Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل العشرون 20 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل العشرون 20 - بقلم نعمة حسن 

_ ٢٠ _


| مُحارِب! |

____________


_ وأخيرًا سمهورة، ها هو مهرك حُلوتي.


تناولت سماهر الحقيبة وهي تطالعه بابتسامة عريضة وقالت بنبرتها المغناجة:

_ حبيبي عبده، الآن فقط أنا لك وملك يداك.


اقترب منها بابتسامة واسعة ومال على وجنتها ينوي تقبيلها ولكنها أوقفته وهي تبتعد للوراء وتتمسك بمقدمة قميصه المفتوح وتقول:

_ انتظر عبده، العقد أولا.


تنهد بقلة صبر وهو ينظر إليها بِقلة حيلة أمام حُسنها وقال بطاعة:

_ العقد أولا سمهورة.


تحركت أمامه تتمايل بجسدها المنحوت الذي أسال لعابه وجعله يتبعها كالمجذوب وهي تدخل الصالون ثم خرجت وبيدها عقد الزواج وقلمًا ثم وقعت وأعطته له وقالت:

_ وقع عقد زواجنا عبده.


تناول منها القلم ووقع حيث أشارت له وألقى القلم أرضا وأمسك بذراعيها وهو يقول:

_ وأخيرا..


انسلتت من بين يديه وهي تضحك بغنج وهي تقول:

_ ليس بعد..


زفر بضيق وقال:

_ ماذا بعد سمهورة؟


_ حلوى زواجنا حبيبي..


وصدح صوتها وهي تقول:

_ عظيمة.. أحضري الحلوى التي أعددتها.


ونظرت إليه بابتسامة وهي تمسح بأناملها على لحيته النامية وتقول بدلال:

_ أعددتها بيديّ هاتين من أجلك حبيبي .


أمسك بيديها وقبلها وهو يقول:

_ سلمت يداكِ حُلوتي، الحُلو لا يصنع إلا الحُلو.


أتت عظيمة وهي تحمل صينية فوقها كأسين من العصير وطبقين من الحلوى وأطلقت زغرودة عالية ثم قالت:

_ مبارك سيدتي، زيجة العمر إن شاء الله.


_ من فضلك عظيمة اذهبي لغرفتنا أنا وعبده واتركي الصينية على الطاولة..


وأخذت تعبث بأزرار قميصه بتسلية وقالت بنعومة:

_ هيا حبيبي لنصعد إلى غرفتنا.. فلتبدأ ليلة العمر.


نفخ صدره بحماس وفجأة انحنى وحملها على ذراعيه وصعد بها إلى الأعلى فأطلقت ضحكتها الرنانة فقال:

_ زغردي عظيمة.. 


أخذت عظيمة تطلق الزغاريد متتابعة، بينما دخل عبدالله وسماهر الغرفة فألقاها على الفراش وأخذ يضرب صدره بقبضتيه كذكر الغوريلا وهو يقول:

_ سجلي تلك اللحظات التاريخية عزيزتي..


وقفز فوقها فابتعدت عن مرماه ونهضت وهي تقول بتلاعب:

_ الحلوى أولا حبيبي..


ودست معلقة من الحلوى بفمه ثم ناولتهُ كأس العصير وهي تقول:

_ تفضل حبيبي، اشرب العصير.


تناول منها الكأس وتجرعهُ دفعة واحدة وهو يراقبها وهي تتحرك نحو مشغل الموسيقى وتقوم بتشغيل أغنية وهي تقول:

_ سنرقص سويا، هذة حفلة من نوع خاص.


صدح صوت الموسيقى الشعبية فبدأت هي بالرقص والتمايل أمامه وهو يراقبها بنهم وعينين مشتعلتين برغبة خبيثة، فتقدمت منه وأمسكت بذراعيه وهي تقول:

_ أرجوك عبده أرقص معي.


أحاط خصرها بيده وهو يشاركها الرقص ببلاهة ويقول:

_ لا أصدق ما أراه، تلك الحسناء ملكي أنا؟!


_ أجل حبيبي ملكك وتحت أمرك، هيا أرقص معي..


_ الشيء الوحيد الذي لا أجيد فعله هو الرقص سمهورتي، هيا لا تهدري وقتنا الثمين هباءً..


دفعته نحو زاوية بالغرفة مثبتًا بأعلاها كاميرة ثم أحاطت خصره بحزام الرقص وهي تقول:

_ أرجوك حبيبي، إذا كنت لا تجيد الرقص فما فائدتي إذًا؟ سأقوم ببعض الحركات وعليك تقليدها.. هيا عبده..


أخذت تتمايل بغنج وترقص باحتراف وهي تلح عليه إلحاحًا شديدًا فيقوم بتقليدها كالأبله وهو يقول:

_ سمهورتي، لم أعُد عبده.. هكذا أصبحت فيفي عبده! 


صدحت ضحكتها بأرجاء الغرفة وهي تحاول التمسك بجديتها وتقول:

_ قلت لك أنه حفل من نوع خاص، هيا أرقص من أجلي عبده..


أخذت تتمايل بجسدها أمامه في إغراء صريح وهي تراقب انفعالاته التي بدأت تخفت شيئا فشيئا وأحست به وهو يقاوم الدوار الذي لف رأسه، ويحاول جاهدا ألا يخضع لحالة اللاوعي التي تبتلعه.


_ سمهورة.. رأسي.. توقفي عن التمايل أمامي أصبت بالدوار..


_ لا حبيبي، الليلة ليلتنا يا شيطان الحدادين!


طالعها متعجبا وهو يقاوم كي لا يسقط وهم بقول شيئ ٍ ما ولكنه سقط فجأة غارقا في نومٍ عميق!


