رواية محامية قلبي الفصل الثامن 8 – بقلم أمل شعبان
محاميه قلبي الفصل 8
الخبط كان عنيف، والقلق في البيت مولّع نار.
أم زينب قربت من الباب، إيدها بترتعش وصوتها بيقول بصوت مخنوق:
> “ماشي… مين اللي على الباب؟!”
فتحت الباب…
ولقت زينب!
واقفة على الباب، هدومها مكركبة، وشها باهت، وعنيها عاملة زي اللي شاف نهاية العالم.
الأم شهقت:
> “زينب! كنتي فييييين؟!”
دخلت زينب وهي ساكتة، ماشية كأنها داخلة تعزي في روحها.
رمت شنطتها، واتلقحت على الكنبة وقالت بصوت مبحوح:
> “ما تكلمنيش.”
ندى كانت قاعدة في الركن، دموعها واقفة عند جفنها، بس أول ما شافتها، قالت بصوت عالي:
> “الحمد لله! أنا كنت هموت! قلبي كان بيقولي إنك اتخطفتي!”
مريم رفعت حاجبها وقالت ببرودها المعتاد:
> “اتخطفت؟ دي شكلها خطفت حد هي! إيه اللي حصل النهارده في الشغل؟”
زينب بصّت لها نظرة تشاؤم قاتلة، وقالت بنبرة مخنوقة:
> “إنتي… إنتي بالذات ما تتكلميش! أنا اصطبحت بوشّك النهارده، وده كان أول نذير شؤم… ومن بعدها اليوم قلب على فيلم رعب نفسي، بكل فصوله!”
بقلم امل شعبان محاميه قلبي
الأم قربت منها، حطت إيدها على خدها، بتدور على إجابات وسط الصدمة:
> “قوليلي يا بنتي، حصل إيه؟ ندى خوفتنا، قالت إنك رايحة تودّي المستندات للأستاذ ياسين، وبعدها تليفونك اتقفل، واختفيتي! قلبي كان هيقف!”
زينب خدت نفس طويل، عنيها بتزوغ من وشّ لوشّ، لحد ما استقرت على أمها، وقالت وهي بتعدّل قعدتها:
> “أنا ما فيّاش أعصاب أشرح… اللي شُفته النهارده؟ لو حد غيري شافه، كان اتحجز في مستشفى المجانين وهو بيضحك وهو رايح!”
سكتت لحظة، وبصّت لندى، وعدّلت قعدتها على الكنبة، وسابت نفسها تغرق فيها كأنها داخلة مصحة استشفاء، وقالت بصوت مبحوح، فيه تهزيق، وفيه وجع، وفيه لمحة ضحكة بايظة:
> “إنتي السبب يا ندى…
والله لو كان عندي وقت كنت عملت لك قضية تحريض على الانتحار المهني!
من يومين وانتي قاعدة تقولي لي: لازم تشتغلي يا زينب، لازم يبقى ليكي كيان، لازم تعتمدي على نفسك…
أهو نزلت، أول يوم شغل، وبدل ما ألاقي كيان… لاقيت نفسي بتشد من شعري في فيلا، وسط صريخ وجنّان وخيالات صوتية!”
مريم ضحكت ضحكة صغيرة وقالت وهي بتقلب في الموبايل:
> “ده انتي لو اشتغلتي ممثلة دراما نفسية، هتكسري الدنيا.”
زينب رمقتها بنص نظرة وقالت:
> “ما تخلينيش أبدأ فيكِ يا مريم… أنا اصطبحت بوشّك، ودي كانت أول علامة من ربنا إني ما أنزلش الشغل أصلاً!”
ندى كتمت ضحكتها، وقالت بخبث:
> “يعني مش ناوية تروحي بكرة؟”
يتبع
نسيب زينب وناخد لفه عند ياسين
في مكان آخر… حيث تُلقى الظلال على الوجوه، وتُكشف النوايا بالصمت.
فيلا ياسين السيوفي.
الصمت في الفيلا تقيل…
بس مش زي صمت الأماكن الباردة،
ده صمت الأماكن اللي حصل فيها حاجة… وسابت ريحة مش بتنتهي.
في الطابق العلوي،
كان ياسين قاعد جنب سرير أخوه،
اللي أخيرًا… لأول مرة من سنتين، بينام من غير دواء.
محامية قلبي – الفصل التاسع
“ولأنها مرّت كنسمة، أقلقَت ما ظنّه ثابتًا.”
