Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية المرآة وابنة الشماس الفصل الثالث 3 - أحلام حسين

 رواية المرآة وابنة الشماس   البارت الثالث   بقلم أحلام حسين غنيمات



 رواية المرآة وابنة الشماس  الفصل الثالث 

وهناك بمكان الاحتفال، كان الجميع ينتظر حسن، ولم يعلم أحدٌ بعد بأنه اختار الذهاب بلا عودة، ظانًا بأنه سيعود خلال لحظات، ليتزايد القلق مع تأخره، وساعات الانتظار التي طالت، مع استمرار محمود بالاتصال على هاتف حسن؛ الذي لا إجابة تُذكر منه، ليبدأ عم ريماس بالحديث مع والد حسن، عندما بدأ الناس بالملاحظة، وفقدانهم لتواجد العريس، ليخبره محمود بأنه يقوم بمهاتفته ولا إجابة ويبدو بأن هناك حدثًا هامًا تعرض له، كلمات لم تُعجب عم العروس، خصوصًا حين بدأ الناس بالكلام غير المرغوب فيه، ونسب الخطأ لريماس، وأن هناك عيبًا فيها لولاه لما كان العريس هاربًا الآن، كلمات وكلمات بدأت بالتزايد، وهل يُتقن الناس أكثر من التلاسن؟ ونسّب ما ليس فينا حين وقوع الواقعة، كالشاة حين سقوطها يكثُر ذباحيها، لتعلو الأصوات أكثر وتصل إلى مسامع ريماس، وتقع على قلبها كخنجر مسموم، لقد قيل فيها ما ليس فيها، وبسبب من؟ من كانت تستعد لِتَهِبَهُ روحها وحياتها، من كانت أمانة بين يديّ والده ثم يديه، لترتسم ملامح الألم على صفيحة وجهها، وتشعر بالتوهان، ليختفي الجميع من حولها، وتصبح وحيدة في عالم من صنع خيالها، حتى لو كان للحظات، ليركض لها معتز سريعًا عند مشاهدته للتوهان البادي على ملامحها بقوة، ويحاول افاقتها مما هي فيه، ليصرخ عاليًا، لتستجيب له بثواني، وتنظر له باستجداء، لينظر لوالده ويقول:

_ لا تدع المأذون يغادر، وهيا لِنُتِم اجراءات الزفاف، فالناس بانتظار العريس وهو موجود منذ زمن بعيد.

وينظر لريماس بأعين راجية علَّها تُجاريه فيما يريد، فهو عاشق والعشق أضناه، فلم تكن من عَشِقها تراه سوى أخًا، وهل لنا على القلوب سلطان؟ لا وربي فلا سلطان للقلوب، لكنه لن يسمح بسقوطها في هوة لا قرار فيها، مهما واجه من صعاب؛ حتى لو رفضته لألف عام سيبقى السند والحامي والدرع المكين، لتتساقط دموعها تباعًا على وجهها مع إغماض عينيها.

بعد وقت قليل تمت الإجراءات وأصبحت ريماس زوجة لمعتز شرعًا وقانونًا، بحضور محمود وأنوار اللذان شهدا زواج من كانت ستصبح زوجة ولدهما، ولكن تأخير حسن غير المعلوم سببه أدى لمحاولة الجميع انقاذ سُمعة فتاة لا ذنب لها بتخلي خاطبها عنها، ولا يعلم أحدهم بأن حسن لم يتخلى، بل اعتقد بأنه عائد بعد لحظات مما هو مقدم عليه، لكن للقدر رأيٌ آخر.

عادت ريماس ومعتز لمنزل عمها، لكن كزوجة لابنه، ليمسك معتز بيدها جاذبًا لها متوجهًا إلى غرفته، وحين دخلا للغرفة أجلسها على السرير، ورفع وجهها له مخاطبًا:

_ أعلم بأن الأمر صعب، ولكن لم يكن أمامي سوى هذا الخيار لحمايتك مما كان ليحدث، العالم قاسي، والناس لن تدعك بسلام، أعلم بأنك مبرئةٌ من أي عيب، وأعلم بأنك الأنقى والأروع، لا تحزني فأنا لم أُجبر على ما فعلت، بل هو ما تمنيت، ولعلَّ الله فعله استجابة لدعائي المتواصل بأن يرزقني إياكِ، فأنت حُلم الطفولة، وحب الشباب، ومُنية القلب.

لتنظر ريماس له بتفاجئ مع تساقط دموعها بغزارة، ويتابع معتز قائلًا:

_ لا تتفاجئي، فكل ما قيل حقيقة لا أقوى على الهروب منها بعد الآن، ما كان يجعلني صامتًا أنني لم أرى بعيناكِ لي سوى الأخوة، أما الآن فمعك كل الوقت حتى تعتادي الأمر وحقيقة ما نحن فيه، لن أجبرك عل تقبلي فورًا كزوج، ولن أقبل بالتخلي عنك بعد أن استجاب الله لدعائي، ولن أقبل بك إلا مُحِبَةً راغبة كما أنا، فمعك كل وقتي وكل ما أردت.

لِتُخفضَ ريماس رأسها من هول ما سمعت من اعتراف خصها معتز به، ولم يكتفي، بل هو موجه لها هي، هي وحدها من يقول لها هذا الكلام، الذي لم تستمع له حتى من حسن، من كان سيصبح زوجها، هل لعيب فيها؟ أم لأنه لم يراها كما تخلى عنها, تساءلات تتخبط بها دواخل ريماس، ليخرجها مما هي فيه قول معتز الموجه لها بأن تُبدل ثيابها وتخلد للنوم وهو لن يزعجها ولن تشعر بوجوده، لتستجيب لقوله وتنفذ ما قال، مُخَلِفة خلفها قلب عاشق فريد، ينبض بتسارع رهيب، سعادة لما نال من ربٍ راضٍ عنه وأرضاه.

في نفس الوقت وبمنزل محمود نراه يدخل للمنزل مرافقًا لأنوار، باحثين منادين لحسن، لكن ما من إجابة ولا وجود له، حتى بعد بحثهم في غرفته وعدم تواجده فيها، مُخَلِفًا هاتفه فيها، لتجلس أنوار على فراشه باكية وَيَربِتَ محمود على كتفها مهدئًا، مع قوله بأنه سيبحث عنه، وسيرى أين هو، لكنه سيعاني مما سيلاقيه منه، لما فعله بالفتاة المسكينة، لتعترض أنوار قائلة له بأن ولدها مراعٍ لمشاعر الجميع، ولا يمكن له أن يفعل خلاف ذلك إلا إن حدث لهُ أمرٌ جلل، ليجذبها محمود إليه محتضنًا حتى تهدأ قليلًا، ويقول لها هيا نخرج من هنا لنرتاح قليلًا وأواصل البحث عنه فيما بعد، لتنهض أنوار متوجهة لخارج الغرفة وتغلق في طريقها باب الخزانة، لِيُغلق الباب مرة أخرى على عابر آخر، مُحتَجِزًا له في عالم غير عالمه، وَبُعدٍ آخر، متمنيًا العودة، فهل من عودة؟

نطقت شموس الكلمات السرية، ليستطيع حسن العبور من الباب رغم فتحه بين العالمين؛ لكن من غير الكلمات لن يتمكن، وبمجرد وضع حسن أولى أقدامه على أرض عالم الشماس، انطلقت الصافرات معلنة عن تمكن أحدهم من تجاوز حدود الأرض، وانتشار افراد جيش الشماس للقبض على العابر، حتى يُعرض على المجلس وَيُبتَ في أمره، اهتزت شموس، فما كانت راغبة بمعاناة شخص آخر كما عانت، لكن الأمر كان خارج نطاق سيطرتها، كانت رافضة من الداخل، لكن أفعالها عاكست إرادتها، كأن المتحكم فيها شخص آخر أو لِنَقُل قوى أُخرى،
وأثناء تمكن أفراد الجيش من القبض على العابر المجهول بالنسبة لهم، واتباع شموس لهم تنفيذًا لأوامر والدها، لم ينتبه أحدهم للخِتم الذي ظهر على عُنق حسن وشموس بنفس اللحظة والوقت، لِيَدُلَ على أنهم رُبِطوا مُنذ هذه اللحظة، وأصبح كُلَ واحد منهم القرين الرفيق للآخر، في نفس الوقت، اختلفت نظرات حسن للجميع مذهولًا مما يرى، فما أمامه من أشخاص لايسيرون على الأرض كما يسير هو، بل هم طائرون بالهواء، من يشاهدهم من بعيد يرى بأنهم سائرون كأي مخلوق، لكن من يُجاورهم مثله يرى الحقيقة بأم عينه، ينظر هنا وهناك ليشاهد اختلافًا عن الأرض،فعالم الأرض أشجاره خضراء وهنا بنفسجية ووردية، الشمس هناك صفراء مشعة، وهنا خضراء كلون العشب في أحد أيام الربيع، والسماء بلون البرتقال، والطيور بأشكال مختلفة عما هو معتاد بعالمه، والأزهار كلها بيضاء نقية، لا وجود لأزهار بلونٍ آخر، حقًا إنه لعالم مختلف عن عالمه، سار حسن على قدميه مجاورًا لهم، يتبعهم أينما اتجهوا، وسارت شموس تائهة، لا تعلم ما حلَّ بها ولما أفعالها ناقضت رغباتها، ولم يخطر ببالها أن حسن هو القرين الرفيق لها، لذا كان على جسدها أن يرفض رغبات عقلها ووجدانها، فهو الأمل وبه الحياة تكتمل، والروح أصبحت مرهونة بوجوده ها هنا بعالم الشماس، فإن هو غادرها غادرت الروح خلفه، أو بقيت جسدًا بلا روح ككل من غادره قرينه الرفيق، كصديقة طفولتها ورفيقة دربها أشماس، من أدخلتها هنا ورافقتها حتى فارقتها مغادرة بعد أن فارقت روحها الجسد كمدًا على قرينها الرفيق، كعاشق ومعشوق عصافير الحب ان مات أحدهم لحق به الآخر، كأنه يقول له لا أقوى من غيرك.

عُقِدَ المجلس، ووصل الجميع، وطُلِبت شموس للمثول أمامهم في البداية، ليسألها والدها كيف عبر الغريب، لتجيبه صادقة بأن الأمر كان خارج إرادتها، وكأن جسدها يفعل عكس ما يؤمر، ولا سلطان لها عليه، يُباغِتَها بضد الأمر، ولسانها نطق الكلمات السرية معاكسًا لرغبة قلبها، ليتفهم الشماس الأمر كأنه أدرك ما لم تستطع هي إدراكه، وينظر للبعيد سارحًا بأمر والشكوك بدأت تساوره ولو تأكدت شكوكه إما تسعد أنيسة القلب والروح أو تُفقد كسابقتها، لِيُنادي للحاجب آمرًا بأن يَعرِضَ عليهم العابر الغريب.

وفي مكان انتظار حسن، كان واقفًا ينتظر انتهاء الأمر فقد بدأ الوقت يمر سريعًا وكأن ذاكرته عادت له وتذكر ما خَلَفَ وراءه، موبخًا نفسه، كيف سمح لنفسه بالتهور، حتى لو كان للمرة الوحيدة في حياته، لكن ما تركه كان عَظيمًا ويتمثل بسعادة والديه وتنفيذه للعهد الذي رُبِطَ به، ليقطع تفكيره استدعاء الحاجب له، ليضعه بين يدَّي سيده المتمثل بالشماس ومجلسه، المكون من وزراءه وأعوانه، لِيَمتَثِل حسن للأمر، وهل بيده شيء سوى الاستجابة لهم ولأوامرهم.

مَثَلَ حسن أمام المجلس، وبدء بالنظر لهم مستعجبًا من هيئتهم، فقد توقع بأنه سَيمثُل أمام أشخاص مسنين، لكن ما يراه الآن خالف توقعاته، فمن أمامه ما زالوا في ريعان شبابهم، لم يبلغ عمر الواحد منهم الثالثة والثلاثون من العمر، ليبدأ من بالمجلس بالابتسام له، عالمين ما يحدث بداخل عقله من أفكار، فهو مُستجد بينهم، ولا يعلم بقدرتهم على قراءة ما يجول بعقله، فكل من بهذا العالم يستطيع قراءة أفكار غيره، وهذه من إحدى قواهم التي يمتازون بها؛ لكنهم يمتنعون بينهم عن هذا الفعل، حرصًا منهم على خصوصية كل منهم، لكنهم يستخدمونها عند الضرورة كالتي هم فيها الآن، حمايةً لعالمهم الذي يقطنون فيه، وإن استخدمها أحد فيتم ذلك بحدود.

بدأ الشماس بسؤال حسن:
_ من أنت؟ ومن أين أتيت؟ وكيف عبرت من الباب؟

ليجيب حسن:
_ أنا حسن، وأتيت من الأرض، أما كيف عبرت فهذا سؤال عليك بسؤاله لشموس، هي من سمحت لي بمجرد موافقتي للأمر.

لينظر الشماس لابنته معاتبًا ، ويعود بالنظر لحسن فيقول:
_ أما نحن فعلمنا من تكون ومن أين قدمت، وأما ابنتي فقد شرحت الأمر ونحن على علم مسبق بالشرح، لكن أريد معرفة هل أنت راغبٌ بالمكوث هنا، أم جئت زائرًا لقليل من الوقت وتغادر بعدها.

_ لا، زائرًا مُحبًا للإستطلاع، فأنا سأغادر حالًا، فلدي أمرٌ عليَّ القيام به، إن أنتم سمحتم لي طبعًا، ليتوجه بالنظر لشموس رامقًا لها بنظرة خاطفة كما هو لقبها أصبح لديه.

في ذات الوقت التقط الشماس نظرة حسن لشموس، ومع استدارة حسن لرأسه التقطت عينا الشماس أيضًا الختم الذي خُتم به حسن، ليوجه بصره فورًا لِعُنق شموس، ليتأكد من شكوكه التي حلَّت عليه، حين أخبرته شموس بأن الأمر كان خارج عن إرادتها، ويعلم بأن القرين الرفيق لشموس وصل أخيرًا، فهل سيسمح له بالعودة؟ والتسبب بفقدان ابنته للمرة الثانية على التوالي؟

.
يتبع الفصل الرابع  اضغط هنا 
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المرآة وابنة الشماس" اضغط على اسم الرواية 
reaction:

تعليقات