رواية المتنقبة الحسناء – الفصل الحادي عشر
الفصل الحادي عشر
اذكروا الله
الفصل الحادي عشر
يا ترى مين اللي بيتصل قالتها زينب وهي ممسكة سماعة الهاتف… “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”..
أسعد بابتسامة: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حضرتك عاملة إيه؟ وأخباركم إيه؟!”
زينب بامتنان: “الحمد لله يا ابني؛ أخبارك أنت إيه؟ ووالدك ووالدتك؟ يا رب يكونوا بخير!”
أسعد: “الحمد لله كلهم بخير؛ وبيسلموا عليكِ، وعلي وزياد وحسناء أخبارهم إيه؟”
قالت بعفوية: “بخير الحمد لله، زياد بيحضر نفسه بأه عشان هيسافر بعد بكرة وعلي في الشغل وحسناء في الكلية”..
أسعد: “خلاص هبقى آجي أسلم على زياد وأوصله للمطار بإذن الله؛ حضرتك مش عايزة حاجة.؟!”
زينب بابتسامة: “ربنا يسعدك يا ابني ويرزقك بزوجة صالحة، مع السلامة في رعاية الله”..
أسعد: “يا رب؛ الله يسلمك”..
(أغلق الهاتف ونزل من بيته مسرعاً إلى الحرم الجامعي لكي يرى حسناء ويعتذر لها.)
محدثا نفسه: “يا رب ألحقها قبل ما تروح أنا هنتظرها قدام بوابة الكلية عشان أعرف أشوفها وهي خارجة”..
******************
(بعد انتهاء المحاضرة)
محدثة نفسها: “أما ألحق أروح أصلي الظهر قبل ما العصر يأذن!!”
كانت تضع إسدالًا دائما بحقيبتها ترتديه عندما تريد أن تصلي في مسجد الكلية، فقد كانت تتبقى أيام قليلة على امتحانات الترم ولذلك كان يذهب عدد قليل من الطلاب والطالبات، دخلت المسجد فوجدته خاليًا من المصليات، إلا من فتاة واحدة كانت تصلي وفي وضع السجود، كانت ترتدي عباءة سوداء ويزينها خمار طويل أسود ولأنها كانت ساجدة لم ترَ حسناء النقاب..
محدثة نفسها: “بسم الله ما شاء الله الظاهر إنها بنت ملتزمة ربنا يبارك لها ويهديني؛ أما أروح أتوضا قبل ما المحاضرة التانية تبدأ والدكتور يرفض يدخلني السيكشن!!”
دخلت حسناء لتتوضأ استغرقت من الوقت حوالي ربع ساعة؛ بعد أن انتهت من الوضوء أخرجت الإسدال من حقيبتها لترتديه ثم خرجت للمصلى فوجدت الفتاة ما زالت في وضع السجود.. “يااااه أنتِ لسة ساجدة.؟! يا ترى بتدعي ربنا كل الوقت ده بتقوليله إيه.؟! يا رب ارزقني الخشوع في صلاتي زي البنت دي”..
كبرت (الله أكبر) ثم دعت دعاء الاستفتاح: “اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب؛ اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد”..
ثم بدأت بفاتحة الكتاب وقرأت سورة صغيرة وانتهت من ركعتها الأولى ولكن للأسف الفتاة أخذت تفكيرها؛ حتى وهي تصلي ظلت تحدث نفسها: “هي لسة ساجدة كل ده؟! هي راحت في النوم ولا إيه؟!!”
تفلت على يدها اليسرى ثلاثا ثم قالت: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” وانتبهت لصلاتها؛ بعد انتهائها من الصلاة فكرت أن تنادي عليها ربما أخذها النوم وهي ساجدة.. “أنا هروح أنادي عليها يمكن نامت فعلاً؛ يا آنسة يا آنسة؛ هي مش بترد ليه؟!”
وضعت حسناء يدها وربتت على ظهرها بهدوء لكي لا تربكها في صلاتها ولكن بلا جدوى؛ هزتها حسناء بشدة لتوقظها ولكن حصل ما لم تتوقعه حسناء قط، وقعت الفتاة على جانبها. “هي مغمى عليها ولا إيه؟!!”
هرولت مسرعة لخارج المسجد كي تستغيث، صرخت بصوت عالٍ: “الحقوووووني في بنت في المسجد مغمى عليها؛ حد ينادي على الدكتورة بسرعة”..
جرت عليها الطالبات ودخلوا معها المسجد ليروا ما حل بالفتاة وذهبت منهم طالبة تستغيث بطبيبة الكلية..
طبيبة الكلية بعد أن رأت الفتاة بوجهها المبتسم قالت في دهشة وعيناها غارقة بالدموع: “بسم الله ما شاء الله، موتة جميلة، يا ترى كانت بتعمل إيه في حياتها وربنا رزقها تموت وهي ساجدة ومبتسمة.؟! يا الله.!!”
أجهشت حسناء بالبكاء وجسدها بأكمله يرتعش، كلما نظرت لوجه الفتاة وجدتها وكأنها تبتسم لها.. “سبحانك ربي ما أعظمك.!! بسم الله ما شاء الله يا رب ارزقني حسن الخاتمة”..
(تساقطت دموع الطالبات جميعا منهم من تبكي لموت الفتاة؛ ومنهم من تبكي على حالها وتدعو ربها أن يرزقها حسن الخاتمة؛ ومنهم من تبكي خوفاً وفزعاً؛ أما حسناء كانت تبكي خوفاً من ربها وتتساءل: “يا ترى دي رسالة من ربنا ليا عشان أتوب وأتغير والبس واسع.؟!”
بعد مرور بضع دقائق لاحظت حسناء دخول رجال الأمن فذهبت مسرعة إلى الفتاة وغطت وجهها بالنقاب وخلعت الإسدال وغطت جسدها به حتى لا يراها الرجال..
ثم قالت محدثة نفسها: سترت نفسها في الدنيا لازم نسترها وهي ميتة.)
(وصل والدا الفتاة للمسجد وهم يبكون وفي حالة يُرثى لها ولكنهم فرحون بحسن خاتمة ابنتهم كانوا يتسمون بالصبر والتدين والتضرع إلى الله؛ رأت حسناء والد الفتاة الملتحي ووالدتها التي ترتدي خمارًا طويلًا، وهما في قمة صبرهم.)..ركزت والدة الفتاة على ركبتيها وعيناها تتساقط منهُما الدموع؛ ورفعت الإسدال قليلاً عن وجه ابنتها وظلت تتحسسه وتقول: “الليلة عُرسك يا بنتي في الجنة بإذن الله؛ كان باقي شهر وتتجوزي؛ جهزتِ فستان فرحك كنتِ بتقوليلي حاسة إني مش هلبسه يا أمي حاسة إنه مش فستاني؛ هيبقى فستان عروسة غيري”..
التقطت الأم أنفاسها واستكملت ببكاء: “كنت أقولك متقوليش كده ده أنتِ هتبقي أجمل عروسة؛ خلاص يا بنتي مش هشوفك تاني”..
انحنت وطبعت بعض القبلات على خدها واحتضنتها بشدة:
“سبيني أشبع منك شوية هيوحشني حضنك أوي يا بنتي..
كل من بالمسجد وقفوا يبكون من كلام والدتها، وبعد أن هدأت الأم قليلاً حاولت أن تتمالك نفسها؛ ثم وقفت وقالت:”جزاكم الله خيراً على ستركم لبنتي؛ الإسدال ده بتاع مين يا بنات؟!”
قالت حسناء وهي ترتجف: “إسدالي يا خالة”.
نظرت والدة الفتاة إلى حسناء، عندما رأتها ترتدي بنطلون وعليه فيست طويل قليلاً ربتت على كتفها وابتسمت بحزن ثم قالت لها: “اسمك إيه يا بنتي؟!”
قالت بتلعثم: “اسمي حسناء”..
هزت رأسها وقالت: “اسمك حسناء وأنتِ حسناء؛ شكراً يا بنتي؛ ربنا يسترك زي ما سترتي بنتي بإسدالك.!”
قالت وعيناها تملؤها الدموع: “الشكر لله؛ والبقاء لله ياخالة؛ وربنا يصبرك”..
ردت ببكاء: “آمين يا رب؛ عايزة أقولك نصيحة يا بنتي!!”
مسحت دموعها وقالت باهتمام: “اتفضلي يا خالة.!!”
والدة الفتاة: “أرجوكِ استري نفسك وتزيني بالعفاف عشان ربنا يسخرلك اللي يسترك عند وفاتك زي ما ربنا سخرك كده تستري صفية.!!”
بكت حسناء بشدة: “حاضر، بس أرجوكِ ادعيلي بالهداية والستر يا خالة”..
والدة الفتاة: “رددي دايما الدعاء ده يا بنتي: اللهم استرني عند موتي واجعل كفني زائدًا”..
تنهدت ببطء وبكت ثم قالت: “اللهم آمين يا رب العالمين؛ دعاء جميل أوي هحفظه وأقوله على طول”..
مدت والدة الفتاة يدها وأعطتها الإسدال وقالت: “اتفضلي يا بنتي إسدالك”..
مدت يديها وأخذت الإسدال وهي ترتعش، هذا الإسدال كان بمثابة غطاء للمتوفاة؛ أخذته وهي تبكي خائفة وقلبها ينتفض فزعاً، بعد قليل جاءت سيارة الإسعاف لتأخذ صفية..
******************
يا لها من ميتة.!! ماذا فعلنا كي نستحق الموت ساجدين.؟! هل فعلنا ما يرضي ربنا.؟! هل جعلنا كل همنا الآخرة؛ أم ماذا؟!
******************
ذهبت حسناء إلى والدة صفية وقالت: “أنا هستأذن يا خالة لأني اتأخرت أوي؛ وزمان ماما قلقانة عليا؛ السلام عليكم”..
هزت رأسها بحزن وعيناها ما زالت تتساقط منهما الدموع: “اتفضلي يا بنتي؛ وعليكم السلام”..
خرجت حسناء ودموعها لم تجف بعد وجسدها بأكمله يرتعش وأحست وكأن الدنيا تدور من حولها..
******************
ينظر بساعة يده محدثا نفسه: “هي اتأخرت أوي كده ليه؟! أنا سألت على المحاضرة قالوا هتنتهي من نص ساعة؛ يمكن مشيت وأنا مأخدتش بالي؛ يووووه؛ خلاص همشي بأه وأمري لله.!!”
ظهرت حسناء أخيراً وهي تخرج من بوابة الكلية وما زالت تشعر بأن الدنيا تدور من حولها..
قال في ارتباك: “إيه ده هي مالها؟!!”
لم يكمل أسعد كلماته رآها تقع على الأرض وبعض الطالبات يجرون نحوها..
أسعد بفزع: “حسناااااااء”.
سمعت حسناء صوت أسعد فالتفتت إليه بنظرها وبمجرد أن رأت أسعد كأنها رأت من ينقذها ثم غابت عن الوعي؛ جرى نحوها أسعد بقلق شديد وبعض الطالبات حاولوا إفاقتها، ثم أعطوها قليلًا من الماء حتى تشرب وبعد أن فاقت قليلاً طلبت من إحدى الطالبات أن تساعدها للنهوض، فأشار أسعد إلى سيارته حتى تأخذها إليها..
(أسعد لم يلمس امرأة لا تحل له قط!)
بعد أن استقلت حسناء السيارة في المقعد الخلفي بدأ أسعد في التحرك بالسيارة وهو يقول: “حاسة بإيه دلوقتي.؟! طمنيني؛ طيب أنا هخدك لأقرب مستشفى أطمن عليكِ!!”
هزت رأسها بالنفي وقالت: “أرجوك عايزة أروح”..
قال وقلبه يعتصر ألماً: “حاضر”..
وما إن وصلا للبيت.. صرخت والدتها بفزع: “مالك يا بنتي في إيه؟”
أجهشت بالبكاء وظلت ممسكة بإسدالها: “متقلقيش يا ماما أنا كويسة”..
ربتت على كتفها: “طيب بتعيطي ليه؟! اهدي يا بنتي واتكلمي قوليلي مالك قلقتيني!!”
بدأت حسناء تقص ما حدث، ووالدتها وأسعد يستمعان في ذهول تام..! اغرورقت عين زينب بالدموع وقالت: “يا الله حسن خاتمة جميل أوي؛ يا بختها.!! اللهم أحسن خاتمتنا”..
قال أسعد وعيناه تملؤها الدموع هو الآخر: “يا رب آمين أحسن خاتمتنا جميعا؛ برافو عليكِ يا حسناء إنك في وسط اللي شوفتيه ده كله سترتِ البنت عشان محدش يشوفها ربنا يسترك دنيا وآخرة”..
تنهدت بحزن ثم قالت: “مش عارفة أنا عملت كده إزاي بس ربنا ألهمني أعمل كده؛ الحمد الله”..
ربتت زينب على كتفها: “الحمد الله يا بنتي؛ قومي غيري هدومك وصلي على ما أحضرلك لقمة تاكليها عشان تنامي وترتاحي شوية”..
قالت وهي تحاول النهوض: “حاضر يا ماما؛ ساعديني بس أقوم عشان مش قادرة أقف”.
والدتها: “حاضر يا بنتي”.
نهض أسعد وقال: “أنا هستأذن وهبقى اتصل أطمن على حسناء”..
التفتت له حسناء وقالت: “شكراً يا أستاذ أسعد على كل اللي عملته عشاني”..
أسعد: “لا شكر على واجب أنا معملتش حاجة؛ أهم شيء بس تكوني بخير ونطمن عليكِ!”
تنهدت ببطء: “الحمد الله أنا بخير”..
والدتها: “ربنا يحفظك يا ابني”..
أسعد: “يا رب يا خالة، مع السلامة”..
والدتها: “الله يسلمك؛ في رعاية الله”..
(استقل أسعد سيارته وذهب محدثا نفسه: إيه حكاية أستاذ أسعد دي يا حسناء.؟!)
******************
بدلت حسناء ملابسها وتوضأت ودخلت في صلاتها وهي خاشعة باكية وفي ختام صلاتها قبل التسليم تذكرت الدعاء الذي علمته لها والدة صفية فدعت به: “اللهم استرني عند موتي واجعل كفني زائدًا”..
-عاملة إيه دلوقتي يا سمسمة؟
قالت بارتياح: “الحمد لله”.
والدتها بابتسامة: “طب يلا كلي تلاقيكي مكلتيش حاجة من الصبح!!”
لوحت بيدها بالنفي وقالت: “مليش نفس يا ماما أنا محتاجة أنام بس!”
والدتها: “ماشي يا بنتي على راحتك؛ نوم الهنا”..
حسناء: “الله يهنيكِ يا ماما”..
(استلقت حسناء في فراشها وهي ما زالت ترى وجه الفتاة أمامها؛ إلى أن غفت عيناها ثم غطت في النوم فرأتها في منامها.)
******************
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية المتنقبة الحسناء) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.