رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثانى والثلاثون 32 - بقلم نعمة حسن
_٣٢_
~ شعور حصري ~
____________
بعد أن أنهى عزيز الاجراءات وحصل على تصريح الدفن اصطحب جثمان أخيه وعاد به إلى مدينته ليقوم بدفنه.
كان يجلس بالسيارة شاردا، يبكي مرة ويبتسم مرة أخرى عندما يتذكر موقفا جمعهما في طفولتهم؛ فبالنسبة له طفولتهم كانت هي الشيء الوحيد الجميل الذي ربطه بأخيه.
" استرجاع زمني "
كان عزيز يجلس بغرفته يستذكر دروسه وفجأة انفرج باب الغرفة ودخل والده مكفهر الوجه غاضبا وهو يقول:
_ أنت يا جبان، لماذا قذفت شرفة الجيران بالحجارة وكسرت زجاج الباب؟
نظر عزيز ذو العشر سنوات إلى والده بتعجب وقال:
_ ولكني لم أفعل ذلك!
_ بلى فعلت، عبدالله رآك وأوشى لي بفعلتك الطائشة، والعم سعيد غاضب وبشدة وشكى إلي من تصرفاتك الحمقاء تلك .
ثم تقدم منه وجذب أذنيه بشدة وهو يقول غاضبا:
_ لا تتصرف بحماقة مجددا يا ولد، وعقابا لك سأحرمك من مصروفك أسبوع كامل.
وتركهُ وخرج فأخذ يبكي بحزن وانكسار وكسر أقلامه كلها في محاولة منه للتنفيس عن غضبه لأنه يعرف أن عبدالله هو من فعلها وقام بتلفيقها له كالعادة، وكعادته عندما يحاول الدفاع عن نفسه لا يقتنع والده بحديثه ويقف دائما بصف عبدالله.
لذا لم يكن باستطاعته سوى الركض إلى والدته والارتماء بحضنها وأن يشكو إليها ظلم والده وأخيه.
احتضنته والدته وهدأت من روعه وهي تقول:
_ لا تحزن حبيبي، سأعطيك المصروف بدلا من الذي سيحرمك إياه والدك، ولكن لا تخبره حتى لا يغضب، اتفقنا؟
نظر إليها عزيز بضيق واضح وقال:
_ ولكني لا أبكي لأجل المصروف، أبكي لأن والدي يفضل عبدالله علي دوما ويصدقه ولا يصدقني.
حينها شعرت بالشفقة على حال ذلك الطفل فتنهدت بضيق وقالت:
_ لا تقل هذا عزيز، والدك يحبكما بنفس القدر، ولكنك تعرف عبدالله وألاعيبه، سأعاقبه هذا الماكر، هيا اذهب وأكمل واجباتك ولا تحزن ابدا.
_ لا، سأصعد للعب برفقة قاسم، على الأقل هو لا يلفق لي الكوارث التي يفتعلها.
_ عودة للوقت الحاضر _
ضحك عزيز وهو يمسح دموعه ويقول:
_ سامحك الله أيها الماكر.
_________
كان قاسم لا يزال نائما وبجواره حياة التي غرقت في النوم وكأنها لم تنم منذ قرن، وفجأة انتفضت عندما سمعت صوت هاتفه يرن، هزته وهي تحاول ايقاظه وهي تقول:
_ قاسم، هاتفك يرن.
فتح عينيه المحمرتين ونظر إليها قليلا يحاول استيعاب قربها الشديد منه وهو لازال يغوص بداخل حالة من اللاوعي فقالت مرة أخرى:
_ هاتفك يرن.
التقط هاتفه ونظر به بتشوش فكان السيد أكثم فأجابه متعجلا وقال:
_ مرحبا سيد أكثم.
_ مرحبا قاسم ، اتصلت بك لأخبرك أن محاكمة خالد ستكون اليوم، لقد عرفت الخبر حالا، هل ستحضر المحاكمة؟
تنحنح يجلي حلقه ثم أجاب مختصرا:
_ لا، لا داعي.. أساسا ليس لدينا متسعا من الوقت لنحضر، يكفي أن نعرف الحكم.
_ حسنا، المحامِ سيتابع ويخبرنا بآخر التطورات .
_ إن شاء الله، أشكرك سيد أكثم.
_ لا داعي للشكر قاسم، أخبرني كيف حال عمك؟
تنهد قاسم بتعب وقال:
_ الحمد لله على كل حال، سنذهب للمشفى بعد قليل لزيارته.
_ شفاه الله ، ما حدث ليس هينا أبدا.. أدعو الله أن تنتهي تلك المآسي قريبا.
_ إن شاء الله، نتمنى ذلك.
_ حسنا قاسم، نتحدث لاحقا، مع السلامه.
أنهى الاتصال ونظر إلى حياة التي تجلس بجواره وقال:
_ محاكمة ذلك الحقير خالد اليوم.
اضطربت معالمها وقالت:
_ أتمنى أن ينال ما يستحقه.
_ لا تقلقي.. ما رأيك أن تذهبي واطمئني على والدتك، ربما تحتاج شيئا، وأنا سأذهب لكي أحضر بعض الأغراض وأعود.
نظرت إليه بهدوء وقالت:
_ قاسم، هل اشتريت هذه الشقة بالمال الذي جنيته من بيعك للشقة والمحل الخاصين بعبدالله؟
مسح وجهه بضيق وقال:
_ حياة، هل ترين أن هذا الوقت مناسبا لتلك الأسئلة ؟ لدينا هموما تكفينا بالفعل.
زفرت بانفعال وقالت باصرار:
_ أرجوك أخبرني، شقة كهذه في منطقة راقية كهذه بالطبع لن تشتريها بمالك الخاص الذي ربحته من تجارتك الخاصة!
أومأ بتأكيد ونفاذ صبر وقال بغضبٍ هادر:
_ نعم حياة، هذه الشقة ليست بمالي الخاص، هذه الشقة بالمبلغ الذي جنيتهُ من بيعي للشقة والمحل الخاصين بعبدالله، هل لديكِ أي أسئلة أخرى؟
تسائلت بعينين دامعتين:
_ كيف تتباهى بما فعلت وكأنك فعلت معه معروفا! أيا كان السبب الذي فعلت هذا لأجله ولكن المحصلة واحدة، أنت سرقت بيته ومحله..
تحدث بغضب أعمى:
_ ليس هذا فقط، البيت، المحل، الأرض، حتى السيارة .. أنا فعلا محتال وأستحق السجن لأني احتلت عليه بتلك الطريقة.
نظرت إليه بصدمة وعينين ممتزجتين بالدموع، بالرغم من أنها كانت تتوقع ذلك ولكنها تفاجئت بأسلوبه وبروده وهو يعترف بما فعله بكل بساطة.
نظرت إليه وسالت دمعاتها وهي تقول:
_ كيف تتحدث بتلك البساطة؟
_ لأن الأمر بسيط فعلا حياة، الأمر لا يستحق كل ذلك اللوم والعتاب منكِ، ما فعلته هذا هو جزء يسير كي أسترد ما سلبه مني عبدالله.
_ ولكن عبدالله لم يسلب منك لا مالك، ولا بيتك…
قاطعها بغضب حاد:
_ سرق عشر سنوات من عمري فقط، أليس كذلك؟
وصاح بغضب شديد:
_ كل ما سرقه مني عشر سنوات، تلك العشر سنوات كانت كافيه لأن أفعل الكثير من الأشياء، كنت سأكوّن بيتا وعائلة مثلا، تخيلي آنسة حياة أنني كان من الممكن أن أكوّن عملا خاصا وأجني منه أضعاف ما أخذته أنا من عبدالله.
أطرقت برأسها أرضا وهي تستمع إليه يقول بغضب:
_ هل عرفتِ لماذا احتلت عليه وسلبته ما يملك؟ لأن هذا مقابل شبابي الذي أفناه هو، لذا أرجوكِ لا تضغطي علي أكثر، ولا تصوبي نحوي الاتهام كلما رأيتني وكأني أنا السيء في كل الروايات.
ونهض من الفراش يستعد للخروج فاستوقفته قائلة:
_ أنت لست السيء في كل الروايات، أنت السيء في روايتي أنا فقط، لأنني ظننتك تسعى لكي تنال حقك فقط… ممن ظلموك فقط.. ولكني كنت مخطأةً، أنت انتقمت بأبشع طريقة، نلت من الظالم والمظلوم أيضا، وهؤلاء المظلومين ظُلِموا بفضلك، أولهم صبر ، وسماهر التي ساعدتك لتسرق كا ما يملك عبدالله، كريم، حتى عنبر أنت تسببت بظلمها.
نظر إليها متعجبا بغضب وقال:
_ حقا؟ هل انا ظلمت عنبر؟ أنا من أمرتها بقتل زوجها؟
_ لا، ولكن ما فعله زوجها بفضل سيادتك هو ما جعلها تقتله.
صرخ بها غاضبا بجنون وقال:
_ عنبر قتلته لأنه استحق ذلك، لأنه اغتصبها وأهانها ودمرها على مدار عشر سنوات كاملة..
ثم نظر إليها وهو يضرب كف بالآخر ويقول:
_ لا ينقصني سوى أن أصبح طرفا في قتل عنبر لزوجها أيضا، أنا أصبحت لا افهمك حقا، كنتِ متعاطفة معي منذ البداية وتعرفين مقدار الظلم والألم الذي عانيته وعندما بدأت بأخذ حقي فجأة تحولت في نظرك من مظلوم لظالم يستحق اللوم والعتاب، والعقاب أيضا.
أومأت بتأكيد وقالت:
_ تحولت من مظلوم لظالم لأنك أصبحت تبحث عن استرداد حقك بأي طريقة حتى لو كانت خاطئة ، لا يهم الوسيلة، المهم الغاية، وغايتك هي الانتقام والتشفي فقط.
وتابعت بنبرة مرتجفة:
_ ولكن يؤسفني أن أخبرك أن لذة الإنتقام لا تدوم سوى لحظة، أما الرضا الذي يوفره العفو، فيدوم إلى الأبد.. وأنت لن تنعم بهذا الرضا أبدا.
وتجاوزته وخرجت من الغرفة لتتفاجأ بوالدتها التي كانت تقف بالقرب من الباب وتستمع إلى حوارهما بذهول، فنظرت إليها حياة بضيق وقالت:
_ هل كنتِ تتسمعين لحديثنا أمي؟
خرج قاسم من الغرفة فنظرت إليه صفية بعينين غاضبتين وقالت:
_ هذا يعني أنك السبب في كل ما حدث لابنتي!
نظر قاسم إلى حياة، ثم نظر إلى صفية وقال:
_عفوا، لا أفهم قصدك .
انقضت عليه فأمسكت بتلابيبه بغضب هادر وهي تقول:
_ أنت أساس ما حدث، أنت من احتلت على عبدالله وسرقت ماله، أنت من عرفته على سماهر يدك القذرة التي استطعت بها أن توقع عبدالله في الفخ، ما فعلته ابنتي كان بسببك، ابنتي كانت منهارة عندما رأت فيديو عبدالله وسماهر، كانت منهارة لأنه خانها برغم ما تتحمله منه، خيانته لها كانت القطرة التي أفاضت كأس تحملها وصبرها وجعلها تخرج عن صمتها وتعقلها وتقتله. أنت يا حقير السبب.
كانت حياة تحاول ابعاد أمها عنه وهي تقول:
_ أمي، ماذا تفعلين ؟ تلك الطريقة لا تصح أبدا..
دفعتها والدتها بعنف فسقطت أرضا بقوة وتألمت صارخةً بصوتٍ عالٍ فهرول قاسم نحوها مفزوعًا وهو يقول بغضب:
_ ما هذا الذي فعلتِه؟ هل جننتِ؟
وانحنى نحو حياة التي كانت تنظر لأمها بذهول وتبكي بصمت فقال بقلق:
_ هل أنتِ بخير ؟ هل حدث لكِ شيئا؟
أومأت بنفي فساعدها لتنهض وهو يرمق والدتها شزرا وقال:
_ لا تنسي أن حياة اصبحت زوجتي، وأنا لن أسمح لكِ أن تتجاوزي حدك معها أبدا، أبدااا.
نظرت صفية إلى حياة بغضب وهي تقـول:
_ ما رأيك حياة هانم؟ هل ستقفين بصفه وأنتِ تعلمين في قرارة نفسكِ أنه سبب كل شيء ؟ هل ستتجاهلين أختك ومحنتها وتقفين بصف هذا وتصدقين مبرراته الواهية التي يوهمك بها؟ هل ستبقين على ذمة ذلك المجرم بعد ما وصلت إليه أختك بسببه؟!!!
تحدث قاسم بنفاذ صبر وقال منفعلا:
_ المجرم الحقيقي هو من اغتصب ابنتك وجعلكِ توصدين عينيكِ عن فعلته وتزوجينها له، أنا من دافعت عنها، ودخلت السجن لأجلها، وبرغم كل ذلك لم أنسَ رابط الدم بيننا ووقفت بجوارها في محنتها تلك ووكلت لها محاميا للدفاع عنها.
ضحكت صفية بسخرية وهي تقول:
_ المحامِ لكي لا تشعر بالذنب، لأنك تعرف في قرارة نفسك أنك السبب فيما فعلته ابنتي.
_ حقا أنا مخطىء، عملت بأصلي لآخر لحظة ولكن فعل الخير مع ناكر الجميل مثل إلقاء ماء الورد في البحر تماما.
نظرت صفية إلى حياة وقالت بغضب:
_ انظري حياة هانم، افتحي عينيكِ وانظري، زوجك ينعتنا بناكري الجميل.
نظرت إليهم حياة بتعب وهي تقول:
_ كفى أرجوكم، أرجوكم كفى.
وفجأة سقطت أرضا مغشيا عليها، هرولت صفية نحوها بفزع ولكن قاسم هدر بها بغضب وهي يقول:
_ توقفي، لا تلمسيها..
واقترب منها بأسف يحملها وهو يتقدم بها نحو الغرفة ويقول:
_ أساسا كل ما يحدث لابنتيكِ بسببك، الاثنتين يستحقان الشفقة لأن لديهم ام مثلك.
ودخل الغرفة وصفق الباب بوجهها فأجفلت بمكانها وقد هزته كلماتها فعادت لغرفتها تجر قدميها بهوان وجلست على الفراش وانخرطت في بكاءٍ مرير.
_______
وضع قاسم حياة على الفراش بتمهل، وبدأ بتطبيق كل ما يعرفه عن اسعافات أوليه للمغمى عليه كما كان يفعل دوما مع حبيب بالسجن عندما كان يتعرض للاغماء المفاجئ؛ فوضع وسادة أسفل قدميها حتى يتدفق الدم للدماغ مجددا، وحل أول زرارين من قميصها، ثم التقط حقيبة يدها لأنه يعرف أنها تحتفظ بقنينة عطرها بها دوما وأخرجها ونثر على يديه منها، ومررها أمام أنفها وهو يطالعها بقلق ممسكا بيديها بين كفيه.
بعد دقيقتان بدأت حياة تستعيد وعيها شيئا فشيئا وفتحت عينيها فنظرت إليه فقال:
_ هل أنتِ بخير؟
أغمضت عينيها ولم تُجب فقال:
_ بماذا تشعرين؟
تنهدت وقالت:
_ أشعر بالخزي من نفسي لأني أضعف من أجد صفًا محددا أقف به، أشعر بأني جبانة.
تأفف بضيق وقال ساخرًا:
_ نسأل الله السلامة.
ونهض وقال بضيق:
_ سأذهب لأشتري طعامًا، هل تحتاجين شيئا؟
أومأت أن لا فخرج، دقائق ودخلت والدتها التي قالت:
_ هل أصبحتِ بخير؟
تنهدت حياة وقالت:
_ كيف سأصبح بخير أمي؟ بربك ما الشيء الجيد الذي بإمكانه جعلي بخير؟
_ أن تتطلقي من هذا المجرم.
قاطعتها حياة بحدة وقالت:
_ قاسم ليس مجرما.
_ ألا زلتِ تدافعين عنه بالرغم مما حدث ؟
_ أمي، أرجوكِ كفى، إن كان قاسم قد أخطأ مرة فأنتك أخطأتم مرات، في النهاية ما حدث كان سيحدث سواء كان قاسم فعل ما فعله أو لا، الحقد الذي دفع عنبر لقتل عبدالله لم يكُن وليد اللحظة، لم يكن بسبب ما فعله قاسم، كان متراكما بقلبها منذ عشر سنوات كاملة وانفجر يومها فقط.
///////////
ذهبت حنان للمشفى وبصحبتها كريم كما طلب منها أخيها كي تصطحب صبر إلى بيته.
ذهبت إلى الغرفة التي ينتظر بها صبر حيث يخضع لعدة فحوصات قبل مغادرة المشفى وهناك قابلت الطبيب المشرف على حالته والذي طلب منها التقدم إلى مكتبه لكي يبلغها بالبرنامج الذي ستتبعه في التعامل مع صبر بعد الخروج من المشفى.
جلست حنان أمام الطبيب الذي تحدث بابتسامة قائلا:
_ أولا حمدا لله على سلامته، طبعا سيحتاج لمتابعة دورية كل أسبوع، أود أن أخبرك أنه يتم التعافي بعد عملية الزراعة بشكل تدريجي. يحتاج الجهاز المناعي غالبًا 3 شهور إلى 12 شهرًا للتعافي بعد عملية الزراعة. ويكون العام الأول بعد العملية أشبه بالعام الأول للحياة كالطفل حديث الولادة. خلال هذا الوقت، سيكون مُعرضًا لخطر العدوى، لذا عليه أن يتواجد دائما في بيئة نظيفة معقمة، أن تحافظي على نظافته جيدا، وأهم شيء هو أن يرتدي قناعا للوجه في حال تواجد في مكان عام أو خالط الغرباء مثلا.
أومأت بتأكيد وقالت:
_ هل يمكنه متابعة حياته كما كان؟ أقصد الأكل، اللعب، النشاطات اليومية.
_ سوف يختلف شعوره على الأرجح عما كان الحال قبل المرض لبعض الوقت. ربما يشعر بالإرهاق والضعف، وتقل شهيته للطعام، وتلاحظين حدوث تغييرات على حاستي التذوق والشم. سيحتاج كذلك لبعض الوقت لاستعادة قوته ومعاودة أداء الأنشطة التي كان يستمتع بها قبل المرض وعملية الزراعة.. وقد يستجيب بشكل سريع ويتمكن من معاودة حياته اليومية بشكل طبيعي.. في النهاية الأمر يتوقف على رجوع تعداد الدم لمستواه الطبيعي وعودة عمل الجهاز المناعي بالكفاءة المطلوبة.
أومأت حنان ونهضت ، ثم شكرته وغادرت متجهه لغرفة صبر مجددا.
تقدمت حنان منه وقالت مبتسمة:
_ هل أنت صبر؟
نظر إليها صبر متعجبا وقال:
_ وهل أنتِ حنان؟
رفعت حاجبها وقالت:
_ أنت تعرفني!
_ صحيح، قاسم أخبرني أنكِ ستكونين بانتظاري لأنه خارج المدينة هو وحياة.
قطبت حاجبيها بتعجب أكبر وقالت:
_ وهل تعرف حياة أيضا؟
_ طبعا، حياة صديقتي.
مطت شفتيها بتعجب وقالت:
_ واضح... على كل حال أعرفك.. هذا صديقك كريم.
نظر إلى كريم الذي كان يبدو غاضبا وحزينا وقال بمرح:
_ مرحبا يا صاح.
نظر إليه كريم وقال بهدوء:
_ مرحبا.
ابتسمت حنان وقالت :
_ على ما يبدو أنكما ستصبحان صديقين رائعين، ما رأيكما أن نتحرك إذا؟
أومأ كليهما فاصطحبتهما للخارج واستوقفت سيارة أجرة وطلبت منه الذهاب للعنوان الذي أملاه عليها قاسم.
ركب الطفلين بجوار بعضهما وركبت هي بجوارهما وهي تفكر بأمر ذلك الطفل فانتبهت لإلى كريم وهو يتسائل:
_ لماذا كنت بالمشفى؟
أجابه صبر بهدوء:
_ لأني خضعت لعملية زرع نخاع منذ فترة لأني كنت مريض لوكيميا وتعافيت أخيرا.
_ ولمَ ترتدي هذا القناع؟
_ لكي لا أصاب بالعدوى وتسوء حالتي مجددا.
ثم نظر إلى حنان وقال:
_ هل سنعيش سويا؟ أم سأبقى بمفردي؟
ابتسمت حنان وهي تربت على رأسه وتقول:
_ لا تقلق لن تبقى بمفردك، سأكون برفقتك أنا وكريم لحين عودة قاسم وحياة.
أومأ موافقا ثم قال بشرود:
_ ولكني تمنيت أن يكون أبي قد جاء من السفر ونرجع لبيتنا.
_ وأين أبوك؟
_ سافر، مع أنه كان قد وعدني أن يهاتفني باستمرار وأن يعود سريعا ولكنه لم يفعل.
تعجبت حديثه وشردت فيما قاله صبر، ثم سألته بفضول:
_ وما اسم والدك؟
_ حسان.
قطبت جبينها وأخذت تفكر بتعجب:
_ أليس حسان هذا صديق قاسم؟! هل فعلا سافر وترك ابنه أمانة مع قاسم؟! ولكن كيف وهو مختفي منذ سنوات؟ هل عادت العلاقات مجددا؟! ربما.
………………..
كان عزيز يقف أمام القبر بعد أن دفن أخوه، ويقرأ له الفاتحة وهو يبكي وبعدها جلس بجوار القبر وأجهش في بكاءٍ شديد وهو يقول:
_ لقد انتهى كل شيء عبدالله ، رحلت وتركت خلفك أثرا لن ينساه أحد، لا أعلم إن كان من له عندك مظلمةً سيسامحك أم لا ، ولكني أسامحك أخي.
وأسقط رأسه فوق ركبتيه وأخذ يبكي وهو يقول:
_ أسامحك عبدالله، وأسأل الله أن يسامحك ويعفو عنك.
ارتفع رنين هاتفه فانتزعه من شروده فأجاب:
_ نعم حنان؟
استمعت حنان لنبرته الباكية فقالت بشفقة:
_ عزيز، هل انتهيت حبيبي؟
_ نعم، لقد دفنّاه.
_ هل ما زلت بالمقابر؟
_ نعم، أين أنتِ؟
_ أنا بشقة قاسم، تعرف عنوانها أليس كذلك؟
_ أجل، ولكني سأذهب للبيت.
_ ولكني لن أستطيع أن أترك صبر وكريم بمفردهما لحين عودة قاسم.
_ ومن صبر؟
تنهدت بحيرة وقالت:
_ ابن حسان صديق قاسم هل تذكره؟
أجاب بتعجب:
_ نعم، على كل حال ابقي معهما وأنا سأذهب للبيت، أود البقاء بمفردي قليلا.
_ حسنا حبيبي، اعتن بنفسك.
_ وأنتِ أيضا.. مع السلامه.
أنهى الاتصال ثم مسح دموعه ووقف يقرأ له الفاتحة مجددا ثم غادر.
////////////
كان حبيب يجلس بسريره يثني ذراعه خلف رأسه وبيده الأخرى بصورة سارة عندما كانت طفلة يتأملها، وبجواره صورتهما التي أهدتها له سابقا.
انفرج باب الزنزانة وهتف الحارس:
_ حبيب أبو المكارم.
انتفض حبيب من مكانه بلهفة قائلا:
_ نعم أنا .
_ زيارة بمكتب المأمور.
اصطحبه العسكري إلى مكتب المأمور والشوق يأكل قلبه، ظن أنها ابنته التي أتت لزيارته، ولكنه صُعِق عندما رأى فتون تجلس بمكتب المأمور تضع قدما فوق الأخرى بغطرستها المعتادة.
تسمر بمكانه فنظرت إليه واهتز بدنها عندما رأته، وقفت ببطء وهي تطالعه بتفحص مليًا وهو ينظر إليها مصدوما ويقول:
_ فتون!!
_ حبيب!!
اقترب منها خطوة واقتربت مثلها إلى أن تقاطع طريقهما فاحتضنا بعضهما بشوقٍ جارف.
_ فتون! لا أصدق نفسي! اشتقتُ إليكِ حبيبتي.
انصرف المأمور سامحا لهما ببعض الخصوصية، فتعلقت بعنقه باشتياقٍ كبير و سالت دمعاتها بالرغم من أنها كانت قد قطعت على نفسها وعدا ألا تبكي بسببه مرة أخرى، ولكن فيض الشوق الذي غمرها به كان مؤثرا بالقدر الذي جعلها تحنث وعدها وتبكي بشدة.
ضمها إليه بقوة أكبر وقال:
_ يا إلهي لم تتغير رائحتك أبدا، لا زالت كالمسك.
وابتعد عنها يتفحص ملامحها بشوق كبير وقال:
_ لا زلتِ جميلة حبيبتي.
وفجأة قبّلها بلهفةٍ ونهمٍ فذاب قلبها وذاب الجليد بين قلبيهما سريعا بعد فراق دام لثماني سنوات كان العذاب هو الراعي الرسمي لهم.
فرّق قبلتهما وضمها مجددا ثم قال:
_ أشعر وكأني أحلم، لا أصدق أنكِ أمامي الآن، يمكنني رؤيتك وضمك وتقبيلك.
ابتسمت فقال ضاحكا:
_ يا إلهي، كدتُ أصاب بالجنون من شدة شوقي وحنيني إليكِ، كانت أيامنا الحُلوة هي التي تنسيني مر الأيام هنا، كنت أعيش على الذكريات الجميلة التي صنعناها.
أومأت بحزن وقالت بابتسامة منكسرة:
_ للأسف، لم تدم سعادتنا طويلا، بنينا الذكريات الجميلة سىيعا وافترقنا سريعا، وضاع العمر هباءً للأسف.
مرر إبهامه فوق وجنتها وقال بحنان:
_ سندرك ما فاتنا يوما ما يا حبيبتي، أعدك عندما أخرج من هذا المكان اللعين سأعوضكِ عن كل ما فاتنا ولم يتسن لنا عيْشَهُ، أعدك بذلك.
أومأت بموافقة بالرغم من أن اليأس يتخلل قلبها وابتسمت فقال:
_ أين سارة؟ لماذا لم تأتِ برفقتك؟
_ صراحةً لم أخبرها أني سآتي إليك، لقد كان قرارا مفاجئا بعد تفكير طويل، وأخبرت أكثم وهو مشكور دبر لي أمر الزيارة سريعا.
_ في المرة القادمة لا بد أن تأتي برفقتك، اشتقت لرؤيتنا جميعا سويا.
///////////////////
في المساء..
ذهب كلا من قاسم وحياة وصفية للمشفى لزيارة صالح، وعندما تقدموا من الغرفة الموجود بها نظرت صفية إلى قاسم وقالت:
_ هل ستدخل لتطمئن عليه؟ أتقتل القتيل وتمشي بجنازته؟ أليست حالة عمك هذه بسببك؟
زفر مطولا بغضب مكتوم ونظر إليها محتدا وقال:
_ إذا لا تدخلي لزيارته أنتِ أيضا، لأنك بشكلٍ أو بآخر ساهمتِ في وصوله لتلك الحالة.
نظرت حياة إليهما بغضب وقالت:
_ مجددا؟! أرجوكم أبي لا ينقصه صراعاتكما! لديه ما يكفيه بالفعل.
ودخلت إلى الغرفة فلحق بها قاسم وصفية..
جلست حياة بجوار والدها بعد أن قبلت يده وجبينه وقالت:
_ كيف حالك أبي؟
ابتسم صالح بوهن وهو يطالعها بعجز وأومأ برأسه إيماءة خفيفة فقالت:
_ ستتحسن أبي، أثق أنك ستكون بخير.
تقدم قاسم وقبل جبينه وقال بتأثر:
_ شفاك الله عمي وعفا عنك.
طالعته صفية بضيق، ثم جلست بجوار صالح على الجانب الآخر وطبعت قبلة على يده وقالت بأعين باكية:
_ كيف حالك صالح ؟ أرجوك تحسن بأسرع وقت، نحن نحتاجك صالح، نحن لا شيء بدونك، عنبر أيضا تحتاجك.. ابنتنا تحتاجك بشدة.
وأخذت تنتحب فسالت دمعاته بصمت فنظرت إليها حياة بتحذير كي تتوقف وقالت:
_ أبي، قاسم لن يتخلى عن عنبر أبدا، إطمئن نحن لسنا بمفردنا.
ونظرت إلى قاسم بابتسامة مهزوزة فقال:
_ صحيح، لا تقلق عمي، كل شيء سيكون على ما يرام.
دخلت الممرضة وطلبت منهم الانصراف لكي لا يتسببون له بالاجهاد فخرجوا وتوجه قاسم من الطبيب الذي يتابع حالته وسأله:
_ أخبرنا دكتور، كيف حاله؟ هل هناك أمل أن يتعافى ويعود كما كان؟
تحدث الطبيب بعملية قائلا:
_ الأمل موجود طبعا طالما أنك تثق بالله سبحانه وتعالى ، نحن نحاول الحد من المضاعفات التي قد تحدثها الجلطة وطوال الأربعة وعشرون ساعة الماضية كنا نعمل على إعادة تأهيل الدماغ من خلال فريق طبي متكامل من أطباء المخ والأعصاب ومعالجون فيزيائيون كنا نراقب الحالة ونبحث طرق العلاج المتاحة، وبإذن الله سنفعل ما بوسعنا لا تقلق.
_ هل تستغرق مدة تعافيه وقتا طويلا؟
_تختلف مدة الشفاء والتعافي من الجلطة الدماغية من شخص لآخر. قد يستغرق الشفاء عدة أسابيع أو شهور، أو حتى سنوات. ويكمن الاختلاف في مدى استجابة الدماغ للعلاج بعد الجلطة وعودتها إلى العمل بشكل طبيعي مع تقليل خطورة الإصابة بالجلطة مرة أخرى.
_ وهل سيحتاج للبقاء بالمشفى لحين التعافي تماما؟
_ لا، سيبقى فقط لعدة أيام من حوالي خمس أيام لأسبوع على أقصى تقدير وبعدها يمكنه الخروج من المشفى مع مراعاة متابعة العلاج وخطة التأهيل في المنزل والانتظام على زيارة المشفى للفحص الدوري.. بالسلامة إن شاء الله.
وتركه وانصرف فعاد لحيث تقف حياة ووالدتها بانتظاره واصطحبهم للسيارة كي يغادرا.
قاد السيارة بصمت ساد الأجواء حتى قطعته صفية قائلة:
_ لن أدخل هذه الشقة مجددا، أنا وحياة سننزل بأي فندق.
نظر إليها بالمرآة بتعجب بارد وقال متهكما:
_ حقا؟ على كل حال زوجة عمي لكِ حرية التصرف بذاتك، ولكن لا يمكنكِ فرض سيطرتك على زوجتي، لأن أينما أكون ستتواجد هي.
نظرت صفية إلى حياة وقالت بغضب:
_ ما رأيك حياة هانم؟ هل ستذهبين معه بكل بساطة وتبقين بتلك الشقة التي اشتراها بمال حرام ؟
هتف قاسم حانقا:
_ أستغفر الله العظيم ، يا رب صبرك.
تحدثت حياة أخيرا وقالت بهدوء مخيف:
_ أرى أن أمي محقة، الأفضل أن نقيم بفندق لحين عودتنا.
نظر إليها قاسم مصدوما بينما طالعتها أمها بانتصار وقالت بشماتة:
_ هل سمعت ما قالته؟ إذا من الأفضل أن تتحلى ببعض الكرامة وتتصرف كرجل محترم ولا تضغط عليها للبقاء معك.
نظرت إليها حياة بضيق وقالت:
_ أمي رجاءً..
قاطعها قاسم قائلا بغضب:
_ للأسف أنا لست رجلا محترما، ولن أترك حياة تذهب معكِ حتى لو أرادت هي ذلك؛ أنا زوجها وستبقى حيث أريد أنا لا حيث تريدين أنتِ.
نظرت إليه حياة بتعب وقالت:
_ قاسم من فضلك…
صاح قاسم بعصبية وقال:
_ ماذا حياة؟! ما لدي قلته.. ستذهبين معي رغما عنكِ، انتهى.
ونظر إلى صفية وقال:
_ زوجتي ستذهب معي، أظن كلامي واضحا، زوجتي أنا أي أنني الوحيد الذي يحق له أن يأمرها أو ينهيها.
نظرت صفية إليه بضجر ونظرت لابنتها وقالت:
_ أسفي عليكِ يا غبية، ظننتكِ أذكى من أن تدعيه يتحكم بكِ ويتلاعب بكِ كالدمية بين يديه.
تحدث قاسم بنفاذ صبر قائلا:
_ أسدي لنا خدمة من فضلك وأخبرينا بقرارك، هل ستذهبين معنا أم لا؟
_ بالطبع سأذهب برفقتكم، لن أترك ابنتي تحت رحمتك، في النهاية لديها أمًا تقف بظهرها كالجبل.
أخذ يتمتم بنزق واتجهوا لشراء بعض الأغراض ثم انطلق لشقته سريعا.
دخلت صفية لغرفتها وهي تقول:
_ اتبعيني حياة أريد التحدث معكِ.
همت حياة بالذهاب لوالدتها فقال قاسم:
_ حياة، الحقي بي.. سنتحدث.
وقفت حياة بالمنتصف تنقل عينيها بين غرفة والدتها وغرفة قاسم بحيرة وقالت:
_ ما هذه المأساة يا ربي!
دخلت لغرفة أمها ووقفت أمام الباب وقالت:
_ نعم أمي؟
_ تعالي ونامي بغرفتي.
طالعتها بتعجب وقالت:
_ والسبب؟
_ حقا لا أفهمك! هل ستذهبين للنوم بأحضان ذلك الخسيس وكأن شيئا لم يكن؟
_ أمي أرجوكِ كفى، لا تنسِ قاسم أصبح زوجي ولن أسمح لكِ بالتطاول عليه أبدا.
طالعتها صفية باحتقار وقالت:
_ فعلا غبية، وأنا التي ظننتك ابنتي القوية الشجاعة التي لا تنهزم أبدا، اتضح أنه عندما يتعلق الأمر بهذا الوقح تصبحين بلهاء وتستطيل أذنيكِ كالحمار.
أغمضت حياة عينيها بضيق وأردفت:
_ شكرا ماما، تصبحين على خير.
وأوصدت الباب وزفرت بضيق شديد وهي تقول:
_ أقسم بالله ما يحدث لي غير طبيعيا، إطلاقا.
اتجهت لغرفة قاسم وفتحتها فوجدته يقف بحمام الغرفة عاري الصدر يشذب لحيته ويقصر شعره فاستندت إلى إطار الباب وأخذت تراقبه بصمت فنظر إليها بالمرآة وقال:
_ ماذا كانت تريد؟
_ لا شيء.
_ متأكدة؟
تنهدت بنفاذ صبر وقالت:
_ أمي محقة، لن أتحمل البقاء هنا كثيرا.
استدار ونظر إليها وهو لازال ممسكا بماكينة الحلاقة اللاسلكية وقال ببرود:
_ اذهبي وانتظري بالشرفة.
أغمضت عينيها بضجر وقالت:
_ لا تمزح قاسم، أنت تعرف ماذا أقصد، لن أستطيع البقاء بالشقة هنا.
نظر إليها مطولا ثم اقترب منها وهو يمسك بالماكينة ويقول:
_ سأشذب لكِ لحيتك.
ضحكت وهي تبتعد عنه وقالت:
_ ابتعد يا تافه.
جذبها نحوه مسرعا وأحاط خصرها بذراعه وهو يتأمل ملامحها عن قرب وقال:
_ حياة، هل ستسمحين لأمك أن تنجح فيما تريده؟ أن تجعلكِ تحقدين علي وتكرهيني؟
نظرت إليه وهي تشعر بالحرارة تمشي في جسدها وقالت:
_ لا.
_ ولكنها ستضغط عليكِ، واضح أنها أعلنت الحرب علي.
_ ولكني أعرف ماذا سأفعل وماذا أريد، لا تخف.
أحاط خصرها بذراعيه وقال وهو يقربها منه أكثر:
_ لا يسعني سوى الخوف، لم أعد أعرف للطمأنينة سبيلا.
_ ولكني بجوارك، بالرغم من أني أشعر أحيانا أنني أحقد عليك وأكرهك، ولكن عندما تنظر إلي بتلك الطريقة يتبخر حقدي وكرهي ويحل محلهما عشقي الخالص لك.
قرب وجهه منها أكثر وهو يراقب بريق عينيها وأمسك بيدها ووضعها فوق موضع قلبه وقال:
_ هل تشعرين بتلك النبضات؟
ابتلعت لعابها بتوتر وأومأت أن نعم فقال:
_ أحتاجك بحياتي بقدر احتياجي لتلك النبضات كي أعيش.. لا تعلمين كم أن وجودك بقربي مهما، في كل لحظة أتأكد من ذلك، أرجوكِ لا تبتعدي عني أبدا حياتي.
ابتسمت حياة وذرفت الدموع بتأثر شديد فمد أنامله الرقيقة ومسح دمعاتها ثم اقترب وقبّل عينيها واحدةً تلو الأخرى ثم ابتعد عنها قليلا ونظر إلى عينيها وقال:
_ حياة، هل تتزوجينـي؟!
جمدت ملامحها للحظات، ثم ابتسمت وعيناها لا زالت تسكب الدمع بتأثر فاقترب منها واختلس منها أول قبلةٍ في تاريخهما سويا، قبلة نهمة شغوفة مليئة بالاحتياج، احتياج للحياة، احتياج للحب، احتياج للنور الذي سيضيء أي عتمة بحياته، وليس احتياجا جسديا فحسب. لا.. فحياة بالنسبة لقاسم أهم من ذلك، حياة بالنسبة لقاسم حياة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، هو لم يلقبها بحياتي عبثا، لقد اختار أكثر الكلمات دقة، هي حياته فعلا ، الوحيدة التي تمنحه كل معاني الحياة في أحلك الظروف، تمنحه حبا غير مشروطا، ولا تهتم إن كان يحبها بنفس القدر أم لا، يكفي ثقتها أنه لن يؤذيها، هذا كافيا كي تهيم به كل يوم أكثر من ذي قبل.
استغرقت قبلتهما وقتا، كانا يكتشفان بها معانٍ أخرى للحياة، مشاعرًا يختبرانها لأول مرة، وكأن الحب هذا وهمًا أمام ما يشعران به الآن، أي حب هذا الذي سيضاهي شعورهما ببعضهما البعض؟
بالطبع ليس هذا هو الحب، لا.. هذا مفهموما خاصا بهما فقط، شعورا خاصا وحصريا، شعورا بإمكانه أن يدمغ روحهما سويا فلا ينفصلان أبدا.
______________
يتبع…
حب_في_الدقيقة_التسعين!
• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين " اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق