Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السادس 6 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السادس 6 - بقلم نعمة حسن 

_ ٦ _ 


~ طريقنا واحد ~


غارقًا في كابوسٍ مظلم، يتصبب عرقا وهو يجاهد تلك الدوامة كي لا تسحبه بداخلها، يقاوم باستماتة حتى ينتزع نفسه وينجو منها خارج ذلك السواد الحالك الذي يغمره ولكنه لم ينجح، صوت صرخته المتألمة وأنينهُ المضني بألم يمتزج بصوت ضحكات كريهة وأصوات متداخلة ساخرة وأخرى متوعدة، عرقه الذي أندى جبينه سابقا من شدة الألم ومصارعة الموت يشبه عرقه الآن وهو يحاول بجهد أن يطفو على سطح الواقع بعد ما غرق في جحيم الماضي.


انتفض فجأة وهو يلهث بشدة ويتحسس جانبه إثر ذلك الجرح القديم ،ثم مد يده ومسح جبينه المتعرق وهمس مستغفرا، ثم نهض متجها للحمام وأخذ حماما باردا وبدل ثيابه ، ثم نزل قاصدا شقة عمه.


طرق الباب ووقف موليا ظهره نحوه، فانفرج الباب ونظرت صفية إلى قاسم بضيق وقالت:

_ قاسم؟ عساه خيرا؟


ابتسم بهدوء مصطنع نقيض تلك الفوضى التي تجتاح مشاعره كلما رأى وجهها المَقيت وقال:

_ صباح الخير زوجة عمي.


نظرت إليه بوجوم وقالت:

_صباح الخير.


_ هل عمي موجود ؟ 


_ نعم، ولكنه لازال نائما.


حك رقبته بحرج وقال:

_ حسنا، أراه لاحقا.


على الفور برز صوت صالح الذي خرج من غرفته وهو يعدل نظارته الطبية فوق عينيه ويقول:

_ تفضل بني، لقد استيقظت للتو.


نقلت صفية نظرها بينهما بحرج خفي وقالت:

_ تفضل قاسم.


_صفية، سنتناول الفطور سويا.


تحدث قاسم وقال:

_ لا شكرا يا عمي، لقد جئت لأتحدث إليك بموضوع هام فقط.


نظر الرجل لزوجته قائلا:

_ أعدي الفطور حالا، هيا.


انصرفت صفية، ولكنها لم تنصرف تماما لقد وقفت تتنصت عليهما حتى يتسنى لها سماع ما يقولون.


_عمي، لقد اشتريت السيارة بالأمس.


ابتسم صالح قائلا:

_ رأيتها بني، مبارك عليك، رزقك الله خيرها وكفاك شرها إن شاء الله.


_ آمين، واليوم ستصل البضاعة، لقد اتفقت مع الموزع ودفعت له نص الثمن والباقي عند الاستلام.


_ خير ما فعلت بني، بإذن الله سيعوضك الله خيرا ويكون هذا المشروع الصغير بداية لمشاريع كبيرة تجعل اسمك أشهر من نار على علم.


ابتسم قاسم بحماس وقال:

_ إن شاء الله، في الحقيقة جئت لأطلب منك أن تكون حاضرا الافتتاح، وأن تقوم بدعوة عبدالله وزوجته ، وكذلك عزيز وحنان، وكذلك حياة وخطيبها الدكتور خالد.


نظر إليه عمه للحظات يحاول سبر أغواره وفعم جده من مزاحه ولكنه لم يستشف في ملامحه أي علامات للهزل فقال:

_ هل أنت واثق من أنك تود حضور عبدالله وعزيز؟


_ ولمَ لا؟ هما أولاد عمي وفي النهاية لن نبقى متشاحنين مدى الحياة.


لمح في وجه عمه عدم الاقتناع جليًا على ملامحه فقال:

_صدقني عمي لا ينبغي أن تكون خائفا مني، لقد ألقيت الماضي بكل ما فيه خلف ظهري، ومن الآن فصاعدا لا أرى سوى مستقبلي فقط، وبالنسبة لي أكبر جزاء ممكن أن يناله عدوي هو أن يراني ناجحا ويتمنى حينها لو لم يفعل ما فعل.


أومأ صالح بعدم ارتياح وقال:

_ حسنا يا بني، سأدعوهم وإن شاء الله سنحضر جميعا.


نهض قاسم ينوي المغادرة، ولكنه تفاجأ بحياة تقف أمامهم وتقول:

_صباح الخير أبي، صباح الخير قاسم.


ابتسم قاسم بلطف وقال:

_ صباح الخير حياة.


_صباح الخير صغيرتي، إلى أين؟


حانت منها التفاتة ناحية قاسم وأجابت:

_ إلى مركز البصريات، سأقوم بعمل عدسات طبية جديدة، لقد انتزعت الأخرى.


_حسنا، بعد أن نتناول الفطور سيقوم قاسم بتوصيلك، طريقكما واحد.


نظرت حياة إلى قاسم بترقب فرأته يبتسم وقال:

_ نعم طريقنا واحد، ولكن اعذرني عمي لن أستطيع تناول الفطور برفقتك، لقد سبقتك.


تحدثت حياة قائلة:

_ وأنا سأتناول فطوري لاحقا .


نظر إليها قاسم وقال:

_ إذن، هل نذهب؟


أومأت بموافقة وقال:

_ طالما أن طريقنا واحد فلنذهب.


_____________


كانت تجلس على حافة الفراش وهي تنظر أمامها بشرود، أطلقت تنهيدة محملة بألم داخلي يملؤها، ثم مسحت وجهها بكفيها بتعب ومررت يدها فوق كتفيها وذراعيها وهي تشعر بوخزات شديدة تؤرقها.


التفتت ونظرت وراءها حيث ينام زوجها وتنهدت مرة أخرى بعجز وهي تمد يدها وتهزه برفق قائلة:

_عبدالله، هيا استيقظ.


لم يحرك ساكنا، فكررت نداءها مرة أخرى :

_عبدالله لقد قاربت الحادية عشر، هيا استيقظ.


ولكنه أيضا لم يتحرك مما أثار تعجبها؛ فهي تعرف أنه يستيقظ بمجرد أن توقظه، اقتربت منه أكثر وجثت بجواره وهي توقظه بقوة أكبر وتقول:

_عبدالله، ما بك؟ هيا استيقظ.


وأخذت تنظر له باستغراب شديد وهي تقول:

_ يا إلهي، ما باله هذا؟ هل مات؟!!


اضطرب قلبها بشدة واختلطت مشاعرها بعد أن جال هذا الخاطر بخيالها واقتربت منه ووضعت أذنها موضع قلبه وهي تقول:

_ لم يمُت، قلبه لازال ينبض للأسف.


تنهدت بضيق وهزته بقوة وصدح صوتها عاليًا وهي تقول:

_ عبدالله… ماذا دهاك في الصباح؟ هيا استيقظ.


زمجر عبدالله بخشونة وهو يفتح عينيه الحمراوتين ببطء ويقول:

_ ماذا حدث؟ لمَ تحدثين كل تلك الجلبة؟


لوت شفتيها بتأفف وقالت:

_ ظننتك مت، منذ ساعة وأنا أجلس بجوارك وأحاول إيقاظك عبثا.


اعتدل فكان نصف جالسا وهو يدلك رقبته برفق ويقول:

_ لن أموت بتلك السهولة زوجتي الحبيبة، عمر الشقي باقي.


خرجت من الغرفة باتجاه المطبخ وهي تتمتم بسخط:

_ خسف الله بك وبعمرك الأرض.


حين همت بالدخول للمطبخ سمعت صوت حياة وهي تضحك وعلى ما يبدو تتحدث إلى أحدهم..


///////////


_ هذا يعني أني أول من ينول شرف الركوب بجوارك سيد قاسم.


_ أجل، يا له من شرف آنستي. إن كان للسيارة فم كانت حتما ستطلق زغرودتين ترحيبا بكِ.


ضحكت بقوة فضحك على إثر ضحكتها وقال:

_ يا إلهي، أذكر تلك الضحكة منذ عشر سنوات، هي نفسها لم تتغير، تصبحين مثل شكمان السيارة المسدود.


اختفت ابتسامتها على الفور ونظرت إليه ببلاهة فانفجر ضاحكًا وهو يقول:

_ أمزح معكِ يا كهرمانة، هل لا زلتِ تملكين عقلًا بحجم حبة الذرة يجعلكِ تغضبين من أتفه الأمور؟


اتسعت ابتسامتها أكثر وقالت:

_ لا، لست غاضبة، تشبيهك فقط هو الذي استوقفني.


_أي تشبية؟ العقل بحجم حبة الذرة أم الشكمان المسدود؟


وضحكا سويًا غافلين عن تلك التي تنصت إليهما وداخلها يحترق..


____________


أسندت عنبر جبهتها على الباب وهي تبتلع لعابها بمرارة وتقاوم كي لا تسير عبراتها فتثير شكوك زوجها التي لا تحتاج إلى المزيد، فأطلقت زفرةً حارة ودخلت إلى المطبخ كي تعد الفطور.


صنعت بعض الشطائر وهي شاردة وصوت ضحكاتهم سويا لا يفارق أذنيها مختلطا بذلك الصوت اللعين المنبعث من الماضي …


_ استرجاع زمني _


_قاسم، أنت لا تعرف مدى سعادتي، أخيرا تخرجت! 


ابتسم قاسم بحب قائلا:

_ أخيرا حبيبتي، كنت أثق بكِ منذ البداية وأعلم أن عنبري المجنونة إن حدث وأصرت على هدف فلن يثنيها عن تحقيقه شيء أبدا.


أومأت بموافقة وهي تقول بامتنان:

_ الفضل كله لك حبيبي، لولا دعمك وإصرارك أن ألتحق بالكلية ومحاولاتك المستميتة لإقناع أمي لم أكن لأصل إلى ما وصلت إليه أبدا.


ونظرت إلى شهادة التخرج بيدها وهي تقرأها بكل فخر وتقول:

_ تشهد كلية التجارة أن الآنسة / عنبر صالح فضل الحداد ، المولودة في الإسكندرية، قد حصلت على درجة البكالوريوس في التجارة " شعبة إدارة أعمال " بتقدير جيد جدا…


وأخذت تقفز بمكانها بفرحة عارمة سرعان ما اختفت وتحولت فرحتها إلى بكاء مدوي وهي تقول:

_ لا أصدق يا قاسم، فخورة بنفسي جدا.


ضحك يائسًا من مزاجها المتقلب وقال بابتسامة:

_ وأنا فخور بكِ عزيزتي، فخور لأن أطفالي سيملكون أمًا ناجحة ومثقفة مثلك، ولكن أتعرفين ما يقلقني بشأن أطفالنا المستقبليين عنبر؟


هزت رأسها بتساؤل واهتمام وهي تمسح دموعها فأجاب بجدية مصطنعة:

_ أنهم سيملكون كذلك أمًا تحمل عقلا بحجم حبة الذرة يجعلها تبكي على أتفه الأمور..


ورفع وجهه للسماء وهو يدعو قائلا:

_ أرجوك إلهي لا تجعل أطفالي يرثون هرمونات أمهم أبدا.


وتعالت ضحكاتهما سويا ولكنها بدأت تتلاشى وتتلاشى حتى اختفت واندثرت فعلمت حينها أنها قد بُعِثت من ماضيها المظلم لحاضرها الأسود.


////////////////


استقل قاسم مقعده خلف مقود السيارة وجلست حياة بالمقعد المجاور له وهي تتأمل السيارة بانبهار وتقول:

_يا إلهي، لقد راقني لونها وفخامتها جدا قاسم، كل تفصيلة بها مميزة جدا، هل هي غالية؟ أكيد طبعا.. ثمنها لا يقل عن نصف مليون جنيها على الأقل .


أومأ موافقا وقال:

_ صحيح، أحسنتِ يا كهرمانة.


ظلت تنظر إليه بتردد وقالت:

_ ومن أين اشتريتها؟ 


ابتسم لأنه كان ينتظر سؤالها فقد بات يعرفها جيدا ويعرف فضولها تجاهه تحديدا فقال:

_ ليس من سوق المواشي بالتأكيد 


ضحكت وقالت:

_ هيا يا غليظ، أنت تعرف قصدي، أقصد من أين حصلت على ثمنها، واليوم أيضا سمعتك تخبر والدي أنك ستفتتح مشروعا.


ثم غمزتهُ بغمزة ذات مغزى وقالت:

_ من أين لك هذا ؟


ضحك قائلا:

_ هذا من فضل ربي.


تنهدت بيأس وقالت:

_ قاسم أرجوك لا تجعلني أشعر وكأني فضولية ومتطفلة.


_ أوَلستِ كذلك؟


ضربت ذراعه بقبضتها وقالت:

_ بلى، وعلى كلٍ لا أريد التطفل على حياتك أكثر. كما تشاء.


ابتسم قائلا:

_ ألديكِ من يكتم السر؟


أومأت بموافقة شديدة وهمست:

_ في بئر.


_ المال ليس لي، هو دَيْنٌ علي. أدانني إياه صديق عزيز تعرفت عليه بالسجن. وسأقوم بسداده حالما تتيسر أموري وتزدهر تجارتي.


سألته بفضول لا ينتهي:

_ وهل هذا الرجل ثري بهذا القدر؟


أومأ باقتضاب فسألته مجددا:

_وفيم دخل السجن؟


أجاب ببساطة:

_قضية قتل.


جحظت عيناها بصدمة وشهقت بفزع وهي تقول: 

_ يا إلهي، قاتل؟!! قاسم هل تصادق مجرمين؟!


ابتسم بسخرية وقال بسخرية أكبر:

_ يا عزيزتي كلنا مجرمين.


تعجبت سخريته من الأمر وكيف أنه يتحدث عنه بتلك البساطة فقالت باستهجان:

_ أراك تسخر من الأمر وكأنه شيئا عاديا، إنه قاتل! لا أرى الأمر مضحكا أو عاديا أبدا.


تنهد وهو ينظر من النافذة المجاورة له ويقول:

_ فعلا الأمر ليس مضحكا، ولكن أتعلمين يا صغيرة؟ ليس كل قاتل مجرم! الظروف التي تحول الإنسان من إنسان مسالم إلى قاتل هي المجرم الحقيقي.


قطبت جبينها وقد تشوشت أفكارها قليلا وقالت:

_ في الحقيقة لا أفهم ما تقصده بالمعنى الحرفي ولكن..


وحكت جبهتها بتفكير و أضافت:

_ ولكني تفاجئت أنك من الممكن أن تدافع عن قاتل! هل دخولك السجن واختلاطك بالسجناء غيرك لتلك الدرجة؟ 


تبسم قائلا بأسف:

_ نعم، غيرني كثيرا، هل تعرفين يا حياة.. السجن ليس سيئا كما تظنين، خارج السجن أشد سوءا.. خارج السجن هو السجن الحقيقي، السجناء هما الأكثر وضوحا بين البشر، هناك يكون القاتل معروفًا والسارق معروفًا والمغتصب معروفًا والمرتشي معروفًا، الجميع هناك واضحين والكل يعترف بذنبه، بينما خارج السجن الأمر مختلفا، الكل كاذبين يرتدون الأقنعة.


كانت تستمع إليه بتركيز واهتمام، وعندما استمعت لتنهيدته شعرت بمقدار الألم الكامن بصدره وأحست بالذنب لأنها كانت السبب في نبش ذلك الجرح من جديد وقالت محاولةً تغيير مسار الحديث:


على كل حال، علينا أن نشكر ذلك الصديق القاتل وليس بمجرم لأنه كان السبب في شراء سيارة فخمة جدا كهذه.


ضحك وقال مشاكسًا:

_ إن اصطدمت تلك السيارة الفخمة بالجدار أو بأحد أعمدة الإنارة سأدق رأسك في عنقك وأقتلع عينيكِ الصافيتين هاتين يا كهرمانة.


ضحكت وهي ترمقه بغيظ وتقول:

_تقصد أنني سأحسدك؟ لا تخف، عيناي كهرمانيتين مسحوبتين وليستا مستديرتين يا غليظ.


ضحك وقال:

_ أعلم ذلك، ولكني فقط أحب مشاكستك، أخبريني ما حال دراستك؟


_ كل شيء على ما يرام. تنتابني نوبات من فقدان الشغف ولكنها تنتهي سريعا على كل حال.


أومأ وقال:

_ وما هو طموحك بعد التخرج؟


ابتسمت بحماس وقالت:

أولا أن أن يكون لدي المرسم الخاص بي وأشارك بلوحاتي في المعارض الدولية.


هز رأسه بإعجاب وقال:

_ ممتاز، وأنتِ أهل لذلك.


وأضافت وهي تغمض عينيها بحالمية وتقول:

_ وأتمنى أن يهبني الله سيارة مثل تلك في يوم من الأيام.


ضحك قاسم قائلا:

_ إن شاء الله، وأعدك حينها أنني من سأقوم بتعليمك القيادة.


ابتسمت بسعادة وأخذت تتأمله وهو يجلس خلف المقود بكل فخامة فقالت:

_ يا إلهي، من يراك يظنك وُلدت سائقا.


ضحك وقال:

_ لم تخطئي، لقد تعلمتُ قيادة السيارات وأنا في سن العاشرة.


نظرت إليه بصدمة فقال:

_ نعم، كان والدي رحمه الله يملك سيارة أجرة وكان يدربني على قيادتها في وقت فراغه، هو كان يعرف ولعي بالسيارات حينها وكم أني أرغب في امتلاك سيارة قبل كل شيء.


ابتسم بحنين وهو يقول: 

_ فوعدني أنني عندما أبلغ السن القانوني وأستخرج رخصة القيادة سيساعدني في شراء سيارة خاصة بي، ولكن بعدها بسنتين تقريبا بدأت صحته تتدهور واكتشفنا أنه قد أصيب بسرطان الرئة، وبعد رحلة علاج استمرت حوالي سنة ونصف توفي في النهاية.


تحدثت حياة فقالت بحزن:

_ والدي أخبرني أن عمي عبدالعزيز رحمه الله كان طيب القلب وكان مخلصا للجميع.


أومأ موافقا وقال:

_ صحيح، كان طيبا جدا، وكان راضيا بمرضه، متأقمًا معه وكأنه نزلة برد وليس مرض بهذة البشاعة والخطورة والخبث، أتذكر أنه قال لي ذات مرة كلنا سنموت وهنيئا لي بموتة تشفع لي.


ابتسم متأثرا ثم قال:

_ بعد أن توفي قررت العزوف عن الدراسة، رأيت أنه من الأولى أن أرعى والدتي وأختي، وقام عمي ناجي رحمه الله بالاتفاق مع والدك أن يعمل هو سائقا بالسيارة الخاصة بوالدي ويقتسم الإيراد بينه وبيننا. وهذا ما حدث فعلا، واستمر الحال على ما هو عليه خمس سنوات كاملة وبعدها تعب فجأة ولزم الفراش ومات.


تمتمت الأخرى بحزن وقالت:

_رحمهما الله.


أومأ قاسم واستطرد:

_ بعد موت عمي ناجي بأشهر  أكملت عامي الثامن عشر، حينها كان عزيز يعمل برفقة عبدالله بائعا في أحد المحلات، اقترحت عليه أن نستخرج كلانا رخصة قيادة وأن نعمل بالتناوب كسائقين أيضا على نفس السيارة.. 


نظرت إليه حياة بإدراك وقالت:

_ هل تلك السيارة التي تحطمت في الحادث الذي تعرض له عزيز هي نفسها سيارة والدك رحمه الله؟


أومأ بتأكيد وقال بابتسامة سخرية:

_ حتى السيارة لم يُكتب لها النجاة!


نظرت أمامها بحزن، ثم طالعته بتترقب وقالت:

_ ألم يَحِن الوقت المناسب؟


توقف بالسيارة أمام مركز البصريات قائلا بابتسامة:

_ ليس بعد.


ترجلت بصمت من السيارة، بينما هو يتتبع أثرها بعينين غائمتين ويقول:

_ يا إلهي، تلك القصيرة تجعلني أتحدث أكثر مما ينبغي.


وانطلق بعدها متجها للمحل الذي استأجره ليكون معرضا للدراجات النارية، وقام بالاتصال بالموزع الذي أخبره أن البضاعة في طريقها إليه.


///////////////


كانت سارة تقف بغرفتها وهي تضع يدا  على خصرها والأخرى تضغط بها جانبي عقلها وهي تحاول تذكر شيئا ما:

_ أنا متأكدة أنها كانت داخل جيب ذلك السروال، إذًا أين ذهبت؟  


رن هاتفها فأجابت باهتمام:

_ كيف حالك حبيبي، أنا بخير وأنت؟ حسنا، سأراك هناك، لا تقلق، سآتي بالتأكيد.


طرقت فتون الباب ودخلت فطالعتها سارة بضيق وتحدثت بإيجاز ثم أنهت المكالمة ونظرت إلى أمها بحدة وقالت:

_ ذلك الباب صُنع ليطرق أولا.


أجابت فتون وهي تحاول التحلي بالهدوء:

_ لقد طرقتهُ بالفعل ولكنك لم تسمعِ، هل لديكِ موعد؟


_ نعم.


_ إلي أين؟


_سنجتمع ببيت چاسي رفيقتي.


_من؟ أقصد من سيكون معكِ من رفقتك؟


نظرت إليها سارة باستغراب وقالت:

_ ولماذا تسألين الآن؟ هل تريدين تقريرا مفصلا عما سأفعله أنا وأصدقائي أيضا؟


ثارت فتون ونظرت إليها بعصبية وهي تقول:

_ ولمَ لا؟ أنتِ ابنتي ومن حقي الاطمئنان عليكِ.


ابتسمت الأخرى وتوسعت ابتسامتها حتى تحولت لقهقهات عالية وقالت:

_ الجميع يعرف حقوقه ولا يعترف بواجباته.


قطبت جبينها باستفهام وارتفع حاجبها المنمق وسألت:

_ ماذا تقصدين؟


جلست ساره على طرف الأريكة الموجودة بزاوية غرفتها وهي تنتعل حذائها الرياضي أجابت:

_ما أقصده يا أمي العزيزة أنكِ تقولين أن من حقك الاطمئنان علي، حسنا هذا حقك، ولكن أين حقي أنا في أن أطمئن أن لدي أمًا حقيقية، أمًا تهتم لأمري صدقًا وأنا أول اهتماماتها وأكثر ما يشغل بالها؟ أين حقي في أم مخلصة وفية أفتخر بها أمام الجميع لا أخجل من كونها أمي؟


رمقتها فتون بقهر لاح في عينيها بوضوح وقالت بنبرة باكية:

_ تخجلين من كوني أمك؟


أشاحت سارة بوجهها جانبا وقالت بأسف:

_ لم تتركا لي حلًا آخرًا.


والتقطت حقيبتها وغادرت أمام نظرات أمها المقهورة التي قامت بالاتصال بقاسم وأخبرتهُ بما حدث.


///////////


بعد أن انتهى قاسم من استلام البضاعة وترتيب أمور الاحتفال تلقى اتصالاً من فتون تخبره بما حدث بينها وبين ابنتها وطلبت منه أن يتقفى أثرها.


_ أرجوك قاسم أشعر أنها تكذب بشأن رفيقتها تلك.


_ ألم تتعرفي إلى صديقتها تلك مسبقا؟


_ تعرفت إليها، لقد أتت إلى هنا سابقا ولكني أشك أنها ستذهب إليها، عندما دخلت عليها الغرفة كانت تتحدث مع شاب وتخبره أنها ستأتي بالتأكيد.


_ حسنا، لا تقلقي، سأتحدث مع السائق وأرى ما يمكنني فعله، مع السلامة.


أنهى الاتصال معها وطلب رقم السائق وقال:

_ مرحبا حسين، أنا قاسم الذي أخبرتك سيدة فتون بشأني، بدايةً لا تخبر آنسة سارة أنك تتحدث إلي.


_ بخير سيدي والحمدلله.


_ عليك أن تتصنع أن عطلا ما قد أصاب السيارة وتوقف ثم أرسل لي الموقع فورا وانتظر حتى أصلك ووقتها سأعرض عليك المساعدة وأنت ستطلب أن أقوم بتوصيل آنسة سارة.


_ فليكن خيرا إن شاء الله ، مع السلامه سيدي.


أنهى حسين الاتصال وفعل كما أخبره قاسم تماما، وفي تلك الأثناء كان قاسم قد انطلق بسيارته فور أن وصله الموقع الذي أرسله حسين.


توقف حسين بالسيارة فجأة وهو يقول بقلق مصطنع:

_  لقد توقف المحرك فجأة.


وترجل من السيارة وقام بفتح غطاء المحرك وأخذ يعبث به إلى أن ظهر قاسم الذي نزل من سيارته متجها نحوه وهو يقول بصوت عال:

_ مرحبا حسين، ماذا حدث؟


_ لقد تعطل المحرك فجأة، ولا أستطيع تحديد ما إذا كانت المشكلة بالفلتر أم البطارية، بعد إذنك هل يمكنك اصطحاب الآنسة سارة وإيصالها بينما أقوم بحل المشكلة؟


أومأ قاسم مؤكدا وقال:

_ نعم بالطبع، تفضلي آنستي.


ترجلت سارة من السيارة بضيق وهي ترمق قاسم بشك ثم أخبرته بعنوان بيت صديقتها فانطلق من فوره.


كان يختلس النظر إليها بالمرآة الأمامية ولكنها لم تلحظه فقد كانت تمعن النظر بهاتفها إلى أن توقف قاسم بالسيارة قائلا:

_ لقد وصلنا آنسة سارة.


أومأت بصمت والتقطت حقيبتها فباغتها قائلا:

_ يمكنك الاتصال بي عند العودة لأنه من الممكن أن لا يستطيع حسين حل مشكلة السيارة اليوم.


ثم مد يده لها بالهاتف فقامت بالاتصال برقمها من هاتفه وأعطته الهاتف وغادرت بصمت.


انطلق بالسيارة على الفور ولكنه لم يبتعد؛ فقام بالاختباء خلف مبنى بحيث لا تراه فوجدها لم تدخل البيت، بل خرجت مجددا للشارع الرئيسي وأوقفت سيارة أجرة ثم ركبتها.


لقد صدق توقع قاسم فقد فَطِن لما ستفعله تلك الشقراء لذلك لم يبتعد، وبعد أن تحركت بها السيارة تتبعها فورا.


بعد حوالي نصف ساعة، توقفت سيارة الأجرة أمام بيت فخم لا يقل فخامة عن بيتها، ونزلت منها سارة ثم أعطتهُ أجرته وانصرف.


حينها ترجل قاسم من السيارة وذهب لحارس البيت فكان رجلا خمسينيا أسمرًا ، يرتدي جلبابًا ويجلس بيده كوبا من الشاي يحتسيه؛ فصافحه بود وقال:

_ مرحبا، كيف حالك أخي.


_ الحمد لله.


_ هل الأستاذ عطية أبو النجا موجود بالداخل؟


_ من عطية أبو النجا؟


_صاحب الفيلا.. هل عاد من السفر؟


_ هذا البيت ملك للمهندس كامل العزازي.


تصنع قاسم الدهشة وقال:

_ مستحيل، أنا واثق أن ذلك هو بيت الأستاذ عطية وابنه الدكتور جمال، لقد أجرى لي جراحة سابقا وجئت لأشكره.


تحدث الحارس بنفاذ صبر وقال:

_ يا سيدي هذا البيت ملك للمهندس كامل العزازي وليس لديه سوى ولد وحيد يدعى سيف.. 


أخرج قاسم علبة سجائره وأعطى منها سيجارة للحارس وأشعل أخرى وهو يقول:

_ كيف لديه ولد وحيد؟ ومن تلك الفتاة التي رأيتها تدخل البيت للتو ؟


_ هذه الآنسة سارة صديقة سيف.


مط شفتيه باستهجان وقال:

_ أنت تعرفها، يبدو أنها تأتي إلى هنا دائما!


_ نعم، رأيتها هنا مرات عديدة.


أخرج قاسم ورقة من فئة المائتين ودسها بجيب جلبابه وهو يقول:

_ هل تأتي هنا بمفردها؟ أعني ألا يأتي بقية أصدقائهم؟


نظر الرجل للورقة المدسوسة بجيبه والتمعت عيناه بحماس وقال:

_ لا، لا تأتي بمفردها، يجتمعان سويا مرة كل شهر، وبالتحديد في اليوم الذي يسافر المهندس وزوجته لزيارة أهلهم خارج المدينة.


أومأ قاسم متريثًا وهو يقول:

_ هل تعرف طبيعة تجمعاتهما؟ أقصد ماذا يفعلان ؟ فيما يقضيان وقتهما؟ من يتواجد هنا غير آنسة سارة؟ 


نظر إليه الآخر بشك وقال:

_ هل أنت من رجال المباحث؟


أومأ قاسم نافيا فقال الرجل بضيق:

_ إذًا لماذا كل تلك الاستجوابات؟ 


أخرج قاسم من جيبه ورقة أخرى ودسها بنفس الجيب وقال:

_ دردشة ليس أكثر.


_ عادةً يأتي إلى هنا شابين وثلاثة فتيات من ضمنهم سارة، يرقصون ويمرحون وفي بعض الأحيان يأمرني سيد سيف بأن أشتري لهم بعض المشروبات.


ضيق قاسم عينيه وقال:

_ أي مشروبات؟


ضحك الآخر فبرزت أسنانه الصفراء بصورة مقززة وهو يقول:

_ الروحية يا روحي.


تنهد قاسم بتعب وقد ازداد العبء ثقلا وقال:

_ أشكرك يا سيد؟


_ حَمَد.


_ أشكرك يا سيد حَمَد ، تفضل هذه من أجلك، وأرجوك فلتخبرني على الفور إذا أتت الآنسة سارة إلى هنا مرةً أخرى.


نظر الرجل إلى المائتين جنيه بيده وفرح بها كثيرا وقال:

_ تحت أمرك.


غادر قاسم بعدها متجهًا إلى سيارته وأخذها وانصرف منتظرا اتصالًا من سارة حتى يذهب إليها عند بيت صديقتها المزعومة.


//////////////////


يتبع…

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية 

reaction:

تعليقات