رواية ولادة من جديد فايزة وحسام الفصل المائة و سبعة 107
كان قد مر وقت طويل منذ آخر مرة قبلها فيها
غادر وائل وهو غاضب تاركاً صديقيه عند البار.
ألقى شادي نظرة خاطفة على حسام الذي بدا غارقاً في أفكاره الخاصة، ثم قرر أن يمتنع عما كان يريد قوله.
بعد برهة، سأله حسام بلهجة جادة: “ماذا تعني بما قلته للتو؟”
ابتسم شادي: “إنت تعرف الاجابة عن ذلك بالفعل، أليس كذلك ؟ ”
رفع حسام نظره إليه وألقى بنظرة حزينة نحو شادي عند سماعه ذلك. لست متأكداً مما تقصده”
سأله شادي: ” حسام، هل تتذكر آخر مرة سألتك نفس السؤال هنا ؟ ألم يتضح لك بعد ما الذي تريده حقاً حتى بعد كل هذه السنوات؟”
ذهل حسام عندما قال صديقه ذلك. إذا، سألني شادي عن ذلك من قبل …. هذا بفسر لماذا بدا مألوفاً عندما أنت جدتي على ذكره في وقت سابق.
إلا أنه لم يعر الأمر الكثير من الاهتمام، أو لم يأخذه محمل الجد عندما ذكر شادي ذلك سابقاً.
رأى شادي أن حسام التزم الصمت، فتنهد تنهيدة خفيفة وقال: “لقد نشأت معها، وشهدت جميع أفراحها وأحزانها. أنت تعرفها في كل أحوالها الممكنة، إن لم أكن مخطئاً، فقد عدت فوراً عندما علمت أن عائلة صديق أعلنت افلاسها. هل أنا محق؟”
اعترف حسام قائلاً: “نعم” لم يكن هناك مجال للانكار.
لم يكن يعرف بأمر الإفلاس في البداية، ولكن حالما تلقى الخبر، ترك كل شيء، وعاد بسرعة.
سمعت قهقه شادي قهقهة خفيفة عندما استرجع الحادثة. “س” أنك كنت في خضم التفاوض على صفقة هائلة في ذلك الوقت. ألم تعتقد أن الأوان لن يكون قد فات، حتى لو عدت
بعد بضعة أيام بعد اتمام الصفقة؟ لماذا تخليت عن كل أعمالك وعدت على الفور؟”
“بالطبع، ذلك لأن …
کاد حسام أن يقول شيئاً، لكنه تردد في ذات اللحظة التي كانت كلماته فيها على طرف لسانه.
“لأنك كنت قلقاً عليها، أليس كذلك؟” استطرد شادي وأنهى الجملة عنه.
كانت صحيحاً أن حسام أصابه القلق. ولم يخطر بباله سوى أمر واحد فقط عند سماع الخبر.
“لقد تخليت عن صفقة بقيمة الملايين من أجلها. ألم تفكر جدياً أبداً عن طبيعة علاقتك بها ؟ ما فعلته ليس شيئاً يفعله أصدقاء الطفولة لبعضهم البعض، يا حسام .”
كان صوت شادي هادئاً، لكنه بدا صاخباً في أذن حسام . بدا صوت صديقه مضاعفاً في هذه اللحظة.
تفكر حسام : هل فكرت بجدية في علاقتي مع فايزة؟
ليس من الصعب أن ترى ما في قلبك” استطرد شادي قبل أن يتمكن حسام من الرد عليه. ولكن إن واجهت صعوبة في اتخاذ القرار، لماذا لا تتركها تذهب؟ لا تعترض طريقها. يمكنك أن تتحرر أنت أيضاً من هذا العبء.”
بعد قوله هذا ربت شادي على كتف حسام . “لا يمكنك أن تحصل على كل شيء. هذه هي سنة الحياة.”
كان الوقت قد تأخر من الليل عندما غيرت فايزة ملابسها إلى ملابس النوم التي كانت اشترتها مؤخراً، كان القماش القطيفة ناعماً وخفيف الوزن، كما أن الدفء الذي امتصه
من الشمس، جعله مريح جداً على الجسم.
كانت قد بكت بحرقة قبل أن تنام، بل أنها كانت تنتحب بعد أن نامت.
بعد أن استغرقت في النوم بسلام، وقف حسام فارعاً وبكل أناقة بجوار السرير بدت فايزة أكثر هدوءاً وجاذبية في نومها، وكان الضوء الأصفر الدافيء في الغرفة يضيئ ملامحها.
يمكن القول أن علاقتهما قد تدهورت إلى الحد الأقصى خلال هذه الفترة.
وعلى الرغم من أنهما كانا يتحدثان بأدب ظاهري، إلا أن موقف فايزة ونظراتها نحو حسام كانت دائماً تعاقبه وتعذبه عاطفياً.
لم يدرك إلا بعد أن نامت فايزة أنهما لم يتباعداً. كانت علاقتهما لا تزال كما كانت من قبل.
ترددت كلمات شادي هذه الليلة في ذهن حسام مرة أخرى أنت تعرف الإجابة إذاً، أليس كذلك؟”
فجأة تبدل تعبير فايزة الهادئ وقطبت جبينها.
هل كانت تعاني من كابوس؟
جثم حسام جانب السرير، ووضع يده بشكل غريزي على جبينها، فقد كان راغباً في تذليل العبوس. نسى تماماً أن یدیه باردتان كالثلج بعد أن قضى الليل بأكمله يشرب في الحانة.
فور أن لامست أطراف أسابعه جبين فايزة ارتجفت واستيقظت فجأة بسبب الاحساس بالبرودة التقت عيناهما بشكل غير متوقع في تلك اللحظة.
كانت عيون فايزة لا تزال غير واضحة بسبب نومها تحت ضوء غرفة النوم، كانت نظرتها الصافية تحمل لمحة من دفء، أثارت جسام .
كانت أطراف أصابعه الباردة لا تزال على جبينها.
تمالكت فايزة نفسها، وأدركت ما يحدث بعد لحظة. ابتعدت بسرعة عن لمسة الرجل واعتدلت جالسة، وكانت عيناها حذرتان وهي تحدق به.
“ماذا تفعل ؟”
رؤيتها تتصرف بحذر جعله يتجهم في تعاسة: “ما الذي يمكنني أن أفعله عندما تكونين متحفظة هكذا تجاهي ؟”
عند ذلك، أدركت فايزة أن رد فعلها قد يبدو مبالغاً فيه.
لم تملك سوى أن تدير وجهها إلى الجانب الآخر وتتجنب نظره. وتذمرت قائلة: “أنا لست متحفظة.”
حتى لو لم يكونا زوجين، فإنهما قد ترعرعا معاً. لم تظن في أنه قد يكون لديه أي نوايا خبيثة تجاهها.
في اللحظة التالية، أمسك حسام بذقن فايزة بيده الباردة. مجبراً إياها أن تدير رأسها نحوه.
سألها : “لماذا لا تنظرين إلي، إذا؟” وكانت نظرته فيها شيء من العدائية.
بينما كان يتحدث اقترب منها، محيطاً بها بهالته الباردة.
على الرغم من محاولات فايزة للانفلات منه، إلا أنها لم تتمكن من ذلك. كان عليها أن تستند بيديها على جانبي جسدها وهي تتطلع إليه.
في هذه اللحظة، كان حسام قريباً بما يكفي ليشم الرائحة الخفيفة من جسدها.
رائحتها أثارت شيئاً في دواخله، وجعله يبتلع ريقه بشكل لا
ارادي، يبنما توهجت الرغبة في عينيه.
ما الذي تفعله في منتصف الليل يا حسام ؟ ألا يجب أن تنام؟ لا تنس أن علينا أن نأخذ جدتي للفحص غذاً في الصباح !”
عندما رأى شفتيها الصغيرتين تفتح وتغلق وهي تتكلم، أدرك حسام فجأة أن وقتاً طويلاً قد مر منذ قبلها آخر مرة.
كان غارقاً في أفكاره لدرجة أنه لم يعد يهتم بسماع ما كانت تقوله بعد ذلك.
مع منتصف جملتها، أدركت فايزة أنه كان يحدق بها كالذئب الذي يتطلع إلى فريسته بدا وكأنه سيبتلعها في أي لحظة.
شعرت بنذير ما، وذمت شفتيها الحمراوين، وشدت البطانية باحكام حولها.
“إن لن تنام، سأنام أنا أولاً … همف !”
إلا أن الدنيا أظلمت من حولها قبل أن تتمكن من سحب البطانية أكثر من ذلك. كانت هالة الرجل قد غمرتها تماماً.
رواية ولادة من جديد فايزة وحسام الفصل المائة وثمانية 108
لست منجذبة إليك على الاطلاق
عند تلك الفكرة، نفست فايزة عن غضبها بصوت عال ونظرت إليه ببرودة: “اذهب وابحث عن حبيبتك رهف التلبية احتياجاتك الجسدية.”
تجهمت عيون حسام وهو يصك أسنانه. “لا أريد سواك ”
بعد أن تكلم انحنى نحوها، يبحث من جديد عن شفتيها. ولكنها تلقى صفعة بدلاً من ذلك.
“اذهب! اذهب وابتحث عن حبيبتك رهف. لا تلمسني. هيا اذهب ” كانت فايزة ترتجف غضباً، فقد كان لا يزال راغباً في الاستمرار حتى بعد تلقيه للصفعة.
إلا أن حسام أمسك بمعصمها ورفع صوته وهو يسأل: “هل أنت غاضبة الآن؟ لقد أديت دورك كزوجة مطيعة مؤخراً بشكل جيد جداً. لماذا لا تستمرين في هذا الدور؟”
أدركت أنه يريد استغلالها لتلبية احتياجاتها الجسدية، ولهذا
السبب أمست غير عقلانية بالمرة زاد شعورها برفض الرد عليه، وزادت محاولتها للتخلص منه.
اصابت رؤيته لفايزة تتصرف بهذه الطريقة حسام بالغضب والتعاطف في ذات الوقت، لكنه تذكر ما قاله شادي وجدته مما جعله يحكم قبضته على معصمها قليلاً. “لقد قلت ذلك من تلقاء نفسك في ذلك الوقت، فلماذا تغضبين الآن؟ لماذا أنت غاضبة يا بياض الثلج ؟”
كانت عيناه مثببتين عليها وهو يطرح السؤال كأنما كان يريد التأكد من أمر ما. “هل أنت غاضبة؛ لأنني قلت أن كوني معك فقط لتلبية رغباتي الجسدية، أم أنك غاضبة لأنني التقيت رهف ؟”
فجأة، فهمت فايزة التي كانت تكافحه، بعد أن سمعت ما قاله حسام . لو أنها لم تكن تعرف قبلاً لماذا تصرف هكذا فالآن قد عرفت كان يريد اختبارها.
ما الذي تحاول قوله ؟ نظرت إلى وجهه الوسيم وضحكت ضحكة خفيفة. كان عليها أن تقر أن مظهره يناسب ذوقها. وكانت حتى الآن لا تزال تعتبره جذاباً. لقد كانت تشعر بالانجذاب الشديد إليه آنذاك، لكن هذا لا . يعني أنها ستمنحه كل شيء دون قيود.
تحركت شفتاه قليلاً، لكنه لم يتحدث إلا أنه كان واضحاً ما يريد قوله. لقد كانا حبيبين منذ الطفولة، لذا كانا يعرفان بعضهما البعض جيداً وكانا يأخذان بعضهما البعض على محمل الجد، إلا أنه نظراً لهذا، كانت هناك بعض الأسئلة التي لا يمكن طرحها، كأن يتعلق الأمر بالإعجاب وبالاهتمام يأحدهم.
عندما يتم طرح مثل هذه الأسئلة، ويتم تجاوز حد معين فإن علاقتهما لن تكون كما كانت من قبل أن تمسي علاقتهما أقل نقاء كان أمراً مختلفاً تماماً عن تدهور علاقتهما. وهل هناك ما هو أكثر حرجاً من أن يتعامل أحد الطرفين كصديق، بينما يشعر الآخر بالإعجاب؟ قد لا يتمكنا من الاستمرار كأصدقاء. لهذا السبب كان على حسام أن يطرح السؤال بلهجة متحفظة ضابطة للنفس.
إلا أن فايزة لم تكن مثله، وعرفت ما يريد السؤال عنه استناداً إلى معرفتها به ابتسمت له وأجابت ببرود: “هل تعتقد أنني أكن لك بالمشاعر؟”
شعر بضيق في صدره؛ لأنه لم يتوقع أن تذكر الأمر بهذا الشكل المباشر: “أنت …
لا تقلق. ” نظرت إليه واستطردت في لطف: “لست منجذبة
إليك على الإطلاق.”
عندما لم يرد حسام ، استطردت قائلة: “لقد قلت بالفعل أن هذا يلبي احتياجاتنا الجسدية، ولكن ذلك كان بناء على شرط، ألا وهو أنك لا تنخرط في علاقات أخرى. لكن الامر مختلف الآن. لديك بالفعل رهف فلماذا يجب علي أن ألجأ إليك لتلبية احتياجاتي ؟ هل أبدو لك بهذا الرخص ؟”
كانت كلماتها خفيفة، لكنها طعنته في قلبه. تبدلت نظرته وهو يحدق بها، وزمجر في غضب: “إلى من ستلجأين إذا؟
فوزي أم خالد؟”
لم تعرف ما تقوله.
اصطحبك خالد إلى المنزل في ليلة الحفلة، أليس كذلك؟”
عبست فايزة في دهشة. كيف علم ذلك؟ كانت قد افترضت أن انتباه حسام كان منصباً تماماً على رهف.
و خرجت معه بالأمس أيضاً.”
أخيراً انتاب فايزة الشك.
“حسام، هل تتجسس علي ؟” دقت أجراس الخطر في رأسها، لقد ذهبت مؤخراً إلى المستشفى، وعلى الرغم من أنها ذهبت مع حنان، إلا أنه لن يجد أي شيء، حتى ولو أراد ذلك.
رد حسام على فايزة بسؤال مضاد: “وهل احتاج إلى ذلك ؟”
ألا يحتاج لذلك؟ هل يعني هذا أنه لم يأت بمن يتتبعني؟
كيف عرفت ؟” لم يكن الأمر يتعلق بمعرفته عندما أصيبت رهف، حيث كان ربما قد رأى ذلك عندما قام خالد بمرافقة فايزة إلى مدخل الفيللا. إلا أن فايزة لم تتوقع حتى أن ترى خالد عندما خرجت لتناول الغداء أمس، فكيف عرف حسام بالأمر؟ بل أنها كانت قد استقلت سيارة أجرة في طريق العودة.
سخر حسام : “هل أنت متوترة؟ يا بياض الثلج، ألم تسمعي بالمثل الشائع “ما يتم بالليل، يظهر بالنهار”؟”
لم تجد فايزة ما تقوله رداً على ذلك.
بينما كان يفكر في أمر ما نظرت عيناه إلى ملابس نومها. ” وأزياءك في الفترة الأخيرة. هل تحاولين ارضائهما ؟”
لم تجد الكلمات. “ما الذي تتحدث عنه؟ ألا يمكنني تغيير أسلوبي في الملبس لمجرد أن الشتاء قد حل؟”
مع عجزها عن الكلام، اعتقدت أن الرجل كان يتصرف بطريقة سخيفة. لم يشتبه أن تغيير زيها كان بسبب الطفل. بدلاً من ذلك، ظن أنها تحاول أن ترضي فوزي أو خالد. وحتى بعد طول معرفتها بحسام شعرت فايزة أنها لم تعرفه حق المعرفة فعلياً، حيث أنه كان يفهم كل ما شعرت تجاهه بالقلق على محمل مختلف تماماً.
لم يهتم بشأن الطفل، بل ولم يسأل عنه حتى، وهو أمر غير منطقي. ماذا لو ….
وبينما أخذت فايزة تتفكر في هذا اقتربت أنفاس حسام الباردة، وقطعت حبل أفكارها رأت وجهه الغاضب يقترب منها عندما تمالكت أفكارها.
بالطبع يمكنك، ولكن ألا تعتقدين أن التوقيت يمثل صدفة غريبة؟ إضافة إلى ذلك هل أنت منجذبة إلى خالد؟ لقد
عانقك تلك الليلة ”
عندما ذكر ذلك بدأت رأس فايزة تؤلمها.
هل يمكننا ألا نتحدث عن ذلك الآن؟ إنني لست منجذبة إلى أحد، حسنا ؟ ” لم تستطع أن تمنع نفسها من التناوب. “إنني متعبة، فلماذا لا تنام أولاً؟ يمكننا أن نتحدث غداً إن
كان هناك موضوع.”
كان اهتمامها الأساسي اصطحاب فضيلة للفحص في اليوم التالي، لذا لم ترغب في القلق بشأن أي شيء آخر.
تسمر حسام عند سماعه هذا على الأرجح لأنه لم يتوقع أن تبدي هذا القدر من اللا مبالاة بهذه المسألة الجادة، بل وكانت تريد الذهاب إلى الفراش. كيف يمكنها أن تنام؟
في حين ظل صامتاً، اضافت: “إن لم تكن متعباً، فسأنام
أولاً”
سحبت فايزة يدها وسحبت البطانية، قبل أن تستلقي بعناية، ولم تشعر بالطمأنينة إلا عندما رأت أن حسام ، وإن ظل واقفاً متسمراً في صمت، إلا أنه لم يقترب منها.
ظل الاثنان صامتين في الغرفة. كانت فايزة قد ظنت أنه سيغادر إن تجاهلته، لكنه ظل واقفاً يحدق بها لسبب ما. عضت شفتها. هل يعتزم الوقوف هناك لبقية الليل؟ هل هو مجنون؟ لا يهم . أنا حامل الآن، واحتاج إلى قسط كاف من
النوم حتى لا أصاب بالجنون مثله.
بعد أن اتخذت فايزة قرارها ادارت ظهرها له وسرعان ما
نامت
- يتبع.. (رواية ولادة من جديد) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.