رواية عازف بنيران قلبي الفصل السابع عشر 17 – بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي – الفصل السابع عشر

البارت السابع عشر

البارت السابع عشر

اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك

وكيف لي أن أخبرك .!!

عن تعب قلبي عندما أفتقد حديثك ..

لن أقول إشتقت لگ

لكنني سأكتفي بكتابة….

ينقصني أنت  ل أكون أنا، حبيبي كيف أقول لك أن:

‏الرحيل و اللقاء…

كلمتان متساويتان في عدد الأحرف فكل منهما يحدث ضجة بنفس الحجم في القلب ….

لكن في اتجاهين مختلفين….

فالرحيل… يبقي مؤلم حتى اللقاء…

واللقاء… يبقي مفرح حتى الرحيل…

فكل من ذاق حلاوة اللقاء… لم يسلم من مر الرحيل…

وبين هذا وذاك.. تبقى غصه في القلب

❈-❈-❈

خرج متحركًا وخطواته تأكل الأرض كالنيران التي تلتهم سنابل القمح، توقف نوح أمامه الذي وصل للتو:

-راكان إيه اللي حصل؟..لسة عارف من يونس..

سحب نفسًا طويلًا ثم طرده يمسح على وجهه بغضب:

-تعبت أمبارح مع نزيف وجبتها وجيت بقالنا حوالي عشر ساعات، والحمد لله يونس والدكتورة طمنوني..

شعور مقيت داخله حينما تذكر ماقاله الطبيب منذ قليل، جعل دقات قلبه تتقاذف بين ضلوعه تحرقها، فأطبق على جفنيه قائلًا:

-الدكتور بيقول فيه حاجة أخدتها سبِّبت النزيف، وكان ممكن نخسرها أو نخسر البيبي..

كان يناظر نوح بهدوء يتنافى مع ضجيج قلبه، ماذا عليه يفعل..قاطعه كلمات نوح:

-ناوي على إيه؟!

استند على الجدار خلفه يعقد ذراعيه:

-أنا مخصصلها واحدة لأكلها وشربها يانوح، واحدة واثق فيها مليون المية، دي معلهاش غبار، أنا كنت هحط كاميرا في أوضتها لكن حستها مش كويسة، دي مهما كانت لسة غريبة عليا..

أظلمت عيناه وارتسم بها نظرة قاسية:

-لو اتأكدت إن هي اللي حاولت تقتل الولد، صدقني وقتها حبي ليها هحوله لجحيم..

هز نوح رأسه رافضًا حديثه:

-لا، مستحيل ليلى تعمل كدا؟!  متظلمهاش..

اتجه ينظر إلى الفراغ بعينينِ تقطران ألمًا وملامح يكسوها الحزن الذي تغلغل لقلبه فأردف:

– هي قالتلي قبل كدا تتمنى تموت ولا تتحوزني يانوح، إنت عارف معناه إيه، يارب المرادي تخيب ظني..

اقترب نوح يربت على كتفه:

-دا كلام ياراكان، ليلى بتحبك..

تحدث من بين أسنانه قائلًا:

-كان يانوح، دي مش طيقاني، وكل شوية ابعد كأني عدوها..

راكان ليلى مش نورسين ولا غيرها عشان تاخدك بالأحضان، وإنت عارف تربية ليلى غير البنات اللي نعرفهم، وعندها دينها أهم حاجة..

معتقدش هتخليك تقرب منها حتى لو بتموت فيك، يارب تفهم كلامي، أنا ابن خالتها وبيكون في حدود بينا، تخيل كدا إنت بقى هيكون إيه..

تحرك متجهًا لغرفتها:

-روح وبعدين نتكلم، كدا كدا إحنا هنمشي، لازم أعرف مين اللي بيحاول يموِّت الولد، لولا عارف تعلق جدي بالولد كنت قولت هو، دا مستني الولد قبل أمي نفسها..

أوقفه نوح قائلًا:

-أسما عندها..أومأ رأسه وتحرك للغرفة..

عند ليلى قبل قليل..

وصلت سيلين إليها، فتحت الباب وهي تنظر بالداخل:

-ممكن أدخل ياأم الولد، ابتسمت ليلى لها وهي تشير بيديها بتعب:

-تعالي ياعمتو، دلفت للداخل تطالعها بنظراتٍ تقيمية، لا دا لولا قمر والله ياناس، ثم رفعت الهاتف:

-مامي ليلى كويسة وافتحي الفيديو ياحبيبتي عشان تكلميها، تناولت الهاتف من سيلين ثم تحدثت:

-ماما زينب أنا كويسة وهجي بعد شوية متخافيش حفيدك كويس..

على الجانب الآخر بكت زينب بنشيج أمٍّ ملكومة:

-صحيح ياليلى، يعني الولد كويس ياحبيبتي، يعني هشوف سليم الصغير؟..

انزلقت عبرة على وجنتيها وأجابتها:

-متخافيش مستعدة أفقد حياتي عشان ابنه يجي لوش الدنيا ياماما، مستحيل أخليكي تحزني مرتين، ادعيلنا إنتِ بس ياستِّ الكل..

دلفت أسما وهي تتحدث مع زينب، وبعد إغلاقها، توجهت إليها:

-ليلى ألف سلامة عليكي يا حبيبتي كدا مش تعرفيني..

ابتسمت بهدوء وهي تضع كفيها على أحشائها:

-الحمد لله كله عدى ياأسما، ساعدتها سيلين في تغيير ثيابها بعد دلوفها للمرحاض، مع وضع حجابها، نظرت ليلى لها:

-مالك ياسيلي، فيه حاجة مزعلاكي؟..

وزعت نظرها بينها وبين أسما:

-ماما من وقت ماعرفت وهي مش مبطلة عياط، أنا خايفة عليها قوي..

سحبتها ليلى وأجلستها بجوارها:

-عايزة أقولك أنا كنت هموت عليه، ابني دلوقتي أغلى من حياتي، صدقيني ياسيلين لو خيروني بينه وبين حياتي هختاره هو..

ازدردت ريقها بصعوبة تستجمع الكلمات التي جفت على طرف لسانها:

-بتمنى يكون شبه سليم، اتجهت أسما تجلس بمحاذاتها وتدقق النظر في مقلتيها قائلة:

-ربنا يباركلك فيه حبيبتي ويقر عينك بيه، والمهم يكون ذرية كويسة تفتخري بيه..

أومأت رأسها دون حديث واتجهوا بنظراتهم إلى سيلين التي وقفت تنظر في هاتفها بذهول..

تساءلت ليلى، مالك ياسيلي، إيه اللي شوفتيه مخليك متصنمة كدا؟..

قطبت جبينها وتحدثت ومازالت تحت الصدمة:

-هو مش المفروض إنتِ وأبيه راكان هتتجوزوا، طيب إزاي نورسين منزلة خبر خطوبتها منه لا وكمان متصورة بخاتم الخطوبة، إزاي أبيه راكان يعمل حاجة زي كدا؟!..

شعرت بالدوار يضرب رأسها بالإضافة إلى تهدل ذراعيها بعدما رأت صورتهم التي أنزلتها نورسين بمشاركة راكان..

نهضت أسما تجذب الهاتف من سيلين، عندما وجدت تبدل ملامح ليلى وشحوبها:

-تلاقي نورسين بتقول أي كلام، هنا تذكرت حديثه، ابتلعت ريقها بصعوبة:

-لا الكلام حقيقي، أخوكي قالي إنه هيتجوزها، أنا وهو مستحيل يكون بينا جواز حقيقي..

رفعت نظرها إلى سيلين بعينيها المترقرقة بالدموع:

-متزعليش مني، بس راكان دا مش الانسان اللي أمنله على حياتي، وعايزاكي تتأكدي،

هو لو هيتجوزني هيكون بالغصب عني، ومضطرة أوافق عشان ابني،

انزلقت دموعها بالعجز وأكملت:

-الشخص دا أكتر واحد كرهته في حياتي، وكل ماأتخيل إن هيربطني بيه حاجة بتمنى الموت..

شهقات خرجت من فمها كلما تذكرت صورته مع تلك النورسين وأكملت ماشطر قلبه لنصفين وهو بالخارج:

-لو بإيدي كنت قتلته واتخلصت منه على جبروته، ماهو مش معقول بعد ماأكون مرات الباشمهندس سليم، اسمي يرتبط بواحد زي راكان دا، ولو بإيدي أخلَّص عليه عشان ماتربطنيش بيه حاجة..

قالتها بأنين حطم قلبها وعبراتها تنسدل بقوة عبر وجنتيها حتى تمنت الموت..

قبل قليل وصل راكان إلى نوح قائلًا:

-هعرف مين عايز يموِّت ابن سليم، لو مش ليلى ليها يد يبقى مفيش غيرها مرات عمي بتنتقم، لازم أتأكد، وهعرف وقتها..قالها متحركًا متجهًا إليها..

رفع يديه للطرق على باب الغرفة ولكنه استمع ماشطر قلبه نصفين من حديثها..

لحظات بل دقائق معدودة، ابتلع غصة مريرة ونبرة تقطر وجعًا:

-ليه ياليلى؟! ليه شايفاني وحش كدا؟!

تراجع للخلف بهدوء حينما شعر بفقدان وعيه من كلماتها التي اخترقت روحه، شعر بانقباض ضلوعه داخل صدره، بل نيران تحرقه بالكامل..

تحرك سريعًا قبل أن يراه أحد، ظل يتحرك بسرعةٍ جنونية ورغم خطواته السريعة إلا أنها متعثرة، لم يعلم أين يسير وأين يتجه، طابق فوق الآخر حتى وصل إلى سطح المشفى، وهو لم يشعر بكمِّ الطوابق التي صعدها..

كتم صرخة مهتاجة بآلامه شقت صدره، هو يملس على صدره حينما شعر بكم آلامه..

وقف بأنفاسٍ متسارعة كمتسابق لمارثون من الكيلومترات، دمعة خائنة انزلقت بجوار جفنيه بعدما حاول السيطرة على نفسه بألا يضعف مرةً أخرى، ولكن شعوره بضعف قلبه وانهياره جعله يشعر بضعف الدنيا أمامه..

سقط كمن تلقى ضربةً موجعة اخترقت صميم قلبه حتى شعر بتوقف نبضه..

آآآهة صرخة خرجت من أعماق روحه قائلًا لنفسه بعتابٍ من قلبه الذي تمادى على شخصيته:

-إنت تستاهل، اللي يخلي واحدة ست تعمل فيك كدا، غبي وضعيف، حب إيه اللي يعمل كدا!..

دقائق وهو بتلك الحالة حتى استمع إلى رنين هاتفه، نظر للهاتف محاولًا السيطرة على نفسه:

-أيوة يايونس؟..

على الجانب الآخر تساءل يونس:

-راكان إنت في؟.. أنا روحت أوضة ليلى وإنت مش موجود..

أطبق على جفنيه بألمٍ يعتصر عيناه قائلًا:

-نزلوها تحت وأنا كنت في مشوار، شوية وجاي، هستناكم تحت..

قطب يونس جبينه متسائلًا:

-راكان إنت كويس؟! صوتك بيقول فيه حاجة، راكان عرفت مين حاول ينزل الولد؟..

-لا لسة معرفتش، ياله أنا مستنيكم تحت..

نظر يونس إلى نوح باندهاش قائلًا:

-دا بيقول نزلوها تحت، تفتكر صدق إنها هي اللي حاولت تنزل الولد؟..

هز نوح رأسه رافضًا حديثه:

-لا مش معقول دا يبقى اتجنن رسمي، هو لسة قايلي هتأكد منها، واللي عرفته إنه مجاش عندها..

لا فيه حاجة تانية حصلت معاه توصله إنه ميجيش ينزلها، لدرجة يقولك هاتها، مش راكان.دلف نوح إليهم يوزع نظراته:

-متأكدين راكان مجاش هنا؟..

-لا ياأبيه هو قابلني برة، ومن وقتها مشفتوش..

نظر لليلى التي تنظر في شرود، وعيناها الذابلة:

-ليلى هتقدري تمشي، ياله عشان نوصلك..

رفعت نظرها إليه بحزن، وتساءلت بعينها:

-أين هو؟! اقترب نوح يساعدها على الوقوف بمساعدة أسما هامسًا لها:

-هو تحت، مستنيكِ، نهضت ثم جلست على المقعد المتحرك للخروج بها..

وصلت للأسفل، في أثناء هبوطه من مبنى المشفى، استقل السيارة دون التوجه إليها  بنظره..

فتح يونس الباب الأمامي حتى تركب ولكن قاطعه راكان:

-ركبها ورا عشان تاخد راحتها، قالها وهو ينظر أمام.

ذُهل يونس من جموده الذي ظهر على وجهه، وعيناه التي أخفاها بنظارته السوداء..

رفعت ليلى نظرها إلى نوح:

-نوح وصلني، شكلي تقلت على حضرة النايب، بس عايزة أقوله، أنا مكنتش هركب جنبه..

كانت النيران مازالت مشتعلة بصدره،  حتى أصبحت عيناهُ بلون نيرانه فتحدث:

-خلاص اقفل يايونس، وخلي نوح يجبها، أنا هسبقكم، قالها وهو يتحرك بسيارته دون حديثٍ آخر..

صدمة أصابت الجميع مما فعله،  نظرت أسما إلى نوح بصدمة قائلة:

-هو فيه إيه؟!

جلس نوح أمام ليلى التي بكت بنشيج من أفعاله:

-ليلى متزعليش منه، إنتِ متعرفيش إيه اللي حصل، راكان مفكرك إنك اللي حاولتي تجهضي نفسك، بعد ماعرفوا الإجهاض بفعل فاعل..

هزة عنيفة أصابت جسدها وشعرت بانهيار عالمها، لم تستمع لباقي حديث نوح إلا من كلماته:

-شاكك فيا يعني ممكن توصل بيه أنه يفكرني مجرمة وأقتل ابني!..لم تشعر بأحدٍ حولها، تساقطت دموعها بشهقاتٍ مرتفعة، حتى ضمتها أسما  تنظر بحزن إلى نوح:

-ودا معقول إنها عايزة تقتل ابنها برضو..

دقق نوح النظر إليها:

-مش إنتِ اللي قولتي له، بتمنى أموت وابني يموت ولا أتجوز واحد زيك؟..

تجمدت بجلوسها وشعرت للحظة برغبتها في التلاشي، فلم تعد تتحمل كلمة أخرى، يكفيها ماعانته منذ معرفته..

بعد قليل وصلوا إلى قصر البنداري..

ترجلت ببطء، كانت تنتظرهم زينب بمقعدها المتحرك على أعتاب الباب الداخلي للقصر، وصلت ليلى إليها بمساندة أسما وسيلين..

طالعتها زينب بعينيها المغرورقتين بالدموع:

-عاملة إيه ياحبيبتي؟! والجنين عامل إيه؟..

أومأت برأسها حينما شعرت بعدم قدرتها على الحديث، فأجابتها سيلين:

-ماما، ليلى كويسة، ممكن تسبيها ترتاح وبعد كدا نتكلم، دلفت إلى المصعد جسدًا بلا روح..حتى وصلت غرفتها.

❈-❈-❈

مساء اليوم بمزرعة نوح..

دلف للداخل يبحث بعينيه عليها، وجدها تقوم بإعداد مائدة الطعام، وضع أمامها صندوق كبير وبجواره علبة صغيرة..

رفعت نظرها إليه وتساءلت:

– إيه دا ياحبيبي؟!

اقترب، ثم طبع قبلةً على جبينها قائلًا:

-افتحيه وإنتِ تعرفي، قامت بفتحه وإذ بها تضع كفيها على فمها من الذهول:

-فستان فرح!! إحنا هنعمل فرح، اقترب يحاوط خصرها رافعًا ذقنها:

– أنا آسف حبيبتي، كان لازم أعملك فرح، جهزي نفسك هنعمل حفلة صغيرة، ولو عايزة تعرَّفي مامتك وأختك معنديش مانع..

احتضنت كفه ورفعت عينيها المترقرقة بعبراتها:

-نوح أنا بحبك قوي، ضمها لأحضانه وطبع قبلةً على خصلاتها:

-وأنا بعشقك ياقلب نوح.

بفيلا خالد البنداري..

استيقظ يونس بعد عدة ساعات استغرقها بالنوم، بسبب سهره بمشفاه الخاصة ليلة أمس..

هبط للأسفل بعد روتينه اليومي،  قابلته أخته سلمى:

-أخيرًا صحيت، إحنا فكرناك مغمي عليك..

تحرك للخارج ولكنه توقف عندما تساءلت:

-يونس، هو حمزة معدش بيجي عندنا ليه؟!

استدار مضيقًا عينيه:

-وإنتِ يخصك في إيه؟! رجع إليها بخطوة ووقف أمامها:

-سلمى حبيبتي انسي حمزة، هو خلاص لقي البنت اللي هيكمل معاها حياته..

جحظت عيناها ودمعاتها التي انسدلت على وجنتيها فجأة فهمست:

-بتقول إيه؟! خطب حمزة خطب غيري!!.

احتضن وجهها وأردف:

-حبيبتي ليه جاية تندمي دلوقتي؟!..

مش دا حمزة اللي قولت مبشوفش غير إنه أخ..

وضعت كفها على فمها لتمنع شهقاتها وتحركت سريعًا من أمامه، صدمة أصابته، وقف ينظر إلى تحركها بذهول:

-إيه اللي حصل ياسلمى، ياترى ليه دلوقتي حمزة عجبك، الموضوع دا مش مريحني..

تنهد بألمٍ متجهًا لقصر عمه الذي بجوارهم، قابلته درة تدلف من البوابة الرئيسية:

-مساء الخير يادكتور.

أومأ رأسه بابتسامة:

-عاملة إيه باشمهندسة؟..

نظرت للأسفل وأجابته:

-الحمد لله، بعد إذنك رايحة أشوف ليلى..

أومأ برأسه، فتحركت من أمامه، وقف وقام بإشعال سيجارة، ينفثها وينظر لمكان تحركها..

-تستاهل ياحمزة، صبرت ونولت ياصاحبي.

جز على شفتيه ورفع هاتفه بابتسامة تسلية:

-عامل إيه يانص متر؟..على الجانب الآخر:

-أهلًا بدكتور الستات.

قهقه يونس بعدما جلس على الاريكة في الحديقة:

-عقبالك لما أنثاك توقع تحت إيدي..

-ولا..اتجننت ولا إيه هو أنا اهبل عشان أخلي مراتي تروح لواحد فاشل زيك، دا إنت أخرك تضرب سرنجة عضل..

رفع حاجبه وتحدث:

-لا والله أنا فاشل، غيرك قالي قبل كدا، وإمبارح كان هيتجنن وأول واحد فكر فيه العبد لله.

قطب حمزة مابين حاجبيه متسائلًا:

-قصدك راكان، ليه إيه اللي حصل؟!

وضع ساقًا فوق الأخرى وهو يقهقه:

-كان نفسي أصوره وأبعتهولك، شوفت المجنون اللي هرب من مستشفى المجانين..

نهض حمزة وصاح فيه بغضب:

-إنت واحد مجنون يابني، وليلى حصلها حاجة؟..

توقف يونس متجهًا لسيلين التي ترجلت من سيارتها:

-كويسة وروحت، وحبيبة القلب هنا، جاية تزور أختها.

زفر حمزة بغضب قائلًا:

-عارف قالتلي رايحة أشوف ليلى، لكن مقالتش إنها تعبانة، أغلق يونس واتجه سريعًا إلى سيلين بعدما قال له:

– تمام تعال وصلها يابغل بدل ماتروح لوحدها..

دلف سريعًا خلف سيلين ثم جذبها بقوة، حتى أصبحت بأحضانه:

-دفعته بقوة وصاحت بغضب:

-ميت مرة أقولك بلاش تبقى قليل أدب كدا، مش مشكلتي إنك هلاس..

خرج راكان من مكتبه على صوت صرخات أخته، وقف يوزع نظراته بينهما، فهو في حالة لا تنم إلا على الغضب..

دفعها يونس اتجاه راكان، ودلف يجذبها لداخل المكتب، وهو يصيح بغضبٍ أمام راكان:

-البت دي كانت فين؟..هي معندهاش جامعة النهاردة..

جلس راكان على مكتبه واضعًا رأسه بين كفيه..

عندما أسرعت سيلين تلكمه بقوة كقطةٍ شرسة:

-أوعى تفكر عشان أكبر مني بكام سنة، هكون ملزومة منك، أنا ملزومة من أخويا وأبويا، إنت مالكش دعوة..

جذبها من خصلاتها ودفعها يلكمها بقوة بالحائط:

-لمي نفسك يابت، هو عشان أنا ساكت هتسوقي فيها، وحياة ربي أدفنك في سابع أرض..

نظرت إلى راكان بعينيها الباكية من عنف يونس إليها، ولكنه كان مازال واضعًا رأسه بين كفيه، فهمست بصوتٍ مفعم بالبكاء:

-سايبه يهين فيا وإنت قاعد، طيب لما بيعمل كدا وإنت موجود، هيعمل إيه وإنتَ مش موجود..

رفع نظره إلى يونس وتحدث بهدوء رغم نيران قلبه المشتعلة:

-يونس، سبها، ثم اتجه بنظره لأخته:

-اطلعي أوضتك، بعدين نتكلم، تركها يونس وهو يرمقها بنظراتٍ جحيمية..

بعدما اقترب يهمس لها بصوتٍ كفحيح أفعى:

-هموتك لو شوفتك قريبة من أي جنس مذكور إنه ذكر، حبيبتي الجميلة..

تحركت سريعًا من أمامه وشهقاتها بالارتفاع، اتجه يونس إلى راكان يدقق النظر بملامحه:

-مالك ياراكان، من وقت ماعرفت نتيجة التحليل، وإنت متغير، هو إنت عرفت مين عمل كدا؟..

فتح الكاميرا التي أمامه ووجهها إلى يونس:

-محدش طلعلها غير والدتك، هب فزعا كالملدوغ:

-اتجننت ياراكان، إنتَ عارف بتقول إيه؟!.

ماما مستحيل تعمل كدا.

نهض راكان متجهًا للنافذة ينظر بالخارج، وكأن الأكسجين انسحب من غرفته:

-كله هيتحاسب يايونس، أتأكد الأول، هعرف أنا لسة متكلمتش مع الباشمهندسة..

اتجه يقف بجواره يرمقه متسائلًا:

-باشمهندسة؟! إنت حكايتك إيه يابني، مرة تقولِّي أمي، ومرة تشك في ليلى..

-امشي دلوقتي يايونس مش عايز أتكلم مع حد.

استدار له بجسده فتحدث:

-عايز أفحص ليلى، وأطمن عليها، كان المفروض أكون شوفتها من ساعة، بس نمت من التعب.

تحرك معه للأعلى مرتديًا نظارته الشمسية، توقف يونس أمامه:

-بعد ماأطمن عليها لازم تحكي لي كل حاجة.

تحرك دون حديث، صعد للأعلى، دلفا بعد الطرق..

كانت تخرج من مرحاضها بمساعدة أختها، تعثرت بخطواتها حينما وجدته بغرفتها، لولا أيدي يونس الذي تلقفها ودرة من جانبٍ آخر..

-مدام ليلى خلي بالك، نزلت ببصرها بعيدًا عنه تهز رأسها وتحركت لمخدعها..

-شكرًا لحضرتك، قالتها بألمٍ حينما توجه راكان للشرفة:

-خلص كشف يايونس، معاك الباشمهندسة درة لو محتاج حاجة..

أطبقت على جفنيها، وتسطحت بمساعدة أختها:

-أنا هكشف مبدئي ضغط، ونبض، لكن طبعًا بكرة لازم تروحي تراجعي سونار..

بعد قليل انتهى من كشفه قائلًا:

-عال العال، نسيت أسألك ناوية تسمي زعبولة إيه؟..تساءلت درة بابتسامة:

-هي هتجيب ولد؟..هز رأسه بابتسامته الخلابة ونظر بالخارج إلى راكان الذي ينفث تبغه بغضب:

-أيوة هتجيب ولد، وأتمنى مايكونش نرفوز زي عمه..

اتجهت بنظهرها سريعًا إلى يونس :

-وهو يطلع شبه عمه ليه، وصل راكان على حديثها فابتسم بسخرية وأجابها:

-لا طبعا لازم يطلع محترم لأبوه، معقول بعد سليم الباشمهندس المحترم هيطلع لعمه الحقير بتاع الستات..

اقترب يرمقها بنظراتٍ لو تقتل لأوقعتها صريعة قائلًا:

-صدقيني لا إنتِ ولا ابنك حتى تهموني، وخليكي فاكرة إن وقوفي معاكي ومع ابنك عشان خاطر أخويا وأمي، أما لو عليا مش هبص في وشك، مش عشان الجميلة معجبتنيش..لا عشان تفضلي ليلى هانم المحترمة اللي مبتعرفش غير المحترمين، أما أنا واحد حقير وزي ماقولتي كل حياتي باطل في باطل يامدام.

اقترب يونس حينما وجده خرج عن سيطرته:

-راكان اهدى، إحنا بنهزر.

دفع يونس بعيدًا عنه قائلًا بصوت جهوري حتى وصلت والدته على أثره:

-إيه شايفني مجنون، أنا برد على المدام مش أكتر، متحاولش تقرب مني ولا ليها دعوة بحياتي، بدل حياتي هتفضحها..

قطع حديثه على صوت والدته:

-راكان..صاحت بها زينب.

تحرك متجهًا لوالدته وجلس بمقابلتها ثم رفع كفيها يقبله:

– ماما عاملة إيه، نظرت إليه بتقييم، ثم رفعت نظرها إلى ليلى:

-بتزعق ليه مع ليلى؟! توقف يضع يديه بجيب بنطاله قائلًا بهدوء:

-آسف ياستِّ الكل، مش هقدر أحقق لك رغبتك، وأتجوز أرملة أخويا، شوفي حد تاني، يونس مش غريب عن العيلة، وحتى لو يونس موافقش، متخافيش محدش يقدر يقرب من حفيدك ويحرمك منه، لكن أنا هتجوز واحدة تانية..

قالها ثم نهض سريعًا متجهًا للخارج، صاحت زينب تناديه، ولكنه اختفى:

-الحق ابن عمك ياحبيبي، معرفش إيه اللي حصل معاه..

أما هي، فشعرت وكأن روحها خرجت من جسدها بسبب ماقاله، وتذكرت ماقالته إلى سيلين فهمست لنفسها:

-معقول سمعنا، أطبقت على جفنيها بقوة، اقتربت زينب منها تطالعها متسائلة:

-راكان طيب يابنتي، بلاش تقسي عليه بالكلام، ميغركيش قسوته، لكن جواه طفل محتاج الإحتواء، زعلتيني ياليلى،  آه إنت غالية عليا، بس مش أغلى منه.

قالتها وخرجت متجهةً لغرفتها بمساعدة الممرضة..

ارتفعت دقات قلبها وارتجف جسدها، عندما تحدثت درة قائلة:

-حبيتي راكان واتجوزتي سليم، ودلوقتي إيه اللي بيحصل،  هو إنتِ مين!!. أنا معرفكيش..

فرت دمعة من عينيها تسيل فوق وجنتيها ببطء، فوضعت كفها المرتعش تزيلها:

-أنا أكتر واحدة ظلمت نفسي، أنا اللي كسرت قلبي وقلب واحد مالوش ذنب، ومات ومفكرني زعلانة منه، شهقة خرجت من جوفها ثم رفعت نظرها إلى أختها:

-أنا ضعت يادرة، ومش لاقية نفسي، ليلى القوية ضاعت، تفتكري دا ذنب سليم، عشان اتجوزته وقلبي مع حد تاني؟..

انتفض جسدها وازداد احمرار وجهها من البكاء:

-والله ماكان قصدي أوجع حد، حتى لما قولت لراكان عشان أوجع قلبك كان مجرد كلام، ماهو مفيش حد بيتمنى لحبيبه الوجع، قالتها بصوتٍ مفعمٍ بالبكاء..

جلست أمامها درة تنظر إليها بذهول، فجذبتها لأحضانها عندما ارتفع صوت بكاءها:

-ليلى حبيبتي اهدي، أنا مش هلومك على اللي عملتيها، لكن ليه راكان بيقول هيتجوز واحدة تانية، وهو فعلًا بيحبك ولا إيه مش فاهمة حاجة..

-درة ممكن تنامي جنبي أنا محتاجة أشعر بالراحة وللأسف مش لاقياها، للأسف قلبي وجعني على الشخص الغلط..

مسدت درة على خصلاتها وتسطحت بجوارها، وظلت تمسد على خصلاتها حتى غفت، ثم توقفت وتحركت للشرفة وقامت بمهاتفة والدتها:

-ماما، ليلى تعبانة للأسف، ونفسيتها مش تمام، هقعد معاها لبليل، وهكلمك تبعتي آسر ياخدني..

-أختك تعبانة قوي يادرة، أنا مش عارفة أسيب باباكي تعبان وآجي أشوفها..

أخذت عدة أنفاس لعلها تهدئ من حالة والدتها المرتابة:

-لا ياماما، هي كويسة حبيبتي وكمان الدكتور يونس بيقول هجيلك حفيد زي القمر، وأه ياست ماما متنسيش إن درة هتتجوز، يعني بلاش الحب كله لسيادة حفيدك..

بعد فترة أنهت اتصالها، وأجابت على حمزة الذي هاتفها عدة مرات:

-“حمزة”..قالتها بصوتها الهادي..

كان جالسًا على مكتبه يتابع قضيةً له، ولكنه أغلق ملفه وتحدث:

– عرفت الأخبار عندك مش تمام..

شعرت بوجعٍ حاد في كامل جسدها،  والألم الذي بصدرها فأجابته:

-جدًا ياحمزة، راكان صرخ في ليلى ومعرفش ليه، وكمان قال كلام مفهمتوش، إنه هيتجوز واحدة تانية..

نهض حمزة من مكانه يجمع أشيائه:

-هعرف كل حاجة حبيبي وأقولك، أنا رايح لعنده النيابة، هضطر أقفل دلوقتي ومتمشيش لما أعدي عليكي أوصلك.

هزت رأسها رافضة:

-لا، آسر هيعدي عليا، أنا قولت لماما،

قاطعها حمزة بصوتٍ صاخب:

-قولت هعدي عليكِ، واعملي حسابك بعد كدا، لا آسر ولا غيره له حكم عليكي، وأنا هتكلم مع باباكي ونشوف هنعمل إيه..

سلام بهدوء دلوقتي يادرة مش عايز اتعصب عليكِ..

باليوم التالي، ذهبت أسما لزيارة ليلى، قصت لها ليلى ماصار..

جلست ليلى بمحاذاتها:

-يبقى كلام نورسين مش صح، وأي راجل طبعًا هيسمع الكلام دا هيعمل أكتر من كدا.

قفلت جفونها بشدة تحاول أن تستوعب كلمات أسما، فهمست لها:

-هو قالي هيتجوز نورسين، يعني حقيقة ياأسما..

-وهتسيبيه يتجوزها؟..

فتحت عينيها تطالع أسما بصمت:

-عايزة مني أعمل إيه؟..أنا واحدة لسة جوزها ميت من كام شهر، وعمال يضغطوا عليها عشان تتجوز أخوه، اللي معرفش أصلًا نيته إيه، وأنا عند رأيي لو هو آخر راجل مستحيل أوافق عليه، أنا عايزة ابني وبس.

-ليلى لازم تتكلمي مع راكان، لازم تعرفي آخر اللي أنتوا فيه دا إيه، قاطع حديثهما طرقات على باب الغرفة، دلفت العاملة:

-غداكي ياهانم، وحضرة المستشار بيقولك اجهزي عشان هتروحي تكشفي.

أومأت برأسها بابتسامةٍ هادئة:

-تمام ياهدى، ممكن تحضريلي الحمام..

أومأت العاملة برأسها متجهةً لمرحاضها..

ابتسمت أسما على صديقتها بسخرية:

-ايوة فعلا باين إنك مش طيقاه، ولو آخر راجل مش هتوافقي..

توقفت أسما وسحبت طاولة الطعام:

-اتغذي حلو حبيبتي عشان متوقعيش من طولك وتضطري التنين الوحش اللي مش طايقة تشوفيه، واللي مش هتموتي وتشوفيه.

ربتت على كتفها بسخرية رافعةً حاجبها:

-يابت دا وشك ردت فيه الدموية مجرد ماعرفتي إنه هياخدك للدكتور، أومال لو اتجوزك هتعملي إيه؟..

شردت بكلمات أسما، نعم أسبوع بعيدًا عنها لم تلمحه وكأنها جسدًا بلا روح، ولكن كيف تغفر له مافعله معها، كيف تفعل لرجل مثله تعشقه تريده ولا تريده، كان شعور متقلب لا تعلم ماذا عليها فعله..

رجل رغم صلابته إلا أنه متهاون في بعض المواقف، ينهزم أمامه أعتى الرجال، ذكاء يكلله بعض الدهاء، تذكرت ماصار بينهما في المشفى، فابتسمت بغرور وتوقفت متجهة لمرحاضها..

كانت أسما تراقبها ، فتحدثت متسائلة:

-الضحكة دي وراها حاجة، ناوية على إيه، بس قبل أي حاجة عايزة أقولك الكلام اللي قولته يوم فرحك كان كله كذب، بالعكس راكان جه المزرعة وشرب كتير ليلتها، وكانت حالته صعبة جدًا، لدرجة ضرب نوح..

اقتربت منها..

أنا معرفش ليه عايز يتجوز نورسين، بس اللي متأكدة منه، إنه مجروح ومكسور من جوا ياليلى، وأوعي تفكري إني غبية ومعرفش نظرة الحب بتكون إزاي، ممكن هو عايز ياخد حق قلبه اللي كسرتيه، فبكدا يقرب من نورسين، ويعيش يومين انتقام لكرامته مش أكتر..

كانت الغيرة تتشعب بداخلها، كالنيران التي تلتهم أحشائها فابتسمت بمكر قائلة:

– تمام ياأسما.

ضيقت أسما عينيها متسائلة:

-ناوية على إيه؟!

مش حضرة المستشار خطب، مش الواجب أباركله، ولازم هدية كمان..

أطلقت أسما ضحكةً مرتفعة:

-أيوة ياواد ياجامد، أيوة كدا، مش عايزة ليلى الضعيفة محبتهاش، خدي حقك ياقلبي، وحياة ربنا ياليلى راكان بيحبك..

بعد قليل هبطت للأسفل بمساعدة أسما، تبحث عن سيلين:

-سيلين لسة مرجعتش من الجامعة؟!

تساءلت بها أسما للعاملة، قاطعهما وصول زينب:

-الله أكبر ياحبيبتي إنتِ شكلك كويس، أومأت لها بابتسامة:

-أيوة، الحمد لله خلاص ياماما دخلت في التامن اهو، ربنا يعدي الشهرين دول بسرعة..

خرج من مكتبه وهو يتحدث بهاتفه:

-قدامي ساعتين تلاتة كدا، مش عايزه يبعد عن عينك، بغضب لون ملامحه وامتزج صوته الفظ:

-لا متعملش حاجة بغباء، قول لجاسر وهو هيتصرف، تحرك أمامها بعدما رمقها بنظرةٍ متجاهلًا وجودها، فأشار للعاملة:

– هاتي للمدام شال على كتفها، لتتعب وطبعًا التعب يأثر على الولد، عايزين الولد يجي بصحة كويسة، مش كدا ياماما؟..

تشعب الغضب بجوفها فأجابته:

-محدش هيخاف على ابني أكتر مني..

تحرك للخارج وهو يبتسم بسخرية:

-أيوة طبعًا، ماهو من ريحة الغالي، حياته بتساوي حياتك..

امشي يامحمود، وكلم رئيس الحرس ياخدوا بالهم، وضعت رأسها على النافذة وهي تضع يديها على أحشائها وتنظر للذي بجوارها، ولكنه كان مشغولًا بما يفعله..

مرت عدة دقائق على الطريق، إلى أن أوقفه اصطدام سيارة الأمن أمامه، وإطلاق النيران بعشوائية حولهم..

أغلق جهازه سريعًا يتساءل:

-إيه اللي بيحصل يامحمود؟!..

استدار محمود يتحدث في سماعته:

-تمام أنا هحاول أحمي الباشا، وأنتوا اتعاملوا..

صرخ راكان عندما وجد تلك المنكمشة بجواره تناظره بخوف:

-فيه إيه يابني؟!

حرك السيارة بالاتجاه المعاكس قائلًا:

-سطو علينا ياباشا، متخافش حضرتك، إحنا بنحاول نتعامل معاهم..

طلقات عشوائية حولهم بكل مكان، وتساقط جرحى وموتى بين الفريقين، وتوقفت السيارت على الطريق..

لم يشعر بنفسه وهو يجذبها لأحضانه صارخًا:

– اتحرك بسرعة، مسح على وجهها الغارق بالدموع:

-ليلى اهدي، متخافيش أنا معاكي..

دفنت رأسها بأحضانه وهمست وهي تمسك أحشاءها:

-راكان مين الناس دي أنا خايفة، انتفض ذعرًا عندما شعر بجسدها يرتعش بين يديه..

همس بجوار أذنها:

-ليلى اهدي، خلاص بعدنا عنهم، لم يكمل حديثه، إذ وجد طلقات تخترق زجاج السيارة فضمها بكامل جسده.. حتى اخترقت رصاصة كتفه وأصيب السائق بطلقٍ ناري بصدره، أما الضابط المسؤول عن حمايته، تحكم بالسيارة التي بدأت تخترق السرعات..

مرت دقائق صعبة عليهم حتى تحكم فريق أمنه بالسيطرة، وتحكم الضابط بالسيارة وإيقافها ينظر للسائق الذي تم قتله بدمٍ بارد من الخارجين عن القانون..

ثم اتجه إلى راكان:

-حضرتك كويس؟..كان يطالع التي تضمه ببكاء وتنظر إليه بخوف، فهمس إليها وهو يبحث بعينيه عن شيء أصابها:

-ليلى إنتِ كويسة فيه حاجة بتوجعك؟..

كانت تناظره فقط، كان قريبًا منها جدًا حتى شعرت باختلاط أنفاسهم، فانسدلت عبراتها..

هز رأسه حتى لا يشعرها بالذعر قائلًا:

-أنا كويس، اعتدل واستند بظهره للخلف..

-راكان إنت كويس مش كدا؟..شعر بآلام بكتفه فهز رأسه:

-أنا كويس، نظر لبطنها:

-الولد، حاسة بحاجة؟! قالها وهو يغمض عينيه بألم، فهمس وهو يحتضن كفها:

-أنا كويس طول ماإنتِ كويسة، قالها ثم غاب عن الوعي..

جحظت عيناها من حالته فصرخت بمحمود:

-دا اتصاب!!. ودينا المستشفى بسرعة.

❈-❈-❈

بعد قليل، كانت تجلس أمام غرفة العمليات بجوار نوح ويونس الذي قامت بالاتصال عليهما..

نهضت متحركة وآلام جسدها تخترق عظامها بقوة ودموعها التي تنسدل كالشلال..

ضمتها أسما:

-بطلي عياط يابنتي، عشان اللي في بطنك، وبعدين مايونس دخل وقال دا مضروب في كتفه، يعني بسيطة إن شاء الله

خرج الطبيب، هب نوح متجهًا بجواره يونس:

-إيه الأخبار؟!

أجابهم الطبيب بعملية:

-الحمد لله خرجنا الرصاصة، هي مكانها مش خطير، حمدلله على سلامته.

تحركت بخطا بطيئة مردفة:

-ممكن أشوفه؟!

ابتسم الطبيب وأشار له أثناء خروجه:

-أكيد هو هيتنقل على أوضته، ممكن تشوفوه هناك.

بمكانٍ آخر دلف إلى مكتبه وأمسكه من عنقه:

-إنت تحاول تقتل حفيدي، قتلت واحد وجاي تخلص على التاني، لا فوق دا أنا أدفنك مكانك..

دفعه بقوة وأشار بيديه:

-أنا بحذرك ياقاسم تقرب من راكان، هفعصك تحت رجلي.

وضع قاسم يديه على عنقه محاولًا أخذ أنفاسه..

ثم نظر إلى توفيق بغضب قائلًا:

– أنا هعتبر دا من زعلك على حفيدك، ومش هعاقبك ياتوفيق، ومتنساش إن حفيدك اللي بدأ، ابني يخرج بكرة من السجن، بلاش آخد عزاه ياتوفيق..

خرج توفيق بعدما أرسل إليه نظراتٍ جحيمية..

تحرك متجهًا إلى المشفى..

بمكتب حمزة دلف إليه أحد الأشخاص وخلفه رجل ذو هيبة، صاحت بهم السكرتيرة:

لو سمحت مينفعش اللي بتعمله..

توقف حمزة يشير بيده عندما علم بهويته..

جذب مقعدًا وجلس أمامه يطالعه، ثم أخرج تبغه الغالي ينفثه؛ رجع حمزة بمقعده يستند للخلف ويطالعه بنظراتٍ هادئة رغم نيران جسده الداخلية من فعلته فأردف:

-خير، محدش يعمل كدا غير الحيوانات، قالها وهو يطالعه بغضب..

وضع الرجل ساقًا فوق الأخرى قائلًا:

-أكيد عارف أنا مين، دنا الرجل منه:

-لو حاولت تقرب من ابني تاني هموتك، ودا مش تهديد يامتر، وبعدين البنت البيئة دي متلزمناش، لو كنت جتلي كنت حليت الموضوع، أما شغل المباحث دا مش بحبه..

قالها ثم توقف وهو يرمق حمزة بسخرية:

-مش ابن عز الدين اللي يترفض، وعرَّف بنت الحواري دي ازاي ابني الدكتور هيعرف ياخد حقه..

قالها ثم خرج وخلفه أمنه الذي يحاوطونه من كافة الاتجاهات..

ظل جالسًا بمكانه ينظر بشرود خلفهم حتى قاطعه رنين هاتفه:

-حمزة، راكان انضرب بالنار وإحنا بالمستشفى..

هب فزعًا متجهًا للمشفى،دون حديث آخر..

بالمشفى دلفت إليه بجوار أسما تنظر إلى تسطحه على الفراش، انزلقت عبرة غائرة عبر وجنتيها، تضع كفيها على فمها:

-هو عامل كدا ليه ياأسما، هو هيموت وبيضحكوا عليا، ضمتها أسما لأحضانها:

-حبيبتي هو كويس أهو، هو نايم بس وهيفوق كمان شوية.

هزت رأسها رافضةً حديثها تقترب منه، جلست بجواره تنظر إليه بدموعها المنسدلة:

-حقيقي معرفش إنت بالنسبالي إيه، بقيت معرفش، بحبك ولا بكرهك ولا إيه بالظبط، لكن كل اللي أعرفه بخاف عليك، ومت رعب عليك..

فوق ياراكان عشان خاطري ووعد مني مش هزعلك بكلامي تاني.

بعد أسبوعين..

تجلس بحديقة المنزل بجاور حمام السباحة تتناول الفواكه وبجاورها سيلين تقرأ رواية:

– بقولك ياسيلي الجو حر أوي هو ممكن أخلع الحجاب..مفيش حد بيدخل الحديقة هنا عند البيسين صح؟…قطعت سيلين قراءتها وتحدثت:

– لا ياقلبي خدي راحتك..مفيش غيرنا بس اللي بيدخل هنا…راكان عامل حصار على البيسين بالذات…علشان أنا على طول بنزله فبيخاف عليا جدًا، وخصوصًا الحرس مليين المكان..

رفعت حاجبها متزامنًا مع شفتيها وتحدثت مستنكرة كلمات سيلين:

– والله..اللي يسمعك كدا مايقولش إنه ماشي مع نص بنات مصر..بجد مع إني مبحبش نورسين دي بس الصراحة صعبانة عليا…دا واحد مستحيل واحدة تتحمله.

اغلقت سيلين كتابها واستدارت لها،

دققت النظرات في ملامح وجهها.. فبعدما تحدث يونس إليها بحقيقة مشاعر راكان لليلى وهي تحاول التقريب بينهما، وخاصةً حالة الذعر التي انتابتها بعد إصابته، وكذلك هو عندما أفاق وهو يردد باسمها..

فلاش باك..

دلفت سيلين إليه سريعًا يحاوطها يونس بذراعيه:

-سيلين اهدي، راكان كويس.

بكت بشهقات وهي تردف:

-قولتلي كدا في سليم، عايزة أشوف أخويا يايونس، ولا مستني يودوه التلاجة..

خرجت ليلى على صوت بكائها، أسرعت إليها:

-قولي راكان كويس ومامتش ياليلى، قولي أخويا الوحيد عايش..

هزت ليلى رأسها

-هو كويس، ادخلي شوفيه، قالتها وهي تجلس على المقعد، وجسدها يرتعش، وتضم جسدها بيديها بعيونٍ زائغة..

-هيكون كويس هو وعدني بكدا، مش معقول هيخلف بوعده، وصلت جميع العائلة..

أمسكها توفيق بعنف:

-من وقت مادخلتي البيت دا ووشك شؤم، موِّتي واحد، والتاني هيموت كمان..

هزت رأسها تصرخ من آلامها عندما ضغط على ذراعها بقوة، حررها نوح صارخًا:

-ودي ذنبها إيه، حضرتك ناسي إن حفيدك وكيل نيابة والمعظم عايز يتخلص منه، وأولهم شريكك..

انكمشت ليلى بأحضان نوح تمسك أحشاءها وهي تبكي:

-نوح أنا ماليش دعوة يانوح، والله..

ربت على ظهرها وأجلسها بجوار أسما:

-خلي بالك منها، لما أشوف توفيق رايح للدكتور عشان إيه..

بالداخل عند سيلين..

وصلت إلى أخيها، واحتضنت كفه تقبله بدموع عينيها:

-حبيبي، راكان افتح عيونك، أوعى تسبني، راكان أنا يتيمة وأنتوا عزوتي حبيبي..

استمعت إلى همسه:

-“ليلى” ابتسمت وهي تستمع لندائه لليلى، مسدت على خصلاته:

-ليلى كويسة حبيبي، فوق إنت بس..

فتح جفونه بتثاقل وهمس مرةً أخرى باسمها..

– ليلى برة، هروح أناديها، هز رأسه رافضًا ونظر إليها:

-بتعيطي ليه حبيبتي، وضعت رأسها بأحضانه وشهقات مرتفعة:

-خفت عليك ياحبيبي، خفت أتيتم ياراكان..

رفع ذراعه السليم يمسد عليها:

-متخافيش حبيبتي لسة في العمر بقية، ومش هموت غير لما أجوزك يابت، قالها بصوتٍ متقطع متعب..

رفعت رأسها مبتسمة:

-وأشوفك إنتَ كمان أحلى عريس مع لولة اللي هتموت عليك برة، ياله قوم بسرعة..والله منهارة برة ومفيش غير راكان، راكان..

ابتسم لها وتذكر قبل إغمائه وقربها منه:

-راكان إنتَ كويس، رفعت ذراعيها تبحث بجسده عن إصابته:

-إنتَ اتصبت فين؟!

خرج من شروده عندما دلف توفيق ويونس..

❈-❈-❈

نهاية الفلاش..

نظرت سيلين إليها فغمزت بعينيها قائلة:

– غلطانة يالولة راكي مفيش أحن منه..وبعدين ياحبيبتي مش كل اللي تشوفيه وتسمعيه بيكون حقيقة..ثم اقتربت وهمست لها:

– أنا لو دعيت عليه هدعي عليه إن يبعد عن نورسين…ويتم جوازكم على خير بعد مايشرف الأستاذ اللي هموت وأشيله.

اتسعت عينا ليلى وأردفت بخفوت:

– ليه بتفكريني بس ياسيلين بحاجة بحاول أتلاشاها، على فكرة ياسيلي..مستحيل أنا وأخوكي يجمعنا رابط واحد أبدًا…ثم ملست على بطنها المنتفخ:

– الجواز دا غصب عني وأنا مش راضية بيه…وهو استغل ضعفي…اغرورقت عيناها بالدموع وتحدثت، عندما تذكرت خطبته بنورسين، ونيران غيرتها المشتعلة:

-رايح خاطب واحدة، وجاي فارد دراعه عليا..

سحبت نفسًا وأردفت بصوتٍ مرتعش:

– أنا بكرهه قوي ومش عايزة اتجوزه،  وهو استغل مكانته وهددني بابني… رفعت نظرها وتطايرت خصلاتها حولها وأكملت:

– لو بإيدي صدقيني كنت هربت بابني.. بس برجع أشوف والدتك بزعل عليها..

كان يقف بالقرب منهما واستمع الى حديثها المبكي والمدمي للقلب مرةً أخرى..

تنهدت سيلين بحزن…ووقفت فجأة: هروح حمام السباحة، ثم اتجهت لداخل غرفة صغيرة بجوار حمام السباحة:

– أنا هنزل أعوم شوية وإنتِ خليكي كلي الفروالة دي..واظلمي أخويا ياختي..بس ياريت متندميش تاني يالولة…قالتها متحركة سريعًا عندما رأت قدوم راكان إليهم..

رجعت برأسها واستندت على الجدار خلفها:

– ياريت أكون بظلمه ياسيلين…رفعت نظرها للسماء:

– يارب ارحمني بعطفك…وانظر لي نظرة رضا ورحمة، فجأة شعرت بوجود أحدًا بجوارها..

جلس بجوارها يطالعها بغضب:

– لمي شعرك اللي فرحانة بيه دا..

شهقت عندما وجدته بجوارها..وأسرعت ترفع حجابها فوق خصلاتها..

– إنت إزاي..تقعد جنبي كدا من غير إحم ولا دستور؟!..

نظر لها من تحت نظراته:

– والمفروض أخبط على الباب يعني؟… أومال لو مش قاعدة في جنينه وفردة شعرك اللي هولع فيه دا..

– رفعت سبابتها له وصاحت بغضب:

– ماتتخطاش حدودك معايا سمعت ولا لأ..

اتكأ بمنكبه السليم على الوسادة الموضوعة:

– لأ، ماسمعتش، عايز أشوف أخرك حرمي المصون…صرخت بوجهه:

– أنا مش مرات حد سمعتني، وبعدين مش إنتَ قولت مش هتتجوزني، رجعت في كلامك ليه؟..

رفع نظره إلى والدته التي تجلس بشرفتها وتنظر إليهم مبتسمة، تنهد بألمٍ وتذكر حديثها قبل إصابته بيوم..

دلفت بمقعدها إلى غرفته، يبدو عليها الحزن وكأنها كانت تبكي:

-ممكن أمك تتكلم معاك، لو بتعتبرني أمك زي مابتقول..

نهض من فوق فراشه، واتجه يسحب مقعدها إلى الشرفة، جلس بمقابلتها:

-للدرجة دي شايفة إنك متستهليش تكوني أمي، رفعت كفها على وجهه وانسدلت عبراتها:

-للدرجة دي عايز تحرمني منك ياراكان..

جحظت عيناه بذهول، فأردف حزينًا:

-إيه اللي بتقوليه حضرتك دا، من إمتى وأنا بعيد عنك؟..

نظرت إلى الحديقة أمامها وأردفت بصوتها المفعم بالبكاء:

-من يوم ماسليم مات، بقيت أشوفك واحد تاني..اتجهت بأنظارها إليه وأكملت:

-يمكن عشان بتهرب مني، وخايف أعاتبك.

هب واقفًا مستندًا على سور الشرفة ينظر إليها بحزن وألم بآنٍ واحد:

-ليه بتقولي كدا، حضرتك عارفة غلاوتك عندي..

بكت بصوتٍ مرتفع قائلة:

-ليه مش عايز تريحني، وتريح نفسك ياحبيبي؟..

استدار للجهة الأخرى وأردف:

-ماما أنا مش هتجوز ليلى، ودا آخر كلام عندي، وبعيد عن أي حاجة، أكيد عارفة غلاوتك عندي.

استدارت بمقعدها متجهةً للخارج قائلة:

-خلاص يابني مش هغصبك على حاجة، وأنا هتصرف..أسرع خلفها وتوقف أمامها، وجد دموعها تغرق وجهها..جلس أمامها يزيل عبراتها:

-طيب ليه الدموع دي، والله ياماما لو أقدر مش هتأخر، وبعدين ماهي قالتلك هتفضل قاعدة معاكي ومش هتحرمك من ابنك.

-أنا مش ظالمة يابني، ليلى لسة صغيرة وحلوة ومن حقها تتجوز، ماهي مش معقولة هتفضل من غير جواز، دي ماقعدتش مع جوزها غير شهرين بس.

تنهد متألمًا، فكلما تذكر حديثها يشعر بنيران تحرق قلبه:

-يرضيكي ابنك يتجوز واحدة غصب عنها، كل اللي شيفاه أنه بتاع ستات وبس.

ابتسمت على كلماته من بين دموعها:

-ويعني هي قالت حاجة غريبة، ماهو إنتَ كدا ياأستاذ راكي، نسيت ولا إيه؟..جحظت عيناه:

-حتى إنتِ ياماما!! ..

ولد إنتَ هتستهبل، ماإنتَ كل ليلة مع واحدة شكل، ولا إحنا بنوهمك بكدا؟..

صمتت للحظات وأردفت:

-راكان حياتك كلها غلط ياحبيبي، ومتفكرش هتفضل طول عمرك وإنت كدا، اعمل لأخرتك يابني، وبلاها نورسين ياحضرة النايب اللي رحت اتفقت معاها من ورا أمك..

معرفش البت المعصعصة دي عجبك فيها إيه؟..

نهض من أمامها ثم أجابها:

-أهي واحدة والسلام ياماما…هزت رأسها وهي تدقق النظر به:

-طيب اللي عايز ينسى واحدة بواحدة، يجيب أحسن منها، قالتها وهي تتحرك للخارج..توقفت لدى الباب قائلة:

-نصيحة من أمك، عشان تفرس واحدة، لازم تجيب اللي يغيظها، بس تكون أدب وأخلاق، وأنا عارفة خطوبتك من بنت النمساوي ماهي إلا فرقعة تثبت لنفسك إنك ممكن تعيش عادي بعيد عنها، غلطان يابن زينب، مش هتاخد غير وجع قلبك ولو هي بتحبك هتجلطها، اصبر على ليلى كلامها كله من غيرتها ياحضرة النايب،

ولو على سليم فهو ربنا يرحمه ياحبيبي، عيش حياتك، ودا مش نقص من رجولتك بالعكس، الرجولة إنك تحتوي اللي بتحبه يابني، مش اللي تجبره وتضغط عليه..يعني من الآخر

الحب مفهوش كبرياء، لو إنتَ اتنازلت شوية وهي اتنازلت هتلاقوا الدنيا بينكم حلوة..

خرج من شروده على وصول نورسين، وهي تجلس بجواره تقبله على خده:

-عامل إيه ياحبيبي؟..

-أهلًا يانور، عاملة إيه؟! قالها وهو ينظر لتلك التي جلست تنظر إلى سيلين وتتناول حبة الفراولة تلوكها بهدوء، حتى ثبَّت نظراته على شفتيها التي تلونت بحمرة الفراولة، وبدأ يتمنى تذوق تلك الفراولة، ولم يستمع إلى نورسين عندما قالت:

-هنزل البيسين شوية مع سيلين، شوية وتعال، أومأ دون حديث..

اقترب من جلوسها، رفع يديها التي بها ثمرة الفراولة فجأة ووضعها بفمه كأنها تطعمه..

تلونت وجنتيها بحمرة الخجل، وشعرت بدقاتٍ عنيفة حتى زعمت أنه استمع إليها فهمست بتقطع:

-بتعمل إيه اتجننت!!

أغمض عينيه متلذذًّا بطعمها ثم نطق بخفوت:

جوزك مصاب زي ماإنتِ شايفة، مش المفروض تأكليه، ولا تاكلي لوحدك، غمز بعينيه، عندما ارتجفت شفتيها من فعلته، وتورد وجهها بالكامل،  فتحدث قائلًا:

– طعمها يجنن بس بحبها طبيعية مش صناعية..

جحظت عيناها من بروده واستفزازه لها:

-جوز مين إن شاءالله، جوز حمام ولا فراخ، ابعد عني، وروح لعروسة المولد تبعك.

نظر لعينيها الغاضبة، وشفتيها المنتفخة فرفع جسده إليها، فجذب منها أخرى وفعل مثل الأولى قائلًا:

-أنا باكل فروالة صناعية على فكرة مش طبيعية، قالها وهو ينظر لشفتيها المنفرجتين أمامه…ثم أكمل ومازالت نظراته تحاصرها:

– ظلماني بس أوعدك هدوق الطبيعي، عارف ومتأكد طعمه محصلش..رعشة أصابت جسدها عندما رفع يديها مرةً أخرى ووضع باقي حبة الفراولة:

-أكِّلي جوزك ياحبيبتي، متخليش نفسه في حاجة، وخصوصًا عريس بعد كام شهر، ولازم تهتمي بيه، ضرتك غبية مالهاش غير في المكياج…ابتعدت عنه بعض الشيء وهي

ترمقه بنظراتٍ لو تحرق لأحرقته فهمست:

-جنازة تاخدك يامستفز، رفع كفيه يلوح لنورسين:

-أوعي تغرقي يانور، شوية وجايلك حبيبي عشان أعلمك العوم صح، قالها وهو يرمق التي بجواره عبارةً عن كرةٍ ملتهبة، فنهض من مكانه:

– تسلم إيدك الفراولة تحفة، هقوم أهو عشان متزقيش هتاكليني بدل الفراولة، هروح أعلم خطيبتي السباحة..

نظر لبطنها ورسم ابتسامة سخرية:

-خليكي إنتِ مع البطيخة بتاعتك أكليه فراولة، حاسس في الآخر هتولدي سحلية شبهك.

اتجهت بنظرها سريعًا إلى نورسين التي ترتدي مايوه، قطعة واحدة وهو مايعرف بالبيكني، فاستدارت بنظرها إليه:

-أوعى تقولي إنك هتنزل تعوم معاها وهي بالشكل دا؟!..

لا دا كدا حرام، هي مش مراتك عشان تشوفها بالشكل المقرف دا..

-ودا أسميه إيه؟! غيرة ولا حاجة تانية، يامراتي المستقبلية..

ابتعدت بنظرها عنه قائلة؛

– أنا واحدة أرملة عايشة لابني وبس… ثم تحدثت بإبانة:

– ولو على إنك غصبتني على الموافقة بجوازك، فالجواز هنا باطل، يعني اعمل اللي إنت عايزه، أنا بنصحك مش أكتر..

رفع أنامله وأمسك خصلاتها المتمردة واضعًا إياها خلف أذنها بعدما سقط حجابها بفعل الهواء:

– وإيه كمان يالولة قولي..اشجي قلب جوزك ياحبيبي، رغم أنه أردف بها ليضايقها، إلا أنها اخترقت قلبها وتسارعات نبضاته..ناظرته بليلها الدامس وتمنت أن يقوم بخلع نظارته، للحظة شعرت باشياقها للنظر لعينيه..

كأنه شعر بها..فقام برفع نظاراته على خصلاته:

– لو شايفة جوازك مني غصب..أوعي توافقي عليه، ومتخافيش من جدي، مش هيقدر يعملك حاجة، أنا صعبان عليا ماما، فخلينا متفقين..

نظرتك ليا أنا مش حاببها خالص، فبقولك لو جوازك مني هيتعبك، كلِّمي ماما وفهميها، وصدقيني هكون مع قرارك، بلاش أنا اللي أوجع قلبها، لكن متأكد من قرار أمي، فهي دلوقتي شايفاكي مراتي، فخليها تشوفنا كدا، عشان منزعلش من بعض، ووعد مني مش هقرب منك وكأنك مش موجودة، بدل بينا الاحترام..

كلماته اخترقت روحهها حتى شعرت بالصدمة، فخرج الكلام منها متقطع:

– إنت عايز إيه؟!. مرة أحسك طيب ومرة..

توقفت..فرفعت بصرها تدقق النظر في مقلتيه، أكمل حديثها:

-طول ماإنتِ كدا عمرنا ماهنتقابل..

فرد جسده بجوارها  ونظر إلى نورسين وأكمل:

-أنا مش هغصبك على حاجة عيشي حياتك، وزي ماإنتِ شايفة، أنا ونورسين هنتجوز، أصل  عمرها ماقلتلي إني بتاع ستات، ولا بتكرهني..

اعتدل مستندًا على ذراعه السليم، يدقق بملامحها الجميلة فأردف:

– نورسين حلوة صح، وتحسيها فهماني من نظراتي…قالها وهو ينظر إلى نورسين، ثم تنهد بعمق في محاولة لاستجماع رباطة جأشه، فرفع نظره إليها وجدها مغمضة العينين، حتى لاتبكي من حديثه، ولكنها فتحت عيناها عندما استمعت إليه:

-مقولتيش رأيك في ضرتك يامراتي المستقبلية؟..

– زي الزفت على دماغك ودماغها… قالتها بتحقير وغضب ونظراتٍ نارية موجهة له..

لا لا زوجتي المصونة بتغلطي في ضرتك.

ظلت تضغط على يديها وأعصابها بقوة..ودون وعي لكمته بصدره وهو متسطح بجوارها:

– أنا مش مرات حد افهم بقى..ولو كنت آخر راجل في الدنيا..

جذبها بقوة حتى اختلت جلستها واضعةً يديها على صدره، كالعادة كلماتها تحرقه..اقترب منها ونظرات نارية:

– طيب أنا بحاول أكون متعاطف معاكي، دا مش ضعف أبدًا مني، دا رأفة بحالك إنتِ في حكم مراتي دلوقتي، مش لسة باخد رايك..

وصلت نورسين إليهم، جلست بجواره، تتناول من الفواكه..

استندت على الجدار خلفها فرمقتها مستهزئة، تنظر لثيابها التي عبارة عن بيكيني من قطعةٍ واحدة، وهي تقف أمامهم:

-بقولك ياعروسة المولد وسعي كدا ياحبيبتي قطعتي عني الهوا، كفاية حزلئوم بتاعك، وأه خدي طبق الفراولة كرهتها..

كتم ضحكةً بداخله، وهو يجذب نورسين حتى اقتربت منه:

-ماتأكِّليني يانور، دا حتى أم البطيخة بتقولِّي خلي حبيبتك تأكلك..

حاولت النهوض عندما شعرت بنيران تكوي قلبها دون رحمة من اقترابها بشكلٍ مؤذي لقلبها، ولكن ثقلها لم يساعدها، فتحدث:

-إيه أجبلك ونش يرفعك ياأم سحلول..

أمسكت الصحن الذي أمامها وألقته عليه، حتى تفاداه بصعوبة…ثم اتجهت إلى نورسين قائلة:

-قولي لحزلئوم بتاعك يبعد عني، ولا عروسة المولد مش مالية عنيه؟..

تحدثت نورسين:

-وهو ينشغل بيكِ ليه، على فكرة راكي قالي كل حاجة، يعني جوازكم صوري فبلاش حركاتك دي.

نظر إليها بحزن دفين، فعشقه لها يوازي كبريائه اللعين، ولتجاوزه كبريائه..عليه أن يجعلها تصل إليه وهي ترتمي بأحضانه لتنعم بعشقه دون أن يجرح هذا الكبرياء، فاتجه إلى نور:

-سيلين خرجت من البسين، روحي وأنا هلحقك..

وقفت ترمق ليلى بنظراتها فتحدثت:

-متتأخرش عليا ياحبيبي، عايزين نرجع أيام زمان، فاكر لما كنت بتعوم وإنتَ شايلني؟..

قوس فمه بسخرية عندما وجد نظراتها إلى ليلى فأردف:

-وماله ياحبيبي نعوم منعمش ليه، تحركت وهي تشير بيديها:

-متتأخرش..انزلقت دمعة من أعين ليلى، كان يتأمل ملامح وجهها الحزين، ببؤس مزق روحه المحترقة

-ليلى متزعليش من نورسين كان لازم أعرَّفها إن جوازنا هيكون صوري، ثم رفع نظره إلى نورسين التي تسبح:

– أما الجواز الحقيقي هيكون معاها هي، هنام في حضنها هي، هي…فجأةً توقف عندما وجد دموعها تتساقط بغزارة على وجنتيها،

رعشة أصابت قلبه من حالتها، وحاول استجماع شجاعته الواهية، فأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بنبرةٍ مرتعشة:

-ميرضنيش إنك ترتبطي بواحد زبالة، واحد بتكرهيه ومحوِّل حياتك لجحيم، كان لازم أكدلك بعمل كدا عشان ماما وبس.

أمسك كفها مردفًا:

– إنتِ صح، أخر الست عندي السرير، يعني ممكن بعد جوازنا أغير رأيي و…

نزعت يدها بعنف فأطبق على جفنيه..

-إنت إيه، مستحيل تكون بني آدم وعندك إحساس، ليه دايمًا تأكدلي أهم حاجة عندك توجعني وخلاص، ليه ياراكان دايمًا بتحسسني إني رخيصة؟..

نهضت تحاول السيطرة على نفسها حتى لا تضعف أمامه..نظرت إليه قبل تحركها:

-ربنا يوجع قلبك زي ماوجعت قلبي..

فتح عينيه وكأنها صفعته بقوة على وجهه..

فنهض يجذبها من رسغها ونظر إليها شزرًا:

– هيكون أكتر من كدا وجع..بس ماتخافيش هيشفى، نورسين هتطبطب عليه وبلمستها هيشفى..

– الله ياخدك ياراكان، ربنا ينتقم منك، قالتها وهي تلكمه بقوة..

تركها عندما ساءت حالتها بالبكاء..

وأرجع بجسده عنها مغلقًا عيناه، سابًّا نفسه بأبشع السباب من حالتها التي أوجعت قلبه..

-ليلى بهزر معاكي صدقيني، إنتِ غبية.. أصلًا متعرفيش إنت بالنسبالي إيه..

حاوطها بذراعيه:

– ليلى اهدي مش هتكلم تاني..

شهقات متتالية وهي تبكي:

-أنا غبية فعلًا عشان حبيت واحد بتاع ستات، واحد أهم حاجة عنده..قطعت حديثها عندما وجدت نظراته التي اخترقتها..

-حبيتي الراجل اللي إيه، قولي وسمعيني كدا تاني، قولي إني مسمعتش غلط، قالها وهو يجذبها لأحضانه، حاولت دفعه ولكن قوتها انهارت وتلاشت حينما تسربت آلامها بكامل جسدها، همس لها:

– وإنتِ متعرفيش إني حبيتك بجنون يامجنونة، والله العظيم مفيش حاجة من اللي في دماغك..

وصلت نورسين عندما وجدتها بأحضانه فصاحت:

-إيه اللي بيحصل دا ياراكان؟!

كانت تضغط على كف راكان الذي كان يحتضنها به، لم يشعر بشيء سوى أنها بأحضانه لأول مرة بإرادتها، وكأنه لم ير ولم يسمع كلمات نورسين، هي فقط همسها، رائحتها التي أسكرته حتى همس بجانب أذنها:

-ليلى تأكدي مش عايز غيرك، تأكدي من حبي ليكِ، كانت لا تشعر بكلماته ولا به كل ماتشعر به آلامها التي أصبحت تخترق جسدها كاملًا فصرخت:

–  أنا تعبانة شكلي هولد، أخرجها من حضنه:

– خدي نفس مفيش ولادة ولاحاجة لسة بدري..جذبته من قميصه بيديها من شدة الألم الذي اجتاحها:

– راكان هولد اتصل بيونس، أنا تعبانة هموت.

صرخت بقوة به:

-بقولك هموت.

احتضن وجهها ينظر لمقلتيها وأردف:

-اهدي حبيبتي، أغرقت وجنتيها بالدموع، تضع يدها أسفل بطنها وصرخة مليئة بآلامها..

وقف كالملدوغ عندما وجد المياه تخرج منها..

قام بحملها سريعًا متجهًا لسيارته:

– ليلى هنروح المستشفى، حاولي تهدي..صرخت صرخات متتالية، وصلت سيلين على صرخات ليلى، واستقلت سيارتها سريعًا..

ركب راكان بالخلف وهو يصيح بسيلين:

مستشفى يونس بسرعة ياسيلين وكلميه، أومأت برأسها وصرخات ليلى تصمُّ آذانهم:

– هموت ياراكان، آه..قالتها ودموعها تنسدل بقوة…ضمها بقوة لأحضانه:

– بعد الشر عليكي ياحبيبتي..لا هتولدي وتقومي بالسلامة..ضم وجهها بين يديه:

– ليلى حاولي تتماسكي عشان خاطري، نزل بجبينه إليها:

-ليلى عايزك متخافيش أنا جنبك، واعرفي إنك أهم شخص بحياتي، ضغطت على كفه من شدة آلامها..

وصلوا  بعد دقائق للمستشفى،

قاموا بتحضيرها للعمليات..أمسك يد يونس:

– مش المفروض باقي شهر، إيه الولادة البدري دي؟..

ابتسم يونس رافعًا حاجبه بسخرية:

– متخافش ياعم المغرم، أومال كنت عامل دراكولا ليه من يومين؟..

أمسكه من تلابيبه:

-روح ولِّدها مش ناقص برودك دا، وطمني..

هدأ يونس حينما وجد حالته فتحدث؛

دا بيحصل كتير ولادة مبكرة..خرجت على الفراش وهي لا حول لها ولا قوة… اقترب مقبلًا جبينها وأردف بصوتٍ حزين:

– ليلى هستناكي هنا، عايزك تخرجيلي بسرعة…المهم اخرجي بالسلامة… لامس خديها بإصبعه..

– أهم حاجه عندي إنت…أهم حتى من الولد…أمسكت يديه وأردفت بصوتٍ منهك من كتر الصرخات:

– راكان متسبنيش لوحدي..

رفع نظره إلى يونس ورغم خوفه الشديد إلا أنه قال:

-يونس معاكي متخافيش.

سامحني، قالتها بألم، قبل جبينها:

– مسامحك مقدرش مسمحكيش.. قالها ونظراته تمشط وجهها بالكامل… وأكمل بعيونٍ عاشقة:

-وبحبك مولاتي.

راكان أردفت بها بخفوت..جرتها الممرضه تدلف للغرفة..وهي تتمتم باسمه:

“راكان أنا بحبك”

دلف إليها بعد ولادتها ليطمئن عليها، جلس ينتظر إفاقتها، وجد الممرضة تدلف عليه بالطفل بجوار يونس:

-مبروك يافندم، يتربى في عزك..

حمله راكان بقلبٍ يرتعش، نظر إليه بابتسامة، ثم رفع نظره إلى يونس:

-الولد شبهي مش كدا؟..قهقه يونس عليه:

-أيوة ملاحظ، واخد الرخامة كلها، الولد مبطلش عياط من وقت مانزل.

طبع قبلةً على جبينه ثم أردف:

-دا هيكون أمير العيلة، فاقت ليلى وهي تهمس ابني، فين ابني؟..

خرج يونس وهو يسحب سيلين حتى يترك لهما مساحة..

-ابني فين، ابني عايش..اقترب وهو يحمل الولد:

-خدي السحلية اللي قرفاني بيه أهو، يعني بدل ماتفوقي وإنتِ بتقولي راكان بتقولي ابني..

ابتسمت بألمٍ وتحدثت بصوتٍ متألم:

-أنتوا الاتنين متزعلش، دنا منها يطالع ملامحها المتعبة:

-لا طبعًا أنا مبحبش الشريك، أنا عايز أكون لوحدي بس…أغمضت عيناها مرةً أخرى وذهبت بنومها..

بعد شهر كانت ترتدي فستان زفافها، تنظر إلى نفسها بالمرآة،  وضعت يديها على صدرها حينما شعرت بألمٍ بصدرها، استمعت لإشعار رسالة إلى هاتفها:

-شوفي حبيبك أهو في حضني، ماهو ميقدرش يبعد عني..

مش أنا اللي اترفض ياحلوة، وياريت تنسي إنه هيرجعلك تاني، وبلاش أقولك حبيبك كان عامل إزاي معايا، إنتِ حب لرغباته فقط..

ترقرق الدمع بعينيها تهز رأسها بغضب وتصرخ بصرخاتٍ حتى أوشكت على انقطاع أحبالها الشوكية، فسقطت مغشيًا عليها..

فووووت ياحلوين

الفصل التالي: اضغط هنا

يتبع.. (رواية عازف بنيران قلبي) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق