رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل السابع و العشرون 27 – بقلم مريم محمد غريب

     رواية أوصيك بقلبي عشقا كاملة  عبر مدونة كوكب الروايات

 رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل السابع و العشرون 27

 

“كنتُ أتوق لقطرة ؛ فأنعم عليَّ بالغيث !”

_ إيمان

دخل إلى غرفته مبعثر الهيئة، عابسًا، تبدو عليه آثار ست ساعاتٍ من السفر ذهاب و إياب من القاهرة إلى الإسكندرية.. ارتمى فوق سريره متنهدًا

بينما أمه التي كانت في إثره منذ عودته إلى المنزل، اتكأت هناك على باب الغرفة و قالت بعدم رضا :

-استفدت إيه ؟ قولي يابني. أنا مابقتش فهماك يا مراد !!

زفر “مراد” مطولًا و إلتقط هاتفه و استلقى على سريره ليتظاهر بأن أمه ليست هنا …

لكن أمه مشت تجاهه مستطردة بشيءٍ من الإنفعال يزداد كلما تذكّرت الأخبار التي وصلتها :

-فريال تكلّمني و تعاتب عليك بالشكل ده. رايح فرح طليقتك تزعق و تتخانق. انت مين. هه. انت مش مراد إبني. انت ساعة بتحب هالة و ساعة عايز إيمان.. انت أنهي فيهم. ما ترد !!؟؟؟

رفع “مراد” يده ليفرك عينيه بإرهاقٍ بَيّن، و رغم التعب الذي يشعر به تطلّع نحو أمه و جاوبها بهدوءٍ :

-أنا ماروحتش الفرح أزعق و اتخانق عشان هالة.. أنا روحت عشان صاحبي. عثمان !

قطبت …

-مش فاهمة !؟

صمت لوهلةٍ ساهمًا بنظراته، ثم قال بحزنٍ لا يخلو من الندم :

-أنا أكتر حاجة ندمان عليها دلوقتي هي جوازي من هالة. يارتني ما كنت شوفتها حتى. علاقتي بعثمان باظت بسببها. ده صاحبي. أقرب حد ليا. في عز أزماتي و مشاكلي كنت بروح له هو حتى لو بعيد عنه. بسببها خسرته.. لما قريت خبر جواز هالة ماكنتش شايف قصادي غير عثمان. و لما روحت كانت حجة. غضبي كله طلع أول ما شوفته. و زاد لما اتأكدت إننا ماينفعش نبقى صحاب تاني… بس ماينفعش. أنا مش متخيّل حياتي الجاية منغير صاحبي. منغير عثمان !!!

أذهلها رد ابنها، إلى حدٍ ما، تبخر غضبها منه، و حلّ مكانه تعاطفٍ كبير

ينهض “مراد” من سريره مباشرًا خلع ملابسه و هو يقول بتعبٍ :

-أنا محتاج أنام شوية بس. لازم أروح إيمان فايق.. إنهاردة هقدم لها الشبكة. ماتنسيش تبلّغي بابا !

لم تخفِ تذمرها و هي ترد عليه :

-أبوك.. من إمتى بتحط أبوك في الحسبان. انت عارف إنه واخد منك من يوم ما اتحبست و قبلت تشيل تهمة مش بتاعتك !!

رأت علائم الضجر تتجلّى على قسماته، فكفّت عن مضايقته و هي تلملم من حوله قميصه و كنزته و تطويهم له قائلة :

-طيب خلاص. ريّح شوية.. تحب أصحيك !؟

أومأ لها و هو يرتمي فوق الفراش على وجهه …

-أيوة. كمان ساعتين بالظبط. ماتنسيش يا أمي !

لم يستغرق منه الأمر طويلًا، ما هي إلا لحظاتٍ أُخر.. و غط في نومٍ عميق …

ابتسمت “رباب” و هي تتأمله بحبٍ و اعجاب، لا تستطيع أن تنكر سعادتها به، هذا الفتى، صغيرها “مراد”.. لطالما كان رمزًا للطيش و الاستهتار بحياته و حياة الآخرين

الآن قد نضج !

بالكاد تصدق ما تراه !!!

انحنت “رباب” صوبه ممسدة على شعره بحنانٍ، و ضغطت شفتيها على جانب جبهته في قبلةٍ طويلة، ثم تراجعت عنه و وضعت ملابسه بالخزانة، أطفأت الضوء في طريقها و انصرفت أخيرًا مغلقة عليه باب غرفته

هكذا لينعم بالراحة و الهدوء أكثر وقت ممكن …

*****

لم تظن أبدًا أن نفس الحالة العاتية من الغضب و الغلّ سوف تواتيها مجددًا !

لكنه يحدث الآن، إنها غاضبة، حاقدة إلى أقصى حد، و هي تستمع إلى كلمات إبنها و عيناها تقدحان شررًا …

-طلّقتها ! .. قالها “مالك” واجمًا و آثار الضرب و الكدمات الزرقاء بادية على وجهه و عنقه

صاحت “راجية بجماع نفسها :

-طلّقتها. إزاي تعمل كده. إزااااااي و ليــه. مافكرتش في بنت أخوك مافكرتش فيـــا !!؟؟؟؟

هب “مالك” واقفًا أمام مقعدها المتحرك و هو يهتف بعنفٍ :

-إنتي عارفة ليه. عارفة طلّقتها لي. كل الأسباب إللي سمعتيها مش كافية. كان مطلوب مني أعمل إيه. أخسر مستقبلي و لا أموت عشان خاطر واحدة ×××××× زي دي. أيوة ابنك كان متجوز ×××××× و ×××× عليها. كان عارف كل حاجة. و رضي عشان كان بيحبها. لكن أنا أرضى ليه. و فوق كل ده إتهانت و إتمسح بكرامتي الأرض !!!!!

احتقن وجهها بالدماء و هي تغمغم من نواصيها بحرارةٍ :

-بنت الـ×××. بنت الـ×××. مش هاسيبها. هاسيبها.. بنت أخوك. بنت سيف. إبني سيف …

لوّح “مالك” بكفّه نافذ الصبر :

-إبنك الله يرحمه. و مراته دي تنسيها لو مش عايزة تخسري إبنك التاني. علاقتنا اتقطعت بيها هي و بنتها سمعاني يا أمي. اعتبري سيغ لا اتجوز و لا خلّف !

و استدار موّليًا عنها خارج الشقة كلها …

تركها تتآكل من شدة الغيظ، و طفى على السطح كل القبح الذي طمرته بداخلها منذ وفاة إبنها، أطلقت لسانها بعبارات الوعيد :

-مش هاسيبك يا إيمان. هاخد حق إبني منك. هاخلي حياتك جحيم. وعد مني. مش هاتشوفي يوم هنا من بعده !!!

*****

الدموع، الدموع، الدموع… لا يمكنها إيقافها !

لا زالت الصغيرة تبكي، على حالها منذ يومان، لم يفلح أحد باسكات الحزن عنها، حتى خالها، كان له تأثير طفيف عليها، حيث جعلها تهدأ، و لكنها لم تكف عن البكاء

كانت تريد أمها، و لكن أمها لا تريدها، ظلّت “إيمان” بمعزلٍ عن الجميع، لا تبارح غرفتها، توصدها بالمفتاح و لا يرق قلبها طرفة عين على صغيرتها التي تقف وراء بابها تطرق عليها و هي تبكي و تستجدي عطفها

كدأب كل يوم، يعود “أدهم” من العمل يحضر لها الحلوى، يتناول الغداء ثم يجلس معها، يحاول أن يروّح عنها و يسعدها بشتّى الطرق، لكنها لا تستجيب، حتى فقد الأمل بالفعل و كان يخشى أن تخرب نفسية الطفلة و لا تستطيع تجاوز أزمة والدتها طوال عمرها …

يدق جرس الباب، فيقوم “أدهم” حاملًا “لمى” على ذراعه و هو يهتف لتسمعه كلًا من أمه و زوجته :

-أمي مراد وصل. ادخلي شوفي إيمان !

مشى “أدهم” ليفتح الباب الأمامي، و بالفعل كان “مراد”.. وصل في موعده …

-على فكرة أنا واقف هنا بقالي ربع ساعة ! .. قالها “مراد” مبتسمًا ببساطة :

-بس ماحبتش أدخل قبل معادي

رفع “أدهم” حاجبيه مؤنبًا إيّاه :

-انت بتهرج. على أساس سيادتك غريب يعني !؟

حافظ “مراد” على ابتسامته و هو يذكره قائلًا :

-أنا مش ناسي إني خونت ثقتك قبل كده. اعترافي بحبي لإيمان كان خيانة بالنسبة لك. من يومها و أنا لوحدي بعتبر نفسي غريب يا أدهم !

رمقه “أدهم” بنظرة معاتبة و لطيفة في آنٍ، ثم أمسكه من رسغه و أمره بصرامةٍ :

-ادخل يا مراد !

انصاع “مراد” إليه، و دلف إلى الداخل، ساقه “أدهم” إلى غرفة المعيشة بين الأطفال و ألعابهم و التلفاز الذي يعرض الرسوم المتحرّكة، ذلك إثباتٍ له إنه فردًا من العائلة، لا ينقصه سوى أن يتزوج “إيمان” ليكتمل الأمر …

جلس “مراد” مداعبًا الأطفال، و أولى جلّ اهتمامه بالصغيرة “لمى”.. مد يديه صوبها قائلًا :

-لولي القمر. ازيك يا حبيبتي. مش هاتيجي تسلّمي عليا و تديني بوسة ؟

أطلق “أدهم” سراحها و حثها بلطفٍ :

-روحي يا حبيبتي !

ترددت الصغيرة بالبادئ متشبثة بحضن خالها، كانت ترمق “مراد” بكراهية واضحة، لكنها أذعنت في الأخير و نزلت عن قدم “أدهم” و مشت صوب الأخير ببطءٍ ؛

تلقّفها “مراد” محتضنًا إيّاها بعفوية، ثم رفعها ليجلسها فوق قدمه و هو يمسح على شعرها اللولبيّ الناعم …

-بوسة بقى ! .. تمتم “مراد” مشيرًا بسبابته إلى خده

لتنظر الصغيرة نحو خالها نظرة كمن يطلب الإذن، فأومأ “أدهم” سامحًا لها و هو يقول :

-بوسيه يا لمى. مراد بقى زي باباكي. من هنا و رايح ممكن تقوليله بابا لو حبيتي !

أول من جفل لهذا التصريح كان “مراد” نفسه، كلمات “أدهم” خلقت بداخله شعور لأول مرة يختبره، لكنه… شعورٌ جميل !!!

-يعني هو ده مراد إللي مامي بتحبه ؟ .. وجّهت “لمى” سؤالها لخالها

بُهت “أدهم” و لم يستطع إجابتها للحظاتٍ، لتستطرد و هي تعبس بغضبٍ و تدمع من جديد :

-ده مراد إللي مامي كل يوم بتعيط عشانه. و مش عاوزة تشوفني عشانه.. أنا مش هاقوله بابي. ده مش بابي. انا بكرهه. بكرهه. بكرهه …

و انفجرت باكية و هي تقفز من على قدم “مراد”.. أطلقت ساقيها راكضة للداخل بينما ينادي خالها عليها و اللوعة في صوته كبيرة :

-لــمى.. لـــمى !

و لكنها لم تتوقف، و اختفت بإحدى الغرف، أتت “سلاف” على إثر الصياح و الصراخ متسائلة :

-في إيه يا أدهم !؟

كانت تضع نقابها الآن، أقلقها تعبير زوجها الجازع بينما يخبرها :

-لمى. مش عارف أتصرف معاها إزاي. من فضلك يا سلاف أدخلي شوفيها فين و حاولي تهديها

أومأت “سلاف” : حاضر.. داخلة أهو حالًا

ذهبت إلى الصغيرة في الحال، ليتنهد “أدهم” هازًا رأسه بيأسٍ و هو يقول بخفوتٍ :

-الله يسامحك يا إيمان.. الله يسامحك يا أختي

ثم رفع رأسه لينظر إلى “مراد”.. لم يكن أقل توترًا، زيادةً عليه شعر بالخجل و الحرج الشديد …

تنحنح “أدهم” و هو يمد يده رابتًا على قدم الأخيرو قال :

-مراد. ماتزعلش من لمى. هي بس متاثرة بحالة أمها النفسية. و بعدين دي لسا طفلة !

أشاح “مراد” بنظراته للأمام و هو يقول متصنعًا إبتسامة :

-مافيش حاجة يا أدهم. معقول هازعل من لمى.. دي بقت بنتي زي ما قلت. ربنا يقدرني و أكون ليها الأب إللي تتمناه

رد “أدهم” له الإبتسامة قائلًا :

-أنا واثق إنك هاتكون نعم الأب ليها !

غيّر “مراد” مجرى الحديث متطلعًا إليه مرةً أخرى :

-ورقة الطلاق وصلت ؟

-المحامي قال الإجراءات كلها خلصت انهاردة. يومين كمان و هاتوصل إن شاء الله

-انت قابلت إللي اسمه مالك ده ؟

قست نظرات “أدهم” و هو يجاوبه بغلظةٍ :

-لأ. هو نفسه بيتلاشاني. بصراحة كده أحسن عشان مش ضامن نفسي لو شفته قصادي.. ممكن ارتكب جريمة !

ابتسم “مراد” بخفةٍ مرردًا بعقله : “ماتقلقش.. أنا قمت بالواجب و زيادة !” …

-تعالي يا إيمان ! .. هتف “أدهم” فجأةً

لينظر “مراد” حيث وجّه الأخير نظراته !!!

أخيرًا، ظهرت “إيمان” إلى جانب والدتها، متشحة بعباءةٍ سوداء، وججها أبيض شاحب في الحجاب الداكن، تنظر للأرض و لا تتكلم

اقتربت فقط إنصياعًا لكلمة أخيها، جلست في الكرسي المجاور له و جلست “أمينة” في الأريكة الصغيرة وحدها …

-مراد جاي يقدم لك هدية ! .. قالها “أدهم” مخاطبًا أخته، و تابع ناقلًا ناظريه بينها و بين ابن خالته :

-مش هاعتبرها هدية خطوبة لأن الخطبة في فترة العدة محرّمة. لكن هو صمم يهاديكي و الهدية مقبولة.. و لا مش حابة !؟

مرّت لحظاتٍ طويلة من الصمت، ثم رفعت “إيمان” رأسها و نظرت مباشرةً في عينيّ “مراد”.. توقفت أنفاسه لبرهةٍ و هو يحدق في عينيّ المها خاصتها

كانت تبرق الآن، الشيء الوحيد الذي يتوّهج في ملامحها الشاحبة، أسرته حتى في بؤسها و كآبتها، و استطاع أن يرى تاثيره السريع عليها في تخضيب وجنتيها بالحمرة الطفيفة الآن

اطمئن

أدرك بأن الأمل لا زال معه، و أن بامكانه مساعدتها، لأنها لا زالت تريده ربما أكثر مِمّا يريدها …

-حابة !

خرجت الموافقة من فمها جافة، فزحفت يد “مراد” على الفور و أستلّ من جيب سترته علبة مخملية مستطيلة الحجم، نظر إلى “أدهم” يطلب الإذن :

-تسمح لي أقدمها لها !؟

حذره “أدهم” : حافظ على المسافة !

ابتسم “مراد” بامتنانٍ، قام و مشى صوب “إيمان”.. توقف على بعد قدم و ركع أمامها على ركبة واحدة، ثم فتح العلبة أمام عينيها الامعتين، لتبرز إليها سلسلة من البلاتين الخالص، بدلّاية مرصعّة بالألماس تتوّسطها ما يشبه الفقعة

كانت جميلة و مثالية كفايةً حتى أوضح “مراد” لها مشيرًا بسبابته لتلك الفقّعة :

-دي عدسة صغيرة، لو بصيتي جوّاها هتقري الجملة دي.. بصي كده !

فعلت “إيمان” ما يمليه عليها، ألقت نظرة في العدسة التي قرّبها إليها أكثر، و بالفعل استطاعت قراءة هذا : “أحبكِ بكل اللغات” …

تلقائيًا رفعت بصرها إليه مبهورة، رفرفت بأجفانها بينما يبتسم لها برومانسية محركًا شفتيه لتقرأ ما يهمس به بلا صوت :

-بحبك !

و لأول مرة منذ فترةٍ طويلة جدًا

ابتسمت “إيمان” !!!

و أثرت سعادتها اللحظية على الجميع، أصابت عدوى الابتسام كلًا من أخيها و أمها، و تنهد “أدهم” براحةٍ ممنيًّا نفسه بمستقبل مشرقٍ و هانئ للجميع …

يوم الزفـــــــاف !

أضف تعليق