Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم نعمة حسن 

_٢٣_


~ القانون لا يحمي المغفلين ! ~

____________


كان نائما، فإذ به يستمع لصوت طرقات على باب الشقة، نهض وهو ينظر لنفسه متعجبا وإلى المكان من حوله ليتفاجأ بأنه ينام على فراش والديه بالشقة القديمة، أخذه من شروده صوت طرقات الباب مرة أخرى فهرول متجها نحوه وفتحه ليتفاجأ بآخر شخص من الممكن أن يزوره.


_ أبي؟!


قالها بدهشة وفجأة عانقه بحرارة وهو يقول:

_ لقد اشتقت لك كثيرا يا أبي، تفضل..


دخل والده وهو يتطلع إلى جدران البيت بحنان وابتسامة حزينة، ثم جلس على مقعده المعتاد بعد أن نفض الغبار من عليه وقال مبتسما:

_ كيف حالك يا بني؟ أين حنان ؟


ابتسم قاسم قائلا:

_ أنا بخير، حنان نائمة، لحظة سأوقظها.


هم بالنهوض فأمسك والده برسغه وقال:

_ لا، هي متعبة لا توقظها، فقط كن بجانبها.


قطب جبينه متعجبا وكان سيسأله عن مقصده ولكنه سبقه وردد:

_ كن بجانبها يا قاسم.


وابتسم ابتسامة حزينة فهز قاسم رأسه بموافقة كالمسحور وهو لا يزال يتطلع إلى والده بشرود ثم قال:

_ كيف حالك أبي؟ لمَ لم تأتِ أمي معك لزيارتي؟ 


نظر إليه أبوه نظرة لائمة ثم قال بابتسامة حنونة:

_ تسأل عن أمك يا قاسم وأنت لم تزُرها؟ للأسف غالية غاضبة منك وبشدة، تقول أنها لن تأتي لزيارتك إلا إذا زرتها أنت أولا.


تجهم وجهه بحزن وضيق، ثم قال:

_ معك حق، أنا انشغلت للأسف عن زيارتها..


كرر والده نظرته اللائمة وقال:

_ لا تنشغل عن عائلتك يا قاسم، العائلة أولا يا ولدي.


أومأ قاسم مؤكدا وهو ينظر لوالده الذي مد يده في جيب جلبابه وأخرج عملتين ذهبيتين وأعطاهم لقاسم وهو يقول:

_ خذ يا قاسم، هذة هديتك لحياة.


أخذ منه قاسم العملتين ونظر إليهما بابتسامة مشرقة ثم دسهما في جيبه وقال بنبرة مطمئنة:

_ لم يحِن موعدهما بعد يا أبي.. سأعطيهما لها في الوقت المناسب.


أومأ والده بابتسامة ونهض متجهًا نحو غرفته ثم نظر إلى قاسم مجددا وقال:

_ لا تغفل عنها يا قاسم ، العائلة أولا.


_______


استيقظ قاسم فجأة من نومه وهو يبحث حوله ويهمس:

_ أبي.. أبي كان هنا!!


استمع فجأة لآذان الفجر يصدح في الأرجاء فأدرك أنه لم يكن سوى حلمًا، أسند جبهته فوق كفيه بألم وهو يتمتم:

_ رحمك الله يا أبي، ورحم أمي.. رحمكما الله.


بدأ يستعيد كلام والده عندما أخبره أن والدته غاضبة منه فنظر أمامه بصدمة في لحظة إدراك أنه لم يقم بزيارة والديه منذ اليوم الذي خرج فيه من السجن!!


لونت الصدمة ملامحه وأخذ يمسح على وجهه بغضب ويرجع خصلات شعره التي استطالت مؤخرا إلى الوراء ويقول:

_ استغفر الله العظيم ، ماذا دهاك يا قاسم! ماذا دهاك؟ 


نهض متجها إلى الحمام، توضأ وخرج، ثم وقف يصلي الفجر وبعد أن انتهى جلس بالشرفة يتأمل منظر البحر الهادئ من أمامه، مغمضا عينيه باسترخاء، وفجأة تذكر وصية والده بأن لا يغفل عن أخته!!


انقبض قلبه فجأة وأمسك هاتفه واستدعى رقمها، ثم توقف للحظات مترددا، وفي النهاية حسم أمره وقام بالاتصال بها ولكنه وجد هاتفها مغلقا؛ مما أثار قلقه أكثر وظل يحاول محاولات عديدة دون جدوى.


بلغ منه القلق مبلغا ولكنه كان يحاول طمأنة نفسه وهو يقول:

_ لا بأس قاسم، من الممكن أن يكون الهاتف قد فرغ شحنه، أو تغلقه منعا للإزعاج، بالتأكيد ستعاود الاتصال بي عندما ترى رسائلي.. ولكن .. هل وصية أبي تلك مجرد صدفة؟! بالتأكيد لا.


نهض فورا وارتدى ملابسه على عجالة، ثم انطلق على الفور صوب بيت حنان وهو يردد بتوعد:

_ أقسم إن كنت أذيتها يا عزيز لن أرحمك!


////////////


كان عزيز يجلس فوق الأريكة، ممسكًا بصورته هو وحنان بيد وباليد الأخرى يمسك بزجاجة خمر يتجرعها وهو يبكي ويتحدث إلى الصورة قائلا:

_ عصفورتي هل كرهتيني؟ يا ويلي إن كنتِ كرهتيني حنان، ما فائدة الحياة إذا؟


رفع الزجاجة إلى فمه وتجرع ما تبقى منها دفعة واحدة وهو يقول:

_ أذهب للجحيم أفضل إذا.. ما قيمة حياتي إن لم تقاسميني بها يا حبيبتي ؟


ورفع الصورة إلى فمه وقبلها ثم وضعها فوق قلبه، وأسقط رأسه للخلف مغمضا عينيه وهو يقول:

_ كنت تعلم يا عزيز.. ذلك الانفجار كان متوقعا، صغيرتي كبرت.. نضجت وأدركت ما فعلته أنا والآن باتت تحقد عليّ، تخاصمني وتهجرني لأنها تعلم أن هجرها يعني موتي.


مسح دمعاته بحزن ونظر للصورة مجددا وقال:

_ أنا آسف يا صغيرتي، كنت أنانيًا معكِ. سامحيني حنان.


أمسك بالهاتف يحاول الاتصال بها مجددا ولكن ككل مرة يجد الهاتف مغلقا فألقى به بنفاذ صبر ليصطدم بالحائط ويسقط أرضا، ثم تبعه بالزجاجة الفارغة فتهشمت ونهض وهو يحاول استعادة وعيه وتركيزه وهو يتحدث إلى نفسه ويقول:

_ ماذا أفعل هنا؟ أجلس وأنوح كالنساء؟ لا يفترض بي أن أكون هنا الآن، من المفترض أن أذهب وأجلس على بابها حتى ترضى وتسامحني.


فجأة استمع لجرس الباب فذهب بتباطئ، يجر قدميه بثمالة، وفتحه ليصدم برؤية قاسم!


_ قاسم؟!!


طالعهُ قاسم بتعجب، هيئته المشعثة، هندامه الغير مرتب، وعيناه الحمراوتين وعلى وجهه أثر البكاء! وأخيرا رائحة الخمر التي تفوح منه بوضوح.


ابتعد قاسم خطوة للوراء بنفور وهو لا يزال يتفحصه بقلق وقال:

_ ما هذه الحالة؟


ونظر بالداخل وهو يتابع:

_ أين حنان؟ هل هي بخير؟؟


دفعه للخلف ودخل مندفعا يبحث عنها بقلق وهو يقول:

_ أين حنان؟ هل أصابها مكروه؟ هل هي بالغرفة؟؟


ونظر إليه بنفاذ صبر فرآه وقد تهدل كتفيه بإحباط وحزن وقال بانكسار:

_ حنان ذهبت، تركتني وغادرت.


رجع إليه ووقف أمامه مباشرةً وهو يقول:

_ أين ذهبت؟ انطق أين ذهبت أختي؟


_ ذهبت عند والديها.


طالعهُ بصدمة وجحظت عينيه بفزع وهو يقول:

_ ماذا؟ ماذا يعني أنها ذهبت عند والديها ؟ ماذا حدث لأختي يا عزيز، انطق وإلا أقسم أنني سأقوم بدفنك بأرضك.


نظر عزيز إليه وهو يحاول استعادة وعيه والخروج عن حالة التيه التي تغمره وقال:

_ هي بخير، أقصد أنها بشقة والديها الآن، ببيت العائلة.


تقوس حاجبيه بتعجب وقال:

_ ببيت العائلة ؟ والسبب؟


ثم أمسك بتلابيبه بغضب وتحفز وقال:

_ ماذا فعلت بها؟ من المؤكد أنك أذيتها وأخطأت بحقها.. تكلم يا حقير.


كان قاسم يهزه بقوة وغضب دون أي مقاومة منه فكان يقف يتأرجح بين يديه باستسلام وهو يتمتم بدون تركيز:

_ حسنا هي غاضبة، بسبب ما فعلته بالماضي، هي تحاسبني على ذنب اقترفته منذ عشر سنوات، حسنا أنا.. أعرف أنني أخطأت، لقد كنت.. كنت حقيرا، أنانيًا لا أفكر سوى بنفسي.. أعترف أنني أخطأت ولكنني أحبها..


ونظر إلى قاسم وهو يبكي وقال:

_ أقسم أني أحبها.. أقسم أني أحبها.


أخفض قاسم يده وأعادها إلى جواره وهو ينظر إليه متفاجئا من تلك الحالة التي يراه عليها لأول مرة، ثم تنهد مطولا وقال:

_ سأذهب إليها، لا تضغط عليها ودعها وشأنها.


وانصرف وتركهُ يتحدث إلى نفسه بضياع ويقول:

_ أساسا أنا لا أملك سوى هذا الحل، ما قلتهُ ليس جديدا.


//////////////////////


انطلق قاسم بسيارته نحو بيت العائلة!


صعد مسرعا ورن جرس الباب بتلهف، ثم وقف ينتظر ردها فاستمع اليها بعد دقائق تقول:

_ ما لدي قلته عزيز، أرجوك لا تضغط عليّ أكثر.


فتح الباب بمفتاحه الخاص ودخل فتفاجأ بها تجلس خلف الباب فقال:

_ حنان، حبيبتي..


نظرت إليه بتفاجئ ثم سرعان ما ارتمت بحضنه وأجهشت ببكاء مرير.


زفر قاسم مطولا وهو يضمها إليه ويردد بأسى:

_ أنا آسف.. أعتذر.


قالت وهي تطوق عنقه بيديها وتنتحب:

_ أنا من أعتذر، لقد أخطأت بحقك أخي، سامحني.


أبعدها عنه ونظر إليها يحاول استيعاب ما أصابها، ثم مسح دمعاتها بحنان وهو يقول:

_ ما بكِ حنان؟ أخبريني ما بكِ، هل أنتِ بخير؟


هزت رأسها بنفي وقالت:

_ لا، لست بخير أبدا، أشعر بالتشتت والضياع، أشعر بالندم، أشعر بالقرف من نفسي.


ضمها إلى صدره وقبل رأسها ثم قال:

_ لا بأس، لا بأس كل شيء قد مضى.


ابتعدت عنه وهي تنظر إليه بقهر وتقول:

_ لا أخي، لم يمضِ.. ولن. قاسم أنا أشعر كأنني كنت مغيبة، معمية، مخدرة، مسحورة، أجل.. كنت مسحورة، وعندما زال تأثير السحر أدركت فداحة ما ارتكبته..


وانغمست في نوبة بكاء جديدة وهي تقول بهيستيرية:

_ كيف سامحتني أخي؟ أي قلب تملك؟ كيف استطعت النظر بوجهي بعد كل ما فعلته؟ أنا إنسانة حقيرة، لا تستحق عطفك ولا حنانك.. أنا فعلا ما فعلته وأنت تناسيت وعدت أخي الكبير مجددا، و ها أنت تركض إليّ قلقًا وتسأل عن أحوالي، أنا لا أستحق اهتمامك هذا، صدقني أنا إنسانة جشعة أنانية لا تهتم سوى بمصلحتها.


ضمها قاسم إليه وهو يحاول تهدئتها ويقول:

_ لا حنان، أنتِ حنونة، تملكين قلبا نقيا أنا أثق بذلك.. لا بأس لا تهتمي بما مضى.


وأمسك بوجهها بين كفيه وهو يقول:

_ انظري إليّ، انظري لأخيكِ.. 


نظرت إليه بانتباه فقال بابتسامة مهزومة:

_ ها أنا أقف شامخا، لا يهمني ما مضى، ولا يهمني القادم، ما حدث لم يؤثر بي، انظري إليّ جيدا.. أملك كل شيء كان يصعب علي التفكير به حتى، أخوكِ كالوتد لا تقلقي.


سكنت أخيرا بعد نوبة بكاء متواصلة ، ثم مسحت وجهها وهي تقول:

_ كيف عرفت أنني هنا؟


تنهد بتعب وهو يرمقها بشفقة:

_ عزيز.


اضطرب قلبها وأحست بالدماء تهرب من عروقها وقالت:

_ ماذا قال لك؟


تنهد وهو يسحبها من يدها ثم دخلا إلى الشرفة وجلسا مقابل بعضهما البعض وقال وهو ينظر أمامه بشرود:

_ لم أكن أعلم أنه يحبك هكذا.


سالت دموعها مجددا فقال:

_ وأنتِ تحبينه، لذلك برأيي ألا تطيلي خصامكما وارجعي إلى بيتك.


مسحت دموعها وتساءلت مجددا:

_ ماذا أخبرك عزيز؟ هيا قل لي.


_ ذهبت إليه لأطمئن عليكِ بعد أن اتصلت بكِ مرارا وكان هاتفك مغلقا، وجدتهُ في حالة يرثى لها حقيقةً ، يبكي ورائحة الخمر تفوح منه بطريقة مُحزنه ، وقال أنكِ تركتِه بسبب ما فعله سابقا وهذى بكلمات من هذا القبيل.


أطرقت برأسها أرضا فاقترب منها ومد يده أمسك بيدها وقال:

_ حنان، ارجعي لزوجك.. هو يحبك وأنتِ تحبينه.. لمَ العذاب إذا؟ وإن كنتِ تفكرين فيما مضى فأنا سامحتكما، عزيز إنسان ضعيف.. للأسف يسهل خداعه، منذ صغره وهو تابع لعبدالله في كل شيء، ودائما كان كالدمية بين يديه يحركه كيفما شاء ويستخدمه كيفما شاء، للأسف هو سلبي ولكنه يحبك بصدق، وطالما أنكِ تحبيه وتتعذبين في بعدك عنه ارجعي إليه وصدقيني أنا سأكون سعيدًا لأنكِ سعيدة.


نظرت إليه بعينان يائستان وقالت:

_ الأمر تجاوز ما حدث في الماضي قاسم، الأمر أصبح يخصني أنا، أنا استيقظت من الغيبوبة التي كنت غارقة بها فجأة، طوال عشر سنوات كنت مغيبة، عزيز خدعني واستغلني يا قاسم، هذا ما يقهرني ويجعلني أشفق على نفسي، أنه استغلني بتلك الطريقة.. في حين كان من المفترض أن يدعمني ويقف بجواري في تلك المحنة ويرشدني للصواب، استغل صغر سني وتعلقي به واستغلني لأجل مصلحة أخيه.. جعلني أرتكب خطأً فادحًا لا زلت أعاقب عليه حتى الآن..


واهتز بدنها وسالت دمعاتها بغزارة وهي تقول:

_ ابنتي، ابنتنا ماتت.. ولا أستطيع تعويضها.. هل سأظل وحيدة ما تبقى من عمري قاسم؟؟ هل حرمت من أن أكون أما للأبد؟ يا إلهي.. سامحني..


أسندت جبهتها على يدها وهي تبكي بصمت، وهو يجلس أمامها يطالعها بشفقة، يراقب تخبطها، حزنها، يأسها واستسلامها، يراقب خلجاتها الحزينة المنكسرة..


وبعد فترة طويلة ظلا فيها صامتين نهض ومسح على شعرها وقال:

_ عليّ أن أغادر، لدي يوما مليئا بالمتاعب، هل ستبقين هنا أم تذهبين معي لشقتي؟


_ لا، أود البقاء هنا.


أومأ بهدوء وقال:

_ ستسمحين له بالحديث معك، لا بد أن تتحدثا حنان، سيكون هذا في صالحكما.


أومأت مجددا بهدوء فانحنى وقبّل رأسها وقال:

_ سأخبر حياة كي تصعد وتبقى معك، لا ينبغي أن تبقي وحيدة هكذا ..


نظرت إليه باهتمام وقالت:

_ هل تحبها قاسم؟


اضطربت ملامحه بصمت ولم يجب فقالت بحزن:

_ لماذا إذًا؟؟ ألا ترى أن هذا ظلما؟


_ لن أظلمها أبدا يا حنان، كوني واثقة من ذلك.


نهضت ووقفت أمامه ونظرت إلى عينيه مباشرةً وقالت:

_ وما السبب إذا؟ ما الذي طرأ فجأة وجعلك تطلب الزواج منها؟ هل لأنك تود قهر عنبر و….


_ اصمتي حنان..


قاطعها وأردف:

_ آخر همي هو أن أقهر عنبر أو أن أثبت لها شيئا، لدي أسبابي للزواج من حياة وعمي يعرفها، صدقيني أخوكِ ليس سيئا بهذا القدر كي يستغل إنسانة لم يرَ منها إلا كل الخير.


تنهدت بعدم ارتياح وقالت:

_ أرجوك قاسم، إلا حياة.


ابتسم مطمئنا وربت فوق كتفها وقال:

_ لا تخافي، إلا حياة.


أخذ أغراضه وانصرف وتركها تتمتم بحيرة:

_ لا أفهمك أخي، لا أفهمك وأشعر بأنني أتعرف على قاسم جديد، إنسان لا أعرفه ابدا..


وجلست وهي تتابع بزوغ النهار وتحدث نفسها قائلة:

_ أبهذا القدر تغيرنا؟ أصبحنا بعيدين كل البعد، للأسف أصبحنا بعيدين وكأن ما يربطنا اسمًا فقط!


//////////////


خرج قاسم من شقة والديه، ثم وقف للحظات يحاول استعادة صلابته ورباطة جأشه، ثم نزل فتوقف أمام شقة عمه الذي انفرج بابها فجأة وظهرت حياة التي تلبد وجهها وذهب لونه عندما رأته وقالت:

_ بسم الله ، قاسم؟


ابتسم قائلا بهدوء:

_ صباح الخير حياة.


_ صباح الخير قاسم، ما الذي أتى بك إلى هنا منذ الصباح؟ 


_ كنت أزور حنان، هي بشقتنا بالأعلى من فضلك اطمئني عليها من حين لآخر.


قطبت حاجبيها بتعجب وقالت:

_ حنان بالأعلى؟ وما السبب؟


_ أجل، السبب ستخبركِ إياه، أين تذهبين الآن؟


اغلقت الباب وسارت خطوات بجواره وقالت:

_ اليوم الامتحان الأول..


نزلا سويا وقال:

_ بالتوفيق إن شاء الله ، وكيف حال عمي؟


_ الحمد لله ، أفضل .


خرجا من البيت سويا فقال:

_ سأوصلك.. هيا اركبي.


_ لا أود تعطيلك، سأذهب بالمواصلات كالعادة..


_ هل عمي مستيقظ الآن؟


_ أجل، لقد صلى ويقرأ بمصحفه كعادته.


قام بالاتصال بعمه فأجابه فورا:

_ صباح الخير قاسم، كيف حالك بني؟


_ بخير عمي، كنت أزور حنان بشقتنا والتقيتُ بحياة أثناء نزولها، وأنا أقترح أن أقوم بتوصيلها للجامعة، فماذا ترى؟


_ حسنا قاسم، تصحبكما السلامة.


أنهى الاتصال ونظر إليها مبتسما وقال:

_ هيا حياة، لقد استأذنتُ عمي وانتهى الأمر.


ركبت بجواره وتحرك فقالت:

_ هل حنان بخير؟


تنهد بحزن وقال:

_ نعم بخير، ولكنها تحتاج لوجودنا بجوارها، اقترحت عليها أن تذهب معي ولكنها فضلت البقاء.


_ هل تشاجرت مع عزيز؟


_ على ما يبدو ذلك.


تنهدت بضيق وأردفت:

_ رحمك الله يا عمي ناجي، أنجبت رجلين لا يمتان للرجولة بِصلة ورحلت بكل هدوء.


ابتسم قائلا بهدوء:

_ رحمه الله ورحم والدي.


ثم تنهد قائلا:

_ لقد زارني أبي الليلة الماضية ، أخبرني أن أمي رحمها الله غاضبة لأني لم أزرها منذ خروجي من السجن.


نظرت إليه بأسف فقال:

_ وأوصاني على حنان كذلك.. لم أدرك أنني مقصر بحقها إلا اليوم، على ما يبدو لقد انشغلت بحالي ونسيت كل شيء.


_ هل ستذهب لزيارتهم اليوم؟


_ أجل، وبعدها سأذهب لزيارة سيد حبيب، وبعدها سأذهب لزيارة صبر بالمشفى لأنني لم أرَهُ منذ يومين.


_ هل سارة ستكون معك؟


أومأ بهدوء وقال:

_ نعم، عيد ميلاد والدها اليوم وتود معايدته.


كانت تعبث بحقيبتها بتردد وقالت:

 _ هل أنتم أصدقاء؟ 


نظر إليها متعجبا سؤالها ثم قال:

_ ولمَ تسألين؟


نظرت إليه بضيق ورفعت حاجبيها باستنكار وقالت:

_ حقا؟ أسأل لأني سأصبح خطيبتك.. أقصد من الممكن أن أصبح خطيبتك..


_ وإذا؟ 


_ وإذا فعليك أن تطلعني على كل أسرارك وتخبرني بأدق تفاصيل حياتك.. هكذا يفعل الرجال مع خطيباتهم.


نظر إليها متصنعا الدهشة وقال:

_ حقا يفعلون هكذا؟


أومأت بجدية صارمة وقالت:

_ نعم، يفعلون طبعا، مثلا أنا أعرف صديقة لي يخبرها خطيبها بكل تحركاته وكل خطواته خارج وداخل المنزل.

_ يا له من إمعة.


نظرت إليه بضيق وقالت: 

_ هل لأنه يخبرها بتحركاته يكون إمعة؟


_ طبعا، وما الذي يجبرني أن أخبر خطيبتي بكل تحركاتي؟ هل سأضيع مثلا وحينها ستخبر الشرطة؟ إذًا من الأفضل أن أعلق في رقبتي سلسلة بها جهاز تتبع كي ترصد تحركاتي وتراقبني وهي ترقد بفراشها بكل أريحية.


وهز رأسه باستنكار فضربته بصدره فجأة وقالت:

_ أنت إنسان معقد وبغيض.. هيا توقف.


نظر إليها متفاجئا وفجأة أطبق بقبضته فوق قبضتها وقال:

_ يا لوقاحتك، تضربين الرجل الذي من الممكن أن يصبح خطيبك؟ هل أنتِ حمقاء؟ 


_ أجل، حمقاء لأنني أتعاطى مع إنسان بغيض مثلك، توقف لقد وصلنا أخيرا.


توقف أمام مدخل الجامعة وهو لا يزال قابضا فوق قبضتها وقال:

_ بالتوفيق يا كهرمانة.


ابتسمت فقال:

_ وسلامي لصديقتك وخطيبها الإمعة.


نزعت يدها من قبضته بعنف وطالعته بغيظ بينما هو يبتسم بسماجة ويشير لها مودعا، فنزلت وبمجرد ما إن أدرات وجهها عنه حتى ابتسمت ابتسامة متسعة وهي ترفع يدها التي كان ممسكا بها وشمتها بسعادة وهي تقول:

_ يا إلهي، عطرك الساحر لا يتناسب مع لسانك السليط أبدا.


//////////////


استيقظ عبدالله بتكاسل ونظر إلى جواره فلم يجد عنبر، خرج من الغرفة متباطئا ليصدم برؤيتها تقف وترتدي إسدالها وتصلي.


ظل واقفا يطالعها باستغراب وما إن انتهت حتى قال:

_ تقبل الله زوجتي العزيزة.. سأفرق شربات على أهل الحارة قريبا.


تنهدت بضيق ولم تُجِبه فقال:

_ حضري لي الفطور سريعا..


دخلت إلى المطبخ فأمسك بهاتفه وقام بالاتصال برقمٍ ما وقال:

_ صباح الخير، أخبرني ماذا فعلت؟ 


_ صباح الخير عبدالله ، لقد حاولت تتبع الرقم كما طلبت مني، ولكن الرقم فقد نقطة الاتصال، على ما يبدو قد أتلفت الشريحة .


أغمض عينيه بنفاذ صبر وقال:

_ حسنا، شكرا لك..


أنهى الاتصال وهو يتمتم بغضب:

_ أقسم أنني سأقتلك إن وجدتكِ يا سماهر الحقيرة..


كانت عنبر قد أتت ومعها صينية فوقها الفطور وقالت بتعجب:

_ من سماهر؟


نظر إليها بغضب وتوتر ثم قال:

_ زبونة، اشترت بضاعة بمبلغ وقدره واختفت.


_ ماذا يعني اختفت؟ ولمَ لم تدفع ثمن البضاعة قبل شراءها؟


زفر بضيق وقال:

_ لأنني مغفل، هل ارتحتِ؟


رفعت حاجبها بتعجب وقالت:

_ وماذا ستفعل؟ هل ستتركها تهرب بالبضاعة؟ 


_ طبعا لا، أقسم أني سأبحث عنها في كل شبر ولن أتركها إلا وقد استرجعت مالي.. أساسا سأبلغ الشرطة وأحرر بلاغا ضدها وأتهمها بالسرقة.


نظرت إليه متعجبة وقالت:

_ وما دليلك ضدها؟ هل أخذت عليها إيصالا أو ما شابه؟.


جز على أسنانه بغضب وقال:

_ لا .


ضحكت بسخرية ونهضت وهي تقول:

_ إذا وماذا ستفعل لك الشرطة؟ القانون لا يحمي المغفلين.


ودخلت إلى غرفتها وتركته مصدوما مما قالته وأخذ يرغو ويزبد بغيظ وقال:

_ صحيح، ولكني سأعيد حقي باي طريقة سواء بالقانون أو بغير القانون.


بدأ بتناول فطوره فإذ تصله رسالة من خالد، ففتحها وقرأها مبتسما وقال:

_ هكذا تكون الأخبار السعيدة.


////////////


كانت فريال ترقد في فراشها تغط في نومٍ عميق، وفجأة صدح رنين هاتفها برقم سمسار معروف، أجابت بصوتها الناعس وعينيها مغمضتين وقالت:

_ صباح الخير أستاذ مصباح.


_ صباح الخير سيدتي ، أنا الآن أقف أسفل البناية، برفقتي الدكتور ممدوح علم الدين طبيبًا نفسيًا مشهورًا..


_ ها وماذا بعد أستاذ مصباح منذ الصباح؟


ضحك بسماجته المعهودة قائلا:

_ يا لخفة ظلك سيدة فريال ، أستاذ مصباح منذ الصباح اسم فني.


كانت على وشك لطم وجنتيها بنفاذ صبر وقالت:

_ سيدي أنا لست في حالة تسمح بتبادل النكات الآن، أرجوك تفضل وأخبرني سبب اتصالك الكريم.


_ صحيح، حسنا سيدتي، الدكتور ممدوح علم الدين…


_ ها طبيباً نفسيًا مشهورًا لقد فهمت.. وماذا يريد الدكتور المشهور؟ يريد إجراء اختبار نفسي لسكان العمارة مثلا أم ماذا من فضلك أخبرني باختصار..


_ حسنا حسنا، الدكتور يريد شراء الشقة بالطابق الأخير.


_ مرفوض.. مع السلامة.


_ انتظري سيدتي من فضلك.. الحديث أخذ وعطاء..


_ أي عطاء يا أستاذ مصباح منذ الصباح ؟ هل الطبيب رآنا بمنامه أم ماذا؟ الساعة لم تتجاوز التاسعة بعد.


_ نعم هو يريد شراء الشقة بأقصى سرعة، لقد افتتح مركزا خاصا بالعلاج النفسي بالبناية المجاورة ويريد شراء تلك الشقة كي تكون بجوار عمله..


_ يا أستاذي الفاضل هذه ليست مشكلتي، أنا أخطط لاستغلال الشقة ولديّ خططا كثيرة، اعتذر له لن أقوم ببيعها إطلاقا، مع السلامة.


_ ولكنه مستعد لدفع أي مبلغ تحددينه حضرتك، أعتقد سيكون أفضل إن تحدثتِ معه بنفسك، نحن ننتظرك بالأسفل سيدتي.. 


_ يا سيد انتظر… 


وقطعت حديثها عندما استمعت لصوت انتهاء المكالمة ونظرت إلى الهاتف بغيظ وقالت:

_ تبا لك أنت وطبيبك المشهور.. ماذا علي أن أفعل الآن؟ هل أتجاهلهما ام سيكون سوء تصرف مني..


ونهضت لتستعد للنزول سريعا وهي تغمغم بحنق:

_ تبا لك يا مصباح منذ الصباح.


بدلت ملابسها سريعا ونزلت فوجدت سيارة فخمة جدا تصطف أمام مدخل البناية، وفجأة ظهر مصباح من النافذة يلوح لها قائلا:

_ صباح الخير سيدة فريال..


توقفت أمام السيارة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وتتطلع نحوهما بضيق وتقول:

_ صباح الخير. 


نزل من السيارة رجلًا وسيمًا للغاية ، يبدو في العقد الخامس من عمره، يرتدي حلة سوداء أنيقة، وما إن وصل إليها حتى اشتمت عطره الراقي وأخفض نظارته الثمينة فأظهرت خلفهما عينان زرقاوتين خالصتان، ومد يده بلباقة قائلا:

_ صباح الخير سيدتي وآسف على الازعاج.


نظرت إليه فريال ببلاهة ومدت يدها تصافحه بابتسامة وقالت:

_ لا أبدا، صباح الخير دكتور.


ابتسم قائلا:

_ في الحقيقة أنا أحتاج لشراء الشقة بصورة ضرورية، كما شرح لكِ أستاذ مصباح الوضع، عيادتي بالجوار، وأحتاج لسكن بالقرب منها، إضافةً لأن الموقع يروقني بشدة ولم أجد سكنا متاحا بالحي، لا يوجد سوى شقتك.. 


أومأت مؤيدة وهي لا تزال تتطلع بعينيه قائلة:

_ نعم أفهم وأقدر الوضع، حسنا دكتور ممدوح لا مانع لدي ، البناية بأكملها تحت أمرك.


ابتسم بسعادة قائلا:

_ حقا، أشكرك سيدة فريال، هذا لطفا منك.. على كل حال أنا مستعد لدفع الثمن الذي تريدينه، لا مانع لدي.


_ لا دكتور أنا لا يهمني المبلغ أبدا، وجود حضرتك بالبناية يعد مكسبا لنا أساسا.


_ أشكرك سيدة فريال ، على كل حال أنا جاهز لإمضاء العقود والدفع حالا.. وبعد الاتفاق إن شاء الله سأحضر أنا وابني قصي للاستعداد للانتقال.


ظهرت خيبة الأمل على ملامحها وتهدلت وجنتيها وهي تقول:

_ هل حضرتك متزوج ؟ أعذرني أنا متطفلة قليلا 


ضحكت بخفوت فابتسم قائلا:

_ لا أبدا، وبالنسبة إلي أنا أرمل، توفيت زوجتي منذ خمس سنوات ولدي ابن وحيد اسمه قصي يدرس بكلية الطب.


اتسعت ابتسامتها مجددا وقالت:

_ رحمها الله، حسنا دكتور لقد اتفقنا .. تفضل لإمضاء العقود.


///////////


وصل قاسم إلى المقابر المدفون بها والديه، صف السيارة ونزل ثم دخل وألقى التحية ثم وقف يقرأ لهما الفاتحة. 


بعد أن انتهى جلس بتعب وإنهاك وأراح ظهره على شاهد القبر من خلفه وقال:

_ كيف حالك أبي؟ كيف حالكِ غاليتي؟


وابتسم ووأد تلك الدمعة بمحجره وقال:

_ أعلم أنكما غاضبان مني، لقد انشغلت بأموري التافهة ولم آتِ لزيارتكما، لقد وصلت رسالتك أبي.


وصمت للحظات ثم قال:

_ أنا آسف لأنني غفلت عن أحوال أختي، وآسف لأنني نسيتكما، آسف لأني لم أكن مخلصا ووفيا كما يجب. ولكنها الحياة .. الحياة لم تكن منصفة أبدا، كان لدي أحلاما وطموحاتا كأي إنسان، فجأة سُحقت، وفجأة وجدت نفسي أواجه واقعا مليئًا بالمتاعب.


ثم تنهد وأردف:

_ ولكن عليّ البدء من جديد، علئ أن أثبت للجميع أني ما زلتُ أقف راسخا كالجبل، كل الذين تكالبوا وأجمعوا على أذيتي لا بد أن يطالهم أذاهم، في النهاية الجزاء من جنس العمل وأنا لست ملاكا كي أصفح عنهم وأنسى ما فعلوه.


أغمض عينيه بتعب وقال:

_ ولكني سامحت حنان يا أبي، حتى لم أجرؤ على أذية زوجها لأنها تحبه، وقفت أمامهما ضعيفا عاجزا، يكفي ما حدث لهما، أما البقية فلن أتراجع عن استرداد حقي منهم، العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم.


~~~~~~~~~~~~~


كانت سارة تقف أمام البناية في انتظار قاسم الذي أخبرها أنه سيصلها بعد دقائق.. وإذ بها تتلقى اتصالا من صديقتها چاسي.. تجاهلت الاتصال عدة مرات وعندما سئمت أجابتها بضيق:

_ نعم چاسي؟ 


_ اللعنة عليكِ سارة، لقد اتصلت بكِ عشرون مرة، لمَ لا تجيبين؟


_ لأني أعرف ماذا ستقولين، وأخبرتك سابقا أنني لن أحضر اجتماعاتكم مجددا.


_ وما السر؟


_ أنا حرة، يا إلهي ما كل هذا الإلحاح! أنا أصبحت أشعر بالضيق والإنزعاج من مثل تلك التجمعات.


_ وسيف؟ هل لم تعودا مرتبطان؟


أطبقت أسنانها بغيظ وغضب مكتوم وقالت:

_ لا، لم نعد كذلك، أرجوكِ دعكِ من هذا الأمر أو…. مهلا يا غبي!!


نظرت سارة بغضب إلى ذلك الحائط الذي اصطدم بها فجأة وكادت أن تتعثر وتسقط ولكنها ذهلت عندما رأت شابا فارع الطول ينظر إليها من علوٍ بعينيه الزرقاوتين ويقول بابتسامة لبقة:

_ أنا آسف آنسة، كنت أتحدث بالهاتف ولم أنتبه، أعتذر منكِ.


نظرت إلى عينيه بتيه وقالت بشرود:

_ حسنا، لا بأس..


ابتسم وهو يمد يده معرفا عن نفسه وقال:

_ قصي علم الدين.


مدت يدها وفعلت المثل:

_ سارة حبيب.


_مرحبا سارة، أنا انتقلت للتو للسكن بتلك البناية أنا ووالدي.


نظرت حيث يشير باستغراب وقالت:

_ أنا أسكن بنفس البناية!


_ أيعقل؟ نحن جيران إذا!


ابتسمت بخفة وقالت:

_ نعم، أهلا بك في بنايتنا.


ابتسم بلطف قائلا:

_ أشكرك سارة، وأتمنى أن أراكِ مجددا بما أننا جيران.


أومأت بابتسامة وقالت:

_ إن شاء الله ، عن إذنك .


كان قاسم قد وصل للتو، ركبت بجواره وعلى ثغرها ابتسامة مشرقة وقالت:

_ صباح الخير قاسم.


ابتسم وقال:

_ مساء الخير آنسة سارة، الساعة الآن الثانية عشرة ظهرا.


_ أجل، هيا تحرك سريعا، أنا متحمسة جدا.


ابتسم وانطلق بالسيارة وقال:

_ من كان هذا الطويل؟ هل تعرفينه؟


ابتسمت تلقائيا وقالت:

_ هذا قصي، جارنا الجديد.


_ جاركم؟


_ جارنا! 


_ جارنا؟؟


_ أجل؟ ما الغريب؟ أخبرني أنه ووالده انتقلا للسكن بالبناية اليوم.


مط شفتيه بتعجب إعجاب في نفس الوقت وتمتم:

_ وأخيرا جيران رجال في العمارة .. كنت قاربت على نسيان شكل الرجال من كثرة النساء المحيطة بي من كل جانب.


وابتسم وهو يهز رأسه بسخرية ثم قال:

_ ها، أخبريني ماذا أحضرتِ لوالدك؟


نظرت إليه بابتسامة وقالت:

_ في الحقيقة كنت في حيرة شديدة ، ماذا أشتري؟ وفي النهاية قررت أن أهديه هدية غالية جدا..


نظر إليها متعجبا ولكنه كبت فضوله وابتسم قائلا:

_ حسنا أنا متحمس لأرى الهدية بالرغم من أنني لا أرى بيدك أي هدايا، على ما يبدو هي صغيرة بما يكفي لتضعينها بحقيبة يدك.


ابتسمت وقالت:

_ هناك ستعرف ما هي، والآن نريد شراء قالب حلوى كبير. 


وأشارت بيديها المتباعدتين عن كبر حجمه فابتسم قائلا:

_ حسنا، كما تشائين.


ارتفع رنين هاتفه برقم عمه فأجاب باهتمام بالغ وقال:

_ مساء الخير عمي، كيف حالك؟


_ مساء الخير قاسم، أنا بخير، كنت أود مقابلتك.


_ تحت أمرك عمي، ولكنني الآن في طريقي لزيارة سيد حبيب ، بعد الزيارة إن شاء الله سآتي إليك.


_ حسنا بني، على كل حال أود أن أخبرك بموافقة حياة، عندما تأتي إن شاء الله نتحدث في التفاصيل.


_ إن شاء الله ، مع السلامة.


وصلا إلى السجن، دخلا وسارة تحمل قالب الحلوى ثم توجها إلى مكتب المأمور حيث أنها زيارة خاصة وليست زيارة شهرية.


جلست سارة بترقب تنتظر خروج والدها وهي تشبك أصابعها ببعضها وتقربها من ذقنها بتوتر والانتظار يعصف بأحاسيسها عصفا..


دقائق مرت كالسنين .. خرج بعدها حبيب والسعادة تعلو ملامحه، هرول إلى الغرفة وما إن رأى ابنته حتى احتضنها بقوة وهو يقول بتأثر:

_كنت أنتظرك صغيرتي، دعوتُ الله أن تتذكريني في مثل هذا اليوم واستجاب الله لدعوتي، اشتقتكِ كثيرا سارة، اشتقتكِ كثيرا حبيبتي.


طوقت سارة عنقه بيديها بقوة وتلك كانت أول مرة تعانقه بمثل تلك الطريقة وقالت:

_ عيد ميلاد سعيد أبي.


وابتعدت عنه ونظرت إليه بابتسامة متألقة وتوتر ثم قالت بتردد كالطفل الذي يتعلم النطق:

_ أبي.. أحبك كثيرا وأفتخر بك كثيرا.. 


نظر حبيب إليها بصدمة وتجمعت الدموع بعينيه بغزارة وفجأة هطلت على وجنتيه كالأمطار، ثم ضمها إليه بقوة وهو يمسح على شعرها ويقول:

_ وأنا أحبك حبيبتي ، أحبك كثيرا سارة، أحبك صغيرتي وفخورا أن لي ابنة مثلك.


كان قاسم يقف متفاجئا من اعتراف سارة المفاجئ وهو يتطلع إليها بفخر وابتسامة عريضة تعلو ثغره بعد أن أدرك أن تلك الكلمات هي هديتها التي أحضرتها لوالدها، وأيمّا هدية، هدية ردت إليه الروح وأعادت النبض لقلبه من جديد .


وتفاجأ بحبيب ينظر إليه سعيدا وفجأة احتضنه بقوة وهو يقول:

_ أشكرك، أشكرك كثيرا يا رجل ، لقد فعلت المستحيل، لم أتوقع أبدا أن أسمع هذه الكلمات من ابنتي، لم أكن أصدق أنها ستقبل النظر في وجهي ذات يوم، ولكنها الآن تقول أنها تحبني وفخورة بي، وأنا أحبك وفخور بك قاسم، أنت رجل مخلص.


ربت على كتفيه بابتسامة وقال:

_ أنت تستحق الحب سيد حبيب ، في النهاية أنا لم أفعل شيئا سوى أني حاولت إذابة ذلك الجليد بينكما.


ربت الآخر على كتفه بامتنان حقيقي وقال:

_ لقد فعلت كل شيء قاسم.


ونظر إلى ابنته وقال مبتسما وهو يجلس ويجلسها بجواره:

_ أخبريني حبيبتي، كيف حالك؟ _ أنا بخير، انتقلنا للسكن بجوار قاسم ، المكان رائع ومريح جدا، تعرفنا إلى جارتنا فريال، سيدة لطيفة للغاية، واليوم انتقل للسكن بالبناية جيران جدد.


_ عظيم، هل اقتربت امتحاناتك؟


_ أجل، الامتحان الأول غدا.


_ إن شاء الله ، سأدعو الله كي يوفقك وتحصلين على أعلى الدرجات.


ابتسمت فقال:

_ كيف حال فتون؟ هل هي بخير؟


_ أجل، تقول أنك أصبحت كهلا، ولكنني رفضت ذلك وبشدة.


ضحك بملء فمه وقال:

_ أخبريها رسالة مني صغيرتي، أنني مهما كبرت وأصبحت كهلا سأعود طفلا عند رؤيتها.


ضحكت سارة واحتضنته بينما كان قاسم مبتسما بسعادة أمام رؤية تلك الابتسامة التي تنير وجهه وتشرق محياه.


//////////////


في المساء..


وبعد يوم طويل مليء بالمهام الشاقة، تأنق قاسم كالعادة تأهبا لزيارة عمه، فارتدى قميصا أسودا وسروالا من نفس اللون، ورش عطره الساحر ووضع ساعته الأنيقة، ثم نظر نظرة أخيرة إلى صورته بالمرآة بتقييم، ثم انصرف.


بعد حوالي نصف ساعة توقف بسيارته أمام بيت العائلة.


صعد وهو يحمل عدة حقائب بيده وتوقف أمام شقة عمه ثم طرق الباب بهدوء.


ثوان وانفرج الباب واستقبله عمه بترحاب شديد وقال:

_ مرحبا ابني، تفضل.


دخل قاسم وجلس مقابله بعد أن وضع الحقائب على الطاولة وبدأ بالحديث مباشرةً وقال:

_ حضرتك أبلغتني بموافقة حياة.


أومأ صالح موافقا وقال بعد أن أطلق تنهيدة كتومة:

_ أجل، تحدثت إليها ووجدت أنها تقبل وقالت لي صراحةً أنها موافقة.


تنهد الآخر بارتياح وقال:

_ وأنا أعدك أنها لن تندم أبدا، اطمئن عمي، حياة معي في أمان، سأضعها بعيني ولن يمسها الهواء حتى.


ابتسم عمه بقلق دفين وربت على ركبته بتقدير وقال:

_ أثق بك قاسم، إن شاء الله لن يحدث سوى كل خير.


أومأ بتأكيد وقال:

_ بإذن الله ، على كل حال أنا مستعد لكل شيء، سنقرأ الفاتحة الآن ونحدد موعد الخطبة وعقد القران، وبعد العيد إن شاء الله حفل الزفاف.


أومأ صالح وقال:

_ إن شاء الله ، يوم الجمعة القادم مناسب، سنقيم حفلا عائليا بسيط..


_ كما تشاء، وكما تحب حياة، أنا لا مانع لدي.


_ حسنا، إن شاء الله لن نختلف، فلنقرأ الفاتحة 


رفعا كفيهما وبدأا بقراءة الفاتحة وفي الداخل كانت حياة تقف على باب غرفتها وتقرأ الفاتحة برفقتهما بسعادة غامرة تملؤها وقد قررت أن تستمع بكل لحظة على حِدى وتترك مخاوف المستقبل جانبا.


_________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية

reaction:

تعليقات