رواية خطيئة خيال الفصل التاسع 9 – بقلم هايدي الصعيدي

رواية خطيئة خيال – الفصل التاسع 9

 

هارون هرب للورشة بتاعته وهو حاسس بخنقة وشافها نايمة قدام الدفاية الحجرية ولهب النار بيرقص بهدوء على ملامحها الهادية وسط عتمة الأوضة. قرب منها عايز يتأكد دي حقيقة ولا خيال. مشي ناحيتها وحاسس إنه بيمشي اتجاه تحدٍ مُحتّم. قرب وشافها نايمة بهدوء وملامحها ملائكية، شعرها مفرود جمبها وفاردة كفها على خصرها ورجليها مثنيتين في سكون تام. كانت لوحة عن السكون والسحر.

خطر ناعم فيها حاجة مُطَمّناه بس في نفس الوقت بتهز كيانه وتشد أعصابه. المفروض ميقربش منها بس بيلاقي نفسه معاها وكأنها بتجذبه من غير ما يحس.

قعد قدامها بشرود: دي بنت صغيرة طايشة ومتهورة متعرفش مصلحة نفسها، طفلة مفتقدة الأمان والحنان، مفتقدة دور الأب في حياتها وده اللي بيقربها منك، لا أكتر ولا أقل…

اتنهد بحزن عميق وولع سيجارة بشرود وعيونه عليها، مش بنظرات فضول لأ، بنظرات بعيدة وعقل غايب في وجع قديم ودفا مفقود وحياة كان فاكرها انتهت من زمان وجت بشقاوتها دبت فيه حياة اندفنت. افتكر أيام شبابه وماضيه اللي ضاع، بيشوف فيها حاجة من روحه القديمة اللي اختفت. فضل قاعد قدامها كتير وسجارته بتتحرق بهدوء بين صوابعه ونار الدفاية بتطقطق كأنها بتحكي حكاية الاتنين اللي كل واحد فيهم بيهرب من الواقع بتاعه بطريقته…

فاق على نفسه لما اتلسع من نار السيجارة، رماها بعيد وقرب منها ومسح على شعرها بهدوء: خيااال يا بابا، قومي نايمة هنا ليه.

خيال اتقلبت على جمبها وأنّتْ بإعتراض. هارون هز دماغه من طفولتها المستفزة، هزها من كتفها: خيال أنتِ يا بنت قووومي.

خيال فتحت عينيها بنعس، وصوت هارون الصارم وطريقة كلامها المنمقة خلوها فاقت. اتعدلت وبصت له وعينيها غيم عليهم الحزن.

هارون شاف ملامحها النعسانة وخدودها الحمرا من نار الدفاية وحس إن قلبه بيضخم بمشاعر جديدة بتدب جواه هو مش قادر يتعرف عليها وعيونها الحزينة هزته. ربت على شعرها بحنان: حقك عليا متزعليش.

خيال بصت له وافتكرت كل اللي حصل ودموعها اتجمعت في عيونها وودت وشها الناحية التانية بغضب طفولي..

هارون شاف حركتها وعيونها اللي بتلمع زي الأطفال وابتسم بخفة. خيال لمحته وبصت له بصدمة وبرقت عيونها، وضحكة فلتت من بين شفايف هارون.

خيال بنرفزة: وكمان بتضحك وعلى ذوقك وفاضي بالك! إييه أكيد عجبتك الرجل يلي كانت تتحرش فيك وبالآخر إجا عبالك تفش خلقك فيي ولما طلعت مش أنا صرت مرتاح ومبسوط ما هيييك..

هارون كان متأثر من حركتها وشفايفها وعيونها وهي بتتكلم بالنرفزة دي وكان مبتسم بتكة: آه طبعاً مبسوط جداً وكنت هبقى مرتاح لو كنتِ أنتِ.

خيال بصت له ببرود وبخفوت: وليه بدي أتحرش فيك وإنت قد بيي يا حبيبي؟ جنيت أنا؟ وبعدين هو من جمالك يعني.

هارون بص لها برفعة حاجب وكأنه بيقولها “يا شييييخة” وبسخرية: طب وايه لزمتها “حبيبي” يا ست خيال.

خيال بصت له وكررت كلمة “حبيبي” بخفوت وعيونها في عيونه الداكنة وملامحه الرجولية الخشنة وفي بالها “حبيبي…أوف يحظها يلي بتقولك حبيبي وتكون حبيبها، اسم وفعل”، وتنهدت بحسرة وعيونها لسه سرحانة فيه.

هارون بهدوء: قومي يلا على أوضتك ومتناميش هنا تاني.

خيال ببرود: والله هنام في المكان اللي يريحني، وبعدين أنا حرة وأنت اللي طلبت إننا نفضل يبقى متعترضش بقى.

هارون بنبرة حادة: لأ مش حرة، وبعدين يا غبية أنا خايف عليكي تنامي هنا والنور يقطع ومتعرفيش تخرجي وأنا عمري ما هعترض على وجودكم، عايزة تيجي هنا لما أكون موجود وبس.

خيال جسمها اترجف من مجرد الفكرة إنها تكون هنا والنور يقطع عليها لوحدها وتتحبس، وأومأت بهدوء وبصت في الأرض.

هارون بخفوت: مالك لسه زعلانة؟

خيال أومأت وهي حاسة بخنقة متعرفش سببها وحاسة إنها عايزة تبكي.

هارون رفع وشها: طب إيه اللي يرضيكي يا خيال؟

خيال رفعت كتفها بجهل: معرفش يمكن حضن.

هارون خد نفس من السيجارة وفتح إيديه ليها من غير ما يفكر مرتين، وخيال قربت بسعادة غامرة بس ما بينتش. نامت على صدره وتنهدت براحة وهي بتشم ريحته وحاسة قلبها انتعشت بعد ما كان الحزن مخيم عليها.

هارون بهدوء: أحسن؟

خيال هزت دماغها بالرفض: لأ.

: عايزة إيه طيب؟

خيال ابتسمت بخبث ونظرت له بتحدي: أريد أن تتوقف عن معاملتي كطفلة تائهة.

هارون بص لها بحدة، وأغلق عينيه وفتحهما بنرفزة وهو يحاول إبعاد صوابعها التي لامست فكه: قولت لاااا مش هتحطي السيجارة في بوقك أنسي، وكلمتين تاني وهتتضربي.

خيال بخفوت: يعني مش هتخليني آخد النفس.

: بالظبط كده.

خيال نظرت إليه بتحدي وقالت: التلاعب هو ما تفعله أنت! أنت تريدني أن أكون “الابنة” التي تحتاج “الدادي” فقط لتريح ضميرك من كونك كنت غائباً عن حياتي. لا توبخني على أنني أريد أن أكون حقيقية أمامك!

هارون بص لها بصدمة ونبس من بين شفايفه بهمس: يا بنت الكلب…وكان مش قادر حتى يتخيل أو يستوعب الكلمة التي قالتها.

خيال ضحكت على صدمته والكلمة اللي قالها ومسكت وشه بين كفوفها وقالت بحدة: لا تُعاقبني على رغبتك في الهروب! أنا لستُ طفلتك!

هارون كان متصلب ومأخوذ، وشعر وكأنها تتلاعب به وتتجاوز الحدود المسموحة. فجأة، انفجر غضبه الداخلي.

هارون بصوت عالي: أنتِ تخرسي خااالص يا وقحة! كل مرة أحاول أن أعطف عليكِ وأعوضك عن الفقد والاحتياج اللي حساه وأحضنك كأب لكِ، أنتِ بتدخلي حضني وتتلاعبين بالحدود والأدوار. أنتِ لستِ طفلة ولا بريئة، أنتِ عاصفة تُحاول إيقاعنا في متاهة من العلاقات المُحرمة وأنتِ مش مستوعبة أبعادها. قلتُ لكِ ألف مررررره فوقي ده غلط غلط غلط، مينفعش إنه يحصل. بس كده خلاص، من النهاردة، لا من الثانية دي، ولا تكلميني ولا أكلمك ولا تتعاملي معايا ولا تقربي مني لحد ما تفوقي لنفسك وتعرفي أنتِ بتهببي إيه، ودلوقتي يلا غوري من وشي.

قال الأخيرة وهو بيبص الناحية التانية ببرود لكن أعصابه كلها مشدودة. خيال كانت بتسمع له ودموعها متحجرة في عينيها وحاطة صوابعها على شفايفها وكأن الكلمات خانتها وعملت كده بدون إرادتها. خلص كلامه وجريت على أوضتها ودموعها نزلت بقهر…

هي خرجت وهارون فضل رايح جاي في الورشة بغضب. افتكر نظرتها وتلاعبها بالحدود وإزاي كان متصلب زي مراهق في أول العمر أول مرة يجرب الشعور ده، وسابها بدون رد فعل منه وزمجر بحدة وبقى يكسر كل حاجة حواليه وهو بيضرب بقبضته يمين وشمال بعنف لحد ما مفصله اتجرح وإيديه الاتنين نزفوا وهو لسه جواه ألف إحساس وإحساس مخيم عليهم الغضب..

قعد في الأرض وسط الحطام وولع سيجارة سحب أنفاسها بصوابع مرتجفة وعقل مشتت.

خيال جريت على أوضتها ورَمَت نفسها على السرير وكلامه بيرن في ودنها وانهارت في بكي حاد وهي بتأنب نفسها واللي عملته واستوعبت فداحة الأمر لكن كان غصب عنها، حست إنها مغيبة وهي بتعمل كده ولا فكرت تعمل الحركة دي مع حد قبل كده. غمضت عينيها بقهر ونفسها اللي حصل يتلغي من ذاكرتها وراحت في النوم وهي بتتمنى إنها تصحى وعندها أو عنده فقد في الذاكرة.

تاني يوم الصبح حنين صحيت وجهزت نفسها وهي بتدفن اليوم اللي فات بكل أحداثه في أعمق نقطة جواها وهي بتبدأ من جديد.

” حنين مرأة قوية وسط عالم ذكوري بحت لازم تكون بالقوة والحزم والصرامة أكتر من أي أنثى تانية، أختها خيال مثلاً فرق شاسع بين الاتنين لأن حنين كانت هي المسئولة مع باباها والمسؤولية زادت عليها لما توفى، بقت هي الأب والأم والأخ والأخت لخيال وسط عالم تنافسي. وبطبيعة الحال كل اللي هيقرب منها هيكون عايز يستغلها، شايفها كائن ضعيف من السهل استغلاله. بطبيعة الحال شافت كتير وقابلت أكتر فبدأت تبني حوالين نفسها جدران وتخفي ضعفها وأنوثتها وتظهر قوة وجبروت عشان تقدر تعيش وتتعايش. مش شرط تكون حصلت لها حاجة أو اتعرضت لحادثة مؤلمة عشان تاخد حذرها وتخاف على نفسها، المسؤولية لوحدها كفيلة تخليها كده ”

عشان كده إلياس الشاب الطايش المشاغب شاف فيها حاجة شدته: القوة، المسؤولية، السيطرة اللي مش موجودة في الجيل الجديد ده، غير طبعاً عقله الباطن اللي شاف فيها أمه مديرة المدرسة الجادة اللي فقد حنانها برغم إنه عاش معاها عشر أو 13 سنة من غير ما يحس بحنان كافي منها. بيدور عليها برا مش في عيلة مراهقة طايشة زيه متقدرش توجه للصح والغلط ومشكلته نفسية أكتر من إنها عاطفية…

ونفس الكلام حنين شافت فيه الطاقة المتجددة وشغب الحياة والشغف اللي اندفن جواها من زمان عشان كده حست بانجذاب تجاهه. نظرات الإعجاب والإنبهار والاهتمام اللي شافته في عيونه المتسلطة شدوها، حسسوها بأنوثتها اللي دفنتها من زمان. بتحسه عفوي مش متصنع ولا بيتصنع المرح زي رجالة كتير ثقيلة قابلتهم في حياتها، وكمان إحساسها إنها لسه مرغوبة مبقتش مكنة شغل أو ربوت أو ست بينفر منها الرجالة داعب قلبها، وده كله بسبب اللي ناقصه حنان ورضاعة السافل بتاعنا إلياس ”

أظن كده وضحت أكتر شخصية حنين وإلياس، يلا بينا بقى…

خرجت حنين من أوضتها وهي بتبص في ساعة إيدها. رفعت راسها وشافت إلياس واقف قدامها وهو مبتسم لها أوي وإيده ورا ضهره.

حنين اتنهدت بطولة بال وببرود: خير.

إلياس قرب منها: صباحو فل يا حنون، فكي بقى مش حابب المعاملة بينا تكون كده، خلينا نرجع كأننا لسه متقابلين، فاكرة في المطار كنتي بتتكلمي معايا إزاي.

: وياريت تستاهل آخرة اللي يدي وش للأطفال.

إلياس ضحك: مقبولة منك يا نونه…خدي اعتبريها عربون صلح.

حنين بصت له وبصت للوردة الحمرا اللي طلعها من ورا ضهره ببرود وعينيها مش باين فيها أي مشاعر: اهدي الوردة لحد يخصك يا إلياس ويلا اتأخرنا على الشغل.

ومشيت من قدامه بكل برود وإلياس كان واقف مصدوم هز دماغه بقهر ونزل وراها.

كان هارون قاعد على السفرة هو وجواد ولوسيندا وحنين وإلياس.

كريمة قربت وقعدت جمب هارون وبصت عليهم: صباح الخير عليكم، أومال فين خيال؟

لوسي: حاولت أصحيها مرضيتش تقوم خالص يا تيتة، شكلها نامت متأخر أو عيانة مش عارفة مالها الصراحة.

هارون بدأ يفطر ببرود ولا كأنه سمع حاجة وإلياس كانت عيونه على حنين اللي قامت ووقفت بسرعة: عن إذنكم هروح أشوفها.

كريمة ميلت على هارون: مش ناوي تخليني أفرح بيك؟ ابنك هيتجوز قريب وأنت هتفضل قاعد كده. وشاورت بعيونها على حنين اللي اتحركت من قدامهم: جميلة ولايقة عليك، شبهك وشبه شخصيتك وقريبة من سنك، فكر يا حبيبي العمر رايح مش راجع.

هارون عيونه وقعت على حنين وسرح بعيد ومردش على أمه اللي ابتسمت بأمل وحست إنه ممكن اقتنع طول ما اعترضش زي كل مرة تفتح معاه الموضوع ده.

: صباح الخيررر.

كلهم رفعوا نظراتهم للصوت الصباحي وصاحبته اللي لابسة ملابس أنيقة وشعرها مرفوع، وواقفة بكل ثقة ودلع قدامهم.

هارون قام وقف: أحم، خلص فطارك وهات حنين وحصلني على الشركة يا إلياس متتأخرش.

إلياس أومأ وعيونه على ليا اللي قربت باست جواد من خده بتهذيب وقعدت تفطر جمبيه….

لوسي كانت باصلهم بقرف ونظراتها المشمئزة كانت فضحاها وجواد كان كاتم ضحكته بسبب نظراته بالعافية…

إلياس وقف بعد ما لوسي ضربته بكوعها من تحت الترابيزة: هروح أشوف خيال وأطمن عليها ونحصلك.

هارون أومأ ببرود وخد آخر رشفة من فنجان القهوة وطلع على الشركة..

: مش عايزة أكشف أنا كويسة.

حنين بنرفزة: كويسة إزاي؟ قولتلك ألف مرة بلاش دلع الأطفال ده، قومي قدامي يلا جسمك مولع وصوتك رايح.

إلياس قرب من خيال وحط إيده على جبهتها بعد ما سمع صوتها التعبان: مالك يا خوخة؟ ألف سلامة.

خيال غمضت عينيها بإرهاق: ماليش يا إلياس، أنا بس عايزة أنام، بليز سيبوني أنااام.

: تمام، هبعتلك مسكن مع لوسي، بس لو رجعت من الشركة وأنتِ لسه تعبانة أنا بنفسي اللي هديكي الحقنة في التوتة.

خيال ابتسمت غصب عنها وضربت إيده اللي ماسكة خدها: امشي يا وقح من هنا يلا وخد مامي حنين معاك وقولها أنا حلوة.

إلياس ضحك وقام مسك إيد حنين وخرج بيها من الأوضة وقفل الباب وراه. حنين سحبت إيدها بعنف: أنت يا غبي يا غبي مالهاش حل تالت متلمسنيييييش.

: والله ملمستكيش حباً فيكِ، البنت واضح إنها زهقانة، متزوديش عليها وتعيشي دور الأم سبيها هي مش طفلة، خليكِ في نفسك شوية أو حبيها أو سيبي حد يحبك ويقرب منك يمكن عقدك تتفك، يلا يا مامي حنين ورانا شركة…

حنين فضلت باصة في مكانه الفارغ وفكها متصلب ودمها اتحرق من كلامه: أنا معقدة يا إلياس، ماااشي، ربيتك على إيدي يا مراهق أنتِ..

ونفضت شعرها بغرور ونزلت وراه، طلعت ركبت جمبيه بعد ما وصت لوسي على خيال: يلا اتحرك.

إلياس بص لها برفعة حاجب ومش عاجبه نبرتها اللي كلها أمر: خير إن شاء الله.

حنين من غير ما تبص له طلعت الفون وقعدت تقلب فيه: يلاااا اتحرك إيه اللي مش مفهوووم؟ اتأخرنا، سوووق يلااا.

إلياس عض شفته وداس بنزين بكل قوته ولف بالعربية اللي طلعت صوت عالي بعد ما حكت في الأسفلت وطار بيها في الجو.

حنين خبطت في إزاز الشباك اللي جمبها ورجعت اترزعت في تابلوه العربية قبل ما تستوعب اللي بيحصل ومسكت نفسها بالعافية وبصت له بغضب لقته مبتسم بشماتة.

بلعت ريقها ومرضيتش تعبره وهي ماسكة في الكرسي بإيديها الاتنين بخوف لكن مبينتش…

لوسي قامت من على الفطار بسبب دلع ليا الناشف وهي بتأكل جواد وطلعت على أوضتها بنرفزة وهي على السلم سمعت صوت ضحكته العالية ودخلت ورزعت الباب وراها. غيرت هدومها وهي عايزة تهرب من البيت ومن وجودهم الخنيق ونزلت راحت جامعتها.

طول النهار خيال كانت هربانة في نوم عميق كأنها بقالها سنين منامتش وهارون كان شغال بنصف عقل والنص التاني معاها وفي اللي حصل الليلة اللي فاتت.

حنين كانت مشقية إلياس وخلصت كمية شغل رهيبة وطبعاً مكنش يقدر يعترض وطول النهار بيعاملوا بعض ببرود..

لوسيندا طلعت من الجامعة وراحت مع صاحبتها تتغدى في النادي وهي مش عايزة ترجع الفيلا…

ميرا صاحبتها قربت منها: مالك يا لوسي مكشرة ليه طول النهار؟

لوسيندا كانت بتبص حواليها بضيق طفيف واتنهدت: مفيش، جواد ابن خالتي رجع من السفر وجايب معاه كائن متطفل مش بتعمل أي حاجة غير إنها بتقرب منه وتتدلع عليه وملابس أنيقة، وبصي حاجة آخر ملل وأنا بغير على بابا وإلياس.

ميرا بصت لها باستغراب: بتغيري على إلياس اللي كل يوم حرفياً مع واحدة جديدة؟ غريبة دي، وبعدين أونكل هارون يعني مش صغير على اللي أنتِ بتقوليه ده.

لوسي بنرفزة: مين يا حيوانة اللي مش صغير؟ أنا بابي أصغر منك يعني.

ميرا ضحكت: يا غبية مش قصدي شكل أنا قصدي على تفكيره واعي كفاية، يعني أما لو على شكله أوف…وعضت شفتها بتأثر متعمد…فهو حاجة كده وسيم موووت يا نهاااري بجد، أسمر كده وطريقة كلامه ومشيته حتى قعدته فيه كاريزما كده.

لوسيندا كانت باصة لها بصدمة: أنتِ بتعاكسي بابي وأنا قاعدة.

ميرا كانت كاتمة ضحكتها بصعوبة: يا بنتي بقى ما هو اللي قمر الصراحة، وبعدين أنا مش صاحبتك، ما تخليني أخرج معاه في ديت، بليز حاولي تظبطيني معاه، أوف رجل جذاب بجد.

لوسيندا وقفت: أنا أصلاً غلطانة إني قاعدة معاكِ يا حيوانة.

ميرا مسكت إيدها بسرعة وهي بتضحك: تعااالي بس يا زفتة بهزر معاكِ بجد بس مش بهزر فإنه قمر طبعاً.

لوسيندا سحبت إيدها وقعدت بنرفزة: نينيييينيي.

ميرا بهدوء: مش هو ده جواد اللي حكيتيلي عنه قبل كده؟ إيه اللي جد؟

لوسيندا تاهت منها في ذكريات من خمس سنين كان يوم عيد ميلادها الـ15 وخرجت تودع آخر أصحابها بعد ما الحفلة خلصت…

لمحت جواد واقف بعيد في الجنينة بيدخن، قربت منه بفضول: بتعمل إيه هنا وليه مش قاعد معانا يا جواد؟

جواد رمى السيجارة من إيده ومشي اتجاهها: مفيش زهقت شوية.

وطلع علبة من جيبه فيها سلسلة رقيقة قلبين جمب بعض: كل سنة وأنتِ طيبة يا لوليا.

لوسي خدت منه العلبة بابتسامة: حتى دلعك غريب زيك يا جواد.

وبصت له، قميصه مفتوح في عز الشتا لابس سلسلة فضي وبنطلون مقطع ساقط نصه، شعره طويل وقاطع حاجبه، شكله بالنسبة لها كان غريب وشاذ عن باباها اللي دايماً بيلبس بدل ودايماً دقنه وشعره متهندمين، كانت بتحس إنه بلطجي زي اللي بيطلعوا في الأفلام، كانت بتقلق منه ومن نظراته وطريقة كلامه معاها بس كانت بسمته الهادية بتطمنها.

جواد عض شفته من نظراتها اللي بتدقق فيه: مش هتفتحي الهدية؟

لوسي فاقت من شرودها وأومأت وفتحتها وضحكت: جميلة أوووي، ميرسي يا جواد بجد.

جواد قرب منها وخدها من بين إيديها: ممكن ألبسهالك؟

لوسي أومأت: أووكي.

جواد لف وراها وبصوابع بترتجف حرك شعرها على جمب واحد. قرب برهبة وناوله السلسلة. لوسي اتوترت من قربه وهدوئه: وأنت ناوي تعمل إيه بقالك سنة متخرج من الكلية؟ بتفكر في إيه؟

جواد لف السلسة على رقبتها لما اتكلمت: أحم، أكيد هشتغل طبعاً.

وقفل السلسلة وحرك صوابعه على رقبتها وكتفها وبخفوت: لوليا.

لوسي جسمها اتخشب من لمساته: في إيه؟

جواد لف إيديه حواليها بانهيار خلاص مش قادر يخبي أكتر من كده، بيحبها من وهو عنده 18 سنة..

دفن وشه في كتفها: أنا بحبك، بحبك أوي ونفسي تكوني معايا، هشتغل وأرتب مستقبلي عشان أتجوزك بعد ما تدخلي الجامعة، أنا عايزك، عايزك أوي يا لوسيندا ومش هقدر أعيش من غيرك.

لوسي جسمها اترعش وقلبها دق بعنف والخوف احتل كل كيانها. جواد لفها ليه وكان انهياره العاطفي مغمي عيونه عن الخوف اللي واضح عليها. مسك وشها بين كفوفه ونظر لعيونها مباشرةً بانهيار عاطفي وصرخ بكلمة “أحبك” وابتعد عنها أول ما حس بطعم دموعها…

لوسي بغضب ودموع: أنت يا قذر إزاي تعمل كده؟ إزاي تقرب مني بالشكل ده يا حيوان يا زبالة؟ أنت مفكر إني ممكن أبص لك أو أحب واحد زيك شمام؟ لو فكرت تلمسني أو تيجي جمبي تاني أنا هقول لبابي، فوووق وبص لنفسك ولشكلك وبص لي واعرف إني لا يمكن أكون ليك بمستواك المتدني ده يا حقييير.

جواد كان واقف مصدوم، اتحرك وعمل كده بدافع الحب، بيعشقها وصبر عليها كتير، بالنسبة له مقدرش يقاوم قربها في لحظة ضعف منه، كسرت قلبه نصين.

ومن وقتها جواد اختفى من حياتها ومن حياتهم كلهم وسافر برا عند عمه وهو كده كده أهله متوفين وكان هارون متكفل بيه لحد ما سافر وفضل برا لمدة خمس سنين مش بينزل أبداً….

: أوووووه ده أنتِ روحتي بعيد أوي.

لوسيندا جسمها كان بيترعش من الذكرة ومن كلامه وقربه منها لحد دلوقتي بيأثروا عليها واللي حارق دمها إنه بقى يقرب من غيرها قدامها بكل سهولة. فين الحب اللي كان بيتكلم عنه؟: لا أبداً، معاكِ أيوه هو روميو اللي بيحبني، دلوقتي خطب وماشي يحب على نفسه معاها.

: وأنتِ زعلانة ليه؟ اعترفلك ورفضتيه بطريقة قاسية، وأنا وأنتِ عارفين أنتِ مش بس كسرتي قلبه أنتِ دمرتي نفسيته بكلامك وده اللي أنا متأكدة منه.

لوسيندا بحدة: يعني أنا اللي غلطانة دلوقتي؟

: لأ، أنتِ كنتي طفلة وهو كان شاب طايش بس حبك وقرب منك بدافع الحب، مش أنتِ دايماً كنتي بتقوليلي ملازمك زي ضلك ودايماً بيراقبك ويدافع عنك؟ ولما كان يحصل معاكِ حاجة هو أول واحد يظهر ويساعدك، كان بيحبك وأنتِ رفضتيه بطريقة مؤلمة.

لوسيندا بلعت غصتها: أن.. أنا كنت خايفة لأ كنت مرعوبة منه، أنا كنت صغيرة وهو اعترف بطريقة خوفتني أكتر، بس بعدين قعدت مع نفسي وفكرت ده جواد ابن خالتو اللي عمره ما زعلني في مرة، كنت منتظراه يرجع عشان أحاول أبرر له رد فعلي عشان أعتذر له، بس هو سافر وغاب ومكنتش عارفة أوصله رقمه برايفت وبِيَكَلِّم بيه إلياس أو بابي بس معندوش أي برامج سوشيال، ومع الوقت قولت خلاص مفيش فايدة مش هيرجع تاني بس بس..

وشهقت بضعف ودمعة هربت من عيونها. ميرا مسكت إيدها بسرعة وبصدمة: لوسي أنتِ بتحبيه؟

: أنا كنت عايشة على ذكرى حضن واعتراف بيزلزل كياني لحد دلوقتي، من وقتها معرفتش أحس أو أشوف غيره، أيوه خوفني بس خطفني، قلبي وجعني أوووي يا ميرا لما رجع وشفته، معرفتهوش، اتغير بقى زي ما أنا كنت بحلم بيه، شاب هادي ببدله وكرافت وشعر قصير ودقن متهندمة بس بس كان ماسك إيد واحدة غيري، بقت تتدلع عليه وتقرب منه قدام عيوني اللي سهرت ليالي بتعمل ألف سيناريو ولقاء وحوار واعتراف مدفون جوايا بس كل ده اختفى خلاص.

ميرا عيونها دمعت على صديقة عمرها: لووووسي…وحضنتها بسرعة ولوسيندا بكت بضعف جوا حضنها.

: أنتِ لازم تعرفيه هو موجوع منك، هو كل فكرته عنك إنك رفضتيه، هو لازم يغير وجهة نظره ويعرف إنك بتبادليه الحب.

لوسي مسحت وشها وهزت دماغها بالرفض: لأ مش هيحصل، أنا هنساه وهعيش من غيره عادي جداً، ما أنا كنت عايشة من غيره خمس سنين مامُتش، خليه في خطيبته وخليني في نفسي، هو أصلاً نظراته اتغيرت مبقتش أشوف نفسي فيها زي زمان بقت واحدة غيري في عيونه…

وقامت وقفت: يلا عشان نمشي، خيال لوحدها في الفيلا وكانت تعبانة، تعاالي معايا وبالمرة تتعرفي عليها.

ميرا أومأت: أوكي يلا ونشوف مين اللي وقعت عم إلياس الدنجوان.

رجعت لوسيندا الفيلا ومعاها ميرا والاتنين فتحوا عيونهم بصدمة…

 

يتبع.. (رواية خطيئة خيال) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

4 رأي حول “رواية خطيئة خيال الفصل التاسع 9 – بقلم هايدي الصعيدي”

أضف تعليق