بقلم: أمل شعبان
في العتمة نصف المضيئة، رائحة الدواء ما زالت عالقة في هواء الغرفة،
تلك الرائحة التي اعتادها ياسين، دون أن يعتاد الألم المتخفي خلفها.
أخوه أحمد كان نائمًا على السرير،
هادئًا…
أكثر هدوءًا مما ينبغي لرجل عاش سنتين وهو يقتات على الشك،
يرتعش من اللمسة، ويكره القرب،
ويطعن الجميع بنظراتٍ كأنها سكاكين مغموسة بالخيانة.
لكن الليلة…
نام.
ببساطة.
من دون مهدئ.
من دون مقاومة.
بسببها.
الفتاة التي دخلت هذا المكان بخوفٍ واضح،
برعشة في أطرافها، وصوتٍ مخنوق من أثر الحياة…
وخرجت وهي تترك خلفها أثرًا لا يمكن مسحه.
جلس ياسين في الظل، قرب السرير، لا يتحرك.
عيناه معلقتان بالظلمة،
لكن في حضنه…
كان جزدانها.
سقط منها وهي تهرب…
وكان يمكن أن يتجاهله.
أن يضعه جانبًا، أو يرسله في الغد مع أحد الموظفين.
لكنه لم يفعل.
كأن شيئًا فيه كان يبحث عن عذرٍ ليبقى متصلاً بها.
عن أي خيط يعيده للحظة وجودها.
فتح الجزدان بصمت.
بخشوعٍ غريب.
كأن يديه تخشى أن تُدنّس ما لم يكن لها.
بطاقة شخصية،
اسم بسيط: زينب محمد عبد السلام.
مواليد..2003
خريجة حقوق.
مجرد سطور.
لكن تحتها عالم كامل لا يظهر في الحبر.
هو لا يعرفها.
لكنّه رآها.
أمام عينيه.
في لحظة لم تكن تشبه أي لحظة.
وحين مدّ يده إلى الجيب الداخلي،
وجد الصورة.
ورقة قديمة، مطوية، فيها شيئ من الزمن… وشيء من الضحك الحقيقي.
فتاتان، في العشرين تقريبًا.
إحداهنّ كانت هي.
لا تضع ميك أب.
لا تصطنع زيفًا.
وجهها كان بسيطًا،
لكن ابتسامتها…
تضرب.
في الصورة، كانت تضحك بقوة،
بلا خجل، بلا حذر،
تمد لسانها مثل الأطفال،
كأنها تتحدّى الكآبة،
كأنها تقول: “لن تنكسرني الدنيا، حتى لو جرّتني خلفها.”
وهو…
ابتسم.
ابتسامة نادرة، هادئة،
خرجت منه دون إذن،
كأن قلبه ابتسم أولًا، ثم لحق به الوجه.
شيءٌ فيه انجذب للصورة.
ثم لها.
لم يكن حبًا.
لم يكن إعجابًا.
بل شيء أعمق…
رغبة خاملة بالاطمئنان، بالحياة، بالدفء.
رفع رأسه نحو أحمد،
كان نائمًا بعمق.
كأن لم يحدث شيء.
كأن كل ما سبق من صراخ وشكّ وخوف،
ذُوّبته نظرة،
ولمسة يد.
> “لو صحى وما لقاهاش…”
تسللت تلك الفكرة إليه،
فجعلته يقبض على الصورة كأنها شهادة نجاة.
أحمد لم ينم منذ عامين.
لم يصدق أحدًا منذ أن خانته “نادين”.
حتى ياسين…
لم يعد يثق به.
لكنها…
صدقها. من اللحظة الأولى.
ليس لأنه عرفها،
بل لأنه شعر بها.
صوت خافت من خلف الباب، قاطع السكون:
> “العشاء جاهز يا أستاذ ياسين.”
محاميه قلبي بقلم امل شعبان
لم يجب.
ظل صامتًا،
صورة زينب بين يديه،
وقلبه بين احتمالات كثيرة،
أخطرها:
أإما إن القدر فتح له باب…
أو إنه خسره من قبل ما يعرف إنه موجود.
نسيب ياسين وناخد لفه عند زينب 😂😂
بدأ الصباح في بيت زينب كأنه امتداد طبيعي لليل ما نامش كويس،
صمت مكسور بأنفاس متوترة،
ووشوش ملامحها باهتة من كتر ما اتفرمت تحت ضغوط الأيام.
زينب كانت لسه على الكنبة،
ما قامتش،
ولا حتى حاولت تعدّل هدومها اللي رجعت بيها امبارح.
نفس الجاكيت، نفس البنطلون، ونفس التعب.
البيت صاحي،
بس صاحي بصوت أمها اللي كان دايمًا أول حاجة بتخترق اليوم:
> “يا مريم! قومي ذاكري! داخلة على امتحانات وانتِ ما فالحاش غير في التليفون!
ألقيها منك ولا من اللي متلقّحة على الكنبة برّه؟!
خسارة تربيتي فيكم… ضيّعت عمري وشبابي عليكم.”
الصوت جه من المطبخ، متقاطع مع صوت المعالق والحلل،
زي كل يوم…
بس النهارده كان أثقل.
مريم ردّت من أوضتها، بنبرة شبه نايمة، شبه زهقانة:
> “أهو اصطبحنا بالأسطوانة بتاعة كل يوم…”
ما كملتش جملتها،
غير لما طار غطا الحلة من المطبخ،
ارتطم بالحائط، وعمل صوت معدن مفاجئ،
فمريم جرت، ضاحكة وهي بتتفادى القصف.
الأم خرجت من المطبخ،
عيونها لسه مولعة،
واتجهت مباشرة لزينب اللي لسه مرمية على الكنبة، مغطية نص وشها بالإيد.
وقفت قدامها،
ونزل الكلام تقيل… مش بس على الودن، على الروح:
> “قومي يا خيبة الرجاء…
لا نافعة في شغل، ولا نافعة في حاجة.
قومي، اتعلمي لك حاجة تنفعك.”
زينب ما فتحتش عينيها،
لكن صوتها طلع واهي، مخنوق، كأنها بتتكلم في نومها:
> “ياه… حتى النوم حرام نناموا؟”
وفي اللحظة دي، الباب خبط.
مريم راحت تفتح،
ولما شافت ندى وقفت قدامها، رفعت حاجبها بسخرية وقالت:
> “تعالي اسمعي فضايحنا… ما هي خلاص بقت مسموعة أكتر من نشرات الأخبار.”
ندى دخلت، ضحكت وهي بترد:
> “الحي كله عرف حياتكم أكتر منكم… من صوت طنط، اللي بقى زي سرينة إسعاف ماشية في الحارة.”
خطت ندى ناحيّة زينب،
اللي كانت قايمة نص قعدة، بتعدل مخدتها تحت ضهرها من غير حماس.
بصّت لها وقالت:
> “عجايب الدنيا جت…
مش ناوية تروحي الشغل تاني يا زينب؟ بجد؟”
وقبل ما زينب ترد،
جاء صوت الأم واضح من وراهم، مش محتاج مايك:
> “شغل إيه ولا زفت إيه؟ كفاية اللي حصل امبارح!
وبعدين… اللي زيها دلوقتي يكون فاتح بيت!”
زينب بصّت لها…
نظرة ما كانتش تحدي، كانت شبه يقين.
ضحكت ضحكة صغيرة وهي بتعدّل قعدتها على الكنبة، وقالت:
> “ما أنا عارفاهم…
بيت بيت… وكلهم عاوزين يتطلقوا.”
أمها بصّت لها، وعلى وشّها حاجة بين الضحكة والكتمان.
كأن الكلام اللي قالته زينب مسّ وتر جواها، بس كبرياءها ما يسمحش تضحك.
ضحكت بطرف شفايفها، بسرعة خبّتها،
وشخطت وهي بتقلب وشها ناحية المطبخ:
> “ضحك؟
هو إحنا فـ مولد سيدي العريان؟ قوموا من وشي بقى!”
مريم، اللي كانت قاعدة على طرف الكرسي،
رفعت عينيها من الموبايل، وقالت بنبرة فيها خبث طفولي:
> “أنا ما شفتش نحس بيمشي على رجلين قدك يا زينب…
كل ما تحاولي تقومي، الدنيا تلاقيها قاعدةلك.”
ندى كانت جنبهم، محشورة بين ضحكتها اللي مش راضية تهدى،
وبين محاولتها تبان جدّ.
مسكت بطنها وقالت وهي تتهز من الضحك:
> “يا ربي يا بنتي… دا حظك لو لبس جزمة، يقع في البلاعة!”
زينب رفعت عينيها وبصّت لهم،
كانت الضحكة طالعة منها رغمًا عنها،
مش ضحكة سخرية…
ضحكة اللي تعوّد يضحك بدل ما يعيط.
عدّلت قعدتها، وفردت ضهرها كأنها بتمثل مشهد على مسرح واسع،
وقالت بنبرة فيها حتة مرارة وحتة فُكاهة:
> “أنا؟
أنا لو اخترعوا برشامة حظ مخصوصة ليّا،
أول ما أبلعها…
تتحشر في زوري
في اللحظة نفسها،
بينما كانت زينب غارقة في أجواء بيتها، وسط الجدل والضحك المختلط بالألم،
كان ياسين السيوفي يقف أمام المرآة، يرتّب رابطة عنقه، ويجهّز نفسه للخروج إلى المكتب.
لكن خطواته توقفت فجأة،
حين سمع صراخًا يأتي من الطابق العلوي…
صوت أخيه “أحمد”.
ركض ياسين بسرعة، صاعدًا الدرجات دون أن يشعر بحذائه الثقيل،
وبمجرد أن فتح الباب، وجد الممرضة التي تتابع حالة أخيه واقفة أمامه، تحاول تهدئة أحمد، الذي كان في حالة هيجان كامل.
عينيه كانتا تلمعان بالخذلان،
وصوته مخنوق بالغضب وهو يصيح:
> “أنا مش هاخد أي دواء!
أنا عاوز زينب!
هي وعدتني… وقالت مش هتسيبني!”
ثم بدأ يكسر كل ما تصل إليه يده في الغرفة: مزهرية، كأس ماء، علبة أدوية.
كل شيء صار هدفًا لغضبه الطفولي المؤلم.
الممرضة كانت تحاول تهدئته، لكن بلا جدوى.
اقترب ياسين بسرعة، أمسك بيد أحمد المرتعشة، ونظر في عينيه مباشرة:
> “ممكن تهدى؟
زينب رايحة تجيب حاجة، وهتيجي تاني… وعدتني.”
لكن أحمد شدّ يده بعصبية،
صوته ارتفع أكثر، والدموع تلمع في عينيه:
> “إنت كمان بتكذب عليا!
كلكم كذابين!”
عاد ياسين يمسك يده من جديد، بنبرة حازمة، لكن فيها حنو لا يخطئه أحد:
> “بصلي كويس…
وعد عليا، لو خدت علاجك، وكلت كويس، زينب هتيجي.”
توقّف أحمد فجأة،
نظر إليه بنظرة فيها مزيج من الشك والرجاء، كأنه طفل ضائع يبحث عن حب وسط الركام:
> “وعد؟”
أومأ ياسين بهدوء:
> “وعد.”
بدأت الممرضة تجهّز الحقنة، وفي الوقت نفسه، أدار أحمد وجهه قليلًا، كأنه سلّم نفسه للطمأنينة.
سمح لها أن تعطيه العلاج، لأجل وعد واحد فقط.
خرج ياسين من الغرفة بهدوء،
لكن قلبه لم يكن هادئًا.
توجّه نحو المكتب الداخلي في الفيلا،
فتح الدرج الأول في مكتبه، وأخرج منه جزدان زينب…
ظلّ يتأمله قليلًا، أصابعه تلمس أطرافه كأنها تستجدي بقايا أثر منها.
ثم التقط هاتفه،
وضغط على اسم مسجل: الأستاذة سارة، زميلته في مكتب المحاماة.
رنّ الهاتف، وجاءه صوتها سريعًا:
> “صباح الخير يا أستاذ ياسين.”
سألها فورًا:
> “زينب… موجودة؟”
لكن صوت سارة جاءه مترددًا، فيه شيء غير مطمئن:
> “الحقيقة… هي اتصلت علينا الصبح، وقدّمت استقالتها.”
سكت ياسين للحظة،
شعر بتوتر مفاجئ في صدره، كأن خيط الوعد الذي منحه لأحمد بدأ يتقطع.
أغلق المكالمة، وعاد فورًا يتصل برقم آخر:
“عم حسين”،
يتبع
💥 في الفصل الجاي من محامية قلبي…
ياسين هيقرب خطوة… وزينب يمكن تهرب عشر.
لكن لما القلب يقول “ارجع”، هل الكرامة هتسكت؟
😅 ضحكة، 💔 وجع، 💥 ومفاجأة محدش هيستناها!
🖤 لو الرواية لمست قلبك… اعمل لايك وتعليق، وخليك مستني الحكاية تكمل!
لأن اللي جاي… مش عادي أبدًا.
• تابع الفصل التالى ” رواية محامية قلبي ” اضغط على اسم الرواية