رواية أمنيات أضاعها الهوى الفصل الثاني 2 – بقلم أسما السيد

رواية أمنيات أضاعها الهوى – الفصل الثاني

******
شرد بيجاد بعالم آخر بينما يقود سيارته بنفسه بعدما منع سائقه من القدوم معه على أن يأتيه لمكانه الخاص الذي لا يعلمه إلا هما.
لم يدع عقله يفكر كثيرًا بما ترنو فيروز إليه بحديثها. تظنه يواعد إحداهن وهو شيء غير مقبول أبدًا عنده . كان وما زال كاره للعشق وأهله وكاره لنساء الطبقة المخملية التي هو منها، والتي لا يسمح الجد إلا بارتباط منها.
هو لا يخشى الجد لطالما كرة محدودية عقلة التي لا تسري إلا علي احفادة أما أبية ليفعل ما يحلو له.
وهو حر بما يريد لكن العشق هو ليس منه أهله يكفيه ما آلت حياتة إليه. لقد أصبح مُنهك الروح وما عاد بالقلب متسع لتجربة أخرى تضيع هباءًا منثورًا، وتعود بالخسائر إلية.
أمس دار شجار لا بأس به بينه وبين الجد وأبية بسبب زواجة من نيرة .
نيرة التي اهون عليه الموت ولا تكتب على إسمه. نفض عنه التفكير العقيم بحوارات العائلة التي لا تنتهي، وعاد يفكر بما أخبرته به فيروز عن تلك المحطة وما يعلنون عنه لكنه لم يعطيها اهتمامًا أكبر من حجمها أو هكذا أراد أن يُهيأ لهم. هو يواجه ألف اشاعه يوميًا علي كل حال وبالنهاية تنتهي كما بدأت بلا اثباتات على مخالفة وحيدة بِصناعاته.
على الرغم من أنه لو حدث، وانتشرت تلك الحادثة التي حدثت بِمصانعه كما تعتقد فيروز على السوشيال ميديا سيصبح الأمر كارثة لهم خصيصًا لو تدخل والده وجِدة بالأمر.
والدة يستطيع تحويل الأمر لكارثة حقيقية وتصب بالنهاية لصفة مادام داخل الأمر هاء تأنيث وأموال.
بعرف والدة الأموال تحل كل شيء، وهو محق فعلًا فالمال هو مفتاح الكنز الذي يرنو إليه الجميع، ولطالما حل أزماتهم الإعلامية بالمال والوعود المزيفة.
بالنسبه لهم كأصحاب صناعة رائده في الشرق الأوسط الأخبار لا تنفك تلاحقهم من مكان لمكان فهذا مقدر لهم. هم ليسوا ملائكه، ووالده خصيصًا شيطان متنكر يستطيع تحويل الأخضر إلى يابس بغمضة عين. وجدهُ الغصب والمال هو وسيلته الوحيدة لحل كل شيء أخلاق توارثوها على ما يبدو من الجد للأب لكن يحمد الله أنه لم يرث جزءًا ولو بسيط منهما. لعن بداخله فكلما استقام الأمر وظن أن الحال تَعدل عاد يتعقد من جديد.
لكنه آثر الصمت مؤقتًا فوالده يبدو مُسالمًا، ومادام الأمر لم يصل إليه هذا معناه أن مهما إدعوا يستطيع إحتواء الأمر بلا مشاكل تُذكر.
كما أن والده مشغولًا بإحداهن هذه الأيام رغم أنه لم يعلن عن من هي بعد!
تهكم على ما يفكر به، ولتلك القيم والمبادئ التي ينادي بها أبيه ووالدته سيدة المجتمع الراقي ” مؤمنه هانم” بينما زوجها منغمس بوكر الملذات التي لا تنتهي، وهي أبسط شيء قد تفعله أن تشوة سمعة احداهن أو تسلط عليها من لا يرحم إذا وصل الأمر إلي تهديد مكانتها بين نساء الطبقة المخملية، اللعنة على المجتمع المخملي بأكملهِ، وما ينتج منه. كم يكره كونه منهم، ويكره كل ما يجعلة منتميًا له!
تناقضات مبغضة ما يعيشونها، وهذا الأمر ما عاد يليق به لكن ما يقيده عن الرحيل هو طفله” عدي” الذي يحتاج إلى معامله خاصة، وصدر حنون بغيابه لا يجده إلا من فيروز شقيقته ، كما أن فيروز، وتعلقها به كأنه طفلها يريحه على وضعه.
ركز نظراته علي الطريق بعدما هاتف مساعدة الخاص يملي عليه مهمة جلب كل شيء يخص البرنامج ومُعديه بأسرع وقت عله يستطيع احتواء الكارثة.
