رواية منقذى الفصل الحادى والعشرون 21 - بقلم الكاتبة المجهولة
رواية/منقذي
البارت/الواحد والعشرون
بقلمي/الكاتبة المجهولة
هزّته برفق من كتفه.
– "عادل... عادل، فوق كده، إنت سخنان أوي."
لكنه لم يجب، فقط تأوه همسًا، وفتح عينيه نصف فتحة، كأن وعيه مشوش.
– "ماما..."
لين تراجعت خطوة، ثم اقتربت ثانيةً وهي تقول بسرعة:
– "لا... أنا لين... فوق معايا، عادل!"
حاولت أن تسنده لتوقفه، فاستجاب جسده بثقل، فأسندته بيدها إلى السرير، جلس بتكاسل وكأن لا طاقة له.
– "استنى بس، أنا هاجيب الدوا دلوقتي..."
نهضت لين بخطوات سريعة، وبدأت تفتش الأدراج الصغيرة على جانب السرير، فتحت درج الصيدلية، وأخرجت دواء خافض للحرارة وكوبًا من الماء.
اقتربت منه وهو ما زال شاردًا، لم تنظر عيناه نحوها، ولم تكن ملامحه تدل على إدراكه التام.
– "عادل، خد الحباية دي... قوم كده شوية بس، يلا علشان تاخد الدوا."
كان يهمهم بكلمات غير مفهومة، ثم تمتم:
" عبد الرحمن... لا ... بابا"
ارتجف قلبها.
مين عبد الرحمن؟ عادل انت سامعني"
اقتربت منه أكثر، ورفعت رأسه قليلًا، ثم جلست بجانبه، وأمالت جسده ليكون مسنودًا على صدرها، احتضنته برفق، وسندت رأسه بيدها، وهمست:
– "خد الدوا... ها؟ دي ماية... خد، يلا يا عادل."
فتح فمه بصعوبة، ابتلع الحبة، وشرب الماء ببطء، لكنه كان ما يزال يهذي.
– "ليه يا ماما؟ ليه؟! هو صغير... ما عملش حاجة..."
اتسعت عيناها بخوف وقلق.
– "يا رب، إنت بتتكلم عن إيه؟ أنا مش فاهمة، بس إنت بتخوفني كده، عادل!"
ابتعدت عنه قليلًا، ثم أسرعت إلى الحمام الصغير في الغرفة، بللت منشفة بماء فاتر، وعادت، وبدأت تضع الكمادات على جبينه، وقلبها يرتجف.
" متخافش، أنا جنبك، مش هسيبك"
ظلّ يهمهم، لكنها لم تعد تميّز كلماته... كل ما كانت تسمعه هو صوت أنفاسه المتعبة، وكأن الزمن توقف، إلا من صوت قلبها وهو يدعو له أن ينجو من هذا الليل.
لين جلست على طرف السرير، تمسح جبينه برفق، ثم مررت يدها في شعره لتطمئنه، وهمست:
– "أنا هنا... وهفضل هنا لحد ما تفوق متقلقش"
صباح اليوم التالي
تسللت أشعة الصباح إلى داخل الغرفة عبر الستائر نصف المغلقة، فلامست وجه عادل الذي كان يستلقي على الأريكة، وقد بدا عليه الإرهاق والتعب.
فتح عينيه ببطء، يشعر بثقل في رأسه وجسده، حاول أن يتحرك قليلاً، فشعر بشيء ثقيل فوق ذراعه، نظر ببطء ليجد لين تجلس على طرف الأريكة، رأسها مائل، وقد غلبها النوم.
كان التعب بادياً على ملامحها، وبيدها منشفة صغيرة مبللة… لقد غفت بجانبه أثناء قيامها بالكمادات طوال الليل.
حاول تحريك ذراعه بلطف دون أن يوقظها، لكن حركته البسيطة أيقظت لين فوراً، فرفعت رأسها بسرعة وهي تقول بقلق:
– "صحيت؟!"
نظر إليها بصوت مبحوح وابتسامة خفيفة:
– "أه... صباح الخير."
– "صباح النور... انت كويس؟! حاسس بإيه؟"
حاول أن يعتدل في جلسته، لكن جسده خذله، فعاد يستند إلى ظهر الأريكة بتعب:
– "حاسس بتعب... بس أحسن من امبارح."
ابتسمت له بقلق وهي تقول:
– "انت كنت سخن جدًا... وكنت بتخرف، وأنا خفت عليك أوي."
ظل ينظر إليها للحظة، كأنه يحاول تذكّر ما حدث، ثم قال:
– "أنا... مش فاكر حاجة."
أومأت برأسها بحذر، ثم بدت وكأنها على وشك أن تسأله شيئًا، لكنها ترددت، وقالت بصوت خافت:
– "كنت بتنادي على حد... اسمه عبد الرحمن وعلي باباك ... بس مش دلوقتي، بلاش أتكلم في كده وأنت تعبان."
صمت نادما وتمني لو انه لم يقل اكثر من ذلك، ثم سأل
– "الساعة كام؟" سألها فجأة.
نظرت إلى هاتفها:
– "الساعة 8 وربع."
فزّ من مكانه:
– "إزاي! أنا متأخر... عندي شغل النهاردة!"
لكن بمجرد أن حاول الوقوف، شعر بدوخة مفاجئة أجبرته على الجلوس مجددًا.
أسرعت نحوه تمسك بذراعه:
– "بالراحة! مفيش شغل النهاردة... انت لسه سخن، ومش قادر تقف كويس."
– "لين... أنا بخير، بلاش تهولي."
– "أنا مش بهوّل، أنا اللي كنت شايفاك وانت مش واعي، ما كنتش عارفني، كنت بتتكلم لوحدك."
سكت قليلاً، ثم قال بصوت خافت:
– "طب هقوم آخد دش، يمكن أفوق."
– "هسندك لحد الحمام، وخد شاور دافي، وأنا هجهزلك الفطار تحت واطلعلك عشان تاخد العلاج."
أومأ برأسه بصمت، وهو لا يزال يشعر بالضعف، بينما خرجت لين من الغرفة.
نزلت لين بخطوات هادئة إلى المطبخ، ترتدي ملابس بسيطة وشعرها مرفوع بعشوائية، وعلامات الإرهاق بادية على ملامحها. كانت عيناها حمراوين من قلة النوم، وجسدها يتحرك بثقل من السهر.
وما إن وصلت إلى باب المطبخ، حتى فوجئت بـ سلمى، والدة عادل، واقفة عند الطاولة تمسك بكوب شاي.
رفعت سلمى نظرها إليها، وابتسمت في هدوء:
– "صح النوم يا لين... سهيلة طلعت تصحيكم، بس محدش رد، فعرفت إنكم لسه نايمين... هو عادل مش نازل الشغل ولا إيه؟"
ترددت لين لحظة، ثم اقتربت وهي تتنفس ببطء، وقالت بصوت منخفض:
– "هو... هو كان تعبان شوية إمبارح يا طنط."
تغيرت ملامح سلمى فوراً، واقتربت منها بسرعة:
– "تعبان؟! مالُه يا بنتي؟!"
– "كان سخن جامد، ووشه كان محمّر أوي... أنا فضلت جنبه طول الليل، بس الحمد لله حرارته نزلت شوية، وهو أحسن دلوقتي."
وضعت سلمى يدها على قلبها بتوتر:
– "وليه ما قلتيليش؟ أنا أمه يا لين، ما يصحش كده."
– "والله ما كنتش عايزة أقلقك، وهو الحمد لله اتحسن عن امبارح
في تلك اللحظة، دخل عاصم إلى المطبخ على عجل، وهو يضبط ساعته:
– "صباح الخير يا جماعة... لين، هو عادل مش نازل معانا؟ إحنا اتأخرنا أوي."
نظرت إليه لين بتعب وقالت:
– "هو مش هينزل النهارده... عادل كان تعبان إمبارح."
تفاجأ عاصم وارتسمت على وجهه علامات القلق:
– "تعبان؟! إزاي؟! مالُه؟"
سمعتهم داليا وهي تقترب من غرفة الطعام، فاقتربت بسرعة:
– "عادل تعبان؟! إيه اللي حصل؟!"
لم يمهلهم أحد وقتًا أكثر، صعد الثلاثة على الفور إلى الطابق العلوي بخطى سريعة وقلق ظاهر.
في غرفة عادل
كان عادل قد انتهى من الاستحمام، وخرج من الحمام مرتديًا بنطالًا منزليًا وقميصًا قطنيًا، يجفف شعره بمنشفة صغيرة، وقد بدا التعب لا يزال على ملامحه رغم تحسّنه.
جلس على طرف السرير وهو يحاول ارتداء ساعته، حين سمع صوت الباب يُفتح فجأة، فدخلت سلمى بخطوات قلقة:
– "عادل... حبيبي، انت كويس؟"
اقتربت منه، ومدّت يدها تتحسس جبينه لتفحص حرارته، لكن عادل تحرّك بجسده للخلف فجأة وقال بنبرة هادئة لكن حازمة:
– "كفاية لو سمحتي .. أنا كويس."
تجمدت يدها في الهواء، ثم أنزلتها ببطء وملامحها حزينة لكنها صامتة.
دخل عاصم بعد ثوانٍ، ونظر لأخيه بقلق شديد:
– "مالك يا عادل؟ شكلك مش كويس خالص... نروح المستشفى؟"
– "لا يا عاصم، أنا أفضل دلوقتي."
دخلت داليا هي الأخرى، وقفت بجانب لين التي لم تفارق مدخل الغرفة، وقالت بقلق:
– "يا عادل، ما تتعبش نفسك... ريّح النهارده، مش لازم تروح الشغل."
نهض عادل فجأة وهو يحاول الوقوف، لكن جسده خانَه قليلًا، فجلس مجددًا:
– "ما ينفعش... في صفقه النهارده، والورق لازم يخلص."
عاصم قال له بإصرار:
– "أنت عامل لي توكيل يا عادل... أنا هخلص كل حاجة، وإنت تاخد اليوم راحة."
لين أومأت بتأييد:
– "اسمع كلامه بقى، انت دكتور وعارف إن أقل دور سخنية محتاج راحة يومين على الأقل."
نظر إليهم عادل مترددًا، لكنه شعر بأن جسده ليس في حالته الطبيعية، فهز رأسه بالموافقة في هدوء.
بعد دقائق في غرفة عادل
كان عادل قد استلقى على السرير، بينما لين أحضرت مقياس الحرارة وبدأت تفحصه في صمت.
– "حرارتك ٣٧ ونص... مش وحشة، بس لازم تكمل علاجك."
وضعت حبوب العلاج وكوب ماء بجانبه، واقتربت منه لتناوله:
– "خد دول، ونام شوية كمان."
– "مهو أنا نمت كفاية."
– "يبقى استرخي... مش كل حاجة شغل، يا سيادة الدكتور."
ابتسم لها وهو يأخذ العلاج، ثم قال:
– "شكرا يا لين ... تعبك معايا كتير."
نظرت إليه لين بعينها القلقة، وقالت بخفوت:
–علي ايه يعادل دا اقل واجب ثم ابتسمت واكملت وبعدين مفيش شكر بين الازواج مش انت اللي بتقولي كدا .
ظل ينظر إليها لحظة، ثم ابتسم واغمض عينيه
في بيت لين داخل الصالون –
كانت هدي، والدة لين، تجلس بجوار زوجها على الأريكة، بينما تنظر إليه بنظرات مفعمة بالاشتياق:
هدي:
"شريف.. أنا وحشاني لين أوي، مش كنا هنعمل زياره؟ أنا عايزاها تيجي أو إحنا نروح نشوفها."
نظر إليها شريف الصياد نظرة محيرة، يحاول أن يخفي انزعاجه الداخلي. ما زال الورق الذي تبحث عنه لين يشغل باله، وما زال عادل شوكة في حلقه يصعب التخلص منها.
شريف بابتسامة باهتة:
"ماشي يا حبيبتي، إن شاء الله نرتب ونروح لها... بس هم لسه عرسان جداد، سيبيهم يفرحوا بنفسهم شويه."
هدي بتنهيدة:
"بس أنا ما شوفتهاش غير مره واحده من وقت ما رجعت... دي كانت غايبة عني اكتر من خمس شهور ووحشتني"
شريف وهو يقوم متجهًا ناحية الباب:
"طيب ماشي، إن شاء الله قريب... هنتكلم مع معاها ونشوف يوم مناسب."
دخل سليم إلى الغرفة وهو يتحدث في الهاتف، ثم أنهى المكالمة وقال لوالده:
سليم:
"بابا، الناس بتوع شركة الأدوية كلموني، بيقولوا الشُحنة جاهزة، ومستنين استلام."
شريف:
"تمام... أنا هسبقك على الشركة، تعال ورايا."
سليم:
"ماشي."
سليم دخل إلى المطبخ حيث كانت والدته تجلس ترتب بعض الأشياء.
سليم:
"صباح الفل يا ست الكل، عامله إيه النهارده؟"
والدته بابتسامة حنونة:
"الحمد لله يا سليم، بخير."
سليم لاحظ شرودها:
"مالك؟ في حاجة؟"
والدته تنهيدة خفيفة:
"لين... وحشتني أوي. نفسي أروح أشوفها."
سليم وهو يبتسم:
"تؤمري، عيوني لتنين. هنروح لها النهارده بالليل، إن شاء الله."
والدته:
"ربنا يخليك ليا يا سليم."
سليم:
"هروح الشغل، وبالليل نروح سوا."
أمام فيلا شريف الصياد
سليم يخرج من الفيلا، وما إن وصل إلى باب السيارة، حتى قابل مازن اخاه، يقف أمامه ويشرب قهوة.
مازن:
"صباح الفل يا معلم."
سليم (ببرود):
"صباح النور."
مشى دون أن ينظر إليه كثيرًا. مازن وقف ينظر إليه بتعجب.
مازن في نفسه:
"هو في إيه؟ بقاله فتره متغير معانا... معقول يكون عارف حاجة؟... بس سليم انفعالي ولو كان عارف مكنش سكت، الله يسامحك يبابا انا اللي ورطتني في الشغل الاسود دا
في شركة عادل داخل قاعة الاجتماعات
دخل حسام إلى مكتب الشركة، وهناك جلس إلى جانب عاصم وعدد من موظفي الإدارة استعدادًا لبدء الاجتماع بشأن الصفقة الجديدة.
حسام نظر حوله قبل أن يسأل:
حسام:
"هو عادل ما جاش ليه؟"
عاصم:
"لا... عادل تعبان، سخن إمبارح أوي، وكان عايز يجي والله، بس أنا اللي أجبرته يقعد."
حسام بقلق:
"إيه؟! سخن؟! هو كويس دلوقتي؟"
عاصم:
"كويس، بس كان محتاج يريح، وأنا هخلص كل حاجه بالتوكيل."
يبدأ الاجتماع، ويستمر التفاوض حتى تُتم الصفقة بنجاح.
مكتب حسام – بعد الاجتماع
يجلس حسام في مكتبه، يلتقط هاتفه ويتصل بـ عادل.
حسام:
"إيه يا بني عامل إيه دلوقتي؟"
عادل بصوت هادئ
"الحمد لله يا حسام، أحسن... خدت علاج وبقيت كويس."
حسام بنبرة عتاب:
"أنا مش كنت قايلك من أول امبارح إنك تعبان؟ من ساعة ما شوفتك بتكح وانت مش راضي تسمع الكلام... ليه كده؟"
عادل وهو يبتسم خفيف:
"خلاص يا عم، جات سليمة يوم مش هيعمل فرق، وأنا راجع بكرة إن شاء الله."
حسام:
"ماشي يا سيدي... خد بالك من نفسك بقى، إحنا خلصنا الصفقة، والدنيا تمام."
عادل:
"برافو... تمام، شكرًا ليكم."
بعد انتهاء حسام من مكالكة عادل تلقي مكالمة من چنا نظر حسام الي شاشة الهاتف وابتسم
حسام:
"ألو... يا حبيبتي."
چنا
"إزيك يا حبيبي؟ عامل إيه؟"
حسام:
"الحمد لله... كله تمام، وانتي؟"
چنا:
"كويسه، بس كنت عايزة اقولك اني هروح مع ماما المستشفى النهارده... تعبانة شويه."
حسام بانشغال:
"تعبانة؟ مالها؟"
چنا:
"لا مفيش، بس سكرها عالي شوية، فهنروح نطمن عليها."
حسام:
ماشي يا حبيبتي، هاجي أخدك وهنروح سوا."
چنى:
"ماشي، هستناك."
حسام:
"سلام."
• تابع الفصل التالى " رواية منقذى " اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق