأنا لم أرَ جمالا كجمال روحك حياة.


تنهدت تنهيدة طويلة بارتياح ثم قالت:

_ حسنا، لقد انتهيت للتو وسأنتقل لغرفة تبديل الملابس.. أنت ماذا تفعل؟


_ أنا وصلت حالا لشقتنا.. قمتُ بدعوة السيدة فتون وسارة والسيدة فريال كذلك..


همهمت بضيق وقالت :

_ همممم.. يا إلهي ما كل هذه النساء، أنت كالمغناطيس حقا.


تعجب ضيقها ورد بهدوء وبساطة:

_ هن جيرانك المستقبليين يا بغيضة، سيدات غاية في اللطف حقيقةً.. لا بد أن تتعرفن إلى بعضكن البعض.


_ وهل ستحضر الشقراء؟


_ تقصدين سارة؟ بالطبع ستحضر، هي تعتبرني بمثابة أخ لها وستلبي دعوتي أكيد.


_ أخ لها إذا… حسنا.. ولكن لحظة قاسم، هل قلت شقتنا؟


قطب جبينه متعجبا وقال:

_ أجل، أقصد شقتي.. ولكنها أصبحت شقتنا، يعني.. سنتزوج بها.


اتسعت ابتسامتها مجددا وقالت:

_ نعم، أفهم.


_ وأنا لا أفهم، هل لديكِ اعتراض على زواجنا بتلك الشقة؟ 


_ لا لا أبدا، ليس لدي اعتراضا على أي شيء.


ضحك وقال متعمدا استفزازها:

_ أعلم، علامَ ستعترضين وأنتِ ستتزوجين من جوهرة مثلي؟


اختفت ابتسامتها وحل محلها العبوس وهي تقول بحنق نجح في إظهاره:

_ جوهرة؟ نعم جوهرة.. والجوهرة لا يتزوج إلا جوهرة..


ضحك قائلا:

_ صحيح، وأنتِ أثمن جوهرة بحياتي يا كهرمانة..


رفرفت بأهدابها عدة مرات بسعادة ثم قالت بتوتر:

_ حسنا، سأذهب لرؤية حنان ثم أذهب لارتداء الفستان.. أراك لاحقا.


_ اعتنِ بنفسك يا عروسة.


_ وأنت أيضا.


أنهت الاتصال وهي تضم الهاتف لصدرها بحالمية وتتنهد بسعادة وهي تقول:

_ يا إلهي، ماذا فعلت أنا بحياتي كي تكافئني برجل مثله ، الحمدلله.


خرجت من الغرفة وأخذت تفتش بعينيها عن حنان حيث تركتها ولكن ليس لها أثرا، أمسكت بهاتفها وقامت بالاتصال بها ولكنها لم تجب، بعد عدة محاولات اضطرت لدخول غرفة تبديل الملابس ولكن بالها ظل مشغولا عليها وأخذت تطمأن نفسها أنها بالتأكيد خرجت لشراء بعض الشطائر.. 


بعد حوالي نصف ساعة خرجت من الغرفة ولكنها لم تجدها أيضا ، مما أثار خوفها وقلقها وعادت تحاول الاتصال بها مجددا دون جدوى فقامت بالاتصال بقاسم الذي أجاب :

_ نعم حياة، هل انتهيتما؟


_ قاسم، حنان ليست هنا.


ضيق بين حاجبيه بتعجب وقال:

_ ماذا يعني ليست هنا؟ أين هي إذا؟


_ لا أعرف، اتصل بها ولا تجيب.. 


_ حسنا حسنا لا تقلقي، أنا كنت قد طلبت منها أن تشتري لكِ طعاما، دقائق وتكون عندك لا تقلقي.


تنهدت بعدم ارتياح وقالت:

_ وما الذي سيمنعها من الرد على مكالماتي؟


_ لا تقلقي حياة، ربما لم تسمعه، على كل حال سأحاول الاتصال بها وأنتِ لا تشغلي بالك.


_ حسنا، سأعود للغرفة لوضع اللمسات الأخيرة وأنت حاول الاتصال بها.. مع السلامة.


أنهت المكالمة وإذ بها تتفاجأ باتصال من خالد، دب الرعب بقلبها فجأة وهي تتطلع إلى الهاتف بيديها في وجوم إلى أن انتهى الاتصال ، وفجأة أرسل لها برسالة صوتية ففتحتها بقلق وتردد واستمعت إليه هو يقول:

_ حياة، لقد بلغني الخبر أن عقد قرانك اليوم ، حقيقةً لم يسعنِ سوى أن أتمنى لكِ السعادة، في النهاية بيننا عشرة طيبة، ولكن إكراما لهذه العِشرة الطيبة كان لزاما علي أن أبلغك بما عرفته عن قاسم، قاسم لم يخبرك بالحقيقة كلها للأسف، لقد استقطع منها الجزء الأهم والذي لم يكن فيه ضحية أو مجني عليه.. أنا آسف لأنني أخبرك بهذا الكلام في مثل هذا التوقيت، ولكنني كنت مترددًا وحسمت أمري للتو، ما ستعرفينه من الممكن أن يغير قرارك للأبد.


اضطربت ضربات قلبها وارتجف بدنها وهي تعيد سماع رسالته أكثر من مرة، ؤأخذت تهز رأسها برفض وهي تقول:

_ لا، لا مستحيل، لقد أخبرني قاسم بالحقيقة كاملة أنا أثق بذلك.. هذا الجبان يود خلق خلافا بيننا.. لا تكوني حمقاء وتفسدي فرحتك يا حياة.


انتفضت عندما رن هاتفها فجأة برقم خالد مجددا فأجابته باندفاع وتوتر:

_ ماذا تريد يا خالد؟ صدقني أنا أثق بقاسم أكثر من نفسي ومحاولاتك المسكينة تلك لن تنجح في إفساد علاقتنا أبدا.


ابتسم بألم وأجابها :

_ وأنا لا أريد إفساد علاقتكما حياة، كل ما أريده هو كشف الحقيقة ووقتها لكِ مطلق الحرية أن تكملي طريقك معه أو لا.. 


تنهدت بتوتر وقالت:

_ أي حقيقة؟ ما الذي تود قوله؟


_ ما أود قوله ستودين أنتِ رؤيته..


تساءلت باستغراب:

_ لا أفهم قصدك، لا تتلاعب بالكلمات وإلا سأنهي المكالمة ولن أجيبك ثانية خالد..


تنهد بضيق وقال:

_ حياة، أنا أقف بسيارتي أمام الصالون، أخرجي وخذي ما أتيت لأحضره لكِ.


وأنهي الاتصال وتركها تتململ من فرط فضولها وتوترها والتردد الذي عصف بها عصفا فأخذت تتنفس أنفاسا مرتبة وهي تحاول لملمة شتاتها وهي تتحدث إلى نفسها وتقول:

_ اهدئي حياة، أنتِ إنسانة عاقلة ولن تنساقي خلف تلك الترهات أبدا.. سأقوم بالاتصال بقاسم فورا وإخباره.. ولكن.. ولكن ما سبب ذلك الإصرار؟ 


ونظرت حولها بشرود وهي تقول:

_ يا إلهي ماذا أفعل؟ سأذهب لأرى تلك الكذبة التي يظن أنه سيخدعني بها وأعود سريعا.. دقيقتان فقط..


خرجت من الصالون وهي تمسك ذيل فستانها الحريري ووقفت تنظر حولها فوجدت سيارته تصطف على بعد خطوات فذهبت إليه ووقفت بجوار النافذة وقالت بضيق:

_ ماذا تريد يا خالد؟


طالعها خالد بغيرة وغضب شديدين ولكنه رسم على وجهه ابتسامة ودودة وقال:

_ تبدين كالملاك.


نظرت إليه بتعجب وقالت:

_ هل جئت لتخبرني بذلك؟ أنا حقا لا أفهمك.. ماذا تريد يا خالد؟ وما تلك الأكاذيب التي تحاول دسها بيني وبين قاسم؟


تصنع الحزن وهو يقول:

_ كنت أعرف أن ذلك سيكون ردك ولكن أنا ألتمس لكِ العذر، على كل حال اركبي لتري وتسمعي بأذنيكِ ما قاله عبدالله عن تلك الليلة المشؤومة.


نظرت إليه بضيق شديد وقالت:

_ هل تظن أنني سأركب السيارة برفقتك؟ إذا كنت لا تعلم اليوم عقد قراني، من أنت حتى أركب سيارتك؟


قلب عينيه بملل ورفع كتفيه ضيقا واحتجاجا وقال:

_ حسنا حياة، لا تركبي برفقتي، هيا أركضي وتزوجي من ذلك الكذاب المغتصب، ولا تلومين سوى نفسك.


تنهدت بضيق ونفاذ صبر وقالت:

_ ما الذي تقوله؟ أنت الكذاب وليس هو.. هيا أفضي ما بجعبتك.


_ اركبي أولا، لن نتحدث وأنتِ تقفين بالطريق هكذا.


استدارت وفتحت الباب ثم ركبت بجواره وقالت:

_ أرني حالا ما لديك.


أومأ موافقا وانحنى قليلا وبيده اليسرى ضغط قفل أبواب السيارة ثم التقط زجاجة صغيرة وفجأة رش منها أمام أنفها وهو يقول:

_ أنا آسف عزيزتي، لم تتركي لي حلا آخرا.


____________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية

reaction:

تعليقات