زفرت براحة وهي تدنو منه على مهل وتستمع لأنفاسه التي انتظمت ثم تنهدت وقالت:

_ يا إلهي، كم أنت لزج! وأخيراا…


خرجت من الغرفة سريعا ونادت خادمتها قائلة:

_ عظيمة، استعدي حالا.


//////////////


كان قاسم لا يزال واقفا أمام باب الغرفة بالمشفى، حينها خرج الطبيب فاتجهوا جميعا نحوه باهتمام وسألهُ قاسم قائلا:

_ كيف حاله دكتور؟ 


_ الحمد لله الحالة مستقرة إلى الآن، سنترقب الثمانية وأربعين ساعة القادمة إذا مروا بدون حدوث أية  مضاعفات يمكننا حينها القول أنه سيتعافى تماما.


تنهد الجميع براحة فأضاف الطبيب قائلا:

_ بالمناسبة ، لا داعي لوجودكم الليلة، يكفي مرافقًا واحدًا.. بالسلامة إن شاء الله.


نظر قاسم إلى حياة التي كانت دمعاتها تتدفق بفرحة وارتياح وابتسم قائلا:

_ ألم أخبرك، سيكون بخير إن شاء الله.


هزت راسها بتأييد فنظر إليهم وقال:

_ هيا، سأنقلكم للبيت وأعود، سأرافقه الليلة.


تحدثت صفية على الفور:

_ لا، أنا من سترافقه.. لن أتركه وأغادر.


قاطعتها عنبر قائلة بجدية وتصميم:

_ أنا سأبقى مع أبي، اذهبي وارتاحي أمي.


نظرت إليهم حياة بغيظ وقالت بحنق طفولي:

_ ومما أشكو ؟ لمَ لا أبقى أنا؟ 


طالعهم قاسم بنفاذ صبر وقال:

_ سأنقلكم للبيت وأعود. أنا من سيرافقه، انتهى.


اصطحبهم إلى السيارة وتحرك عائدا لبيت العائلة، ركبت حياة بالمقعد المجاور له، بينما استقلت والدتها وعنبر المقعد الخلفي.


همست صفية إلى ابنتها وقالت:

_ أين عبدالله ؟ لقد غادر فجأة ولم يظهر حتى الآن؟


أشاحت عنبر بوجهها للجهة الأخرى قائلة بحقد:

_ فليذهب للجحيم، لا يهمني.


تنهدت صفية وأجابت سؤالها بذاتها وقالت:

_ بالتأكيد يشعر بالخجل ولا يقوى على مواجهتنا بعد ما حدث.


رن هاتف قاسم فجأة برقم سماهر فأجاب قائلا:

_ مرحبا..


تحدثت سماهر بصوت خافت نسبيا وقالت:

_ مرحبا قاسم، أود أن أبلغك بآخر التطورات، لقد أتى هذا الأجدب ومعه المبلغ، وهو الآن يرقد بالفراش بغرفتي بعد أن وضعتُ له الأقراص المنومة بالعصير كما اتفقنا..


تحدث متسائلا باختصار:

_ والورقة؟


_ لا تقلق، قام بإمضائِها.. والفيديو سأرسله لك بعد قليل


ضحك بغبطة وتنهد بارتياح قائلا:

_ ممتاز.. والباقي اتفقنا عليه بالفعل.


_ أجل،لا تقلق، متى ستأخذ المبلغ؟


_ غدا إن شاء الله، سنتحدث لاحقا. 


_ حسنًا، مع السلامة.


أنهى الاتصال فنظرت إليه حياة بتعب وتساءلت:

_ مع من كنت تتحدث؟


نظر إليها رافعا حاجبه وقال مشاكسا وهو يجذب أنفها بخفة:

_ لا تحشري أنفك يا متطفلة.


ابتسمت حياة وشعرت بالخجل، ثم أشاحت بوجهها للجانب ولم تعقب، على عكس عنبر التي شعرت بقلبها يغلي من فرط الضيق والقهر وأشاحت بوجهها للجهة الأخرى.


//////////////


بعد أن قام قاسم بتوصيلهم للبيت وأخذ بعض الأغراض غادر عائدا إلى المشفى، صعدوا ثلاثتهم إلى الشقة ودخلت صفية إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها، ثم دخلت كلا من عنبر وحياة إلى غرفتهم وهوت كلا منهما على فراشها بتعب.


أغمضت حياة عينيها بتعب، ثم فتحتهما فجأة وكأنها تذكرت للتو ونظرت إلى عنبر وتسائلت:

_ ماذا حدث قبل أن يمرض أبي؟ ولمَ كان موجودا بشقتكما؟


أغمضت عنبر عينيها بانزعاج واضح وقالت:

_ لقد تشاجر مع عبدالله وسقط فجأة..


_ الحقير، كنت متأكدة أنه السبب، ولكن أين اختفى فجأة؟ ألم يجدر به الانتظار والاطمئنان على حالة عمه التي هو أساسا السبب بها؟ عديم الإحساس .


تنهدت عنبر بصوت مسموع وقالت:

_ نعم، هو السبب.. هو السبب بكل شيء، كل حزن نواجهه سيكون هو أساسه؛ شيطان فعلا كما قال أبي.


وغرقت في بحر الذكريات فجأة وأخذت تتذكر كل ما سبق وعاشتهُ على يداه، وانجرفت دمعاتها على خديها بحسرة وهمست:

_ كنت دومًا أخاف منه، كنت كلما أراه انقبض قلبي واهتز بدني بسبب نظراته المقيتة، كنت أشتكيه لقاسم وأخبره أنني أنزعج منه..


ابتلعت حياة ريقها بضيق وشعرت بالغيرة تنهش قلبها وتساءلت:

_ وماذا كان يقول لكِ؟


ابتسمت بمرارة وقالت:

_ كان يقول لي لا تخشي أي شيء وأنا بجوارك، لن يستطيع عبدالله ولا أي إنسان على وجه الأرض أن يؤذيكِ طالما أنا موجود.


وابتسمت بحسرة وقد سالت دمعاتها على جانب خديها وهي تقول:

_ ولكن ما قاله لم يكن سوى كلامًا، أما الواقع فكان مخالفًا تماما، الواقع أن هذا الشيطان استطاع أذيتي وبقوة.. استطاع أن يبدد كل أحلامي الوردية ويحولها لكوابيس سوداء لا أشم فيها سوى رائحة الموت!


ذات يوم كان لدي حلما جميلا أنتظره بفارغ الصبر ، أصحو وأنام على أمل تحقيقه، وفي ليلة مشؤومة كان من المفترض أن تكون هي أحلى ليلة بحياتي، صارعتُ الموت.. لا أبالغ أبدا.. كانت يداي مقيدتان، قيدهما بحزام سرواله، جردني من ملابسي بقسوة وهو يهتف بصوته المقيت ويقول " أنتِ لي " كان يرددها بهيستيرية وكأنه يثبت لعقله المريض شيئا مستحيلا، حاول تقبيلي ولكني تقيئتُ من شدة النفور ، وهذا ما أصابهُ بالجنون وجعلهُ يكشف عن وجهه السادي بكل بساطة، صفعني بقوة، أخبرني أنه سينالني عنوةً ولن يسمح لقاسم بالزواج مني حتى لو اضطر لقتله، توسلت إليه ولكن بكائي لم يزِدهُ إلا تلذذًا وانتشاءًا، اغتصبني بكل دناءة وخسة.. اغتصب براءتي وشرفي، استباح جسدي بحقارة، وفي النهاية عندما فرغ مني أخبرني أن ما فعلهُ هذا كان عقابا لأني كنت أثير استفزازه دائما وأنني كنت أستحق هذا العقاب. فك وثاق يديّ ثم ناولني ملابسي وهو يقول " لم ينتهِ الأمر هنا، لقد بدأنا للتو ".


كانت حياة تستمع إليها وهي تضم الوسادة إليها وتكتم بها صوت نحيبها وشهقاتها المعذبة، بينما تستطرد عنبر بهدوء وكأنها مخدرة من شدة الألم وتقول:

_ خرجت بعدها وأنا في حالة يرثى لها، وفوجئت بحسان صديق قاسم يقف على مقربة من البيت، عندما رآني صُعق ولم يكن بحاجة لسؤالي عما حدث فقد كانت حالتي تغني عن السؤال، ملابسي مبعثرة، وجهي مكدوم من أثر الصفعة، وحجابي غير موجود.. وفور رؤيتي له سقطت مغشيا عليّ. ساعدني لأستعيد وعيي وعندما طلبت منه أن يبلغ قاسم خاف وأوقف لي سيارة أجرة على الفور واختفى.


عدتُ إلى البيت وكان الجميع بانتظاري، كانوا يبحثون عني لأن الوقت كان قد حان لحضور المأذون وعقد القران، ولكني عدتُ إليهم بكارثة، عدت إليهم بفضيحة، مطأطأة الرأس أجر أذيال الخيبة والقهر، عدتُ ميتة بمعنى أصح.


نهضت حياة واتجهت نحوها واحتضنتها بقوة فعانقتها عنبر وانفجرتا في بكاءٍ مدوٍ.. وظلتا على تلك الحالة حتى سكنتا تمامًا وعادت كلا منهما لفراشها من جديد .


////////////////


كان قاسم يجلس على مقعد أمام الغرفة الموجود بها عمه وهو شاردا يتذكر كلام عبدالله الذي أثار ضيقه للغاية، وخاصةً عندما تحدث عن حياة.. أمسك بهاتفه وكان على وشك الاتصال بها لا يدري ما السبب ولكنه تراجع واتصل بسارة…


_ مرحبا قاسم.. كيف حالك ؟


_ مرحبا سارة، أنا بخير وأنتِ؟


_ بخير، ها أنا أجهز أغراضي استعدادا للانتقال، سنكون جيرانا.


وصلتهُ ابتسامتها فابتسم قائلا:

_ أجل، لولا الظروف التي أمر بها كنت لأكون معكما الآن، ولكنني أرافق عمي بالمشفى لأنه يمر بوعكة صحية.


_ زال البأس إن شاء الله.


_ إن شاء الله.


_ قاسم ، أريد أن أشكرك.. سيف أرسل لي رسالة اعتذار عما صدر منه وقال أنه لن يعترض طريقي أبدا.


ابتسم مطمئنًا وقال:

_ ممتاز.. أفلح إن صدق.


_ الفضل يعود إليك، أنت من تكفلت بهذا الأمر، أنت من سندني ودعمني في وقت لم أجد فيه أحدا بجواري، أنت السند الحقيقي قاسم.


ابتسم متأثرا وقال بهدوء:

_ أنا لم أفعل سوى واجبي سارة، أنتِ بمكانة أختي وهذا واجبي نحوك.


ابتسمت بامتنان وقالت:

_ شيئًا آخر، والدتي أيضا اعتذرت لي..


استمع إليها بانتباه وهي تحكي بعد أن زفرت براحة:

_ قالت أنها تعتذر لأنها لم تقم بواجبها نحوي كأم يوما ما، وتعتذر أيضا لأنها أم فاشلة.


وضحكت بخفوت وهي تقول بتوتر:

_ أشعر أنه بإمكاننا ترميم علاقتنا ذات يوم.


ابتسم براحة تغمره وقال مؤكدا:

_ بالتأكيد عزيزتي، يمكننا إصلاح كل شيء.


_ إن شاء الله.. ها بالمناسبة.. متى سنزور أبي؟


ابتسم واتسعت ابتسامته وقال:

_ متى أردتِ أنتِ.


_ الأسبوع المقبل؟ سيكون عيد ميلاده السابع والأربعين.. أود معايدته.


_ ممتاز، ممتاز جدا سارة.. سأتحدث للسيد أكثم وأخبره بشأن الزيارة وأبلغك بالرد.


_ حسنا، أراك لاحقا في بنايتنا.


ضحك قائلا:

_ أراكِ لاحقا جارتي العزيزة، مع السلامة.


أنهى الاتصال وانتبه لخروج الممرضة من غرفة عمه وهي تنظر إليه بقلق وتقول:

_ أستاذ قاسم ، عمك يطلب رؤيتك.


نهض من فوره ودخل إلى غرفة عمه بقلق، وقف على مقربة منه وقال:

_ كيف حالك عمي؟ هل أنت بخير؟


تحدث صالح بتعب شديد ومد يده ممسكا بها كف قاسم وقال:

_قاسم.. ابني..


_ نعم عمي أسمعك..


_ أرجوك.. لا تغفل.. لا تغفل عن حياة.


قطب جبينه متعجبا وأرهف السمع بينما استطرد صالح بخفوت ووهن:

_ إن أنا مت .. حياة بأمانتك.. 


أسرع يقول بلهفة:

_ لا تقل ذلك عمي أرجوك..


قاطعه صالح بإشارة من يده وقال:

_ حياة النبتة النقية الوحيدة…


وأخذ نفسا بصعوبة وتابع:

_ التي لم تطالها أيدي الشياطين بعد .. أشعر بالخوف.. إن مت ستضيع بين أمها وأختها والحقير عبدالله.. لا تتخلى عن حياة.. هي بحاجتك.. أرجوك.. حياة في أمانتك.


بدأ يشهق بقوة وتغيم عيناه تزامنا مع اضطراب مؤشراته الحيوية فأسرعت الممرضة للداخل وهي تحاول إسعافه بلهفة وقاسم يقف مشتتًا يشعر بالضياع والتيه، حتى أنه لم ينتبه على دخول الطبيب الا عندما قال:

_ الحمد لله، كان على وشك الاصابة بجلطة، لقد سيطرنا على مؤشراته الحيوية مرة أخرى وحالته الآن شبه مستقرة.


ونظر إلى قاسم قائلا:

_ ممنوع إزعاجه ثانيةً، أي انفعال سيشكل خطرا على حياته.


خرج الطبيب يتبعه قاسم بعد أن ألقى نظرة على عمه الذي غفا بتعب وخرج فجلس كما كان ولكنه أخذ يفكر فيما قاله عمه بحيرة وقد ازدادت همومه همًا إضافيًا فتمتم بيأس:

_ في أي جهة ستحارب يا قاسم؟!


///////////////////في الصباح..


استيقظ عبدالله بعد نومٍ عميق سقط به لما يقارب عشر ساعات متواصلة. 


نهض بتكاسل وتشوش وهو يشعر بالصداع يفتك برأسه، ثم نظر إلى الفراش بجواره بابتسامة ونفخ صدره بزهو، ثم خرج من الغرفة وهو يبحث عن سماهر وينادي قائلا:

_ سمهورة، أين أنتِ يا عصفورتي؟


لم يصله أي صوت فنزل ليبحث عنها ولكنه لم يجدها ، خالجهُ الشك والقلق فأمسك بهاتفه يحاول الاتصال بها ولكن هاتفها مغلقا.


دخل المطبخ، الحمام، الصالون، غرف النوم، ولا أثر لها أو للخادمة!


فأخذ يبحث عنها كالمجنون وهو يهتف:

_ سماهر .. عظيمة… سماااهر أين أنتِ؟ سماهر!!!


عاد إلى الغرفة مرة أخرى وارتدى ملابسه ولفت انتباهه طاولة الزينة الفارغة، مما أثار انتباهه لاحتمال كارثي.


ذهب وفتح الخزانة ليتفاجأ بها فارغة تماما فصفق بابها بقوة وغضب وهو يقول:

_ اللعنة.. اللعنـــة!!!!!


وخرج من البيت وهو يبحث بالشارع كالمجنون ويحاول الاتصال بها مرارا وتكرارا بيأس، ودخل متجرًا خاصًا ببيع الملابس بجوار البيت وسأل مالكهُ:

_ مرحبا، من فضلك السيدة سماهر مدربة الرقص بجواركم، هل تعرف لها عنوانا آخرا غير هذا المنزل؟ أقصد هل تملك بيتا غير هذا البيت؟


_ لا، أساسا هذا البيت ليس ملكها، هي فقط استأجرته منذ فترة بسيطة، ولا أعرف لها عنوانا آخرا للأسف .


_ اللعنة، اللعنة عليكِ سماهــر.. اللعنة.


خرج من المحل ووقف يحاول استعادة تركيزه بعد تلك الصدمة، أمسك هاتفه وأرسل لها برسالة صوتية وهو في أوج غضبه وقال:

_ أقسم بالله إن كان هذا ملعوبا منكِ سأقتلك، افتحي هاتفك اللعين هذا وأخبريني أين أنتِ يا حقيرة!!!!!


زمجر بغضب كوحشٍ يحتضر ثم ألقى بهاتفه على الأرض بغيظ فتهشم وهو يلعن بغضب ويقول:

_ تبًا لكِ، تبًا لغبائي.. تبا.. تبا.. تباااا يا حقيرررررررة!!


////////////


ذهبت كلا من صفية وابنتيها عنبر وحياة لزيارة والدهما، اتجهن على الفور نحو غرفته حيث كان قاسم برفقته يطمئن على حالته.. وعندما رآهن خرج ليفسح لهن مجالا للبقاء معه على انفراد.


خرج لينتظر بالخارج فخرجت حياة تتبعه وقالت بابتسامة:

_ ألن تغادر قاسم؟ منذ الأمس وأنت هنا.


_ نعم سأغادر بعد قليل، بعد أن يفحصه الطبيب.


_ شكرا لك قاسم، نقدر لك وقفتك بجوارنا.


عقد حاجبيه بتعجب وقال:

_ هيا يا قصيرة، على ما يبدو لديكِ محاضرات، يجب ألا تفوتك.


ابتسمت قائلة:

_ صحيح، أراك لاحقا.


_ مع السلامة.. اعتنِ بنفسك حياة.


منحته ابتسامة صافية وتحركت، في تلك اللحظة خرجت عنبر من الغرفة وقد استمعت لجملته الأخيرة فنظرت إلى قاسم بضيق مخفي بينما تجاهلها هو فتحركت ثم جلست بجواره وعقدت ذراعيها وهي تنظر أمامها مثلما يفعل هو وقالت بهدوء:

_ ما الذي تريده من حياة يا قاسم؟


قلب عينيه بملل من ذلك السؤال المتكرر وتنهد بيأس وقال:

_ لا أفهم قصدك.


_ قصدي أنت تفهمه جيدا، ما الذي تحاول فعله؟ لمَ تعلق قلبها بك؟


قطب جبينه متعجبا ونظر إليها بطرف عينه وقال:

_ أي هراء تهذين به؟ 


استدارت نحوه بكامل جسدها ونظرت إليه بحدة وقالت:

 _ هذا ليس هراءً أبدًا، أنت تخدع حياة، تقوم بإيهامها أنك تحبها، تعلق قلبها بك وتتلاعب بها بمنتهى السخافة ، ما غرضك من كل هذا؟ هل فقط كي تحرق قلبي؟!


هز رأسه بيأس ساخرا من جملتها وقال:

_ يا إلهي ألهمني الصبر!


_ أنت تظن أنك ستنتقم مني بهذة الطريقة، تستغل أختي وتتلاعب بها وبقلبها البرئ لأجل انتقامك فقط.. خدعتها وأوهمتها أنك تحبها فتركت خطيبها الذي كانت ستتزوجه بعد شهر بسببك.. 


_ أنتِ الموهومة وليست حياة صدقيني، حياة تعي جيدا ما تفعله وما تريده، حياة ناضجة بالقدر الذي يمنعها من أن تكون مسيّرة خلف أهواء الآخرين، حياة ليست مثلك أبدا يا ابنة عمي .


ابتسمت بسخرية وقالت:

_ لا تجرؤ على نطق اسمي أليس كذلك؟ تحاول إقناع نفسك أنك تكرهني وتحقد عليّ وتحاول إقحام تلك الهواجس إلى رأسك قسرًا، ولكنك تفشل دوما، حتى لو حولتني إلى نكرة، حتى لو تجاهلتني مئة مرة لن يتجاهلني قلبك أبدا.. أنا حبك الأول والأبدي قاسم.. أنت لم تشعر بأنثى سواي ولن تفعل، فلا تحاول عبثا أرجوك.


كان يستمع إليها بصمت وبداخله حقدٌ دفين، ولكن شيئا ما بكلماتها أثار ضحكاته فقالت باستياء:

_ أنا أفهمك جيدا وأفهم ما تخطط له.. في البداية سجنت عبدالله لأنك أردت صيد عصفورين بحجر واحد؛ أن تنتقم منه على ما فعله بك والسبب الثاني أن تنفرد بي في غيابه.. ولما جئتُ أنا وصارحتك برغبتي ضعفت وتحطمت قوتك أمامي لذلك برأت عبدالله كي يخرج من السجن ويبعدني عنك، لأنك خشيت أن تنهار حصونك الواهية أمام رغبتك بي.. والآن تخطط للانتقام مني بوسيلة هي الأحقر والأرخص على الإطلاق، بأن تتودد لأختي وتثير غيرتي.. حسنا قاسم لقد نجحت..


أزالت دمعة عالقة بأهدابها وأكملت:

_ أنت فعلا نجحت فيما كنت تود فعله، لقد حققت هدفا أهنئك عليه، أنت أثرت غيرتي وغضبي وقهرتني أيضا، أرجوك كفى!


ابتلع ريقه بتوتر وقد أصابه حديثها بالضيق الشديد فأردفت هي:

_ أخرِج حياة من تلك اللعبة القذرة أرجوك، لا تتلاعب بها ثانية، لا تجعلها تتوهم بأنه من الممكن أن يكون بينكما رابطا ذات يوم لأن ذلك لن يحدث أبدا.


نظر إليها متعجبا وقال باستهجان:

_ وما السبب؟


اتسعت عينيها وهي تطالعه بغير تصديق وتقول:

_ هل تسأل عن السبب؟ مستحيل أن يكون بينكما رابطا أبدا.. يمكنك الارتباط بأي امرأه على وجه الأرض إلا حياة.


تابع سؤاله مستهجنا بشدة وقد استفزته كلماتها فقال:

_ وما السبب؟ مما تشكو حياة؟ هل لأنها أختك فقط؟


ابتسمت بتهكم وقالت بغضب:

_ لا، حياة لا تناسبك أبدا، أنت تكبرها بعشر سنوات كاملة، لا يوجد بينكما أي توافق في أي شيء، هي متعلمة وأنت جاهل..


وصمتت فقال:

_ ولكنكِ أيضا كنتِ متعلمة وأنا كنت نفس الجاهل!!


ابتلعت ريقها بتوتر عندما حاصرها في الزاوية وقالت بتوتر:

_ ولكنك لم تكن رد سجون وقتها!


آلمته كلماتها ولكنه قال مبتسما بثبات:

_ أنتِ محقة في ذلك.. 


ثم نظر إليها بتلاعب وقال متعمدا استفزازها:

_ ولكنني لا أظن أن حياة قد تمانع بزواجها من رد السجون! يمكنني تعويضها بميزات أخرى.


جف حلقها وتبعثرت الكلمات على شفتيها، ثم نظرت إليه قائلة بانفعال:

_ حياة لا تناسبك، أنت جمرة متقدة في عز رجولتك وهي لاتزال طفلة بحجم الكف!! بربك أي ميزات هذه التي تتحدث عنها؟


فاجأه ردها الجريء أكثر مما كان يتوقع وأصابه بالضيق فقال:

_ للأسف أنا لم أقصد ما تفضلتي به حضرتك، حياة أشرف وأنقى من أن أنظر إليها بتلك النظرة الدونية، من الواضح أن حادثة الاغتصاب برمجت عقلك على التفكير بطريقة رخيصة حتى أن تصرفاتك كلها باتت مقرفة.


اسود وجهها بصدمة وشعرت بالدخان يتطاير من أذنيها، بينما هو رمقها أخيراً باحتقار ونهض فجأة مغادرا المشفى حتى أنه لم يدخل للاطمئنان على عمه ، وركب سيارته ثم انطلق بها في طريقه للبيت.


/////////////////


عاد إلى منزله وهو يشعر بالغضب الشديد من نفسه، دخل غرفته وخلع قميصه بعصبية وهو يردد:

_ الخطأ خطأي، لم يكن علي أن أتمادى في الحديث معها.


دخل كي يأخذ حماما باردا كان هو أكثر ما يحتاجه الآن، فوقف تحت سيل الماء البارد مغمضا عينيه وكلماتها لا تبارح أذنيه؛ مما جعله يشعر بالاستفزاز والضيق الشديد.


خرج بعد دقائق وارتدى ملابسه على عجالة ثم اتصل بسماهر وطلب منها الحضور لشقته ومعها المبلغ.


ثم استقبل مكالمة من سارة التي أخبرته أنهما في طريقهما للبناية فنزل إلى المدخل لاستقبالهما والترحيب بهما.


وصلت سيارة فتون وابنتها، ترجلتا من السيارة بحماس وهما يتطلعان إلى المكان بفضول، رحب بهما قاسم واصطحبهما لشقتهما بينما كان حارس البناية يقوم بحمل الحقائب للأعلى.


وفي طريقهم للأعلى كانت فريال تنزل السلم وتعجبت فور أن رأت فتون وسارة برفقة قاسم فقالت:

_ مساء الخير سيد قاسم ، هل هم أقربائك؟


ابتسم قاسم بلطف وقال:

_ السيدة فتون وابنتها آنسة سارة حبيب.. جيراننا الجدد.. الحمد لله لم نعد بمفردنا في العمارة.


ألقاها بسعادة غامرة أثارت تعجبهم وتابع وهو يعرفها لفتون:

_ السيدة فريال جارتنا بالطابق الرابع، أعتقد أنكما ستكونان رفيقتان جيدتان إن شاء الله.


صافحت فريال فتون بابتسامة ودودة وقالت:

_ مرحبا سيدة فتون، سررت بمعرفتك.. مرحبا سارة.. كم أنتِ جميلة.


ابتسمت سارة بلطف وقالت:

_ وأنتِ كذلك.


ابتسم قاسم قائلا:

_ فلنقم بتأجيل فقرة التعارف فيما بعد، سيدة فريال بالمناسبة ستصنع لكما حلوى استقبال رهيبة وتحضرها وتصعد إليكم للتعارف بشكل أفضل.


أومأت فريال بابتسامة وقالت وهي ترمق قاسم بإعجاب:

_ صحيح، لقد تذوقها قاسم سابقا.. بالمناسبة قاسم، لم يتسنَ لي سؤالك حتى الآن، هل أعجبتك حلواي؟


ابتسم قاسم بحرج وقال:

_ جدا، طعمها لذيذ وإن كان ينقصها بعض السكر ولكن لا بأس بها، هيا سارة، تفضلي سيدة فتون ، عن إذنك سيدة فريال.


اصطحبهما للشقة ودخل برفقتهما وما إن وطأت سارة بقدمها المكان حتى سحبت شهيقا طويلا براحة وقالت:

_ يا إلهي، هواءها مريح للنفس.


أومأت فتون بابتسامة وقالت:

_ صحيح، أعتقد أننا سنقضي بها أوقاتا ممتعة.


ابتسم قاسم قائلا:

_ إن شاء الله ، والآن لدي موعدا مهما، إذا احتجتما لأي شيء أنا موجود. 


نزل إلى شقته تزامنا مع وصول سماهر فاستقبلها ودخلا فقالت:

_ شقتك مريحة للنفس قاسم.


_ أجل، هي كذلك.


وضعت الحقيبة فوق الطاولة وفتحتها بابتسامة وقالت:

_ ها هو المبلغ! وتلك هي الورقة.


أمسك بالورقة أولا، نظر إلى إمضاء عبدالله بابتسامة، ثم قام بنزع نصف الورقة العلوي المكتوب به عقد الزواج العرفي وعليه إمضاء سماهر، فظهرت ورقة أخرى وهي عبارة عن عقد تنازل من عبدالله لقاسم عن جميع ممتلكاته بما فيها شقته ببيت العائلة والمحل شامل البضاعة الموجودة به وقيمتها مليون ونصف جنيه.. وبالأسفل توقيع عبدالله!!!


نظر إليها مبتسما وقال بسعادة:

_ أبليتِ حسنا سماهر، أبليتِ حسنا!


نظرت إليه سماهر بابتسامة وقالت:

_ يا إلهي! قلبي كان ينتفض من شدة الخوف أن ينكشف أمر الورقة ويكتشف أنه مضى على عقد التنازل.. ولكنه كان أبلهًا بما يكفي الحمد لله.


ابتسم بسخرية وقال:

_ مثل هذا الشيطان الذي يلهث خلف شهواته يكون سهلاً الإيقاع به، لأنكِ تعرفين نقاط ضعفه وتعرفين كيفية استغلالها.. والغبي هذا ما أكثر نقاط ضعفه.


_ صحيح، في الحقيقة لم أرَ رجلا بحياتي أغبى منه، انطلت عليه الخدعة بسهولة وغرق في سبات عميق، وفورا لملمتُ أغراضي ولذتُ بالفرار.


ضحكت بقوة فضحك قاسم بدوره ، ثم فتح الحقيبة وأخرج منها مبلغا ثم أعطاه لها وقال:

_ تفضلي سماهر، هذا هو نصيبك، نصف مليون جنيها، ستبدأين بهم مشروع صالون التجميل خاصتك وتبتعدين عن أجواء الرقص تلك تماما.


تناولت منه المبلغ بابتسامة امتنان وقالت:

_ شكرا لك قاسم..


وأعطاها مبلغا آخرا وقال:

_ وهذه نفقة علاج أخيكِ للشهور القادمة.. 


_ أشكرك شكرا جزيلا قاسم.. أنت رجل نبيل حقا.


_ وأنتِ كذلك سماهر.


نظرت إليه بابتسامة وقالت:

_ لا، لستُ سماهر..


نظر إليها متعجبا فقالت بابتسامة:

_ اسمي الحقيقي سميرة، سماهر هو الاسم الحركي.


ضحك بقوة حتى أدمعت عيناه وهو يردد:

_ يا لحظك البائس عبدالله..


ضحكت بدورها ثم قالت:

_ صحيح، على العموم السائق ينتظرني بالأسفل كي يقلني خارج المدينة كما اتفقنا.


أومأ موافقا وقال وهو يمد يده لها بورقة:

_ خذي هذا عنوان مسكنك الجديد والإيجار مدفوع  لمدة ستة أشهر مقدما.


ابتسمت بامتنان وقالت:

_ شكرا لكرم أخلاقك قاسم، أراك على خير.


_ مع السلامة سميرة.


ابتسمت وغادرت بينما فرد ذراعيه على جانبي الأريكة براحة وأسقط رأسه للخلف متنهدا براحة وقال:

_ وأخيرا نلت منك يا عبدالله الحداد !! 


///////////////////


عاد عبدالله إلى شقته، دخل فرأى ابنه كريم يجلس أمام التلفاز يشاهد فيلما كارتونيا فقال:

_ أين أمك؟


_ أمي ذهبت برفقة حياة وجدتي للمشفى للاطمئنان على جدي صالح.


أومأ بصمت وقصد الحمام فأخذ دشا باردا ثم خرج فبدل ملابسه وذهب إلى المشفى.


دخل إلى المشفى فوجد عزيز يجلس وبجواره حنان التي ما إن رأته حتى نهضت مبتعدة بعد أن رمقته بنظرة كره صريحة.


جلس عبدالله بجوار شقيقه وقال بغضب مكتوم:

_ ما بها زوجتك تنظر إلي بتلك الطريقة وكأنني قد قتلت لها قتيلا؟


نظر إليه عزيز بتعجب وقال:

_ أين كنت منذ أمس؟ زوجة عمي تقول أنك اختفيت فجأة وهاتفك كان مغلقا، أين كنت؟


مسح وجهه بغضب وجنون وشيك وقال:

_ كنت في جهنم الحمراء ، بربك لا تسألني عن أي شيء.


تعجب عزيز انفعاله الغامض وقال بإيجاز:

_ كما تشاء.


_هل مات؟ أم لا يزال حيا؟


قلب عزيز كفيه باستنكار وهو يردد:

_ لا حول ولا قوة إلا بالله. الحمد لله حالته مستقرة..


هز رأسه بصمت وقال:

_ وأين معشوق الجماهير ؟


_ تقصد قاسم؟


زفر بضيق وقال:

_ ومن غيره؟


_ حياة قالت أنه كان يرافقه طوال الليلة الماضية وغادر منذ عدة ساعات..


ابتسم متهكمًا وقال:

_ يا له من رجل بقلبٍ حنون! 


ثم غمز أخاه بعبث وقال: 

_ أرى أنك تحدثت مع حياة، هل فكرت فيما قلته لك؟


_ أستغفر الله العظيم.. لا تكن لحوحًا عبدالله.. ما لدي قلته.. أنا أحب زوجتي ومن المستحيل أن أتزوج امرأة أخرى!


في تلك الأثناء كان قاسم قد دخل المشفى، ويسير بالرواق المؤدي لغرفة عمه، وفي نهاية هذا الرواق استطاع أن يرى عبدالله وعزيز يجلسان، وعندما وصل إليهما استمع لحديثهما الذي أثار جنونه.


_ اسمعني يا غبي، عشقك الواهي أنت وزوجتك المصون لا يتعارض مع زواجك من حياة، ثم أنك ترى حالة عمك ها هو يتأرجح بين الدنيا والآخرة ، وإذا مات سترث كلا من ابنتيه مبلغا وقدره، من شقته ببيت العائلة وشقة المصيف وبالتأكيد لديه حسابا بالبنك من يدري، وما خفي كان أعظم!


تحدث إليه عزيز بضيق قائلا:

_ عبدالله اسمعني، لقد أخطأت مرة سابقا ونفذت أوامرك كالأعمى ونلتُ عقابي وماتت ابنتي لأني بعتُ ضميري.. ولا يلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين.


تخطاهما قاسم وذهب نحو غرفة عمه وهو يستغفر بسره لكيلا يفقد أعصابه ويهشم رأس ذلك الشيطان.


ابتسم لا إراديا فور أن رأى حياة فبادلته الابتسامة وأقدمت عليه وقالت:

_ مساء الخير قاسم.


_ مساء الخير حياة، كيف حال عمي؟


_ الحمد لله ، الطبيب يفحصه حاليا.. هل نمت؟


أومأ بنفي وقال متنهدا بتعب:

_ لا، بالكاد أنجزت بعض المهام المتراكمة وأتيت إلى هنا .


_ هل تشعر بالتعب؟


تساءلت باهتمام برئ فابتسم قائلا:

_ نعم، ولكن بعد أن رأيتك زال التعب.


توردت وجنتاها بخجل فقالت:

_ عن إذنك..


ضحك قائلا:

_ تفضلي.


عادت إلى مقعدها وهي لازالت تبتسم ببلاهة، بينما عنبر تراقبها بضيق وحقد.


خرج الطبيب من الغرفة مبتسما ونظر إلى قاسم قائلا:

_ الحمد لله حالته الآن أفضل بكثير، سيبقى هنا ليلة إضافية ريثما يستقر معدل ضغط الدم ويمكنه الخروج صباحا إن شاء الله.


تنهد قاسم براحة وقال:

_ الحمدلله.


دخل للاطمئنان على عمه حيث كان يجلس مبتسما فجلس بجواره قائلا:

_ حمدا لله على سلامتك عمي، الطبيب أخبرنا أنه بإمكانك المغادرة صباحا إن شاء الله.


تنهد صالح قائلا:

_ الحمد لله بني، الحمد لله .. الله يعلم أن بناتي بحاجة إليّ .


ربت قاسم على كفه وقال بابتسامة:

_ أطال الله في عمرك يا عمي.


نظر صالح إلى قاسم بتردد وقال:

_ قاسم، بخصوص ما أخبرتك به الأمس، كنتُ.. كنت أخشى الموت حينها و…


قاطعه قاسم قائلا بابتسامة:

_ ليس الآن عمي، أنت مرهق الآن، سنتحدث لاحقا، لدي ما أخبرك به.


//////////////////


في اليوم التالي بعد عودة صالح إلى المنزل..


يجلس صالح بفراشه وعلى كلا جانبيه تجلس كلا من عنبر وحياة اللتان يضمهما بحب، بينما تجلس زوجته على مقعد يجاور الفراش، ويقف قاسم بالقرب منه مبتسما وهو يقول:

_ حمدا لله على سلامتك يا عمي.


نظر إليه عمه مبتسما بتعب وقال:

_ سلّمك الله من كل أذى يا قاسم، ونعم الابن أنت.


نظرت إليه حياة بابتسامة تمتزج بالفخر وقالت:

_ قاسم لم يفارقنا لحظة يا أبي، لقد كان قلقا عليك بشدة.


أومأ صالح مؤيدًا وهو يطالعه بامتنان ويقول:

_ أعلم، لو كان لي ولد من صُلبي لم يكن ليفعل ما فعله قاسم.


دخلت حنان وعزيز بعدها فاتجه نحو عمه مقبلا يده وقال:

_ أنرت بيتك عمي.. زال البأس إن شاء الله.


رحب قاسم بشقيقته فضمها مقبلا رأسها كالعادة وأشار لها فاتجهت نحو عمها وقبلته قائلة:

_ حمدا لله على سلامتك عمي، أنرت بيتك.


ربت على وجنتها بحنو وقال:

_ سلمكِ الله عزيزتي وجبر بخاطرك.


_ صباح الخير!


التفتوا جميعهم لمصدر الصوت بضيق وفجأة هتف صالح بحرارة:

_ أخرجوا هذا الكلب من بيتي! فوراا..


طالعه عبدالله بضيق مزيف وقال:

_ ما بك يا عمي؟ هل هذا جزاء الإحسان؟ لقد أتيت لزيارتك فتقوم بطردي؟!


نهضت عنبر من جوار والدها واتجهت نحوه وهي تقول بغضب:

_ ماذا تفعل هنا يا عديم الإحساس ، كدت أن  تتسبب بموته والآن تأتي لزيارته؟ أخرج من هنا حالا..


أشار عزيز لأخيه للانصراف بينما جذب قاسم اهتمام الجميع عندما قال:

_ من فضلك عمي، دعهُ ينتظر ريثما انتهي مما سأقوله الآن.. لأن لا شك أن ما سأقوله الآن يهمه.


نظر إليه عمه بتعجب ونظر إليه البقية بترقب وأولهم عنبر التي دب الذعر بقلبها وشحب وجهها بخوف ظنا منها أن قاسم سيخبر زوجها عما بدر منها سابقا ونظرت إلى قاسم تتوسله بنظراتها ألا يفعل، ولكنه ابتسم وتجاهل نظراتها، ثم نظر إلى عمه وقال بهدوء:

_ اسمح لي عمي، أنا آسف لأن تلك الظروف غير ملائمة، ولكنني أثق أنك تفهمني.. 


ازداد تعجب صالح وساد التوتر على كافة الوجوه المترقبة فنظر إليهم قاسم بابتسامة وهو يتطلع بملامحهم بتلذذ واحدا تلو الآخر وقال:

_ ما شجعني هو وجود أفراد العائلة بالكامل، وبما أنني فرد من هذه العائلة وما يهمني بالتأكيد يهمهم وددت مشاركتهم أمرا غاية في الأهمية.


أغمضت عنبر عينيها بنفاذ صبر وهي تشعر بأن دبيب قلبها قد بات مسموعا للحضور، وقبضت يدها بخوف شديد عندما قال قاسم:

_ والحقيقة أن هذا الأمر المهم لا يعنيني وحدي، تشاركني فيه واحدة من عائلة الحداد.. واحدة منكم.


احتقن وجه عبدالله بدماء الغضب وكان قاب قوسين أو أدنى من الجنون والانقضاض فوقه وتكييل اللكمات له حتى يسقط مغشيا عليه..


أما قاسم فنظر إلى حياة بابتسامة غامضة وقال:

_ وهي حياة!!


تحولت الأنظار جميعها إلى حياة التي شحب وجهها وأخذت تطالعه باستغراب بينما نظر هو أخيرا إلى عمه مبتسمًا وقال:

_ أنا أطلب منك يد حياة يا عمي!


__________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية

reaction:

تعليقات