رواية عهد الدباغ الفصل السابع 7 – بقلم سعاد محمد سلامة

رواية عهد الدباغ – الفصل السابع 7

بشقة توفيق
جلس هو ميرفت فوق آريكة بغرفة النوم وضعت ميرفت رأسها على كتف توفيق تتنهد بإشتياق قائلة:
لسه معداش كام ساعة وفرح وحشتني حاسة إنها سابت فراغ كبير فى الشقة.
إبتسم هو الآخر يشعر بإفتقاد رفع يده يحتوي ميرفت قائلًا:
أنا كمان وحشتني، بس دي سُنة الحياة، ربنا يهنيها مع جوزها.
آمنت ميرفت قائلة:
يارب، كمان عهد قالتلى إن… بكرة، لاء قصدي النهاردة أول رحلة ليها، قلبي متاخد مش عارفة ليه، كده الشقة هتفضي علينا مرة واحدة.
ابتسم توفيق قائلًا بمرح رغم شعور الحنين فى قلبه لكن مازح ميرفت،ربما يُخفف ذلك عنهما هذا الشعور الجديد عليهما منذ أن رُزقا بالفتاتين وهما لم يبتعدا عن كنفهما :
قولي كده بقي مش عاوزة الشقة تفضي علينا.
ابتسمت بغصة قائلة:
شعور إن أكون لوحدي صعب،بس ربنا يهنيهم والسعادة ترافقهم.
إحتواها بين يديه قائلًا بتنهيد:
أمي الله يرحمها كانت تقول” مكان البنات خالي”دلوقتي عرفت معني المثل ده، بس مش زعلان بالعكس… أنا حاسس إن البنات لما بيطلعوا من تحت جناح أهلهم ويبنوا حياتهم، بيسيبوا وراهم اثر طيب… ريحة تعب سنين.
تنهدت ميرفت والدمعة لمعت في عينها، فمسحها توفيق بإبهامه قائلاً بلطف:
وإحنا بقى دورنا نفرح بيهم، وندعي لهم، كمان ده أفضل وأهدى لينا،هنعيش فى هدوء من غير دوشة البنات ولا خناقهم.
ضحكت بخفة وسط دموعها:
بس وجودهم كان بيونس… الشقة من غيرهم كبير قوي.
ربت على يدها قائلًا:
كبيره آه… بس عمرها ما هيبقى فاضيهة طول ما إنتِ فيها… وبعدين ما تنسيش… لسه عندنا عهد،شغلها فى الطيران مش هتغيب كتير هتروح وتجي علينا .
ضحكت ميرفت أكثر وهي تميل برأسها على صدره، فقال توفيق بنبرة حنين دافئة:
كل مرحلة وليها جمالها يا ميرفت… إحنا عملنا اللي علينا وربيناهم أحسن تربية… دلوقتي دورهم يعيشوا، وإحنا نستريح شوية، ونعرف يعني إيه نرجع لوحدنا تاني… بس المرة دي وإحنا في ضهر بعض.
شدّت قبضتها على كفه وهمست بخفوت:
طول ما إنت معايا… عمري ما هخاف من الوحدة.
طبع قبلة حانية فوق رأسها، وعيناه تلمعان بمزيج من الحنين والامتنان، ثم تحدث بمودة:
وأنا برضو… عمري ما هحس بفراغ طول ما إنتِ جنبي.
وساد بينهما صمت دافئ… صمت هادي… لكن ينبُض بالحب.
❈-❈-❈
بغرفة عهد
تبسمت بحنين وهي تشعر لأول مرة بثِقَل هذا الشعور… غياب فرح عن المكان…
مرات قليلة كانت تغيب، لكن هذه المرة مختلفة تمامًا؛ تزوجت… أصبح لها بيت وحياة بعيدة عنها.
من الآن بدأت تدرك أن هناك تفاصيل صغيرة ستفتقدها أكثر مما كانت تتخيل…
أشياء بسيطة لكنها كانت تُنعش يومها، كخطوات فرح الصباحية وهي تقتحم غرفتها بمرح، تهز كتفها وتُناديها بضحكة مدللة:
قومي يا كسولة… عملتلك نسكافية معايا.
تنهدت وهي تشعر بالفراغ يزحف إلى قلبها… لقد إنتقلت فرح،الى منزل زوجها ، أصبح بينهما مسافة ليست كبيرة، لكن أصبح هنالك حد بينهما عكس السابق، كانا يتحدثان بأي وقت ليلًا أو نهار دون مُراعاة للوقت، لكن الآن بالطبع لا تستطيع ذلك… على يقين أن فرح تُحب فاروق منذ ان رأته،كان ذلك واضح حين تأتي سيرته، لكن فرح عادتها خجولة.. تبسمت وتمنت لها السعادة، رغم عدم وجود توافق بينها وبين فاروق، لكن سعادة فرح اهم من ذلك.
❈-❈-❈
بشقة فاروق
رغم تأخر الوقت، وإرهاقه البدني لكن فتح عيناه لا يستطيع النوم كذالك
شعور بالآرق، وعدم الرغبة فى النوم من الاساس..
نظر لجواره كانت فرح غافية، زفر نفسه وقرر النهوض من الفراش، جذب مِعطف منزلي وضعه فوق جسده، وخرج من الغرفة بهدوء
جلس بغرفة المعيشة لبعض الوقت يشعر بالآرق مصحوب بشعور آخر،غير معلوم بداخله كان ينوي تأجيل إلتحامه مع فرح الليلة،لكن أتم زواجهم،لا يستطيع أن ينكر أنه شعر معها بتآلف فى تلك اللحظات الحميمية،لم تمُر عهد بخياله…
عهد!
آه
زفر نفسه يغمض عيناه يود أن ينسي وجودها..
فتح عيناه يلوم ذاته ويجلدها:
من إمتى كنت ضعيف يا فاروق،عهد إنتهت نهائي،وهم وإنتهى،والحقيقة هي “فرح”.
أخذ نفسًا عميق وهو يغمض عيناه،ثم
اطلق الزفير من صدره يطرد اسمها من داخله، مسح على وجهه بكفيه، ثم أسند مرفقيه على ركبتيه وانحنى للأمام يشعر أنه يحمل فوق ظهره ثِقلاً.
تمتم بحسم خافت:
عهد انتهت… وانتهت من زمان، وأنا اللي لازم أفوق لحياتي.
رفع رأسه يتأمل الظلام المحيط بغرفة المعيشة، والهدوء الذي يفصل بينه وبين فرح النائمة بداخل الغرفة… هدأت أنفاسه قليلًا، لكن قلبه ظل يطرق صدره بعنف… لم يفهم سبب لتلك المشاعر الحائرة
نهض من مكانه متجهًا نحو المطبخ، ملأ كوبًا بالماء، شرب نصفه في جرعة واحدة، ثم أغلَق عينيه يتمتم لنفسه بتحفيز:
فرح مراتي… ودي حياتي دلوقتي. مش هرجع خطوة ورا.
أعاد الكوب مكانه، ثم اغلق ضوء المطبخ وقف للحظات ينظر نحو تلك الغرفة التي بها فرح…لحظات بداخله صراع مازال غير مفهوم
رِقة فرح معه دائمًا حتى الليلة كانت مثل قطعة ثلج فوق جسد مُشتعل، ذوبانها خفف من حرارة قلبه، تقبلها بمشاعر…
-مشاعر ماذا
هذا السؤال بعقله حائر فى إجابته… ولماذا يحتار ليدع الايام تُظهر حقيقة تلك المشاعر…
ود أن يفصل عقله عن التفكير… ولا يوجد سوا طريقة واحدة…
العمل.
ذهب الى غرفة المكتب بالشقة… لم يرغب بالجلوس خلف المكتب، جذب حاسوبه الخاص وخرج من المكتب، توجه الى غرفة نوم ثالثة بالشقة..
غرفة واسعة بأثاث ذو لون رمادي داكن مُتداخل مع اللون الأزرق الداكن… فراش واحد كبير… إستلقي بجسده للحظات على الفراش ينظر الى سقف الغرفة بلا تفكير بأي شيء، أغمض عيناه ربما ينعس لكن كذالك النوم لا يود ذلك… زفر نفسه بقوة، وجلس على الفراش وضع بعض الوسائد خلف ظهره وإتكئ عليها، ثم وضع الحاسوب على ساقيه المُمدة، وضع نظارته الطبية… ثم فصل عقله عن التفكير بأي مشاعر وصب تركيزه على العمل…
إنقضي الوقت حتى سمع آذان الفجر…
ترك الحاسوب.. ذهب نحو حمام الغرفة… خرج بعد قليل يُجفف رأسه وجذب سجادة صلاة، بعد وقت جذب السجادة بعدما أنتهى من الصلاة… بعدها شعر بالنُعاس… إستلقى بجسده على الفراش يُغمض عيناه ليذهب الى نوم سريع.
……….******…..
بغرفة النوم الأخرى
تململت فى نومها…بسمة خجولة شقت شفتيها وهي تشعر انها بحِلم جميل،فاروق يُحيطها بيديه يحتويها برومانسية،يضع قُبلات على وجهها تصل الى شفتيها تتجاوب معه بخجل…
لا لم يكّن حٌلم بل كان حقيقة ليلة أمس،وهي بين يدي فاروق شعرت لاول مرة بمذاق جديد للحياة…
مدت يديها تتحسس نعومة الفراش،لكن الفراش جوارها خالي.. فتحت عينيها كي تتأكد.. فعلًا، إندهشت من ذلك فالوقت مازال باكرًا… او ربما لم يعُد باكرًا وهي غفت ولم تشعُر… جذبت هاتفها الجوال… نظرت به، الوقت ليس باكرًا، كذالك بالكاد الثامنة صباحً..
بالتأكيد فاروق يستيقظ مبكرًا كما سبق وأخبرتها إجلال…
بالتأكيد إستيقظ ولم يُزعجها… نحت الغطاء عنها…سُرعان ما إنصهر وجهها بخجل حين تداركت زيها الشبة عاري…ثم تبسمت وهي تتذكر غمزات عهد لها وتقول
“يا بخت الملك فاروق،لو شافك بقميص من دول هيتجنن”٠
-وهل تجنن.
لا تعلم لكن مشاعره معها بليلة أمس كانت غادقة بالحنان…. لكن كان بداخلها أمنية تستيقظ على بسمته لها…لكن يبدوا أنه لم يريد إزعاجها…تغاضت عن ذلك وجذبت مئزر قصير لكن محتشم وضعته على جسدها وأحكمت غلقه خرجت من غرفة النوم…تشعر بحياء…ذهبت للبحث عنه بداخل غرفة المكتب لكن كانت خاليه…صدفة وقعت عينيها على المكتب،حاسوبه ليس موجود…تبسمت بحيرة ثم ذهبت نحو غرفة المعيشة، ليس موجود أيضًا… خفق قلبها أيُعقل انه تركها وذهب للعمل… لكن لم تسيطر عليها تلك الفكرة، ذهبت نحو المطبخ كذالك لم تجده.. خرجت لكن سرعان ما لاحظت تلك الغرفة وبابها الموارب ذهبت نحوها…
تبسمت حين وجدت فاروق نائم وجواره حاسوبه… لوهلة شعرت بالخجل من منظره وهو نائم…
يظهر صدره وساقيه من ذلك المعطف الذي يبدوا انه لا يرتدي غيره،كذالك شعره مُبعثر … بخجل منها مصحوب بتردُد…مدت يدها على كتفه تتفوه بهدوء:
فاروق…فاروق.
بعد محاولات قليلة فتح عيناه ونظر لها.. فى البداية بغشاوة حتى إتضحت الرؤية تبسم قائلًا:
صباح الخير… هي الساعة كام.
أجابته:
من شوية كانت تمانيه…
قبل أن تستكمل وتسأله لماذا غفي هنا قاطعها بتفسير:
صحيت الفجر، كنتِ نايمة، مرضتش أصحكي… وكان عندي شغل كملته عالابتوب.
تبسمت بحنان قائلة:
كنت صحيتني أكسب ثواب صلاة الفجر.
ابتسم قائلًا:
ان شاء الله بعد كده، بس إنتِ إمبارح كنتِ مُرهقة وكمان كنتِ محتاجة ترتاحي.
فهمت مغزى حديثه شعرت بالخجل… تبسم وهو ينهض من فوق الفراش وقف أمامها… رفع وجهها وأزاح تلك الخصلات الشاردة على وجهها… تبسمت بحياء… وضع قُبلة على رأسها… تبسمت بخجل وإرتباك عينيها تجول بكل مكان عدا أن تلتقي بعينيه… خفق قلبه وتبسم.. تنحنحت بخفوت قائلة:
على ما تاخد شاور هكون حضرت الفطار فى المطبخ.
أومأ لها مُبتسمًا بعدما ازاح يديه عنها… لم تنتظر رغم شعورها بجسدها الذي أصبح مثل الهّلام…
وقفت فى المطبح تحاول تنظيم انفاسها… وضربات قلبها.
دقائق وآتى فاروق نظر الى تلك الطاولة الصغيرة وتبسم قائلًا:
شكل الفطار يجوع.
ابتسمت برقة قائلة:
خلاص فاضل بس أعرف إنت بتحب تشرب إيه.
أجابها:
نسكافية.
-زي عهد أختي… بتحب تشرب نسكافية مع الفطار.
قالت فرح ذلك بتلقائية منها، ربما ما كان عليها أن تذكُر إسم عهد الآن، رسم بسمة باردة قائلًا:
خلينا نفطر سوا عشان عندنا طيارة الساعه حداشر، يعني يا دوب نفطر ونجهز على ما نوصل للمطار.
لم تنتبه لملامحه ولا لنبرة صوته الشبه حادة، لكن تبسمت وجلست، تجاذب معها الحديث، لكن حاول الإبتعاد عن ذكر عهد.
❈-❈-❈
بعد مرور أيام بـ إيطاليا
ظهرًا
تبسمت فرح حين رأت إسم عهد على شاشة الهاتف… قامت بالرد سريعًا… تبسمت عهد بمزح قائلة:
غريبة رديتي بسرعة، هو الملك المخلوع مُستقبلًا مش جانبك ولا إيه.
ضحكت فرح قائلة:
بطلى هزار فاروق ملك قلبي ومستحيل أخلعه.
ضحكت عهد قائلة:
كان نفسي ابقي شيفاكِ قدامي وإنتِ بتقولى كده، زمان وشك شبه الطمطماية.
ضحكت فرح بمرح قائلة:
لاء خلاص بقي إتجرأت، زي ما ماما كانت بتقول هتجرأ بعد الجواز.
ضحكت عهد بتريقة قائلة:
مصدقش، بس تلاقي فاروق مش معاكِ، لو قدامك مكنتش هتقولى كده، إيه سايبك وراح فين إنتم مش فى شهر العسل… ولا الرجالة ملهاش فى العسل.
ضحكت فرح وتنهدت بإشتياق لـ فاروق قائلة:
نزل يقابل عميل هنا وقال مش هيغيب، قوليلى هترجعي مصر إمتى.
ابتسمت عهد قائلة بتريقة:
المفروض أنه شهر عسل، بس إنتِ طول عمرك طيبه لو أنا مكانك مكنتش خليته ينزل… المهم قوليلي انا هنزل مصر بعد بكرة، عاوزه إيه من باريس… هنا شوية برفانات ومكياج ماركات أصلية،وجوزك مليونير،حتى البرفان بتاعه،الحاجه الوحيدة اللي بتعجبني فيه… ماركة عالمية أصلية شوفت منها هنا لما سألت على سعرها إتخضيت العبوة بنص المرتب ،قولي لى عاوزه إيه وقبلها حول لى الحساب.
ضحكت فرح قائلة:
هبعتلك رسالة بشوية منتجات عندك، هنا كمان لقيت برندات، بس العطور والمكياچ فرنسا طبعًا.
تبسمت عهد قائلة بخباثة:
كمان هنا شوية قُمصان نوم إيه تسحر العين وإنتِ حلوة وموزة هتجنني الملك بتاعك بهم، مش هيسيبك وينزل لو قالوا له برج بيزا هيوقف معدول.
ضحكت فرح قائلة:
على رأي ماما معندكيش حيا.
ضحكت عهد قائلة:
هنبقي إحنا الاتنين خيبه، هجيب لك معايا قمصين على ذوقي تجنني الملك بيهم، يلا أشوفك لما ترجعي مصر.
إبتسمت فرح قائلة:
ان شاء الله، خلي بالك من نفسك وإبقي قولى الشهادتين قبل ما تطلعي الطيارة.
تبسمت عهد قائلة:
ده أكيد عشان لو الطيارة إنفجرت ولا وقعت أبقي شهيدة.
خفق قلب فرح بلوعة قائلة بنهي:
بعيد الشر عنك، عاوزين نفرح بيكِ مع فاتي فى الكوشه.
صمتت عهد للحظات ثم أجابتها بنبرة جافة:
ان شاء الله، يلا مع السلامه وإتصلي عالملك شوفيه فين قولى له إحنا فى شهر عسل يا حبيبي.
ضحكت فرح قائلة:
تمام، مع السلامة.
أنهت فرح الإتصال، لم تنتبه لـ فاروق الذي بالغرفة الا حين تنحنح من خلفها… لوهله شهقت ثم تبسمت إستدارت تنظر له سائلة:
رجعت إمتى.
أجابها:
يادوب لسه داخل، واضح كنتِ مشغولة بالمكالمة.
إبتسمت له قائلة:
دي عهد والكلام أخدنا.
أومأ ببسمة قائلًا:
تمام، خلينا ننزل نتغدى فى مطعم الاوتيل.
أومأت له قائلة:
خمس دقايق هغير البيجامة وننزل.
بعد دقائق بمطعم الفندق جلسا خلف إحد الطاولات تناولا الطعام وسط حديث بسيط بينهما… ثم تحدثت فرح بطلب:
بلاش نطلع الأوضة.. خلينا نتمشي شوية كمان نفسي أركب الجندول… شوفته عالنت وعجبني.
أومأ لها فاروق بإستجابة
بعد قليل قارب صغير وسط ممر مائي صغير حوله منازل أثرية،شرفاتها مطلّة على المياه كأنها تراقب كل عاشق يمر… ربما هناك أماكن أجمل، مدن أوسع، مناظر أبهى… ربما هنالك اماكن أكثر جمالًا منه، لكن كما يُطلق على البُندقية
“مدينة العُشاق”
هي عاشقة بالفعل،عاشقة حتى النخاع.
لكن هو ماذا
هذا ما يُحيّرها…
معاملته معها طيبة، هادئة، لا تخلو من لمسات اهتمام لم تعتدها من أحد… وحتى في لحظاتهم الحميمية… كانت تشعر بأنفاسه المختلفة، بلمسته التي تحمل شيئًا يشبه الرغبة الممزوجة بخوف أو تردُد، وكأنه يخشى التورط أكثر، يخشى الإفلات من سيطرته المعتادة.
تشعر أحيانًا أن قلبه قريب… قريب جدًا، لكنه متحفظ، يقف على مسافة محسوبة، يخشى أن يخطو خطوة واحدة إضافية فتسقط كل حصونه…
وحدها تعرف… فاروق ليس باردًا كما يظهر، لكنه رجُل يحارب شيئًا داخله…
شيئًا ربما أقوى من الاعتراف… وأعمق من كلمة حب… وهو ماذا
هذا ما يُحيرها.
لقطات فيديو وصور تجمعهما…
هي فيها تتوه من السعادة، تضحك بعفوية، ترفع يدها لتمسك بيده، تلتصق بكتفه وتهمس له بكلمات لا يسمعها إلا هو… عيناها تلمعان كأن العالم كله صار لقطة جميلة تليق بهما.
أما هو
فقط… يبتسم.
ابتسامة واجهة، ابتسامة مهذبة، ثابتة، كأنها مجرد انعكاس أمام الكاميرا لا أكثر…
لا يضمّها كما تفعل هي…
لا يقترب كما تقترب…
لا ينظر إليها بهيام كما تنظر إليه….
كأن تلك العدسات تكشف الحقيقة التي يهرب منها…
هي تعيش المشهد بقلبها،
أما هو فيعيشه بعقلٍ يحسب كل خطوة…
هي تُحب.
وهو…
ما زال يتدرب على الاعتراف بأن قلبه من حقها.. لكن ربما مع الوقت يعلم حقيقة تلك المشاعر
❈-❈-❈
بالقاهرة بالنادي الرياضي
فرصة اليوم
مباراة إسكواش بين نديم وأحد الأعضاء إنتهت بفوزه كالعادة…
لكن تبسم حين رأي يارا تقترب مع إحد الأعضاء…نظرت له ولمعت عينيها بتحدي قائلة:
واضح النهاردة يوم رد المباراة السابقة.
تبسم وتحدث برحابة:
مع إني مُرهق من الماتش الأولاني بس مفيش مانع.
بعد قليل كان صدى صوت الضربات بالمربع الزجاجي، لكن نديم كان زكيًا هذه المرة، تعمد أن يخسر بعض النقاط، بالنهاية ترك يارا تفوز عليه رغم الفارق القليل بنقطتين فقط، لكن كانت تملأ السعادة وجهها…
ليست فقط السعادة بل قلب يارا الذي يدق بسرعة من المجهود… وربما من نديم أكتر…
نظرت له وهي تلهث، وأول مرّة تشعر إن الانتصار بالنسبه لها له طعم مختلف… كأنها كسبته هو ليست الجولة.
اقترب نديم ببطء، خطواته كانت أهدى من أي مرة…عينيه تعلقا بها، بنظرة دافئة كسرت صلابته المعتادة.
تحدث بهمس خفيف يمدحها:
لعبتي حلو يا يارا… يمكن أحلى من أي مرة شوفتك فيها.
رفعت راسها بغرور.. لكن
ابتسامتها كانت أرق بكتير من إنها تحدّي:
يعني اعترف… أنا فوزت.
ضحك نديم ضحكة قصيرة، وبصوت منخفض قادر على هز قلبها من الداخل:
فوزتي… بس مش علشان كنتِ أقوى.
قرب منها لدرجة إنها شعرت بأنفاسه تماد تلمس وجهها …
عيناه أصبحت أعمق، أكثر نعومة، كأنها شخص آخر غير التي كانت تشعر بالغيظ منه تعمد القول بتلاعب ناعم :
فوزتي… علشان أنا سيبت ليكِ مساحة تفوزي.
اتسعت عينيها، ارتبكت للحظة وبدل ان تتحدث بتعالى …
نظرت للأرض ثم له من تاني بنظرة فيها حياء لأول .
رفع يده ببطء، ولمس أطراف شعرها الذي كان يلتصق بجبينها من اثر العرق:
أول مره أكون خسران ومش مضايق، بالعكس مبسوط، يمكن عشان خسرت قدامك.
حل الصمت للحظات يترك بعض
الهدوء الذي ظل بينهما كان أفضل من أي كلمة، وأعمق من أي نظرة تحدي..من أي منهمة.
وفي هذه اللحظة …سادت مشاعر غريبه على الإثنين
هي… لم تُعد يفرق معها انتصار
ولا خسارة.. رأته بصورة أخرى، صورة
لن تهرب منها… تشعر بدربكة فى عقلها
… لكن نديم كان ذكيًا واستغل اللحظة بدقّة..
ابتسم ابتسامة جانبية يعرف جيدًا إنها دايمًا ليست صادقة… ابتسامة يسنطيع بها جعل من أمامه يطمئن له.
مال عليها أكتر، وبنبرة حنان… ممزوحة بغموض متعمد:
تعرفي… أنا يمكن ماقولتش لحد قبل كده قد إيه وجوده بيهمنى … بس إنتِ…
صمت ثانية، يتلاعب بالبرود والرومانسيه معًا:
إنتِ بتعملي فيا اللي محدش قدر يعمله.
شعرت بدفئ غريب بداخلها، كذالك سؤال بعقلها :
هل الكلام ده صادق… ولا هو شاطر في اختيار كلماته.
لاحظ ترددها فزاد فى طريقته الناعمة
يرسم بسمة أكتر، ناعمة، ساحرة،
رفع يدها التي كانت تمسك بهل المنشفة، تعمد لمس أطراف أصابعها بخفة مقصودة قائلًا:
يارا أنا بصراحة مش متعود على شعور الخسارة، بس هتصدقيني إني لاول مرة بتمني إنى كنت خسرت الماتش اللى فات، عشان خسارة العيون دي تبقي غضبانه
رغم غرورها لكت هو صياد…
ارتعش قلبهة …ليس فقط من الكلام، بل من طريقته في قول الكلام.
لكن هو متابع جيد لنظراتها، لاحظ أنها بدأت تذوب…
فزود الجرعة.
أنتي فاهمة يعني إيه حد يدخل حياتي بالشكل ده..
فاهمة إن كل مرة تتحديني… ببقي مبسوط
ابتلعت ريقها بصعوبة، وعيونها تعلقت بعينيه اللتان أصبحن ناعمتين بشكل مستفز…
حاولت ترد، لكنه سبقها…
قرب أكتر منها صوته أصبح مسموع لأنفاسها:
يا يارا… لو كنتِ ظنيتي إنك فوزتي عليا…
فأنا بهديكي الفوز…
عشان بشوفك أحلى وإنتي فرحانة.
اتسعت عينيها…
الكلام يذوب، يهز كيانها.. لكن في نفس الوقت تشعر بغموض…
غموض يجعلها غير قادرة على فهم شخصية نديم، هل ما يقوله إبداء إعجاب حقيقه…
كي يجعلها تتعلق به أم … مشاعر واهية…
إعترف عقلها
نديم كيفية اختيار كلماته بعناية، وهي ليست صيد سهل المنال….
تهربت منه قائلة ببرود عكس خفقات قلبها :
تمام… ممكن أعزمك على عصير أهو رد فعل مني على كلامك اللطيف.
لاول مرة يفشل فى نيل كلمة إعجاب… لكن هو لن يتسرع، ربما بالصبر يفوز أكثر.
❈-❈-❈
بعد مرور شهر ونصف تقريبًا
بشقة فاروق
منذ أيام وهي تشعر ببعض الاعراض على جسدها… وهن وغثيان، ربما لم يلاحظ أحدًا عليها تلك الاعراض غير عهد والتي لمحت لها أنها رأت الكثير من الافلام والمسلسلات أن البطلة تشعر بتلك الاعراض وبعدها تكتشف أنها حامل…
تود سبق التأكيد قبل أن تُخبر أحدًا
آتت بإختبار حمل منزلي… قامت بتنفيذ التعليمات المكتوبة بطريقة إستعماله…
ظلت لوقت تنتظر، حتى ظهرت نتيجة الإختبار امامها بيانًا…
نظرت الى الإختبار، ثم عادت تقرأ تلك الورقة الصغيرة…
تركت الورقة، وضعت يدها على بطنها تهمس بفرحة عارمة:
أنا حامل.
لكن سُرعان ما وقع ذلك الإختبار منها بعدما شهقت من الخضة حين سمعت من يسأل بتأكيد:
إنتِ حامل!
❈-❈-❈
بأحد النوادي الإجتماعيه.
خلف طاولة بمكان جانبي
جلست عهد بالمقابل لها فادي… الذي ينظر لها بتردُد… بينما هي تأففت من حرارة الشمس قائلة:
غريبة ليه مقولتليش إنك نازل أجازة، إفرض إني كنت فى رحلة تبع شركة الطيران.
أجابها:
دي أجازة صغيرة، قولت اقضيها هنا فى مصر، كمان كنت هتصل عليك، عشان نقعد مع عمي توفيق، ونكتب كتابنا الأجازة دي، والأجازة الجاية نتجوز.
نظرت له قائلة:
سبق وقولت لك مش هتجوز قبل ما تخلص دراستي، إيه اللى إتغير.
أجابها:
إتغير إني مش مرتاح فى الخطوبة حاسس إن فيه حزازية بينا، أكيد هتزول لما نبقي مكتوب كتابنا.
تهكمت عهد قائلة:
حزازية إيه دي كمان… بعدين إنت بتقول نتجوز فى الاجازة الجايه، وإنت لسه حتى ملقتش الشقة اللى هنتجوز فيها.
توتر فادي للحظات، لاحظت عهد ذلك فتهكمت، صامته… قطع الصمت فادي وهو يتنحنح قائلًا:
بس الشقة موجودة.
ضيقت عهد عينيها سائلة بإستفسار:
فين الشقة دي، أوعي تقولى شقة مامتك… أكيد مستحيل… دي يا دوب على قدكم.
إرتبك فادي قائلًا بنفي:
لاء طبعًا مش شقة ماما…
صمت فتسألت عهد:
أمال شقة مين.
أجابها بتوتر:
شقة باباك.
لوهله لم تنصدم، لكن إدعت عدم الفهم تود التأكيد قبل رد فعلها:
شقة بابا… قصدك إيه.
أجابها ببجاحة:
يعني عمي توفيق عنده شقتين، وفرح إتجوزت وجوزها عنده شقة فى بيت باباه… والشقتين كبار على عمي وطنط ميرفت، فإحنا ممكن ناخد شقة منهم ونتجوز فيها.
مازالت تدعي عدم الفهم وتسألت:
قصدك يعني تشتري شقة من بابا.
أحابها مباشرةً:
لاء طبعًا.
تهكمت سائلة:
مش فاهمه إنت عاوز تقول إيه.
أجابها بتفسير:
يعني عمي توفيق سايب الشقتين دول ليكِ إنتِ وفرح.. وفرح مش هتحتاج لشقة، لكن إحنا ممكن ناخد شقة من الإثنين نتجوز فيها ومعتقدش عمي توفيق هيمانع أو هيطلب تمن الشقة.
وصلت الى ما كانت تود سماعه مباشرةً ورواغت للحظات:
قصدك يعني تاخد الشقة ببلاش… مش شايف ده طمع.
توتر فادي قائلًا:
لا مش طمع إحنا….
تبسّمت بسخرية، وقاطعته تتحدث بطريقة تُقلل بيها من قيمة فادي:
مش طمع، أمال ده يتسمي إيه…
عارف يا فادي… أنا فهماك من أول لحظة… وعارفة كمان إن لو أنا مكنتش وافقت على الخطوبة، كنت هتنقل العطا على فرح … وفرح كانت هتبقي صيد سهل بالنسبة لك… هادية، ومنطوية، وسهل جدًا تسيطر عليها… أكيد كنت هتستغل ده… ولو هي مكاني يمكن كانت غصب عنها تنازلت ووافقت، مش طمع فى بابا، لاء عشان هي خجولة… وكمان على نياتها… بس فى سبب كمان.. غبائك خلاك فاكر إن انا الأقرب لقلب بابا… غلطان، الأقرب فعلًا هي فرح… كنت فاكر نفسك شاطر.. فاكر إن محدش واخدة بالر من طمعك إنت وخالتي.. لا يا فادي… أنا يمكن مبحبكش، بس مش غبية، وعارفة كنت ناوي تعمل إيه بالظبط.
واصلت حديثها بحدة أكبر، وعينيها تلمع باستفزاز:
كنت فاهمة الاعيبك كويس، إنك طَماع…
بتطمع في اللي مش ليك، وطماع في اللي فاكر إنك هتعرف تستغله… حتى جوازة فرح من فاروق الدباغ… كشفت حقيقتك الطماعة…دخل لقلبك حقد،بس كمان كويس كده فرح مش هتطمع فى حتة شقة،ما تسواش جنب أملاك جوزها،فأنا اللى هفوز…
كاد يعترض فادي وينفي ذلك لكن
اتسعت ابتسامتها بسخرية قائلة بإستهزاء:
المشكلة إنك مش بس طماع… ده إنت قليل الذكاء كمان…
لإنك افتكرت إن اللي حواليك مش شايفين نيتك… وافتكرت إنك هتدخل البيت ده وتطلع منه كسبان .
وققت ترفع ذقنها بتحدٍ واضح وقامت بسلت ذلك الخاتم من إصبعها قائلة:
عشان تبقى فاهم…
اللي زيك مكانه بره حياتي… الدبلة بتاعتك أهي… وباقي الشبكة هبعتهالك على شقة مامتك… قصدي خالتي… وبكده يبقي فرصتك إنتهت، وشوفلك صيد تاني، بس نصيحة مني بلاش تبقي طماع، وغبي… النوع ده يتفضح بسرعة وبيخسر.
تركت خاتم الخطوبه أمامه وغادرت تبتسم بتهكم على ذلك الغبي… لكن اثناء سيرها إصتطدمت بشخص آخر، كادت تقع لكن تمسك بيدها…رفعت وجهها ونظرت له سُرعان ما تبسمت.

يتبع.. (رواية عهد الدباغ) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق