رواية ولادة من جديد الفصل 77 و 78 – فايزة وحسام

رواية ولادة من جديد فايزة وحسام الفصل السابع والسبعون 77

التغيير

عندما رأت فايزة وجه ياسر الشاحب كالرماد، خمنت أنه

ولاشك قد تذكر.

“إذا، يا سيد فيصل ؟ ألم تنس ما قلته آنذاك؟”

ساله صديقه الذي يجلس بجواره في فضول: “يا سيد فيصل، ماذا قلت؟”

كان عقل ياسر مشوشاً بعض الشيء. فطالما ظن أن فايزة تحتقر خلفيته وانها كانت تسعى وراء من هم أكثر نفوذاً. لكنه لم يكن يظن أبداً أنها قد سمعت مزاحه.

عندما أدرك أن كلماته تسببت في فقدانه لفرصة الحصول على حبيبة محتملة، أراد ياسر أن يصفع نفسه.

صك ياسر أسنانه وشرح وقد احتقنت عيناه: “ليس الأمر هكذا كان ذلك هراء قلته لمجرد أنني وجدته ممتعاً، لم

يكن لدي أي نية لاهانتك.”

في الواقع، لو كان مجرد لهو، لما ذهب كل هذه المسافة إلى

داليا ابيع الساخنة للبحث عنها، لمجرد أنه سمع أنها هناك.

أمالت فايزة رأسها كما لو كانت تتأمل في تلك الكلمة: “ممتع ؟” بعد لحظة، قالت ببطء: “أهذه الكلمات ممتعة بالنسبة لك يا سيد فيصل ؟”

قال ياسر: “لم يكن هذا قصدي! ما أقصده هو …..

“حسناً يا سيد فيصل، لترجع إلى الموضوع الحالي. نحن هنا لمناقشة الأعمال. إن لم تكن لديك نية للتعاون مع مجموعة منصور، فلن نبق هنا.”

رفض ياسر التراجع. لقد فهم أخيراً السبب، فكيف له أن يترك الأمر هكذا الآن؟

أمسك ياسر على الفور بمعصم فايزة النحيل العاجي، وقال: يا آنسة صديق. دعيني أشرح.”

قطبت فايزة حاجبيها: “أفلتني ”

“لا، أرجوك. يمكنني أن أشرح. أنذاك كنت مجرد …

بوووم

كان الباب الموارب قد تم ركله فجأة لينفتح، وصدم الجميع بالضجيج.

اقتحم عدد من الرجال الأشداء في زي أسود الغرفة.

“من أنتم؟ من الذي دعاكم؟”

كان أحدهم قد تساءل للتو عندما من الرجل صاحب العضلات رأس هذا الشخص، وضربه في أرض الغرفة البارد.

بصفته مضيف الحدث تبدل وجه ياسر، وترك يد فايزة بشكل لا ارادي. نهض واقفاً، وسأل: “ما الذي تفعله؟ ألا تعرفون أين نحن؟ ألا تعرفون من أكون؟”

بانج!

كان ياسر انتهى لتوه من الكلام عندما سقطت لكمة على وجهه، أرسلته طائراً على الفور.

“أاااه!” صرخت الفتاة التي كانت تجلس بجوار ياسر في

الرعب

ذهلت يارا أيضاً وهي تمسك بحافة ملابس فايزة.

أما فايزة فلم تتوقع ابداً ان تواجه مثل هذا المشهد اليوم. من بالضبط كان ياسر قد أساء إليه؟ على أية حال، لا يمكنها البقاء هنا أطول من ذلك.

ألقت فايزة نظرة على الباب، وتغير وجهها.

كان هناك عدد قليل من الرجال الأشداء، يحجبون الباب تماماً. هل سيسمحون لها بأن تأخذ يارا معها وتغادر؟

كان هذا ما تفكر فيه، لكن لم تجرؤ فايزة على التهور في التصرف. أمسكت بيد يارا، مشيرة لها بأن تلزم مكانها. كانت يارا خائفة جداً، فلم تملك سوى الاختبار وراء فايزة.

فهم الأشخاص الموجودون أن الجدال العقلاني مع هؤلاء

الأشداء لا طائل منه فعلى كل الأحوال، فقد لكموا حتى

ياسر وأردوه بضربة واحدة.

مع غياب ياسر أمسى الآخرون مرعوبين للغاية، ولم يجرؤوا على اصدار صوت.

تحولت أجواء الغرفة إلى أجواء مثقلة ومرعبة.

وعندما كانت فايزة على وشك أن تتساءل إن كان يمكنها التحرك اقترب منها الرجل الذي كان قد ضرب ياسر. وانحنى في احترام

مرحبا يا آنسة صديق.”

ذهلت فايزة.

ما الذي يجرى؟

وتساءلت: كيف له أن يعرفني؟

لم تملك فايزة سوى أن تنظر إليه في شك بالغ: “ومن

تكون ؟”

يا آنسة صديق، إن سيدنا يتمنى لقاءك”

بل أن الرجل عندئذ اتخذ موقف الجنتلمان.

سألت فايزة: “ومن يكون سيدك؟”

ابتسم الرجل، واحتفظ بوضعه، لكنه لم يجب فايزة.

إلا أنها أطلقت تنهيدة ارتياح عندما أدركت أنه لن يهاجمها.

ذمت شفتيها وظلت دون حراك

“هل هناك خطب ما يا آنسة صديق؟”

نظرت فايزة عندئذ إلى يارا التي كانت بجانبها: “هل يمكنك أن تتركها تغادر أولاً؟”

فوجئ الرجل صاحب العضلات، ثم ابتسم وقال: “بالطبع.”

ففي كل الأحوال، كان سيدهم قد أمرهم فقط بجلب فايزة. لم يهمهم أي شخص آخر.

اطمأنت فايزة كثيراً لهذا الجواب. حيث أنهم قد وافقوا على ترك يارا، فإن ذلك يعني أنهم لن يحاولون القيام بأي أذى، لذا على الأرجح أنهم ليسوا أعداء.

إن كانوا أعداء، لاصابهم القلق أن تبلغ يارا عنهم.

“لا يمكنني المغادرة يا أنسة فايزة” أمسكت يارا ذراع فايزة بشدة. سأبقى معك بغض النظر عما يحدث.”

عندما سمعت فايزة ذلك، قطبت حاجبيها، وقالت: “يجب أن

تذهبي أولاً”

ثم نظرت إلى يارا. لم تكن متأكدة إن كانت يارا قد فهمتها

أم لا، لكن الأخيرة لم تعد مصرة.

بعد ذلك ظلت يارا تنظر إلى الخلف أثناء مغاردتها، وتحت أنظار الحشد، خرجت من الغرفة.

بمجرد خروجها من الغرفة، ركضت فوراً إلى الخارج وأخرجت هاتفها لاجراء مكالمة.

أعاد الرجل صاحب العضلات الدعوة مرة أخرى: “آنسة صديق هل يمكنك المجئ معنا الآن؟”

لم تتحرك فايزة وهي تقول بصوت هادئ: “من هو سيدكم؟”

سكت الرجل مرة أخرى عند ذكر هذا.

كانت هذه المرة الثانية التي تسأل فيها فايزة.

ثم سألت وهي تختبر حدودهم : “إن لم تخبرني، هل يمكنني

عدم الذهاب ؟”

فوجئ الرجل، ثم بدا وكأنه يفكر في شيء ما في سره، بعد برهة قال: “يا أنسة صديق، رئيسنا صديق قديم لك ”

صديق قديم لي؟

هل يعني ذلك أنني قابلته من قبل؟

مرقت عدة أسماء في ذهن فايزة.

عندما رأت مدى احترام الرجل، شعرت أنه ليس هناك الكثير

من الأشخاص الذين يناسبون الوصف الذي في ذهنها.

بغض النظر، فإنهم على الأرجح قد جاءوا بحسن نية. ومن

الأفضل على الأرجح أن تتبعهم، بدلاً من أن تبقى هنا.

وبهذا، نهضت فايزة وغادرت المكان معهم.

وإذ همت فايزة بالمغادرة، قام الأشداء الذين اقتحموا الغرفة، أيضاً بالمغادرة. عندما غادروا بقيت الغرفة وراءهم

في حالة من الفوضى.

ثم اصحطبوا فايزة إلى غرفة الشخصيات الهامة الرئاسية

في الطابق العلوي.. كانت غرفة فخمة، وبدت كأنها مكان مخصص لمباحثات الاعمال. لم تكن هناك روائح مقززة من خمر ودخان

لم تكن تتوقع أبدأ أن يكون هناك أماكن مثل هذه في الحانات، وشعرت وكأنها تعلمت شيئاً جديداً اليوم.

يا أنسة صديق، لا يزال سيدنا يناقش أمراً، لذا سيكون هنا فور انتهائه يرجى الانتظار هنا.

بمجرد انتهائه من الكلام، دخل شخص ما وقدم بعض الوجبات الخفيفة والفواكه.

عندما رأت فايزة الوجبات الخفيفة والفواكه موضوعة على المائدة، تغيرت تعبيرات وجهها. كان كل عنصر من العناصر على المائدة هو المفضل لديها.

كان واضحاً أن هذا الرجل يعرفها حق المعرفة.

ولكن من هو ؟

لسبب ما، تذكرت فايزة النظرة الثاقبة التي شعرت بها عندما خرجت لشراء الأرز المسلوق في الظهيرة.

هل من المعقول أن يكون ذات الشخص؟

لم تلمس الطعام الذي على المائدة، بدلاً من ذلك، جلست في حالة تململ، بل أنها حتى أخرجت هاتفها. لم يمنعها الآخرون، وبدا أنهم لا يخشون أن تتصل بالشرطة أو غيرها.

بعد أن أخرجت هاتفها، صادف أن رأت فايزة رسالة من يارا.

یا آنسة فايزة، هل أنت بخير؟ لقد غادرت بالفعل، لكنني لا زلت خارج الحانة.”

عندما رأت فايزة ذلك، قطبت حاجبيها: “ليس من الأمان أن تظل فتاة وحيدة هنا في الليل. يجب أن تعودي إلى المنزل ”

“لا، يجب أن أظل معك. لا تقلقي، لقد اتصلت بالسيد منصور، وسيأتي في الحال.”

رواية ولادة من جديد فايزة وحسام الفصل الثامن والسبعون 78

اعطيني حضنا

لم تتوقع فايزة أبداً أن تختار يارا السبيل الذكي وتتصل بحسام. لولا الشجار المستمر، لكانت قد أشادت بذكاء يارا.

علاوة على ذلك، قد ينتقدها عندما يعلم بحادثة الليلة. مجرد فكرة توبيخه لها مثلما يفعل الأب، تثير لديها الاحباط.

عادة ما يعامل الرجال شريكاتهم بالرعاية واللطف، لكي لا يخيفونهن، إلا أن حسام دائماً ما أظهر لها وجهاً جافاً كما يفعل الأخ مع أخته. لهذا السبب اعتقدت أنه لا يكن لها بأية مشاعر.

وبينما غرقت هي في أفكارها، سمعت صوت خطوات ثابتة.

رحب الرجل الضخم الذي يحرس المدخل قائلاً: “سيد

الرماح.”

تعجبت فايزة من اللقب العائلي: الرماح ؟

سأل الصوت المتعجرف، وإن كان مألوفاً: “أين هي؟”

الانسة صديق هناك

حسناً. يمكنك المضي قدما كان صوته منخفضاً ورخيماً.

ظلت فايزة جالسة دون أن تتحرك قيد أنملة، كانت مندهشة المعرفة هوية الشخص القادم برقت أسماء معارفها القدام في ذهنها، باستثناء واحد منها – خالد الرماح.

لماذا هو ؟

كان خالد على رأس قائمة الأشخاص الأكثر كراهية عندما كانت صغيرة. على الرغم من أنه كان صديقاً لحسام، إلا أن خالد لم يحترمها قط. كان ذلك العفن دائماً يجذبها من

ضفائرها، ومن نشأت الكراهية.

ولا ننسى تسميتها بلقب “فيكسي” – والمستوحاة من الكلمة الإنجليزية “بيكسي” أى الجنية – ولكنها كرهته كثيراً لأنه كان يخبرها بقصص عن حسام ورهف.

“لماذا لم تحضري حفلة عيد ميلاد رهف؟ أهداها حسام قلادة رائعة هل رأيتها ؟

بالأمس، دعت رهف حسام إلى حفلة تنكرية، وفازا بلقب أفضل ثنائي ! لماذا لم تحضري ؟”

أعطت رهف لحسام سترة مصنوعة خصيصاً له، قامت هي بنفسها بتصميم الصورة على الظهر وشغلت بيدها الكلمات التي على الكتف الأمامي الأيمن. هل رأيتها ؟”

كان خالد يتحدث بلا توقف عن حسام ورهف في حضور فايزة، وكلما فعل ذلك، كانت تقول له دائماً بجدية: “كف عن اخباري بهذه الأمور يا خالد لم أسمع شيئاً ولا أريد معرفة أي شيء. هل تسمعني ؟”

إلا أنه بدا وكأنه لا يفهم لغة البشر؛ لأنه لم يتوقف أبداً. زهقت تتدريجياً من الأمر حتى سمعت حسام نفسه يقول أنه لا يرى سوى رهف في الحديقة الصغيرة ذات يوم.

لم تعد فايزة تثور غضباً على خالد بعد ذلك، حتى عندما كانت تشعر بالغيرة.

أما عدم رغبتها في سماع أخبار حسام ورهف فما كان ليغير الواقع؛ لأنه لن يرى أحد غير رهف.

لاحقاً، عندما لاحظ خالد صمتها كلما جاء بذكر الثنائي، كف عن الحديث عنهما نهائياً. في اليوم الذي غادر فيه البلاد ودعه الجميع ما عدا فايزة. ارسل لها رسالة نصية، وطلب من حسام أن يشتري لها هدية نيابة عنه.

“أراك قريباً يا فيفي ”

كانت الهدية وشاحاً. أحبت لونه وملمسه، إلا أنها احتفظت به في عليته بعد أن القت عليه نظرة، ولم تفتحه مرة أخرى أبداً.

تناولي المزيد. لن تلمسي طعامك بعد لقمة واحدة فقط. هل تغيرت تفضيلاتك؟ أن أن هذا ليس على هواك؟”

استدارت فايزة لتواجه الشخص القادم. كانت خمس سنوات كفيلة لمحو مشاعر المراهقة، مما جعله يبدو أكثر نضجاً وأكثر حدة، مصحوبة بلمسة من الحكمة التي تربعت

على حاجبيه المرتفعين.

كان مهندماً في ملبسه، حيث ارتدى قميصاً أبيض اللون

وبدلة ذات لون داكن. كان هناك مشبك على ربطة عنقه

والذي كان السبب في تعبير دقيق غطى وجهها.

لم تتوقع أن يحتفظ بهذا المشبك على الرغم من مرور كل

هذه السنوات الطوال.

جعلته نظرة التفحص الحارقة التي ألقتها عليه يرفع حاجبه وبيتسم : “ما الأمر؟ ألم تتعرفي علي يا فيكسي؟”

فقدت هدوءها عند سماعها للاسم: “من هي فيكسي؟ من أعطاك الحق في أن تناديني بهذا الاسم؟”

ابتسم عندما رأي خديها المتحفزين: “تبدين وكأنك سمكة منتفخة. أليست هذه فيكسي صغيرتي؟”

سمكة منتفخة ؟ عبست وقالت: “هل يمكنك الكف عن إطلاق القاب علي ؟”

“حسناً، حسناً.” اقترب منها خالد بابتسامة ود وربت على شعرها: “اعطيني حضنا.”

حضن؟ قبل أن تتمكن من أي رد فعل، كان قد فتح ذراعيه بالفعل، وانحنى إلى الأمام. أصبحت رائحة التبغ أقوى.

هب أريج خفيف من فايزة إلى أنفه، بينما جذبها إلي

حضنه مما زاد من شعوره بالرضا.

لقد مضت خمس سنوات، ولم ينساها للحظة واحدة لو

كانت قد جاءت إلى المطار قبل خمس سنوات، لما كان اضطر أن ينتظر حتى اليوم ليحظى بهذا العناق.

امتلأ بشعور ناعم وراض حتى اكتفى، وإن لم يمتليء الفراغ الذي في قلبه. لم يجرؤ على تضييق ذراعيه مخافة

أن يخيفها.

لقد أمسيت أمرأة جميلة يا فيكسي. جميلة لكن نحيفة.”

تذكرت فايزة فجأة الرسالة التي أرسلها لها قبل أن يرحل. كان من المؤثر أن يشتاق شخص إليها بهذا الشكل على الرغم من سنوات طويلة من الانفصال. ومع ذلك، رأت أنه من غير اللائق أن يتعانقا بهذه الطريقة، على الرغم من أنهما

كانا صديقين منذ نعومة أظافرهما.

في اللحظة التي كانت على وشك ابعاد خالد عنها، لاحظت عبر كتفه وجود شخص يقف عند الباب.

كان حسام ، الذي هرع إلى هنا بمجرد أن تلقى رسالة طلب . المساعدة من يارا، وكانت ملابسه غير مهندمة.

خوفاً من أن فايزة قد تخرج، قفز الحواجز ليصل إلى هنا. بينما حاول استعادة نفسه، رأى المشهد وتجمد وجهه. لم يتمكن من التعرف على الرجل من ظهره.

تحت نظرة فايزة المرتبكة، أطلق ابتسامة ثلجية وقال: “تعالي هنا يا فايزة!”

كان الاحباط واضحاً في صوت حسام ، مما كان يدل على نفاذ صبره أصيب خالد بالدهشة لوهلة عندما سمع صوته. ثم ابتسم.

شعر بفايزة تدفعه بعيداً، فسرعان ما زاد خالد ضغط ذراعيه حول خصرها، وهمس : ألا تريدين معرفة ما سيفعله إن لم ت تطيعي ما يقوله؟”

ما سيفعله؟ لم تكن فايزة بحاجة للتفكير لتعرف أنانية حسام سوف تؤلمها. سبق لهذا أن حدث عدة مرات، لذا فقد كانت تعرف الاجابة.

“… لست”

قبل أن تتمكن من انهاء اجابتها، مشى حسام فجأة نحوهما وهو متجهم.

مرحبًا!

أضف تعليق