رواية لغة بلا حروف – الفصل الثالث عشر 13 والأخير
قومنا من قُدام الأكل وأنا بترعِش ومنصور مكشر من اللي سمعُه في ميكروفون البلد، بعدها بدأت أقوله بصدمة: هنعمل إيه؟؟؟ إنت سمعت قالوا إيه!
غمض منصور عينيه وفتحها بتوتُر وهو بيقول: سمعت.. مش هنعمل حاجة لإن ملناش دخل.
بصيتلُه بصدمة وقولتله: إنت ناسي إنك ضربته قصاد البلد كُلها! وهددته من تحت لتحت كمان! أكيد حد هيشهد عليك دي مفيهاش كلام.
منصور بضيق: مش دي مُشكلتي خالِص، أنا كِدا مش هعرف مين وراه ومين محركُه!
كُنت بعُض في ضوافري وأنا ببُصله بخوف راح قالي: إلبسي بسُرعة، هنروح نقعُد مع أمي كإننا منعرفش حاجة.
تقريبًا من ضيقته وخوفه نسي أخوه عمل فيا إيه وأمه قالت إيه، لكِن محبيتش أعارضُه عشان كان بالفعل متضايق، لميت الأكل بسُرعة وقولت طالما هو جاي معايا يبقى مفيش حاجة أخاف منها.
دخلت لبست عياية وطرحة ومسكت إيدُه ونزلنا، روحنا لبيت حماتي ودخلنا لقيناها قاعدة بتنقي رز، ومفيش حد قاعد معاها
أول ما شافت منصور رحبت بيه جامد، ولسبب لا أعلمه كانت بتبصلي وتبتسم بترحاب مُجاملة، وبعدين تبعد عينها عني خالِص.
قعدنا فـ قال منصور: أومال إبنك ومراتُه فين؟
قالت وهي بتكمل تنقية: راحوا بيتهُم يريحوا شوية، عشان أخوك بالليل رايح عزا الولا عادل اللي مات.
برق منصور وقال بإنفعال غير مُبرر: هو بيستعبط يعني ولا إيه؟ ماهو شايفني ماسك الواد عاجنُه قُدام المنطقة كُلها!
حطت مامتُه الصينية اللي بتنقي فيها على جنب وبصتلُه بعتاب وقالت: وإنت تضرُبه ليه وتدخل نفسك في المواضيع دي ما يتقطم رقبته هو وأهله كلهُم، بتدور وراهُم ليه!
لاحظت على وش منصور علامات صدمة في والدتُه وأخد وقت على ما إستوعب ونطق، قالها بدهشة: في ولد صغير قتلوه عشان يفتحوا المقبرة لإن الولد زوهري! وفي إبن عم عادل اللي إتقتل عشان مرضاش بظُلم عيلة الطفل والطفل نفسِه! إزاي شايفة دا كُله عادي وملناش دعوة بيه.
عدلت الإيشارب على راسها وهي بتقول بهدوء: يابني يا حبيبي الله يهديك إنت راجل فاتح بيت وساندني، ساند أمك.. وجايلك عيل في السكة مين هيربيه لو جرالك حاجة! أهُم خلصوا على عادل وهيدوروا عليك، أفرح بشباب مراتك لو جرالك حاجة ولا أعمل إيه؟
منصور بتصميم: أنا لازم أعرف مولاهُم دا فين اللي بيديهُم التعليمات، دا سبب البلاوي كُلها.
خبطت أمه على رجليها وهي بتقول بحزم وعصبية: إنت لا هتعرف ولا هتسوي، أنت هتاخُد مراتك تقعدوا كام يوم في القاهرة ومش هنقرب لبيت عيلة عادل خالص كلهُم شافوك وإنت بتضربُه وبتهددُه.
قبل ما يرُد عليها لقينا الجرس بتاع العمارة بيضرب، فـ شاورتلهم بإيدي إني هفتح لكِن منصور قام قبلي وقال: إقعدي وإعدلي طرحتك.
مقدرتش أقعد قومت وراه وكُنت بترعش لإن الأوضاع مش تمام اليومين دول في البلد.
فتح منصور الباب ولقيت اللي كُنت متوقعاه، ظابط شُرطة وعربية شُرطة.
منصور بإستغراب: خير يافندم.
الظابط بحزم: عاوزين المدعو منصور..
بل شفايفُه وقال: أنا، ممكن أعرف عاوزيني ليه؟
الظابط بـِ حزم: إتفضل معانا وهتفهم كُل حاجة في القسم.
وقفت أمه وشكلها كان مذعور، وأنا خلاص حسيت الدنيا بتلف بيا والهبوط زاد عندي.
مسكت دراع منصور وأنا بقول بتبريقة: لا! هتاخدوه عشان ضرب عادل صح؟ أنا عارفة ضربه ليه وعندي شهادة لازم أدلي بيها.
منصور بعصبية: إسكُتي إنتِ وخُشي جوة!
قولت بعصبية زيه وذُعر: لا مش هسكُت، لو سمحت عاوزة أدلي بشهادتي دا من حقي.
الظابط بص ليا وقال: طب إتفضلي معانا.
منصور وهو بيتحرك معاهُم: بالراحة عليها عشان هي حامل، محدش يلمسها لو سمحت.
إتحركنا وخرجنا مع الشُرطة ونظرات أهل البلد لينا كُلها ضغينة وسامعين همهمات الحسبنة علينا بوداننا.
وصلنا لـِ قِسم الشُرطة، وبينما أنا ماشية جنب منصور قالي بعتاب: إنتِ كدا هتوديني في داهية لو قولتي إني كُنت شاهِد على المُشادة بين عادل وإبن عمُه! هيقولوا مجيتش تدلي بشهادتك ليه.
قولتله بهدوء وتماسُك: متقلقش، أنا هقول اللي حصل من طرفي أنا، وإني شوفت الجريمة وسكت.
منصور بصدمة: إنتِ إتجننتي!!! هتودي نفسك في داهية!
مرديتش عليه وهو عمال يعاتبني بهمس ويترجاني أسكُت مقولش كدا.
دخلنا مكتب الظابط وقعدنا، وبدأ الـ س والـ ج.
كُل ما أجي أنطق الجُزئية اللي تخُصني منصور يبُص ليا بتحذير، لساني يتلجِم.
مُعظم الأسئلة كانت موجهة لمنصور وإيه سبب ضربُه لـ عادل.
الظابِط: س/ ما سبب تعديك بالضرب على المجني عليه قبل وفاتُه؟
منصور بهدوء: كان بيوقف تحت بلكونة بيتي وبيعاكِس مراتي، وعندي ما يُثبِت دا.
الظابِط بتساؤل: إيه هو ما يُثبِت؟
منصور: كاميرا المدخل عندي جيباه وهو واقِف بالساعات تحت البلكونة.
الظابط بهدوء: س/ ما ردك على أقوال الجيران الذين شهدوا المُشادة بينك وبين المجني عليه وتهديدك لهُ نصيًا بالفم (هخليك تحصل إبن عمك؟)
منصور بهدوء: يافندم الواحد وهو متعصب بيقول أي شيء ينفُث بيه عن غضبُه، ودا اللي حصل!
قبل ما يسأل الظابِط سؤال كمان، خبط الباب بتاع المكتب فـ أمر الظابِط الطارِق بالدخول.
دخل العسكري وهو بيأدي التحية العسكرية وبيقول: تمام يافندم، في ست برا بتقول إنها والدة منصور عندها شيء مهم عاوزة تقوله عن القضية.
الظابط بنفاذ صبر: خليها تدخُل.
دخلت حماتي وعينيها كانت حمرا من العياط، غمضت عينيها وأخدت نفس عميق وهي بتقول: أنا جاية أعترِف إني شريكة مع الناس اللي كانوا عاوزين يفتحوا المقبرة.
إنتفض منصور في كُرسيه! وأنا زي ما يكون حد دلق عليا مياة ساقعة ومش مستوعبة اللي بسمعُه.
الظابط بصدمة: لا معلش يا حجة، فهميني واحدة واحدة اللي حصل.
وقف منصور وأمه قعدت مكانُه وهي بتقول: إحنا لينا أراضي زراعية على اليمة التانية من البلد، بنراعيها وليا قريب إسمُه لُطفي حمدان بيراعيلي أرضي لإني مبقدرش أتحرك كتير.
تحت بيت حمدان وسط الأراضي الزراعية لقيوا باب مقبرة، والباب فيه زي فتحة بتوريك اللي جوة.. أثار وحاجات بملايين.
لطفي كلمني يومها وقالي عن اللي حصل، وإنه إتخض لما لقى الباب بعد ما أرضية البيت كان فيها حتة تحسها واقعة عن الباقي مش متساوية
طب الباب بيفتح يا لطفي قالي لا، معرفتش أعمل إه بس عارفة إن أم عادل الله يرحمه ليها قريب يعني مكشوف عنه الحجاب، فـ عملتلها زيارة وسألتها عن قريبها دا وكان الواد عادل قاعد معانا، إدتني رقمُه قولتلها عشان إبني منصور مبيخلفش فـ عيزاه يعمله زي حجاب أو حاجة.
الواد عادل شك، ومشي ورايا عشان يتأكد الموضوع كدة ولا لا، وسألني وقولتله أومال هروح ليه؟
لما روحت الأرضية مع لطفي عشان أشوف المقبرة كان الواد دا ورايا.
وقالي فيها لاخفيها، وكلمت قريب أمه وجه شافها معانا بالليل.. قال لازم عشان باب المقبرة يتفتح، دم عيل صغير نفدي بيه الحارس، ودم قطة أبصر معرفش مصر القديمة كانوا محرمين قتلهم فـ دا هيعمل زي حاجة معاكسة، وحاجات تانية زي بخور مريمية وكدا
كانت مُشكلتنا في الواد وعادل قال هيدبره، العيل اللي كان في الشوال والقطة دول اللي إستخدمنا دمهم، والراجل اللي كان شايل الشوال مكانش يعرف حاجة عن اللي فيه دا عادل قاله إرميه بعيد وهديك اللي إنت عايزة، بس كان شاكك لإنه شافني قبل كدا مع عادل كذا مرة، فـ كان بيبُص على بيتي وبيت منصور وبيقلبها في دماغه.
منصور حس إن رجليه مش شيلاه فـ سند بدراعُه على الحيطة وحسيتُه جسمه بيتنفض جامد.
الظابط سألها فجأة: مين اللي قتل عادل يا حجة؟
حماتي بمحاولة تماسك: لطفي حمدان هو اللي قتله، بأمر مني.
برق منصور وأنا غطيت بوقي بإيدي عشان مصوتش.
الظابط بصدمة: بأمر منك؟ ليه!!
دموع نزلت على وشها وقالت: كان عايز يأذي إبني منصور عشان ضربه، كان مرقدله زي ما رقد لإبن عمه وقتله..
قضيتين إتحلوا في يوم واحد، بل ثلاث قواضي كمان!
حماتي بنهاية لكلامها: يعني إبني مضربهوش غير عشان كان بيوقف. تحت بيته يراقب هينزل إمتى عشان يخلص عليه.
خمس ساعات إحنا الثلاثة في غرفة وكيل النيابة، أمر بخروجي أنا ومنصور بكفالة، وحبس حماتي على ذمة التحقيق لمدة أربع أيام.
والقبض على المدعو لطفي حمدان، وتفتيش المنزل اللي تحته المقبرة وتجريد محتواياتها.
معرفناش فتحوها ولا لا.
غير لما الظابط قال: يعني في حاجات إتباعت من المقبرة؟
قالت حماتي: ايوة لطفي باع قطعتين أثار، بس لسه نصيبي من فلوسهم موصلنيش، اللي عطل وصول الفلوس هو إنشغال لطفي بقتل عادل.
ثلاث أيام منصور مبيحُطش حاجة في بوقه، ثلاث أيام بين تهامس الجيران علينا في الرايحة والجاية
بعد القبض على لطفي وإعترافه والحكم على حماتي بـِ١٥ سنة سجن، وإعدام لطفي حمدان بكذا تهمة.
سافرنا أنا ومنصور برا مصر، عشان مكوناش قادرين نعيش وسط التهامس علينا بالمنظر دا.
وبقيت في منتصف شهور حملي، بطني قُدامي ومنصور بيروح شغله وحياتنا إستقرت، بس مش أوي
لإني مقدرتش أساعده يتعافى ولو شوية مِن صدمته في أمه
هي لحقتُه على أخر لحظة وإعترفت على نفسها عشان تنقذه، لكِن ذنب كل اللي ماتوا هيبقى في رقبتها.
دلوقتي عيشتنا إستقرت في أميريكا، لكِني كرهت البلكونة جدًا، وظبطت نومي على الساعة 8 بالليل عشان ميصادفش وأصحى بالليل أو أسهر، وعشان الحمل كمان.
وفي النهاية.. مفيش شيء يستاهل تدخُل جهنم عشانه، الفلوس متستحقش تحرق قلب ناس على ولادهم عشانها، ولا تكفر بـ ربك
أه هتبقى وصمة عار في عيلة منصور للأبد، وفي رقبتي لإني منهم
وفي رقبة إبني اللي جاي عشان دي جدته، لكِن
يكفي إننا معملناش شيء يغضب ربنا.. غير بس إننا كتمنا شهادة إني شوفت الجريمة، وإن منصور شاف تهديد عادل لإبن عمه.
تمت..
- اقرأ ايضا روايات روزان مصطفى عبر كوكب الروايات
الفهرس كاملاً بجميع الفصول عبر الرابط التالي (رواية لغة بلا حروف) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.