Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الاربعون 40 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الاربعون 40 - بقلم نعمة حسن 

_٤٠_


~ أريدُ حبًا وحنانًا ! ~

___________


بعد مرور يومين~•


استيقظت فريال من نومها، وكالعادة مؤخرا أمسكت بهاتفها تطالع الأخبار الصباحية،  ولكن اليوم بالتحديد لم تهتم بالأخبار لأن لديها خبرا بالفعل يشغل بالها ويستحوذ على اهتمامها حتى أنه أرق مضجعها طوال الليلتين الماضيتين ولم تهنأ بالنوم بسببه.


فتحت أحد مواقع التواصل وقامت بالبحث عن حساب الدكتور ممدوح الذي وبمجرد ما إن ظهر عبر محرك البحث حتى ظهر تحديث له عبر خاصية " القصة " عبارة عن صورة وهو يرتدي حلة سوداء أنيقة جدا وبجواره عروس فاتنة ترتدي فستانا أبيضا وتقترب منه بكل حب وابتسامتها تنير وجهها كما يبتسم هو أيضا ويضمها إليه بحب يظهر واضحا عليه.


كانت فريال تنتظر تلك الصورة منذ اليوم الذي غادر به، تتفحص حسابه يوميا وتراقبه باهتمام وها هي قد حصلت على مرادها وانتهى الأمر.


أغلقت الهاتف بعد دقائق وألقته بجوارها بصمت وانسابت دمعاتها على خديها بحسرة وانكسار وأخذت تتمتم:

_ لا بأس يا فلة، لا تهتمي ، لا تحزني ولا تبكي . لا بأس. أنتِ كنتِ تعرفين منذ البداية أنكِ امرأة لا تصلح للحب، ومع ذلك أوهمتِ نفسك واخترتِ أن تعيشي بذلك الوهم، فضلتِ أن تصدقي أملًا كاذبًا ، هو لم يعدك بشيء، ولم يصرّح لكِ بشيء، أنتِ من نسجتِ من الوهم خيوطا وتشبثتِ بها، والآن فقط أدركتِ أن خيوط الوهم واهية!


مسحت دمعاتها ونهضت من الفراش تقصد الذهاب للحمام، وفي طريقها توقفت أمام المرآة تنظر إلى وجهها فإذ بها تصاب بالصدمة عندما رأت تجعيدتين مستقيمتين ظهرتا حول خطيّ عينيها، وقفت تتلمس بشرتها بأناملها وهي تقول بذهول:

_ يا إلهي! هل تجعدت بشرتي؟ هل كبرت لهذا الحد؟ متى ظهرت تلك التجاعيد أنا لم ألاحظها سوى الآن؟ 


أصابها اليأس، تملكها سريعا وأدارت ظهرها للمرآة وهي تحدث نفسها بحزن وتقول:

_ بالطبع ستتجعد بشرتك يا فلة، هذا حكم العمر، وتحزنين أنه تزوج من فتاة صغيرة عمرها نصف عمرك؟ بالتأكيد لم يكن ليتزوجك أنتِ يا ذات البشرة المجعدة.. هكذا هم الرجال يلجأون لمن تعوضهم ولا يفكرون بمن تحتاج للعوض أبدا.


تنهدت تنهيدة حارة مصحوبة بالإحباط واليأس، ثم غادرت الغرفة واتجهت للحمام، أخذت حمامها الصباحي ثم ارتدت طقمها الرياضي وخرجت لتلجأ للرياضة ككل صباح.


خرجت من شقتها فالتقت بفتون التي تحمل زجاجة المياه خاصتها وترتدي طقما رياضيًا مشابهًا فقالت فريال مبتسمة:

_ صباح النشاط!


ابتسمت فتون قائلة:

_ صباح الخير جارتي العزيزة، ما هذه الصدفة الرائعة!


خرجتا سويًا خارج البناية وبدأتا بالركض الخفيف وهما تتبادلان أطراف الحديث فقالت فتون:

_ عساه خيرا يا فلة، ملامحك تبدو حزينة.


تنهدت الأخرى وهي تنظر أمامها وقالت باختصار:

_ كالمعتاد، من أين سيأتي الفرح بربك؟!


_ ماذا حدث؟ هل الطبيب الوسيم…


قاطعتها فريال بحدة وانفعال عندما قالت:

_ إياكِ أن تذكري اسمه أمامي مرة أخرى، النذل المخادع تزوج من فتاة بعمر ابنه!


شهقت الأخرى بصدمة وتفاجؤ وهي تقول:

_ ماذا ؟!!! هل تزوج؟


أومأت فريال بغيظ وأردفت :

_ هه. وأنا كالخرقاء كنت أظنه مولعا بي وواقعَا في حبي. تبًا لي ولعقلي الأبله.


_ وكيف عرفتِ بزواجه؟ هل هو من أخبرك؟ ربما تكونين مخطئة يا فتاة!


_ لست مخطئةً، لقد أخبرني أنه سيسافر لأنه يستعد لحفل زفافه. وبعدها رأيت صورته يقف متأنقًا بالحلة السوداء والحمقاء تتأبط ذراعه بكل ود وابتسامته من الأذن للأذن كالأجدب. تبًا لهما.


زمت فريال شفتيها بأسف وقالت محاولةً مواساتها ودعمها:

_ لهذا أنتِ حزينة؟ لا تحزني يا فلة لا زال العمر أمامكِ حبيبتي وستجدين من يعوضك أثق بذلك.


توقف فريال فجأة عن الركض ووقفت متخصرةً بيديها وهي تنظر لفتون بضيق وصرخت بها بانفعال أفزعها:

_ أي عُمر؟! عن أي عُمر تتحدثني يا فتون؟ أنا أبلغ من العمر أربعون عاما، كم أربعون سنة متبقية بحياتي يا ترى؟ حبيبتي أنا مجرد امرأة استهلكت واستنزفت بما فيه الكفاية ولن يهتم أحد بي أو بمشاعري الخرقاء، انظري فتون، انظري!


واقتربت منها أكثر وهي تشير للخطوط التي ظهرت حول عينيها وقالت:

_ انظري إلى تلك التجاعيد التي بدأت تفرض نفسها على بشرتي الجميلة، لقد كبرت يا فتون، لا تقولي العمر أمامي أبدا لأن العمر أصبح ورائي للأسف وما بقى ليس أكثر منا مضى.


نظرت إليها فتون بحزن ووضعت يدها على كتفها بدعم وقالت بأسف:

_ لا تحزني يا فلة، أنتِ جميلة وستبقين مهما تقدم بكِ العمر حبيبتي ، ثم ما بالكِ قد هوّلتِ الأمر أكثر من اللازم؟! أنتِ لا تزالين شابة، نحن لا زلن جميلات وحتى لو داهمتنا بعض التجاعيد بحكم تقدم السن ولكن يمكننا الاعتناء ببشرتنا جيدا ويزول الأمر..


نظرت إليها فريال بإحباط بينما أخذت فتون تقول:

_ الآن أصبح كل شيء متوفرًا ومتاحًا ، منتجات العناية بالبشرة وتأخير ظهور التجاعيد أصبحت متوفرة لا تيأسي .


ابتسمت فريال بإحباط ويأس ومنحتها نظرةً يفوح منها اليأس بشدة فقالت:

_ لا يُصلِح العطار ما أفسده الدهر يا فتون!


استفزت هذه الكلمات البسيطة مشاعر فتون وجعلت دموعها تتسابق إلى خديها، سحبت يدها من على كتف فريال وحاولت مقاومة دموعها ولكن فريال قالت:

_ أنتِ مثلا، تتحسرين على شبابكِ كل يوم وفي كل لحظة، أنا كذلك. أتحسر على شبابي الذي لم أهنأ به. أتحسر على أيامي التي فاتتني دون أن أعيشها، وتقولين لي لا زال العمر أمامي؟ أيُ عُمر يا فتون؟


احتضنتها فتون بقوة وعانقتها فريال كذلك ودخلتا سويًا في نوبة بكاء كان راعيها الرسمي هو الحسرة والندم والخوف من المجهول.


وفجأة توقف قاسم بسيارته مقابلتهما ونزل منها قلِقًا ، واستدار ليقف أمامهما وقال:

_ ماذا حدث؟ هل أنتما بخير؟! 


ابتعدتا عن بعضهما البعض ومسحت كلا منهما دمعاتها وقالت فتون:

_ نحن بخير لا تقلق.


تساءل بقلق وقال:

_ حقا؟ ألم يحدث معكما شيئا تسبب في كل ذلك البكاء؟ أخبراني لعلي أستطيع مساعدتكما.


تحدثت فريال بابتسامة مزيفة وقالت:

_ لا تقلق، هذه توابع الهشاشة النفسية التي ابتلينا بها وليس أكثر، نعاني من بعض التقلبات فحسب.


_ أنتما أيضا؟!... تساءل  بعفوية فنظرت له كلا منهما بتعجب ليتدارك ما قاله وابتسم ثم قال:

_ قلتُ هذا لأن زوجتي تبكي كثيرا كذلك، ولكن على ما يبدو ليست الوحيدة، لقد ظلمتها. على كل حال دعاني أساعدكما وأقلكما حيث تريدان.


ردت فتون بابتسامة ودودة وقالت:

_ نشكرك قاسم، لم نمارس رياضتنا بعد، نراك لاحقا.


أومأ مبتسمًا بود واستقل سيارته من جديد وتحرك بها نحو المعرض بينما عادتا للركض مرة أخرى.


•••••••••••••


استيقظت حياة من نومها، نظرت بجوارها لتجد الفراش فارغًا وبمكان قاسم ورقة مطوية، التقطتها وفتحتها بحماس لتجد مرسوما بها قلبًا كبيرًا تم رسمه بواسطة أحمر الشفاه خاصتها ومكتوب بداخل القلب ' صباح الخير يا حياتي، الفطور جاهز ولا تنسي دوائك، لا تتجاهلي الدواء حياتي كي يكبر سند سريعا ونستطيع سماع دقات قلبه. أحبك '


عَلت ضحكاتها وقالت:

_ سند ! هذا الرجل لا ييأس أبدا. وما هذا الخط؟ هذا يشبه الطلاسم والعياذ بالله. 


وضحكت مجددا وأمسكت بهاتفها ثم قامت بالاتصال بقاسم الذي أجاب على وجه السرعة وقال:

_ صباح الخير حياتي.


_ صباح الخير أبا سند.


ضحك عاليا فضحكت بدورها وقالت:

_ هل سميّتهُ وانتهى الأمر؟ دون الأخذ بالاعتبار أنني من أملك حق تسميته لأنني أنا من تعبت بحمله وأنا من غثيت ومن تقيأت؟ 


_ وهل هناك اسما أحلى من سند؟ يا أم سند؟


_ ومن أدراك أنه سيكون سندًا؟ يا أبا سند؟ 


ضحك عاليا ثم قال:

_ إن شاء الله سيكون سندًا ، سأواظب على قيام الليل من الليلة وأدعو الله أن يهبني السند.


_ وإن أراد الله ورزقنا فتاة؟ ماذا ستفعل؟


سكت للحظة ثم قال:

_ سأسجد لله سجدة شكر لأنني أصبحت أبًا لفتاتين، وخيركم من بُكر بأنثى.


_ أنت فعلا متناقض.


_ ليس تناقضا حياتي بقدر ما هو تمنّي، أتمنى من الله أن يرزقني بصبي حتى يكون لي سندا ولعائلته، وفي نفس الوقت أتمنى أن أُرزق بفتاة حتى تملأ حياتي دفئًا كأمها.. أو جنونًا لست متأكدًا بصراحة.


وصمت للحظات ثم قال متسائلا:

_ حياة، ماذا لو رزقنا الله بتوأم؟!!


جحظت عينيها من محجرهما وهي تقول بفزع:

_ توأم؟ لا هذا مستحيل.


سألها بنزق وقال:

_ وما الذي أحاله؟ هل من ينجبون التوائم أفضل مني بشيء؟! 


ضحكت وقالت:

_ لا أبدا ولكن.. لن أستطيع الاعتناء بهم قاسم، أنا أشفق على أمهات التوائم أساسا.


همهم متفهمًا وأضاف:

_ ليفعل الله خيرا، هل تناولتِ فطورك؟


_ سأبدأ به.


_ ولا تنسي دوائك.


_ لن أنساه.


_ حياتي، أعطيني قبلة.


ضحكت وقالت:

_ عندما تعود سأغرقك بسيل متوحش من القبلات عزيزي.


ضحك عاليا ثم قال بحماس:

_ حسنا انتظريني بعد ساعتين يا متوحشة. لن أغيب عنك أكثر من ذلك.


_ أنتظرك حبيبي، مع السلامة.


أنهت حياة الاتصال وهمت بتناول فطورها والذي هو عبارة عن خبز وجبن وفراولة.. فهذا أصبح هو فطورها اليومي بعد أن أصابها النفور من كل شيء.


أنهت الاتصال مع قاسم لتتفاجأ بوالدتها تتصل بها ، ترددت قليلا ولكنها أجابت في النهاية وقالت:

_ مرحبا أمي.


_ مرحبا حياة، كيف حالكِ حبيبتي ؟


تعجبت لهجة الانكسار التي تتحدث بها وأجابت بهدوء:

_ بخير الحمد لله ، كيف حال أبي؟ 


_ بخير، طبيب العلاج الطبيعي برفقته بالغرفة لذلك استغليتُ انشغاله معه واختلست الهاتف لأهاتفك.. كيف حالكِ مع الوِحام؟ هل لا زلتِ تتقيئين بكثرة؟


تنهدت حياة بتعب شديد وأردفت:

_ نعم للأسف، ماما.. هل هذا طبيعيا ويحدث مع كل الحوامل أم أنني طفرة؟ أتقيأ كل خمس دقائق تقريبا.


ضحكت صفية وقالت بحماس وقد شعرت برغبة ابنتها في الحديث معها وقالت:

_ لا حبيبتي أنتِ لستِ طفرة، أنا أيضا كنت أتقيأ وأشعر بالغثيان مثلك.. هذه أعراض الوِحام عند كل الحوامل.


ترددت حياة قليلَا ثم تساءلت بخجل:

_ وهل كنتِ تنفرين من أبي أحيانا؟ 


_ أجل، كنت أنفر من رائحته دوما وأبتعد عنه. هل تشعرين بالنفور من زوجك؟


ترددت حياة قليلا قبل أن تجيب:

_ نعم أحيانا وليس دائما.. على كل حال هذا كله سيمضي لا تقلقي.


_ سيمضي أكيد، اعتنِ بنفسك حياة، وإن كنت أود أن تأتي للبقاء معي لفترة.


_ قاسم لن يقبل هذا بالتأكيد، سآتي لزيارتكما دوما لا تقلقي.


_ حسنا يا ابنتي كما تشائين، لكِ كتف زاد والآخر ماء يا حبيبتي.


اضطرب قلب حياة واهتز بدنها إثر تعرضها لجرعة الحنان المفاجئة تلك وأنهت الاتصال مع والدتها، ثم أخذت تحدث نفسها قائلةً:

_ ما هذا الحنان كله؟ ماذا أصابكِ يا أمي؟ 


في تلك اللحظة فوجئت بقاسم الذي يقف أمامها مبتسما ثم تلاشت ابتسامته وهو يقول:

_ هل كنتِ تحدثين نفسك؟ 


نظرت إليه متعجبةً وقالت:

_ لماذا أتيت الآن؟ ألم تقل أنك ستأتي بعد ساعتين؟! 


اقترب منها وأمسك بيدها وقبلها ثم قال:

_ صراحةً لم أقوَ على الانتظار ونفذ صبري لذا ركضت إليكِ يا أفيونتي.


نظرت إليه بابتسامة وقبل أن تنطق تساءل فقال:

_ مع من كنتِ تتحدثين؟ هل هو عمي؟


_ لا، هذه أمي.


أجابته ببساطة فتساءل باستهجان:

_ وماذا كانت تريد؟ لماذا اتصلت؟


أجابت بهدوء:

_ اتصلت لتطمئن عليّ.


_ لتطمئن عليكِ؟ عساه خيرا؟ أراها قد أصبحت فجأة الأم الحنون، ماذا حدث؟


طالعته بلوم وقالت بضيق خفي:

_ لا تتحدث بتلك السخرية من فضلك. لقد أخبرتك أنها أمي وستظل أمي مهما فعلت.


مط شفتيه ساخرا وأردف:

_ صحيح، مهما فعلت ستظل أمك هذا شيء لا يمكن تغييره، أيا كان ما فعلته وما حاولت فعله ولم تنجح وما ستحاول فعله لاحقا ستظل أمك طبعا. 


ونظر إليها ببرود وأردف:

_ كما تشائين حياة، أنتِ لستِ طفلة كي أوجهك ، أنتِ ناضجة بما فيه الكفاية لكي تختاري متى تعود المياه لمجاريها. وطالما أنكِ قررتِ أن تعود سريعا وكأن شيئا لم يكن فهذا قرارك. ولكن تذكري.. إذا حاولت أمك إيذائك او إيذاء طفلي لن أرحمها هذه المرة. صدقيني.


نهض وتركها متجها إلى الخارج فلحقت به وهي تتحدث بعصبية وتقول:

_ ما الذي تقوله؟ بربك كيف ترى أمي؟ هل هي مجرمة أو قاتلة قتلى؟!


_ لا سمح الله من يجرؤ على قول هذا، أنا المجرم وليس هي، أنا من حاولت إقناعك بالإجهاض وقتل طفلك وليس هي.


تأفافت حياة بضجر وقالت بندم:

_ هل تعرف؟ أنا المخطئة لأنني ركضت إليك كالبلهاء وأخبرتك بما حدث، أنا المخطئة لأنني لم أعرف حينها أنك ستلقيها بوجهي كلما تحدثنا.


دخل المطبخ فتبعته وهي تستطرد قائلة بغضب جم وانفعال:

_ من الآن فصاعدا لن تتدخل بعلاقتي بوالدتي أبدا، ها أنت قلتها أنا لست طفلة ولا ساذجة وأعرف ماذا يتوجب عليّ فعله جيدا.


فتح الثلاجة وسحب منها زجاجة العصير وسحب كأسا وصب به العصير ثم خرج فلحقت به ليتوقف وهو ينظر اليها بتعجب فطالعته بحنق، أكمل سيره فلحقت به ثم توقف مجددا ونظر إليها نفس النظرة وقال:

_ لماذا تسيرين خلفي هكذا كالعَلَقة؟ يا رب صبرك.


_ وأنت لماذا تتجاهل كلامي وتتعمد استفزازي؟ 


تجاهلها مجددا ودخل إلى الشرفة فذهبت خلفه وهي تقول بنبرة مرتجفة:

_ لماذا تثير غضبي وأنا بتلك الظروف؟ أليس حراما عليك؟


رفع حاجبه متعجبا ونظر إليها باستغراب وقال:

_ أي ظروف؟! 


حملقت به باستغراب وقالت وهي تبكي:

_ ألا تعرف أي ظروف؟ ألستُ حاملا؟ ألا يفترض بك أن تكون أكثر حنانا ومراعاة؟! من الواجب عليك ألا تغضبني وألا تثير ضيقي، يكفيني ما أنا به أساسا.


أسند الكأس على الطاولة أمامه وهو يتمتم بقلة حيلة:

_ أستغفر الله العظيم.


ونظر إليها وقال:

_ اقتربي حياة.


اقتربت فأجلسها على ركبتيه كالمعتاد وضمها وظل يمسح على شعرها ثم قال مبتسما:

 _ طالما أنكِ تريدين حُبًا وحنانًا وتتقمصين دور ميرفت أمين سألبي رغبتك يا حياتي، أنا آسف.


قالها وهو يقبل عنقها بهدوء أسرى الدفء بجسدها وتابع:

_ أعرف أنكِ تمرين بحالة سيئة، صدقيني ليتني أستطيع تخفيف كل تلك الآلام عنكِ ولكن ليس باليد حيله.


مسحت دموعها بظهر كفها وقالت بنبرة مهزوزة متأثرة:

_ بالطبع أريدُ حبًا وحنانًا يا قاسم ، الأمر لا يستدعي السخرية أبدا. أنا أمر بأسوأ أيام حياتي يا قاسم، أعراض الوِحام هذه أنهكت قواي وأرهقتني، كل شيء أصبح طعمه مرا بحلقي، أصبحت أشعر بالقرف من كل الروائح حتى رائحتك! تخيل!!


نظر إليها متفاجئا فأومأت بتأكيد وقالت:

_ أجل، أنا الآن أعانقك رغما عني، رائحتك تشعرني بالقرف.


وانهارت مجددا فأبعدها عنه وأخذ يشم بأنفه يحاول شم رائحته تلك التي تشعرها بالقرف ونظر إليها متعجبا وقال:

_ حقا؟ هل رائحتي تشعرك بالقرف؟


أومأت بصمت فقال:

_ ولمَ ترغمين نفسك يا فتاة؟ لمَ لا تخبريني كي أتفهم حالتك ولا أعانقك كلما رأيتك؟


صرخت بوجهه بضيق وقالت:

_ حقا؟ وهل تظن أنني سأكون بحالة جيدة إن لم أعانقك أو أرمي رأسي على صدرك وأغفو وأنت تغمرني؟! أنا لن أكون بخير أبدا خارج أحضانك يا قاسم.


تنهد وضمها إليه أكثر وهو يقول بقلة حيلة:

_ ما هذه المشكلة العويصة؟ هل ستظلين بتلك الحالة إلى أن تنقضي فترة الوحام؟


_ على الأغلب نعم، لقد سألت أمي قالت أنها كانت تشعر بالقرف من أبي كذلك.


تمتم بحنق لا إرادي وقال:

_ أمك كانت تشعر بالقرف من الجميع وليس عمي فقط، لا شك في ذلك.


ابتعدت عنه ونظرت إليه بغضب عاصف بدون سابق انذار وقالت :

_ ثانيا؟! هل تتجاوز حدودك ثانيا ؟! هل تتعمد إثارة غضبي وإزعاجي؟ أنت إنسانًا نرجسيًا تتغذى نفسيا على أذيتي وإزعاجي أساسا. اللعنة!


ونهضت من فوق ركبتيه وهي تتحدث بعصبية مفرطة وقالت:

_ أقسم أنني من أشعر بالقرف من نفسي لأنني أضعف أمامك كلما رأيت وجهك وأركض إليك. سأغرب عن وجهك حالا وإن حدث وتكلمت معك مرة أخرى سميني فعلا عديمة الكرامة.


وتركته ودخلت إلى الغرفة بينما بقي هو ساكنا بمكانه، ينظر نحوها بلا تفاجؤ، بلا اندهاش، بلا استغراب، لقد تأقلم وتصالح مع تقلباتها المزاجية التي يضطر لمواجهتها خمسون ألف مرة في الساعة؛ لذا أصبح لا يتعجب تناقض مشاعرها ولا أفعالها أبدا.


أسند خده على قبضته بقلة حيلة وأخذ يردد:

_ أتيت على أساس أنني سأحظى بسيل متوحش من القبلات فإذا بي أجد نفسي نرجسيًا ! ومن يكون نرجسيًا هذا؟ أشعر أنني سمعت هذا المصطلح قبل قليل!!


ثم صوب نظره فجأة نحو باب غرفتها وهو يتحدث إلى نفسه ويقول:

_ أيعقل أنها مسبّة؟! هل حياة تسبّني وتستغل جهلي بمعنى الكلمة؟ أقسم أنني لن أمرر الأمر مرور الكرام أبدا.


ونهض من مقعده فجأة واندفع نحو غرفتها بغضب، أدار مقبض الباب ليتفاجأ بها وقد أوصدت الباب من الداخل فقال بصوت حاد :

_ افتحي حياة.


وصلهُ صوتها من الداخل تقول:

_ ماذا تريد مني بعد؟!


_ افتحي لا بد أن أعرف معنى الكلمة التي قلتِها هذه؟ ماذا يعني أنني نرجسي؟ هل هذه مسبّة؟ هل وصلت بكِ الوقاحة كي تتجرأين علي بهذا الشكل ؟!


أجابته بانفعال وقالت:

_ لا ليست مسبة لا تقلق.


_ وما معناها إذا؟ ثم أنكُ لمَ لا تتناولين المصطلحات الدارجة ؟ هل بلغت الثقافة حدها لديكِ بذلك القدر ؟ الآن نرجسي وسابقا اتهمتِني بأني بيدوفيلي!!


تنفست الصعداء وهي تحاول أن تكون أكثر هدوءا وقالت من بين أسنانها:

_ من فضلك اذهب الآن، أعصابي مُثارة بما فيه الكفاية.


تحدث بعصبية مماثلة وقال:

_ سأذهب يا حياة ولكن ليس قبل أن تفتحي الباب.


_ والسبب؟!


لم يُجِبها فتسائلت مجددا:

_ ماذا تريد؟


التزم الصمت تماما فقالت باستغراب:

_ لماذا تصمت؟ ماذا تريد يا قاسم؟!


مجددا لم ينطق فانساقت خلف فضولها اللعين وفتحت الباب لتتفاجأ به وقد سحبها من خصرها نحوه، وهجم عليها بسيلٍ متوحش من القبلات، وما إن تداركت الأمر حتى طوقت خصره بذراعيها وتجاوبت معه لتتهاوى وحشيته تلك فجأة ويحل محلها اللين والحنان اللذان اعتادتهما معه.


بعد مرور دقيقة.. ابتعد عنها قليلا ووجهها بين كفيه يطبع عليه القبل في كل مكان، ثم توقف وهو ينظر لعينيها اللتان لم ينسَ حصتهما من القبلات الحامية وقال:

_ ليس قاسم من يتنازل عن حقه أبدا يا كهرمانة. هذا حتى تتعلمي قيمة الكلمة وكيفية احترامها. لقد وعدتِني بسيل متوحش من القبلات ولكنكِ أردتِ التنصل من كلماتك بكل سهولة. ولكني لم أكن لأتجاهل نبرة الدفء و الوله بصوتك وأنتِ تخبريني بها عن نواياكِ المتوحشة يا كهرمانتي الصغيرة.


نظرت إليه مبتسمة بنفس الشغف و الوله فقضم أنفها بخفة وابتعد قليلا وقال مبتسما:

_ أحبك كثيرا حياتي.

 

ركنَت رأسها على صدره مغمضةً عينيها بارتياح، وشعورًا بالأمان يغمرها بين ذراعيه، ثم أطلقت تنهيدة حارة وقالت:

_ وأنا أحبك كثيرا قاسم ، أحبك كثيرا أبا سند.


ضحك عاليا وضمها إليه أكثر وقبّل أعلى جبهتها ثم قال:

_ هيا حياتي، عليّ أن أعود للمعرض حالا، أنتظر وصول طلبية جديدة ويجب أن أكون موجودا في الموعد.


نظرت إليه متعجبة وقالت:

_ هل أتيت فقط من أجل ما قلتُه؟


نظر إليها متعمدا مشاكستها وقال:

_ ما هو الذي قلتِه ؟؟ تقصدين عندما وعدتِني أنكِ ستمنحيني سيلًا من القبلات ؟


أومأت بخجل طفيف فضحك قائلا:

_ نعم أتيت من أجل هذا فقط! ويمكن أن أقطع آلاف الأميال وأمشي عشرات الساعات يوميا ذهابا وإيابا فقط لكي أنعم بقربكِ حياتي.


أحاطت عنقه بذراعيها ونظرت إليه بابتسامة متلاعبة يعرف فحواها جيدا ثم قالت:

_ قاسم، ما رأيك أن تبقى وتخبر عزيز أن يذهب لتسلم الطلبية؟ أرى أن بقائك الآن ضروريا جدا.


نظر لعينيها المفجوعتين اللتين تلتهمان عينيه بحب وشوق متأجج نابع من أعمق أعماقها وقال وهو يهمس بوله:

_ حلوتي، أرى الشوق يُخيّم بعينيكِ الجميلتين، على ما يبدو تريدين حبًا وحنانًا فعلا.


أومأت بابتسامة فابتسم وهو يمد يده إلى أزرار قميصه ويحلها وهو يقول:

_ وأنا لها حياتي.


|||||||||||||||||||||||


كانت سارة تجلس بالشرفة، ممسكةً بكتاب تقرأه بملل، حتى استمعت إلى صوت انبثاق إشعار ففتحته لتجد قصي قد أرسل إليها طلب صداقة عبر موقع التواصل " فيسبوك " .


تعجبت في بادئ الأمر، ثم ابتسمت بزهو وتسللت إلى حسابه وأخذت تشاهد الصور الخاصة به والمنشورات التي يقوم بمشاركتها والتي تدل على امتلاكه شخصية حكيمة وعقلية متزنة برغم صغر سنه. وبعد رحلة طويلة بملفه الشخصي وجدت نفسها تقبل طلب الصداقة برحابة صدر.. ولم تكن تعرف أنه بمجرد أن تقبل الطلب سيرسل إليها رسالة ترحيبية ما إن رأتها حتى اتسعت ابتسامتها وقامت بالرد عليه وقالت:

" مرحبا جاري العزيز، كيف حالك "


ليرسل إليها قائلا:

" بخير يا قزمة، أين أنتِ؟ "


أرسلت إليه وجهًا حانقًا ردًا على نعته لها بقزمة وأرسلت قائلة:

" لستُ قزمة، بل أنت العملاق "


أرسل إليها وجهًا ضاحكًا وقال:

" صحيح، لقد ورثتُ طول القامة عن والداي فكيف لا أكون عملاقا "


_" حسنا وماذا تريد مني يا عملاق، لمَ سألتني عن مكاني؟ "


_" لأني وددت لو أننا هربنا إلى ذلك المكان الذي نظن أن لا أحد يعرفه سوانا"


ضحكت عاليا، ثم تفاعلت مع رسالته بوجه ضاحك وكتبت له:

_ " وما فائدة هروبنا إليه إذا؟ أليس من الأجدر بنا أن نهرب لمكان آخر لا أحد يعرفنا به؟!


توقف قليلا عن الكتابة ثم أرسل إليها يقول:

" فائدته أننا سنهرب سويا، نتشارك نفس المكان، نفس الطاولة، نفس التنهيدة المثقلة بالهموم."


_ "حتى التنهيدة سنتشاركها ؟ ألستَ حالميًا أكثر من اللازم؟"


_ " أنتِ محقة، ولكن الإنسان لا يكون حالميًا إلا مع شخص يطمئن بوجوده ويتفهم حالميته تلك."


توقفت سارة أمام هذه الجملة ولمعت عينيها ونبض قلبها فجأة بقوة رهيبة، ولم يكن باستطاعتها حينها سوى أن تتفاعل مع رسالته بقلب أحمر، ثم أطفأت الهاتف وركنته إلى جوارها ، ثم نظرت أمامها مطولا والابتسامة لا تفارق ثغرها الباسم.


___________


في المساء..


قرر كلا من حياة وقاسم أن يذهبا لزيارة عزيز وحنان، فقام قاسم بالاتصال بعزيز وأخبره أنهما سيذهبان لزيارتهم ثم بدأا بالاستعداد.


ارتدت حياة ملابسها سريعًا كعادتها، ثم وقفت أمام المرآة لتضع بعضا من الرتوش الخفيفة كما تفضل. كان قاسم قد انتهى من ارتداء ملابسه، ثم وقف أمام المرآة ليمشط شعره ويضع من زجاجة العطر التي ما إن اشتمت حياة لرائحتها حتى نظرت إليه بنفور وقالت:

_ أرجوك لا ترش من هذا العطر.


نظر إليها متعجبا وقال:

_ لمَ؟ أنتِ تحبينه أعتقد.


_ ولكنني الآن لا أطيق رائحته.


أعاد الزجاجة إلى حيث كانت، والتقط واحدةً أخرى ونثر منها حول عنقه وقال:

_ ما الخطب؟ هل هذه أيضا تثير نفورك؟


نظرت إليه وهي تبتعد للخلف بضيق واستياء ثم قالت:

_ قليلا ولكنها أفضل من تلك.. على كل حال دعنا لا نتأخر.


خرجا سويًا من الشقة واتجها للمرآب حيث يصف قاسم السيارة، ثم انطلقا في طريقهما نحو بيت عزيز.


طوال الطريق كانت حياة تلتزم الصمت، وهذا ما أثار حيرة قاسم وأشعره بأن هناك شيئا غير طبيعيّا، نظر إليها ليجدها مغمضةً عينيها ويدها تتحسس بطنها وعلى ثغرها ابتسامة حنونة، فابتسم وقرص ذقنها بمشاكسة وهو يقول:

_ ما خطبكِ يا ماما حياة، فيم أنتِ شاردة؟


نظرت إليه بابتسامة وبدون مقدمات قالت:

_ أريدُ جوز هند.


قطب جبينه متعجبا فأردفت بتأكيد وهي تشير بيديها المتباعدتين:

_ أريدُ حبة جوز هند بهذا الحجم!!


ضحك، ثم تعالت ضحكاته الفَرِحة وأمسك بيدها وطبع فوقها قبلةً ثم قال:

_ أمرك حبيبتي ، ولو أنه طلبًا غريبًا وغير متوقع ولكنكِ تأمرين وأوامرك مُجابة.


ابتسمت بارتياح كبير وأغمضت عينيها مجددا ويديها تحيط بطنها ثم قالت بهمس:

_ أشكرك زوجي الحبيب.


ضحك قاسم وهو يهز رأسه بيأس وأكمل طريقه إلى أن وصل حيث بيت عزيز.


دخل قاسم وحياة لتستقبلهم حنان بحفاوة شديدة ورحب بهما عزيز ترحيبًا لائقًا، كما كان صبر وكريم بانتظارهما واستقبلوهما بضجة معهودة.


جلسوا جميعا بغرفة الاستقبال، وسط جو من الدفء وأجواء لا تنتهي من الشقاوة والمشاكسة بفعل الطفلين.


تحدثت حنان بابتسامة عريضة وقالت:

_ كيف حالكِ حياة؟ لم تأتِ إلى هنا منذ زمن.


وخفتت ابتسامتها شيئا فشيئا فعلمت حياة أنها تذكرت أيام الحادث وموت ابنتها عندما كانت تذهب حياة للاعتناء بها والمبيت معها. ابتسمت حياة وهي تحاول درأ الشفقة عن ملامحها وقالت:

_ صحيح، واليوم اقترح قاسم أن نأتي لزيارتكم بما أنكِ أصبحتِ مشغولة للغاية.


ضحكت حنان وهي تضم كلا من صبر وكريم بذراعيها وقالت:

_ فعلتَ خيرا يا قاسم، من لها ولدين مثل صبر وكريم لا يتسنى لها حك ظهرها حتى.


حينها نظر صبر إلى كريم وهمس متسائلا:

_ هل هذا مدح أم سُباب؟!


فأجابه كريم ببساطة:

_ سُباب.


ضحك قاسم الذي كان يراقبهما عن كثب ثم قال:

_ اقتربا يا شباب.


اقترب كلا منهما وجلسا بجواره فقال وهو ينحني بجذعه نحوهما:

_ كيف حالكما، هل تخترعان المصائب؟ أم أنكما تلتزمان بالعهد؟


تحدث صبر وقال:

_ لا تخف، نحن على العهد دائما.


نظر إلى كريم متسائلا ليمنحه الآخر إيماءة مؤكدة فربت فوق كتفه مشجعا، ثم مد يده بجيبه وأعطى كل واحدا منهما مبلغا بسيطا وقال:

_ هذه لكما.


نظر صبر إلى كريم وغمز قائلا:

_ هل نذهب لاستئجار الدراجات؟!


ضرب كريم كفه بكف صبر كعلامة على الموافقة واستئذنا من عزيز وحنان ثم انصرفا.


دخلت كلا من حنان وحياة إلى المطبخ لإعداد العشاء بينما كان قاسم وعزيز يتحدثان حول الطلبية الجديدة التي وصلت إلى المعرض اليوم ثم قال قاسم:

_ عزيز، لدي ما أخبرك به، الحقيقة أن الأمر ليس جديدا ولكني أرجأت فكرة إخبارك به لأجل مسمى. وأرى أن هذا الأجل قد حان.


نظر إليه عزيز متسائلا فأخرج قاسم الأوراق التي دسها بجيبه وأعطاها له، فأمسكها عزيز ونظر بها متفحصا، ثم نظر إلى قاسم وقال:

_ هذا عقد بيع شقتك الثانية !


أومأ قاسم مؤكدا فنظر عزيز بالعقد ونظر إليه مجددا وقال باستغراب:

_ العقد بإسمي!!


أومأ قاسم مرة أخرى وقال:

_ صحيح، بعد أن قمت بشراء هذه الشقة قررت أن تكون لكريم بما أنني اشتريتها بمال والده. وكنت قد قررت أن تظل الشقة تحت تصرفي إلى أن يكبر كريم وأقوم بتسجيلها باسمه، ولكني أرى أنه من الأفضل أن تكون الشقة بحوزتك وتحت تصرفك أنت بما أنك الوصي عليه ، لذا قمت بتسجيل الشقة باسمك في الشهر العقاري. 


كان عزيز متوقعا تلك الخطوة من قاسم، خاصة وأنه أخبره مرارا أن ضميره يعذبه بسبب ما فعله. ابتسم عزيز وربت على ركبة قاسم الذي يجلس بجواره بصمت فاستطرد قاسم وقال:

_ أنا أقترح أن تقوم بتأجير الشقة وتقوم باستثمار عائد الإيجار . 


أومأ عزيز موافقا وقال:

_ هذا فعليًا ما أفكر به.


هز قاسم رأسه بتمهل وقال:

_ ليفعل الله خيرا.


وفجأة استمعا إلى طرقات عنيفة على باب الشقة فهرول عزيز وفتح الباب بفزع ليجد كريم وقد بدا عليه الخوف والهلع وهو يحاول التقاط أنفاسه فسأله قاسم سريعا:

_ أين صبر؟


نظر إليهم الطفل وشحوب وجهه يحكي ألف حكاية فقال:

_ لقد وقع على الأرض فاقدا للوعي فجأة.


لم يستكمل حديثه حيث هرع كلا من قاسم وعزيز للخارج ليجدوا صبر جالسًا على مقعد بمنتصف الشارع والجميع يلتفون حوله باهتمام، اقترب منه قاسم وعزيز وتسائلا في آنٍ واحد:

_ ماذا حدث؟!


فأجابهما مالك محل الدراجات وقال:

_ على ما يبدو أنه مرهق للغاية، بمجرد ما إن قاد الدراجة لدقيقتين حتى وقع على الأرض مغشيا عليه. ولكنه بحال جيد الآن.


ربت قاسم على ظهر صبر ومال ليقبل رأسه وقال:

_ أنت بخير، أليس كذلك ؟


أومأ صبر موافقا والحزن يسكن بعينيه ثم قال:

_ أنا بخير، ولكني لا أريد أن أموت قبل أن أرى أبي.


صفعت تلك الكلمات خد قاسم بقسوة، واحمر وجهه واحتقنت عروقه بالدماء، ثم حمل الطفل بصمت وعاد هو وعزيز إلى البيت.


دخلوا فركضت إليهم حنان بخوف وضمت الطفل بلهفة، جلس بجوارها عزيز الذي حاول طمأنتها ، بينما كان قاسم يقف واجما وقد تبدل حاله مئة وثمانين درجة ثم نظر إلى حياة وقال:

_ هل نذهب؟


تعجبت حياة طلبه المفاجئ ولكنها لم تجادله فقد كانت معالم وجهه تشرح كم الاستياء الذي يشعر به الآن ووافقته وانصرفا بعد رحلة جدال وشد وجذب طويلة من طرف حنان وعزيز لكي لا ينصرفا ولكن قاسم تمسك بقراره.


كان قاسم طوال الطريق صامتا، شاردًا وصورة صبر وكلماته لا تبارح خياله، حتى أنه كاد أن ينحرف عن مساره مرتين لولا عناية الله ، وكانت حياة تشعر بالقلق حياله ولكنها التزمت الصمت لأنها فطنت أنه لا يريد التحدث الآن.


عادا إلى الشقة، دخلت حياة إلى الحمام لتأخذ حماما بينما دخل هو إلى الشرفة وقام بالاتصال بالسيد أكثم الذي أجاب قائلا:

_ مرحبا قاسم، كيف حالك؟


أجابه قاسم والاستياء باديًا على صوته وقال:

_ بخير سيد أكثم. اتصلت بك لكي أخبرك بأني فكرت فيما تحدثنا به سابقا.


_ حسنا، وما هو قرارك؟


صمت قاسم للحظات، جال فيها بعينيه المكان كله وتوقفت نظراته أمام باب الحمام الذي تتواجد حياة بداخله، ثم زفر مطولا ونطق بعجز فقال:

_ سوف أعترف بالحقيقة وأبرأ حسان !


_______________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية

reaction:

تعليقات