Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السابع والثلاثون 37 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السابع والثلاثون 37 - بقلم نعمة حسن 

_٣٧_


~ بطاقة صفراء! ~

____________


منذ أن خرجت حياة وهي تجلس بغرفتها على فراشها حيث كانت تجلس ابنتها تماما، تبكي على الحالة التي رأت بها ابنتها وانهيارها المؤسف لأول مرة، وبالرغم من رؤيتها لذلك الانهيار المباغت ومعرفة دوافعه وأسبابه إلا أنها تشعر بالصدمة مما قالته لها حياة. هذه المرة قست عليها حياة بشدة؛ فلقد ألقتها بوجهها بكل صراحة وقوة وقالت أنها تكرهها!


أخفت صفية وجهها بين كفيها وأخذت تشهق وتبكي وهي تقول بحسرة:

_ حياة أصبحت تكرهني، ابنتي تحقد علي لأني أريد لها الصالح، ولكن لا بأس، غدا ستندمين وتدركين أن كلام أمك كان صحيحا، ستركضين إلي وتستغيثين بي عندما ترين الوجه الآخر لذلك الجبان وتكشفينه على حقيقته المُرة!


ومسحت آثار دموعها ونهضت ورتبت الفراش وهي تقول :

_ لن تعود الغبية ، بالتأكيد ذهبت إليه وتحاول استجداء عطفه الآن، غبية وأعرفها من الممكن أن تخسر كرامتها وكل شيء تملكه من أجل عيونه!


وخرجت من الغرفة وأوصدت الباب خلفها وزفرت زفرةً مطولةً وهمت بالذهاب للحمام ولكنها استمعت لأنين وبكاء مكتوم فهرول طج نحو غرفة زوجها على الفور لتتفاجأ به يتمدد أرضا بقلة حيلة  ويده تحاول الوصول للكرسي المتحرك الموجود على بُعد خطوات منه.


هرعت إليه بفزع وساعدته لينهض وهي تقول ببكاء:

_ صالح، ماذا حدث لك، كيف سقطت على الأرض!


نظر إليها بغضب وحقد دفين ولم يعقب، تشبث بها حتى ساعدته للاستلقاء على فراشه من جديد ودثرته بالغطاء وجلست بجواره وهي تقول باهتمام أثار اشمئزازه:

_ ماذا حدث، هل كنت تريد النزول من الفراش فسقطت؟ لمَ لم تناديني؟


نظر إليها بعتابٍ ونفور وقال بغضب هادر:

_ أين حياة؟ ماذا فعلتِ بها؟ ماذا قلتِ لها كي تصرخ بتلك العصبية وتقول أنها تكرهك ؟ ماذا فعلتِ لها مجددا يا صفية ، تكلمــي!!


صاح بها بعصبية أفزعتها بقدر ما أتعبته فتحدثت على الفور بتلعثم وقالت:

_ ل.. لم أفعل شيئا صدقني، كنا نتناقش كأم وابنتها وفجأة ثارت كما سمعتها وأخذت تردد بتلك الكلمات القاسية..


طفقت تبكي من جديد فنهرها بضيق وقال بانفعال:

_ هل تظنين أني صدقتك؟ أو سأصدق دموع التماسيح خاصتك؟ تكلمي يا صفية ماذا قلتِ لها؟ حياة لن تنهار بتلك الطريقة لمجرد أنكما كنتما تتناقشان كأم وابنتها، ماذا قلتِ لها؟ سأعرف على كل حال لذا تكلمي الآن..


أدركت أنه لا سبيل من الفرار لذا عليها الاعتراف بما قالته علها تستطيع تهدئته قبل أن تخبره حياة بما حدث.


_ أنا.. كل ما فعلته كان من أجلها صدقني، الآن هي حامل وصراحةً.. 


وازدردت ريقها بخوف فحثها بعينيه اللتين تطلقان شرارًا فاستطردت وهي تلقي بالكلام دفعةً واحدة:

_ بصراحة شديدة أنا لا أتقبل فكرة حملها من هذا الحقير ابن أخيك، أنا أكرهه، هذا الطويل لا يستحقها أبدا، لا تنس أنه كان رد سجون وسيظل يتعامل كالمجرمين الذين عاشرهم لعشر سنوات، وأساسا لا زلت غير مقتنعة بفكرة زواج حياة منه، هذا الوقح أقل منها بكثير صالح..


قاطعها بنفاذ صبر وصاح بها بغضب جهور:

_ أكملي.. ماذا قلتِ لها ؟


ابتعدت عنه فجلست بآخر الفراش وهي تقول بخوف:

_ اقترحت عليها أن تجهض الطفل!


نظر إليها بعينين متسعتين من شدة الصدمة فنهضت من الفراش بخوف ووقفت على بعد خطوات منه وهي تنظر إليه بخوف فقال:

_ لمَ تبتعدين؟ هل أنتِ خائفة؟ ماذا عساني أفعل وأنا بتلك الحالة؟ وأنا أرقد نصف مشلول كيف يمكنني أذيتك؟ اقتربي صفية..


نظرت إليه بخوف فقال بانفعال شديد:

_ قلتُ لكِ اقتربي صفية ولا تشعريني بعجزي أكثر.


اقتربت بخوف وجلست بجواره مجددا وهي تنظر إليه بتوتر فباغتها بصفعةٍ شديدة من يده السليمة أطاحت بعقلها وأفزعتها، وأطبق على شعرها وهو يقول بجنون:

_ ماذا فعلتِ ؟ طلبتِ منها أن تجهض الطفل ؟! أنتِ لستِ طبيعية أبدا، أنتِ إنسانة مختلة عقليا، أنتِ لستِ إنسانة أساسا، أنتِ حيوانة.. لا.. حتى الحيوان يملك بقلبه بعض الرأفة والرحمة، أنتِ لاتملكين ذرةً منهما، لذا أنتِ لا تستحقين شرف نعتكِ بالحيوان، الحيوان يخاف على أولاده أكثر منك يا مجرمة،  أنتِ .. أنتِ ماذا ؟ أنا لا أجد لكِ وصفًا منصفًا، أنتِ جماد.. بلا قلب وبلا عقل.. لا تفكرين ولا تشعرين ولا تفعلين شيئا بحياتك سوى تخريب وتدمير حياة الجميع. اللعنة عليكِ .. اللعنة عليكِ صفية وعلى معرفتك والزواج بك، لم أكن أعلم حينها أنني اخترت أقذر وأقبح امرأة في الوجود.


أجهشت صفية بالبكاء وهي تبتلع كلماته المهينة بمرارة فنزع قبضتها عن شعرها فابتعدت للخلف بخوف وفزع فنظر إليها مهزوما وقال:

_ تطلبين من ابنتك تعريض حياتها للخطر؟ تطلبين منها قتل نفس؟ لم تفكري أنها من الممكن أن تموت لا قدر الله وهي تجهض الطفل؟ لم تفكري أنها من الممكن أن تجهضه ويعاقبها الله ويحرمها من الأمومة للأبد! لا حول ولا قوة إلا بالله.. لقد نفذ صبري معك صفية، تحملتك وتحملت إجرامك كثيرا ولكن فاض الكيل، أنا لن أبقيكِ على ذمتي مجددا!


توقفت عن البكاء فورا ونظرت إليه بصدمة فقال:

_ أنتِ طا..


اقتربت منه فورا وكممت فمه بيدها وهي تقول بانهيار:

_ لا، لا تنطقها أرجوك، أرجوك صالح لا تفعل ذلك بي، لا تطلقني صالح أرجوك..


أبعد يدها عنه وهو يقول بحدة:

_ لمَ؟ ألم تتسببي بطلاق ابنتك؟ لماذا هان عليكِ خراب بيتها ولم يهن عليكِ خراب بيتك؟ هل تحبين نفسك أكثر مما تحبين ابنتك؟ أنتِ حقا إنسانة جشعة أنانية، قلبك هذا لا ينبض إلا بالغل والسواد..


أمسكت بيديه وقبلتها في خنوع وأخذت ترجوه وهي تقول ببكاء:

_ أنا آسفة صالح، آسفة أرجوك سامحني، لا تطلقني صالح أرجوك.. أنت تعرف أني لا أملك مكانا لأذهب إليه، لا أملك أهلا ولا أصحابا، وحياة لن ترحب بي أبدا مجددا، لا تكن قاسيا أرجوك..


نظر إليها بنفور وغضب وقال:

_ حتى في هذا الوقت لا تفكرين سوى بنفسك فقط..


_ أنا آسفة صالح، أعدك أنني سأبقى أسفل قدميك إن أردت، سأبقى هنا من أجل خدمتك ورعايتك فقط .. لا مانع لدي أن أبقى هنا لأخدمك حتى لو رفضت النظر بوجهي مجددا سأقبل، ولكن لا تطلقني أرجوك.


نظر إليها وسالت دمعته بقهر وهوان وهو يقول:

_ ملعون ذلك العجز الذي سيجعلني أحتاج إليكِ ، لولا عجزي أقسم لكنت ألقيت بكِ بالشارع ولم أكن لأكترث لأمرك، ولكنني مضطر للإبقاء عليكِ لأنني عاجز، للأسف عاجز .. منذ اليوم الذي سمحت لكِ فيه أن تدمري عنبر وتخضعيها لذلك الملعون عبدالله وأنا عاجز، والآن أصبحت عاجزا قولا وفعلا، أشعر أن ما أصابني هذا عقابا من الله عز وجل لأنني كنت دوما رجلا سلبيا متخاذلا ، لم أنصر الحق ولم أسعَ لتوعية بناتي وإنقاذهما من بين براثن أم حقودة مثلك! أجل.. هذا عقابي.


حاولت الاقتراب منه ثانية فأشار لها بالابتعاد وهو يقول بحدة:

_ لا تقتربي، من الآن فصاعدا ستبقين بذلك البيت ولكنكِ ستكونين بغرفة وأنا بغرفة، لا تحاولي التحدث معي ثانية والأفضل أن تنسي أننا زوجين، من الآن فصاعدا لن تتدخلي بحياة ابنتك، لن تذهبي إليها، ولن تتحدثي معها حتى عبر الهاتف، لن تخطئي مجددا يا صفية لأنك إن فعلتِ فلن يثنيني شيئا عن قراري .. هذا آخر إنذار، وبعدها لا تلومين إلا نفسك الأمارة بالسوء.


وأشار إلى الباب وقال بنظرة تنبعث منها رائحة النفور:

_ أخرجي ، لا أريد رؤية وجهك مجددا .


خرجت من الغرفة صاغرةً وهي تبكي فاستوقفها قائلا:

_ انتظري..


نظرت إليه بأمل ليبدد هو ذلك الأمل عندما قال:

_ أحضري هاتفك حتى أضمن أنكِ لن تتصلي بها مجددا..


أومأت بموافقة وأعطته هاتفها فقال:

_ هيا أخرجي تصحبكِ السلامة.


وألقى بالهاتف بجواره بتعب وأخذ يتمتم مستغفرا بقلة حيلة ، ثم أمسك بهاتفه وقام بالاتصال بحياة..


_________________


كانت حياة ترقد بفراشها وبجوارها قاسم الذي يحيطها بذراعيه بحنان وهو يتأمل ملامحها باشتياق جارف ، بينما هي تنظر إليه بعينين دافئتين ليقول مبتسما:

_ لا تنظري إلي بتلك الطريقة حياتي، أشعر أنني على وشك التهامك.


واقترب منها و عضّ أعلى كتفها برقة فضحكت بحب وقالت وهي تحيط وجنته بكفها:

_ اشتقتك كثيرا قاسم، يا إلهي أشعر وكأنني لم أرَكَ منذ شهور طويلة.


أخذ يمسح على شعرها بحنان وقال:

_ وأنا كنت ولا زلت أشتاقك حياتي، لقد ردت الروح لجسدي أخيرا يا كهرمانة.. لا تفعلي ذلك بنا ثانيةً حياة.


نظرت إليه بانتباه فتابع وهو يمسح على شعرها بحنوٍ وفير وقال:

_ لا تسمحي لأي من كان أن يتدخل بحياتنا مجددا، أنتِ تعرفيني جيدا، أنا أمامك دوما كالكتاب المفتوح ، أنتِ فقط حياة، أنتِ الشخص الوحيد الذي لا أخفي عنه سرا أبدا.. لذا لا داعي للقلق، صدقيني لن أخدعك أبدا، لذا أرجوكِ لا تدعي مجالا للشك بيننا ، ولا تسمحي لوالدتك أن تملأ رأسك ضدي مجددا.. حياتنا خاصة بنا فقط! 


ابتسمت واقتربت منه أكثر ودفنت رأسها بعنقه فضمها إليه ومال على وجنتها وقبّلها وقال:

_ لا تجعليني ناقصا أبدا حياة..


استوقفتها كلماته فأبعدت رأسها للخلف ونظرت إليه باستفهام فقرص وجنتها بخفة وقال:

_ أنتِ نصفي الثاني حياتي، وحدكِ من يمكنه إكمالي وجعلي واحدا صحيحا، واحدا قادرا على تجاوز كل شيء وأي شيء، بوجودك يمكنني تخطي الكثير وتحدي كل ما هو مستحيل، أنا بدونك ناقص، لا تجعليني ناقصا أبدا.


هزت رأسها بموافقة بتأثر شديد وتماسكت كي لا تتهاوى دمعاتها مجددا، ثم اعتدلت بجلستها وضمت رأسه وقربته إليها وهي تهمس إليه :

_ أحبك كثيرا قاسم.. 


نظر إليها وعينيه تشعان بالدفء والحب ثم همس بجوار أذنها بنبرةٍ شغوفة:

_ وأنا أعشقك كهرمانة.


اتسعت عينيها بغير تصديق، وسالت دموعها من فرط الفرحة؛ فهذه هي أول مرة تحصل فيها على اعتراف صريح من قاسم بعشقه لها! حسنا لقد عبر لها بأكثر من طريقة وبكلمات رومانسية كثيرة ولكنه لم ينطقها مباشرة قبل ذلك.


نظرت إليه بصدمة وغبطة وقالت:

_ ماذا قلت للتو؟


ابتسم وهو يزيل دمعاتها وقال:

_ أعشقك يا كهرمانة.. أحبك كثيرا حياتي.  أنتِ حبي الأول والأخير، أنتِ حبي الصادق وأملي في الحياة.


تعالت ضحكاتها وهي تبكي في آنٍ واحد فضمها إليه بقوة وقال:

_ لا تبكي يا صغيرة، يا إلهي أصبحت أثق بأن دموعك هذه لا تفنى ولكنها تستحدث من العدم ، ما بالكِ يا حياة هذه المرة التي لا أعرف عددها التي تبكين بها!!


تشبثت بعنقه بقوة وقالت:

_ لا أصدق أنك أخيرا اعترفت! توقعت أن يشيب شعري قبل أن تنطقها يا بليد.


ضحك عاليا ثم قال:

_ يا إلهي! لهذه الدرجة؟


أومأت بموافقة وهي لازالت تطوق عنقه فقال ببساطة صادقة:

_ كنت أقولها كل يوم حياة، ولكن بقلبي..ولكن منذ الآن سأقولها بقلبي وبلساني وبكل طريقة ممكنة طالما أن هذا الأمر يهمك بهذا القدر، لا تقلقي فمن اليوم لن أدخر جهدا في الاعتراف بها حياتي.. و ها نحن ذا..


قبّل وجنتها وهو يقول:

_ أحبك حياتي..


ومال على وجنتها الأخرى وأردف:

_ أقسم أنني أعشقك..


ثم أحاط وجهها بين كفيه ونظر لعينيها الدامعتين اللامعتين وهمس:

_ حياتي، النظر في عينيكِ المخلصتين هاتين تجعلانني على مشارف البكاء، ماذا فعلت أنا كي أحظى بامرأة جميلة تمتلك عينين جميلتين مثلك!


تقوست شفتيها بتأثر وانهالت دمعاتها دون سابق إنذار فابتسم وهو يهز رأسه بيأس ، ثم أزال دموعها بأنامله بلطف سريعا وقال:

_ أنا من كنت على مشارف البكاء ولستِ أنتِ حياة، أم أنكِ ترغبين في البكاء فحسب! يا إلهي هل هذه الليلة التي بكى فيها القمر!


ابتسمت، ثم توسعت ابتسامتها أكثر وضحكت، فضحك وطبع قبلةً حانيةً فوق ثغرها الباسم وقال:

_ إضحكي حياتي، يا أحلى من ضحك وأجمل من ابتسم يا كهرمانة.. من الآن فصاعدا سألقبكِ بصاحبة أجمل ابتسامة!


_ قاسم، ما تفعله هذا كثيرٌ جدا.. أنا لا أستحق كل هذا الحب والدلال!


نظر إليها بضيق طفيف وأردف بكل جدية:

_ لا تقللي من شأنك حياة، أنتِ تستحقين كل الحب وكل الدلال، أتمنى أن يطيل الله بعمري كي أحبك كل يوم وأدللك كل يوم.. وحتى بعد أن تنجبين لي أطفالا، ستتقاسمون الحب والدلال، لا تقلقي لن أنسى نصيبك أبدا.


انفجرت في البكاء بشدة فهمس مستغفرا وقال بتعجب:

_ أستغفر الله العظيم، ماذا دهاكِ حياة؟ من المفترض أننا بأحسن حالاتنا الآن يا فتاة، لماذا البكاء إذا؟!


نظرت إليه وهي تحاول كفكفة دموعها وقالت بترقب:

_ قاسم، أنا حامل!


ظل ينظر إليها بدون أي رد فعل لثوانِ طويلة، ثم هز رأسه بتساؤل وقال بعدم فهم:

_ ماذا؟ ماذا قلتِ؟!


_ أقول لك أنني حامل، لقد عرفت اليوم فقط!


كان ينظر إليها بوجه متجرد من التعابير إلى أن نهض من الفراش وهو يقول بتيه:

_ لحظة حياة من فضلك، سأعود حالا.. حالا..


فر هاربا من الغرفة وساقتهُ قدماه نحو الشرفة، وقف وهو يضع يده بخصره ويده الأخرى خلف عنقه وينظر أمامه بشرود، ثم جلس على المقعد وأسند جبهته فوق كفيه وفجأة انغمس في نوبة بكاء قوية.


خرجت حياة من الغرفة لتجده جالسا بالشرفة، منخرطا في البكاء باستسلام، اقتربت منه وهمت باحتضانه ولكنها تراجعت ووقفت تطالعه بتأثر شديد ، فتلك هي المرة الأولى التي تراه بهذا الانهيار، لقد رأته وهو يبكي سابقا عندما اعترف لها بمعاناته والظلم الذي وقع عليه ولكنه يومها كان متماسكا إلى حدٍ ما، أما الآن فهي تراه مستسلما لمشاعره وكأنه طفل في العاشرة من عمره.


_ قاسم .


همست باسمه فنظر إليها وعينيه قد تخضبت باللون الأحمر وفجأة نهض من الكرسي وشدها إليه وعانقها بقوة وهو يقول:

_ لا أصدق، هل أنتِ حامل فعلا؟ أخيرا قاسم يربـح..


لفت ذراعيها حول رقبته بينما هو يحيط خصرها بذراعيه ويتابع:

_ لقد اعتدت الخسارة حياة، اعتدت الحزن والألم والفقد، لا أصدق أنني أخيرا نلتُ شيئا مما كنت أتمناه، الحمد لله حمدا كثيرا..


وابتعد عنها وأحاط وجهها بيديه ثم نظر إليها مبتسما وقال:

_ هل أنتِ متأكدة؟ أرجوكِ حياة لا تتلاعبي بمشاعري.


ابتسمت بتأثر وأمسكت بيديه ثم مالت بشفتها لتمنح باطن كفه قبلة حنونة وقالت:

_ أنا متأكدة، اليوم ذهبنا لطبيب النساء أنا وحنان.


قطب جبينه متعجبا وقال:

_ يعني مَن ذهبتما إليه كان طبيب نساء ! 


أومأت بموافقة فقال:

_ ولمَ أخفيتما الخبر عني؟ لماذا قالت حنان أنكِ تعانين من الضغط والإجهاد فحسب؟ لماذا كذبت علي؟


نظرت إليه بأسف وقالت وهي تتشبث بيديه جيدا:

_ أنا آسفة، أنا من طلبت منها ذلك، لم أُرِد أن تعرف بالحمل قبل أن نتصالح.


نظر إليها باستغراب وقال:

_ والسبب؟


تنهدت بتعب وقالت:

_ لأنني أردت أن نعود لأجلنا أولا، أن نتصالح لأننا نحب بعضنا وليس من أجل الطفل!


تمتم مستهجنا طريقة تفكيرها وقال:

_ لا حول ولا قوة إلا بالله ، أيُّ عقلٍ تملكين يا حياة؟ في النهاية كنا سنتصالح سواء من أجل حبنا أو من أجل الطفل، هل تعتقدين أني كنت سأتخلى عنك؟ هل أنتِ معتوهة حياة؟


نظرت إليه ومشاعرها المضطربة ترجوه أن يؤكد لها صدق حديثه فقالت بأمل:

_ حقا قاسم؟! 


أومأ بتأكيد مردفا:

_ بالتأكيد حياة، أخسـر عينًا من عينيّ هاتين ولا أخسرك حياتي.. ما فعلته كان بمثابة بطاقة صفراء.. إنذاراً ليس أكثر، أنتِ حياتي يا حياة، هل هناك من يتخلى عن حياته؟!


أسندت رأسها على كتفه باستسلام فضمها إليه بكل حب وابتسم ثم تحولت ابتسامته إلى ضحكات مسرورة وأخذ يردد بغير تصديق:

_ أشكرك يا رب، اللهم لك الحمد والشكر.. لقد مننت عليّ بأكثر مما أستحق يا إلهي!


ربت على ظهرها بحنان باتت تعشقه ثم قال بهدوء وهو يفكر معها بصوت عالٍ بكل جدية واستعداد:

_ حسنا، والآن ما الذي يتوجب علينا فعله؟ هل نذهب لشراء الأغراض الخاصة بالمولود ، أم نقوم بتحضير غرفته؟ أم نذهب للمشفى لنتأكد مرة أخرى، أخشى أن يكون حملا كاذبا وتضيع فرحتي هباءً.


نظرت إليه مبتسمة بحنان وقالت :

_ هل سنشتري الأغراض من الآن؟! أليس باكرا جدا؟! ثم لمَ سيكون حملا كاذبا قاسم؟ ما الذي يمنع أن يكون حملا حقيقيا!!


أومأ بتأكيد وكأنه كان ينتظر سؤالها ذلك وأردف مؤيدا بشدة:

_ صحيح، ما الذي يمنع أن يكون حملا حقيقيا، أنا والحمد لله رجل بصحة جيدة للغاية، ما الذي سيمنعني من إنجاب الأطفال ؟!


ضحكت عاليا وهي تهز رأسها بموافقة فتابع بجدية:

_ ثم أن الأبله وناقص العقل ينجب، أنا لن أنجب؟ في النهاية الموضوع لا علاقة له بالعقل أساسا.


كان يتحدث بجدية بينما هي تحاول جاهدة أن توقف ضحكاتها الهيستيرية إلى أن صاح بها بجدية قائلا:

_ ماذا دهاكِ حياة؟ أنا لا أمزح .. أنا أتحدث بكل جدية الآن.


وزفر بتوتر ومسح على وجهه بانفعال زائد ثم نظر إليها وتهدل كتفيه باستسلام وهو يقول بتأثر:

_ أنا سعيد جدا حياة!


احتضنها بكل قوته وتابع:

_ أشكرك حياة، أنتِ سبب كل فرحة دخلت إلى حياتي.


_ وأنا أشكرك قاسم، أنا لم أشعر بالفرحة إلا بقربك.


بعد دقائق طال عناقهما بها، ابتعد وهو ينظر إليها مبتسما ويقول:

_ حسنا، لا بد أن أكافئك على هذا الخبر الجميل، ستجلسين الآن بكل أريحية وتتمددين هكذا كالملكة وتطلبين ما يحلو لكِ.. كل أمنياتك أوامر يا حياتي.


جلست على المقعد فقرب المقعد الآخر منها فمددت قدميها عليه ونظرت إليه بابتسامة مشرقة وقالت:

_ أنا لن أكون طامعة واستغلالية، كل ما أريده هو غداءًا شهيًا يُسكت هؤلاء العصافير التي تتهافت ببطني جوعا، وبعدها يمكنك تحضير مشروبا باردا لأجلي.


أومأ مبتسما وقال مازحا:

_ حقا أنتِ لستِ استغلالية أبدا.. على كلٍ لقد أعطيتكِ كلمة ولن أتراجع عنها، كل أمنياتك أوامر.


وأشار لعينيه واحدةٍ تلو الأخرى ثم انصرف باتجاه المطبخ ليستمع لرنين هاتفه فدخل إلى الغرفة وأصابته الصدمة عندما رأى عدد المكالمات الفائتة من عمه فأجاب اتصاله فورا وقال:

_ مرحبا عمي..


_ أين أنت يا قاسم بربك! لقد اتصلت بك ما يقرب من العشرين مرة!


تحدث صالح بانفعال فقال قاسم بحرج:

_ أنا آسف ولكنني لم أنتبه للهاتف سوى الآن، أعتذر منك يا عمي.


_ ليس مهما، المهم هو حياة.. هل أتت إليك؟ 


تعجب قاسم سؤاله وأجاب:

_ أجل، حياة معي لا تقلق، ألم تخبرك أنها ستأتي إلى هنا؟


زفر صالح بتعب وإجهاد ثم قال:

_ الحمد لله ، كنت أعرف أنها ستأتي إليك حتما، اسمعني قاسم، لا تتخلى عنها مجددا، حياة تحتاجك وطفلكما يحتاجكما سويا، لا تتركها لتلجأ لأمها ثانيةً، حافظ على زوجتك وطفلك قاسم.


كان كلامه غير مفهوما ولكنه أجابه قائلا:

_ لا تقلق عمي، لا أملك أغلى من حياة وطفلي.. لا ترهق نفسك بالحديث أكثر.


_ حسنا، اعتني بها، سأتصل بها لاحقا.. مع السلامة.


أنهى قاسم الاتصال وقد شكّل كلام عمه علامة استفهام لديه، لذا عاد إلى حيث تجلس حياة باسترخاء وسألها مباشرةً:

_ حياة، هل تشاجرتِ مع أمك قبل مجيئك إلى هنا؟


نظرت إليه وتجهم وجهها بضيق وقالت:

_ من أخبرك؟


تساءل بنفاذ صبر وقال:

_ أجيبي سؤالي ، ماذا حدث بينكما لذا فررتِ من البيت وجئت إليّ بتلك الحالة التي كنتِ عليها حتى دون أن تخبري والدك؟!


أغمضت عينيها بتعب وغص حلقها بحسرة وهي تتذكر حديث والدتها ثم قالت:

_ أرجوك قاسم، لا داعي لأن تفسد مزاجي.. ما حدث قد حدث وانتهى.


اقترب منها أكثر ووقف أمامها وقال بصرامة:

_ للمرة الأخيرة أسألك، ماذا حدث منها جعلكِ تركضين خارج المنزل بتلك الحالة؟ تكلمي ولا تفقديني صبري حياة.


ابتلعت ريقها بخوف ونظرت إليه بمرارة، تمنت لو استطاعت إخفاء الأمر عنه ولكنها تعلم كم أنه لحوحٌ عندما يتعلق الأمر بها فقالت وهي تخفي عينيها عن مرماه:

_ طلبت مني أن أجهض الطفل!


نظر إليها مذهولا وقال بغير تصديق:

_ تجهضين الطفل؟! غير معقول ! لذا عمي قال لي حافظ على زوجتك وطفلك ولا تجعلها تلجأ لأمها مرة أخرى!!! أنا لا أستوعب ما أسمعه! هل هذه أمًا فعلا؟ بالتأكيد لا.. الأم لا تعرض حياة ابنتها للخطر أبدا.


شعر بخوار قوته تماما فجلس على الأريكة وهو ينظر أمامه بذهول ويستغفر كثيرا إلى أن تمالك أعصابه مجددا ونظر إلى حياة بحزم وقال:

_ اسمعيني حياة، من الآن فصاعدا لا تطلبي مني أن تتواصلي معها بأي شكل من الأشكال ، بعد طلبها البشع هذا أنا لن أثق بها إطلاقا، لذا لا تحاولي إقناعي بأن تزوريها أو تطلبي مني أن أسمح لها بزيارتك، يُفضل أن نحتسبها قد ماتت! انتهى .


وتركها وخرج من الشرفة متجها نحو الحمام ليغسل وجهه بقليل من الماء البارد علّه يطفئ النار التي تستعر بصدره الآن، أما هي؛ فكيف لنارها أن تهدأ !


•••••••••••••••


بعد أن استقر الطفلين كلا منهما بغرفته دخلت حنان إلى غرفتها هي وعزيز الذي بمجرد أن أوصد الباب ركض نحوها وضمها إليه باشتياق مهلك وقال بصوتٍ متعب:

_ وأخيرا حنان، أخيرا عدتِ لحضني .


_ أخيرا عزيز، يا إلهي لقد اشتقتك كثيرا.. الأيام الماضية كنت أحتاج لوجودك بقربي.


تأوه عزيز بتعب شديد وقال:

_ الأيام الماضية كانت قاسية جدا حنان، كل لحظة مرت عليّ كانت لتكون أهون لو أنكِ كنتِ معي.


_ أنا آسفة حبيبي ، لولا الأحداث المتلاحقة ما ابتعدنا أبدا.. ولكنني أعدك لن نبتعد أبدا.. الآن أصبحنا أسرة لذيذة أليس كذلك؟ وجود صبر وكريم معنا سيجعل لحياتنا معنى أثق بذلك.


أومأ بتأكيد وقال:

_ أنتِ محقة، الطفلين يمتلكان طاقة رهيبة، وجودهما معنا سيفيدنا بالتأكيد، ولو أنني أشعر بالشفقة والحزن كلما نظرت بوجه كريم، مسكين!


هزت رأسها وتنهدت بقلة حيلة ثم أردفت:

_ فعلا مسكين، عاش العشر سنوات محروما من العطف، ابتلاه الله بوالدين يملكان قلوبا كالحجارة، ورغم ذلك كان سعيدا، يكفي أنه يعيش بين والديه كأي طفل. وفجأة تبدل الحال ومات والده وسُجنت أمه..


امتلأت عينيها بالدموع ولم تستطرد ما كانت بصدد قوله فابتسم قائلا:

_ للأسف. رحمك الله يا عبدالله وعفا عنك.


ونظر إليها وهو يحاول رسم الابتسامة على وجهها مرة أخرى وقال:

_ ولكننا نستطيع فعل شيءٍ ما، أليس كذلك؟ 


أومأت بحماس خافت وقالت مبتسمة:

_ بلى، سنحاول تعويضه قدر المستطاع ، نحن لدينا مخزونًا كبيرًا من الحب والعطف يمكننا استثماره في هذين الطفلين .


ضمها إليه مجددا وأردف بثقة: 

_ صحيح، ثم أنني أثق أن الله سيعوضنا، لا تيأسي حبيبتي.


احتقنت عينيها بالدموع وأومأت بحزن وما كان منها إلا أن انغمست بأحضانه مجددا في محاولة منها للهروب من ذكرياتها المؤلمة بين ذراعيه اللذان يستقبلانها دوما بكل حب.


وفجأة.. انفرج الباب وظهر صبر الذي يقف أمامهما وعينيه تجول بالمكان ليتسائل:

_ ماذا تفعلان؟!


نظر كلا من حنان وعزيز لبعضهما البعض بتعجب وصدمة ثم بادر عزيز بالتحدث بضيق:

_ ماذا فعلت؟ كيف تدخل دون أن تطرق الباب يا ولد !!


نظر إليه صبر متعجبا وقال ببساطة:

_ ولمَ عليّ أن أطرق الباب؟


_ ألم يعلموك أن تطرق الأبواب المغلقة ثم تنتظر حتى يسمح لك من بالداخل بالدخول؟!


قطب الطفل جبينه وقال:

_ من الذين علموني؟! لم يعلمني أحد! 


نظرت حنان إلى زوجها بلوم وهمست :

_ إهدأ عزيز لا داعي للانفعال..


ونهضت لتقترب من صبر وجثت أمامه على ركبتيها وهي تطالعه بحنان وتقول:

_ ما فعلته هذا كان تصرفا خاطئا صبر، لا بد أن تستأذن قبل أن تفتح الباب، وإذا لم يُسمح لك بالدخول فلا تدخل، يجب أن تنتظر حتى يتم فتح الباب. هذه آداب الاستئذان التي علمنا إياها الرسول عليه الصلاة والسلام.


أومأ صبر دون رد فقالت بابتسامة:

_ عندما يُذكر اسم الرسول عليه الصلاة والسلام لا بد أن نصلّ عليه، لذا قُل صلى الله عليه وسلم.


أومأ موافقا وردد:

_ صلى الله عليه وسلم.


مسحت على رأسه بابتسامة وقالت بحنو:

_ عندما تريد الدخول مرة أخرى لا تنس طرق الباب، اتفقنا؟


_ اتفقنا، حسنا أنا أعتذر. لم أكن أعرف أنه من الضروري أن أطرق الباب، لم يخبرني أبي بشيء مثل هذا، أساسا شقتنا لم يكن بها سوى غرفة واحدة لذلك لم نكن بحاجة لطرق الباب.


ابتسمت حنان بحنان يضاهيها وقالت بود:

_ لا عليك، جميعنا نجهل الكثير من الأمور.. هيا أخبرني ماذا كنت تريد عندما اقتحمت الغرفة؟


وضحكت فضحك ثم قال وهو يشير للوح إلكتروني بيده:

_ كنتُ أريد من عمي عزيز إصلاح لوحي الإلكتروني، لا أعرف سبب توقفه فجأة.


تكلم عزيز قائلا:

_ أرني إياه.


تقدم صبر خطوة للداخل ثم تراجع للخلف ونظر إلى عزيز قائلا:

_ هل تسمح لي بالدخول؟


ضحكت حنان بقوة بينما نظر إليه عزيز مبتسما وقال بحنق مزيف:

_ أنت دخلت بالفعل، أرني اللوح.


دخل صبر وتقدم منه ثم أعطاه اللوح وقال:

_ كريم أخبرني أنك تهوى تصليح الإلكترونيات، لذا من فضلك أصلحه بأقصى سرعة.


أومأ عزيز موافقا وقال مبتسما:

_ لا تقلق، سيكون بحوزتك في المساء.


خرج صبر من الغرفة متحمسا فأوصدت حنان الباب وجلست بجوار عزيز وهي تقول:

_ أرجوك عزيز كن هادئا وأنت تتحدث برفقتهما، وخاصةً صبر؛ فهو مهما كان غريبا وسيتعامل معنا بحساسية شديدة.


_ أنا لم أقصد أن أنفعل عليه ولكن دخوله الغرفة فجأة أثار استيائي حنان، تخيلي لو أنه دخل في وقت غير مناسب ، كيف سيكون حالنا!


ضحكت وقالت:

_ لا تقلق لن يحدث، المثير للشفقة أنه لم يجد من يرشده للخطأ والصواب، توفيت والدته وهو رضيع وأبوه من رباه ولم يهتم بمثل تلك الأمور أو بالأحرى لم ينتبه لها.


أومأ موافقا وقال:

_ فرّج الله كربه.


تنهدت حنان بحزن وأمنّت على دعائه ثم قالت:

_ قاسم أخبرني أنه يحاول إيجاد مخرج له من هذه القضية، لا أعرف إن كان سينجح أم لا.


زم شفتيه بأسف وقال:

_ لا أعتقد، بالرغم من أنني شعرت بالغضب الشديد من قاسم عندما علمت بما فعله به، ولكني لم أتمكن من مواجهته بضيقي وغضبي هذا لأنني أعرف أن الظلم ليس هينا أبدا.. من يتذوق مرارة الظلم يصعب عليه التسامح، وللأسف الشديد نحن ظلمناه.. في النهاية هو ليس ملاكا كي يمكنه التغاضي عن قسوة الخيانة والظلم ، والتسليم بأن الأيام قد تحمل العقاب الإلهي لمن ظلموه. وهذا بالضبط ما حدث معنا!


أطرقت برأسها أرضا بخزي وندم، فاقترب منها وأحاط خصرها بذراعه وأمسك كفها وقبّل باطنه ثم قال:

_ لا تحزني حنان، الحمد لله نحن نحاول تعويضه عما فعلناه ولسنا مصرين على تكرار خطأنا، وقاسم يحمل قلبا كالذهب أثق بأنه سيعود إلى معدنه الطيب ذات يوم.


أومأت وهي تحاول الخروج من حالة الكآبة التي يغوصان بها الآن واقتربت منه ومنحت خدّهُ قبلة لينفرج الباب مرة أخرى ودخل كريم قائلا:

_ خالتي حنان، أريد تشغيل التلفزيون.


أخذ عزيز يضرب كفا بكف وهو يتمتم بسخط:

_ لا حول ولا قوة إلا بالله..


نظرت إليه حنان بتحذير فنهض وهو يقول:

_ أنا سأنسحب تماما ريثما تنتهين من درس آداب الاستئذان الذي ومن الواضح سيكون مقررا علينا كل يوم.


خرج إلى الشرفة فاقتربت من كريم وجثت أمامه وهي تقول بابتسامة وتكرر نفس ما قالته لصبر: 

_ ما فعلته هذا كان تصرفا خاطئا كريم، لا بد أن تستأذن قبل أن تفتح الباب، وإذا لم يُسمح لك بالدخول فلا تدخل، يجب أن تنتظر حتى يتم فتح الباب. هذه آداب الاستئذان التي علمنا إياها الرسول عليه الصلاة والسلام.


أومأ كريم قائلا:

_ صلى الله عليه وسلم ، جدي صالح أخبرني أنه حينما نذكر اسم سيدنا محمد لا بد أن نصلّ عليه.


ابتسمت واحتضنته وهي تقول:

_ فديتكَ أنت وجدك صالح ، والآن عد إلى غرفتك وأنا سألحق بك.


أومأ موافقا فذهبت خلفه وقامت بتشغيل التلفزيون كما طلب منها، ثم عادت إلى غرفتها مجددا لتجد عزيز يجلس في انتظارها وهو يقول باستياء:

_ ما هذا! حقا ما قلة التربية هذه! 


ضحكت ونظرت إلى عزيز الذي قال:

_ أتضحكين؟ على ما يبدو سأقوم بشحنهما في أول سيارة أجرة وأعيدهما حيث كانا.


اقتربت منه ووقفت أمامه مباشرةً وأسندت كفها فوق صدره وقالت بابتسامة:

_ كن هادئا عزيزي، الأطفال يحتاجون إلى الحِلم في التعامل.. والحِلم سيد الأخلاق.


هز رأسه وهو ينظر إليها بطرف عينه بابتسامة ثم أمسك بخصرها وأخذ يدغدغها وهو يقول:

_ أمرك حنونة، أنا من يدك هذه ليدك تلك.


ومال عليها ليقبلها ولكنه تراجع فجأة وهو ينظر إلى الباب وقال:

_ لحظة، سأوصده بالمفتاح حتى لا أفقد القليل المتبقي من ماء وجهي أمام هذين المتطفلين.


//////////////


عاد قاسم من المطبخ وهو يحمل صينية فوقها بعض الشطائر وكوبين من العصير، ثم وضعها أمام حياة وجلس بجوارها وقال:

_ هيا حياة، جرّبي شطائري المتواضعة.


نظر إليها ليجدها شاردةً وملامحها مقتضبة وحزينة لأبعد حد، ولم يكن من الصعب أن يعرف سبب وجومها ذلك، زفر وهو يحاول طرد المشاعر السلبية بداخله وأمسك يدها واحتضنها بين كفيه وهو يقول:

_ ماذا تريدين حياتي؟ 


نظرت إليه وتقاطرت دمعاتها فزم شفتيه بيأس وأردف:

_ ليس مجددا حياة أرجوكي.. لقد بكيتِ بما يكفي.


_ لن أستطيع أن أقسو عليها قاسم، صدقني أمي أضعف مما تتخيل، أعرف أنها تثير ضيقك وإزعاجك، أنا أيضا أشعر بالغضب والحقد تجاهها لن أنكر ذلك، ولكنني لن أستطيع أن أنبذها. هي ستظل أمي مهما فعلت.


تنهد بيأس وعجز ثم ربت على كفها وقال:

_ وأنا لن أتسبب في عقوقك لها حياة، ما قلته كان بلحظة غضب، أقصد عندما قلت أني سأمنعك عن زيارتها ومهاتفتها.. ولكنني أرى أنه عليكِ أن تبتعدي لفترة، يجب أن تدرك خطأها وتوابعه، لا بد أن تشعر بالخوف من خسارتك كي تتوقف عن محاولاتها لافساد حياتنا. 


أومأت بتأييد فتابع:

_ فقط كل ما أطلبه منك فترة بسيطة.. علّها تراجع نفسها وتدرك حجم الخطأ الذي ارتكبته بحقك. 


احتضنته بامتنان فقبل أعلى جبهتها وقال:

_ والآن عليكِ أن تتناولي طعامك كي تتناولين دواءك..


وابتسم وهو يمسح على بطنها بحنان وفرحة وقال:

_ لا بد أن نعتني بالحداد الصغيـر جيدا.


اتسعت ابتسامتها وبدأت بتناول طعامها بشهية مفتوحة، ولمَ لا .. وهي محاطة الآن بكل الحب والود الذي من الممكن أن تحصل عليه امرأة محظوظة مثلها.


________________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية



reaction:

تعليقات