Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الحادى والاربعون 41 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الحادى والاربعون 41 - بقلم نعمة حسن 

_٤١_


~ رسالة… ووردة بيضاء !! ~

__________


_ سوف أعترف بالحقيقة وأبرأ حسان!


صمت أكثم لثوانٍ ثم أجابه بصوت متزن:

_ هل أنت جاد في قرارك؟ هل فكرت جيدا أم أنه قرار متسرع؟


ابتلع قاسم تلك الغصة التي حبست الكلام بحلقه والدموع بعينيه، ثم قال بجمود:

_ لا تقلق، ليس قرارا متسرعا، بل قرارا متأخرا. كان لا بد من الاعتراف منذ أشهر طويلة.


_ حسنا قاسم، على كل حال لا تقلق، محامينا لن يتخلى عنك.


_ إن شاء الله. مع السلامة.


أنهى المكالمة سريعا قبل أن تخرج حياة، وأسند الهاتف فوق الطاولة وجلس على مقعده وهو يشعر بالضيق والاختناق، يشعر أن الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت، سيُقبل على أكثر خطوة مظلمة قد خطاها بإرادته، لكن وبالرغم من ظلامها إلا أن تبعاتها ستنير قلبه. ستثبت له قبل أي شخص آخر أنه لا زال بإمكانه أن يميز بين الصواب والخطأ، أنه حتى وإن سار نحو الانتقام وقطع أميالا طويلة إليه وتوغل كثيرا بالدروب المظلمة إلا أنه ما زال قادرا على العودة ومفارقة تلك الدروب، تلك الخطوة بالتحديد ستثبت له أمام نفسه أنه لازال يملك قلبا نابضا ببقايا الضمير. وأنه لم يمت بفعل الصدمات والضربات المتلاحقة.. هذه الخطوة مهمة لكي يستطيع استعادة نفسه القديمة.


استمع لصوت باب الحمام وقد فتحته حياة وخرجت، فنهض ودخل إلى الغرفة ليجدها تقف أمام المرآة وهي تحيط جسدها بالمنشفة وتقوم بتجفيف شعرها، فجلس على الأريكة الموضوعة أمام المرآة وأجلسها على ركبتيه بحيث كان ظهرها مقابل وجهه، ثم أمسك بالمجفف وبدأ بتجفيف شعرها وهو ينظر إليها بالمرآة.


كانت تبتسم إليه بدفء، تحدق فيه بعينين متوهجتين بوهج الحب، رأته وهو يزيح شعرها للخلف ويميل لتقبيل خدها فأدرات وجهها أكثر إليه حتى وقعت قبلتهُ على ثغرها.


ترك المجفف من يده وأسنده فوق طاولة الزينة، ثم أسند رأسه على ظهرها وهو يحيط خصرها بيديه الحنونتين ويمسح على بطنها كثيرا ثم همس بدون وعي:

_ من أجلك يا صغيري!


تعجبت حياة شروده وحالة الشجن التي تفوح من لمساته وتنهيداته المهمومة التي تشعر بها وتتغلغل إلى داخل قلبها، فأحاطت يديه اللتين تستقران على بطنها بكفيها وقالت بهمسٍ حانٍ:

_ ما خطبكَ قاسم؟ أخبرني عما تشعر به حبيبي.


أغمض قاسم عينيه بتعب وحزن دفين، ود لو صرّح لها عما يشعر به فعلا. لو أنه صرخ عاليا وأخبرها أنه أقدم على خطوة ليست بصالحهما أبدا، لو أنه بكى على صدرها وأخبرها أنه يحبها وأنه غير راضٍ أبدا عما فعله وأنه لن يقوى على فراقها. ولكن كل تلك الخواطر لا بد أن تبقى بداخله. لن يتحمل رؤية انهيارها أبدا، لأنه يعرف أنه إن رآها منهارة سيتراجع عن قراره ويصرف عن رأسه التفكير به تماما.


لما طال الصمت ولم تحصل منه على إجابه تحركت لكي تستطيع النظر إليه، استدارت ونظرت إليه بابتسامة حنونة وهي تسند كفها على خده وتقول:

_ بماذا تفكر قاسم؟ أنت لم تكن بتلك الحالة عندما ذهبنا لزيارة عزيز وحنان، ماذا دهاك؟


نظر إليها وشفتيه تبتسم إبتسامة طفيفة في خط مستقيم، ثم أسند جبهته فوق جبهتها بألم داخلي لم يُفصح عنه وقال:

_ لأنني لم أكن أشعر حينها أني أشتاقك كما أشعر الآن.


قطبت جبينها بتعجب وقالت:

_ وهل اشتياقك لي هو سبب حالتك تلك؟


أومأ مؤكدا و دس أنفه في عنقها يشتم رائحتها وهو يقول:

_ نعم، رائحتك تلك تُغويني، كيف بإمكانكِ أن تُلهبي أحاسيسي بتلك البساطة يا كهرمانة؟!


أرجعت عنقها للوراء وهي تحاول التنصل منه وقالت:

_ لا تراوغ يا قاسم، أنت تخفي شيئا ما.


اقترب منها مجددا وهو يحيط عنقها من الخلف بيديه بقوة لطيفة بحيث يستطيع التمكن منها وغرس أنفه بعنقها مجددا وهو يقول:

_ ما أخفيه تعلمينه جيدا حياتي، أشتاقكِ كثيرا وأحتاج إليكِ الآن أكثر من أي وقت سابق.


وطبع قبلةً عميقة على جيدها ثم سحب نفسًا طويلا من عبقها الساحر وكأنه يريد تخزينه برئتيه لكي يتنفس منه طول فترة غيابه، ثم طبع قبلةً أخرى فوق كتفها وهسهس بحنان وهو ينظر لعينيها بابتسامة منكسرة:

_ أعرف أن رائحتي تُشعرك بالنفور، أعتذر منكِ، تحمليني حياتي، لن أضايقك ثانيةً.


لم تفهم كلماته تمامًا ولكنه لم يمهلها الفرصة للتفكير أو الاستفسار حتى؛ فكل ما يشغله الآن أن يودعها الوداع اللائق الذي من شأنه أن يصبره على الأيام المقبلة التي لا يعرف كيف سيتجاوزها.


أهداها قبلة حنونة وضمها إليه بقوة وهو يمسح على شعرها تارة، وعلى ذراعيها تارةً أخرى، ثم نظر إليها مبتسمًا وقال:

_ أحبك يا حياة.


ابتسمت بالمثل وأردفت:

_ وأنا أحبك كثيرا قاسم.


_ وأحب صغيرنا كذلك.. أحبه جدا.


قالها وقلبه يدق بقوة جنونية فأحاطت هي وجهه بكفيها فهدأت ضربات قلبه عندما قالت:

_ وهو يحبك كذلك. أثق أنك ستكون أعظم أب في الوجود.


أومأ والدموع تتراقص بعينيه وقال بتأثر شديد:

_ لا بد أن أكون كذلك. لا بد أن يكبر فيجدني أبًا يفتخر به. 


قبلت خده بحنان وقالت:

_ أنت مثال للفخر حبيبي. أنا فخورة بك دومًا وطفلنا سيكون فخورًا بك للأبد.


أومأ مؤكدا وأخذ يجول بنظراته على وجهها، يحفظ قسماتها ويحفرها بداخل قلبه جيدا، يتشبع من عينيها اللتين ستكونان بوصلته في طريق مظلم وَعِر. أبحر بهما طويلا ثم رسى بعينيه على شفتيها اللتان كانتا هما نقطة الانطلاق نحو نعيمٍ مؤقت، للأسف لن يدوم. لكن حلاوته ستدوم طويلا بكل تأكيد.


______________


كان عزيز قد قام بالاتصال بالطبيب المختص بعلاج حالة صبر وأخبره بما حدث. فطلب منه الطبيب الحضور فورا للاطمئنان عليه.


ذهب وبرفقته صبر إلى عيادة الطبيب الذي وقّع الكشف عليه ثم نظر إلى عزيز باتهام وقال:

_ ما حدث طبيعيا جدا ومتوقعا كذلك. طفلاً أجرى عملية زرع نخاع منذ مدة بسيطة جدا يتعامل بتلك الفوضوية واللامبالاة سيكون مؤكدا أنه سينتكس. هذه العملية التي أجراها ابنك ليست سهلة أبدا، تحتاج من شهرين لثلاثة أشهر حتى يتمكن من بدء مزاولة أنشطته السابقة بنفس الوتيرة السابقة. وهذا ما سنحدده نحن وليس حضرتك. 


شعر عزيز بالذنب ونظر إلى صبر بتأنيب ضمير وقال محاولا تبرير تصرفه:

_ في الحقيقة لم نتوقع أن قيادة دراجة لبعض الوقت من الممكن أن تتسبب له بكل هذا الإجهاد! أكيد لو أننا نعلم ذلك لما أقدمنا على ما فعلنا.


_ اسمعني سيد عزيز. عند التعامل مع هذه الحالات بالذات لا ينبغي أن تقول كلمة لم أكن أعرف! عليك تحمل المسؤولية كاملة بدون إخفاق أو استهتار، عليك أن تعرف كل معلومة تخص حالته لأنك إن جهلت بالأمر من الممكن أن يحدث ما لا يحمد عقباه. الأمر ليس هينا أبدا.


أومأ عزيز موافقا فأعطاه الطبيب بطاقة مدون بها جدول مواعيد وقال:

_ تفضل، هذه دعوة لحضور جلسات التوعية التي تقيمها المستشفى يومًا من كل أسبوع لتعلم كيفية التعامل مع مريض زرع النخاع. هذه الجلسات ضرورية بالنسبة لك ولوالدته بقدر أهمية العلاج للطفل.


أومأ عزيز موافقا وشكر الطبيب، ثم اصطحب صبر وغادر المركز عائدا نحو البيت.


في تلك الأثناء كانت حنان تجلس برفقة كريم، تضمه إليها وهي تبكي وشعور بالذنب لا يفارقها. نظر إليها كريم باستغراب ثم قال:

_ خالتي حنان، لمَ تبكين؟ هل لأنكِ حزينة على صبر؟ أم لأني حزين كذلك؟!


مسحت دمعاتها وهي تنظر إليها ثم قالت:

_ ما بك حبيبي؟ لمَ أنت حزين؟


تهدل كتفيه بإحباط وأسقط رأسه أرضا وعينيه مثبتتان على نقطة وهمية بجانبه حيث كان غارقا بحالة استرجاع بصري لذكريات لم تبرح مخيلته، ثم نظر إليها بحزن وقال:

_ لقد اشتقتُ لأمي كثيرا. ألا يمكنني رؤيتها عما قريب؟


انسابت الدموع من عيني حنان بغزارة وهي تمسح على شعره الناعم الغزير بمواساة وقالت:

_ بالطبع يمكنك حبيبي. سنذهب لرؤيتها قريبا لا تقلق.


نظر إليها بيأس يفوح من عينيه وقال:

_ متى؟ صبر أيضا يريد رؤية والده منذ فترة طويلة ولم يستطع. هل هو مسافر فعلا أم أنه بالسجن مثل أمي؟!


نظرت إليه بصدمة ولم تقوَ على الرد، أخفت عينيها بكفيها وأجهشت ببكاء مرير. فكرت بماذا ستجيبه ولكن دخول عزيز وصبر هو ما أنقذها وجنّبها مشقة الجواب.


نهضت مسرعةً وهرولت نحو صبر، احتضنته بقوة وقالت باهتمام وقلق بالغ:

_ حبيبي، هل أنت بخير؟


أومأ الطفل بحزن عميق تجلى على قسمات وجهه الصغير، ثم انسحب ودخل إلى غرفته فورا .


نظرت حنان إلى زوجها بتعجب فزفر بضيق واستياء ثم قال:

_ نحن أبوين مهملين يا حنان. لم نتمكن من الاعتناء بصبر كما يجب، والطفل يشتاق لأبيه. هذا واضحٌ جدا.


نظرت إلى غرفة صبر المغلقة وأومأت بحزن وإقرار بصدق حديثه، بينما منح عزيز كريم قبلتين وعناقًا حنونًا وأمره بالذهاب إلى فراشه ، ثم دخل هو إلى غرفته ومنها إلى الشرفة، وجلس شاردًا يفكر بمستقبل هذين الطفلين المجني عليهما.


وقفت حنان في المنتصف تنقل بصرها من على غرفة كريم إلى غرفة صبر بعجز وقلة حيلة، ثم رفعت يديها إلى رأسها وقامت بالضغط على جانبي عقلها وهي تتنهد تنهيدة طويلة محمّلة بالمخاوف والمشاغل التي تعصف بها دون هوادة.


_____________


استمع قاسم إلى آذان الفجر يصدح في الأرجاء؛ فألقى نظرة على حبيبته التي تغفو بجواره بوداعه وبراءة، ثم ابتسم بحزن ومال ليقبل جبهتها بنعومة، وابتعد يتفحص ملامحها التي سيقتله الشوق إليها بكل تأكيد واستقر بناظريه أخيرا على بطنها التي تحمل طفلهما. نزلت دمعاته ومد يده يمسح عليها برفق وهو يتمتم بانكسار:

_ من أجلك يا صغيري. لا بد أن أختار الصواب مهما كان مكلفًا وأترك الخطأ حتى وإن كان شافيًا. عندما تكبر ستجدني معك دائما. أعدك أنك لن تحتاجني إلا ووجدتني؛ لذا علي أن أبدأ بترميم أخطائي، سنفترق الآن مؤقتًا وفيما بعد لن يكون هناك فراقا أبدا.


نهض من فراشه واتجه نحو الحمام، توضأ وخرج ثم صلى فرضه واتجه إلى الشرفة وهو يحمل ورقة وقلم.


جلس ثم بدأ يستجمع شتاته ثم أمسك بالقلم وبدأ يخط رسالته إلى حياة.. وبعدما انتهى من كتابتها طوى الورقة، ثم نهض و أسندها على مقعده، ثم سحب وردةً بيضاء من المزهرية ووضعها فوقها. ووقف يتأمل الرسالة والوردة البيضاء وهو يجاهد لئلا ينفجر باكيًا، أو يتراجع عن قراره ويمزق الرسالة ويعيد الوردة إلى باقتها ويعود إلى جوار حياته ويحتضنها ويغفو وكأن شيئا لم يكن. ثم مسح على وجهه بضيق وتمتم مستغفرا. دخل إلى الغرفة سريعا وبدل ثيابه ثم رمق حياة بنظرة وداع متحسرة، و التقط هاتفه وخرج.


قام بالاتصال بعمه الذي أجاب فورا بقلق:

_ صباح الخير قاسم، هل حياة بخير؟


أجابه قاسم بهدوء نقيض الارتباك والقلق اللذان يهلكانه وقال:

_ لا تقلق عمي ، حياة بخير. لقد اتصلت بك لأخبرك شيئا هاما. لقد قررت تبرئة حسان. 


_ ماذا؟ وكيف سيحدث ذلك؟


_ سوف أعترف بالحقيقة كاملة. لن أتجاهل الحق مجددا يا عمي.


صمت صالح للحظات كانت فارقة جدا بالنسبة لقاسم. ثم تكلم بهدوء ورصانة وقال:

_ أحسنت يا بني. لا يصح إلا الصحيح.


زفر قاسم بارتياح وأومأ مؤكدا وقال:

_ أجل، أنا الآن في طريقي إلى قسم الشرطة ولا أعرف ماذا سيحدث معي فيما بعد. ولكني أثق بالله عز وجل ومن ثم أثق بالمحامي وجدي. إنه محامٍ ممتاز وأعرف أنه سيساعدني. كل ما أرجوه منك أن تعتني جيدا بحياة. أرجوك لا تتوانى عن مراعاتها ولا تُمكّن أمها منها أو تجعلها تفرض سيطرتها عليها مجددا.


_ لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا تقلق يا بني. حياة ابنتي لا تنسى، أي أنني أحبها وأخاف عليها أكثر من أي إنسان على وجه الأرض حتى أنت.


بالرغم من أن الحديث لم يَرُقهُ ولكنه ليس متفرغا للجدال الآن ومناقشة من يحبها أكثر هو أم والدها ؛ لذا ردد بهدوء وقال:

_ على كل حال حياة لا تعرف شيئا بعد. لا بد أن تكونوا بجوارها الفترة المقبلة، سوف أتصل بحنان لكي تكون بجوارها كذلك وبعدها يمكنك أن تطلب منها أن تنتقل للبقاء برفقتكم .


_ حسنا يا بني، ليفعل الله خيرا.


أنهى قاسم المكالمة ثم أرسل إلى حنان رسالة صوتية شرح لها فيها كل شيء وطلب منها الذهاب لحياة ثم استقل سيارة أجرة كي تقلهُ إلى القسم.


/////////////////


مع آذان الظهر استيقظت حياة.. وقعت عينيها على مكان قاسم الخالي بجوارها فظنت أنه قد خرج لعمله كالعادة.  


نهضت من مكانها وتوجهت إلى الحمام ثم توضأت ووقفت تصلي وفجأة شعرت بانقباضة في صدرها ولكنها تجاهلتها حتى أتمت صلاتها، ثم التقطت هاتفها لكي تتصل بقاسم وتطمئن عليه ولكن هاتفه كان مغلقا وهذا ما أثار حفيظتها أكثر .


دخلت إلى الشرفة وهي تتحدث إلى نفسها بينما هي ممسكةً بهاتفها تحاول الاتصال به مرارا:

_ أين أنت يا قاسم!


همت بالاتصال بهاتف المعرض ولكنها تفاجئت بما رأته على مقعد قاسم فتركت الهاتف على الطاولة وهي تقول بابتسامة:

_ ما هذا؟ رسالة، ووردة بيضاء؟ أوووه.. فديتُك يا زوجي الرومانسي.


والتقطت الورقة وفتحتها بحماس ثم بدأت بقراءتها.


" حياتي. تعلمين أنكِ نور قلبي وسكينته وبصيص الأمل الذي لم يخبُ يومًا به، تعرفين كم أحبكِ وكم أنا محظوظ بوجودكِ في حياتي. تعرفين جيدا أنه منذ اليوم الأول الذي رأيتكِ به وأنا أتكئ عليكِ في كل شِدة! كنت ولا زلت أثق أنكِ الوحيدة التي تفهمني وتعرف خبايا قلبي وأسراره دون حتى أن أفصح بها. "


ابتسمت حياة وتألقت ابتسامتها أكثر ثم استكملت ما كتبه.


" ولأنكِ تفهميني يا حياة فعلت ما فعلتهُ هذا. سأعترف بالحقيقة. لا بد أن يخرج حسان من السجن، صبر يحتاج إلى والده بشدة وأنا لن أهنأ بالعيش أبدا وأنا أتجاهل الحق وأغض طرفي عن دموع الطفل واحتياجه لأبيه. "


سقط قلبها أرضا وابتلعت ريقها بتوتر وخوف شديدين، ثم أكملت ودموعها تتساقط بغزارة..


" أعرف أنكِ ستقولين أن ابننا يحتاجني كذلك ، أنتِ محقة. ولكني أثق أن ابننا لديه أمًا رائعة من شأنها أن تمنحه كل الحب والاهتمام ريثما نلتقي مجددا. "


كانت تهز رأسها برفض وهي تمر على الكلمات بعينيها وتكمم فمها بيدها حتى لا تنطلق صرخاتها المكلومة وأكملت..


" أنا آسف، سامحيني حياة. لقد ظُلمت سابقا وأعرف كم هو مرير الظلم، لا أنكر أن حسان أخطأ بحقي ولكني لن أكون مثله أبدا. لن أستطيع النوم وممارسة حياتي بشكل طبيعي وأنا أعرف أنني السبب في تدمير طفل مسكين لا ذنب له فيما حدث. أعلم أنكِ ستكونين متفهمة لأن هذا هو الصواب الذي تجاهلته سابقا.. لا بد أن أنظف نفسي من كل القذارات التي اقترفتها حتى يفتخر بي ابننا. لا بد أن أصبح أبًا مثاليًا حياة.

سامحيني حياتي، ثقي بالله وتأكدي أن الله لن يضيعنا أبدا ، واعتني بنفسك جيدا يا كهرمانة….. أحبــكِ كثيــرا " 


انتهت كلماته وانفجرت صرخاتها عاليًا وأخذت تبكي بأعلى صوتها وهي تشعر بالضياع، تشعر بالحزن يشق قلبها لنصفين وإحساسًا بالحسرة يملؤها.. كانت تنادي باسمه من بين بكائها و تعود لتقرأ كلماته مجددا بغير تصديق، على أمل أن تكون قد أخطأت وخُيل لها ما قرأته،ثم تجده صحيحًا فتنهار مجددا.


ظلت على تلك الحالة لدقائق وفجأة وكأن مصباحا قد أضاء برأسها، فنهضت وأسرعت نحو الغرفة ثم بدلت ملابسها وخرجت باتجاه الباب وفتحته لتتفاجأ بحنان التي تقف وكانت بصدد قرع جرس الباب.


ارتمت حياة بحضنها و انخرطت في بكاءٍ مرير، حاولت التحدث ولكنها لم تستطع فخرجت كلماتها مبعثرة وأحرفها متقطعة، ربتت حنان على ظهرها بمواساة وحاولت انتقاء كلمات لعلها تستطع مواساتها ودعمها بها ولكنها لم تجد فشاركتها البكاء بصمت.


بعد أن هدأت حياة وانتهت نوبة بكائها قالت:

_ قاسم ، لا بد أن أذهب إليه حالا.. أنتِ لا تعرفين ما الذي قام قاسم بفعله حنان.


نظرت إليها حنان بشفقة وهي تقول:

_ عرفت، لقد أرسل إلي رسالةً وأخبرني بما ينوي فعله وطلب مني الاعتناء بكِ. 


وكتمت شهقةً كادت أن تنفلت وقالت ببكاءٍ هادر:

_ مسكين أخي..


فجأة قاطعتها حياة وهي تدفعها بصدرها بقوة لدرجة أنها ارتدت على إثرها للخلف، ونظرت إليها بغضب عارم وهي تهتف حانقةً:

_ أناني، أخاكِ أناني وليس مسكينا. لم يفكر بي أو بطفله الذي سيأتي إلى الدنيا فيجد أباه غائبا.. لم يفكر بحالتي تلك وكيف أنني لن أستطيع التحمل بدونه، كل ما فكر به كيف يتخلص من عذاب الضمير الذي يلازمه ويؤرق مضجعه.


رق قلب حنان لرؤية حالتها تلك واقتربت منها مجددا وعانقتها عناقا حارا فانفجرت حياة باكية مجددا وهي تتشبث بها وتردد بتخبط:

_ أنا آسفة حنان، أنا أحب قاسم كثيرا.. آسفة أرجوكِ لا تغضبي.


أحاطتها حنان بذراعيها باحتواء ومحاولة منها لتهدئتها ثم قالت:

_ أعرف جيدا ما تشعرين به حبيبتي، لا بأس هوني على نفسكِ.. هيا لندخل.


_ لا، سأذهب لرؤية قاسم. هيا بنا.


___________


كان قاسم يقف بمكتب الضابط في حالة سكون تامة. وكأنه قد كتب عليه أن يظل مترددا على هذا المكان من وقت لآخر. وبجواره كان يجلس المحامي الذي يتحدث إلى الضابط قائلا بوقار ورصانة:

_ هذه هي الحكاية منذ البداية يا حضرة الضابط، الظلم الذي وقع على قاسم والقهر الذي تعرض له هما من زرعا بداخله فكرة الثأر المعنوي قبل المادي. أراد أن يذيقهما من نفس الكأس الذي أذاقاه منه. ولكنه في النهاية أدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه وأيقن أنه مخطئ ، وأنه ليس إلهًا أو حكمًا كي يثأر وينتقم لنفسه وقتما شاء وكيفما شاء. لذا حضر أمام سيادتكم اليوم ليعترف أنه من لفق تلك التهمة لكلا من عبدالله الحداد رحمه الله ومن بعده حسان، ويعترف كذلك أن حسان برئ من تلك التهمة وأنه مستعد لتعويضه بالطريقة التي يختارها.


نظر الضابط إلى قاسم الذي يقف ناصبًا ظهره وينظر نحوهما بعينين ثاقبتين ولكنهما شاردتين بعض الشيء. ثم قال الضابط:

_ هل توافق على كل ما أخبرنا به الأستاذ وجدي المحامي؟ هل هذا ما حدث بالفعل؟


أومأ قاسم مؤكدا وقال بثقة:

_ أجل، ما قاله المحامي هو ما حدث بالفعل.


أومأ الضابط موافقا ثم قال:

_ هل تعرف أنك في تلك الحالة ستدخل إلى السجن بتهمة التلفيق والاتهام الباطل ؟ وأن هذه التهمة عقوبتها الحبس لمدة تتراوح من ستة أشهر وقد تصل إلى سنة مع غرامة مالية؟


تنهد قاسم مطولا ثم قال بأسى:

_ نعم، أعرف ذلك.


أومأ الضابط موافقا وقال:

_ حسنا، تفضل لتمضي على أقوالك.


مضى قاسم على أقواله ثم نادى الضابط إلى العسكري وأمره أن يصطحب قاسم إلى الحجز .


خرج قاسم برفقة العسكري ويديه مكبلتين بالأغلال ، منكسا رأسه بانكسار بالرغم من الراحة التي بدأت تتسلل إلى قلبه منذ اعترافه بما فعل ، ولكنه كان مشغولا بالتفكير في حياة و رد فعلها عند معرفتها بالأمر. وفجأة قصف صوتها مدويًا وهي تنادي باسمه وتقول:

_ قاسـم…


التفت على الفور ونظر إلى الوراء ليجدها تقف وبجوارها حنان، كانت في حالة يرثى لها والصدمة باديةً على معالمها بشدة.. هم بالاقتراب منها ولكنه تيبس بأرضه مصدوما عندما سقطت فجأة مغشيا عليها..


_________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية

reaction:

تعليقات