رواية ظنها دمية بين اصابعه الفصل المائة وثلاثة 103 – بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين اصابعه – الفصل المائة وثلاثة 103

يهجرها حتى يدفعها إلى كرهه ، و لا حيلة له إلا أن يتخذ هذا الطريق الذي يلتاع فيه فؤادُه وتحترق روحه ولا يملك سوى تلك الآه التي تخرج من صدره ثم تتبعها الدموع وهمسه إلى نفسه إنه يفعل هذا من أجلها، هو لا يُريد لها المشقة أو الحرمان معه.

حدق “عزيز” بسقف الغرفة الباردة التي يقضي فيها ليلته الثانية بعيدًا عنها وفي حلقِة غصة يبتلعها كُلما تذكر صدمتها ولمعة الدموع في مقلتيها وأرتعاش شفتيها وهي تُخبره أنها لا تتحمل أبتعاده عنها وتركه للغرفة ولا يؤذيها تأخيره في العودة لكن ما يؤذيها جفائه منذ الليلة التي سافر فيها فجأة وتركها بعدها تسقط في دوامة مع أفكارها وحيرتها.

أغمض عينيه مبتلعًا مرارة الآلم وهو يستعيد تلك اللحظة التي واجهها بالصمت ثم مغادرته للمنزل.

_ آه يا “ليلى، حطيتك في قفص وقفلت عليكي وقولتلك أنا بس اللي هيراعيكي و خليكي معايا ومتهربيش مني ودلوقتي بفتح ليكي القفص وبقولك أختاري حريتك ياحببتي أختاري الحرية بعد ما كسرت جناحك وخليتك محتاجه ليا عشان تعرفي تطيري…
وأرتعش جسده مع بكائه المكتوم وشدّ من طبق يديه على غطاء الفراش أسفله.

_ هتحمل إزاي كسرتها وبعدها…

وبنبرة صوت خرجت مهزوزة مُتحشرجة أردف.

_ أكرهيني يا “ليلى” أكرهيني أوي، الكره بيخلينا ننسى الذكريات الحلوة وقلوبنا كمان تنساها…

والعذاب هو وحده من أختاره لنفسه وبين الكبرياء والحب ضاع هو وضاعت هي معه وتركها تقف أمام نفسها حائرة وممزقة لا تفعل شئ غير البكاء لعله يرأف بحالها أو تتجاوز الصدمة.

وقفت أمام باب غرفته الحالية وفي داخلها مشاعر عدة لا تعرف هل تقترب وتدخل إليه وتترجاه أن يعيد لها “عزيز” حبيبها وألا يقسو عليها ويأخذها بين ذراعيه حتى يحميها من قسوة العالم وقسوته أم تعود أدراجها إلى غرفتهم التي صارت جدرانها تضيق عليها وتخنقها.

_ أدخل أقوله إن حضنه وحشني أوي وأنه مهما يعمل مش هزعل منه…

قالتها في نفسها ثم تحركت حتى أنعدمت المسافه بينها وبين باب الغرفة.

_ قالك لما يعوزك كـ زوجة هيطلبك بنفسه يا “ليلى” ، ولأما تروحي له أو هو يجيلك أوضتك…

خرجت تلك الكلمات من شفتيها وأنسابت دموعها وتراجعت .. فهي يومًا بعد يوم تتأكد من الحقيقة التي أخبرتها بها “سلوى” من قبل، هي مثل الحلوى كبقية السيدات الجميلات ، يتناول الرجال الأغنياء مذاقهن ثم بعدها يضجرون منهن.

_ لا لا، “عزيز” مش كده… هو بيحبني، يمكن يكون زهق مني عشان حياتنا زي الشريط بيتعاد ولسا مافيش طفل يملا علينا حياتنا، أيوة هو ده السبب.

أقنعت قلبها العاشق بحماقة حديث تُخدع به حالها حتى تجد عذرًا لأفعاله معها ثم وضعت يدها على مقبض الباب وفي اللحظة التي تحرك فيها مقبض الباب مع يدها عادت دموعها تنهمر بغزارة على خديها…

_ غبية يا “ليلى” غبية، هو زهق منك خلاص.

رفع “عزيز” رأسه عن وسادته بعدما أنتبه على تحرك مقبض الباب ليتنفض جسده عند أستماعه إلى أنغلاق باب الغرفة الأخرى.

عادت الدموع تعرف طريقها إلى خديه، فأسرع بالنهوض من الفراش ثم سار بخطوات تحمل لهفته لكنه تراجع واضعًا بيديه على رأسه وزافرًا أنفاسه الهادرة بقوة.

_ مع الوقت هتكرهك، أتحمل يا “عزيز” أنت عايزها تكرهك عايزها هي تختار البعد عنك.. أفلتي أيدك من أيدى يا “ليلى”… ليه أحرمك من إنك تكوني أم.

ومع كل كلمة ينطقها لسانه ينقسم معها ظهره الذي دائمًا يصلبه أمام كل من حوله حتى يتخطى بهم الأزمات لكن أمام أزمته هو كان صموده مُختلفًا.

أخفض رأسه إلى أن هدأت وتيرة أنفاسه العالية ثم رفعها مُتظاهرًا بشموخه وصلابته وأتجه إلى الفراش ليجلس عليه.
بشفتين مذمومتين ورأس مُطأطأة قال وهو يسند يديه على الفراش.

_ كنت مرتاح البال لا بفكر في الحب ولا الجواز ولا الخلفة…
وأردف سريعًا بعدما أدرك فداحة حديثه.

_ أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، رحمتك ولطفك يا رحيم.

أستندت “ليلى” بجسدها إلى باب غرفتها، تكتم صوت بكائها بيديها.
تسارعت دقات قلبها من شدة شعور القهر وتمزق روحها ثم سقطت على ركبتيها بعد أن خارت قواها ولم تملك القدرة على الوقوف.

_ هو مش زهق خلاص منك هتدخلي أوضته تقوليله إيه ، تقوليله أنا لبست زي ما أنت بتحب وأتزينت عشان أراضيك وأقولك هحاول أتغير في علاقتنا وأعمل أي حاجة تسعدك لكن متبعدش عني ، ضعيفة وغبية يا “ليلى” ..

وشدّت من تكميم فمها حتى لا يخرج لها صوت ويسمع من في المنزل بكائها وأكثر ما تبغضه بحياتها أن يرى أحد دموعها وقلة حيلتها.

_ خليتني أحبك ليه يا “عزيز”، أنا روحي بقت متعلقه بيك مش هعرف أرجع وحيدة من تاني…

رفعت “سمية” عينيها عن الأوراق التي توقعها عندما أنتبهت على دخول “شهد” غرفة مكتبها.

اِفتر ثغر “سمية” بأبتسامه خبيثة تخفيها وراء ستار محبتها المُزيفة.

_ تعالي يا “شهد”، أقربي.

أقتربت “شهد” وتساءلت.

_ حضرتك طلبتيني من القسم بتاعي لأمر هام ، في حاجة أنا عملتها غلط…

ضاقت حدقتيّ “سمية” لوهلة ثم تعالت صوت ضحكتها.

_ هو أنا كل ما أطلبك في مكتبي تقوليلي عملت حاجة غلط..

أندهشت “شهد” من ضحكتها التي أنطلقت فجأة ثم أخفضت رأسها بحرج، تَدارَكت سمية سريعًا الأمر وعادت للين في حديثها.

_ لأ لأ يا “شوشو” أنا بحب البنات الواثقة من نفسها…

رفعت” شهد” رأسها في اللحظة التي نهضت فيها “سمية” من وراء طاولة مكتبها.

_ أنا بحاول أغير من شخصيتك عشان “سيف” يعرف إنه خسرك لما تلفتي نظر حد مهم من شركائنا…

وبطرف عينها غمزت “سمية” وأردفت وهي تقترب منها.

_ أمبارح لفتي نظر ابن راجل مهم بنتعامل معاه في بعض الصفقات.

ألقت “سمية” حديثها الكاذب وقد صدمتها لهفة شهد وتساؤلها.

_ أنا… مين هو.

ألتمعت عينين “سمية” بنظرة ماكرة وأبتسمت أبتسامة عريضة.

_ لأ ، مقدرش أقولك مين ، أفرض كان إعجاب عابر…

أنطفأ البريق الذي ألتمع في عينين “شهد” ، فأسرعت “سمية” بأحتضان وجهها.

_ يا حببتي أنتِ عندي دلوقتي زي “نيرة” و “بيسان” وأخاف على شعورك لو كان إعجاب مُزيف وبصراحة بقى أنا عايزاكي لـ “سيف” وبعمل كل ده معاكي عشان أغير من شخصيتك وخليكي تلفتي نظره وتليقي بينا…

دمعت عينين “شهد” عندما تذكرت نظرة” سيف” لها اليوم وهو يُغادر بسيارته الفيلا ولم يعرض عليها أمر توصيلها كما كان معتاد.

_ “سيف” مبقاش يحبني ، هو بيحب “بيسان”، أنا أفتكرت يوم ما حاول يقرب مني في الجراج نطق أسمها.

عبست “سمية” بملامحها ثم أطلقت زفيرًا طويلًا ، أجهشت
” شهد” بالبكاء.

_ بقى يعمل نفسه مش شايفني، و مبقاش يهتم بيا زي زمان حتى أبيه “عزيز” ،كله بقى شايف حياته ونسيوني.

أنهيار “شهد” أصاب “سمية” للحظات بالجمود ، لتنفض رأسها من أفكارها سريعًا وتحتضنها.

_ أهدي يا حببتي ، أنا حاسه بيكي.. بعد ما الكل كان على لسانه” شهد” ، بقوا دلوقتي “ليلى” حتى “سيف” بقى شيفها ملاك وعمه محظوظ بيها…

وتوقفت ” سمية” عن مواصلة كلامها وأنتظرت أن ترى ردة فعل “شهد” حتى تتأكد، هل تلك الصغيرة الحمقاء تأثرت أم تدفع بالمزيد من الكلام.

أبتعدت “شهد” عنها وتمتمت بنبرة صوت مُرتعشة.

_ عندك حق حتى ماما بقت تحبها أكتر ما بتحبني وديما على لسانها “ليلى”…
وبصوت مُتحشرج يظهر فيه طفولتها أردفت.

_ هي أخدت مني كل حاجه حلوة بحبها…

حدجتها “سمية” بنظرة طويلة ثاقبة ، فهي لم تخطأ في وصفها ، صغيرة حمقاء تحمل صفات الأطفال عندما يأخذ أحد أهتمام والديهم أو ألعابهم المُفضلة.

سارت “سمية” أمام أنظارها وأستندت بذراعيها على طاولة مكتبها.

_ أنا طلبتك مكتبي عشان أقولك إني هبلغ “عزيز” بشغلك معايا لأني مش عايزه معاه مشاكل…

أنطلقت شهقة قوية من شفتيّ “شهد” و أسرعت جهتها.

_ لو أبيه “عزيز” عرف هيمنعني من الشغل، محدش في البيت عارف… مينفعش يعرفوا دلوقتي.

قبضت “سمية” ذراعيها حتى تجعلها تستقر في وقفتها وهتفت بنبرة ناعمة خبيثة.

_ ما دام أنتِ عايزه كده خلاص لكن أنا بره الموضوع مع “عزيز” أنتِ عارفه إن بيني وبينه خلافات وزادت أكتر بسبب بنت عمك.

_ هو مبقاش طايق وجودها في البيت خلاص من ساعت ما رجع من تركيا، “لميس” صاحبتي بتقولي إنه خلاص زهق وبقى شايف إنها متنسبهوش.

برقت عينين “سمية” وكاد أن يفتر ثغرها عن أبتسامه عريضة تعكس فرحتها إلا أنها أنتبهت وتحركت بالغرفة.

_ عنده حق يزهق منها ما هو أخدها قبل الجواز وإظاهر “عزيز” أتجوزها إكرامًا لوالدك عشان يستر عليها وعلى فضيحتهم ودلوقتي خلاص…

فتحت “شهد” فمها بصدمة واضحة على وجهها.

_ أنتِ لسا صغيرة ومتفهميش حاجة من ألاعيب النساء وبنت عمك تربية ناس غريبة متعرفوش أصلهم من فصلهم و هي طلعت شاطرة أوي ، عرفت تغوي “عزيز”…

خرج صوتها أخيرًا.

_ لأ ، “ليلى” متعملش كده.

قهقهت “سمية” بصوت عالي ورفعت رأسها لأعلى مُتنهدة.

_ أقولك على سر تخلي بينا يا “شهد”…

نظرت إليها “شهد” بترقب وألتمع الفضول في عينيها ، فأبتسمت سميه ومدّت يدها لها حتى تقترب منها.

_ السر لو حد عرفه أزعل أوي منك يا “شهد” وأنا زعلي وحش يا حببتي.
ابتلعت “شهد” ريقها وردت بلهفة.

_ لأمش هقول حاجة…

أسبلت “سمية” أهدابها ثم أخذت نفسًا عميقًا.

_ فاكرة يوم المزرعة لما روحتوا كلكم هناك… أهو هناك بنت عمك كانت بتقابل “عزيز” في بيت “نيهان” وحصل بينهم اللي كان ممكن يتطور معاكي أنتِ و “سيف”.

أبتسم “مازن” وأستكمل خطواته نحو الطاولة التي تجلس عليها “سما” شاردة.

_ أهو جيت أقابلك وضيعت حضور تمرين “عُدي” ،قوليلي بقى إيه الحاجة المهمة غير الموضوع اللي قفلناه قبل ما أرجع من المؤتمر.

أغلقت “سما” عينيها حتى تُرتب كلامها، فـ تساءل بقلق.

_ مالك يا “سما”، فيكي إيه… أنا حاسك الفترة ديه غريبة حتى بقيتي مُتلهفة اوي على أفكار مكنتش عندك.

ثم ضحك بخفة وأستكمل حديثه بمزاح ثقيل.

_ ده أنتِ كنتي ضد فكرة الجواز وديما تقوليلي علاقتنا كده أفضل.

فتحت “سما” عينيها بدموع مُتحجرة في مقلتيها.

_ كنت بقولك كده عشان أشوف ردة فعلك ولهفتك إن حدوتتنا تكمل بالجواز لكن ديما كنت بتخذلني وكنت أقول لنفسي عنده تجربه سيئة مع طليقته وأهو أرتباطنا فرصة بنتعرف فيها على بعض لحد ما نستقر على قرار صحيح…

عقد “مازن” حاجبيه بغرابة وأراد مُقاطعتها لكنها سبقته قائلة:

_ خليني أتكلم يمكن ده يكون أخر لقاء بينا…

تمكن “مازن” من قطع حديثها وتساءل بحيرة.

_آخر لقاء بينا إزاي!! “سما” أنتِ عارفه أني…

ردت قبل أن يُخبرها بحديثه الكاذب عن إعجابه بها.

_ أنت كداب، لا عمرك أعجبت بيا ولا شايفني..، أنت حبيت جري وراك وأنا زي الهابلة رخصت نفسي…

أصابته الدهشة من ردة فعلها وأسرع بالرد قبل أن تُقاطعه.

_ “سما” أنتِ بتقولي إيه، “سما” أنا مش ضد فكرة أرتباطي بيكي يكون معلن ورسمي ، أنا مش مستعد…

أشارت إليه بأن لا يستكمل حديثه.

_ عمري ما دورت عليك حواليا لقيتك أول حد بيتهم بيا ، رسايلي ديما متأخر في الرد عليها حتى لقاءتنا انا بقترح نروح فين…

وبخزي أردفت.

_ ده حتى كلام الحب أنا بقوله وأستنى منك كلمة حلوة تقولها ليا وكأني بشحت منك الأهتمام ، “مازن” أنت علاقة سامه
جحظت عينين “مازن” على وسعهما وتراجع بجسده لا يصدق كلامها الأخير.

_ أيوة، أنت علاقة سامة وأنا كنت غبيه لأن من الأول كنت شكه بنسبه كبيره إنك قربت مني عشان “زينب”.

وأبتلع “مازن” لعابه وحاول إخراج صوته بثبات.

_ “زينب”!! “سما” أنتِ مستوعبة كلامك.

ضمت شفتيها ببعضهما وهزت رأسها بخزي شديد.

_ أنت وصلتني إني أغير من بنت عمي وأبعد عنها مش بقولك أنت علاقة سامة يا دكتور وأنا من النهاردة بقولك ميشرفنيش معرفتك وندمانه على كل لحظة جريت فيها وراك زي الغبية وعندك حق أنا كنت ديما ضد فكرة الجواز وشايفه الحب سذاجه…

انتقلت أنظار الجالسين عليهم بعدما أرتفع صوت “سما”، فألتفت “مازن” حوله ثم هتف بصوت خفيض.
_ “سما” من فضلك خلينا نتكلم بهدوء، هنوصل لحل ، أقولك تعالي نروح مكان تاني…

حركت “سما” رأسها رافضة أقتراحه ثم نهضت ومازالت كلمته السخيفة عن رفضها لفكرة الزواج وبنبرة تهكمه حتى لو كانت مزاحًا يدفعها إلى الجنون.

_ أنت متستحقش وأهو هريحك من جري وراك وأهتمامي اللي خنقك ،أصلك مش فاضي يا دكتور غير لمؤتمراتك وأبحاثك لكن زمان لما كنت بتروح مع أبنك عشان دورة الرسم وتقابل “زينب” كنت بتعرف تخلق وقت ليك كويس…

وبأعين دامعة تمتمت وهي تنهض.

_ خلتني أسأل نفسي، أشمعنا هي محظوظة عني في الحب… مش بقولك طلعت علاقة “سما” وحولتني لواحدة غبية عشان أنت مقعد…
ألقت بكل حديث لم ترتبه ، فهي لم تكن تُخطط لأنهاء علاقتهم بتلك الطريقة لكن فور رؤيتها له وتذكرها لكلام “قصي” عن صدمته فيها لأنها سعت وراء رجل أنجذب بالبداية لأبنة عمها وربما قُربه منها كان أساسه “زينب”،فكيف كانت حمقاء وأعمتها الحقيقة وأسأت إلى سمعتها.

نهض “مازن” حتى يلحقها لكن عاد لجلوسه زافرًا أنفاسه بندم ،فهو أراد إنهاء تلك العلاقة منذ فترة لكنه كان يتراجع كُلما حظى بأهتمام منها يعزز كبريائه كرجل.

فتح “عدنان” ذراعيه مُرحبًا بحفاوة لوجود “هشام” بمنزله.

_ سيادة المستشار بنفسه عندنا، لأ أنا أشكر سيادة المستشارة إنها قبلت وأتكرمت تعيش معانا في الفيلا الفترة ديه عشان نتعود على الترابط الأسري وتكون تحت عنينا عشان نهتم بيها كويس وبعدين يستقروا في فيلتهم.

لم يعجب “هشام” الكلام لأنه يشعر أحيانا أن” ٩عدنان” رجلًا مُتملِّقًا في حديثه.

_ أهلا يا “عدنان”.

رد “هشام” المقتضب جعل “عدنان” يتأكد من عدم رضاه على إقامة أبنته هنا لفترة.

تجاوز “عدنان” ردة فعل “هشام” ومدَّ يده يُصافح “علي” ،ذلك الشقيق الذي يراه مُسالمًا عكس ذلك الرائد الذي لا يرتاح لنظراته أو حديثه.

_ أهلًا يا بشمهندس نورتنا، أومال فين “لبنى” هانم..

رد” هشام” بوجه ممتقع بدلًا عنه أبنه.

_ لسا راجعين من بورسعيد ، قضينا فيها يومين ورجعت تعبانه شوية، فقولنا نيجي أنا و “علي” نطمن على “أشرقت” ونشوف أستاذ “مراد” اللي بقى متكبر علينا ومش عارفين نشوفه.

أومأ “عدنان “برأسه مُتظاهرًا بأسفه على ما أصاب “لبنى”.

_ ألف سلامه على الهانم، في أقرب وقت هزورها أنا وزوجتي نطمن عليها…

قطع هشام حديثه عندما لم يُبرر له أفعال أبنه الغير مفهومه منذ ليلة الزفاف.

_ فين “مراد” يا “عدنان” ومش بيرد ليه عليا ؟

تلاقت عينين “عدنان” مع نظرة “علي” الواقف مكانه والذي أبتهجت ملامح وجهه عندما أستمع لصوت شقيقته.

_ بابا، “علي”…

كانت صدمة “هشام” قوية لرؤيته لأبنته بهذا الشحوب والضعف غير بكائها العجيب في حضنه.

فتح “عزيز” باب الغرفة بحذر وأغلقه ورائه بنفس الحذر حتى لا تستيقظ وتنتبه على وجوده.

سار ببطء وعيناه على جسدها وتلك الوضيعة التي تتخذها في النوم.
بخفة شديدة جلس على طرف الفراش ثم رفع أحد رجليه برفق وأقترب منها.
أغمض عينيه وقد ترك لأنفه التنعم برائحتها التي أشتاق إليها ثم داعب بأصابعه خصلات شعرها من الأسفل حتى لا تشعر بحركة يده.

لدقائق ، جلس جوارها ينعم بذلك النعيم الذي كان من قبل غارقً فيه ولا يترك ليلة إلا إذا حصل على جُرعات عسله منها.

فتحت “ليلى” عينيها عندما شعرت بحركته جوارها كحال ليلة أمس وكادت أن تخونها دموعها لكنها قاومتها…

نهض “عزيز” من جوارها وأقترب من الجهة الأخرى ثم حدق بغرابة بـ بكرة الصوف التي تحتضنها وهي نائمة وتلك القطعة التي أكتمل منها جزء بسيط لا يوضح ما تصنعه على يديها.

مدَّ يده نحوها حتى يلتقط ما تحتضنه لكن يده توقفت عن حركتها عندما رأها تُحرك أجفانها.

فتحت “ليلى” عينيها بعدما غادر الغرفة كما دخلها في صمت وسرعان ما بدأت تجهش بالبكاء مُتمتمة.

_ حرام عليك يا “عزيز” ، ليه بتعذبني كده..، مش قادرة أصدق إنك عايزني أمشي وأريحك من جودي.

..

زفر “صالح” أنفاسه بضجر ونظر إليها وهي تضع أحد القمصان على صدره وتتساءل.

_ حلو صح؟

رد عليها سريعًا حتى لا تختار واحدًا أخر لكنها أبعدت القميص عن صدره قائلة بتأفف.

_ لأ مش عجبني برضو …

ابتعد صالح عنها يضرب كفوفه ببعضهما.

_ “زينب”، أرحميني..ده رابع قميص أبدله.. أنا مش عارفه ليه بوافق على عرضك في أختيار اللبس.

رمقته “زينب” بنظرة مستاءة وأسرعت بألتقاط ذلك القميص الذي تضعه على الفراش

_ أخر واحد…حساه اختيار موفق.

حرك رأس بيأس وألتقط القميص من يدها حتى يرتديه مغمغمًا بنبرة صوت واضحة.

_ يا رب يطلع أختيار موفق يناسب ذوقك، لأحسن أحلف مروحش عشاء العمل…

ضحكت “زينب” بخفة ومطت شفتيها بدلال.

_ طب خليني ألبسك القميص ومتقلقش مش هنغيره ، خلاص أستقريت عليه….

تركها تفعل ما تُريد إلى أن أستقرت يديها على صدره.

_ أوعي حد يأثر عليكي في موضوع تأجلنا للخلفة ، أنا مقننع تمامًا بقرارك وكل يوم قناعتي بتزيد…

توقفت حركة يديها عند أحد أزرار القميص وهربت بعينيها بعيدًا عن نظرته المتفرسة لها وأردف بعدما ألتمعت عيناه بعبث.

_ أنا مش عايز حد يشاركني فيكي حاليًا وياخدك مني ، كفايه استاذ يا “يزيد” علينا …

صدح صوت “يزيد” خارج الغرفة وأخذ يطرق عليهم الباب.

_ بابي، أفتح الباب… أنا مش قولتلك “زوزو” بتاعتي لوحدي وشوف ليك واحدة تانية أتجوزها.

أبتسمت “زينب” بأبتسامه خفيفة واستدارت بجسدها حتى تتجه نحو الباب وتفر هاربة من الغرفة ليجتذبها إليه مُتمتمًا بخفوت.

_ أهو “يزيد” فرد واحد وعامل لينا إزعاج.. فيجي لينا واحد تاني يضيع علينا اللحظات الحلوة.

وقبل أن يطرق “يزيد” على الباب مرة أخرى ،أتت “حورية” تلتقط يده قائلة:
_ حبيبي تعالا أساعدك في الهوم ورك بتاعك لحد ما “زوزو” تيجي.

أفلتت “زينب” ذراعها عنه قبضة يده ليلتقطه مجددًا مُتسائلًا.

_ رايحة فين، ده دكتورة “حورية” بنفسها بتوفر لينا فرص اللقاء والدلع وعايزه تخرجي من الأوضة وتسبيني أكمل لبس لوحدي.

حاولت “زينب” دفعه عنها، فهي ترغب بالاختلاء بنفسها حتى تُرتب أفكارها وتطرد عنها القلق الذي يقتحم رأسها كُلما أتى على لسانه قرارهم في تأجيل فكرة أنجاب طفل.

_ ركزي معايا يا “زوزو”، مش كفايه حدودنا الفترة ديه في الاوضة بس…
نظرت إليه بذهن مُشتت ،فكيف تعود إلى تركيزها معه ومزاحهم بعد أن ذهب عقلها نحو الطفل الذي تأكدت من وجوده في رحمها.

أنهت “بيسان” محادثتها مع أحدى السيدات المسئولة عن نشاط الجمعية الخيرية التي أنضمت إليها منذ عامين.

أقتربت من “سيف” وقد وقف مُنتظرًا قدومها.

_ أنا بشكرك إنك رافقتني النهاردة..

ابتسم “سيف” وأراد أن يُخبرها عن سعادته لدعوتها له لكن سعادته تلاشت في اللحظة التي واصلت فيها حديثها.

_ للأسف “فارس” مش موجود في مصر، عنده رحلة شغل..

لم تكن تقصد مضايقته ولا تعرف لِما أتت بذكر اسم خطيبها لكن شئ داخلها دفعها لهذا.

اختفت ابتسامة “سيف” وسار مُتجهًا نحو سيارته.

_ طب كويس إني كنت بديل لخطيبك وقومت بالدور…

شعرت “بيسان” وكأن دلو من الماء البارد سُكب فوق رأسها وهتفت تُنادي عليه.

_ “سيف”، “سيف”…
تحركت ورائه ثم توقفت مكانها عندما وجدته لا يهتم لندائها.
….

وقف “صالح” مدهوشًا جوار النادل الذي يرشده إلى رقم الطاولة التي عليها الضيوف وقد فهم أخيرًا سبب عدم أخبار جده له عن هوية المرأة التي سترافقه العشاء.

تقابلت عيناه بأستهزاء بعينين” رغد” التي أبتسمت فور أن رأته…

تحركت “كارولين” على أصابعها إلى أن وصلت غرفتها ثم أغلقت الباب ورائها سريعًا وأستمرت بزفر أنفاسها حتى هدأت دقات قلبها.

عيناها التي ألتمع بهما القلق للحظات تحولت لمعتهما إلى لهفة.
أخرجت من أسفل قطعتها العلوية التي ترتديها ، قميص النوم الذي سرقته من خزانة “ليلى” هذا المساء، وهذه المرة تأكدت أن اللون الأزرق هو المفضل إليه بعد اللون الأسود وكانت حريصة هذه المرة في أختيار ما يجذب أنتباه “عزيز” وبالطبع هذا سيُحرك غريزته عندما تحين الفرصة التي تنتظرها وتستعد لها.

أطبقت جفنيها وتنهدت وهي تحتضن القميص وتخيلت اللحظة التي سيضعف فيها “عزيز” بعد أن تتمكن من استدراجه وقد تركت لها “ليلى” الساحة أخيرًا.


تعجب “هشام” من أنتظار لبنى له ولم يجدها نائمة كما أعتاد موخرًا.

_ مساء الخير.

قالها وألقى سترته على مقعد طاولة الزينة ثم تساءل.

_ غريبة يعني أنك صاحية…

حدقت لبنى به بصمت، فتنهد وأستطرد قائلًا:

_ الخدامة قالتلي إن أشرقت جات النهاردة لكن مشيت علطول
تذكرت لبنى ما رأت أبنتها عليه من فقدانها لوزنها وشحوب وجهها.

_ خدي بالك من البنت يا لبنى، على كلام حماها شهر العسل كان كارثي بالنسبة ليها وقضته كله في المستشفى، ده غير يا حببتى قبل رجوعها فقدت الجنين و ملحقتش تعرف بوجوده…

داعبت أبتسامة ساخرة شفتيّ “لبنى”، فالحقيقة وحدها هي مَن تعرفها.

أتجه “هشام” نحو الحمام لكن توقف فجأة مجحوظ العينين حينما أخترق حديثها مسامعه.

_ أنا كلمت مدام “إلهام” النهاردة وقولتلها عايزين نزورهم عشان موضوع “زينة” و “قصي”.

ببطئ اِستدار “هشام” إليها ،فعن أي هراء تتحدث زوجته التي يبدو أن العلاج الذي تتناوله تسبب بخلل في عقلها ثم قال بهدوء حتى لا يفقد صوابه عليها.

_ أنتِ بتقولي إيه يا “لبنى” ، مش قفلنا موضوع “زينة” ده من قبل جواز “أشرقت” وقولنا “سما” أنسب أختيار لـ “قصي”…

أشاحت “لبنى” بوجهها عنه حتى تتمالك نفسها وتطرد عن رأسها صورة أبنتها التي مزقتها وتستطيع مواصلة حديثها الذي يملأه شعور الأنتقام من تلك العائلة وتصبح واحدة أمام أخرى… وإذا قرر “مراد” التلاعب بأبنتها أكثر وباسم العائلة.. تكون شقيقته في قبضتيّ يديهُم.

_” سما” متنفعش لـ” قصي” … أبنك منجذب لـ” زينة” لكن” سما” شيفها بنت عمه وبس…

أجفلها صوت صياحه وأنتفض جسدها برجفة قوية بعدما وجدته يدفع تلك الطاولة الموجودة بالغرفة بقدمه وقد عجز عقله لأول من مره عن التفكير في أمر يصيب عقله بالجنون.

_ أبنك ممنعش وأنا مادام قولت” سما” يعني” سما” وجوازهم هيتم في أسرع وقت…

حاولت “لبنى” السيطرة على أرتعاش جسدها حتى تُلقي عليه بتهديدها الذي ربما يجعله يرضخ لقرارها.

_ جواز “قصي” من “زينة” لو متمش هطلق منك يا “هشام”…

تجمدت ملامح “هشام” وتوقف عن دفع كل ما يجده أمامه.
_ يبقى أختارتي طلاقك يا” لبنى” ..

أضف تعليق