رواية وهم على هيئة قدر الفصل العاشر 10 - بقلم ميادة ذكى
وهم علي هيئة قدر ✨(10)
"اللي بيقرب من النار، لازم يكون مستعد يتحرق...."
في بيت على أطراف المدينة، ست كبيرة قعدة على الأرض، بتبخّر ف طبق نحاس مليان دخان تقيل، وقالت من غير ما تبص:
الست: "البنت شافتك؟"
جميلة ردت وهي واقفة جنبها بقلق:
: "أيوة... وبقيت تسأل كتير. وقفتني وأنا... قولتلها جملة عن أمها."
أمها بصت لها بسرعة بعين كلها غضب: قولتلك متتكلميش عن أمها! البنت ديه مش زي باقي البنات.
بصت بهدوء على السقف وقالت: النجم بيقولي كده...
جميلة، بصوت متردد:
: "فعلاً... بس شبها أوي. فاكرة؟ نفس العين ونفس الطريقة، حتى سبحان الله نفس الكسرة اللي كانت في أمها، دلوقت بنتها فيها. بس فرق الأسباب."
ام جميلة قامت فجأة، وقطعت شُوردها، ومسكت إيد جميلة بقوة وقالت:
: خلي بالك... لو فضلت وراكي، السحر هيرتد! والبنت ديه لو عرفت الحقيقة، مش هتسيبنا. لازم نلعب عليها، لحد ما تيجي في صفنا قبل ما توقعنا.
جميلة سكتت بخوف:
: ونعمل إيه؟ نخلص منها؟
هزت ام جميلة راسها بقلق:
لو خلصنا منها قبل ما نعمل المطلوب، احنا كمان هيخلصوا علينا.
ابتسمت جميلة ابتسامة مرعبة، وقالت:
: "سيبيها عليا..."
داخل شركة عمرو – مكتب العُملة
رنا، وهي بتقلب ورق في إيدها:
رنا: "يالهوي على عمّك! يعني حتى الشركة طلع ناصب عليكم فيها؟!"
ميرنا، وهي بتحط إيدها على راسها من الصداع:
: "آه والله... وفي الآخر عايزني أتنازل عنها كده بالساهل!"
رنا باستغراب وخوف:
: "وانتي قررتي تعملي إيه؟"
ميرنا بتوهان:
ميرنا: "مش عارفة... هو قاللي هديكي مُهلة تفكري، حتى مش فاكرة قال قديه."
رنا بخوف:
: "وافقي يا ميرنا، انتم مش قدّه... وفوّضي أمرك لله."
ميرنا بحدة:
: "هو كله على الله... بس مش هينفع أستسلم المرادي."
سكتت لحظة، وبعدين قالت بهدوء :
: "ولسه كمان أما أشوف الحوار اللي دخلت فيه ده..."
رنا بفضول:
: حوار إيه؟
ميرنا بنبرة مترددة:
: "واحدة يا ستي قابلتني، وقعدت تهبل بالكلام وتقول إني شايلة سر... وروح... ومعرفش إيه."
رنا باستغراب:
: "سر وروح؟!"
قبل ما تكمل، دخل عمرو المكتب، وسمع الكلمة...
عمرو، بصوت عالي ومخضوض:
: "روح؟! إيه الروح اللي بتتكلموا عنها؟!"
ميرنا قلقت من نبرته، وردت:
: "خير يا مستر عمرو؟"
عمرو قرب منها، وقال بعصبية:
: ردّي عليا!
ميرنا، باستغراب ونبرة فيها غيظ:
: فيلم، بنتكلم عن فيلم! ومينفعش حضرتك تتكلم معانا بالطريقة دي!
عمرو بجمود:
: ينفع لما ألاقي اتنين موظفين سايبين شغلهم وبيتكلموا عن أفلام!
رنا حاولت تهدي الموقف:
: "آسفين يا فندم... مش هتتكرر تاني."
شدّت ميرنا من قدامه وقعدوا. عمرو فضل يبص حوالين المكتب بنظرات متوترة.
ميرنا بصّت في الأرض تحاول تهرب من نظراته، قلبها تقيل، وغصة غريبة شدّتها... مش بس من طريقته، لكن من كلمته...
"روح."
ليه الكلمة دي خضّته بالشكل ده؟
داخل بيت ميرنا
أم ميرنا كانت بتروق البيت وهي مرهقة:
الأم لنفسها: "معلش... تعالي على نفسك وخشي أوضتهم، بالمرة نضّفيها."
دخلت الأوضة، بدأت تطبّق الهدوم، لكن شد انتباهها صورة قديمة... صورة لأم جميلة.
مسكتها بخضة، وعينيها اتمَلَت دموع وهي بتفتكر ف الماضي...
قبل ٢١ سنة – فلاش باك:
أم ميرنا: أنا مش عايزة حاجة غير إني أكون معاه. إنتي قولتيلي هتخليه ليّ.
أم جميلة: وفاكرة إن مفيش تمن؟
أم ميرنا: هدفع اللي تطلبيه...
أم جميلة: بس التمن مش فلوس...
ام ميرنا باستغراب : امال ايه
ام جميلة بنبره مُرعبه :" روح."
رجعت أم ميرنا للواقع، ووشها شاحب، بتتمتم في سرها:
"روح..."
قعدت تدور بين الهدوم، لقت كتب قديمة ومذاكرتها...
اتجمدت ملامحها، وقالت:
"يا لهوي... هما وصلوا هنا إزاي؟!"
جريت على أوضتها وهي بترن على موبايل ميرنا... لكن الخط مغلق.
الأم (بهمس قلق): "يارب ما تكون اكتشفت حاجة... مش لازم تعرف دلوقتي... مش لازم!"
في نفس اللحظة – داخل الشركة
ميرنا كانت قاعدة على مكتبها بتحاول تركز، بس عقلها سرحان في الكلمة اللي قالتها الست: "سر... روح..."
ليه عمرو تحديدًا اتوتر لما سمعها؟ وليه الست قالت إنها شايلة حاجة جواها؟
مدّت إيدها للشاي بس إيديها كانت بتترعش خفيف... حطته على المكتب تاني ومسكت نوتة صغيرة، كتبت فيها:
"لو في حاجة جوايا... يبقى أنا مين؟"
قطعت شرودها صوت إشعار على التليفون.
رسالة من رقم مجهول: “كل ما تفتحي أكتر، كل ما هتقربي للنهاية... وانتِ قربتي.”
ميرنا اتجمدت. الرسالة من رقم بدون اسم، ومفيش حتى صورة.
بدأت تنهج بخفة وهي بتبص حواليها.
ميرنا (في سرّها): "مين؟ مين بيبعتلي؟"
قبل ما تلحق ترد أو تفكر، لمحت من باب المكتب حد بيبص عليها... بنت، شعرها طويل ونازل على جنب، عينها سودة، بس اللي غريب إنها مش بتتحرك... واقفة بس.
قامت بسرعة وبصت تاني... مفيش حد.
رجعت مكانها وهي بتحاول تهدي نفسها:
"كفاية هلاوس بقى..."
مسكت دماغها بأيديها وفجأة سمعت صوت جرز ( بيعلن انه وقت الشغل خلص)
سابت ميرنا كل حاجة مفتوحه ولبست شنطتها ومشيت من غير ما تتكلم مع حد
---
في مكان مظلم – قبو قديم جوه بيت جميلة
جميلة كانت قاعدة لوحدها قدام مراية كبيرة، في وشّها انعكاس غريب مش شبهها.
جميلة: "هي بدأت تشوف..."
الصوت من المراية ردّ عليها بصوت راجل مبحوح:
: "البنت لازم تكمّل الطريق... وإلا الكل هيدفع التمن."
جميلة غمضت عينيها، وفتحت كفّها... فيه خيط سِحر مربوط عليه نقطة دم ناشفة.
جميلة: "لسه بدري على النهاية... بس النار اتولعت خلاص."
---
(بيت ميرنا)
ميرنا رجعت البيت، وهي داخلة لقت أمها قاعدة قدام التليفزيون بس نايمة.
عدّت جنبها بهدوء ودخلت أوضتها، أول ما فتحت الباب... شمّت ريحة بخور مش مفهومة، مش شبه أي حاجة متعودة عليها.
ميرنا (بهمس): "ماما كانت بتبخر؟!"
دخلت، ولما فتحت النور... النور قفلت بسرعة لوحده.
قلبها وقع، حاولت تنوّر تاني... النور اشتغل، بس خافت تبص وراها.
مدّت إيدها تسحب ملاية السرير، لقت تحتيها ورقة صغيرة مكتوب فيها بخط قديم:
"مش كل الأرواح بترتاح... وبعضها، بيتخبّى فيكِ."
ميرنا كانت ماسكة الورقة بإيدها، عنيها بتتحرك بسرعة على الكلمات، وقلبها بيدق كأنه بيعدّ الوقت.
ميرنا (بهمس): "مش كل الأرواح بترتاح... وبعضها، بيتخبى فيكِ؟!"
حست بجسمها بيتقل، وكأن في هوى سخن معدّي من وراها، سابت الورقة وخرجت بسرعة من أوضتها.
---
في الصالة – الأم لسه نايمة
ميرنا: "ماما! ماما اصحي، قومي معايا لو سمحتي."
الأم صحيت وهي بتحاول تفتح عنيها بالعافية:
"في إيه يا ميرنا؟ مالك؟ شكلك مصفر كده ليه؟"
ميرنا بقلق وهيا بتهته ف الكلام من الخضه: "لقيت حاجة في أوضتي... ورقة... مش أنا اللي كاتبها، مكتوب فيها كلام غريب... عن الأرواح!"
الأم قلبها وقع، بس حاولت تبان ثابتة، قامت بسرعة ومسكت إيد ميرنا، وقعدتها جنبها.
الأم:
"بصيلي... إنتِ سمعاني؟
الورق ده مالهوش لازمة، حاجات قديمة، متشغليش بالك بيها.
وأي ريحة، أي صوت، أي صورة شوفتِها... مجرد توتر، فهماني؟"
ميرنا بصوت مهزوز:
"بس ماما... دي مش أول مرة!
أنا بقيت أحس إني متراقبة، وكل ما أقرب من الحقيقة... حاجة بتشدني لورا، وحاجة تانية بتدفعني لقدّام!"
الأم قاطعتها بسرعة، بصوت فيه رجاء وخوف:
"ميرنا، اسمعي كلامي... إنتِ لسه صغيرة على الكلام ده، وورا الكلام ده بلاوي.
كل حاجة هتفهميها بس مش دلوقتي.
ابعدي عن اللي بيحاول يوصلك للحقيقة... علشان مش هتقدري عليها."
ميرنا بصوت عالي ومليان إصرار:
"بس أنا حاسّة إن حياتي كلها مبنية على كدبة كبيرة، ومش هسكت!"
الأم بصّت لها، وسكتت شوية، وبعدين قالت بصوت واطي قوي، كأنها بتحكي لنفسها:
"في حاجات لما بنعرفها، ما بنعرفش نرجع نبقى زي زمان...
وأنا مش عايزاكي توصلي للحته دي."
ميرنا قامت من جنبها، وبصتلها وهي مش عارفة إذا كانت أمها بتحميها... ولا بتخبي عنها.
ميرنا:
"أنا مش هبعد، ماما... حتى لو كله ضدي، أنا لازم أعرف أنا مين... وليه كل ده بيحصل."
الأم سكتت، بصّت في الأرض، ودموعها نزلت بهدوء.
"في حاجات لازم تفضل مدفونة، وفي ناس لازم تبقى بعيد عنهم."
ميرنا بدأت تحس إن فيه حاجة غريبة، مش قادرة تستوعب الكلام ده،قلبها بدأ ينبض أسرع، وده كان أول دليل إنها ممكن تكون على حافة اكتشاف حاجة كبيرة.
ميرنا، بتسأل بلهفة:
"طب إيه الحكاية بالضبط؟"
أم ميرنا، بتكلم بصوت منخفض جدًا:
"خليكي بعيدة عن كل ده. مفيش حاجة بتستاهل إنك تدخلي فيها... خليكي بعيد عن الأسئلة، قبل ما تفتحي باب مفيش ليه مفاتيح."
ميرنا، كأنها بدأت تحس بحاجة غريبة:
"وأنتِ ليه مش قادرة تردي؟ مش معقول كده، في حاجة مش مظبوطة."
أم ميرنا، بفزع واضح في عيونها، ابتسمت ابتسامة مش مطمئنة وقالت:
"مفيش حاجة، بس خليكي بعيدة، ميرنا... خلّيكي بعيدة قبل ما تفتحين على نفسك أبواب مفيش ليها رجوع."
ميرنا، بتخاف:
"يعني مفيش مفر؟"
أم ميرنا، بتبص عليها بعينين مليانين خوف وحزن:
"لا مفيش، وبعدك عن ده هو أحسن حل... لو كنتِ فاهمة."
في شركة عمرو – جوه مكتبه بعد ما الموظفين مشيوا
عمرو كان قاعد على مكتبه، موبايله في إيده، بس ملامحه مش طبيعية. عينيه شبه فاضية، كأنها بتدور على حاجة مش قدامه.
قفل الموبايل، وقام يتمشى في المكتب، وقف قدام المراية اللي على الحيطة.
بصّ في المراية… بس مشافش نفسه.
شاف وميض… زي حد بيصرخ، ومكان مظلم ووش مش واضح… بس عينيه شبه عينيه!
اتراجع خطوتين الورى، ومسح وشه، وبص تاني… رجعت صورته طبيعية، لكن وشه كان شاحب، وعرق بارد نازل من جبينه.
قال بهمس:
"أنا مش مجنون... أنا شوفت اللي شوفتُه... دي مش أوهام."
مسك المفاتيح بسرعة، وخرج من الشركه كأنه بيهرب من المكان كله، نازل على البحر من غير هدف واضح.
---
داخل العربية – وقت المغرب
الجو هادي، لكنه مرعب بنوعه. الشمس بتغيب، والشارع فاضي، بس عينه كل شوية تروح للمراية الجانبية.
الراديو كان شغال على محطة مش معروفة، فجأة الصوت اتغير، وطلع صوت راجل عجوز بيقول بجملة مش مفهومة: "اللي بيشوف الحقيقة مبيعرفش يرجع... البحر شاهد على اللي كان ولسه هيكون."
عمرو ضرب فرامل بعنف، وقلبه دق بسرعة. بص حواليه، لكن الطريق فاضي. المراية كانت بتعكس خيال حد قاعد وراه، لكنه لما لف وشه... مفيش حد.
كمل طريقة وقرر انه ميركزش ف اي حاجة تاني
---
على شاطئ البحر – بين النهار والليل
وصل عمرو، الجو كان غريب. الشمس لسه منها شُعاع، لكن السما بدأت تغمق. البحر هادي، بس الموجة بتخبط بخفة زي همس خفي.
عمرو كان واقف لوحده، سايب عربيته على الجنب، حافي، ورمله دخلت بين صوابعه. بص للبحر كأنه مستني يجاوبه على سؤال مش عارفه.
كان لسه بيفكر في اللي شافه ف المراية، قلبه بيدق بسرعة، وبيحاول يهدي نفسه.
فجأة، حس بخطوات ناعمة ورا ضهره، لف بسرعة. شاف بنت واقفة على بعد خطوات، لابسة فستان بسيط، وشعرها بيتحرك مع الهوا، وعينيها ثابتة عليه.
البنت، بنبرة هادية وغريبة وهيا بتقرب عليه:
"البحر دايمًا بيلم الناس اللي ضايعين..."
عمرو، بتوتر وهو بيبص ناحيتها بسرعة وبعدين رجّع عينه للبحر:
"أنسة... لو سمحتي، المكان فاضي كبير... اختاري أي ناحية."
البنت، وهي بتقرب بخطوات تانية بسيطة:
"بس أنا كنت مستنياك هنا..."
عمرو، اتجمد في مكانه، وبص لها بحدة، وعينيه شاكّة:
"إنتي مين؟"
البنت، بابتسامة باهتة:
"مش مهم دلوقتي... الأهم إنك وصلت."
عمرو، وهو بياخد خطوة ورا، ونبرة صوته فيها قلق واضح:
"أنا معرفكيش... ومبحبش حد يقولي جُمل غريبة بالشكل ده."
البنت، وهي بتبص له بهدوء مرعب:
"الغريب إنك مش فاكر... مع إن وشّي مفروض يفضل محفور في ذاكرتك."
عمرو، ببطء وهو بيبص لملامحها… ساب عينه تمشي على تفاصيل وشها، وكل ما ركّز أكتر، قلبه خبط بقوة.
"فيه... حاجة فيكي. شبه أمي..."
البنت، وهي بتلف وشّها ناحية البحر:
"يمكن علشان الوجع اللي فيها… جزء منه لسه فيك."
عمرو، بص لها لحظة كأن نفسه اتقطع، وبعدين قال بصوت واطي:
"أنا مش عايز أعرف أي حاجة..."
البنت، بصت له بهدوء وقالت:
"بس الحقيقة... دايمًا بتختار إنها تلاقيك، حتى لو هربت منها."
عمرو، حس برعشة في جسمه، قرب خطوة منها وسأل وهو صوته فيه توتر واضح:
"إنتِ مين؟"
البنت، ضحكت بخفة ومسحت على دراعها كأنها بتكسف:
"ياااه اتخضيت كده ليه؟ كنت بهزر… أنا أصلاً مش بعرف أفتح كلام غير بكلام بايظ كده."
عمرو، لسه ملامحه مش مرتاحة، لكن نبرته هديت سنة:
"أسلوبك غريب."
البنت، وهي بتبص للبحر وبصوت أهدى:
"أنا بس كنت مضايقة… حبيت أخرج أغير جو، شوفتك لوحدك قولت أقعد شوية... معرفكش يعني ."
عمرو، بتنهيدة خفيفة وهو بيرجع يبص قدامه:
"أنا كمان كنت محتاج أهرب شوية."
البنت، بابتسامة بسيطة:
"يبقى احنا متشابهين في الهروب."
عمرو بهدوء :
" اسمك إيه"
البنت بخبث :
"جميلة ، اسمي جميلة "
يتبع ....
مَيـــــــادَة زكــــــي
يترى ايه اللي هيحصل ؟
وجميلة قابلت عمرو ليه ؟
•تابع الفصل التالى "رواية وهم على هيئة قدر" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق