رواية رسائل زوجتي – الفصل الثاني عشر
بارت 12
“كفى، إتركني… حينما تقتلع عن التدخين، سنتحدث.”
لم أستطع تصديق ما حدث، كانت الكلمات تخرج من فمي مثل صرخات صامتة في الهواء، وأنا أراقب حركاته، نظر إلي بعينيه اللتين فقدتا بريقهما، ثم أخرج علبة السجائر والولاعة، ورماهام بعيدا كما لو كان يرمي جزءا من روحه، قلبت مشاعري في تلك اللحظة، لا أعلم إذا كنت أكره أو أفرح لما فعل.
“ها يا صغيرتي، رميتهم ولن أدخن.”
شعرت بمزيج من الاستغراب والغضب، هل كان يكذب علي؟ هل يتلاعب بمشاعري من جديد؟
“أتخدعني!”
كان يبتسم بخفة، ولكنه كان يعلم أنني لست غبية، كنت أعرف جيدا أنه قد يعود للعادة نفسها في أول لحظة يمل منها لكنه قال لي بصدق غريب
“لن أخدع وردتي.”
ورغم كلماته تلك، شعرت بشك عميق، رحت أحاول إيجاد الحافة التي يمكنني أن أتماسك بها، ولكنني لم أستطع.
“أنا لست غبية، أعرف أنك ستشتري غيرهم.”
لكن رده كان سريعا، يحمل وعدا لا أصدق
“لا تقلقي، لن أشتري ولكن إذا عدتِ إلى تلك المشاكسة وتلك المعاملة الباردة، سأدخن مجددا”
حاولت أن أبتلع كلمات الرد، ولكني شعرت بأن الأمور بدأت تخرج عن سيطرتي.
“سرحات، الأمر خارج عن سيطرتي.”
رفع رأسه ونظر إلي، ثم قال بنبرة حزينة جعلتني أرتجف
“لكن معاملتك القاسية تتعبني وترهقني كثيرا.”
تجمدت لم أستطع الرد، فقد كان كلامه يحمل ألماً صادقا، لكن ماذا عني؟ ماذا عن شعوري في كل مرة أراه بعيدا عني؟ كيف أشرح له مشاعري التي تقتلني تدريجيا؟
“من قهري، يا سرحات… عليك أن تحسن عوني، جرب للحظة أن تضع نفسك مكاني، تخيل أنني أجلب لك رجلا وأجهز له غرفة، وأنام معه ليلة ومعك ليلة هل كنت لتقبل؟ كن صريحا.”
كنت أرى في عينيه أنه يحاول أن يعي ما أقول، لكنه لم يجب فورا، جاء الرد على لسانه بعد لحظات من الصمت
“بطبيعة الحال لن أقبل.”
شعرت ببعض الراحة، ولكن هذا الشعور لم يكن كافيا فهل يعقل أن يعيش الإنسان مع قلبين متناقضين؟ قلب يحترق وحب يتساقط كأوراق شجرة خريفية؟
“إذن، ما لا تقبله على نفسك، لا تقبله على غيرك.”
كان هناك صمت ثقل على الصدر، والكلمات الأخيرة كانت مشحونة بالمعاناة.
“لحظة، هذا أمر شرعه الله أين المشكلة في ذلك؟”
كنت أعرف أنها نقطة ضعف في كلامه، لكن قلبي، قلبي الذي لا يتحمل تلك المواقف، كنت أريد أن أهدئه، أن أريحه لكن كيف؟ قلبي كان يصرخ .
“أعرف، ولكن افهم، قلبي لا يتحمل.”
“البداية فقط، ثم تتعودين.”
ضحكت بحزن وأنا أقول له
“تتعود؟ ههه، وهل تعتقد أنها حمية غذائية حتى أتعود عليها؟ الأمر متعلق بقلبي، بمشاعري، بوجداني… لا يمكنني أن أتجاهل هذا المسمار الذي يدق في قلبي.”
لكن ملامح وجهه تغيرت فجأة، أصبح أكثر جدية، وقال
“عذراء، الفتاة مريضة، وكما أنها يتيمة، علاوة على ذلك، هادئة وتساعدك في أشغال المنزل…”
كنت أرى أن كلامه كان دفاعا عن نفسه، ولكنني شعرت بشيء في أعماقي ينهار، لم أكن بحاجة إلى مساعدتها، بل كنت بحاجة إلى أن أكون معه، لأشعر بأمانه، أن أعيش معه دون ألم.
“لم تكن يوما أشغال المنزل عائقا بالنسبة لي؛ ولم أقل أنني بحاجة إلى امرأة تساعدني، الحمد لله، ما زلت شابة وقادرة على تحمل المسؤولية كما أنه لا يمكن لك إسعاد الأخريات على حساب حزني.”
كان رد فعل سريعا، كلمات خرجت دون تفكير، ولكنها كانت صادقة، كنت أحتاج إليه، أحتاج إلى قربه، أحتاج إلى أن أعيش في سلام دون أن أشارك هذا الشعور مع أي أحد.
“إهدئي… زمرد مريضة، اعتبريها ضيفة وستغادر يوما ما…”
ومع تلك الكلمات، كان قد أصابني في الصميم.
“سرحات!”
“عذراااء، اسمعيني، الفتاة مريضة، أكرميها وآجرك على الله.”
تجمدت في مكاني، لا أستطيع تصديق ما سمعت، نظرت إليه بصمت، وقلبي يمتلئ بالكثير من التساؤلات.
“ما بها؟”
“لا أدري، ننتظر نتائج الفحوصات… وكوني على ثقة أن مكانتك لن تهتز أبدا، هي ثابتة كثبات هذا المنزل، فليطمئن قلبك وأتمنى من أعماق قلبي أن تعود عذراء التي أعرفها ولا مزيد من المشاكل، لو سمحتِ، لقد تعبت، أرحمي ضعفي… أرجو أن تسامحيني وتتجاوزين عن أفعالي.”
كانت كلماته تثقل قلبي، لم أستطع الرد في البداية، فقط وقفت هناك، أمواج من مشاعر مختلطة تتصادم في داخلي، رضخت أخيرا للأمر، وشعرت أن الحلول قد نفدت، حتى الطلاق سيضرني أكثر، حتى وإن طلب مني سرحات أن نتطلق، فأنا سأرفض.
ذلك لأن أبي سيقتلني إن عدت إليه مطلقة لطالما رفض أهلي سرحات عندما تقدم إليّ، لكنني تمسكت به، ووقفت في وجه أبي، وقلت له
“سرحات أو لاأحد”
فحذرني أبي قائلا
“إياك ثم إياك أن تعودي إليه يومًا ما باكية نادمة فمهما حدث بينكما من مشاكل، إياك أن تعودي إلي، حذاري”
لذلك، أفضل العيش مع أربعة نساء في هذا المنزل خيرا من ذل وشفقة العائلة ونظرات المجتمع.
مرت تلك الليلة هادئة وجميلة على غير العادة، وعدني سرحات أنه لن يدخن مجددا، وأنا وعدته أن أضبط نفسي وأعود إلى سابق عهدي، وكأن شيئا لم يكن.
بعد يومين من تلك الحادثة، عادت زمرد مع نتائج الفحوصات، ولكن لم تكن تبدو أنها أخبار مطمئنة، لقد كشفت التحاليل عن مرض في الرحم، وقال الطبيب إنه ورم قديم، ومع مرور الوقت تكاثر وانتشر في أنحاء جسدها.
أحزنني كثيرا هذا الخبر المروع لذلك قررت أن لا أُبدي لها أي سوء، وأن أُحسن معاملتها وبالفعل، كنت أسايرها دائما، وأحاول أن أكتم الكبت الذي بداخلي.
طبعا، بقي سرحات يتناوب بيني وبينها، كان يعتني بها نظرا لأنها مريضة وبحاجة إلى رعاية، اهتمامه بها لم يزعجني، عادي، تجاهلته لكن.
#يتبع
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية رسائل زوجتي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.