انتصف الليل، وخلت الشوارع إلا منه، وبعض الفارين من أنين العالم وضجيجة من أمثاله بتلك المناطق الراقية. كلما ابتعد عن القصر كلما قل البشر، وأصابه الخَدر من نسمة الهواء العليلة التي لا يحظى بها إلا نُدر .
انغمس بالتفكير غير مكترثًا بشيء فهو من كارهي استباق الأحداث دائمًا. أراد أن يهنأ بلحظته هذه كما لو لن تكون هناك غيرها.
لكن فجأه وبدون سابق إنذار اتسعت عينيه، وهو يجاهد كي يتحكم بمسار سيارته حينما خرجت احداهن أمامه تلعب “اسكيتنج” غير مكترثة بمن حولها لعن وهو يفكر من أين خرجت هذه؟!
كانت منغمسه بعالم منفصل يستطيع أن يلمح ذلك جيدًا من حركة يداها التي تلوح بها يمينًا ويسارًا، وكأنها تعيش بعالم آخر لا وجود لغيرها به، ولا وجود للحياة كلها ومتاعبها، وكأنها نفضت عن كاهِلها غُبار الحياة المنهك، وتحررت.
لِلحظةٍ تأملها، وتذكر نفسه وهو يسير على قدمين سليمتين بلا عرج، ولا أجهزة متعبة. رأى نفسه مكانها قبل سنوات.
بيديهِ كمانه الذي يعشق العزف عليه بدون بشر، مُغمض العينين، ويعزف لعمر خيرت، ويميل يمينًا ويسارًا مثلها. اللعنة كانت كلوحة خرجت من إطارها؛ لِتتحَرر من قيودها، وتُحرر ذكرياته معها التي ظلت حبيسة لِأعوام
بِداخل عقلة الذي روضَهُ بضراوة حتى لا يحن لما مضى. شرد هو الآخر، أخذه الحنين لما مضى بعالم وَد دوما البقاء به لكن قدرهُ منعه من التمسك به، ومنعته إصابته من كل تمرد على ما يحيا به الآن، حياة روتينية بَحته . لولا زامور تلك السيارة المقابلة له من الجهة الأخرى؛ لما انتبه أنه بمنتصف الليل وبمنتصف الطريق حيث لا قوانين تحكم المرور، ولا قيود تفرض عليهم الاستمتاع بِلحظاتهم الخاصة فالجميع يسير على جهة واحدة فإما الانتباه أو الندم للأبد كما جرى له.
لعن تحت أنفاسه، واتسعت عينيه وهو يرى ما حدث له قبل سنوات؛ لَيسرع من خطواته ويعلو صراخه على تلك التي يبدو خرجت من عالم المجانين حقًا، ولم تكترث لا به ولا بغيره. كانت تعيش بعالم منفصل وتتسبب لنفسها بكارثة حقًا.
لم يشعر إلا وصوته يخونه صارخًا بها:
ـ أنت ِ أيتها المجنونه، انتبهي .
اتسعت عينيها ما إن وعت لما يحدث معها لم تعد تسيطر على شيء يدها امتدت تلقائيًا لِفخذيها تشعر بحرقة بهم غير طبيعية، وكأنها لم تتعافى من قَيحهم بعد، وبقيّ فقط مكان نَدباتهم.
لقد أعادها عقلها للماضي اللعين. صورهِ المتدفقة على عقلها، ومع تلك الأغنية التي صادفت حالتها على إحدى محطات الراديو عادت للماضي مجبرة. كانت أغنية لفضل شاكر الحب القديم.
لعنت نفسها ألف مرة لعدم انتباهها، وشرودها بماضي لا حلو به إطلاقًا إلا طفلها التي تهورت وخرجت بدونة.
لكن قبل أن يفلت زمام الأمر منها، ولم تعد تسيطر على عجلاتها، وَعت على تلك السيارة القادمة باتجاهها مقابلةً لها تمامًا، وأخرى قائدها تنحي علي جانب الطريق، وخرج منها صارخًا عليها ينهرها أن تنتبه.
الآن انتبهت أنها خرجت من منطقتها أيضًا، وربما هيّ الآن هالكة لا محالة.
_ يارب رحمتك أرجو فلا تخذلني.
هكذا تمتمت برجاء قبل أن تغمض عينيها مستسلمة لقدرها، وهي تمارس على نفسها أقصى درجات ضبط النفس بينما انتفض قلبها بذعر، وهي تفكر بشيء واحد، وهو من سيهتم بطفلها من بعدها.
هنا بتلك اللحظه ناجت ربها بقلبها بهمسٍ وتضرع ألا تمتد أيدي إحداهن غيرها لترعَى طفلها، وهي تعده أنها لن تتمرد مجددًا ستتوب والله، وتفكر به.
بلمح البصر استجاب الرب لدعائها، ويد أحدهم ترفعها من على الأرض كطفلة ٍ صغيرةٍ دافعًا إياها بجانب سيارته الذي أسرع بصفها ليمنع ارتكاب الحادث صارخًا بها:
ـ اللعنة على غبائك، وانفلات أخلاقك هذا كدت تتسببين لنفسك وللرجل بمشكلةٍ، وَتقتلين نفسك بغباءٍ منك.
اتسعت عيناها ما أن وعت لما يحدث معها لم تكن يومًا من محبى الإهانات، ولا تقوى على ردها، ولا الدفاع عن نفسها تتوتر دائمًا من المواجهةِ على حين غرة. هي أضعف من القوة التي تتظاهر بها.
لقد صنعت المواقف المخزية وخذلان الجميع لها منها شخصًا لا يقوى على المواجهه بلا تخطيط مسبق.
وهذا الرجل الصارخ عليها عينيه تناظرها كَذئبٍ مفترس. رجفة يدها كانت كفيلة بجعلهِ ينفض يديه عن يدها ويرأف بها. كانت لديها التقطتها كي يلحق بها ومازال يمسك بها مبتلعًا ريقه. شعر أنه يتحامل عليها عكس نظراتها التي اشتعلت، وصَدرت له إحساسًا آخر من التمرد والقوة ..
تمسكت لآخر لحظه ببعض من التعقل، وعدم التهور فهي المخطئة على كل حالٍ هكذا كانت تُحدث نفسها وتجلدها، وتأمرها بالهدوء.
نظرت لنفسها الآن وهي تذكرها بأين هي؟ على ما يبدو أن من شدة فرحتها نسيت أنها تعيش في بلد لا وجود فيه لِممارسة شتى أنواع الحرية بل لا مكان فيه لشيء يدعي حرية من الأساس خصيصًا للمرأة.
هنا فقط الجميع يَرفع شعارًا تقليديًا ” سِر مستقيمًا واحترم العادات، وإلا ارتكبت من الحوادث الآلاف، وافتضحت، وانتهى أمرك”.
انهار عالمها ومبادئها، وكادت تصرخ؛ لتنتقم منه لولا نداء أحدهم عليها:
ـ ربى هيا اصعدي نحن متأسفين شكرًا لإنقاذك لها.
_ رامي..!
هكذا ردت عليه باستنكار قبل أن يردف بنبرة زاجرة لها:
_ ربى هيا الرجل محق أنتِ المخطئة.
هتفت باستنكار قبل أن يزجرها رامي بعينه؛ لِتتأفف كالأطفال:
_ اللعنه ماذا أتوقع منكم معشر الرجال مستبدون.
_ عفوا ماذا؟!
كاد يضحك؛ لتهتف بتمرد كطفلة:
_ هاا، وما شأنك أنت؟!
دفعها رامي بخفه اغاظتها بعدما خرج من سيارته؛ لفض الشجار بعدما يئسوا من انتظارها، وحمدًا لله أن المجنونه كانت تُفعل خاصية “الجي بي أس ” الذي مكنته من تتبعها.
عاود رامي شكره له؛ ليجيبه الأخير بـ هدوء ونظرهِ مثبت عليها:
_ لا مشكلة.
لا يعلم لما تعصب عليها ونال غضبة منها لكن ذكري مشابة تسللت لعقلة كانت سببًا بما هو به الآن فلم يشعر بنفسهِ إلا وهو صارخًا بها .
زفر بيجاد بحنق، وهو يغض الطرف عنها مستغفرًا الله. حاول ابتلاع بُغضه الغير مبرر لأفعالِ السيدات، وكاد ينجح لولا حانت منه التفاته تلقائية تلك المرة حينما وصل إليه صوت الرجل ينهَرها:
ـ أيتها المجنونة تفعليها وحدك مجددًا ألم تعدينا بالاحتفال معًا قبل أشهر.
اتسعت عيناه دهشةً من ضحكتها التي دوى صداها بالأرجاء، وهي تردد:
_ رامي لقد أصبحت حره يا إلهي لقد تحررت، وأصبحت كطائر العنقاء ولدت من جديد لِأحلق بالسماء.
_ لقد جُننتِ تمامًا أقسم لكِ! هل الآن استوعبت؟!
لقد كدنا نشك بقواكِ العقلية بعدما صَمتِ طيلة هذه الفترة، واغلقتِ على نفسك.
اكفهر وجهه وقد فهم ما ترنو إليه، وهو يلعن بداخلة النساء وأفعالهم، وانقاذه لها، فماذا يتوقع أكثر من ذلك منهن؟!
دلف للسيارة وهو يميل؛ لِيدلك قدمه بتعب، ويعاود السير لوجهته.

 

ما أن دلفت من باب المبني أصابها هجوم عنيف لم تعمل حسابًا له من طفلها الباكي لرحيلها، وصديقتها وابنها؛ لتتسع عيناها بدهشة مصطنعة:
ـ هل قلقتم عليّ آسفه حقًا؟!
ـ أيتها البارده بئسًا لكِ. لقد قلقنا عليك حينما تسللتِ متعللةٌ بالنوم، وصعد الأطفال، ولم يجدوكِ .
هكذا هتفت هبة التي دفعتها بحنق، اجابتها ربى بغمزة:
ـ هل خفت عليَّ حقًا يا عزيزتي؟!
رفعت هبه إحدى حاجبيها قبل أن تهتف بحنق قائله :
ـ لا بل اغتظت؛ لأني أردت الهروب معك يا مجرمه.
ـ كنت أعلم أقسم لك أن هذا ما يزعجك.
انفجر الجميع بالضحك، وانغمسوا معًا غير مكترثين بما قد يحدث غدًا يثرثرون بلا صمت مطلق إلى أن أخذهم الحديث عن العمل، وهم يخططون لمجرى حلقاتهم الإذاعية التي يعلنون عنها منذ أسبوعًا قاصدين رفع الظلم عن احداهن لجأت إليهم.
_ لا أعلم أنا خائفة يا ربى عليكِ، لم أرتاح لأمر تلك السيدة بها شيئًا مُبهمًا.
هكذا هتفت هبه قبل أن تهتف ربى بشيء من الحزن على المرأة:
_ لقد لجأت إلينا يا هبة، ومعها كل ما يثبت صدق حديثها ثم أننا عرضنا الأمر علي صاحب القناة، واقتنع بعد رؤيتة لكل الأدلة التي تثبت حديثها بالنهاية نحن برنامج؛ لكشف الحقائق لا برنامجًا ترفيهيًا، وهذه مهمتنا.
زفرت هبة بِهَم:
_ لا أعلم هناك شيء في المرأة هذة لا يريحني. لو كنت مكانك لن أتدخل بأمر هكذا. تلك العائلة معروف عنها فِسقها وقوتها. النوايا أصبحت خبيثة في هذا الزمن يارُبى أنتِ تفهمينني علي كل حال، كما أنكِ لستِ بحاجة للمشاكل يكفي ما بكِ؟
نظرتا لبعضهما بشيء من الخوف لدقائقٍ قبل أن تنفض ربى عنها خوفها من ما ترنو هبة إليه مردفة:
_ لا تقلقي وتُقلقيني معك يا هبة الله يعلم بنوايّانا الطيبة، ويعلم أني لا أهتم إلا بأطفال تلك المرأة التي ظلموها هؤلاء القوم، وتسببوا بقتل زوجها.
_ أعلم عزيزتي أعلم.
_ ما دمت تعلمين إذا ادعي لي فقط؛ فأنا أتفاءل بدعواتك دائمًا.
احتضنتها ربى بحب، هبة ليست صديقة فقط بل هي كأخت لها.
_ الله ينصركم دائمًا.
_ هذه هي صديقتي الغالية.

 

 

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية أمنيات أضاعها الهوى) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق