رواية اسير العشق الفصل العشرون 20 – بقلم نور الهادى
آدم زاغ بنظره ناحية الدخان،ولقى اليافطة…
يافطة حداد قديمة،واقعة، محرو.قة، متفحمة،كانت دى ورشة ادم.. ورشته بتو.لع
رِجله اتراخت، قرب أكتر…ولقى الناس متجمعة،عيونهم عليه، لكن مفيش حد بيقول ولا كلمة،كأنهم شايفين في وشه حاجة أفظع من النار.
كانو بيملو ميا ويحاولون يطفو لكن مش عارفين، عاصم بيجى ويقف مصدوم ويبص للورشه بدهشه بيبص لاخوه الواقف قدامها
واقف ساكن وشافها… الورشة، حلمه، عمره، عرقه، كلها النا.ر بتاكلها وتحولها لرماد
اندفع زي المجنون، رمَى نفسه في قلب النار،
كأن اللى بيتحرق جوه مش حيطان حديد…
دي روحه.
بصوله الناس بشده لقوه بيكسر مسورة الشارع
-بتعمل اى يا ادم
سحب جردل وملاه وبيجرى يرميه فى المار لطنها كان بتأوج فى وشه، بيرجع يملا ويجرى بيحاول يطفيها باي طريقه، رجلُه كانت بتخبط في صفيح سخن مولّع،
لكن ولا وجع حسّه، كله كان ساكت جواه… إلا صوت بيصرخ:
“مش هسيبها، مش هسيبها!”
الناس جريت عليه، شدوه من ضهره،
– “يا بني إهدى! هتموت!”
بس هو بيزقهم، بيرجع تاني ناحية الورشة،
عيونه كانت مولّعة أكتر من النار… والجردل من اللعب بيسيح
فكيف يكون جسده وأيده اتحرقت، هدومه اتشقق منها جزء، والدخان لف وشه، سعاله كان بيقطع صدره،بس هو مستسلمش.
دخل الورشه اتصدم عاصم قال-اددددم
-اخرج يااابنى
بيشيل صناديق متفحمة، بيزق السور،
بيحاول يمنع النار توصل للمكان اللى فيه المعدات الجديدة،اللى لسه شاريها من اول امبارح!
كل خطوة بياخدها كانت بتسيب علامة نار على جلده،بس هو مش شايف…
شايف بس عمره بيتاكل. فجأة…
إيد قوية زقّته بقوة لورا وكان عاصم الى قال
-انت اتجننت عايز تدخل جوه
مردش ادم عاصم مكنش مصدق عينيه مش إن آدم بيرمي نفسه في الموت بالشكل دا.. أخوه فى حاله يرثى لها
ادم بيقوم ويرجع لنار تانى قال- لازم اوقفها
عاصم- جسمك اتحرق اهدى بقا هتو،لع فى نفسك عشانها ما فستين داهيه ده حته صفيح
قالها عاصم بجهل لانه مش مدرك الصحيح دى اى
ادم- حياتى بتو.لع جوه
كانت جمله كفيله تسكت عاصم وتعرفه انه مش ساذج يمو.ت نفسه صفيح بل ده شغله وحياته ومصدر رزقه.. الصفيح كانت دخله الوحبد
عاصم بضيق
– المطافى زمانها جايه.. كفاية عليك كده! دي حاجات بتتعوّض… إنما إنت… مش هنعرف نجيبك تاني!”
آدم بيصرخ بصوت مخنوق
– “أنا اللى بنيت دا، بإيدي!دي مش ورشة…دي أنا يا عاصم!”
-هتستريح يغنى لما ترجع لماما مو.لع.. ولا.. ولا اسير
سكت ادم من ذكر اسمها
علصم-هتفرح من ال بتعمله ده لما تتأذى
الناس بتساعد، المياه بتتضخ،لكن النار كانت متمسكة،زي ما تكون بتنتقم..كان مشهد مرعب…بس الأشد منه كان آدم صامت والجلد بتاعه متفحم، والحريق بيخمد…
بس الحريق اللى جواه،لسه بيولع.النار كانت بتاكل الحديد،بتنهش الخشب،بتخبط في السقف،وهو واقف… بيتحرق بصمت.إيده اترجّت،مش عارف يمدها ولا يسحبها،عايز يرمي نفسه في النار يطفّيها بجسمه،بس رجليه مش طاوعاه.
الناس حوالين منه، بيقولوا كلام مش بيوصل،الدنيا دوشة…بس دماغه فيها صوت واحد:”كل حاجة راحت.”
مشهد ما بين الموت والجنون،
وأقسى من الحريق…
كان شعوره بالعجز.
عاصم بيرن على المطافى بغضب “انتو فين مش معقول ده كله مبلغين ولسا.. النار هتمسك فى المبانى كلها
-تمم يافندم احنا ع اول الشارع
قفل عاصم بضيق بيبص لآدم الى محاولش تانى وبقا ساكن واقف كأنه مش سامع،كأنه أطرش،
بس الحقيقة؟هو كان سامع كل حاجة…بس جوه قلبه.
كل صوت كان صدى بعيد،والنار؟كانت واخدة كل انتباهه، شعاها كان منعكس جوه عينه،
كأن الشرار ماسك فى سواد عنينه، والوهج الأحمر بيرقص على سطح دموعه،بيولّد منظر يخوّف…
عين بتبص على جنازتها.
راجل-هى المطافى هتوصل امتى
راجل تانا-البيوت هتخخخخرب
صوت صفارة الإطفاء قطّع الجو،
وبان النور الأحمر والأزرق بيكسر ضلمة الليل.العربية وصلت،رجالة نزلت بسرعة،خراطيم بتتفرد،مياه بتتدفّق على اللهب،
الناس بتتدفع ورا وبيهدو لما المطافى تتصرف بخراطيمها العملاقه وتهدى الحر.يق..بس النار كانت عنيده بتقوم وبتنهش كل خشبه وكل نفس فى المكان… ادم بس قال جواه”خلاص.. مفيش فايده”
النار بتزوى حولت الورشه لجومة سواد زى القبر المفتوح
النار بتخمد شويه شويه…بس نورها لسا شغال جوه عبن ادم المقتو.له
الضوضاء لسا شغافه والناس ىىحه جايه
بس هو؟واقف زي ظل.
عينيه فيها لمعة دمعة خفيفة،مش دمعة صريخ،ولا دمعة انهيار…دي دمعة “الوجع الهادئ”…النوع اللي بينزل من غير صوت،
وبيخلّي كل اللي في القلب يتعرّى.
النار انعكست خلاص…بقت بس ذكرى محروقة في عينه..وجوههم بتتحرك في عينه زي صور باهتة…لكن هو ماكنش شايفهم،كان شايف حد تاني.
Flash
ضوء ذهبي دافئ، ورشة صغيرة بعجل مفكك وصوت أدوات]
كان طفل صغير… يمكن عشر سنين.
لابس بنطلون واسع، ووشه متسخ بالشحم،
قاعد جنب أبوه،
الراجل اللي كان صوته خشن… لكن ضحكته دافية.
– “امسك المفك كده يا آدم… لأ، لأ، بص، إيدك لازم تبقى ثابتة… الحديدة دي ما ينفعش تتهز وإنت بتفكها.”
آدم الصغير بص له بعين بريئة،
وبيحاول يقلّد بحذر…
ضحك أبوه وهو يطبطب على راسه:
– “هتاخدها شطارة… بس الأهم من إيدك يا بني، هو قلبك.”
– “قلبى؟!”
قالها آدم باستغراب طفل.أبوه مسح إيده في القماشة،وجلس على الأرض جنبه،
وحط إيده على صدره:
– “اللي بيشتغل من هنا… عمره ما يخسر.
الورشة دي مش حديد ومفاتيح،دي أكل عيش… وكرامة… واسمك.”
آدم رفع وشه ليه، وسأل ببراءة:
– “وإنت هتفضل فيها على طول؟”
ضحك أبوه بحنان،
– “هفضل فيها لحد ما إنت تبقى راجل، وتكمّل…
وأنا فخور بيك طول حياتى وراضر عنك دنيا واخره.”
Back
ادم رجع للواقع من ذكرياته،الورشة اتحرقت ورشة ابوه معرفش يحافظ عليها…بس الذكرى؟لسه متشالة جواه،زي ختم محفور على قلبه.
بص للرماد،وحس كأن أبوه واقف وراه،بيطبطب على كتفه،وبيهمس:
“ما تخليش النار تطفيك… اللي اتبنى من القلب، بيعيش جوّه.”
آدم خفض راسه ببطء…وكأنه بيعلن استسلامه..
وصوته خرج مبحوح لنفسه:
– “مفيش حاجة فضلت… حتى صوتي اتحرق.”
واقف على رجليه نظر عاصم إليه فبرغم ان أخوه فى حاله يرثى لها لكن موقعك لحد دلوقتى ولا أظهر انهياره لحد.. هو مستنى اللحظه الى هينهار فيها بس ادم معملش كده وساكت وهادى.. ميعرفش اذا كان متقبل الى حصل او.. مش هيظهر ضعفه لحد حتى لو هو
كان الليل بينشقع ونور للصبح طالع
أسير كانت قاعدة على طرف الكرسي،
إيديها مشبوكة في بعضها،وضهرها مفروض أكتر من اللازم،كأنها بتحاول تمنع قلبها من الهبوط.. بتغتكر الخبط والرزع فى الفجر وبعدها ادم وعاصم خرجو ومرجعوش من ساعتها
كانت قلقانه وبتدعى ربها يكون كل حاجه بخير، نزلت تحت شافت عمتها قاعده قلقانه زيها ومناموش من ساعة الى خصل، السكون ده وراه كارثه اكبر
عبير-ادم مرنش عليكى
-سايب تليفونه اصلا، من كتر صربعته
-عشان كده مبيردش طب وعاصم واخده مبيردش لى هو كمان…. استر يارب
بصت عسير لعقارب الساعة اللي بقالها دقايق بتعدّي بتقل،وسألت بنبرة فيها محاولة تطمّن
– اى ممكن يخرجهم بليل كده
-ربنا يستر يا اسير
أسير عضّت شفايفها،صوت في قلبها بيقولها إن فيه حاجة غلط
عبير قلبها خايف لأن قلب الأم بيحس وبيخاف قبل ما يفهم.
الصمت تملّك المكان،وأسير كانت على وشك تقوم،لما فجأة…
“دَبدَبة رجلين سريعة، وخبطة على الباب!”
القلوب نطّت.أسير قامت فورًا، جريت للباب،
فتحته وهي بتقول:
– “مين؟!”
لقيت جارتهم ام مصطلى
ست طيبه دايمًا موجود وقت اللزوم وصاحبة عمتها
بيتسغربو منها عبير-ازيك ياحبيبتى
ام مصطفى– “الحمد لله إنكم بخير… والله أنا جيت أطمن… قلت يمكن سمعتم حاجة.”
أسير اتفاجئت،– “سمعتم إيه؟!”
لسا بتتكلم وعرفت انهم ميعرفوش حاجه من الوش الى برا
– “يعني عشان الورشة… من الفجر والمطافي هناك!”
سكتو بصدمه غبير بصّت لها.
أسير اتجمدت.الكلمة خرجت… ولسه بتدوي في البيت.
عبير– “الورشة؟!”
ام مصطفى– متقلقيش الرجاله واقفه معاهم و…
بس ماكانش فيه تبرير
اسير-مطافى بتعمل اى هناك
. ام مصطفى– “آه يا أختي… الورشة حصل فيها حريق كبير، من الفجر والمطافي بتحاول تطفي، وآدم كان هناك من بدري… بس الحمد لله، هو كويس، هو بخير إن شاء الله!”
بس الكلمة دي ماطمنتش حد.لأنها جت متأخرة…أسير حطت إيدها على بُقها بصدمه
ام مصطفى– “أنا… أنا ماكنتش أقصد أقول كده… ماكنتش عايزة أخوّفها…”
عبير – ورشه اتحرقت
امةمصطفى- عن اذنكم
مشيت وسابتهم فى صدمتهم
طلع الصبح…والليل اللي شاف فيه آدم عمره بيتفحّم،اتبدّل بنور شمس خفيف، دافي…
بس مالوش طعم.
الشارع كان لسه صاحي بالعافية،ريحة الحريق لسه في الهوا،والدخان لسه سايب آثار سودة على الحيطان…لكن الورشة؟كانت سكون…سكون أسود
آدم قاعد على الرصيف،كتفه ملفوف بشاش،
هدومه مشدودة على جسمه، متسخة، مبلولة،
ووشه؟كان خالي من أي تعبير.
عنياه متعلقة بالركن ده…الركن اللي كان بيقف فيه دايمًا وهو بيفتح الورشة،
بيسحب الباب الحديد ويقول:
“بسم الله.”
بس النهاردة…الركن مش موجود.النار كلّته.
ومعاه، كل حاجة كان بيتمسك بيها.
المطافي بتلم خراطيمها،العربية بتستعد تمشي،والرجالة بيسحبوا أدواتهم في صمت،كأنهم بيودعوا حرب خسروا فيها…لكن ماحدش خسر زي آدم
شادية واقفه باصه على الورسه وتشوف ادم…راحتله
وقعدت جنبه على طرف الرصيف.
مدّت إيدها على كتفه بحنية لقيته كتوجعش كن جروحه المكشوفه
– “يا بني، بص لجروحك… جسمك مولّع وانت ساكت!”.
لكن آدم ما اتكلمش.ما حتى رمش.عنيه كانت ميتة،مش مكسورة بس…كانت مدمّرة.
عاصم، اللي واقف وراهم،ساكت من ساعة الليلة دي.عينه على أخوه،أول مرة في حياته يشوف نظرة زي دي في عيين آدم
شاديه- ازاى حصل كده بس.. أنا قافله امبارح بليل وكل حاجه كانت زى الفل.. استغفر الله العظيم
عاصم وقف جنبه اتنهد قال
– آدم.. خلاص الى حصل حصل
آدم اتكلم اخيرا-شايفنى بشد ف شعرى
-مش مستهله تزعل عليها اصلا
نظر له ادم حس عاصم انه غلط ف كلامه
شاديه-انت اتحر.قت جامد ده هدومه اتمزعت وجلدك سايح.. تعال نروح المستشفى، نشوف جرحك يا آدم
مردش قال عاصم- ادم لازم نشوفهم جروحك دى.. قوم معايا
آدم ما ردش.ولا حتى لف له وشه.كان لسه عينه على الورشة.على الحيطان اللي سقطت،
على السواد اللي غطّى الأرض،وعلى خُرم كبير…فتح في قلبه ومابيتقفلش.
رن تليفون عاصم كان شغله الى بيرنو عليه من الصبح
عاصم– “طب يلا نروح اى الى مقعدنا مش فاهم، إحنا من امبارح بليل واحنا واقفين.. خلينا نمشي ونغكر نعمل اى
عدّت لحظة صمت طويلة…
وبعدين…آدم اتكلم أخيرًا.
بص له، بصوت أجش، متكسر، طالع من جوّه نار:– “امشي.”
عاصم وقف مكانه،ما فهمش في البداية قال
-هتروح معايا مفيش فايده لقعادك هنا…
بس آدم قالها تاني، بصوت أوطى، لكن أقسى:
– “امشي يا عاصم.”
سكت عاصم من حدته، آدم ما بصّش له تاني.
كان بيقوم ببطء،جسمه بيتقوّس، كتفه بينزف،لكنه قام، ومشي…كأن رجليه ما بقيتش ملكه،بيتحرك في اتجاه واحد:البُعد.
البيت كان هادي، لكن القلوب جوا كانت بتدق كأنها بتصارع الخوف.الصمت مش راحة…كان انتظار.
أسير كانت قاعده وإيديها مضغوطة في بعضها بشدة،ورجليها… ماكانتش قادرة تشيلها،
كل شوية تقوم وتقعد،كأن جسدها نفسه مش قادر يتحمّل السكون.
عينها كانت سابحة…بس مش في الدنيا.
كانت هناك…في الحارة،قدام باب الورشة،قدام النار،وسط الرماد…شايفة آدم واقف لوحده،واللهب حواليه
كانت من ساعة ما عرفت الخبر…قلبها مش بيرجع مكانه.كأن في إيد خفية ماسكة ضلوعها من جوه
جنبها، كانت عبير،وشها شاحب، ووش التعب باين حتى وسط النور. كانت قاعدة ساكتة،وكل شويه تبص للباب،والساعة،
وبعدين تعاود تبص للباب تاني…كأنها مستنية تدق
عبير– “اتأخروا…ولادي اتأخروا اوي.. فينهم؟!”
قالتها بصوت واطي،لكن الخوف فيه كان عالي.
أسير ما سمعتش…أو يمكن سمعت، بس مش قادرة ترد،لأن في اللحظة دي، كانت في مكان تاني…في حضن آدم،بتحضنه بخوف،
وبتشم فيه ريحة نار وهو ساكت.
قامت مرة واحدة،زي اللي أخد قرار،
– “لازم أروح له.. مش ههدى غير لما اشوفه
لكن قبل ما توصل لباب الشقة،
رن جرس الباب.القلوب قفزت.
عبير جرت على الباب،صوتها مبحوح من اللهفة:
– “عاصم؟ عاصم ولا آدم؟!”
فتحت الباب بسرعة…ولقيته عاصم.
هدومه باينة عليها آثار الليل الطويل دخلته بقلق قالت
-انت كويس يعاصم
-نا كويس
اسير بصتله ونظرت خلفه قالت وقلبها مقبوض– “فينه؟ آدم؟!”
عاصم بص لها من سؤالها وقلق ف عينها قال
– قاعد هناك.. مرضيش يجى معايا
نظرت اليه دخل عاصم البيت واتخطاهم،
كان وشه باين عليه السهر،لكن جسمه سليم، لانه ماقربش للنار ولا خاطر بحياته زى ما عمل اخوه، ولا طالته
عبير قربت منه بسرعة، كانت بتفتش بعنيها على أي حرق، أي خدش،
– “إنت كويس؟ فيك حاجة؟ قربت من النار؟!”
– “أنا كويس يا أمي… كنت بس واقف معاه… طول الليل.”
جابت له كباية مية بإيدها قالت
– “اشرب… اشرب ياحبيبى
أخدها، شربها على مرتين،وسكت.
أسير كانت واقفة بعيد شوية،ماقدرتش تقرّب،لكن صوتها خرج أخيرًا…كان مبحوح، متلخبط، وفيه لهفة مكتومة:
– “آدم… فين يعاصم؟”
– “لسه هناك قولتلك… في الورشة.”
عبير– “لسه هناك؟! طب ليه ما رجعش معاك؟!
اسير-لوحده
اومأ اليها، عبير- إنت سبتّه هناك لى؟!”
– هو اللي رفض ييجي.ماكلمنيش… ولا حتى بصّ لي،قاعد وسط الفحم… ساكت.. مش فاهم لزمة قعاده اى ف رماد
اسير الوحيده التى تدرك شعور ادم الان
عبير-اى الى حصل
عاصم-معرفش.. انا قعدت ع ما البوليس يجى لكنه مجاش.. أنا سمعت من الجيران ان الورشه كان تمام بس من الحريقه وظهرها فجأه ده باين انه ماس كهربى
عبير- اتحرقت كلها
-النا.ر كانت شديده اوى يماما كانت هتدخل على مبانى تانيه لو المطافى موصلتش.
عبير حطت إيدها على وشها،
– “يالهوى… وادم قاعد هناك
-اه
مرضيش يحكيلهم ع الى عمله امبارح وانه اتتحر.ق
عبير-الورشة اتحرقت كلها.. زمانه هناك لوحده؟!”
عاصم هزّ راسه بس،وقال
– كان هيعرض حياته الخطر امبارح.. فاكر نفسه بشوية ميا هبهدى نار زى دى
كانه بيسخف ع اخوه من ضيقه انه خاطر بحياته لكنها فقط من فهمة الامر قالت
-ادم حصله حاجه
سكت شويه قال-كويس
رن تليفونه قفله بضيق وفرد صهره قلل- لو حد رن يماما اقفليه، مش هروح الشغل كده كده
-حاضر يعاصم.. لو تعبان نام.. بس اصبر لما تاكل الاول
اسير باصه علىىالباب وتتخيل ادم وهو هناك لوحده، وسط كومة رماد بيشوف مكان شغله اتدمر.. لا شك انه محتاجها.. زمانه لوحده ولازم تكون جنبه.. انها قلقه عليه للغايه
مشيت بصيت لها عبير قالت-اسير
خدت تليفونها لقيت الل بيمسك ايده بصيت لعاصم قال
-راحه فين
-هروحله… راحه لادم
عاصم- هتروحى هناك تعملى اى
-هرجعه اكيد قاعد هناك لوحده
-فاكره ان وجودك هيساعده ف حاجه، ادم عايز يبقى لوحده ويفكر صح فى الى هو فيه.. مش وقت محن على الفاضى احنا ف اى ولا ف اى
بصيتله قالت-محن؟! نا خايفه عليه
-يبقى متروحيش هو مش ناقص
عبير- هتؤوحى تعملى اى يا اسير، الرجاله زمانهم هناك والدنيا متبهدله
-انا مبيش دعوه بحد نا ليا دعوه بادم.، هو محتاجلى
-هيحتاجلى اكتر منك.. أنا عارف اخويا وبقولك سيبيه ف حاله دلوقتى، وجودك هناك مش هيشكل غير ضغط عليه وجرح اكتر… ادم عايز يبقى لوحده
ساب ايدها قال- افهمى ده كويس واستنى لحد ما يرجع يكون الموضوع هدى.. بلاش تفتحى الموضوع بمرواحك هناك
سابها ومشي بتبصله اسير من رفضه وتطلع على فوق نظر لها عاصم
عبير- عاصم.. هو مفيش حاجه
-اه.. مفيش
قعدت اسير فى اوضتها بتخرج تليفونها وتفتكر انه مخدش تليفون معاه
اضايقت وفكرت فيها وقلبها خايف وحزين، بصيت لصورتهم على الكمود تنهدت قالت
-ياترى انت فين وازاى يا ادم
انسحب الصباح بهدوء…والشارع بدأ يرجع لطبيعته،أبواب اتقفلت، شبابيك اتفتحت،والناس… كل واحد رجع يشوف حياته.
كأن اللي حصل ماكانش غير كابوس عدّى…
بس آدم؟لسه محبوس جواه.
وقف قدام الورشة،اللي كانت بيته قبل بيته،
وبابها الحديد متاكل،اتقدّم بخطوة،ريحة الرماد لسه في الهوا…وسخونة النار ما بردتش،كانت لسه عالقة في الجدران،
وفي الأرض،وفي صدره.
دخل.كل شيء جوّه كان مطفي…لسه فيه حرارة بتتسلل من تحت الركام،زي أنين بارد…ادم وقف لحظة…عينه بتدور على كل ركن،
كل حاجة سقطت.المعدات… الفحم غطّاها.الخشب… سايح.الحوائط… سودة، مشققة
نزل على ركبته بهدوء مدّ إيده في الرمادكان قاعد وسط الخراب،عنَيِه اتعلقت بحتة حديدة كانت زمان جزء من المنضدة
قعد وكأن الجلوس هو الشيء الوحيد اللي بيقدر يعمله.كأن الركوع للرماد هو الطريقة الوحيدة ليفهم معنى النهاية.
ما كانش فيه غيره…هو والخراب…وذكرى نار خلّصت مهمتها…وسابته قاعد،لوحده،
فؤاد كان بيجري.بيسأل كل وش يقابله،
كل جار واقف،كل طفل ماسك أمه:
– “الورشة؟ حصل إيه؟ آدم فين؟!”
الناس كانت بتبص له لأن الورشة حديث الحاره
عينه وقعت على البوابة اللي اتعرّت،
والحيطة اللي كانت بتشيل اليافطة…
وقعت.ورشة آدم.
اللي كانت زمان بتلمّ ريحة شغل،
وصوت معادن،وضحك صحبة،واتحولت لسواد.
قرب ببطء…عينه دخلت قبل رجله،
وفي اللحظة دي، شاف ظلّ بني آدم قاعد جوا،وسط الرماد.
بس فؤاد ما اتفاجئش.هو الوحيد اللي يعرف مين ممكن يقعد جوا الخراب ده.مين اللي مش هيهرب من النار،لأنه عمره ما هرب من حاجة…آدم.
وقف عند الباب شوية،ماقدرش يدخل على طول.فيه رهبة…رهبة تشوف صاحبك وهو منهار وانت مش عارف تنقذه.
دخل.لقى آدم قاعد،وسط بقايا الخشب،
والمعدات المتفحمة،ما قالش ولا كلمة.
وقف جنبه اتنهد قال
أخد نفس، وقعد جنبه قال
– “كنت بدعي تكون إشاعة…لحد اما شوفتك
فؤاد كمل، بصوت متكسر– “أنا… أنا مش عارف أواسيك.بس اللي أعرفه،إن دي كانت أكتر من ورشة.دي كانت… عمرك، وأبوك، ومصدر رزقك
ادم-ازاى يحصل كده يافؤاد وليه؟!
فؤاد- انت معرفتش اى حاجه ولا حصل اى
-معرفش.. معرفتش لحد دلوقتى ده حصل ازاى وامتى.. نا سيبت شغلى يوم عشان خطوبة عاصم وصحيت على خبر زى ده
مسك مفك قال- انا صرفت اخر جنيه معايا فيها
– مش مهم يا ادم هنعدلها.. بص نلاقى مكان تانى لحد ما دنيا تظبط هنا وترجع تجددها.. طول عمرك تبني من تحت الصفر، آدم…
ما تنساش ده.”
-منيننننن
قالها بغضب بصله فؤاد، ادم-نا بقيت تحت الصفر
سكت فؤاد، كان صوت تدم مجروح لكن ثابت
ادم– “كنت ناوي أخلّص الباقي من المعدّة الشهر الجاي.كنت بدوّر على بنط تانية،وكان في زبون جاي بكرا يسلّم عربيتين…”
سكت وقال بغصه-الخساير كبيره اوى.. خساير انا مش قدها.. المفروض انى شغال فيها ٤سنه..٢٠ سته عايش هنا اكتر مبعيش معاهم ف البيت.. لى تخرب فى بوم وليله
آدم بص للحوائط السودة وافتكر ابوه،وقال بهمس:
– “فاكر لما كنت بصنّفر معاه وأنا عندي ١٠ سنين؟كنت بنام جنبه على خشبة الطبلية.كنت بسمع دق الشاكوش زى لحن،
وصوته وهو بيقول لي:
“ما تبصش في جيب الزبون، بص في ضميرك.””
اتنهد قال- “كل ده اتحرق، يا فؤاد.
إزاي أرجّع اللي مات؟”
فؤاد ما قدرش يرد،بس حط إيده على كتف آدم،رغم الحرق…ورغم الرماد.
وقال له جملة واحدة:
– “اللي مات ما بيرجعش…بس اللي عاش جواك،ما بيموت
ادم بعد ايظه عنه قال- منغير طبطبه عشان دى اكتر حاجه نا بكرها فمتخلنيش اندم انى كلمتك
سكت فؤاد بحزن من اجله
ابتسم ساخرا قال- قتل وانا الى كنت عايز اخلف.. هونا هخلف لى.. عشان امرمطهم معايا… حتى اسير.. اسير ذنبها اى تتجوز واحد حالته بالعافيه زى… دلوقتى حتى العافيه مبقتش موجوده
فؤاد- بتفكر فيها قبل نفسك
-افكر فيها لانها حياتى.. أنا هعمل اى ف حياتنا
رفع راسه قال- يااارب.. لى كددده… أنا كنت راضى بحالى بس تخلينى انزل اكتر من كده
فؤاد-اسنغفر ربك يا ادم
تنهد ادم بوجع جت شاديه ع الباب
-ادم
لف شاورت قالت- بوليس بيسأل عنك
نظر فؤاد ليه بقلق خرج شاف عربيه بوليس جايه نحوه لما ارشدوه للمكان
نزل ظابط قال- فين ادم
ادم-انا
فؤاد-ف حاجه يافندم
-متقلقش احنا بس عايزين نساله عن الحر.يقه
ادم-نا معرفش اى حاجه عن الى حصل
ظابط-مكنتش ف الورشه امبارح مش كده
-اه، جارى قالى الفجر ومن ساعتها ونا هنا زى منتا شايف
-المطافى قالت إنه ماس كهر.بى
-معرفش تقدر تتأكد بنفسك
-انا عارف انك خسرت ورشتك بس ساعدنا عشان نعرف نساعدك
-المساعده ف ايد ربنا.. أنا قولتلك معرفش حاجه
-ولا لو مطلعش ماس
نظر له ادم قال ظابط- ممكن حد سبب النا.ر دى
فؤاد-ازاى يافندم.
-واحد متهور رمى سجار.ه مثلا وهى مولعه ومسكت ف اي حاجه
ادم سكت لانه كان بيحسب استنتاج غير ده حد مثلا قاصد الى حصل
ظابط-هنسال الجيران كمان ونحقق ف الموضوع
ادم- الى انت شايفه اعمله
مشي ادم بصله الظابط قال- مش هتكون معانا؟! هتسيبها مفتوحه كده
-مفتوحه؟! هخاف اى يتسر.ق مثلا، الى قدامك خراب
مشي بيرجع الظباط لشغله وفؤاد بيبص لادم
عبير قاعده قلقانه-ياترى انت فين يا ادم
اتفتح الباب دخل عاصم
عبير-جبته؟! هو فين
-مش هناك، لقيت البوليس بس وكان ماشي سالته عليه قالو انه ماشي من العصر ومرجعش
-مكنش لازم تسيبه من الأول
-المفروض كنت اخده غصب عنه
-انت عارف ادم لما بيكون مضايق هيرجعلنا بعد سنه
-هبقا اسأل فؤاد بكره عليه
-بكره؟! هنسيبه لحد بكره
-ادم مش واخد اى وسيلة اتواصل معاه بيها، اعمللل ايه
سكتت بضيق وقلق قالت- اسير زمانها قلقانه عليه.. منزلتش من ساعتها بسببك
-بسببى؟!
-خلاص يعاصم
-هو خلاص فعلا
خد بعضه وطلع ع فتق بصتله عبير، بيقف عاصم عند شقة اخوه بيبص قليلا بعدين بيكمل طريقه لفوق ويقف قدام الباب، السجاده الى اخترتها اسير دلالة ع حبهم.. لقد امتلأت بالاتربه
فتح الباب ودخل ساف كل حاجه ف مكانها كل حاجه اختارتها هى، قعد وافتكر ضحكتها فى اخر مره كانو هنا
“اناىمش مصدقه يعاصم، خلاص بعد بكره هنتجوز”
“طب بما اننا هنتجوز مفيش عربون محبه”
“أخرس يسافل بدل متشوف متى وش تانى”
“انتى فهمتى اى، أما اقصد حضن”
“لا بردو”
“على فكره ربنا امرك بطاعة الزوج”
“لما تبقى جوزى”
“٤٨ ساعه بس وهنشوف الطاعه”
” عمتتتتووو”
افتكر ضحكته وقتها ومرحهم سوا، اللعنه لى بيفتكر ده دلوقتى.. لى بيفتكرها كل شويه… كأنه خسر حاجة كبيره.. ندم على خساره اكبر حاجه كان هياخدها..
بص لدبلته وافتكر ريتاج، انه معجب بها بس ولا مره عرف يكون معاها ويضحك قد اسير، لقد راي حب صادق ف عينها بس هو كان بيحسها عاميه بنسباله بس انبهارها بيه، كان شايف نفسه زياده طلعت هى زياده عليه لما خسرها… خسرها وبقيت لاخوه
مسك راسه قال- تفكيرك ده هيوديك ب داهيه.. مش ده الى كنت عايزه..خلاص هتتجوز ريتاج عايز اى منها
ندم كبير ف قلبه لانه هيتجوز فعلا بس بسبب طايشته وطمعه للمنصب والعلى خسر حبه.. لطالما كانت اسير حبه لكنه غبى ويلعن نفسه على ده.. يحترق لما بيشوفها مع اخوه
رن تليفون كانت ريتاج اتنهد حتى المكالمه مش عايز يرد عليها، معندوش شغف
بعتلها رساله”هكلمك بكره عشان عندنا ظروف ف البيت”
كان وكأنه بيسكتها
اسير النوم مغفلهاش للحظه كانت قاعده ف ايدها التليفون لاى مكالمه ممكن تحيلها، عينها مكنتش راضيه تقفل منغير مطمن عليه
قلبها كان بيدق بخوف وبتدعى ربنا يرجعلها سالم
فى الفجر اتفتح الباب اول ما اسير بتسمع صوت خرجت فورا بتشوف اظم واقف قدامها، نظرت إليه ولملابسه المشققه المحرو،قه والدم المتجلط عليه وجرو.حه، بوجعها قلبها فهو ليست بحالة عاصم المثاليه
بتيجى عين ادم فى عينها وكأنه رجع متاخر عشان تمون نامت بس هىىكانت لسا صاحيه
اسير بحزن قربت منه قالت- ادم
صوتها اضعفه قربت منه بقلق قالت
-اتاخرت ليه.. لى تقلقنى عليك كده
مردش عليها قالت- تعالى احطلك مرهم
بتدهن اسير المرهم على جرو.حه وجسمه، كان صامت
اسير-بتوجعك
مردش عليها بتاخد التيشرت وتلبسهوله قالت
-هعمل الاكل.. اكبد مكلتش من ساعتها
كانت هتمشي مسك ادم ايدها قال- متمشيش
نظرت البه وانت اتكلم اخيرا قال- محتاج اتكلم معاكى
اسير قعدت جنبه قالت- ادم.. الى حصل حصل
-الورشه اتحر.قت
شعرت بالحزن من نبرته قالت- عرفت، ده قدر هنعمل اى
-دى مصدر دخل الوحيد يا اسير
سكتت نظر لها اخيرا وشافت الدمع المتجمع فى عينه والكسره الكبيره قال
-مكنتش مجرد ورشه كانت سبب عيشتنا وشغلى كله.. الورشه اتحر.قت بكل حاجه فيها
مسكت ايده وبتمنع نفسها تضعف قالت- المهم انت بخير، احمد ربنا لو كنت فيها وقت الحر.يقه كان هيحصلنا اى لو حصلك حاجه
-لو كنت فيها افضل من العجز الى انا فيه
-بتقول اى يا ادم، سلامتك اهم من ميت ورشه
-انتى مش فاهمه حاجه مش فاااهمه
-مفيش حاجه هتعوضنى عن خسارتك
-ولما منلاقيش ناكل وجودى زى عدمه
نظرت له إليه اعين ادم دمعت بحق وظهر ضعفه قال- انا عاجز حتى أوقف الحر،يقه، سولت اانا.ر وهى بتاكل تعبى وشغلى جوه جوه ونا معرفتش اخرج اى حاجه.. معرفتش انقذ حاجه منها.. كل حاجه رماد
-دى حاجه خارجه عن ارادتك، ده قضاء يا ادم.، هنعمل اى
-دى كانت دخلى الوحيد.. دى الىةكانت ممشيا البيت ده ولو بمبلغ بسيط… هنعمل اى بعد كده.. نا معيش غير الفين ج.. الفين ميكفوناش شهر.. ميكفوض حق غاز وميا
لقد اباح لكل ما ف صدره وعلى كاهله
اسير- متفكرش ف بكره سيبها ع ربنا
-هنعمل اى يا اسير، هناكل منين ونشرب منين… نا خسرت كل حاجه
سألت دمعه من عينه اخيرا وقد انهار امامها وكأنه فى امان معاها
ادم-كل حاجه خسرتها فى لحظه انا ادمرت وانتى معايا هتعانى اوى.. نا
اسير-ادم
نزلت دموعه وبص لايده الى لاحول لها ولا قوه قال
-مش عارف اعمل اى… مش عااارف انا بقيت عاجز ضعيف
لأول مره ترى اسير ضعيف هكذا ويبكى امامها، قربت منه وحضنته بدون اى كلمه خدته فل حضنها ونزلت دموعها غصب عنها وقد انهارت معه لانها لم تستطع مواساته فحزنه اكبر بكثير فبكت معه
حضنته بحزن وحنان قالت- مستحيل اعانى معاك… نا معاك فى اى حته فى جنه، ربنا هيفرجها، صدقنى هتفرج بس قول يارب
حضنها ادم وسقطت دموع من عينه ويدفن وشه فى عنقها وكأنه مصدق خد هذا العناق، لقد أظهر ضعفه لأول مره لحد.. ليها هي بس
اسير-خرج كل الى فقلبك… ده هيكون مبينا، وانت فى حضنى أبكى زى ما انت عايز… المهم تستريح
ضمها اكتر وهى حضنته بحنان كبير وبتربط على ظهره بحنان وشجن كبيره كأنه ابنها جالها تايه وبيبكى من الضياع وبتخبيه فى حضنها من الدنيا القاسيه الى جت عليه… ادم من كان يحتويها لأول مره يضعف هكذا ويظهر انهياره.. ويظل ع ان الى فيه كارثه كبيره مش قادر يشيلها لوحدها
ادم-كنت محتاجك اوى هناك
سكتت فهى كانت ستذهب ليه بس عاصم قالها لا بتحسب انه هيضايق متعرفش انه مستنى يشوفها
ادم-متبعديش ارجوكى.. هعمل اى حاجه هتلاقى حل عشان متعانيش بسببى
-اياك تقول كده، نا وانت واحد.. يهمنى بس تكون جنبى بخير.. لو هعانى معاك المعاناه هتبقى بنسبالى نعيم
-اسير..
-ششش نام دلوقتى انت تعبان
بتربت عليه بحنان وقلبها بيبكى بداله، مبتقدرش تنام لكن لما تشوفه غفى بتستريح كأنه مصدق يقفل عينه قليلا عن الدنيا دى، لمست شعره بحب وجهه المرهق كأنه كبر ٢٠سنه بين يوم وليله
بتبعد اسير براحه عنه وتخرج من الشقه بتنزل تحت عند عمتها تلاقى الباب مفتوح، دخلت وراحت تمد اوضتها الى كانت قاعده فيها، بتفتح الادراج وتكون بتدور على حاجه
بترفع المخده وتفتح مكتب الىىكانت بتدرس عليه وتلاقى دوسيه خرجت الورق الى فيه وتبص لشهاده الى بين ايدها..كانت شهاده تخرجها كلية اعلام
عاصم بينزل من العربيه وهو بيترنح بيحط ايده على بقه من الريحه، تنهد باسنقامه عشان لو قابل حد ودخل
اسير بتخرج من الاوضه وهى خارجه على برا بتقف لما تلاقى عاصم فى وشها قدام الباب، نظر إليها من وجودها هنا قرب منها قال
-بقالى طتير مبشوفكيش هنا
بتنظر إليه بعدت عشان يدخل انحنى عاصم عند وشها وبص فى عينها قال
-لى مصبرتيش… كان النجاح هبعم عليا انا وانتى، دى كاتت زى اى خطه بعملها عشان اترقى
استغربت اسير منه قالت- شربت تانى
وكأنها ليها اسبقية معرفه بالموضوع
اسير العشق
بارت٢٠
تفاعل وهنزل التانى بليل
شمّت أسير ريحته المميزة اللي عرفاها قالت- شربت تاني؟
وكأنها كانت عارفة ومتوقعة ده من قبل.
عاصم: يهمك؟
ما ردّتش عليه، وفجأة جه صوت من وراهم:
عاصم!
بص ناحيتها، وكانت أسير بتتجاهله.
عبير: أسير، كنتِ بتعملي إيه؟
مفيش يا عمتي، كنت باخد حاجة من أوضتي بس.
أوْمَأت لها وطلعت، وعاصم دخل، وأسير بتبص له، ريحته لسه في أنفها، ريحة اتعرفت عليها قبلكده، وكان بنفسه اعترف لها في مرة إنه جرب يشرب، ساعتها كانت شايفاه مثالي، وافتكرت إنها كانت مجرد غلطة، لكن… الواضح إنها كانت عادة، وعاصم مش بيبطل.
حتى المكان اللي شافته فيه قبل كده وهو في الحالة دي، والكلام اللي سمعته من فؤاد، كل ده خلى في عقلها يقين إن عاصم هو السبب في إن آدم يقع في دا، وهو اللي وصله لأول الطريق ده.
ولا لحظة شكّت في آدم، ولا كذّبت إن عاصم ليه يد في اللي حصل، لأن ريحة السهر كانت واضحة منه.
ومع كل ده، ومن حبها، كانت بتتقبله، وبتتمنى إنه يتغير.
أوقات كانت تبص لآدم وتحمد ربنا إنه هو اللي بقى جوزها، مش عاصم…
آدم راجل بحق، بيحبها، وبيخاف ربنا، وما بيعملش حاجة تغضبه..
فى اليوم التانى ادم بيصحى من جنب اسير مش بيلاقيها، خرج لقاها عامله فطار خفيف بتخبط فيه نظرت له قالت
-صحيت.. يلا عشان ناكل
-مش جعان كلى انتى
مشي مسكت ايده قالت-ادم.. انت مكلتش من امبارح
-مش جعان يا اسير
-نا مكلتش من ساعتها
نظر لها قالت- ولو مكلتش مش هاكل
-اسير
-مهمكش؟!
سكت راح قعد معاها اسير بتعقد جنبه كانت هتاكله منعها نظرت له لأنه لاول مره يحرجها
ادم-كلى انتى، تسلم ايدك
سكتت اسير قال- طب انت قاعد معايا تقضيه واجب.. كل اى لقمة يا ادم
-نا قولتلك مش جعان
– انت مكلتش حاجه، هتعفد كده كتير
– اسيييير.. مليش نفس خلاص بقا
– الاكل مش مقاطعه لو عايز تفكر صح لازم تاكل.. عشان خاطرى
ادم بياكل من بعد جملتها لانه مش عايزها تتحايل عليه كتير، بتاكل اسير معاه وتلاحظ ان اكله بطىء كأنه بيبلع بالعافيه وعينه شارده.. كأنه سابح ف أفكاره
ادم- شايلتك الحمل معايا امبارح
نظرت له قالت- حمل؟! اعتقد احنا متجوزين يعنى حتى الحمل هيكون بالنص..برغم انه مكنش حمل ولا حاجه، لو متكلمتش معايا هتتكلم مع مين
مسك ايده وادم بيقبض عليها وقال
-شكرا
عاصم بيغسل وشه بنعاس وبيفتكر اسير لما شافها امبارح
“لى مصبرتيش كان النجاح هيعم علينا”
اضايق قال- اتمنى متكنش فهمت كلامى
افتكر الشهاده الى شافها ف ايدها
بيعقد اظم فى الصاله لوحده فى ايده ورقه وقلم وكأنه بيفكر هيعمل اى ويخرج من الى هو فيه ازاى، طان بيسجل أرقام وف ايده التليفون
كأنه بيمشي الخسائر او المصاريف الى هيخرجها الشهر ده بيحسب الزنقه الى هو فيها
بيسيب كل حاجه ويمسك راسه الى مضغوطه وممكن ينهار فى اى وقت، كان بيحاول يخفى حزنه
بس اسير كانت واقفه من بعيد وشايفاه وهو بيعانى، رن الحرس راحت فتحت لقيتها عبير
عبير -بقا عامل اى
-كويس الحمدلله
-نا عايزه اعقد معاه، اطمن عليه
-برحتك باعمتو بس معتقدش انه هيتكلم.. تدم مبيتكلمش حتى معايا.. الى فبه مكفيه
تنهدت عبير بحزن قالت- ماشي هجوله وقت تانى.. طمنيني عليه
-حاضر
مشيت عبير واسير بتقفل الباب بترجع لادم قالت
-انت كويس
-كل حاجه غلط.. مفيش حاجه لصالحى… يارتنى مشتريت بالى معايا العيارات دى..
لو اعرف ان ده هيحصل مكنتش صرفتهم
بتحزن اسير قالت-مالك يا ادم.. احنا ممكن نفتح مشروع صغير مثلا
-مشروع اى اللى بالتلتلاف الى معايا
سكتت لقيته بيجمع قبضته قال- نا لازم الاقى شغل، لازم فى اسرع وقت… اشتغل اى حاجه
بيصعب عليها وبتبص لايدها وتشوف الخاتم بتبص لادم والمحنه الى هو فيها، قلعته فورا منغير متردد قالت
-خد يا ادم
نظر إليها لقاها بتقلعه اتصدم قال- بتعملى اى
مسك ايدها فورا قال- اياكى يا اسير
-خده، أنا مش عايزاه.. هعمل بيه اى وانت محتاج كل جنيه دلوقتى
-اسير، نا مش بتكلم معاكى عشان عينى على الحاجه الوحيده الى ادتيهالك
-انت ادتنى حجات كتير يا ادم، مش خاتم الى هيتقارن بيها
-ده خاتم جوزاك اياكى تفرطى فيه، بدل مجبلك زياده اخده منك
-بكره تجبلى بس احنا فى النهارده.. هعمل بيه يا ادم، نا مش هقدر اشوفك محتاج وف ايدى حاجه تساعدك.. بيعه واعمل بيه اى حاجه انا مش عايزاه
-الخاتم مش هيكون فرق كبير لمشروع يا اسير، خليه معاكى
-عشان خاطرى خده
مسك ايدها جامد واتنهد قال-عشان خاطرى خليه
سكتت نظر لها قال بجديه-متخلنيش اندم انى بتكلم معاكى… الخاتم ده خيفضل ف ايدك وربنا يقدرنى واجبلك غيره… ادعيلي انتى بس
عينها دمعت اومات له قالت- مش عايزنى اعمل اى حاجه ليك
-خليك جنبى ده كفايه… ونا الى هعمل.. أنا إلى لازم اعمل عشانك وعشان حياتنا.. هنزل ادور على شغل،، هتصرف واشتغل شغلنتين… مش هعقد واستنى لحد ما أمد ايدى
-متبهدلش نفسك، لاقى شغلانه واحده كفايه
سكت فهى لاةتعلم شيء عن العمل وراتبه، قال
-الشغل كله بهدله
نظر له اسير ربت على ايدها قال- ممكن تعمليلى قهوه بس
اومات له فورا بابتسامه قالت-حاضر
ابتسم لها ولما مشيت اختفت بيتنهد بعمق قال-ياااارب
عاصم شاف عبير نازلة، فقال:
جه إمتى؟
باين من امبارح بالليل، لما قلت لأسير تنزل تفطر معانا ومتعقدش لوحدها، قالتلي مش هتسيب آدم، وعرفتني إنه رجع… من ساعتها وأنا قلبي ارتاح عليه.
سكت عاصم، وفضل يتساءل… يا ترى أسير قالت له إنها شافته امبارح وهو مش في حالته؟
عاصم:
كويس… طب مش هينزل يتكلم معانا؟
أنا معرفتش أتكلم معاه، حتى أسير كلامها قليل معاه… أكيد مش قادر يتكلم، الله يكون في عونه، مش معروف اللي جواه، بس يا رب…
رن تليفون عاصم، فقالت عبير:
مين؟
ريتاج.
وش السعد علينا! يدوب خَطَبها من هنا، والفجر جت لنا مصيبة… أمال لما يتجوزها هيحصل إيه؟ البيت يولّع؟
عاصم:
متربطيش الخطوبة باللي حصل، ده اسمه تفكير مش منطقي.
مش منطقي؟! من يوم ما دخلت حياتنا ما شفناش حاجة عدلة!
ماما بعد إذنك… خلاص، كل ده عشان ورشة؟! أنا مش فاهم آدم عامل كده ليه في نفسه… يعني كانت بتدخله قد إيه على التعب ده كله؟
كانت بتدخل اللي يعيّشني.
بُصّوا على الصوت، لقوا آدم واقف.
بص له عاصم، وآدم وقف في وشه وقال:
يمكن مرتبي مش زيك يا عاصم، لا مكانة ولا مركز، بس الورشة كانت مخلّياني عايش مرتاح، من غير ما أمد إيدي لحد… مش لازم أكون في شركات، أو في وظيفة كبيرة… كنت عايش والحمد لله، لكن دلوقتي؟ زي ما إنت شايف… الورشة راحت، الورشة اللي بتتريق عليها… دي ورشة أبونا، الله يرحمه.
عاصم:
أنا مقصدش حاجة يا آدم، أنا بس مضايق علشان زعلك عليها… وممكن تشتغل بحاجة تانية بشهادتك.
آدم:
أنا لو لقيت شغل، كنت قلت لأ؟! ده كان شغلي، معرفش غيره… العربيات، والشغل اللي كنت إنت بتتقرف منه.
عاصم:
إنت كده بتخلط الأمور ببعض يا آدم…
-لانك شايف الحياه سهله لمجرد انك فى وظيفه ومتأمن…. أنا عمرى ما ابصلك ف حياتك واتمنى تستمر فيها وتكون فلوسك من حلال يعاصم
نظر له عاصم حين قال ذلك قال -حلال؟! حد قالك انى بشتغل فى الحرا.م..
-انت ادرى
-فهمنى كلامك ده اى.. أنا بس فاهم انك مضايق بسبب إلى انت فيه لكن كلامك توضحه يمتتكلمش
-الى انا فيييه، لا انا تمام اوى بس ياريت نسكت.. طالما مش هتقول كلمه كويسه يبقى تسكت لان انا مش ناقص حد… متزودهاش على اخوك
عاصم خد مفاتيحه وقال- عن اذنكم اتاخرت على الشغل
مشي وسابهم قالت عبير- كمل اكلك يعاصم
مردش عليها بصيت لادم بعتاب قالت-لى كده يا ادم
ادم-لى؟!!
-عاصم كان مضايق ليك مش قصده يقلل من حجم الى حصل بس قصده ان حزنك أغلى
-بتبرريله زى عادتك
-انت شايف ان اخوك بيتريق ع زعلك فعلا تبقى غلطان لأنه كان بيفكر فيك امبارح وخرج يشوفك فين وملقكش
-ونا مقولتش حاجه غير إنه يسكت
-مش تزعله وتمشيه…
ادم بغضب- خلاصصص ف ايييه
نظرت له عبير قال ادم- كفايه يا امى.. خلاص مش ناقص
عبير- اطلع ع شقتك يا ادم لان واضح أعصابك تعبانه
-هطلع.. ومش نازل تانى
نظرت له طلع ادم واتخطى اسير إلى كانت واقفه مش عايزه تدخل فيضايق منها، بصيت لعمتها بعتاب قالت
-مش هيبقى انتو والدنيا يعمتو… حرا.م
-انتى مش شايفه ماله
-شيفاكم مش مقدرين ولا بتحاول تفهموه.. وده مش دلوقتى بس ده من زمان
مشيت اسير تلحق بيه
اسير بتفضل الليل كله متابعه ادم الى كان ساكت وباصص بس ف التليفون والدفتر كانت تتثاوب قالت
-مش هتنام يا ادم
-اقفلك النور
-لا عادى خليك قاعد معايا
اتقلبت وهى عينها عليه راحت ف النوم غصب عنها وكان هو مغلبهوش النوم من كثره الأحمال الى شايلها، قعد الليل كله يكتب فى الدفتر أرقام منقوله من التليفون
بيبص لاسير قام وراح جنبها حسيت بيه فتحت عينها -هتنام
-تعالى
خدها فى حضنه وهى قربت منه بحب وحضنته متعرفش انه عايز حضن يستمع من الطاقه عشان يكمل زى الطفل الى بيستخبى فى حضنها
في اليوم التاني، آدم كان بيسجّل أرقام كاتبها في التليفون، وبيعمل مكالمة، جاله الرد:
ألو… كنت عايز أسأل عن إعلان الوظيفة اللي نزلتوه.
جبنا حد خلاص.
سكت آدم، فالرجل قال له:
لو في وظيفة فاضية، هبلّغ حضرتك.
تمام، شكرًا.
قفل معاه وبدأ يشوف رقم تاني يرن عليه، كان خلّص تقريبًا نص الأرقام اللي كتبها… كلهم قالوا إنهم خلاص جابوا حد ومش محتاجين.
أسير: مش هتاكل يا آدم؟
ما ردّش، وكان باين عليه إنه مشغول.
قالت وهي بتقرب منه:
إيه الأرقام دي؟
دورت على الإنترنت على شغل، ولقيت شوية أرقام وسجّلتهم… بس كلهم استكفوا.
بصت له وهو بيرن على رقم تاني، وعينها متابعاه… كان بيقفل ويكلم اللي بعده من غير ما ياخد نفس، كأن ماعندوش وقت يزعل، ولا يبص وراه.
الوظيفة لسه موجودة؟
أيوه، المرتب بيتحدد في المقابلة.
تمام، إمتى؟ أنا ممكن أجي دلوقتي.
هتلحق توصل في ساعة؟ عشان المدير هيمشي.
تمام، هلحق.
قفل، ودخل يلبس بسرعة.
قالت أسير:
هتروح؟
آه.
طب إنت ماكلتش.
كلي إنتِ، ماتستنيش… عشان ممكن أتأخر.
ليه؟ هو إنت هتستلم الشغل النهاردة؟
لو أمكن، آه.
سكتت وهي شايفاه بيلبس وبيخرج، وقلبها معاه… بتتمنى ما ميرجعش زعلان، أو مجروح.
ادم خارج من العماره لقى اخوه بياخد عربيته وماشي على شغله
عاصم شافه وقبل ما يتحرك قال- رايح فين؟!
-شغل
-شغل؟!! فين
-فمطعم على الطريق العام
-طب متركب نت عارف ان بمشي من هناك.. هنزلك عنده
سكت ادم بص فى الساعه لانه مش عابز يتأخر ولسا هيشوف مواصلا، ركب معاه ومشيو
قال عاصم-لقيت الشغل ده فين
-ونا بدور على النت، جه قدامى
-والنرتب؟! خلى بالك لانهم بيكونو عايزين شباب يرضو بنرتبات قليله
-عارف انا مش عيل… قالى المرتب هيتحدد هناك
نظر له عاصم قال- يبقى مش هيعجبك
-مش هقدر عن دى بس هشتغل اتنين عادى
-اتنين؟! هيبقى عندك وقت
-هشوف الدنيا فيها اى
وقف عاصم عربيته وصل ادم
عاصم- ابقى عرفنى عملت اى
اوما له قال-امشي ع شغلك بدل متتاخر
مشي عاصم وادم دخل المطعم لقى محاسب سأله عن الوظيفه شاورله على جوه لقى واحد قال
-انت إلى كلمتني
-اه
-طب ادخل استاذ محمد جوه
دخل وشاف رجل قال- عندك خبره كتم سنه
-لا نا مشتغلش فى مطاعم كانت عندى ورشه ميكانيكا
-بس الشغل هنا مساعد شيف، هتعرف تتعلم؟!! عندك كان سنه
-٢٨
-متجوز؟!!
-اه
-المرتب٢٥٠٠، سعات ٩… يناسبك
وكانما بيده الاختيار لكن هذا المرتب البغيض لن يكون بحجم وقته الذى يهدر معندوش وقت حتى يشتغل شغلانه تانيه
ادم-شكرا
قام ومشي من هناك ولم يلتحق باي وظيفه، ماشي صامت لكنه مش هيرجع البيت ويده فارغه لازم يكون فى شغل
شارع مزدحم – منتصف النهار – الجو حار
كان ماشي بخطوة بطيئة، وجبهته باينة فيها العرق، مش بس من الشمس، لكن من التفكير والضغط والهم.
آدم وقف قدام ورقة معلقة على باب محل كبير مكتوب فيها:
“مطلوب مساعد – 12 ساعة عمل – المرتب 1800”
ضحكة يائسة طلعت منه، وقال بصوت واطي:ـ “يعني يومي كله بـ60 جنيه؟ دا حتى المواصلات والعيشة أغلى…”
كمل مشيه، عينه بتدور على أي إعلان، أي باب مفتوح، أي فرصة، لكن كل حاجة كانت يا إما فوق طاقته، يا إما مش مناسبة… يا إما “مطلوب خبرة”، يا إما “لا يزيد السن عن ٢١”، أو “بنات فقط”، أو المرتب قليل أوي كأنهم بيشحتوا منه مجهوده.
فرك وشه بإيده، وقال لنفسه:
ـ “هو أنا قليل؟ ولا الدنيا هي اللي قاسية؟ ولا أنا اللي مش عارف أزق الباب اللي ورا الفرصة؟”
وقف… خد نفس عميق، بص لنفسه في زجاج عربية معدية وقال بصوت مخنوق:
ـ “أنا تايه…”
وبدون ما ياخد قرار، رجله كملت تمشي في الشارع… لا عارف رايح فين، ولا هيلاقي إيه، بس ماشي… يمكن المشي أرحم من الوقوف في نفس المكان اللي مش لاقي فيه غير الخنقة
اسير قاعده فى المساء مستنيه رجوع ادم لكنه بيكون اتاخر بتتسائل لو استقر هناك او اين يكون هو
-ازاى ممكن اساعدك وانت رافض اتدخل ف اى حاجه
بيسير في الشوارع بالليل، دخل كذا محل وكذا مكتب يسأل عن شغل، وماكانش فيه حاجة، ولو فيه، المرتبات قليلة جدًا، وتاخد منه يومه كله.
مش عارف يرجع ويقولها إنه رجع زي ما راح، من غير فايدة.
كان ماشي ساكت، شايل همه، بيعدّي قدام الورشة ووقف عندها…
تخيّل نفسه وهو بيقفلها في وقت زي ده عشان يرجع بيته، أو يقعد مع صاحبه، أو يروح المسجد.
حس بغُصة قوية جواه وهو شايف شغله اللي راح، وبقى بيدور على باب في كل اتجاه، ويتخبط في الحيط.
اتنهّد تنهيدة عميقة كأنها طالع من قلبه لحد الأرض…
بس فجأة استوقفه شيء، رفع إيده وقرّبها من وشه…
ريحة… بنزين؟!
بص للورشة، وجت شادية وقالت:
بنعمل إيه هنا كده؟
بصلها آدم وقال:
مفيش… كنت بس ببُص على الخراب.
قالت له:
-مش هتطلع الحاجات اللي جوه؟ الحديد ده لو جمعته ممكن يجيبلك مبلغ كويس، أو حتى تجدده وتبدأ من جديد، يمكن يرجع أحسن من الأول.
ما ردّش، فبصت لإيده وسألته:
-إيدك فيها إيه؟
-في ريحة بنزين على الأرض.
-طبيعي يكون فيه بنزين، دي ورشة عربيات. تقصد إن البنزين ده حصل من حريقة؟ حد كان ممكن يرمي حاجة؟
-ممكن، بس البنزين جه منين؟ أنا دايمًا كنت حريص جدًا ما يحصلش أي تسريب، ولما بخلص أي عربية كنت بنضف مكانها تمام.
يمكن نسيت؟ أو حد تاني كان ساب عربيته والبنزين فيها سايب؟
سكت آدم، لأنه متأكد إن الغلطة دي مستحيل تحصل منه.
كان دايمًا حريص، وبيتأكد من كل حاجة بنفسه، وبيبعد أي حاجة ممكن تسبب خطر.
افتكر يومها… آخر يوم ليه، وهو بيفتح الورشة، كان حاسس إن في حد بيراقبه، أو ماشي وراه، أو حتى عنيه عليه من بعيد…
شادية:
مالك؟ سرحت في إيه؟
-لا، مفيش…
ربتاج قاعده بتتعشي مع عيلتها ونش باصه غير فى التليفون
شيرين-متسيبى التليفون ده واكليه
بتحط التليفون بغضب قالت- مبيرددش… مش عارفه ليه
توفيق-عاصم؟!
-اه.. برن عليه من الصبح.. وحتى بليل.. بس مبيردش.. من آخر مكالمه لما نام متكلمنيش تانى.. حتى وقت البريك فى شغله مردش عليا
كانت مضايقروماسك المعلقه بغضب بتبص شيرين لجوزها الى قال
-مش عايزك تدلقى نفسك عليه يا ريتاج
ريتاج-بنقول اى يبابى
-الى سمعتيه، اجنا بنحب الحريه وخليها نيصحه منى.. حساكى متعلقه بيه بزياده
سكتت قالت- وعاصم كمان بتحبنى
-بس بيتقل عشان كده انتى علطول بتفكرى فيه
-انا وعاصم بنحب بعض ومفيش الكلام ده ف علاقتنا
-نا عرفتك واتمنى تهدى شويه.. لأن أعصابك ابتدت تتعب ياحبيبة قلبى
مرداش بس بصيت لوالدتها وتليفونها رن وكان عاصم ابتسمت وبصيت لابوها قال
-قولتلك مفيش مبينا الكلام ده، كان مشغول وبيرن عليا
وريته المكالمه كانها بتثبت وقامت ترد، شيرين
-لى قولت كده
-نا بتكلم معاها عادى وهى فعلا بتحرى وراه.. وهو مين الراجل فيهم
-هما بيحبو بعض ياتوفيق بلاش نتدخل احنا
-دى بنتى يعنى اتدخل ف كل حاجه ف حياتها
سكتت بياكل توفيق بلا مبالاه
عاصم وهو راجع عدى من قدام المطعم بس ملقاش ادم عرف انه متعينش ومشي، روح البيت وهو داخل شافه من بعيد جاي
ادم شافه استغرب قال- اى الى مرجعك متأخر
-كان عندى ميتنج برا.. انت لقيت شغل ولا
-لا..ملقتش حاجه مناسبه
-والمطعم ده
-قالى الفين ونص
-اى المبلغ الحقير ده، وعدد السعات كام طيب
-بلاش تعرف
بصله عاصم قليلا قال- جربت تشتغل من شهادتك… انا ممكن اشوفلك شغل ك محاسبه.. بنك مثلا
نظر إليه ادم قال- قدامك
-لو لقيت هعرفك علطول وهتتقبل لان شفل البنك واسطه
ابتسم ادم قال- وانت الواسطه
-متستقلش بيا علاقاتى كتير
-عارف حاجه زى دى ومش مستغربها
جه صوت امهم- بما انكم هنا يلا ناكل سوا بدل مبقالى كتير باكل لوحدى
ادم- هاكل مع اسير، مستنياني من المغرب
طلع بصيت عبير لعاصم قالت- بتتكلمو عادى
-هنتخانق يعنى.. انتى عارفانى نا وادم
ابتسمت قالت-ربنا يخليكم لبعض
الباب بيتفتح بهدوء… آدم دخل بخطوات تقيلة، باين عليه التعب مش بس من المشي، من الدنيا كلها
أسير طلعت له من المطبخ، لابسة حاجة بسيطة، شعرها مربوط، ووشها فيه شوق وقلق، أول ما شافته ابتسمت وقالت بحنان:
ـ “اتأخرت يا آدم… كنت مستنياك…”
قربت منه، حاولت تاخده بالحضن، لكنه بادلها بارهاق بصتله وحسيته مش كويسه
ادم ـ معلش… مش قادر دلوقتي…
أسير بصت له وقلقها زاد، قالت بهدوء وهي بتقفل باب الشقة وراه:
ـ مالك.. انت اشتغلت ولا لا
-لا
-امال اتاخرت لى انا بحسبك هناك
-كنت بدور
بيقعد على الكنبة، حط وشه في إيده وقال بصوت مبحوح:
ـ “لفيت نص البلد… كل حاجة يا إما مرتبات تكسف، يا إما شغل بـ12 ساعة كأنك عبد… كأنك مش إنسان…”
قربت منه، حطت إيدها على ضهره بحنية وقالت:
ـ “مش مشكله إنت حاولت… وده لوحده يكفي النهاردة
رد بسرعة، صوته فيه نبرة يأس:
ـ “محاولة؟! هحاول تانى بس… هل كل مرة هرجع زي ما أنا… حاسس إني بتكسر حتة حتة… الورشة اللي ولعت خدت مني كل حاجة يا أسير… شغلي… تعبي… حتى كرامتي.
أسير سكتت لحظة، لكنها ما استسلمتش، قربت أكتر، بصت له بعنيها اللى مليانة إيمان وقالت بهدوء:
ـ ربنا بيحبك يا ادم…
نظرت له قال- بيحبك عشان كده بيبتليك وعارف انك قدها… ان الله اذا احب عبدا ابتلاه… ولا اى
بصلها، مستغرب الكلام، وقال بسخرية متعَبة:
ـ ونعم بالله بس الابتلاء صعب يا اسير…بيحبني؟! طب إنتي شايفة دا حب انا بعانى من زمان؟”
مسكت إيده، وضغطت عليها برفق وقالت:
ـ “آه حب بلاش الى حصل يضعف ايمانك… ربنا بيجهزك لحاجة أكبر… بيصقلك… بيقويك… مش بيكسر قلبك، دا بيصلحه… آدم، إنت راجل أنا فخورة بيه… وبكره، لو مش النهاردة، هتلاقي… وهقوم أقولك: شفت؟ ربنا مابينساش.”
سكت شوية… وبص لها
ـ “أنا تعبت يا اسير من زمان ونا الدنيا بترمينى لسابع ارض
حضنته، وهو سايب نفسه ليها لأول مرة من مدة… كأن الحضن دا بيجمع كل القطع المكسورة جواه، وهي بتهمس في ودنه:
ـ “وأنا معاكي، لحد ما التعب دا يبقى مجرد ذكرى.”
على السفره كانو بياكلو سوا واسير بتبص لادم من وقت لتانى وده لاحظ ادم وقال
-عايزه تقولى حاجه
-لا
-اسير
مانه عارب ما بها قالت- امبارح نزلت الشهاده بتاعتى وافتكرت صحابى، ممكن اسال منهم الى اشتغل لو ف شغل معاهم
نظر اليها، أسير (بهدوء)
ـ “أنا كنت بفكر… يمكن لو نزلت اشتغلت، أساعدك شويه… يعني… إحنا اتنين، مش لازم كل الحمل عليك لوحدك
آدم بص لها ببطء، صمته كان مرعب أكتر من أي رد… رفع عينه ليها وقال بنبرة مخنوقة وهو بيحاول يثبت نفسه:
ـ “يعني أنا مش مكفي؟”
أسير (بسرعة وبقلق)
ـ “لا! لا طبعًا مش كده! بس أنا…”
ـ “بس إيه؟!”
لقيته الضيق بأن عليه، ادم
ـ “حسيتي إنك ناقصة؟ إني مش راجل كفاية؟
ـ “آدم بلاش تقول كده… أنا بس بفكر فينا! مش ضدك…”
ـ “طب قوليلي معن. كلام اى.. حد قصر معاكي؟ قوليلي يمكن فعلاً أنا مش واخد بالي؟!”
أسير (عينيها بتملى دموع بس بتحاول تبان قوية)
ـ “أنا بساعدك… مش بلومك… ولا في دماغي أي حاجة غير إنك ترتاح شويه…”
آدم (بصوت مكسور لكن فيه قسوة)
ـ “طب ليه دلوقتي؟ لما خلاص الدنيا بقت ضدي؟ تفتحيلي موضوع الشغل وانتى عارفه انى رافضه من زمان، بعد اما اتجوزتك اخليكى تنزلى… الصلح كان خاتم جوازك ودلوقتى شغل… بتخلينى اندم انى بحكيلك حاجه
أسير (بصوت منخفض)ـ “أنا آسفة… بس بلاش تفهمني غلط فيها اى الشغل…”
ـ فيها انى رافض وعايزك تعقدى ف البيت زى الملكه
سكتت اسير كان ادم هيقوم من ع الاكل منعته اسير قالت
-ادم.. انتى لى شخصنت الموضوع
-اسير بعد إذنك
تنهد وقال بهدوء عشان ميتعصبش- الموضوع منهى
أسير خدت نفس عميق دخلت الاوضه لقيته قاعد، راحت ناحيته… بخطوة هادية، قلبها بيقولها: “دا الوقت اللي لازم أكون فيه حضنه مش خصمه”.
قعدت جنبه، وحطت إيديها على إيده وهو مش بيبصلها.
أسير (بصوت هادي)
ـ “بصلي…متزعلش منى
-عارفه كويس انى مستحيل ازعل منك
ـ طب لى مفهمتنيش صح.. نا مش بقلل منك… بالعكس، أنا فخورة بيك… كل يوم، وإنت بتقوم وبتحاول، وبتقاتل رغم إنك مكسور… أنا كنت فاكرة إني بدعمك، مش بأذيك… آسفة يا آدم.”
ـ “أنا حسيت إني مش كفاية ليكي… حسيت إنك بتدوري على حل غيري…عايز انا بس الى تحتجيلى
أسير (بحنية وهي بتلمس وشه)
ـ “الحل هو إحنا… مش الشغل، ولا الشهادة، ولا أي حاجة. أنا مش عايزة حاجة غيرك… الشغل في فستين داهية انا بحب افضالك انت بس
-انا بحبك.. راحتك هى كل الى تهمنى يا اسير
– عارفه وبحبك اكتر
حضنها أخيرًا… حضن طويل، ساكت… لكنه بيصرخ بكل المشاعر اللي اتكتمت، وبكل اللي اتقال واتفهم، واللي ما اتقالش بس وصل
وهي قالت في ودنه:
ـ “كلنا بنقع، بس طول ما إيدينا في إيدين بعض، هنقوم… وكل باب مقفول، هيتفتح… بإيدك.”
بيصدر صوت رن بيلاقيه فؤاد رد-الو
-اى يا ادم، بقولك…ف شغل مندوب بكره تبع ناس اعرفهم
-مندوب
-اه انت عندك خبره من آخر مره
-تمم امتى وفين
-هبعتلك رساله بتفاصيل
-شكرا يافؤاد
-العفو ع اى بس
بينهم المكالمه قال- شغل
اسير-خير انشاءالله
آدم ماشي في شارع الساعة قرّبت على ١٠ الصبح. ماسك في إيده ورقة عليها عنوان مطعم، رايح على المعاد الى اتفق عليه مع الراجل
فجأة، سمع صوت شاف راجل فى الأربعين بيتكلم ف التليفون
-بقولك مفيش حد هنا قريب والعربيه وقفت معليش حتى اوديها اى معرض… اتصرف ابعتلى اى حد
كان مضايق واقف جنب عربيته واللي باين إنها اتعطلت وبيبص على الطريق يمين وشمال
آدم وقف لحظة، يبص للوقت، بعدين خد نفس عميق وقال لنفسه:
– “المقابلة مش هتطير… الراجل محتاج حد يساعده.”
بيقف الراجل ويشوف اى عربيه معميه بيقرب ادم منه وقال:
– “محتاج مساعده؟”
الراجل لفّ عليه وقال بانفعال:
– “العربية وقفت فجأه، ومعرفش ليه… وأنا ورايا مشوار مهم أوي.”
آدم قرب من العربية وبص تحت الكابوت وهو بيقول:
– “لو تحب أبصلك عليها،
-مش مشكله هوقف تاكسي وابعت اى مهندس يصلحها بعدين
-متقلقش انا ميكانيكى مش هبوظها
الراجل اتفاجئ شوية وقال:
– “بجد؟ طب والله يا ابني لو تعرف تبص عليها تبقى خدمتني جامد.”
آدم لف كمّه، وبدأ يفحص الموتور بحركة خفيفة وسريعة
الراجل- اسمك اى
-آدم
لمّح سلك مفكوك– دي المشكله
-هى اى؟!
-السلك ده مش راكب مظبوط. لحظة واحدة.”
بأطراف صوابعه وباستخدام اصابعه الماهره بصله الراجل قليلا رفع ادم وشه قال
-جرب
-عملتها؟!
شاورله ادم راح قعد وشغلها دارت فورًا.
الراجل اندهش وقال بإعجاب:
-دى اشتغلت… انت دماغ عاليه فعلا بالسرعه دى.. واضح انى استقليت بيك
شريف نزل وهو مبسوط قال بيفتح محفظته:
– إنت ساعدتني جدًا، ووقفت جنبي من غير ما تعرفني… خد دول، أقل حاجه.”
مد إيده بمبلغ صغير، آدم بص للفلوس، وبعدين رفع عينه لوش الراجل، وملامحه اتغيرت قال بجديه
– “أنا ساعدتك عشان محتاج مساعده… مش عشان آخد مقابل.”
الراجل اتفاجئ، وسحب إيده ببطء، حس كأن تصرفه ضايق آدم. قال
– “أنا آسف… كنت فاكرها لفتة تقدير مش أكتر… مفيش حد بيعمل حاجه بدون مقابل
-حصل خير
الراجل سكت، وشه فيه لمعة احترام.
فضل ساكت ثواني، وبصله كأنه بيشوف فيه حاجة نادرة.. خد باله من ورقة في إيد آدم… كانت مطوية نصين، بس العنوان واضح.
قرب منه وقال بابتسامة:
– “إنت كنت طالب أوردر من المطعم؟”
آدم هزّ راسه وقال بهدوء:
– “لأ… دي ورقة عنوان، كنت رايح أقدّم فيها شغل.”
الراجل استغرب وسأله وهو بيقفل كابوت العربية:
– “أمال إنت مش ميكانيكي؟ مش لسه قايللي إنك كنت بتشتغل في ورشة؟”
آدم اتحرج شوية، اتنهد وقال:
– “سابقا… حصل ظروف ومبقاش ف ورشه ف نزلت اقدم أدور على أي شغل، أي حاجه أبدأ منها من تاني.”
الراجل بص له باهتمام أكتر، وسأله:
– إنت خريج إيه
– “تجارة
الراجل اتفاجئ، فتح عينه باستغراب وقال:
– “تجارة؟! وإشتغلت ميكانيكي؟!”
ادم ابتسم قال، وقال:
– قليل الى بيشتغلو فى مصر بشهادتهم… ونا كنت واخد مهنه من والدى من زمان وأنا بحب أفك وأركّب.. بس مفيش شغل ف مجالى، وكنت لازم أساعد في البيت، فاشتغلت في ورشة جنبنا، وكنت بحبها بصراحة، حسيت فيها إنى بنجز وبفيد… بس لما الدنيا لخبطت، قلت أبدأ من أول وجديد في أي مكان تانى
-والراتب، يكفيك انت ومراتك وعيلت
-عرفت منين انى متجوز
-الدبله الى ف ايدك
-اه.. المرتبات قليله بس تمشي
بص ف تليفونه لساعه قال– أنا لازم أمشي… عشان متأخرش
لسا هيمشي قال رجل :
– استنى يا ادم
نظر له قال- ممكن رقم تليفونك
-اه بس لى؟!
-هحتاجك فى شغل
نظر ادم إليه سجل رقمه فى تليفون بيرمي الراجل عربيته ويمشي نظر له ادم بيروح على المطعم
فؤاد-اتاخرت ليه
-حصل حاجه ف الطريق
-تمم انا اتفقت معاهن بدالك إنت ادخل استلم الشغل وخلاص.. مندوب وانت اشتغلتها قبل كده والقبض ٥٠٠٠
نظر له ادم قال-١٠سعات
اوما إليها تنهد ادم قال- تمم شكرا يفؤاد
-هتستلم
-اه لحد ما الاقى فرصه احين مس هعقد ل البيت كتير
-ربنا معاك
عاصم واقف مع راجل باين عليه الثراء والقوه كان قاعد فى كمبواند والنادل بيحطله مشروب
راجل- لما عماد قالى ان حد مسك الموضوع معرفش انه شاب قولت حد كبير متمكن
عاصم- الشاب ده عنل حجات كتير وخلصها ف اقل من اسبوع
-يعنى بتقولى اعتمد عليك
-عرفنى غرضك بالظبط
-هو مفهمكش، منطقه سكنيه بيئه عايز احولها لحي سياحى كبير
-وعرضت علبهم فلوس
-ف كتير رفضو بحجه الوفاء الغبى
-تمم انا هخلصلك الموضوع ده بس محتاج راس مالى.. هرواغ السطان ونحط ان مفيش حل غير الفلوس بدل ميخرجو خسر.انين
-فلوسي تحت امرك… بعيدا طبعا عن اتعابك لو خلصت الموضوع
-يبقى اتفقنا
صافحه الرجل بابتسامه وثقه فيه لان باين على عاصم انه مش سهل وده إلى طمنه
ادم بيكون بيوصل اوردرات يوميا، كان من ضمن توصيلاته انه يشوف شغل اضافى بجانب الطلبات
كانت الشمس حاميه فوق رأسه مباشره بيوصل الصبح وبليل اوقات كان بيعق، وقت اضافى غرضا منه لزياده قيمه يوميته
اسير كانت بتنستناه لحد ما يرجع رغم ان ادم كان يأكد عليها انها تأمل وتنام لكن يتفجأ بيها مستنياه
اسير – هسخن الاكل عشان ناكل
كان بيضايق من نفسه انه قعدها ده كله، وهما بياكلو اسير بتساله باهتمام
-عملت اى النهارده…شغلك مشي كويس
-الحمدالله.. اسير
-نعم
-ابقى كلى متستننيش.. بلاش تعقدى ده كله
-انا بحب السهر ثم نا بكون قاعده اليوم كله زهقانه مبعملش حاجه فيها اى استناك… لحظه رجوعك ونس يا ادم ولا انت مبتحبش تاكل معايا
-بستنى ارجع اشوف عينك
مسك ايدها وقبلها بحب احمرت وجنتيها بابتسامه قرب من عينها قال
-بتتكسفى ها
ضحكت عليه بادلها بخفو للحظه هاديه برفقتها
فى يوم اجازة ادم كان فى الورشه واسير معاه، نظرت إليه دخلت هى قبله وشعرت بالحزن على شكل الورشه لطن لم تظهر هذا
قالت- المفروض كنا نلم الحجات دى يومها.. مش هتبقى خساره وخسارة
ادم- هيجيبو كام يعنى
-يجيبو الى يجيبو لكن منسبهاش كده
انحنت وشالت أغراض من على الارض وطلع ادم صندوق محترق واتفتح بالسهوله كان ف معدات حديد، ابتسم اسير لتخفف عنه وحطيت الأشياء فيها
اسير- انت مش ناوى تفتحها تانى
ادم-صعب يا اسير
-لو بقا معاك مش هتفتح تانى
سكت ونظر إليها قال- معتقدش
-طب اى رايك نأجر المكان للوقت الحالى.. يبقى محل تجاري مثلا.. هيتجدد ويرجع احسن من الاول
-ايجار؟!
-اه.. بدل مهتكون فاضيه لا منك بتشتغل فيها ولا فيها نفع
-هشوف كده حاضر
-ادم…
نظر إليها قال باعين تاملها الامل
-اياك تيأس، الدنيا وحشه بس انا شايفه قدام آدم رجل أعمال مشهوووور
ابتسم قال-واى كمان
-مش رجل اعمال خلاص معرض عربيات كبيرر.. عمتا النجاح ياين ف عينك
-انا ناجح بيكى
ابتسمت قالت- اممم بتسكتنى هاا
كملو ما يفعلوه وجمعو أغراض الورشه الصالح والغير ف هناك من يبحث عن معادن كتلك، شالهم ادم وحطهم ع جنب ونظر للورشه الى بقيت خاليه كأنه بيودع كل ركن فيها
خرج وكانت اسير مستنياه روحو سوا قالت-تيجى نسهر مع بعض النهارده
-الشغل بكره بدرى.. للاسف مش هعرف
سكتت فلقد انتظرت يوم إجازته بفارغ الصبر، ادم كان هيتكلم قالت اسير
-صحينى قبل ما تمشي بلاش الوداع الخطفى ده
-ربنا ميجيب وداع
-ادم… لو انا مش معاك هتعمل اى
-اى السؤال ده
-عادى مجرد هرمونات
-هضيع… دى اجابه كافيه
-جدا
ابتسم واكملو سيرهم
في مكان السهر، كان عاصم قاعد مع ريتاج، فقالت بانفعال:
-أوه ماي جاد! اتحرقت كلها؟ إزاي؟
-ماس كهربائي.
-عشان كده مكنتش بترد عليا؟
-ماقدرتش… كان في ضغط كبير في البيت.
-تمام، عادي يا حبيبي، أنا بس كنت قلقانة عليك… وآدم ناوي يعمل إيه دلوقتي؟
-هيشتغل… سألت عماد لو فيه وظيفة فاضية محاسب او بنك بس اتأخر لحد دلوقتى ف الرد
-آدم يشتغل في بنك؟!
-آدم خريج تجارة.
-آه عارفة، بس البنك مش بيقبل أي حد، ده شغل عالي، وآدم كده هيبقى في مكان تاني خالص.
قربت منه وقالت له بنبرة فيها لمحة:
-يعني لما تساعده… هتخليه زيك؟
-زيي؟! دي مجرد وظيفة، عمرها ما تكون في مستواي.
كأنه اتخيل آدم هيبقى في نفس مستواه، وإن أسير تبدأ تشوف فيه حاجة أكتر وأكتر…
عاصم:
-وبعدين… إنتي تقصدي إيه؟
-مفيش، مقصدش حاجة…أنا بس
-اياكى تدخلى ف حاجه بينى وبين اخويا يا ريتاج، لا دلوقتى ولا حتى لما تبقى مراتى
-بتتكلم معايا كده لى يعاصم
– هو محتاج الوظيفة دي، ومش هسيبه محتاج، ادم كان أبويا اللي عمره ما قصّر معايا.
-اعتبرني متكلمتش خلاص
عاصم شرب، متجاهل كلامها، بس كلامها علق في دماغه…
رجعته الذكريات لزمان، وهو صغير، وكان آدم دايمًا بيساعده.
افتكر يوم تقديمه في الكلية، لما كان محتاس، وآدم هو اللي خلص له الورق.
حتى وقت الجيش، ما سبهوش، وكان أول حد يطمنه.
هل النهارده ينكر اللي عمله علشان غيرته من ناحيته؟
علشان عايز أسير تشوفه هو بس، وتفتخر بوظيفته الكبيرة؟
هزّ دماغه، ونفض أفكاره، واتجاهل كل ده.
فى اليوم التالى ادم بيوصل ركضا على المطعم
المدير-اتاخرت لى
-المواصلات
-كنت تنزل بدرى المفروض شغلك يبدأ من نص ساعه المفروض اشيله انا
نظر له ادم من طريقته قال ببرود- انت بتتكلم كده لى.. قولتلك الطريق
-هتعرفنى اتكلم ازاى، مخصوم منك يومين
ابتسم ادم ونظر اليه قال- يومين هو الشهر ف كام يوم… تخصملى بتاع اى، كنت بتدفع حق بنزين بتاعى
جه شاب قال- خلاص يا ادم المدير بس متعصب النهارده
ادم قلع التيشرت وادهوله قال- معاملة العبيد مش معايا
خرج من هناك جمع قبضته ورجع البيت
نظرت اسير إليه من رجوعه قالت- ادم اى الى رجعك بدرى
-سيبينى دلوقتى
سكتت تنهد ادم فهو لا يقبل احد ان يتعالى عليه، هل كان يجب أن يلكمه.. لكنه فى مقام والده واخلاقه لن تسمح له
بيرن تليفون ادم من بقم غريب بيحسبه زميله فى الشغل فاتجاهل لكن بيرن تليفونه تانى.. رد بتنهيده
-أزيك يا ادم
-بخير مين؟!
-انا شريف
-شريف مين؟!!
-اممم خلينى افكرك، العربيه المتعطله فى نص الطريق
استوعب ادم من هذا اومأ إليه قال
-اه افتكرتك معلش بس دماغى
-ولا يهمك
-خير ف حاجه
-فاضى تقابلينى
-لى، ف حاحه يعنى
-اتكلم معاك، ده لو برا معاد شغلك
سكت ادم لانه موريهوش حاه قال
-تمم امتى
-النهارده لو حابب
-تمم ابعتلى العنوان
-دلوقتى… تمام انا فى المصنع خد عنوانه ونتكلم هناك
بيوصل ادم على العنوان نظر إلى ذلك المصنع الى بيعج برائحه اللحام
دخل نظر له رجال الأمن قال- شريف هنا
-استاذ شريف
جه صوت من بعيد قال- تعالى يا ادم
نظر له انه ذات الرجل، دخل سلم عليه شريف قال
-ده اول سلام بينا المره إلى فاتت كنت مستعجل نسيت حتى اعرفك أسمى… شريف رضوان
-اهلا
-تحب تتفرج على المصنع واحنا بنتكلم
-معنديش مانع
-تشرب اى الاول
-قهوه
شاور للعمال قال- قهوه للمهندس
مشيو هما الاتنين سوا بص ادم للعمال بل حدادين، بيلف ويشوف اجزاء سياره لا تغيب عن اعينه انها من اجود انواع السيارات التى تصنع هذا العام
شريف- اعتقد انك عرفت احنا فين.. ده مصنع حداده للعربيات، هنا بنشكل ويتم نقلها للمهندسين تجهيز مع مجموعه مهندسين وتنزل السوق
-المعنى
-شركة عربيات “kfg”
نظر إليه ادم اومأ إليه قال- هى الشركه الام الاجنبيه وده الفرع الى فمصر
اومأ له بتفهم جه العامل اداله القهوه
قال شريف- اشرب قهوتك
ادم- شكرا
-اى رايك يا ادم
-شغل حلو بس سؤال انا مالى
-مش قولتلك هتصل عليك احتاجك لشغل….
نظر له ادم حين قال ذلك
شريف- انت عملت اى ف شغلانتك ف المطعم
سكت بضيق من التذكر قال
-مش مهم
-يعنى تقدر تسيبها وتشتغل معايا
-اشتغل هنا؟! ف المصنع
-مش بالظبط كده… فى فرع المصنع التانى حصل ضغط كبير أو عشان اكون واضح خلل.. ورئيس محتاج حد اداره يشرف هناك ويكون فاهم الدنيا كويس ونا ملقتش غيرك يا ادم
-ف اى بالظبط
-فاهم فى العربيات والميكانيكا وكمان خريج تجاره… بس الاولويه هتشتغل بشهادتك، مدير حسابات هناك مش مع العمال متقلقش
حت. لو قال مع العمال لكان وافق قال
-اشمعنى انا
-عادى دى وظيفه انت مناسب ليها وردا لجميلك معايا يومها.. وعشان اكون صريح معاك ده كان المفروض وظيفة ابنى بس هو رفض وهو بطبيعته لعبى مش عايز اخسر وظيفتى نا كمان بسببه
سكت ادم ونظر اليه والى المكان
شريف- المرتب مجزى وفى تأمينات شخصيه، بلاش تضيع فرصه زى دى
-الفرع التانى ده فين
-دى المشكله الى ممكن تواجهك
-مشكله اي؟!
اسير قاعده مع عمتها عبير قالت- كويس والله الإيجار احسن من قفلتها كده
اسير- باين انه مش مهتم، لو كنتى اتكلمتى معاه انتى كان هيفهم انك الى عايزه
-نا بقولك تدخله اى قرش ينفع…وهو فين دلوقتى
-زمانه جاي، بعتلى رساله انه ف الطريق
اومات بتفهم بصيت عبير قالت- جه
شافت ادم ع الباب نظرت له اسير، دخل راحتله قالت
-روحت فين
-فى مشوار تبع شغل فى شركه كبيره
اندهشت اسير قالت- شركة اى، وعملت اى فيها
-هستلم الشغل بعد بكره، لو جهزت شنطه بدرى
كانت اسير هتبتسم بس قالت باستغراب
-شنطه اى
-هسافر
اسير العشق
تكملة بارت٢٠
• تابع الفصل التالى ” رواية اسير العشق ” اضغط على اسم الرواية