رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الرابع 4 - بقلم نعمة حسن
_٤_
~تستحقين ذلك وأكثر~
عادت حنان برفقة زوجها عزيز إلى المنزل.
دخلت والحزن يخيم بعينيها مما أثار ضيق عزيز فقال:
_ لو كنت أعلم أنه سيكون موجود لما ذهبت.. ولا أعرف ما الذي حاول عمي صالح فعله لكنه لم يكن مفيدا لنا على الإطلاق.
نظرت إليه حنان بحزن وطفقت عيناها تفيض بالدموع وقالت وهي تنتحب بشدة:
_ ألم تكتفي؟ ألم تكتفوا جميعكم بما فعلتموه به؟ أخي الذي عصيتهُ وتزوجتك برغم رفضه، الذي تخليت عن كل مبادئ الأخوة والوفاء والإخلاص ووافقتك أنت والشيطان أخيك وشهدت بحقه شهادة زور وبالرغم من ذلك لم يكرهني، لم يقسو عليّ مثلما قسوت أنا
أسقطت رأسها بندم بين كفيها وهي تبكي بحرقة وتقول:
_ كيف استطعت فعل ذلك! كيف أطعتك يا عزيز؟ ولأجل ماذا أطعتك؟ لأنني أحبك؟ هل وصلت بي الدناءة لأن أطعن أخي بظهره من أجل أخيك أنت!!
تأفف عزيز بملل وهو يقول بصوتٍ حاد:
_ ما الذي دهاكِ حنان؟ هل أنتِ بتلك الحالة لأنك رأيتِه اليوم؟
لطمت وجنتيها بقسوة وهي تصرخ بنشيجٍ حاد:
_ نعم ، نعم لأنني رأيته، لأنه لم يصفعني، لم ينبذني، لم يعنفني على الأقل… لم يفعل أي شيء كان من المفترض أن يفعله..
ونظرت إلى عزيز وقالت بقهر:
_ ضمني! بعد كل الذي ناله مني أخي ضمني وحنا عليّ مرة أخرى! أخي الذي كان من المفترض أن يطردني من بيته عندما ذهبت لزيارته احتضنني وواساني لوفاة بنتي!
أغمض عزيز عينيه بأسف عند ذكر سيرة ابنته، بينما هتفت هي دون رحمة:
_ ابنتنا أسيل، أتذكرها يا عزيز؟ أسيل ماتت كي يذيقنا الله من شرور أعمالنا..
حينها صرخ عزيز بقوة وكل عضلاته تهتز:
_ اخرسي يا حنان، كفى.
هزت رأسها بصمت وعادت ذكرياتها برفقة ابنتها تداهمها فاشتد عليها الحزن وأخذت تنتحب بندم.
بينما فارقها هو ودخل إلى غرفته وهو يتوكأ على تلك العصا التي يستند عليها ريثما يتعافى تماما من آثار الحادث المميت الذي تعرض له، ولكنه تعثر فجأة بسبب خطواته الواسعة المتعجلة ووقع أرضا ووقعت العصا بجانبه، حينها هرولت حنان نحوه واحتضنته وهي تبكي، فضمها إلى صدره وأطبق عينيه فوق دمعاته وهو يستمع إليها تقول:
_ في كل مرة يخونني قلبي ويرتمي أسفل قدميك، بجانبك أكون مسلوبة الإرادة بشكل يجعلني أحتقر نفسي كلما صحوتُ من سكرة عشقك! أكرهك بقدر عشقي لك يا عزيز.
////////////
في المساء جلست حياة أمام طاولة الرسم الخاصة بها واحضرت الأغراض التي اشترتها للتو ثم بدأت برسم خطوط عشوائية.
نادرًا ما تنتابها تلك الحالة من انعدام الشغف، حينها تلجأ للرسم وتترك العنان لخيالها وفي النهاية تتفاجأ بالصورة الأخيرة.
غرقت في شرودها وتذكرت نعت قاسم لها بكهرمانة وقد راقها ذلك الاسم كثيرا فابتسمت بتيه وفجأة انتبهت لما ترسمه؛ لقد رسمت نصف وجه، يتألف من شعر أسود كثيف وحاجب مرسوم حاد، عين واسعة سوداء تتسم بنظرة غاضبة، ونصف أنف مستقيم ينحدر إلى نصفي شفتين.
نظرت إلى ما رسمته بذهول وقد تفاجأت بأن تلك هي نفسها ملامح قاسم!
نهضت من أمام الطاولة وهي تقرص بين عينيها بتعب وقد بدأ الصداع يداهمها بقوة فتمتمت بسخط:
_ سامحك الله قاسم، سيفتك الصداع برأسي لأني أطعتك وكنت حمقاء بالقدر الكافي فخلعت عدساتي.
اتجهت صوب خزانتها وأخرجت منها شريط أقراص المسكن الذي تتناوله عادة، ابتلعت منه واحدةً وألقت بجسدها على سريرها بتعب، شاخصةً ببصرها نحو نقطةً وهمية حتى غفت!
|||||||
كان قاسم جالسًا وبيده ورقة وبالأخرى قلم رسم به دائرة في المنتصف وكتب بداخلها ( قاسم ) ثم رسم أربعة أسهم متفرعة من تلك الدائرة وكتب على كل سهم بالتوالي ( عنبر، عبدالله، عزيز ، حسّـان)
أخذ يطرق بالقلم على ذقنه بتفكير، تذكر ما حدث له على يد كلا منهم ونزف جرحه الغائر من جديد
خانته قوة تحمله وخان وعده لنفسه بأن لا يتذكر ما حدث أبدا ويصب تركيزه بالكامل على الهدف المراد تحقيقه ولكنه فشل.
فشل الآن في حفظ وعده لنفسه كما فشل سابقا في البقاء على العهد بأن لا يتخلى عن حبيبته أبدا مهما حدث، ولكن هذه هي الدنيا، يستكثر عليك الآخرون كل نعمة تحصل عليها، ويسعون بشتى السبل لسلبها منك.
فإلى متى تستمر في طيبتك؟ إلى أن تجد نفسك سجينًا حتى نهاية العمر وراء قضبان وجدران؟ كأن الطيبة لا نفع منها، فلا بد للحيلة من حيلة أدهى، وللقوة من قوة أشد فتكًا.
هكذا حدثه خياله الذي لا يتوقف عن دس السموم برأسه فأسقط رأسه للوراء وهو يقول لنفسه:
_لقد نال عزيز عقابه، خسارة طفلته ليست هينةً أبدًا، ثم أنك تعرف يا قاسم كم أن حنان تعشقه، يكفي حزنها لأجل ابنتها، لا داعي لأن تحزن من أجل زوجها أيضا!
أشعل سيجارة وأخذ يدخنها وهو يتطلع بباقي الأسماء مضيقًا عينيه بغل وقال:
_ أما أنتم، فلنبدأ الآن!
____________
تقلبت عنبر في فراشها بتعب مميت قد أنهك قواها وأوهنها للغاية، استدارت لتنظر بمكان عبدالله فوجدته خاليًا، فعلمت أنه قد خرج عندما غفت، ابتلعت لعابها جاهدةً كي تتحكم في دمعاتها ولكنها غادرت مقلتيها بقهر وهوان وهي تتذكر ما حدث منذ قليل..
__ قبل قليل __
نظرت إليه بضيق وانتفضت الروح المتمردة بداخلها التي يجيد اخضاعها جيدا فقالت بتحدٍ واضح:
_ لن أسمح لك ثانيةً.
طالعها متعجبًا وقال:
_ حقا؟ وماذا ستفعلين إن أردتُ أنا؟
_ سأمنعك.
قالتها بجرأة شديدة لم يعهدها وأكملت:
_ عشرة أعوام كاملة تتمتع بي مغمضة العينين! لم أكن لك يومًا زوجة بارادتي أبدا وأنت تعلم ذلك، ومع ذلك تسمح لنفسك بكل وقاحة ودناءة أن تتلذذ ببكائي في كل مرة وتتجاهل رجائي برغبة حقيرة عمياء . ولكن من الآن فصاعدا لن تنالني مطلقا إلا بإرادتي، لن تجبرني مجددا.
حك ذقنه بتفكير وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة كريهة وقال:
_ ولمَ الآن؟ لماذا كل ذلك التمرد والتحدي الآن بالتحديد؟ هل لأنه ظهر أمامك من جديد؟
ارتبكت بشدة لأنها فهمت مقصده وقالت وقد اشاحت بوجهها جانبا:
_ أنا لا أفهم تلميحاتك السخيفة تلك.
اقترب منها سريعا وأمسك بشعرها وهو يجذب رأسها للأسفل ويقول:
_ بلى تفهمين، هل تظنين أنني أغفل حالتك المقيتة منذ عودة ذلك المجرم؟ هل تظنين بمخك السميك هذا أني لم ألحظ نظراتك المفجوعة إليه أثناء الغداء؟
صرخت بألم ولكنه تجاهله وهو يقول:
_ كنتِ تتطلعين نحوه كالكلب الذي يتلهف كي يرمقه سيده بنظرة رضا.
_ لا أسمح لك.
قالتها بنشيجٍ مدوي وأضافت:
_ لن أسمح لك بإهانتي ثانية يا عبدالله، لقد نلت منك ما يكفي، لقد عزمت الطلاق وسأخبر أبي.
صفعها بقوة فسقطت أرضًا، ثم مال عليها وقال:
_ من أجله أليس كذلك؟ ترغبين في الطلاق مني أملا في أن تحصلي عليه مرة أخرى، أليس كذلك؟ تظنين أنه سيقبل بكِ بعد ما فعلتِه
صرخت به بقوة وقالت:
_ نعم سيقبل، سيسامحني لأنه يعرف أنك أجبرتني على الزواج منك، وليس أنت فقط، أهلى كذلك أجبروني على الزواج منك ولم يكن أمامي حلا حينها سوى أن أقبل.
جذبها من شعرها بقوة حتى اضطرت للوقوف أمامه فقال:
_ إن سامحكِ لأنكِ قبلتِ الزواج مني فلن يسامحكِ لأنكِ اتهمتِه باغتصابك! حتى وإن سامحكِ وفكر مجرد تفكير في التقرب إليكِ سيكون حينها الجاني على نفسه!
أجهشت في بكاءٍ مرير وهي تردد بقهر وظلم:
_ حقير، أقسم أنك أحقر شخصه رأيته في حياتي.
انهال عليها عبدالله بالضرب بوحشية لدرجة أنها فقدت احساسها بالألم ولم تصرخ ولم تستغيث، لأنها تعرف أنه لن يتوقف عند ذلك الحد ، فبعد أن أذاقها العذاب ألوان اغتصـ. ـبها ككل مرة تتمرد عليه وبعد أن فرغ منها تركها كالخرقة البالية تتجرع كأس الذل والخضوع وحدها. ولكنه كان كريمًا بالقدر الذي سمح له بأن يترك لها قرص مسكن بجانبها حتى تتناوله فور ان تفيق من إغماءها المؤقت.
__ عودة للوقت الحالي __
مسحت عنبر دموعها وهي تتكئ على جانبها وتتناول ذلك القرص، ثم ابتلعته ورددت بألم:
_ تستحقين يا عنبر، تستحقين كل ذلك وأكثر.
////////////
في اليوم التالي..
أفاق قاسم من نومه على صوت رنين هاتفه برقم أكثم، فأجاب الاتصال على الفور بعد أن تنحنح مجليًا حلقه وقال:
_ صباح الخير سيد أكثم.
_ هل لا زلت نائمًا قاسم؟ أنا الآن أجلس مع أستاذ سعيد الذي حدثتك عنه وهو يريد مقابلتك على وجه السرعة.
كان قاسم قد قام بالفعل من فراشه ووثب باتجاه الحمام بسرعة وهو يقول:
_دقائق معدودة وسأصلك سيد أكثم، مع السلامه.
أخذ حماما سريعا ثم خرج وارتدى ملابسه وركض للخارج على الفور.
في طريقه للخروج من البيت تقاطع طريقه مع عبدالله الذي كان بصدد الدخول رفقة ابنه الذي قال:
_ صباح الخير عمي قاسم.
نهرهُ أبوه على الفور وقال:
_ ليس عمك، عمك عزيز فقط هو من تدعوه بعمي، هل سمعت؟
نظر الولد بعدم فهم إلى قاسم الذي ابتسم ببساطة وقال:
_ والدك محق فيما قال يا كريم، أساسا ليس لدي إخوة.
وتركهما وخرج استوقف سيارة أجرة وانطلق بها باتجاه مكتب سيد أكثم.
////////////
في الطريق، رن هاتفه برقم السيدة فتون فأجابها على الفور قائلا:
_ مرحبا سيدة فتون.
تحدثت فتون بصوت مهموم وقالت:
_ قاسم أود رؤيتك للضرورة.
_خير سيدة فتون؟ لدي الآن موعدًا مهمًا لن استطيع تأجيله.
_حسنا بإمكانك المجيء في وقت لاحق، ولكن لا تتأخر أرجوك، الموضوع مهم للغاية.
_ حسنا، بعد أن أنتهي من موعدي سآتي إليكِ، مع السلامة.
أنهى الاتصال وتمتم بقلق:
_يا إلهي فليكن خيرا.
توقفت السيارة أمام مكتب أكثم، دخل بعدها واستقبله أكثم بحفاوة وقدمهُما لبعضهما البعض قائلا:
_ قاسم الحداد، أستاذ سعيد طوليمان الوكيل المعتمد لدى شركة sym لصناعة الدراجات النارية..
صافحهُ قاسم باهتمام وقال:
_كيف حالك سيد سعيد؟
تحدث سعيد بود قائلا:
_ بخير قاسم، اجلس.
جلسوا ثلاثتهم وبدأ أكثم بالحديث قائلا:
_ سعيد صديق مقرب، يزورني دائما ومن حسن حظك أنه زارني اليوم يا قاسم.
تابعه سعيد قائلا:
_ أخبرني أكثم أنك تملك مبلغا لا بأس به وتود المتاجرة في الدراجات النارية.
أومأ قاسم موافقًا وقال:
_نعم، فكرت بمشروع أبدأ به وهداني تفكيري لذلك.
_حسنا، في البداية ما هو رأس مالك؟
أجاب قاسم قائلا:
_ مليون ونصف.
_ جيد، مبلغ لا بأس به، هل اخترت المكان؟
_ نعم، بميدان الساعة.
مط الآخر شفتيه باعجاب وقال:
_ جيد، موقع ممتاز، على كل حال سأعرفك بأحد الموزعين وليكن التعامل بينكما مباشرا بعد الآن، واذا احتجت أي شيء أبلغني على الفور.
شكرهُ قاسم بعد أن أخذ منه البطاقة الخاصة بمكتب الموزع وانصرف بعدها ليمر بأسرة حبيب.
////////
كانت فتون تجلس تضع قدما فوق الأخرى وتحتسي قهوتها الصباحية، حينها أخبرتها الخادمة أن قاسم قد وصل. أمرتها باستدعائه على الفور وجلست تنتظر قدومه على أحر من الجمر.
دخل قاسم، ألقى التحية فحيتهُ وطلبت منه الجلوس فجلس وقال:
_ خير سيدتي؟ قلتِ أن الموضوع مهم وضروري.
أومأت وملامح الأسف تكتسح وجهها وقالت:
_ أجل، سارة.
قطب جبينه مستفهما فقالت:
_ لقد عثرت مسئولة التنظيف على تلك في ملابسها!
وبسطت كفها أمامه فارتفع حاجبيه بذهول عندما رأى جزء من شريط أقراص مخدرة ونظر إليها بصدمة وقال:
_ ما هذا؟
_ ألا تعرف ما هذا؟
_ بالطبع أعرف، ولكن لا أصدق! على حد علمي الآنسة سارة لم تكمل السبعة عشر عاما بعد ! كيف تعرفت على تلك الحبوب ومن أين أتت بها؟ والأهم من ذلك؛ لما تتعاطاها؟
أطلقت زفرة حارة وقالت:
_ في الحقيقة لا أعرف، لهذا طلبت مساعدتك، يجب أن تتحدث معها وتنصحها أرجوك.
قطب جبينه متعجبا وقال:
_ أنا من سيفعل؟ أليس من المفترض أن هذا هو دوركِ كأم؟
أجابته بضيق:
_ أعلم ذلك، ولكن…
هز رأسه متسائلاً فقالت:
_ اسمعني قاسم، أنا وسارة بعيدتان كل البعد، لا نتعامل كأم وابنتها أبدا، وهي بالطبع لن تقبل أن تتحدث معي ولن تقبل أن أنصحها مطلقا..
_ والسبب؟ ما السر في ذلك الجفاء بينكما؟ ما الذي صنع تلك الفجوة بين أم وابنتها؟
تنهدت باستسلام وقالت:
_ لأنها تنقم علي، تكرهني لأنني السبب في دخول والدها السجن؟
قطب جبينه متعجبا، لقد أخبره حبيب ذات مرة أنه دخل السجن متهمًا بقتـ.ل صديق له ولكنه لم يفصح عن أي تفاصيل غير أنه استحق القتـ.ل، ولكنه لم يتوقع أن يكو لزوجته يد في دخوله السجن ولو بصورة غير مباشرة حتى.
نظر إليها بفضول لم يخفِهِ وتسائل:
_ كيف؟
تنهدت وقالت:
_ لقد ظن حبيب أنني على علاقة بصديق له، وقتله.
ارتفع حاجبيه بذهول ودهشة وقال:
_ بتلك البساطة؟
ابتلعت ريقها بتوتر وقالت:
_ هل يمكنني أن أثق بك؟
أومأ مؤكدا وقال:
_ بالطبع.
_ حسنا، سأحكي لك كل شيء من البداية!
/////////////////
يتبع
حب_في_الدقيقة_التسعين
• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين " اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق