رواية المتنقبة الحسناء الفصل الرابع عشر 14 – بقلم شيماء عفيفي

رواية المتنقبة الحسناء – الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر

سبحان الله وبحمده

الفصل الرابع عشر

ما زالت قسمات وجهه تروق للعيون؛ تعدى الخمسين من عمره؛ ابيَضّ شعره، رسمت على ملامحه بعض التجاعيد؛ ذبلت عيناه؛ يده مرتعشة قليلا؛  كان يجلس على كرسي متحرك وعيناه اغرورقت بالدموع هي الأخرى؛ تمنى كثيراً أن يرى أبناءه ولكن خوفه الشديد من عدم مسامحته جعله يفضل أن يظل بعيداً كما كان من قبل؛ أما قلبه المتلهف لأبنائه أحس به أسعد وقرر أن يخاطر بخططه لكي يرى أبناءه ودعا الله كثيراً أن يجمع شملهم قريبا؛ خفق قلبه كاد أن يغشىَ عليه؛ عندما نظر إليه؛ تأمل ملامحه قليلا؛ رق قلبه أحس بالحنين، فدمعت عيناه؛ هل يجري إليه ويحتضنه أم ماذا؟!!

انطلق مسرعا ودموعه تتساقط؛ وأسعد يجري خلفه وينادي عليه؛ لم يلتفت للنداء وظل يجري إلى أن وصل لنهاية الشارع؛ أمسك أسعد بيده ليوقفه؛ وقتئذ توقف ثم هوى على ركبتيه، وتعالت دقات قلبه ؛ انحنى أسعد وأخذ بيده يساعده على الوقوف..

أسعد بحزن: “عمري ما شفتك في الحالة دي يا علي؛ أرجوك اهدى عشان نعرف نتكلم”..

علي وعينه ما زالت تدمع: “كنت قاصد تنسى تليفونك معايا عشان آجي وأشوف الراجل ده.؟!! حرام عليك يا أسعد”..

أسعد بأسى: “يا علي أرجوك اهدى واسمعني”….

قاطعه علي: “أسمع إيه؟!! أنا مستقبلي كله ادمر بسببه كنت باحلم دايما أكون مهندس دمر حلمي وسابنا ومشى؛ مسألش فينا احنا بناكل ولا مش لاقين ناكل؛ أنا كتير نمت من غير عشا لما كنت أحس إن زياد وحسناء لسة حاسين بالجوع كنت أكدب وأقول مش جعان؛ كنت باحس بالشبع لما أشوفهم شبعوا؛ وأمي كانت تبكي ومش عارفة تعمل إيه وتجيب فلوس منين.؟! لحد ما بدأت تعمل الحلويات والكيكة وتبيعهم عشان تصرف علينا”..

تنهد بحرقة ثم استكمل  كلامه: “احنا تعبنا أوي يا أسعد مش محتاجين وجوده في حياتنا؛ خلاص كبرنا ووقفنا على رجلينا تاني؛ جاي هو على الجاهز يشوف عياله اللي رماهم.؟! آسف جدا يا أسعد الراجل ده احنا ما نعرفوش!!!”

قال معاتبا: “حرام عليك يا علي؛ ده مهما كان أبوك؛ أنت كده بتعقه؛ وإلا عقوق الوالدين يا علي.!!”

علي ببكاء: “وهو لما يسيبنا ويرمينا يبقى ده مش اسمه عقوق بردو.؟! أرجوك يا أسعد سبني دلوقتي معلش؛ عن إذنك”..

أسعد: “استنى أوصلك طيب مش هينفع أسيبك في الحالة دي لوحدك!!”

لوح علي بيده رافضا: “أنا عايز أبقى لوحدي”.

أسعد: “خد بالك من نفسك”..

كان يخطو خطوة تلو الأخرى شارد الذهن يطيح به الهواء يمينا ويسارا؛ عندما وصل نظرت إليه والدته بلهفة وقلق؛ سألته: “مالك يا علي.؟! في إيه؟!”

علي بارتباك: “مفيش يا أمي؛ مرهق بس شوية ومحتاج أنام”..

والدته بقلق: “هاجيبلك مسكن خده والصبح هتكون خفيت بإذن الله”..

علي: “لا مش محتاج مسكن أنا بس محتاج أنام، تصبحي على خير يا أمي”..

والدته: “وأنت من أهل الجنة يا ابني”..

(اعتقدت زينب أن حالة علي هذه من حزنه على فراق أخيه؛ ثم رفعت يدها داعية الله أن يجمعهم عن قريب.)

******************

سرقته وخانته مع صديق عمره وطُلقت منه حتى تتزوج من الآخر؛ كما تدين تدان؛ لم يتحمل صدمته وقع ونُقل للمشفى أصابته جلطة أجلسته على كرسي متحرك؛ لم يجد أحدًا معه أصبح وحيدا؛ اتصل بأخيه عبد الله (والد أسعد) لكي يساعده ويقف بجواره، عبد الله حزن حزناً شديداً على أخيه؛ وقرر أن يأخذه لكي يعيش معه تحت رعايته؛ وافق عبد الرحمن (والد حسناء) بشرط ألا يعرف أحد من أبنائه بوجوده.

******************

(في صبيحة اليوم التالي.)

دخلت زينب تُوقظ علي لكي يذهب إلى عمله: “قوم يا حبيبي عشان تروح شغلك”..

علي بكسل: “مش قادر يا أمي هاتصل بيهم آخد أجازة”..

والدته: “على راحتك يا ابني”..

ذهبت إلى حسناء توقظها للذهاب إلى الكلية.. “قومي يا بنتي يلا عشان تروحي الكلية”..

حسناء مغمضة عينيها: “مش قادرة أروح يا ماما؛ مش عارفة أنسى اللي حصل خالص.!!”

قالت بجدية: “مينفعش كده يا حبيبتي روحي احضري محاضراتك ومها هتبقى معاكي”.

نهضت وأسندت رأسها على ظهر السرير ثم قالت وهي تتثاءب: “خلاص هاتصل بمها لو هتروح هروح معاها”..

(أخبرتها مها معتذرة بأنها لن تذهب اليوم.)

نظرت لوالدتها وقالت: “أهو حتى مها مش هتروح”..

دخلت تحت الغطاء وقالت:  “هاكمل نوم بأه!!”

تنهدت والدتها بشدة وقالت: “ربنا يهديكم يا ولادي”..

******************

“للدرجة دي بتكرهني يا ابني؟!!”

يقولها عبد الرحمن (والد علي) ودموعه تتساقط وهو ينظر لصورة علي ويتحسسها بيده؛ دخل عليه أسعد ثم ربت على كتفه وقبله..وقال بحزن وأسى: “متزعلش يا عمي؛ بكرة علي وزياد وحسناء يبقوا في حضنك كمان؛ بس لازم نستحمل في الأول ردود أفعالهم؛ بس والله قلبهم طيب أوي بالذات علي”..

قال بتنهيدة متعبة: “أنا عارف يا ابني وحزين على كل دقيقة ضيعتها وأنا بعيد عنهم؛ أنا ندمان أوي يا أسعد؛ وكل ثانية قلبي بيتقطع؛ نفسي يسامحوني أوي”..

أسعد وقد اغرورقت عيناه بالدموع: “أوعدك يا عمي إنهم هيبقوا معاك وعن قريب كمان؛ ربنا يسهل الأمور؛ بس أهم شيء بالله عليك متهملش في نفسك وصحتك؛ والله صحتك غالية علينا كلنا”..

-قوله يا ابني أحسن ده تاعبني في أكله ومش بيرضى ياخد العلاج كمان..

قالها عبد الله..

التفت إليه أسعد وهو يقول: “خلاص يا والدي عمي هياخد باله من نفسه وصحته من دلوقتي عشان أولاده محتاجينه؛ قلت إيه يا عمي؟!”

عمه: “حاضر يا ابني؛ عشان خاطر أولادي أعمل أي حاجة؛ أهم شيء يرجعولي”..

عبد الله: “أيوه كده؛ ربنا يريح قلبك”..

أسعد: “ربنا يهدي الأمور عن قريب..!!”

والده وعمه في نفس واحد: “اللهم آمين”..

قال بإرهاق: “هستأذنكم بأه هدخل أنام؛ مرهق جدًا”..

والده: “اتفضل يا ابني؛ نوم الهنا”..

عمه: “أسعد.؟!!”

التفت إليه أسعد: “نعم يا عمي.؟! محتاج حاجة؟!”

عمه بامتنان: “كتر خيرك يا ابني على كل اللي بتعمله عشاني؛ ربنا يسعدك ويجازيك كل خير”..

انحنى على يد عمه وطبع قبلة عليها: “متقولش كده يا عمي؛ أنا بس نفسي أسعدك ونفسي أشوف الابتسامة ترجعلك تاني..!!”

عمه: “يا رب يا ابني؛ أنا سعيد بوجودكم معايا”..

عبد الله: “احم احم؛ نحن هنا وبنغير أوي”..

ابتسم أسعد ثم اتجه نحو والده واحتضنه وقبله هو الآخر: “أنت الخير والبركة يا والدي”..

والده بابتسامة: “ربنا يحفظك يا ابني ويخليك لينا”..

أسعد: “يا رب؛ يلا تصبحوا على خير”..

والده وعمه في نفس واحد: “وأنت من أهله”..

******************

أسعد يلوم نفسه: “يا ترى اللي عملته ده صح ولا غلط.؟! أنا هاتصل بعلي واتكلم معاه واحاول أقنعه”..

حاول مراراً وتكرارا الاتصال بعلي؛ لكن علي لم يرد عليه؛ قرر أن يتصل على الهاتف الأرضي..

زينب: “ردي يا حسناء شوفي مين بيتصل؟!”

حسناء: “حاضر يا ماما”..

رفعت حسناء سماعة الهاتف وردت قائلة: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”..

خفق قلبه لسماع صوت حبيبته؛ قال بصوت مرتعش: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ إزيك يا حسناء.؟!”

حسناء بدهاء ومكر: “مين حضرتك؟!”

بتعجب: “أنا أسعد”..

حسناء مطصنعة اللامبالاة: “آه؛ الله يسلمك يا أستاذ أسعد؛ الحمد لله بخير”..

– “يا رب دايما؛ والدتك عاملة إيه؟!”

– “الحمد لله بخير”..

– “يا رب دايما؛ هو علي فين؟ أصلي باتصل بيه على تليفونه مش بيرد.!!!”

– “علي نايم مريض شوية”..

-ألف سلامة عليه؛ ممكن تستأذني والدتك إني آجي أشوفه.؟!

التفتت لوالدتها وقالت: “ماما؛ أستاذ أسعد بيستأذنك يجي يشوف علي”..

والدتها: “طبعا يشرف”..

حسناء: “سمعت قالت إيه؟! طبعا يشرف”..

ابتسم قائلا: “أيوة سمعتها؛ بأمر الله هاجي دلوقتي؛ مسافة السكة بس”..

– في رعاية الله..

******************

زينب: “اتفضل يا ابني؛ عامل إيه؟!!”

أسعد: “الحمد الله بخير؛ وحضرتك عاملة إيه؟!”

زينب بابتسامة: “الحمد لله؛ ادخل لعلي شوف ماله أحسن واجع قلبي عليه من امبارح.!!”

رد قائلا: “حاضر”..

طرق الباب ودخل لعلي؛ ثم ألقى عليه السلام..

نظر له علي ورد السلام:

أسعد بجدية: “ممكن أتكلم معاك شوية يا علي؟!”

علي: “لو هتتكلم في الموضوع ده؛ يبقى بلاش”..

أسعد بجدية: “هاتكلم فيه ولازم تسمعني؛ عارف يا علي يعني إيه عقوق الوالدين؟!!”

عقد حاجبيه ثم قال: “مش عايز أعرف.!”

أسعد بحدة: “إزاي بس بتصلي ومؤمن بالله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ وتقول مش عايز أعرف.؟! استغفر الله واهدى كده واسمع الحديث الجميل ده؛ بس مش هاقوله إلا لما تبتسم وتبعد التكشيرة دي عن وشك؛ أصل ما ينفعش أذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنت مكشر؛ سيرته لازم تفرحنا وتدخل السرور في قلوبنا؛ ولا إيه يا عليوة؟!!”

ابتسم علي أخيرا وقال: “صلوات ربي عليك يا حبيبي يا رسول الله؛ اتفضل قول يا سيدي”..

ضحك أسعد: “أيون كده؛ بص يا سيدي الحديث بيقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف؛ قيل من يا رسول الله.؟! قال: من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة.”..

يستكمل أسعد كلامه: “عارف يعني إيه رغم أنف يا علي.؟! يعني ذُلَّ وكُرِهَ وخُزِي”..

علي: “أعوذ بالله؛ ربنا يعافينا”..

أسعد: “شفت بأه يا علي.؟! والقصد كمان من الحديث إنه يدل على العناية بالوالدين وبرهما وخاصة عند الكبر وحاجتهما إلى الخدمة والمساعدة في أداء ما يحتاجون إليه.

وفيه أن القيام بحق الوالدين عند ضعفهما وعجزهما عن الكسب سبب لدخول الجنة؛ وفيه أنه يجب الإحسان إلى الوالدين في حال الكبر والحاجة إلى من يعينهما..

وبصراحة والدك محتاجلك أنت واخواتك يا علي لأنه بأه عاجز وضعيف؛ مهما عمل هو أبوك ما ينفعش تسيبه حتى لو كان عامل فيك إيه”..

علي بحزن وحيرة: “أنا مش عارف؛ حاسس إني مشوش ومش عايز أغضب ربنا؛ وفي نفس الوقت مش قادر أسامحه  يا أسعد”..

******************

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية المتنقبة الحسناء) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق