رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الخامس 5 - بقلم نعمة حسن
_ ٥ _
~ المبادئ لا تتجزأ! ~
_سأحكي لك كل شيء من البداية.
اعتدل قاسم بمجلسه ناصبًا ظهره وأنصت إليها باهتمام، بينما أشعلت هي سيجارة وأخذت تدخنها وهي تشرد بعيدا وتقول:
_ قبل أن أتعرف على حبيب كنت أعمل كراقصة في أحد الملاهِ الليلية التي كان حبيب يتردد عليها من حين لآخر برفقة أصدقائه..
احتلت الصدمة وجه قاسم ولكنه لم يظهر ذلك ولم يعقب، فاستطردت هي وقالت:
_ حينها كنت مرتبطة بمالك الملهى وكنت أحبه جدا وكان قد وعدني بالزواج عندما تستقر أموره لأنه حسبما قال لي أن الملهى وقتها لم يكن معروفا ولا يدر له أي ربح، فطلب مني المساعدة وبالفعل وافقت، وأصبحت الراقصة الرسمية للملهى والذي يتوافد عليها الكثير لرؤيتها، كانوا يأتون إلي من كل أنحاء المدينة فقط ليشاهدوني، سطع نجم الملهى واشتهر وأصبح من أشهر الملاه الليلية وذاع صيته والكل كانوا يأتون فقط من أجلي، حتى أنني عندما كنت أمرض يوما كان يجلب لي لفيف من الأطباء.
ابتسمت وقد لقيت السيجارة حتفها بين اصبعيها فوضعتها بالمطفأة ثم استأنفت حديثها وقالت:
_ كنت أظن أن تصرفه ذلك بدافع الحب والاهتمام، ولكني اكتشفت بعدها أنه كان يهتم بصحتي حتى أستطيع مواصلة عملي كراقصة يأتي إليها الرجال من كل حدب وصوب. ولسوء حظي كان حبيب من ضمن هؤلاء الذين يأتون لمشاهدتي كل ليلة. لقد أُغرم بي وأدمن على زيارتي وكان يتودد إلي دائما بالهدايا الثمينة، وفي النهاية عرض علي الزواج ولم ييأس من الإلحاح على عرضه ولكني في كل مرة كنت أرفض، ولما يأس من الوصول لحل معي أنشأ صداقة وطيدة مع الحقير وكان يموله ويدعمه ماديًا من أجل أن يضغط علي ويقنعني بالموافقة.
أشعلت سيجارة أخرى استعدادا لاستكمال الجزء الأهم في القصة وقالت:
_ صارحني الحقير أنه لن يستطيع الزواج مني بعد أن عرف أن حبيب والذي أصبح صديقا مقربا له قد وقع في حبي، وقال أنه لم يكن ينوي خداعي أبدا ولكن الحسابات اختلفت الآن وعليه أن يضحي بسعادته من أجل صديقه الذي قدم له المساعدة مرات غير محدودة. تشاجرنا وقتها حتى أني صفعته أمام الجميع ونعتهُ بالديـوث وخرجت من الملهى دون رجعة، ولكن حبيب لم يتوانى عن ملاحقتي واثبات كم أنه جاد في طلبه، وفي نهاية المطاف وجدتُ نفسي وحيدة، لا أجيد عملا، لم أكون رفقة، لا أعرف أهلا، واضطررت لقبول عرض حبيب وتزوجنا ولكن بشرط أن يقطع تلك الصداقة بينه وبين ذاك الحقير وأن ننتقل للعيش بمدينة أخرى، وبالفعل وافق دون أن يسألني حتى عن السبب.
تبسمت بحسرة وقالت:
_ كان دومًا أوفى وأطيب شخص قابلته في حياتي.
أومأ قاسم مؤكدا صدق حديثها، بينما تنهدت وهي تضغط بأناملها على جبهتها بتعب وقالت:
_ تزوجنا بالفعل، ولم يكن حبيب يفوت فرصة إلا وأثبت أنه فعلا يعشقني، عشتُ معه في نعيم كما يقال، ولن أنكر أني أحببته، وبعد عامين أنجبنا ابنتنا سارة، كان حبيب سعيدا بها جدا، وزاد الرابط بيننا بقدوم سارة، فأصبح يغدق علي من حبه وحنانه أكثر من ذي قبل. لدرجة أنه أهداني صالون تجميل كان هو الأكبر في المدينة بأكملها وقتها.
مر حوالي سبع سنوات ونحن نشكل أسرة صغيرة سعيدة ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!
في يوم! ظهر ذلك المختل في حياتي من جديد.. جن جنونه عندما رأى كيف تبدل حالي وأصبحت مشهورة، أو ثرية بمعنى أصح! عاد يطاردني من جديد ويطلب مني أن أعطيه مبالغ ضخمة، ولما رفضت هددني أنه سيفتري علي بكل وقاحة ويخبر حبيب أنني على علاقة به منذ زمن، وأن تلك العلاقة لم تنتهِ حتى بعد زواجنا وأنه سيسعى بكل قوته لطلاقي منه مهما كلفه الأمر. خفتُ، خفتُ أن تُسلب مني تلك الحياة النقية السوية، خفتُ أن يصدقه حبيب ويطلقني، فكنت أدفع له ما يطلبه بكل غباء، وكان هو من الحقارة بحيث ابتزني طويلا وفي كل مرة كان يؤكد أنه سينفذ تهديداته إن لم أدفع له، وكنت أخضع لابتزازه اللعين بكل غباء وسذاجة.
ضغط كثيرا على أعصابي، شتتني وجعلني ألجأ للتدخين ثانية بعد انقطاع دام سنتين وأكثر، تأثرت نفسيتي كثيرا وأصبت بالأرق وكنت أواصل بالأيام دون نوم، تدهورت صحتي وشحب وجهي وبدأت أصاب بالكوابيس أثناء نومي، وطبعا حبيب لاحظ كل تلك التغيرات ولكنه لم يعرف السر وراءها، حتى أنه طلب مني أن أزور طبيبا نفسيا ولكني رفضت، ساورهُ الشك حِيال أمري خاصةً أن معاملتي معه تغيرت تماما من شدة الضغط النفسي الذي كنت أمر به، أصبح يشك بي وبتصرفاتي، أصبح يراقبني بنفسه ولاحظ وجود ذلك المختل في محيط تحركاتي، فلقد كان يلاحقني من الصالون وإلى النادي وفي كل مكان كنت أذهب إليه.
اهتزت يدها وارتجفت شفتاها وهي تسترسل ببكاء:
_ وفي يوم، اتصل بي حبيب وأخبرني أنه ينتظرني في شقته بوسط المدينة، تعجبت ولكني ذهبت إليها، جلست وانتظرته وعندما دق الباب ذهبت لأفتح ولكني صُعِقت عندما رأيت الآخر، تفاجئنا ببعضنا البعض وتملك الرعب مني أن يكون قد افترى علي وحبيب قد صدق افتراءاته، تجاذبنا الحديث وفجأة دخل حبيب وهو يطالعنا بشر وبعينيه اتهام صريح لكلينا، وواجهنا بأنه يشك بنا ، بدأ الحقير يتهمني أني كنت ألاحقه وأني كنت أطلب منه أن أكون على علاقه به وهو من كان يرفض، بدأت بدحض اتهاماته ودافعتُ عن نفسي، ولكن الآخر كان شيطانا بما يكفي لأن يريه على هاتفه صورا مزيفة تجمعنا سويا وتسجيلات مزيفة بصوتي وأنا أتودد إليه بطريقة قذرة وأطلب منه أن نتقابل، لم يفكر حبيب مرتين وأطلق النار عليه فسقط قتيلا في الحال، حاولت الهرب ولكنه أطلق الرصاصة الثانية باتجاهي فأصابت كتفي.
وجففت دمعاتها وهي تقول:
_ تم القبض على حبيب، وتم نقلي إلى المشفى، تم التحقيق معي والتحقيقات أثبتت أن الصور والتسجيلات مزيفة وأنه كان يبتزني وأني لم أكن على علاقة به بتاتا، وبعدها حُكِم حبيب بالسجن خمسة عشر عاما بتهمة القتل العمد والشروع في قتلي، إضافة لتهمة حيازة سلاح غير مرخص.
انتهت فتون من سرد تفاصيل حكايتها على قاسم الذي كان يستمع إليها بذهول صامت، والآن فقط أصبح على علم بالحكاية كاملةً.
أشعلت فتون سيجارة ثالثة وهي تزيل آثار الدموع التي لطخت أسفل عينيها بالسواد وقالت وهي تنفث دخان سيجارتها بهدوء:
_ سارة تعرف تلك القصة بتفاصيلها، ألحت علي وأصرت إصرار رهيب واضطررت لمصارحتها في النهاية ، لم أكن أعلم أنني لم يكن علي فعل ذلك، ومن يومها وهي تتجنبني تماما وترفض استقبال أي حوار بيننا كأم وابنتها، تلحديث بيننا فاتر جدا ولا نجتمع سويا غير مرات معدودة، هي الآن لديها أصدقائها يزورونها وتزورهم وتشكل برفقتهم دائرة مغلقة لا يمكنني اختراقها أو القرب منها.
تنهد قاسم بضيق وشعر أنه قليل الحيلة، لم يكن يتخيل أن تكون المسئولية التي وضعها حبيب على عاتقه بتلك الصعوبة، لقد ظن أن الموضوع سيقتصر على تلبية احتياجاتهم والاطمئنان عليهم فقط، ولكنه كان مخطئا.
نظر إليها بحزن وتأثر ثم قال:
_ ألم تفكري في عرضها على طبيب نفسي؟
_ حاولت ولكن رفضت.
_ منذ متى قامت بزيارة والدها؟
_لم ترهُ أبدا!
قالتها ببساطة أدهشته فقال مستنكرا:
_ مستحيل! لم ترَ والدها منذ ثمانية أعوام؟
أومأت بتوكيد وقالت:
_ نعم، سارة تنقم علينا أنا ووالدها، تقول أنني السبب في سجنه، وأنه بما فعله حرمها أن تحيا حياة طبيعية بين أب وأم يحتضنونها ككل الفتيات في سنها، تقول أيضا أننا لسنا مثالا مشرفا للأب والأم اللذان كانت تطمح بهما.
تنهد بضيق وأسف من أجل حال تلك الشابة وقال:
_ أين هي الآن؟
_ لا أعرف، أتصل بها ولا ترد.
وقبل أن يرد عليها انفرج الباب ودخلت سارة.
شابة جميلة، قصيرة بعض الشيء ، تتمتع بعينين فيروزيتين تجذب الأنظار، وشعر أشقر طويل مموج، جسد هزيل يلائم شحوب وجهها مما ينم عن حالة نفسية سيئة للغاية.
نظرت إليهم نظرة خاطفة وصعدت إلى غرفتها سريعًا.
_ ها قد عادت، هل ستصعد وتتكلم معها الآن؟
قالتها فتون فنظر إليها قاسم وقال:
_ لاحقا، يبدو أنها في حالة مزاجية سيئة ولن تقبل الحديث معي، ثم أنني لو تحدثت معها الآن ستعرف أنكِ طلبتِ مساعدتي وبالتالي أخبرتِني بخصوص ما وجدتِه وستشعر حينها أنها مراقبة ومحاصرة وسيشكل ذلك ضغطا عليها، علينا أن نتمهل في خطواتنا لمساعدتها .
نظرت إليه بقلق فطري وقالت:
_ هل يمكنني أن أثق بك حيال ذلك؟
أومأ موافقا وقال:
_ تأكدي أنني سأفعل ما بوسعي، الأهم من ذلك أنه لا ينبغي أن تخبريها أنكِ وجدتِ الأقراص بغرفتها وأنا سأكون بالقرب منها وأتدخل في الوقت المناسب.
استأذن قاسم بعدها وانصرف وقد أحس أنه يحمل عبئا ثقيلا على كاهله وبات محض اختبار لا بد أن ينجح به.
/////////////////
استيقظت حياة على صوت رنين هاتفها برقم خالد، تجاهلت مكالمته مرات عديدة ولكنه كان يعاود الاتصال مجددا إلى أن قامت بالرد:
_ صباح الخير.
_ أي صباح عزيزتي لقد قاربت الساعة على الرابعه.
تأففت بملل وقالت:
_ إذن مساء الخير.
_ مساء الحب حلوتي، حياة أشتاقك كثيرا، ما رأيك أن أمر بكِ؟
تعجبت اقتراحه المفاجئ وقالت:
_لمَ؟ أقصد لمَ الآن؟ يعني.. ألست مشغولا الآن؟
_ في الحقيقة أنا مشغول ولكن شوقي لكِ أهم. سأمر بكِ بعد قليل.
_ حسنا، أنتظرك.
نهضت وهي تمسك برأسها بتعب من شدة الصداع الذي يلف رأسها، ثم توجهت صوب طاولة الزينة وأمسكت علبة عدساتها كي تضعها ولكنها تراجعت فجأة وهي تنظر لكهرمانيتيها بالمرآة وأعادت العلبة موضعها وذهبت للاغتسال.
بعد قليل، وصل خالد، استقبلته صفية بترحاب وجلست معه ريثما تخرج حياة فقالت:
_ خالد؟ ألن تستعد لتحضيرات الزفاف بني؟ يتبقى شهرين فقط على العيد، ألن تقوم بحجز القاعة التي سيقام بها الزفاف؟
ابتسم خالد ابتسامته المتألقة وقال:
_ تلك الأمور من البساطة بحيث أستطيع حلها بمكالمة هاتف، لا تقلقي أبدا.
ابتسمت براحة وقالت:
_ حسنا بني، ها قد جاءت وردتي.. سأعد لكما مشروبا.
نهض خالد ليصافح حياة وهمّ بتقبيل وجنتها ولكنها ابتعدت عنه وهي تقول:
_ خالد لقد حذرتك مرارا، لا تعاملني بتلك الطريقة أبدا.
نظر إليها متفاجئا وقال:
_ ما بكِ حياة؟ ما ذلك الأسلوب الفظ؟
_ لأنك تثير ضيقي وغضبي.
_ وما الذي فعلتهُ أنا حتى أُثير غضبك وضيقك؟ هل لأني كنت سأقبلك؟ ليست تلك المرة الأولى التي أقبل وجنتيكِ!
نظرت إليه بغضب وقد أثارت كلماته استفزازها وقالت:
_ نعم، ولكنها آخر مرة.
تنهد بضيق بدوره وقال:
_ على ما يبدو لستِ في مزاج جيد أبدا، وأنا لن أسمح لكِ أن تفسدي مزاجي الذي تحسن برؤيتكِ حبيبتي ، اجلسي.
جلست وجلس بالقرب منها فقال:
_ حياة، هل فعلت شيئا أغضبكِ؟ منذ زيارتك لي بالصيدلية وأنا أشعر أنكِ تعاملينني بجفاء.
_ لا أبدا، ليس صحيحا، أنا فقط أشعر بالصداع لأنني لم أعد أضع عدساتي منذ يومين.
نظر إلى عينيها بصدمة وقال:
_ يا إلهي، لم أنتبه قبل الآن.
نظرت إليه بضيق لم تعرف سببه، ولكنها قارنت مقارنة سريعة بينه وبين قاسم الذي لاحظ الفرق برغم مرور عشر سنوات كاملة.
_ ولمَ لم تعدِ تضعينها؟
أجابت بشرود:
_ لأن قا… لأنني مللت من لونها وأردت أن أكون بطبيعتي فحسب.
زم شفتيه قائلا:
_خسارة، لقد اعتدت رؤيتك بهما، ولكن على كل حال أنتِ جميلة في كل حالاتك عزيزتي.
ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت:
_ شكرا.
_حياة، هل نخرج سويا؟ سأكون متفرغا في المساء، ما رأيك أن نتناول العشاء بالخارج؟
_ لا، لدي تطبيقات عملية سأقوم بتنفيذها، في وقت لاحق.
زم شفتيه بيأس وقال:
_ كما تفضلين، حسنا عزيزتي ، علي أن أغادر لأن عبدالله ينتظرني بالأسفل.
قطبت حاجبيها متعجبة وقالت:
_ والسبب؟
نهض واتجه نحو الباب وفتحه وهو يقول:
_ لا أعرف بعد، سأشتاق لكِ حبيبتي.
ومال نحوها واختلس قبلةً من وجنتها وقال:
_ اعذري شوقي، لم يبقَ الكثير حتى نتزوج ولن أكون مضطرا حينها لاستئذانك.
تنهدت بضيق وقالت:
_ وكأنك تفعل الآن.
وفجأة صُدمت بقاسم الذي كان ينظر لها بغضب شديد وهو يصعد درجات السلم وصولا لشقة عمه، فوقف يطالعهما بضيق وقال:
_ عمي يناديكِ حياة. ادخلي.
على الفور هرعت للحياة للداخل وأغلقت الباب بخوف وضيق، بينما يقف خالد يطالع قاسم ببرود ثم قال:
_على ما يبدو أنت ابن العم الذي خرج للتو من السجن.
ابتسم قاسم متهكمًا وحك زاوية فمه بابهامه قبل أن ينظر إليه متحفزا ويقول:
_ إنه أنا، وعلى أتم الاستعداد أن أدخله للتو أيضا. ألا تخجل من نفسك؟
ابتلع الآخر بتوتر وخوف وقال:
_ لا أفهم قصدك.
_ بلى تفهم، ما الذي فعلته ؟ كيف تسمح لنفسك أن تتجاوز حدك معها؟ هي لم تصبح زوجتك بعد؟ كيف تجرؤ وتقوم بالاقتراب منها بهذا الشكل المنفر وبغير ارادتها؟
_ وما دخلك أنت؟
تعجب قاسم وقاحته وهمس مستغفرا، ثم قال:
_ اسمعني يا هذا، حياة أنقى من أن تدنس برائتها بذلك الشكل، لا يحل ولا يحق لك لمسها أبدا حتى ولو برغبتها هي شخصيا، فهمت؟
نفخ الآخر صدره بتحفز وقال:
_ وأنت اسمعني يا رد السجون، لا تتدخل فيما لا يعنيك، حياة ليست قاصر وتعرف ما ترغب به وما لا ترغب به.
وانصرف وتركه واقفا يرغي ويزبد من فرط غضبه وغيظه.
كانت حياة تقف خلف الباب تستمع للحوار الذي دار بينهما وقلبها يخفق بين ضلوعها بقوة مهلكة، نظرت من العين الموجودة بالباب فرأت قاسم لا يزال واقفا خلف الباب يتطلع نحوه وكل أمارات الغضب تتراقص فوق وجهه لدرجة أنها خافت وتراجعت عن الباب وهرولت إلى غرفتها على الفور.
أما هو فصعد إلى شقته وعلى الفور ذهب ليأخذ حماما باردا وبدل ثيابه وخرج مجددا.
نزل السلم فالتقى بحياة التي كانت تقوم بفتح الباب وعندما رأته أغلقت الباب سريعا وهرولت إلى غرفتها مجددا فوقف يتمتم بصوت مسموع:
_ إختبأي لآخر العمر يا حياة.
خرج بعدها لمقابلة الموزع الذي سيشتري منه الدراجات وبعدها ذهب لشراء سيارة بالمبلغ المتبقي معه.
////////////
في تلك اللحظة كان خالد لا يزال واقفا مع عبدالله بمحل قطع غيار السيارات الخاص به والذي يقع بالقرب من بيت العائلة، ورأي قاسم وهو يخرج من البيت فنظر إلى عبدالله مغتاظا وقال:
_ هل ستتركون ابن عمكم المجرم هذا يتجول بينكم هكذا بكل أريحية؟
نظر عبدالله حيث ينظر الآخر وقال:
_ بالطبع لا، لن يكون اسمي عبدالله إن لم أزج به في السجن مرةً أخرى، ولكن تلك المرة سأدبر له تهمة تجعله يتعفن في السجن ويموت به.
تنهد الآخر بضيق وقال زافرا دخان سيجارته بِغل:
_ يكن خيرا إن فعلت.
أومأ الآخر بتوعد وقال:
_ على العموم دعما منه، أين الذي طلبته منك؟
أخرج خالد من جيبه شيئا ووضعهُ بكف عبدالله الذي نظر إليه مستاءا وقال:
_ هذا فقط؟
_ نعم هذا فقط، ولأنك صهري فقط أهاديك، إذا أردت المزيد تعال واشتري كما يشتري الآخرون ويدفعون مبلغا طائلا.
نظر إليه عبدالله متهكما وقال:
_ لا، هذه تكفي. شكرا لك صهري المحترم.
//////////
في المساء..
كانت حياة تجلس أمام طاولة الرسم خاصتها، تتطلع لتلك الصورة التي رسمتها لقاسم بشرود وبداخلها فوضى عارمة.
أحست بالصداع وقد عاد إليها من جديد فنهضت وخرجت إلي الشرفة لتحظى ببعض الهواء، لمحت على مرمى بصرها سيارة سوداء فخمة هي الأولى من نوعها التي تراها بحارتها تدنو إلى أن توقفت أمام مدخل البيت ونزل منها قاسم، وبعد أن دخل قاسم اجتمع أطفال الحارة يدورون حول السيارة ويتشبثون بها.
خرجت من غرفتها باتجاه الباب وفتحته تزامنا مع صعود قاسم نحو شقته فتجاهلها تماما وكأنه لم يرها إلا أنها استوقفته قائلة:
_ قاسم، سيارة من هذة؟
نظر إليها بطرف عينيه وقال:
_ سيارتي.
نظرت إليه متعجبةً وقالت:
_ من أين اشتريتها؟
رسم على وجهه نصف التسامة تكفي لأن تجعلها تلحظ سخريته منها وقال:
_ ذهبت بكل بساطة لأقرب معرض سيارات واشتريتها.
رمقتهُ بغيظ وقالت متهكمة هي الأخرى:
_ وأنا التي ظننتك اشتريتها من سوق المواشي.
انفلتت ابتسامته رغما عنه ولكنه سرعان ما أخفاها وقال بحزم:.
_ كنت أود الحديث معك بشكل ودي كرجل وبنت عمه ولكن للأسف لست متفرغا، عن اذنك.
التفت ليكمل سيره للأعلى ولكنها تمسكت بساعده وهي تقول:
_ قاسم، هل لازلت غاضبا مني؟
نظر إليها، ثم ليدها فوق ساعده فأبعدتها سريعا بحرج فقال:
_ ولمَ علي أن أغضب منكِ؟ هل فعلتِ شيئًا يغضبني لا سمح الله.
نظرت في كل مكان غير عينيه وقالت بتوتر:
_ لا، لم أفعل.
_ جيد إذا، بالإذن منك.
_ قاسم من فضلك، أنا.. أنا أعلم أنك غاضب مني لأنك رأيت خالد وهو..
صمتت واحمرت وجنتيها فقال:
_ هل تخجلين من قولها ولا تخجلين من فعلها؟
نظرت أرضا فقال بهدوء:
_ لقد خذلتِني حياة.
تطلعت نحوه وأدمعت عيناها بحزن بينما استطرد قائلا:
_ حياة، أنتِ أنقى شخص عرفته، أرجوكِ لا تسمحي لأحد مهما كان أن يدنس ذلك النقاء.
تنهدت وهي تعلم بأنه محق فيما يقول وأطرقت برأسها أرضا كالمذنب وقالت:
_صدقني أنا لا أتجاوز معه أبدا، ما رأيته هو كل شيء.
ابتسم لرؤية برائتها وقال بلهجة الواثق:
_ أعلم، ولكن المبادئ لا تتجزأ يا كهرمانة، لا تسمحي له أن يتجاوز حدوده معك ثانية.
أومأت بموافقة ونظرت إليه بابتسامة وعيون لامعة وقالت:
_ حسنا.
ابتسم لها وقال:
_ عديني حياة، عديني أن تبقي بفطرتك النقية تلك للأبد، عديني أن تظلي الأنقى حتى وإن تدنس العالم كله من حولك.
أثرت بها كلماته بشدة لدرجة أنها بكت فضحك قائلا:
_ اعذريني لا أجيد المواساة أبدا
ضحكت فضحك وأخرج من جيبه مبلغا من المال وأعطاه لها وقال:
_ تفضلي يا كهرمانة، هذا المبلغ كي تشتري عدسات طبية شفافة لا تخفي عينيكِ الجميلتين.
ضحكت وقالت:
_ شكرا قاسم، ولكن أنا لست بحاجة المال، سآخذ ما يلزم من أبي.
_ لا تناقشيني أكثر يا حياة، خذي المال واشتري العدسات حتى لا تتعثرين ويتحطم رأسك السميك وأكون أنا المذنب.
ضحكت وهي تمد يدها وتأخذ النقود ثم قالت:
_ شكرا لك قاسم، أنت حنون للغاية.
ابتسم وقال:
_ وأنتِ كذلك.
………….
يتبع
حب_في_الدقيقة_التسعين!
• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين " اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق