Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السابع 7 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السابع 7 - بقلم نعمة حسن 

_ ٧ _


~ نحن أبناء اليوم! ~


شارف الليل على الانتصاف وقاسم لا يزال منتظرا اتصالًا من سارة حتى يذهب إليها .. وفي خلال تلك الساعات الماضية لم تتوقف أو تنقطع اتصالات فتون القلقة.


بعد دقائق، اتصلت به سارة وأخبرته أنها تنتظره أمام بيت رفيقتها التي أوصلها أمامه فذهب إليها على الفور.


بعد حوالي ربع ساعة كان قد وصل حيث تنتظره فركبت في المقعد الخلفي بصمت وأخذت تتصفح بهاتفها بينما كان هو ينظر إليها من فينةً لأخرى بالمرآة الأمامية.


ارتفع رنين هاتفه فأجاب مرحبا وقال:

_ أهلا سيد أكثم.


استرعى الاسم انتباهها فأرهفت السمع إليه وهي لا تزال مشغولة بهاتفها ولكنها نظرت إليه باهتمام عندما سمعته يقول:

_ حقا؟ هل يمكنني زيارته بعد غد؟ حسنا أشكرك سيد أكثم أنا ممتنٌ لك للغاية، مع السلامة.


أنهى الاتصال ونظر إليها بالمرآة مبتسمًا وهو يقول:

_ هذا كان سيد أكثم مدير أعمال والدك، أخبرني أنه استطاع الحصول على إذن بالزيارة لوالدك بعد غد.


عادت تنظر بهاتفها بصمت فقال:

_ يمكنكِ الذهاب معي إذا أردتِ، سيفرح والدك جدا، فلقد أخبرني أنه يشتاقكِ كثيرا.


اهتز بدنها وانتفض قلبها وقالت بشرود:

_ هل أخبرك ذلك حقا؟


أومأ بتأكيد وقال:

_ نعم، وأخبرني أيضا أنه لم يرَكِ منذ كنتِ طفلة في الثامنة، أنا واثق أنه لو رآكِ الآن وقد أصبحتِ شابة جميلة متفوقة سيفتخر بكِ كثيرا.


ابتسمت ابتسامة مقتضبة بسخرية وهي تقول:

_ آخر همي أن يفتخر بي.


وعادت تنظر إلى هاتفها من جديد وخيّم الصمت بينهما مرةً أخرى، حينها أدرك أن الوصول لنتيجة ملموسة معها لن يكون سهلا أبدا. ولكنه لم يكن ليستسلم فقال:

_ لِمَ لا ترغبين في رؤيته والتحدث معه وجها لوجه؟ ألا تبحثين  عن إجابات  لأسئلة أرقت منامك وشغلت بالك كثيرا؟ 


نظرت إليه باهتمام وقالت:

_ ولكني أعرف أصل الحكاية كلها من والدتي، لم يعُد هناك شيئًا يتوجب علي فهمه.


_ حسنا أعرف أن السيدة فتون قد روت لكِ ما حدث ولكن والدك لم يفعل، ألا يعد ظلمًا أن تمنحي طرفا حق الدفاع عن نفسه وتسلبي نفس الحق من الطرف الآخر؟ هل هذا عدلا برأيك؟


_ وهل ما فعلوه بي كان عدلا برأيك؟


_ وهل يحق لنا أن نطالب بالعدل ونحن لا نطبقه؟ ثم أن إجابة سؤالك بالتأكيد لن يجيبكِ عليها سوى والدك، والدك الذي قرر ذات يوم الاستسلام والذهاب للموت بنفسه لأنه يئس من أن تمنحينه فرصة أخرى، قرر أن يلقي بنفسه في الهلاك لأنه لا يملك أملا يحيا من أجله. 


رمشت بعينيها عدة مرات وازدردت ريقها بتوتر فعلم أنه يسير على الطريق الصحيح وأكمل:

_ ألا تريدين أن تمنحينه ذلك الأمل؟ ربما تجدين في ذلك الأمل حياةً أخرى كنتِ تبحثين عنها ولم تجدِ سبيلا للوصول إليها.


تنهدت بحزن ثم أضافت:

_ ولكني الآن أحيا الحياة التي أراها مناسبة.


أومأ مبتسما وقال:

_ بالتأكيد سترينها مناسبة لأنك لا تعرفي حياة غيرها، وكما تعرفين لا يجوز الحكم على التجربة قبل خوضها.


شردت بعيدا تفكر بحديثه فقال:

_ ها، ماذا قررتِ؟ هل تقبلين زيارته؟ 


نظرت إليه بتردد ثم هزت رأسها على مضض وقالت:

_ حسنا، مرة واحدة فقط .


أومأ بابتسامة وغبطة شديدة تملؤها وقال:

_ حسنا، كما تشائين، سأخبر سيد أكثم ونذهب لزيارته سويا بعد غد إن شاء الله.


أومأت بصمت فقال:

_ والآن هل يمكنني أن أطلب منك طلبًا؟


تعجبت صيغة سؤاله وراقها جدا طريقته المهذبة في الحديث إليها وكم الاهتمام والمراعاة اللذان يظهرهما في حديثه معها وهي التي افتقرت كثيرا لتلك الطريقة وهذا الأسلوب وأولئك البشر في حياتها فما كان منها إلا أن تسائلت بفضول:

_ أيُ طلب؟


أخرج من جيب سترته دعوةً للافتتاح وقال بتهذيب:

_ غدا افتتاح معرض الدراجات النارية الخاص بي، هل تقبلين تشريفي؟ مع العلم أن والدك هو من مد لي يد العون وساعدني لافتتاح هذا المشروع.


نظرت إلى الدعوة بيدها بتردد فقال:

_ سأكون سعيدا جدا إن أتيتِ.


أخيرا ظهر شبح ابتسامة على شفتيها وردت بهدوء:

_ إن شاء الله.


///////////////////


في اليوم التالي وبالتحديد وقت الافتتاح..


كان قاسم واقفًا وعلى وجهه ابتسامة متألقة، يرتدي سروالًا من  الجينز باللون الأسود وقميصًا باللون الأبيض، وقد بدأ شعره يطول مجددا ويمنحه نفس المظهر الذي كان يتميز به سابقا.


التفت للوراء فوجد عمه وزوجته قد وصلا، فاستقبلهما بترحيب وسأل:

_ أين حياة؟ لمَ لم تأتي معكما؟


حينها برز صوت زوجة عمه تقول:

_ ستأتي برفقة خطيبها، الدكتور خالد.


في تلك اللحظة توقفت سيارة أجرة أمام المعرض ونزلت منها حنان، أسرع قاسم نحوها واحتضنها بشوقٍ كبير وهو يقول:

_ خفتُ ألا تأتي. اشتقت بك كثيرا.


أطبقت بذراعيها حول عنقه ثم قبلت وجنته بقوة وقالت:

_ وانا اشتقت إليك أخي، مبارك عليك.


ربت فوق ظهرها واصطحبها لتقف بجوار عمها وزوجته فقالت صفية:

_ هل أتيتِ بمفردك؟ ألم يأتِ عزيز معك؟


توترت حنان وأحست بالحرج فأحاط قاسم كتفيها بذراعه في دعمٍ خفي فقالت:

_ هو يشعر بالتعب لذلك لم يتمكن من المجيء.


مسح قاسم فوق ذراعها وقال بحنان:

_ المهم أنكِ أتيتِ.


التفتت صفية حيث توقفت سيارة خالد وقالت بابتسامة عريضة:

_ ها قد حضرت حياة والدكتور خالد.


نظر قاسم نحوهما ولكنه صُعِق عندما رأى وجهها الذي لطالما اعتاد رؤيته ضاحكًا مشرقًا يبدو حزينًا باكيًا.


لم يغفل عنها وهي تحاول رسم ابتسامة مزيفة على شفتيها وهي تتقدم برفقة ذلك الطبيب المتملق المتغطرس الذي صافحهم جميعا وصافح قاسم بابتسامة مصطنعة وهو يقول:

_ مبارك عليك.


أومأ قاسم بابتسامة ولم يرد، بينما كان كل ما يشغله الآن هو ما فعله ذلك الحقير حتى تتبدل حياة وتنطفئ بهذا الشكل، لدرجة أن والدتها لاحظت فقالت بهمس:

_ ما بكِ حياة، هل تشاجرتما؟ وجهك شاحب للغاية، لمَ لا تذهبي وتعدلي زينتك؟


أشاحت حياة بوجهها للجهة الأخرى بصمت متجاهلةً كلام والدتها ثم قالت:

_ ها قد وصلت عنبر!


التفت قاسم فجأة ونظر إلى حيث تشير حياة وقد خفق قلبه بقوة عند ذكر اسمها ولكنه لن يكون قاسم اذا أظهر ما يخفيه قلبه.


تقدمت عنبر برفقة عبدالله، تحاول رسم الثبات على ملامح وجهها المتشتتة، تقاوم كي تظهر التماسك برغم أن كل عضلة بجسدها ترتعش بترقب وتحفز.


كانت ترتدي فستانًا بسيطًا باللون الأسود وبه لمحات من اللون الذهبي وحجابًا بنفس اللون، ولم تستخدم أيا من مساحيق التجميل فهي تثق بجمالها الطبيعي وخاصةّ عينيها الساحرتين بلونهما الرمادي.


تقدم عبدالله من الجميع وهو ينفخ صدره بأنفة وغرور وصافحهم فبدأ بعمه وصولا لقاسم في النهاية ومد يده بتردد وقال:

_ لقد أبلغني عمي أنك أردت دعوتنا بشكل شخصي ولكنك خشيت أن نرفض الحضور فلجأت إليه لأنك تعرف أننا لا نرد له طلبا.


أومأ قاسم متمهلا بابتسامة ثقة وقال:

_ أجل، في الحقيقة أردت أن تكون عائلتي بجواري في يوم مثل هذا بغض النظر عن أي خلافات سابقة، نحن أبناء اليوم!


نظر الجميع إلى عبدالله ينتظرون رده بتحفز خاصةً صالح الذي كان يرجو الله أن يقبل عبدالله بذلك الصلح الذي يعرضه عليه بطريقة غير مباشرة.


رمق عبدالله قاسم بشك ولكنه لم يرَ منه سوى ابتسامة هادئة فتنهد قائلا:

_ نعم، نحن أبناء اليوم!


زفر صالح براحة أخيرا وعلت وجهه ملامح السعادة وهو يقول:

_ الحمد لله. لا فرّق الله شملكم أبدا. 


تمتم قاسم بابتسامة:

_ آميـن. 


كان الجميع يراقب ما يحدث بابتسامة ما عدا حنان التي كانت غارقة في شرودها ولم تفق إلا عندما ربت أخيها فوق رأسها وقال وهو يضمها نحوه:

_ ما بها صغيرتي؟


نظرت إليه بابتسامة وقالت بنبرة مرتجفة:

_ أفكر بك، كيف استطعت نزع الحقد والغل من قلبك تجاه من ظلموك بتلك السهولة؟ ألم يكن من المفترض أن تذيقهم من نفس الكأس الذي أذاقوك منه.


مرر يده على مؤخرة رأسه وابتسم ابتسامة جانبية وهو يقول:

_ ذلك الكأس الذي أذاقوني منه لم يبقَ به ولو قطرة حتى أذيقهم إياها، لا تشغلي بالك عزيزتي.


نظرت إليه بشك وقالت:

_ هذا يعني أنك سامحت عزيز أيضا؟ 


ابتسم وهو ينظر إليها بمشاكسة وقال:

_ هل تحبينه بذلك القدر؟


أومأت بحزن فقال:

_ لا أعرف إن كنت سامحته أم لا، لكن كل ما أعرفه أنه كان مغلوبا على أمره ولا يزال، عزيز شخصًا طيبًا وليس أهلا لما فعله، ولكنه يترك رقبته بيد عبدالله ويسمح له أن يحركه كيفما يشاء، ولكن كوني واثقة عزيزتي أنني لن أفعل أي شيء قد يبكيكِ لا تقلقي.


ضمته بحب وامتنان فضمها إليه وقد حانت منه نظرة نحو حياة التي تتابعهما بعين باكية وهي تكافح كي لا يلتفت الموجودين إليها فهمس لأخته قائلا:

_ حنان، خذي حياة واذهبا لغرفة المكتب ريثما تنتهيان من وصلة البكاء التي انتابتكما تلك، وحاولي فهم ما الذي أصابها، أشعر أنها ليست بخير .


أومأت بموافقة وطلبت من حياة اصطحابها ووافقت الأخرى على الفور.


كان عبدالله يتجول بعينيه في أنحاء المكان وهو يتطلع يمينا ويسارا ويراقب كل التفاصيل، ثم همس في أذن عنبر التي تقف بجواره سابحة في ملكوت آخر:

_ من أين حصل على المال؟ 


انتبهت له ونظرت إليه متعجبة فغمزها متعجبًا وقال:

_ على ما يبدو أنه لدية تجارة غير مشروعة يديرها في الخفاء وهي ما أجنت عليه ذلك الربح المهول ومكنته من افتتاح معرض بهذا الحجم، إضافة إلى سيارته الفخمة التي اشتراها منذ أيام، وما خفي كان أعظم.


تطلعت إليه بضيق وزفرت ثم قالت:

_ وما أدراك أنه يتاجر بتجارة غير مشروعة ؟


ضحك مستهجنا سؤالها وقال:

_ ذكائي هو ما أدراني، لأنني أقوم بتشغيل عقلي ولا أهمله حتي يتآكله الصدأ كما تفعلين أنتِ، لأني أفكر بمنطقية ولست أعمى البصر والبصيرة مثلك، بربك زوجتي الذكية، لقد خرج لتوه من السجن بعد عشر سنوات كاملة، كيف حصل على ذلك المبلغ بين ليلةٍ وضحاها؟؟!


صمتت وهي تفكر بكلامه بعقلانية، نعم هو محق، فهي تعرف أنه لا يملك سوى الشقة التي يعيش بها، وقبل عشر سنوات لم يكن لديه سوى نفس الشقة حتى أنهما كان سيتزوجا بها وكانت حنان ستنتقل للعيش مع حياة بشقة عمها، وكما قال عبدالله ، لقد خرج من السجن للتو وبالتأكيد لن يربح مبلغا كهذا في اليانصيب! إذًا من أين حصل عليه؟!!!


////////////


كانتا حنان وحياة تحتضنان بعضهما البعض وتنتحبان بشدة فقالت حياة:

_ حنان، كفى ، هنا ليس المكان ولا الوقت المناسبان كي نستجيب لتقلبات هرموناتنا المختلة، بالله عليكِ إذا دخل قاسم فجأة ماذا سنخبره؟ 


قالت حنان وهي تجفف دموعها:

_ هو من أخبرني كي أصطحبك إلى هنا لأنه كان يشعر بكِ وأنكِ لست بخير.


توقفت أمام كلماتها قليلا وهمست بشرود:

_ شعُرَ بي؟ 


أومأت حنان ببساطة وقالت:

_ هل حدث شيئًا بينك وبين خالد؟ 


تنهدت الأخرى بأسف وقالت:

_ إنسان حقير، في كل مرة يتجاوز حده معي، اليوم وبمجرد أن ركبت السيارة بجواره حتى مال علي ليقبلني عنوة.


اتسعت عينا حنان بدهشة وقالت:

_ الحقير النذل!!


أومأت الأخرى بموافقة وأكملت:

_ فما كان مني إلا أن صفعته.


حملقت بها بصدمة وقالت:

_ هل صفعتِهِ حقا؟


عادت تجهش بالبكاء مرة أخرى وهي تقول:

_ نعم فعلت، وبعدها صرخ بوجهي بطريقة أفزعتني وقال أني تغيرت معه كثيرا منذ خروج قاسم من السجن، وأني لم أعد أرغب في رؤيته أو مهاتفته كما كنت من قبل، وتحدث بكثير من التفاهات التي شتتتني وضغطت أعصابي أكثر.


كانت حنان تستمع إليها بتعجب وحيرة وقالت:

_ وما علاقة قاسم بالأمر؟


انخرطت حياة في بكاءٍ مرير وارتمت بأحضانها وهي تقول:

_ يتهمني أني على علاقة به!


/////////////


كان قاسم متجهًا للمكتب في تلك الأثناء وهم بطرق الباب ولكنه توقف عندما استمع إلى بكاء حياة وهي تخبر شقيقته بسبب الخلاف بينها وبين خالد، وعندما استمع لجملتها الأخيرة أصيب بالدهشة والضيق في آن واحد.


عاد أدراجه حيث يتواجد الجميع ولكنه لم يستطع أن يحيد ببصره عن ذلك البغيض وتمتم بضيق:

_ عديم الشرف!


في تلك اللحظة، ارتفع رنين هاتفه فأجاب على الفور وقال باسمًا:

_ هل وصلتِ؟ حسنا أنا في انتظاركِ.


كانت حياة قد خرجت من غرفة مكتبه بعد أن هدأت حنان من روعها ووعدتها أنها ستذهب لقضاء يوم كامل معها، استمعت حياة لقاسم وتعجبت، من تلك التي ينتظرها؟


ثوان قليلة وظهرت فتاة شقراء جميلة، ترتدي فستانا أبيضا يصل لركبتيها وشعرها المموج الطويل يهيم حول وجهها بحرية.


في تلك الأثناء كان كلا منهم يحمل كأسا به مشروبا ترحيبيا ومن ضمنهم خالد الذي بمجرد أن رأى سارة وقد ظهرت في الأفق حتى تشردق وأخذ يسعل بشدة.


ذلك التصرف لم يغفل عنه قاسم، الذي استقبل سارة بحفاوة كبير وقال:

_ أنرتِ آنسة سارة.


ثم قدمها للجميع قائلا:

_ أقدم لكم آنسة سارة، ابنة صديق لي، وهذا الرجل صاحب أفضال كثيرة علي، وما لا يعرفه أحد سوى عمي ، أن ذلك الرجل هو من أدانني المبلغ الذي قمت بافتتاح هذا المشروع بواسطته. سررت بمجيئك آنستي.


نظرت عنبر إلى عبدالله بتحدٍ واضح وطالعته بنظرة ذات مغزى وقالت بتهكم:

_ إن بعض الظن إثم.


ابتلعت حياة ريقها بتوتر وهمست:

_ إذًا تلك الشقراء تكون بنت القاتل وليس بمجرم! 


طالعتها حنان باستغراب وقالت:

_ بماذا تهذين؟ أي قاتل؟ 


_ لا تشغلي بالك، فقط أهذي كما قلتِ.


همس خالد إلى صالح وقال:

_ لدي موعد طارئ، قدم مباركاتي إلى قاسم بالنيابة عني، يجب أن أنصرف حالا، عن إذنك.


هرول خالد هاربًا وكل همه أن لا تتعرف عليه سارة وسط ذلك الجمع حتى لا يشك أحدا في أمرهما، فمن الذي يضمن له أنها لن تعرفه إليهم كطبيب صيدلي محترم يبيع الممنوعات بكل بساطة! لذلك لاذ بالفرار ولم يلتفت وراءه ولم يخبر حياة التي تعجبت اختفائه فجأة.


في ذلك الوقت وصلت رسالة لهاتف قاسم وبمجرد أن قرأها حتى تنهد بارتياح أخيرا وهز رأسه قائلا:

_ نحن أبناء اليوم، واليوم نبدأ.


/////////////


بعد انتهاء الافتتاح، عاد عبدالله وزوجته إلى بيتهما، بينما ركب صالح وزوجته وحياة وحنان في سيارة قاسم وقام بإيصال حنان إلى بيتها ومن ثم عادوا معا إلى البيت.


دخلت حنان وكان عزيز في انتظارها..


ألقت التحية وجلست بجانبه وقالت بهدوء:

_ ليتك كنت معنا.


تعجب حماسها المفرط وقال: 

_ هل كان حفلا مسليا لتلك الدرجة؟


_ لا أقصد التسلية، أقصد الألفة، الدفء الذي كنت افتقده.


تبسم ساخرا وقال:

_ لو كنت أعلم أنهم سيوزعون عليكم وجبات دفء وألفة كوجبة ترحيبية بالتأكيد كنت سآتي.


_أنا لا أمزح إطلاقا، ولعلمك لقد تصالح أخي مع عبدالله.


نظر إليها متعجبا وقال:

_ من تصالح مع من؟


_ أخي وعبدالله!


_ حقًا؟


وانفجر في ضحكات متتابعة حتى أنها تعجبت حاله وسألت:

_ ما بك؟ لِمَ تضحك؟


_ على سذاجتك حبيبتي، هل قام بخداعك وأخبركِ أنهما تصالحا؟


_ حسنا لقد خدعني ، هل خدع الجميع إذًا؟ لقد تصافحا أمامنا وقال قاسم أنهما من الآن فصاعدا أبناء اليوم! معنى هذا أنه قد سامحه ونبذ الماضي.


كان عزيز شاردا في نقطة وهمية، يهز رأسه بغير تصديق ويقول:

_ غير ممكن، أبدا لن يكونا.


تنهدت بضيق وقالت:

_ ولمَ لا؟ أنا أعرف أخي جيدا طيب القلب ولا يحب إيذاء نملة حتى، وأكيد هو فكر وقرر أن يلتفت لمستقبله ويهمل الماضي بكل ما حدث!


_ وهل سيهمل عمره وشبابه الذي أفناه في السجن أيضا؟ حنان اسمعيني ، إن كان قاسم قد قال هذا فعلا فهذا لا ينذر بالخير أبدا.


قطبت جبينها باستفهام وقالت:

_ ماذا تقصد؟


_ أقصد أنه قاسم الذي أعرفه جيدا أكثر منك شخصية، لا تضيع من عمرها ثانية سدى أبدا.


ونهض متجهًا لغرفته وتركها غارقةً في أفكارها.


دخل عزيز غرفته وأغلق الباب، ثم قام بالاتصال بعبدالله: 

_مرحبا أخي.


_ أهلا عزيز، كنت أنتظر اتصالك ، بما أنك اتصلت فأكيد أن زوجتك قامت بإخطارك بما حدث.


_ أجل، ولذلك اتصلت كي أنبهك، توخى الحذر عبدالله.


ضحك أخاه وقال بثقة:

_ لا تخف، مما رأيته اليوم أستطيع أن أخبرك أنه أصبح قاسم مختلفًا، يلهث خلف المال والجمال.


وضحك ساخرًا بعلو صوته قاصدًا أن تستمع عنبر لما يقول:

_ لقد ظهرت حبيبته اليوم، طفلة بحجم الكف، ولكنها حقا مثيرة، ووقف ابن عمك الأصيل واعترف بفضل والدها عليه وقال أنه من أدانه المبلغ الذي افتتح به مشروعه هذا، أظن أنه ينوي الزواج من تلك المراهقة وبالتأكيد يطمح أن ينتشله والدها من الفقر ويجعله من أصحاب الثروات.


ثم أكمل حديثه هازئًا وقال:

_ ثم أنه من عليه أن يتوخى الحذر، ولستُ أنا، موقفي الأقوى.


تنهد عزيز بقلة حيلة وقال:

_ فليفعل الله خيرا.


_ ولمَ لم تأتِ برفقة زوجتك؟ ألم يخبرك عمك بشأن الدعوة ؟


_ أخبرني ولكني خجلت، صراحةً لم أجرؤ على مواجهته، ثم أني ظننت أنك لن تذهب!


_ ولمَ لا؟ هو دعاني وأنا استجبت لدعوته، من مصلحته أن يكسبنا في صفه ويضمن أننا لم نعد في جبهة الأعداء، على كلٍ عليك ألا تمنح الأمر أكثر مما يستحق.


_ حسنا أخي. مع السلامة.


////////////////////


جلست حياة أمام طاولتها وهي تتطلع إلى الصورة التي لم تكملها حتى الآن وظلت تتحدث إليها بشرود وهي تقول:

_ ترى أي صورة ستكون بجوارك هي الأفضل؟ أكيد ليست تلك الشقراء، إنها بالكاد تصل لركبتيه..


وضحكت ثم اختفت ضحكتها وقالت:

_ أيعقل أن يكون واقعا قي حبها؟ لهذا ساعده والدها وأعطاه المليوني جنيه؟ أم أنها مجرد ابنة صديق كما قال! 


وحكت جبهتها بتفكير مرهق وهي تقول:

_ غير معقول، قاسم يبلغ من العمر ثلاثين عاما، وتلك الجنية لم تتجاوز الخامسة عشر أعتقد! 


ثم شهقت بصدمة واستنكار وهي تقول:

_ يا إلهي، أيعقل أن يكون قاسم شخص بيدوفيلي!!! لالالا.. هل هو مصاب باضطراب الميل للأطفال؟ مستحيل! 


ونظرت إلى ملامحه المرسومة أمامها وقالت:

_ ألهذا قال خالد أن ليس من مصلحتي أن أعرف فيمَ دخل السجن؟ ولهذا طلب مني عدم الاختلاط به؟ مستحيل!


قرصت بين عينيها بألم وإرهاق من شدة التفكير ونهضت تغدو وتجيئ في أرجاء غرفتها الصغيرة وهي تفكر بجدية وقد اتخذ الأمر حيزا أكبر مما ينبغي.


_ لا، لن أترك الأمر ناقصا بعد الآن، لا بد أن أعرف كل شيء.


خرجت من غرفتها بعد أن تأكدت أن والديها قد خلدا للنوم، خرجت من الشقة باتجاه شقة قاسم، طرقت الباب وقلبها يكاد أن يتوقف عن النبض من فرط الخوف، لحظات وفتح قاسم الذي تفاجأ برؤيتها وقال:

_ حياة، هل أنتِ بخير؟ هل والديكِ بخير؟


لم تُجِبه ودخلت وأغلقت الباب وهو لا يزال واقفا يتطلع نحوها بصدمة وقال:

_ ما الذى تفعلينه؟ ما الذي دهاكِ تكلمي؟


_ هل أنت بيدوفيلي؟


قطب جبينه مستفهما وقال:

_ ماذا؟ ما هذا؟ بيدوفـ… ماذا؟ 


_ألا تعرف معناها؟


_ أنا لا أعرف كيف أنطقها فكيف سأعرف معناها بربك!


نظرت إليه بجدية وقالت: 

_بيدوفيلي، مهووس بالأطفال!


اتسعت عينيه بدهشة وظل يطالعها للحظات دون رد فعل ، وما لبث أن أفاق من صدمته حتى أشار بإتجاه الباب وهو يقول:'

_ اخرجي، اخرجي حالا.


_ لن أذهب في أي مكان قبل أن تخبرني الحقيقة!


_ أي حقيقة يا معتوهة؟ هل أنتِ جادة فيما تقولين؟


_ أجل، هل أنت مهووس بالأطفال لذلك دخلت السجن؟


قلّب كفيه متعجبا وهمس:

_ أستغفر الله العظيم ، من فضلك اخرجي وإلا والله لن أكون مسؤولا عما سأفعله، اخرجي.


صرخ بها فوقفت أمامه بإصرار وهي تتطلع لعينيه مباشرةّ وتقول:

_ أخبرني قاسم، يجب أن نضع النقاط فوق الحروف الآن، هل تحب تلك الطفلة التي حضرت الافتتاح اليوم؟ هل أنت مهووس بالأطفال وتلك كانت جريمتك؟ هل ساعدك والدها من أجل أن تتزوجها؟ 


واتسعت كهرمانيتاها بصدمة وقالت:

_ يا إلهي، هل تجاوزت معها؟


_ اخرسي.


هدر صوته بعنف وأضاف بدهشة:

_ ما كل تلك الحماقات التي تتفوهين بها بقلة أدب و حياء! هل تعرفين؟ أنتِ الطفلة وليست هي.


_أنا لستُ طفلة.


_ بلى طفلة، وطفلة قليلة أدب كذلك.


نظرت إليه بصدمة وقالت:

_ أنا قليلة أدب قاسم!!


_ أجل، تقفين بكل جرأة وتتهمين ابن عمك بأنه مريض ومهووس بالأطفال، وليس ذلك فقط.. تتهميني بأني تجاوزت مع طفلة؟ وكان خيالك خصبًا بما يكفي حتى أنكِ توقعتِ أن والدها ساعدني لأجل ذلك!


أغمض عينيه ورفع كفيه يضغط بأنامله على جانبي عقله وهو يقول:

_ يا إلهي، لا أصدق.


_ إذا ما سبب دخولك السجن.


نظر إليها بعينيه الغاضبتين وأشهر سبابته بوجهها وقال بتحذير:

_ أقسم بالله سأفقد أعصابي وأريكِ وجها لن تنسيه مدى حياتك يا حياة، هيا أسدي لنفسك خدمة واخرجي من هنا حالا.


ضربت بقدمها الأرض بطفولة وقالت:

_ ليس قبل أن تحكي لي لمَ دخلت السجن، الجميع يعرف السبب حتى خالد المقرف ، وأنا الوحيدة البلهاء بينكم.


استوقفه تعبيرها وامتعاض وجهها وهي تذكر اسم خالد فقال:

_ ماذا فعل لكِ؟ هل تعرض لكِ مرة أخرى؟


ابتلعت ريقها بتوتر وقالت:

_ نعم، ولكني أجبتهُ بِم يستحق.


ثم قالت وهي تشيح بيديها بحماس وتصف له ما فعلته بدقة :

_ لقد نال مني صفعة أطاحت بعقله وجعلته يدور حول نفسه كمن أصابه الدوار.


ضحك بفخر قائلا:

_ أحسنتِ يا كهرمانة.


التمعت عيناها بجذل وقالت:

_ لا تخف، يمكنك الثقة بي.


أومأ مؤيدًا وهو يدفعها من كتفيها باتجاه الباب ولازال متمسكا بابتسامته وهو يقول:

_ أعلم ذلك عزيزتي، هيا يايصغيرة اذهبِ لشقتك قبل أن يكتشف والديكِ غيابك ويعلمان أنكِ كنتِ هنا وإذ فجأةً أجد نفسي مضطرا لتصحيح خطأي، هيا يا كهرمانة ولا تعيديها ثانيةً أرجوكِ.


وألقاها خارج الشقة وأوصد الباب وهو يتمتم بذهول:

_ من أين وقعت تلك المصيبة على رأسي يا إلهي!


نزلت حياة وهي تتحدث لنفسها بغيظ وتقول: لم يخبرني لِم دخل السجن! أقسم لن أدعك وشأنك يا قاسم الحداد.


////////////////


في اليوم التالي..


خرجت حياة من شقتها استعدادا للذهاب إلى كليتها فالتقت بقاسم الذي كان ينزل الدرج فقالت:

_صباح الخير قاسم.


رمقها بطرف عينيه بشك وهمس:

_ استغفر الله العظيم.


أكمل طريقه وتركها تحدث نفسها بتعجب وتقول:

_ ما به هذا منذ الصباح؟ لقد قلت صباح الخير ولم أقل أعطِني قبلة.


وضحكت ثم أسرعت تكتم ضحكاتها وهي تقول:

_ ما قلة الأدب هذة يا حياة، قاسم محق فيما قال، لقد أصبحتُ وقحة للغاية.


وفجأة قطع حديثها مع نفسها صوت عنبر وهي تصعد السلم راكضةً وتنادي أبيها مما أثار فزع حياة فقالت:

_ عنبر ماذا بكِ؟ هل كريم بخير؟


أمسكت عنبر بيدي أختها وهي تلهث وتتسائل من بين لهاثها:

_ أين أبي؟


_ لقد خرج منذ قليل، ما بكِ أخبريني؟


_ عبدالله ،  تم القبض على عبدالله!


_______________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية 

reaction:

تعليقات