رواية انما للورد عشاق الفصل الرابع والعشرون 24 – بقلم ماهي عاطف

رواية انما للورد عشاق – الفصل الرابع والعشرون

الفصل الرابع والعشرون ..

عاد من الخارج متجهًا صوب غرفته بتأني، أطلق شهقة حينما وجد “ورد” جالسة فوق فراشه ممسكة بطرفه في توتر جليٍ فوق قسماتها. اقترب منها وما زالت الدهشة تعتلي وجهه، ابتلعت ريقها برعب عصف بكيانها بينما يتقدم منها بتمهل شديد كأنه يستلذ بالخوف الذي تزرعه نظراته المخترقة بداخلها.

حركت رأسها بنفي رافضة تواجدهما معًا في هذا الوقت .. رافضة بقائهما من الأساس.

تقدم نحوها حتى وصل إليها وهمس بنبرة تقطر حنانًا وعشقًا: ورد! أنا مش مصدق أنك هنا .. أنك معايا!

عاودت النظر نحوه وهي تردف برقة واهية أشعلت نيرانه كلما تحدثت إليه: أنا جيت علشان اتكلم معاك مخصوص يا عاصي، ممكن؟

_” أنا من الصدمة حاسس أني بحلم والله، اتكلمي يا ورد، قولي اللي عايزاه، هنزل بس لحظة هجيب لك عصير وبعدين نتكلم “

حركت رأسها بنفي، ثم أردفت برفض: لأ، مش مستاهلة يعني، هتكلم وهمشي على طول.

وافق على مضض، تلاشى غضبه وحل محله الهدوء مرة أخرى، فتحدث بسعادة بالغة: أنتِ غالية عندي أوي يا ورد، قولي اللي عايزاه، أنا سامعك.

تسارعت نبضات قلبها وطرقت الطبول حتى كاد أن يسمعها، عيناها تحولت إلى سوداء من فرط غضبها نحوه، فقالت بجمود حاولت إيجاده جيدًا: سعاد حكت لي كل حاجة يا عاصي، أنت اللي اقنعتها تقتلت فريد صح؟

انعقدت الألسن وسبحت الأفكار في محيط لا نهاية له، تسارعت الأنفاس ببطء بعدما كانت محبوسة في وجودها، ابتلع ريقه بصعوبة، حمحم كي يجد نبرةً طبيعية مبررًا لها ما علمت به:
إزاي يعني؟ مش الدكتور قال سكتة قلبية؟!! هتلبسيها لي ليه يا ورد؟ وبعدين مين سعاد دي أصلًا؟

_” عاصي، بطل الحجج دي، وقولي لي الحقيقة، أنا عرفت كل حاجة، بلاش تلف وتدور في الكلام معايا.”

أومأ لها ببرود قبل أن يجيب عليها بجمود أثار حفيظتها: بالظبط كده، اللي سمعتيه من سعاد هو الحقيقة، أنا اللي خليتها تموته، ولو عايش هقتله تاني.

فغرت شفتيها في تعجب وصدمة من اعترافه الدنيء، بينما هو لم يتراجع قيد أنملة بل واصل عمله مقربًا منها بشدة وأنفاسه تلفح بشرتها.

اسرعت مبتعدة على حين غرة، فتحدثت بأعين زائغة مرتعبة: ليه عملت كده؟! مش خايف من العقاب ؟!!

قهقه عاليًا، ردًا بنبرة حادة جعلتها ترتجف: حتى لو في عقاب يا ورد مش هيكون أكبر من عقاب أنك روحتي لغيري للمرة التانية وأنا واقف مش عارف أعمل حاجة.

لم تنتبه لنظراته القاسية، ذلك الظلام الذي حل على عينيه قبل وجهه، فلو كانت تمنعت به جيدًا لقرأت ما يدور في عقله وما ينوي فعله معها الآن!

في لمح البصر، انفتح الباب على مصراعيه، جعله غير مستوعب ما يحدث حوله حينما وجد رجال الشرطة معهم، وقاموا بتقييد يده في الحال!

رمقه “ماجد” الذي خرج للتو من الخزانة باستشاطة وأعين غاضبة لوقوع جريمته الشنيعة تجاه شقيقه على مسامعه!!

لم يهتم ” عاصي” لأمر أحد سواها .. غير عابئ بنظرات الجميع سوى هي!

فنظراتها نحوه حملت الكثير بين طياتها، لا يعلم إن كانت غضبًا أم عتابًا أم ماذا؟!

تحدث مع ذاته ببضع كلمات جعلت من حوله يظنون أنه فقد عقله للتو!

لمَ كل شيء يقف ضده؟!

حتى حينما باتت الحياة تبتسم له ولو بصيصًا، تلاشت بسمتها سريعًا كأن الحزن صار كظله!

لاح ببصره نحو والدته وشقيقته اللتين لم تصدقا حتى الآن فعلته، أنانيته نحو كل شيء بغيض كان يرغب به، لم تصدقا بتاتًا حينما أخبرتهما “فرح” بذلك!!

ظل الصمت يسود المكان حتى بترت فقاعته “فيروز” حينما قالت بحزن دفين: ليه؟ ليه يا عاصي تعمل كده؟ تقتل؟!!
أنا مش قادرة أفكر ولا أصدق أي حاجة بتحصل، عقلي مش مستوعب لحد دلوقتي، ابني قاتل؟؟؟؟

_” هي السبب “

كلمة واحدة تحدث بها أثارت غضب “ماجد” حينما أشار نحو زوجته، لكنه حاول التريث حين ضغطت “ورد” بيدها بخفة فوق كفه التي تحتضنه بين راحتها. فاستكمل “عاصي” هادرًا وعيناه تتساقط منها الدموع بشكل هستيري: أيوة هي السبب، هي اللي فَضلت ولاد عمها عليا، هي اللي اعتبرتني أخوها، عمرها ما حبتني، أيوة هي السبب، أنا كنت هديها عيني الاتنين لو طلبت، بس هي صممت عليهم وسابتني لوحدي بتقطع من غيرها.

فواصل حديثه بازدراء يتطلع نحو “فرح” بأعين غاضبة: حتى أنتِ يا فرح، يوم ما فكرت أحبك واديكي فرصة تانية خونتيني وبصيتي لصاحبي، اتجوزتك وأنتِ مدمنة وقلت هعالجك بس طلعت غبي أوي، أنتِ حبتيني وأنا لأ، أنتِ كنتي بتعملي المستحيل علشان أحبك ومعرفتيش، حتى أنا كمان فشلت في العلاقة دي.

ألقى بجسده فوق الأرضية جعل الجميع يشفق عليه رغمًا عنهم، تنهد بوجع قائلًا بمرارة: بس خسرت، طلعت غلطان، ظلمت نفسي وظلمتكم معايا، أنا آسف يا ورد، حقك عليا يا فرح.

لم يستطع النظر نحو والدته وشقيقته، فقال بخفوت لكن وصل لمسامعهم جيدًا: آسف يا أمي أنتِ وعنان، مش عايز حد يزعل مني بالله عليكم .. آسف .. آسف.

ثم وثب واقفًا في موضعه، متحركًا للخارج مع رجال الشرطة دون أن ينبث بكلمة أخرى، تاركًا الجميع ينحب بشدة لفقدانه، حتى “ماجد” لا يعلم هل يشعر نحوه بالشفقة أم بالغضب لفقدان شقيقه بسببه؟!! ..

****

كانت تشعر بالضياع والتشتت كونها وحيدة، لكن حينما ترى وميض عينيه، تشعر وكأن الكون بأسره بين راحتيها. غمرتها السعادة بوجوده بجوارها في رحلتها العصيبة المليئة بالعوائق الحياتية، ولم تشعر بها سوى لحظاتٍ سُرقت من الزمن.

أحست أيضًا أن الريح سرقت أسرارها ونثرتها في كل مكان، فدوى وجعها أكثر ..

استفاقت من شرودها على صوت القابع أمامها ينظر إليها بضيق، فقال بنفاذ صبر: يا بنتي، ركزي معايا بقى!

تنهدت بحزن جليٍ فوق قسمات وجهها قبل أن تُعقب بوجع: عاصي صعبان عليا أوي يا حمزة، عارفة أن مفيش حاجة تغفر له بس برضو مهما حصل دا ابن عمي وأخويا.

بتر حديثها مصطكًا بأسنانه فوق بعضها، مجيبًا بشراسة: وحبيبك!

_” شيل العواطف دلوقتي لو سمحت من علاقتنا، الموضوع ده كان صفحة من حياتي وانتهت، فمافيش داعي كل شوية تفكرني بيها، وبعدين أنت سلبي ليه كده؟! مش ده كان صاحبك؟! “

شعر بوخزة مؤلمة شقت صدره لنصفين حينما وجدها تغلق عينيها رافضة سقوط الدموع من مقلتيها، مردفًا بإيجاز عكس ما بداخله من نيران: مش قصدي أفكرك بالصفحة دي يا فرح، بس كل إنسان له عواقب نتيجة أفعاله، وهو غلط ولازم يتحاسب.

متابعًا بنبرةٍ حادة جعلتها ترتجف كورقة خريفية: حمزة صاحبي وأخويا قبل ما يكون ابن عمك. وزعلان على اللي بيحصل له، بس مافيش حاجة في إيدي أعملها تساعده يخرج من اللي هو فيه، فأوزني كلامك قبل ما تتكلمي!

رفعت حاجبها الأيسر لتناطحه بقولها الحاد القوي الذي لا يليق سوى بأنثى لم تستطع التريث بتاتًا: المناقشة معاك مبقتش نافعة نهائي، فعلشان كده الأحسن ناخد هُدنة وبعدين نتكلم.

أحسّ بقبضة تعتصر صدره وهو يراقب اهتزاز عينيها بما تعانيه من عذاب صامت يفترسها وكلمات مُخبأة داخلها، فقال بكل هدوء لا يُقارن بما داخله: يعني أفهم من كلامك كده أنك عايزة نبعد! عايز أسمع ردك دلوقتي يا فرح علشان ننهي المهزلة اللي بتحصل دي، لأنه واضح أني بريل على علاقتنا ومتمسك بيها أكتر منك!

رمقت ملامحه المقتضبة، ترتشفها بتمعنٍ، تتأنى بها كأنها ترغب في حفظها عن ظهر قلب، فأجابت بخفوت:
أنا عايزاك يا حمزة.. مقدرش أبعد عنك.

أطلق زفرة ارتياح وقد حصل على الإجابة التي تمنى سماعها بعد عناء. جوابها أرضى كرامته كرجل قبل أن يكون عاشقًا، فقال مستنكرًا أفعالها: طب طالما بتبادليني نفس الشعور، ليه مش بتحسسيني بكده؟! ليه دايمًا ببين لك أني عايزك في حياتي وأنتِ بتتقلي عليا؟

_” أنا آسفة يا حمزة، بس مينفعش أبين لك ولا أتعامل معاك غير بحدود، يعني لما يكون في حاجة بينا رسمي.”

رفع حاجبيه بدهشة من حديثها، مما جعله يقهقه عاليًا، فقد أرقّ ذاته من كثرة التعجل في تلك الزيجة، لكنها ترفض دومًا أن يبقى سويًا، والآن تخبره بهذا الحديث!
فأردف بجفاء بعدما كف عن الضحك: خلاص نكتب الكتاب على طول وبعدين نتجوز في أي وقت، معنديش مانع.

صمتت لا تعرف ما عليها فعله، لم تنبث بكلمة عقب حديثه القوي، فلو أخبرته بالانتظار لفقد صوابه وعقله نحوها. لو تمهّل قليلًا قبل أن تخبر زوجة عمها، ستنفر منها بشدة لما تريده.
شعرت بالحيرة والتردد معًا، لكن تركت الحياة تقودها نحو طريقٍ مجهول لا تعرف إلى أي مدى سيصل بها …

****

وضبت أغراضها كي تغادر هذا المنزل، فلم ترغب في العيش هنا أكثر من ذلك. تحولت حياتها التي جاهدت لجعلها تنبض إلى حطامٍ بين ليلةٍ وضحاها. لقد ذاقت المرارة في منزلهم ولم تشعر بالسعادة بوجودها معهم، فأصبح التفكير بالتخلص من سجينها أمرًا واقعًا أرادته هي. غارقة في مشاعر مشتتة لا تستطيع فك شفراتها، لكنها جديدة عليها ومؤثرة بشكل يخشاه قلبها الجريح.

باتت لا تستطيع التفكير بأنه سيصبح ماضيها. لقد عشقته وانتهى الأمر!

تساقطت العبرات من مقلتيها بشكل هستيري، رافضة الخروج من بقعة حبها له، لكنها لا تود أن تبقى عوائق بينهم أكثر من ذي قبل.

انفتح الباب بعد طرق صاحبه لينظر نحوها بذعر حينما وجد عبراتها تلمع وحقائبها بجوار الفراش. اقترب منها متسائلًا بعدم فهم: أنتِ رايحة فين يا ورد؟!

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه فلم ترغب أن يرق قلبها لنظراته التي تقطر حزنًا نحوها، فقالت بجمود وهي تحاول ضبط أنفاسها: أنا رايحة عند خالتي يا ماجد، عايزة ورقتي توصل لي بكرة لو سمحت.

بنظرة نارية متوحشة وهدوء يسبق العاصفة، سأل: أيوة يعني عايزة إيه برضو مش فاهم؟

_” نتطلق يا ماجد، مفيش حاجة دلوقتي تخلينا نكمل سوا، خلاص خلصت القصة. “

لقد طفح الكيل من حديثها المبهم، فأدرك بأن هناك عاصفة قوية قادمة تحمل بين طياتها الكثير، فهدر بها: يعني إيه عايزة تتطلقي؟ طب وحياتنا اللي هنكملها مع بعض؟ مش دا كان كلامك؟

ابتلعت غصة تشكلت في حلقها، مجيبة بنبرة حزينة جعلته يفقد عقله من استهتارها بمشاعره: علشان مش هينفع تكمل مع واحدة حياتها عبارة عن وجع، مش هينفع تكمل معايا علشان ابن خالتي قتل أخوك، يعني مشاكل عائلية أكتر، حاجات تانية كتير!

اشتدت الحرب وازدادت اشتعالًا حتى وصلت إلى أكثر نقطة مثيرة، وهو همسه غير المبالي الذي يعبر عن نفس غاضبة: وأنتِ بَقى البطلة اللي بتحب تعيش دور الضحية دايمًا في الرواية؟

تابع بنبرةٍ حادة جعلتها تلعن ذاتها على تفكيرها بتركه: أنتِ واحدة أنانية وضعيفة يا ورد، مش بتفكري غير في نفسك وبس.
قلت لك قبل كده كتير طول ما إحنا سوا مفيش حاجة هتحصل، بس أنتِ مفيش غير الطلاق عندك، وعمرك ما حاولتي ولو مرة تخلي علاقتنا تنجح. بس تمام طالما عايزة تتطلقي هنفذ لك طلبك، وبكرة هاخدك عند المأذون علشان اللي بينا ينتهي. يارب تكوني مبسوطة.

كانت مشدوهة ملجمة اللسان لا تستطيع الحركة والحديث بعدما غادر سريعًا.أطبقت على جفنيها من ذبذبات صوته التي اخترقت قلبها. كيف ستواجه ذاتها وهو يحقق لها مطلبها بعد إلحاحها الشديد رغمًا عن قلبها وما وراءه؟

هزت رأسها رافضة حديثه القاسي ودموعها انسدلت بشدة فوق وجنتيها. ارتمت على الفراش تنحب كأنها فقدت عزيزًا للتو..
لِمَ لا؟
فهو أصبح يشكل لها كل شيء تمنته بعد صراع مع حياتها المؤلمة المليئة بالمعاناة.

*****

هناك غصّة تعتلي قلبها من شدة الحزن، لم تصدق إلى الآن فعلته، كأن النوم لا يعرف لعينيها الحمراوتين طريقًا. ارتمت فوق فراشها تبكي بشدة، وظلت تنفث حزنها وغضبها في الوسادة لما حدث لشقيقها.

سمحت لوالدتها التي طرقت الباب أن تلج، فأعتدلت في جلستها تنظر نحوها بترقب في صمت، قائلة بعدم استيعاب: ماما، أنا مش مصدقة أي حاجة حصلت، إزاي أخويا يعمل كده! هتجنن.

تنهدت “فيروز” قبل أن تعقب بحزن دفين: محدش مصدق يا عنان، كأن اللي بيحصل حلم.. بس حلم بشع.

_” صحيح يا ماما، ورد السبب؟ “

حركت رأسها بالنفي، مردفة بجدية: لأ يا بنتي، ورد كل حاجة حصلت ملهاش دخل فيها، حتى جوازها من ماجد اتغصبت عليه، ورد أكتر واحدة عانت في الدنيا دي.

صمتت “عنان” تشرد من جديد، لكن والدتها ربتت فوق كتفها بحنان جعلتها تنتبه لها، فقالت بخفوت حزين: كفاية كده، وقومي روحي مع جوزك يلا.

أجابت برفضٍ قاطع: لأ، أنا هقعد هنا، مستحيل أسيبك.

نهرتها بعتاب محاولةٍ الوقوف من موضعها: مينفعش، روحي ارتاحي وخدي بالك من صحتك علشان البيبي.

_” طب وأنتِ؟! “

زفرت بنفاذ صبر ثم أردفت بنبرةٍ مطمئنة: هبقى آجي أطمن عليكِ، يلا امشي مع جوزك بقى مستنيكِ برا من بدري.

أومات لها ثم غادرت بعدما أخذت متعلقاتها، بينما “فيروز” تحركت صوب غرفة “عاصي” تتأمل كل شيء بها، لمحت صورتها معه فوق الكومود فأخذتها ثم جلست فوق المقعد، تساقطت دمعة حارة رغمًا عنها جعلتها تقول بنحيب: ياربّ أنا عارفة أني غلطت لما سيبت ورد تروح من إيده مرتين بس متعاقبنيش بفراقه ياربّ.

“يُتبع” ..

“مــاهــي-عــاطــف.”

عرض أقل

الفصل التالي اضغط هنا

يتبع.. (رواية انما للورد عشاق) اضغط على اسم الرواية لتجد الفهرس كاملاً بجميع الفصول.

أضف تعليق