Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية راما الفصل الحادي والثلاثون 31 - بقلم اسماعيل موسى

 رواية راما الفصل الحادي والثلاثون 31 - بقلم اسماعيل موسى 

٣١

فتحت جين عينيها ببطء، تشعر بأنفاسها ثقيلة وكأن صدرها يرفض أن يتمدد بما يكفي.
الأضواء البيضاء الساطعة فوقها بدت ضبابية، تتراقص كأنها نجوم بعيدة، وأصوات الأجهزة الطبية تملأ الغرفة بإيقاع رتيب.

كانت في المستشفى.

حاولت تحريك يدها، فشعرت بوخز الإبرة المغروسة في وريدها، وبأنابيب المصل الممتدة من ذراعها. عندما حاولت التذكر كيف وصلت إلى هنا، لم تجد سوى ذكريات متشابكة… الألم، سقوطها على أرضية شقتها، رقم هاتف الطبيب الذى ظهر أمامها، الفراغ الذي ابتلعها، الظلام الذي جرها بعيدًا عن الواقع.

شعرت بشيء رطب على خدها، لم تكن دموعها، بل قطعة قطن مبللة وضعتها ممرضة تبتسم لها برفق.

— "أنتِ مستيقظة، هذا جيد."

جين لم ترد، كانت الكلمات ثقيلة على لسانها، كأنها لم تعد تجيد التحدث. نظرت حولها، الغرفة كانت شبه فارغة، لا زوار، لا أحد بجانبها.

كما توقعت، كانت دومًا وحدها.

مرّت الأيام ببطء، أو ربما لم تكن أيامًا بل مجرد ليالٍ طويلة متشابهة، تذوب في بعضها دون أن تترك فرقًا يُذكر.
كل ما تتذكره هو خطوات الأطباء وهم يدخلون غرفتها، نبرة أصواتهم الرتيبة وهي تشرح حالتها، وملفات الفحوصات التي يتبادلونها فيما بينهم.

قالوا إن هناك مضاعفات بعد الجراحة، شيء غير متوقع. جسدها لم يتعافَ كما ينبغي، وهناك علامات نزيف داخلي بسيط لم ينتبهوا له من قبل.

— "نحتاج إلى مراقبتك عن قرب، جين."

لم تهتم. لم يعد هناك شيء يستحق الاهتمام.

لكنهم فعلوا. أخضعوها لسلسلة من الفحوصات، صور الأشعة، التحاليل التي تتكرر يومًا بعد يوم، الإبر التي اخترقت جلدها مرات لا تحصى.

— "هناك أمر آخر…"

قال الطبيب ذات ليلة، وهو يقلب نتائج تحليلها الأخير
. نظرت إليه بعينين خاليتين من الترقب.

_لم تكن بحاجة لسماع المزيد، كانت تعرف أن جسدها خائن مثل كل شيء آخر في حياتها._

لكنه تردد، ثم أضاف بصوت منخفض:

— "جين، لقد أعدنا فحص كل شيء، والنتائج… تشير إلى احتمال ضئيل للحمل في المستقبل، لكنه ليس مستحيلًا كما كنتِ تعتقدين."

لم تنطق بكلمة. لم يظهر على ملامحها أي تعبير.

هل كانت هذه مزحة قاسية من القدر؟ أن تخبرها الحياة أخيرًا بأنها قد تحصل على ما أرادته ذات يوم…
 ولكن في الوقت الخطأ، بعد أن فقدت الشخص الوحيد الذي رغبت في مشاركة هذا الأمر معه؟

لم تقل شيئًا. أومأت برأسها فقط، وعندما خرج الطبيب، عادت إلى صمتها العميق.

الليل في المستشفى لا يشبه الليل في أي مكان آخر.
لا نجوم تُرى من النوافذ، لا أصوات مألوفة في الخارج، فقط أنين المرضى في الغرف المجاورة، وقع أقدام الممرضات، وصفير الأجهزة الطبية التي لا تتوقف عن العمل.

في تلك الساعات، كانت تستلقي على سريرها، تنظر إلى السقف، تتساءل: لو أن الأمور سارت بشكل مختلف، لو أن آدم لم يبتعد، لو أنها لم تكن مجرد ظل في حياته… هل كان سيجلس هنا بجانبها الآن؟ هل كان سيمسك يدها، يواسيها، يخبرها أن كل شيء سيكون بخير؟

لكن الإجابة كانت واضحة.

لم يسأل عنها. لم يبحث عنها. لم يهتم حتى عندما اختفت.

في إحدى الليالي، استيقظت على صوت المطر بالخارج. نهضت ببطء، اقتربت من النافذة، ولم ترَ سوى شوارع فارغة، أضواء خافتة تنعكس على الإسفلت المبلل.

في تلك اللحظة، شعرت بأنها لم تعد تنتمي إلى أي مكان. لا إلى المستشفى، لا إلى حياتها القديمة، ولا حتى إلى نفسها.

ضغطت يدها على بطنها، حيث كان الجرح نابضًا بألم خافت، وخرجت منها شهقة لم تستطع كتمها.

كان ذلك الليل طويل جدا جدا 

كانت السماء رمادية حين غادرت جين المستشفى.
 لا مطر، لا شمس، فقط هواء بارد ينساب بين المباني وكأنه يواسيها بصمته.
 لم يكن هناك أحد بانتظارها، لا يد تمتد لتساعدها، لا صوت مألوف يرحب بها خارج أبواب ذلك المكان الذي احتجزها لأسابيع.

استندت للحظة إلى الباب الزجاجي قبل أن تبدأ بالسير ببطء. جسدها كان ضعيفًا، لكنه لم يكن أضعف من روحها.

عندما دخلت شقتها، وجدت كل شيء كما تركته: الأضواء مطفأة، الهواء ساكن، الصمت يملأ الزوايا.
أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تحاول أن تعتاد من جديد على هذا الفراغ.

ثم اتجهت مباشرة إلى الطاولة، سحبت هاتفها، وكتبت رسالة قصيرة.

"آدم، أريد مقابلتك."

لم تنتظر طويلًا. ردّ بعد دقائق.

"أين؟"

 •تابع الفصل التالي "رواية راما" اضغط على اسم الرواية 

reaction:

تعليقات