رواية كارثة الحي الشعبي – الفصل الخامس
الفصل الخامس
أنظر جيدًا.
كارثة الحي الشعبي.
فاطمة محمد.
الفصل الخامس:
تعتلي “ثراء” فراشها بقلب مفطور…وأعين تسيل الدموع….فقد قامت بمفارقة مكانها بل الجلسة بأكملها مندسة بحجرتها دون أن تتفوه بحرف تاركة الجميع خلفها….وما أن دخلتها وباتت غائبة عن العيون حتى تركت العنان لحزنها كي ينطلق…مندفعة بجسدها نحو الفراش…
انفرج الباب فجأة وطلت من خلفه “وئام” التي ما أن اوصدت الباب خلفها حتى صرخت بها:
-برافو..لا حقيقي برافو… أنا مش فاهمة أنتِ بتعيطي على إيه…هو كان عشمك بحاجة…ولا كان بينلك قبل كدة أنه بيحبك…
رمقتها “ثراء” بعينيها التي لا تتوقف عن البكاء وتشع حزنًا وكأنها قد فقدت إحدهم للتو.
لم تتحمل “وئام” حزنها وتلك النظرات التي صوبتها نحوها…فقامت على الفور بقطع المسافة الفاصلة بينهم وجاورتها بالفراش ضاممة إياها بقوة تبثها عشقًا وحبًا…وحنان دفين….مصارحة إياها:
-متزعليش يا ثراء…دي مش نهاية العالم…مبيحبكيش في ستين داهية..بس متعمليش في نفسك كدة..والا والله هتخليني انزل اشقه نصين….
لم تصدر أى رد فعل من الاخرى رغم تلك البسمة التي أرادت الانفلات من ثغرها فقد شبهتها بتلك اللحظة بـ وعد سليطة اللسان……
زفرت “وئام” متابعة:
-على فكرة هو لا بيحب ولا نيلة…وحركة متخلفة زيه…هو بس لاحظ حبك ليه ودلقتك عليه…فحب يمحي أي أمل عندك…وعشان متفضليش تبني في أحلام على الفاضي…..
بتلك اللحظة رفعت “ثراء” رأسها وقالت بصوت تغلغله الأمل:
-بجد يا وئام يعني هو بيكدب…..
قلبت عيناها بضجر من حماقتها وتمسكها بعشق لن يجني خرابه سواها:
-آه بيكدب..والمفروض تحسي بقى وتفوقي..خرجي مؤنس من دماغك..اصلا مش عارفة بتحبيه على إيه ولا إزاي ده أنتِ اكبر منه بكذا شهر.
ردت بتذمر طفولي من ذاتها:
-اهو اللي حصل بقى….مش ذنبي أنه شكله قمر ومؤدب مش سيكي ميكي زي العيال اللي بتروح وتيجي….
أطلقت “وئام” ضحكة عالية على كلماتها العفوية…
فلكزتها “ثراء” معنفة إياها مرددة:
-آه يا اللي معندكيش دم وبتضحكي على احزاني…
عقبت الأخرى بصراحة:
-اصل أنتِ احزانك طلعت بضحك اوي…يعني بتحبيه عشان قمر..ومؤدب…طب ما في شباب كتير كدة..هو بس علق معاكي عشان هو اللي قدامك ومش معنى أنه علق معاكي يبقى هو ده حب حياتك…لسة الحياة طويلة قدامنا…اخرجي وانبسطي..متربطيش حياتك براجل من دلوقتي…
فُتح الباب للمرة الثانية وظهر تلك المرة باقي الفتيات من “داليدا” “وعد” “فجر” “أبرار”..
جلست “داليدا” على طرف الفراش مشجعة إياها مقلدة كلمات والدتها:
-قومتي ليه..متبقيش هبلة..مفيش حد يستاهل زعلك ده…غلي نفسك يا ثراء واللي يشتريكي اشتريه واللي يبيعك بيعيه…واستني نصيبك اللي هيحبك في الحلال وهيجي يقابل أهلك…
سعدت “أبرار” من كلماتها مستشعرة بأن الحزن البادي على وجهها منذ الصباح سببه ذلك الشاب المدعو “جابر” ولكن حديثها ذلك جعل الراحة تتسللها ولو قليلًا…..
وبعد وقت نجحوا الفتيات خلاله من التهوين على “ثراء” ونهضت معهم من جديد….
غادر الجميع الغرفة وقبل أن تهبط “داليدا” الدرجات اوقفتها “ابرار” مرددة بخفوت:
-في إيه يا داليدا نبرتك مش طبيعية؟ الواد اللي بتكلميه ضايقك ؟؟؟
نظفت حلقها ثم أجابت بهدوء:
-لا مضايقنيش..ده فوقني..عملي بلوك يا أبرار…وانا انهرت وماما شافتني بالحالة دي والحمدلله انها شافتني..كلامها لمسني..وعرفت قد ايه انا كنت غبية وأنتِ معاكي حق….
سعدت “ابرار” من كلماتها وضمتها بحركة مباغتها مرددة:
-متزعليش..مبحبش اشوفك زعلانة….وكويس أنه حصل كدة…اديكي اتعلمتي…وعرفتي أنه مش اي راجل يقول كلمتين حلوين أو يكلم معاكي شوية يبقى بيحبك…الحب ده شيء كبير اوي ونعمة من ربنا علينا….
**************
-الساعة داخلة على اتناشر واخوكم لسة مجاش من عندهم….حتى مكالماتي مش بيرد عليها…ماشي يا أشرف…ماشي….
رددت “دلال” كلماتها وهى تأتي ذهابًا وإيابًا بالصالون وعيناها تحدق بالباب غاضبة من غياب أشرف عن المنزل حتى الآن…
علق “جابر” الذي كان منشغلًا في هاتفه يحادث إحدى الفتيات:
-ما تخافيش ياما..مش بيحبوا في بعض..وخناقة بعون الله….زغرطي اشرف هيجيلك مفركش وسنجل ويقلبلنا البيت مناحة ويشغلنا في اغاني تامر عاشور….
لكزه “نضال” في ذراعيه فتذمر “جابر” معقب:
-هو انا بكدب لسمح الله…وبعدين ايدك اللي بتقطع بيها بطاطس دي متلمس أيد مُدرس لغة عربية زيي…
أما “دلال” فلمعت عيناها ببريق غريب وتهللت اساريرها…جالسة جوار جابر مرددة:
-يسمع من بقك يا واد يا جابر.. تعرف لو حصل هيبقى ليك الحلاوة….
قذف لها قبلة بالهواء معلق:
-متخافيش هيحصل…اصل بعيد عنك في عين رشقت في العشا…
اتسعت عيناها قائلة:
-عين مين دي يا ولا ؟!!!
كتم ضحكته متبادلًا نظرة خاطفة مع نضال:
-لا أبدا ست كدة مبروكة معرفهاش..أنتِ تعرفيها؟؟؟
-لا وانا هعرفها منين….
خرج بتلك اللحظة “عابد” و “خليل” من غرفتهم ومعهم بعض الأغراض اللازمة لهم ولجلستهم فوق سطح المنزل….
ترك “جابر” الهاتف مهلل بمرح:
-الله الله…هنطلع نقعد فوق على السطح…
تجعد وجه “عابد” اشمئزازًا مصححًا له مشيرًا تجاه خليل ونحو نفسه:
-هطلع انا وخليل مش هنطلع…
صحح له “جابر” تلك المرة متمتم بإصرار:
-هــنــطــلــع……..
مضى خمس دقائق صعدوا خلالها الدرجات المؤدية للسطح..وما أن وصلوا حتى صُدم “نضال” و “جابر” من تواجد “أشرف” وجلوسه بمفرده….
صاح جابر على الفور حانقًا من اخيه الذي يتواجد بالاعلى ويستنشق ذلك الهواء النقي..البارد..تاركًا إياهم رفقة والدتهم التي لا تكف سؤالًا عنه…
-يا شيخ تبًا لك.. قاعد هنا وسايبنا مع امك…
وسرعان ما ربط بين جلسة أخيه بمفرده وبين امه التي ظلت تتذمر من تواجده بمنزل عائلة زينه…ليقول مخمنًا:
-لا متقولش انك اتخانقت مع زينه..او أمها….وفركشت…
اشاح “أشرف” رأسه وقال بأسلوب حاد موجهًا كلماته لبقية إخوته:
-يا جدعان…يا جدعان..ده انا قايلكم متجبوش جابر….مش ناقص قرف انا…
برر خليل له:
-اتشعبط فينا ما أنت عارفه…
انكمش وجه “جابر” تذمرًا وعلق:
-ايه اتشعبط دي ما تحسن ملافظك يا بغل أنت…وبعدين هو السطوح مكتوب باسمكم وانا معرفش ولا إيه ؟؟
هب “أشرف” من مجلسه على الأرض…ورغب بمغادرة السطح…فلحق به البقية واعتذر جابر منه عندما أدرك بأن الوضع جادًا…
استجاب لهم أشرف وجلس مكانه ثانية وجلسوا هم من حوله وبدأ يسرد عليهم ما حدث معه بذلك العشاء والأسوء تلك الجمعية التي لا يدري من أين يجلب أموالها لهذا الشهر…
دوى صوت “عابد” منفعلًا مما حدث معه:
-وانت كنت ضحكت عليهم؟؟ ما هما عارفين ظروفك من الاول…وهما برضو اللي وافقوا ايه اللي جرا بقى ؟؟؟؟؟
رد “جابر” بعد أن قلب الموضوع بذهنه:
-اللي جرا إن امها شيفالها شوفه تانية.. أشرف مش مالي عينها…وانا لو مكانك كنت فركشت مع بنتها وقتي…الواحد قرفان لوحده مش ناقص قرف زيادة وحد يشيله فوق طاقته..بقولك ايه يا اشرف فركش…وخد الشبكة بتاعتك بيعها وابدء اي مشروع….
رفض “خليل” اقتراح جابر مغمغم:
-ايه اللي بتقوله ده انت كمان…ما أنت عارف أن زينة بتحبه….و
قاطعه جابر صائحًا بخشونة وسخرية:
-بتـ إيه بتحبه سلامات يا بتحبه…دي بنت امها..دي هتكرهه اخوك في عيشته..ده كل ده وهما لسة على البر اومال لما يخشوا في العميق هيعملوا ايه…اقولك هيعملوا إيه هيسيبوه يغرق لوحده …واراهنك أن كل مشكلة تحصل بينهم هتقوله انا دكتورة…كانها اول وآخر واحدة تبقى دكتورة في البلد دي….
وافق “عابد” على كلمات جابر:
-شوفوا انا اهو اطيق العمى ولا اطيق اخوكم..بس هو بيكلم صح…وكلامه ميه ميه…
ابتسم “جابر” معلق بفخر نافخًا صدره:
-طول عُمري كلامي ميه ميه…
اما “خليل” تجاهل حديث جابر وتأييد عابد له وقال:
-مش شرط تكون زينه زي والدتها….هي بتحبك..وانت بتحبها…يبقى تحاربوا عشان حبكم ده…وبعدين فات الكتير مش باقي غير القليل….
لم تنل كلماته اعجاب البقية فصاح نضال:
-لا يا خليل…ده بيقولك سكتت..متكلمتش ليه..منطقتش وقالتلها ليه انها قابله بيه كدة…سكتت دلوقتي…يبقى هتسكت بعدين….
-حصل وامها دي عايزاك تعمل ايه يعني..تمشي بطال..هي متعرفش أن المشي البطال ياما بهدل أبطال…وان الدنيا دوامة ومفيش عوامة…..
ردد جابر كلماته البلهاء في نظر إخوته بينما شرد “أشرف” في حديثهم ونيران العشق تضرم به اضطرامًا….يرغب بتركها وانهاء الأمر بأكمله…لكن قلبه لا يطاوعه…ويعنفه…يخبره كيف لك أن تتركها بعد كل ذلك العشق..كيف تستطع العيش بدونها…وبدون صوتها الذي يشعره بالآمان والسكينة…
ظل بتلك الدوامة من الأفكار والصراعات حتى فاق على صوت خليل الذي اخبره بإلا يخرج صباحًا قبل أن يرى والده فهو يريده لأمرعاجل….ثم هبط الجميع للأسفل بعدما حذرهم أشرف من قص اي شيء على والدته كي لا تفتعل شجارًا مع عفاف…وما أن هبطوا حتى وجدها بوجهه تنتظره وما أن علمت بجلوسه بالاعلى منذ وقت طويل حتى هدأت وخمدت نيران غيرتها عليه…..
**************
أبدلت “وئام” ملابسها واقتربت من الفراش وهي تحمد ربها على نسيان والدتها آمرها لتلك الليلة مخمنة مجيئها صباحًا والحديث معها….
تمددت عليه والتقطت هاتفها وقامت بمهاتفه صديقها “فادي” التي تجاهلته كثيرًا اليوم….
رد عليها بعد ثوانِ:
-فينك يا بنتي؟؟!!! قلقتيني عليكي..
ردت وهي تعبث بأناملها بإحدى خصلاتها:
-موجودة يا فادي…خلعت من البيت انهاردة وكنت ناوية اشوفك بعد ما اعدي على البيوتي سنتر بتاع مامي..بس حصل حوار كدة…..
تساءل فضولًا:
-حوار ايه؟؟؟
-واحدة من اللي شغالين عند مامي سمعتها بتشتم فيا….
ابتسم بسمة جانبية مخمنًا:
-طردتيها طبعا….
ابتسمت باتساع ومكر:
-لا مطردتهاش..هتسلى شوية قبل ما اعملها ….
ضيق عيناه وفضوله يتفاقم:
-هتعملي إيه يعني؟
-اصلها طلعت بتحب واحد من اللي شغالين هناك…وانا حرقت دمها مرتين..مرة قبل ما اسمعها بتشتمني وخليته ضبطلي شعري…ومرة بعد ما سمعتها وخرجت اتغديت معاه….
ضحك عاليًا من تصرفها مردد بحماس:
-طب إيه انبسطي يعني….
-اوي…اصلا انا مبحبش البنت دي بشوف كرهها وغيرتها ليا أنا وثراء في عينها….وفرصتي جتلي على طبق من دهب…هتس
توقفت عن إتمام جملتها لاقتحام “علياء” الغرفة….
اعتدلت بفراشها وقالت مغلقة معه:
-طيب اقفلي دلوقتي وهكلمك تاني…..
أغلقت معه تزامنًا مع اقتراب علياء منها….عاقدة ساعديها أمام صدرها وملامحها تنبض بالقوة والغضب:
-عايزة افهم كدبتي عليا ليه انهاردة؟؟؟ وبتخرجي مع الشاب اللي اسمه عابد ليه !!!!!
هبت وئام واقفة مقابل والدتها مطرقة رأسها للأسفل وقبل أن تجيبها بادرت بسؤالها:
-مكدبتش على حضرتك…وهجاوبك بس ممكن تقوليلي الاول عرفتي منين اني خرجت معاه حضرتك مرقباني؟؟؟؟
كانت على يقين بأن والدتها لا تفعلها ولا تراقبها لكنها ارادت أن تأكد شكوكها حول “فاتن”
جذبتها علياء من ذراعيها نحوها بحركة عنيفة مرددة:
-هو ده اللي همك؟؟؟؟ مش هجاوبك انا اللي امك مش أنتِ….قوليلي خنتي ثقتي ليه وكدبتي عليا…طيب افرضي ابوكي هو اللي كان عرف كان عمل فيكي ايه…ولا فيا انا إيه…..
لمعت الدموع بأعين “وئام” بعدما لجأت لتلك الحيلة كي تخرج من تلك المعضلة ولا تخسر ثقة والدتها:
-مكدبتش على حضرتك…ومقدرش اصلا اعمل كدة..انا مش بشوفك مامي وبس…لا انتِ بالنسبالي اكتر من كدة…أنتِ صاحبتي يا مامي….وصاحبتي اللي قولتلك عليها دي مرحتلهاش عشان كلمتها ولقيتها سافرت فعلا وان اهلها قدموا ميعاد السفر من يومين وانا مكنتش اعرف…وهي مكنتش تعرف اني عايزة اودعها….
صمتت سارقة نظرة نحو علياء ترى قسماتها هل هدأت ام لا تزال غاضبة ولحسن حظنها وجدتها قد هدأ روعها تمامًا ويليح على وجهها تصديقها لها….اخذت نفسًا عميقًا ثم تابعت كاذبة :
-خروجي مع عابد ده كان مكافأة ليه…في الكام يوم اللي روحتهم شوفت شغلهم كلهم….وحقيقي وبدون مبالغة الولد مجتهد…وشغله تحفة.. وسواء ستات او بنات بيخرجوا من البيوتي وهما مبسوطين بشغله…. وأحنا لازم نشجع اللي شغالين عشان يشتغلوا احسن وأحسن…ده انا حتى فكرت أن يوم اجازتهم نعملهم رحلات….
رفعت وجهها تلك المرة ونظرت في عيناها مباشرة…فتنهدت علياء وقالت:
-مينفعش تخرجي معاه….عايزة تكافأيه عادي اعمليها بس مش بخروجك معاه..هو الوحيد اللي عملتي كدة معاه…تفتكري ممكن يفكر ازاي….واساسا مكنش وقته..اهلك مجمعين وأنتِ بتخرجي معاه حتى مفكرتيش تبلغينا….
لم تجادلها واكتفت باظهار ندمها مردفة:
-أنا آسفة يا مامي…مش هتكرر تاني…..
حل صمت ثقيل كانت علياء تراقب حزنها…وضيقها…فقامت بالاقتراب منها وطبع قبلة على وجنتيها….متمتمة بحب:
-أنا بخاف عليكي أنتِ واختك يا وئام…محبش اني اشوف حاجة وحشة فيكم…او أن حد ياخد عنكم فكرة مش لطيفة….تاني مرة قبل ما تعملي اي حاجة بلغيني…متتصرفيش من دماغك عشان أنا ادرى بمصلحتك واخاف عليكي اكتر من نفسك….ومحبش انك تخوني ثقتي الكبيرة اللي ادتهالك…عشان الثقة لو راحت مش هترجع تاني…
ابتسمت لها بخفة وهزت رأسها للاعلى ثم للاسفل :
-حاضر يا احلى مامي….
بادلتها علياء بسمتها….ثم مسددت على خصلاتها بحنان وبارحت مكانها تنوي المغاردة..وقبل أن تفعلها هتفت “وئام” منادية عليها:
-مامي…
استدارت لها “علياء” فألقت عليها سؤالها:
-حضرتك عرفتي منين اني خرجت مع عابد؟؟!
-من فاتن كلمتني عشان عايزاني اتواصل مع المندوب و قالتلي انها كانت هتبلغك بس أنتِ خرجتي معاه وملحقتش تقولك….
ارتفع حاجبي “وئام” وزيفت بسمة على شفتيها…وما أن اختفت والدتها عن انظارها…حتى تبخرت بسمتها…متمتمة بخفوت:
-عايزة تلعبي معايا؟؟..وماله نلعب…مش هقولك لا…بس استحملي بقى……..
*************
صباح يوم جديد….
يركض “مروان” عائدًا للمنزل مرتديًا ملابس رياضية وجسده يصبب عرقًا….محاولًا إقناع ذاته بأنه لايزال شاب يتمتع بصحة وبنية جيدة….فما العُمر سوى رقم….وما دام يشعر بأنه شاب إذًا فهو شاب…..
ولج من البوابة ودخل المنزل بأنفاس لاهثة…تقابل مع “سليم” الذي قطب حاجبيه ودنا منه متفحصًا هيئته ومحاولته في التقاط أنفاسه….
-صباح الخير…كنت فين يا مروان بدري كدة.
حاول الآخر تنظيم انفاسه مجيبًا عليه رافعًا رأسه للأعلى قليلًا:
-كنت بجري….رياضة يعني…واظن أنه باين من اللبس والعرق اصلي لسة شباب انتوا فكرني عجزت زيكم ولا إيه….
ضحك “سليم” وعلق بعدما وصل إليه ما يحاول أثباته لهم:
-طول عُمرنا بنقول عليك مهزق…وسبحان الله كل شوية بتأكدلنا…حتى في سنك ده..
برقت عين “مروان” وصاح مهللًا:
-ماله سني…والله ما حد مهزق ومتخلف غيركم..اصلا طول عُمركم بتغيروا مني اكمني اوسم واحد فيكم والبنات كانت بتترمى عليا…..
نفخ “سليم” مطولًا….وعندما رغب بالتعليق والقاء كلمات لاذعه على مسامعه وصل إليه صوت “وعد” التي رأت هيئة “مروان” وادركت هي الأخرى ما يدور بذهنه:
-بقولك ايه يا ميرو…بناتك على وش جواز….بس انا عندي فكرة…إيه رأيك نكنسل على فكرة الجواز وتفتحلهم كبارية…البت ثراء عليها رقص ولا اجدعها رقاصة في شارع الهرم..ولا البت وئام…وئام بقى مشروع رقاصة برضو بس على صغير……
نظر لها شرزًا ثم عقب ساخطًا متعمدًا مضايقتها:
-وأنت هتشتغلهم طبال مش كدة..بقولك إيه روحي لأمك خليها تفليكي…هيبقى شكلكم لطيف ويضحك غوريلا كبيرة ونسناس صغير…وملكيش دعوة ببناتي يلا…..
ردت بهدوء تحت أنظار سليم المتلذذ بما يحدث:
-طيب انت حر…مليش مليش…وهروح لماما اقولها انك بتقول عليها غوريلا….شوف بقى لما هي تعرف وتقول لبابا هيحصل فيك إيه….
هنا وزيفت تذكرها وقالت مصححة كلماتها:
-ولا صحيح ماما مش هتستنى بابا..عشان هي بتعرف تاخد حقها كويس أوي….
جعد مروان قسماته مقلدًا كلماتها في سره بسخرية….كادت ترحل لكنها تراجعت وعادت تنظر له…تحديدًا خصلاته..
مطت شفتيها ثم قالت كاذبة:
-على فكرة شعرك الابيض بدأ يكتر..ابقى روح لـ انطي علياء البيوتي خليها تصبغلك…او
ابتلعت كلماتها الأخيرة مهرولة من امامه وضحكاتها تعلو….
شاركها سليم تلك الضحكات…فقام مروان بدفعه برفق وصعد لغرفته كي يبدل ملابسه….
-اوعى يا عم…دي حد مسلطها عليا…ده مبقاش بيت..ده بيت مجانين….
***************
اجتمعت العائلة حول مائدة الأفطار عدا كل من فجر….و وئام….
صدح صوت “محمود” متسائلًا:
-اومال فين فجر و وئام ؟
ردت “وعد” عليه ويدها تلتقط قطعة خبز:
-نازلين يا جدو….
وضعت قطعة الخبر أمامها فحاول “أحمد” خلق شجار بينهم..فهرول بأختطاف قطعة الخبز من أمامها…
صاحت به بنبرة لا تمت للأنوثة بشيء:
-رجع ياض الرغيف بتاعي ياض…..
اتسعت عين “مروان” ذعر وحث أحمد على إعادتها لها:
-رجعهالها يا بني بدل ما تقوم تأكلك احنا مش مستغنين عنك…ده انت الدكر اللي هتكمل وهتخلد اسم العيلة اللي هتنقرض بسببهم دي….
رفض “أحمد” وأصر على موقفه متحدث ببرود:
-لا…خدته خلاص…تاخد هي غيره….
انتهى واضعًا قطعة من الخبر بفمه ملتهمًا إياها ببطء.
صكت على فكيها غيظًا و رغبت بأعادة الخبز لولا رؤيتهم لتلك التي ترتدي ملابس ونقابًا أسود اللون ولا يظهر منها شيء….
دهُش الجميع من تلك الفتاة وذلك النقاب ولم يستطيعوا تحديد هويتها مخمنين أن تكون فجر…أو وئام…
عقب أحمد بنبرة بلهاء:
-أنتِ مين؟؟؟
ضيق مروان عيناه وقال متأملًا أن تكون تلك وئام المدللة خاصته:
-مش ممكن وئام حبيبة قلب أبوها اتنقبت…..أنا مش مصدق…شايفين تربيتي……شايفين الأدب ..شايفين الأخلاق…
نهض من مكانه كي يأخذ ابنته داخل احضانه ويفتخر بها أمام الجميع….لكن ابتعاد الفتاة عنه أكد له بأنها ليست وئام…وتحطمت آماله…واحلامه عندما توجهت بالمقعد المخصص لـ فجر…ليدرك على الفور بأنها ابنه أخيه بسام ومريم…..
سعد “بسام” من ابنته وقال بفرحة من اجلها:
-مبروك يا فجر…بصراحة خطوة مش متوقعة ربنا يثبتك يا بنتي…..
رمشت له بجفنها وبارك لها الجميع بسعادة…..ولم تتفوه بحرف واحد….
هنا ودوى صوت مروان متمتم بأنفعال:
-لا ما احنا مش قاعدين مع خرسة..اتكلمي يا ماما متشلنيش….
نفت برأسها رافضة ما يقوله….ليصدح صوت أبرار مخمنة:
-هو تقريبًا مش هتكلم عشان صوت المرأة عورة.
هزت “فجر” رأسها موافقة على ما تفوهت به أبرار من تخمين….
ارتفع حاجبي مريم بذهول….وقالت روفان:
-حبيبتي تقدري تكلمي عادي معانا ومع الناس بس تحافظي على نبرة صوتك وانها تفضل واطية…ومتعلاش….
بينما عقب مروان بخفوت:
-الله يرحم أمك كان اقصى طموح ليها تبقى رقاصة…..
جاءت بتلك اللحظة “وئام” متمتمة بنعومة:
-صباح الخير….
استدار لها مروان وسرعان ما وضع يديه على قلبه وهو يرى جمال ابنته التي لا تتوقف عن اظهاره…بملابسها المرتسمة على جسدها…وخصلاتها التي تنساب على ظهرها…متمتم :
-ازاي يا ناس…ازاي…ايه يا بت اللي انتِ لبساه ده..بقى بنت مريم اللي عاشت طول عُمرها نفسها تبقى رقاصة تبقى بالاحترام والاحتشام ده وانا بنتي ماشية كدة…..العيال دي انا مش عايزاهم…حد ياخدهم ويديني عياله مكانهم….
ردت “وعد” على الفور راغبة في غيظ الآخر:
-طب عليا الطلاج مزة وبنت مزة….
تفحصت وئام هيئتها فلم تكن تظهر شيء من جسدها….هي جميلة !!!! ماذا تفعل؟؟
ردت على كلماته جاعلة الأمر يتفاقم سوءًا:
-بابي بدل افورة…انا لبسة عادي…
-ما تهدأ يا مروان في إيه مش معقولة كدة بجد..
كانت تلك كلمات علياء…اماء مروان برأسه وقال بعدم تصديق:
-خلاص كلكم بقيتوا على مروان….طب إيه رأيك بقى انك هتطلعي تغيري….ولو مطلعتيش غيرتي يا وئام مش هتشوفي الشارع يا وئام ..وهتتحبسي في البيت يا وئام لحد ما جامعتك تبدأ وتروحي بيت جوزك يا وئام………
*************
دخل “أشرف” الشرفة كي يتحدث مع والده فقد أخبرته “دلال” بأنه في انتظاره بالداخل…
ألقى عليه تحية الصباح بهدوء واحترام دائمًا ما يتعمده مع والده:
-صباح الخير يا بابا…حضرتك طلبتني…خليل قالي امبارح..وماما قالتلي دلوقتي انك قاعد مستنيني هنا….
هز “سلطان” رأسه تأكيدًا تاركًا فنجان القهوة من يديه على الطاولة الصغيرة الخشبية المتواجدة بالشرفة…
-أيوة…اقعد يا أشرف عندي ليك خبر حلو….
جلس “أشرف” منتظرًا استماع تلك الأخبار الجيدة:
-خير يا بابا…
أخذ أبيه نفسًا عميقًا قبل أن يخبره:
-في جمعية هدخلها الشهر الجاي وهقبضها اول دور…الجمعية دي ليك دخلتها عشانك وعشان تقدر تنجز أمورك….يعني شهر بضبط يا بطل وهتقدر تجيب الشقة وتفرشها كمان….
لم يصدق بالبداية ظن أن الأمر وهمًا وان هذا حلمًا….لكن ليس وهمًا بل حقيقة…وسيكن بأمكانه الزواج بمعشوقته في القريب العاجل……
انفرجت شفتاه عن ثناياه ضاحكًا مردد بلهفة:
-بجد يا بابا…..انا ….انا مش عارف اقول لحضرتك ايه ربنا يخليك ليا يارب….
قال الأخيرة وهو يبارح مكانه منحنى لمستوى والده طابعًا قبلة ممتنة على جبهته..عقبها انتشاله ليده وتقبيلها هي الاخرى….
ربت “سلطان” على كتفيه مردد:
-ويخليك ليا أنت وأخواتك وأمكم يارب……انا مليش في الدنيا دي غيركم…انا عايش علشانكم…
*************
هبط “أشرف” من البناية بخطوات متعجلة….مخرجًا هاتفه كي يحادثها….متناسيًا ما حدث أمس عن عمد كي لا يخسرها…كما تناسى امر جمعيته الذي من المفترض أن يدبر أموالها كي يدفعها هذا الشهر…وضع الهاتف على أذنيه وانتظر إجابتها….لحظات وكانت تجيب بصوت ناعس ويتضح بأنها قد آخذها النوم وتأخرت على موعد عملها…
-ألو….
رد بصوت يملئه الحماس والفرحة لا يبالي بنومها حتى الآن:
-زينة….الشهر الجاي هيبقى معايا فلوس الشقة….وهوضبها وهنتجوز…خلاص هانت يا حبيبتي….
انتفضت من نومتها وفركت عيناها المنتفخة من بكائها طيلة الليل:
-بجد يا أشرف إزاي….قولي…..
قص عليها ما فعله “سلطان” ولم تقل سعادتها شيء عنه هو الآخر….متناسية حزنها..تعاستها…وافكارها السوداء حول تركه… وتجاهل قلبها والزواج بآخر يستطع أعالتها وتوفير النقود لها وقتما تشاء….
فقالت بفرحة :
-بجد يا أشرف…يعني خلاص هانت…انا مبسوطة أوي….بس…
صمتت فجأة فقطب حاجبيه وردد حروف الأخيرة:
-بس إيه ؟؟؟؟؟؟
-انا عايزاك تسيب الصيدلية يا أشرف أنت لسة مبدأتش شغل فيها..بلاش في صيدلية يا أشرف…
كلماتها كانت كالنصل..مزقت قلبه أربًا…وجعلت حديث والدتها يرن بأذنيه من جديد…محطمًا فؤاده…و وجدانه… !!!!!!
رد عليها بصوت حاسم يناقض ما يشعر به من سوء..واستحقار لمهنته التي لا تروق لها:
-لا يا زينة هشتغل فيها….متخليش عقلي يشتغل تاني انا ما صدقت أنه هدي…انا لسة منستش اللي عملتيه امبارح….انا بس عديته بمزاجي…عديته عشان المركب تمشي..وعشان بحبك يا بنت الناس وشاريكي وعشان عارف امك…بس مش معنى اني شاريكي يبقى أنا ضعيف…لا يا زينة انا مش ضعيف….
اغلق معها تاركًا إياها مع ندمها الذي بدأ يأكل احشائها…متسائلة كيف كانت على وشك الانصات لوالدتها وتركه؟؟؟؟؟ كيف كانت ستخرب وتضيع معشوقها الذي لن تجد آخر يعشقها مثلما يفعل…..
أما هو فـ سار بطريقه واستقل إحدى العربات التي سيترجل منها أمام الصيدلية….
اخرج محفظة جيبة كي يخرج الأجرة والغريب أنه وجد نقودًا كثيرة تملئ محفظته لا يدري من أين جاءت؟؟؟؟؟؟
ابتلع ريقه وبعث الأجرة للسائق وظل ذهنه طيلة الطريق مشغولًا منتظرًا كي يهبط ويبدأ بِعد تلك النقود…
دقائق مرت حتى هبط من العربة و ولج الصيدلية…تبادل التحية مع شريكته في العمل….واستغل انشغالها مع إحدى الزبائن وبدأ بعد النقود…فوجد الاموال تطابق المبلغ الذي يريده كي يسدد جمعيته هذا الشهر….
لاحت بسمة خفيفة على ثغره وأدرك بالحال فاعلها متمتم بخفوت:
-خليل….وعابد….
************
-مامي…مامي…استني خدينا معاكي…
التفتت علياء ترمق ابنتها التي انصاعت لأبيها وابدلت ملابسها والآن تصرخ بأسمها…وسرعان ما دهشت من تواجد ثراء رفقتها واقترابهم منها….
وقف الأثنان أمامها وأردفت “وئام” ببسمة:
-أنا وثراء عايزين نيجي مع حضرتك انهاردة ممكن ؟؟؟؟
أوشكت “علياء” على الرفض خاصة بعد ما فعلته وئام أمس…لكنها عادت تترجاها هاتفة بنبرة شبه متوسلة:
-بليز يا مامي….في حاجة حصلت امبارح وانا مقولتش لحضرتك عليها…وعايزة اعرفك بيها…
-حاجة إيه؟؟؟؟
-لما نوصل هقولك كل حاجة…وبعدين ثراء زهقانة وانا زهقت هنروح ونيجي مع بعض…مفيهاش حاجة يعني….
انتهت مصوبة نظرة نحو اختها التي أدركت مغزى تلك النظرة ألا وهو تأيدها وتأكيد ضجرهم بالمنزل:
-أيوة يا مامي… احنا زهقنا…
وبعد إلحاح منهم استجابت لهم علياء وتحركا سويًا نحو صالون التجميل……..
**************
ارتفعت نبرة “عفاف” المتذمرة بأرجاء المنزل عقب أدركها بأنه سيكون باستطاعته جلب منزل الزوجية وتجهيزه….
-يعني إيه ابوه ساعده…..طيب ابوه موجود وساعده دلوقتي تضمني منين أنه يبقى موجود بعدين…وبعدين هي مشكلتي الشقة بس؟؟؟؟ ده مش هيعرف يصرف عليكي….سبيه قبل ما تدبسي…..
-لا……
ردت “زينة” بتحدي…فضربت عفاف على صدرها متصنعة صدمتها متمتمة:
-لا…بتقولي لأمك لا…بيعصيكي عليا ابن دلال من دلوقتي….
انفعلت تلك المرة وردت بغضب مفرط:
-لا يا ماما مش بيعصيني ولا حاجة…بس أنتِ كلامك بيشتتني….ك
قاطعتها والدتها متابعة :
-بيشتتك عشان صح… ومدام بتفكري واتشتتي يبقى أنتِ كمان مش راضية عن الجوازة دي…بس بتحاولي تقنعي نفسك انك راضية ومبسوطة…يا بنتي دي خطوبة مش جواز سبيه دلوقتي احسن ما تسيبه بعد الجواز وساعتها فرصتك هتقل…..
-لا….لا….لا….ولو اتكلمتي تاني معايا في الموضوع ده يا ماما متزعليش مني…..
تركتها ودخلت غرفتها فصرخت بها:
-لا والنبي تعالي الطشيني قلمين أحسن..مينفعش كدة…..وبعدين أنتِ منزلتيش الشغل ليه يختي…
لم تجيب عليها وتركتها تثرثر مع ذاتها…وتلقي سباب لاذع في حق كل من “أشرف” وعائلته بأكملها…..
************
وصل “عابد” الصالون وبدأ على الفور بمباشرة عمله متجاهلًا نظرات “فاتن” تمامًا مندهشًا من تلك البسمة اللعوبة التي ترسمها على وجهها وكأنها قد فعلت شيء…ومن حين لآخر كانت ترتكز حدقتاه على الباب..منتظرًا مجيئها على أحر من الجمر…ولايدري سبب انتظاره ذلك!!!!!!!
نهر ذاته وعنفها على انشغاله بها..وألهى نفسه بالعمل…..
بعد نصف ساعة تقريبًا ..
وصلت علياء الصالون وخلفها كلا من “ثراء” و “وئام”….
أعتصرت “فاتن” جفونها وجزت على فكيها بغيظ ما أن رأتها من جديد…وهي من ظنت بأن علياء ستعاقبها على خروجها مع عابد…
أما عابد وبدون أن يدري ابتسم بسمة جانبية سعيدًا بحضورها و رؤيتها اليوم…
شعرت “وئام” بنظراته المصوبة نحوها فلم تترد لحظة واحدة بتعليق عيناها به خاصة عندما مرت من جواره…وابتسمت له…وليتها لم تفعل…..فقد أطاحت تلك البسمة الأنثوية التي تشع جاذبية ودلال برجولته…
انتبهت “ثراء” التي تسير جوارها لما حدث بينهم من تبادل نظرات.. وابتسامات…فـ مالت على أختها وهمست بخفوت مستغلة انشغال والدتها بالتحيات التي تلقي عليها من العاملين والعاملات مرحبين بتواجدها اليوم……
-هو في إيه بضبط؟؟؟
انزوى ما بين حاجبي “وئام” وقالت مستفهمة:
-مش فهماكي…
ابتسمت “ثراء” موضحة:
-يعني نظرات وحركات أنتِ والولد ده ايه الحكاية انتِ بتحبي من ورايا ولا إيه…
استنكرت “وئام ” ما تقوله مرددة بنبرة سريعة:
-أنت اتجننتي ولا إيه…انا هحب ده !!!! ليه اتجننت ولا إيه….
انتبهت لوالدتها التي انتهت و تحركت نحو غرفتها…فقام بالخطي بتعجل نحو “فاتن” وقالت بنبرة ساخرة:
-مالك…زعلانة ولا إيه اني جيت…أنتِ نسيتي أنه مُلك ماما وأنا من حقي اروح واجي براحتي…وعشان تبقي عارفة اللي عملتيه امبارح ده مش هيجني شره غيرك….اصلك وقعتي في أشر واحدة من بنات عيلة الحلواني وقررتي تلعبي معاها…وانا بقى هوريكي يعني إيه لعب…وانهاردة اول خطوة..ترقبي اللي هيحصل يا بيبي……..
انتهت غامزة لها تاركة إياها بدقات عالية و وجه انسحبت منه الدماء….بينما لحقت ثراء التي لاتفقه أي شيء……
**************
استيقظ “جابر” للتو….فاليوم هو اليوم الأول في عمله الجديد…متمنيًا أن يأتي إليه عددًا لا بأس به من طلاب الحي….
بحث عن والدته بعيناه وسرعان ما وصل إليه صوتها وهي تثرثر بالهاتف مثل عادتها…
حك رأسه بعشوائيه…وتحرك نحو المطبخ الذي يأتي منه صوتها….
“لا..ده طلع جه بدري بس طلع قعد على السطح…ما أنا اصلي مانمتش استنيته كان لازم اعرف العقربة حماته عملت معاه إيه…بس قعدتي جت بالفاضي يا نجلاء ومرديش ينطق ولا يقول حاجة..بس شكله كان باين عليه مضايق أنا عارفة ابني…اكيد عفاف اللي ربنا هيسخطها قرد عملتله حاجة والواد نضال وخليل وعابد اللي ينشكوا مردوش يقولوا حاجة……”
جاءها صوت “جابر” مردد:
-أنا جعان ياما….هتفطريني…ولا الواحد ينزل اول يوم شغل جعان….
التفتت له “دلال” بلهفة وسرعان ما ابتسمت له مغلقة مع شقيقتها…
-طب اقفلي يا نجلاء هأكل ابني حبيبي..اللي رافع رأسي….واكلمك تاني….
أغلقت مقتربة منه مربته على صدره بكفها متساءلة:
-تحب تأكل ايه يا قلب امك؟
التفت “جابر” حوله وهو يحك رأسه مردد بشك:
-قلب أمه دي ليا أنا…..
-طبعا ده انت حبيب قلبي…أنت اللي في ولادي كلهم…ادب إيه..واخلاق ايه…والأهم من ده كله مش بتكدب ولا بتخبي على امك حبيبتك حاجة….
ابتلع ريقه وأدرك على الفور ما تريده فقال متهربًا:
-طب هدخل استحمى وانزل اشوف كام واحد حجز من امبارح للنهاردة عندي…
كاد يغادر لتجذبه بعنفوان من ملابسه صارخة به:
-مفيش حموم….
رد باستجابة ويوشك على المغادرة من جديد:
-طب خلاص مش مشكلة هنزلهم وانا ريحتي معفنة….
جذبته لها مرة أخرى مرددة بنبرة قد ابدلتها تماما وجعلتها هادئة حنونة:
-لا يا قلب امك مينفعش…انا هحضرلك الفطار..عقبال ما تستحمى وبعدين هتقعد تأكل وتحكي لأمك على الحيزبونة اللي اسمها عفاف عملت ايه مع اخوك امبارح خلاه راجع مهموم كدة…..
بلل شفتاه وحاول إيجاد كذبه تجعله يفلت منها فقال بصراحة مطلقة:
-بصراحة كدة بقى ياما أشرف حذرنا منقولكيش ولا نجبلك سيرة..يرضيكي يعني افشي اسراره…تعرفي عني كدة؟؟؟
انتشلت سكين من أعلى المطبخ وقالت بشراسة:
-آه يرضيني…ما أنت يا تقول وتعترف…يا تترحم على نفسك….
اخفض يداها التي تحمل سكين مردد بخوف:
-اهدي ياما الشيطان شاطر وبيبقى واقف على حافة السكينة..أيرضيكي أن أموت وافقد الحياة وانا لا أزال شابًا…..لم يدخل دنيا بعد…!!!!
-يرضيني عادي…ده انا هريح الناس منك…قول يا ولا…..
رد مبتلعًا ريقه:
-شوفيلك حد غيري مش هتكلم ولو على رقبتي…انا فدا أخويا…اموت ولا اني افشي سره ابدا….
بعد مضي بعض الوقت…
ابتلع ما بفوه من طعام وقال:
-الولية بقى الحيزبونة سدت نفس اشرف عن الأكل واتجننت اول ما عرفت انه هيشتغل في صيدلية وليه وليه يشتغل في صيدلية ومنظر بنتها هيبقى ايه قد زمايلها لما يعرفوا أنه شغال في صيدلية وهي دكتورة..تقوليشي هي الدكتورة الوحيدة في البلد…وقعدت تسم في بدن أشرف وتعايره أنه مش لاقي شغلانه ثابتة..ويا يلاقي شغل ثابت…يا يسيب بنتها الدكتورة…..
كاد يحول أنظاره من أعلى الطعام لوالدته..لكن لم يلحق..فقد هبت “دلال” من جلستها والجة غرفتها مرتدية عبائتها السوداء الواسعة واضعة حجابها على خصلاتها…ثم خرجت من الغرفة أمامه..فقال مستفسرًا:
-رايحة فين ؟؟؟؟
-رايحة أربيها بنت الجزمة…بقى أنا ابني مش عجبها….انا هوريهم وحياتكم عندي ما أنا ساكتة وهفرجها……!!!!!!!
__يتبع__
فاطمة محمد.
الفصل طويل تفاعل حلو بقى وقولولي رأيكم وتوقعاتكم للي جاي ❤️💫
الفصل التالي: اضغط هنا
يتبع.. (رواية كارثة الحي الشعبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.