Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السادس عشر 16 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل السادس عشر 16  -  بقلم نعمة حسن 

_١٦_


~ قلبكِ الخائن ~


__________________


في الصباح..


نهض قاسم نشيطا على غير العادة، أخذ حمامه الصباحي واستعد للذهاب لاصطحاب سارة لزيارة والدها.


فتح باب الشقة وهو يدعو بسره ألا يلتقي بالجارة الهيفاء منذ الصباح، وشكر الله كثيرا لأنها لم تكن موجودة بالفعل، ونزل الدرج بحماس فإذ به يصطدم بها وهي تدخل البناية ترتدي طقما رياضيا وبيدها زجاجة مياة.


_ صباح الخير جاري العزيز.


قال وهو يكمل سيره للخارج:

_ صباح الخير سيدة فريال.


واتجه للمرآب فورا بينما تمتمت هي بحنق وقالت: 

_ ما به هذا يخشى الضحك كي لا يتشقق وجهه، عجيب!


تحرك قاسم بسيارته متجها نحو فيلا حبيب، وإذ به يرده اتصالًا من حياة فأجابها باهتمام:

_ صباح الخير حياة.


أجابته بصوتها الناعس:

_ صباح الخير قاسم.


_ على ما يبدو استيقظتِ لتوك؟ هل رأيتِني بمنامك أم ماذا؟


_ لا يا غليظ، اتصلت لأني صليتُ صلاة الاستخارة كما نصحتني بالأمس.


_ حسنا جيد إذًا..


_ ولكني لا أشعر بشيء ، هل تبلدت مشاعري بالكامل؟ أم أن هناك خطأ ما؟


_ لا عزيزتي مشاعرك بخير والحمد لله، ولكن تلك المعلومة هي الخطأ بذاته، ليس معني أنك صليتِ صلاة استخارة فستشعرين بالارتياح أو العكس.. معني الاستخارة حياة هو أنك تطلبين من الله عز وجل أن يقدم لكِ الخير في هذا الأمر ويتممه لو به خيرا لكِ وأن يصرفه عنكِ إن لم يكن به خيرا لكِ، هذا الأمر بيد الله لا تقلقي.. وتأكدي أنكِ طالما استخرتِ الله فما سيحدث لاحقا هو الخير.. هل فهمتِ؟


تنهدت بارتياح وقالت:

_ نعم.. فليدبرها الله.


_ إن شاء الله ، ولكنكِ تعلمين جيدا ما هو الممنوع وما هو المقبول أليس كذلك؟ أقصد إلى حين يقضي الله أمره في موضوعك هذا أنتِ تعرفين ما عليكِ فعله وما عليكِ تركه.


أجابت ببساطة:

_ أفهم قصدك، تعني ألا أدعه يتجاوز حده معي ثانيةً.


هز رأسه بغيظٍ شديد وقال بتهكم:

_ أجل هو كذلك تماما، حماكِ الله ابنة عمي المحترمة الواعية وأزاد من أمثالك.


اتسعت ابتسامتها بفخر وقالت:

_ لا تخف، يمكنك الثقة بي.


_ نعم، أنا متأكد.. هيا أتمنى لكِ يوما سعيدا.


_ انتظر لحظة، متى ستذهب لزيارة صبر؟ 


_ اليوم بالتأكيد سأزوره ولكن لدي موعدا طارئا الآن.


_ أي موعد؟


_ سأزور سيد حبيب.


همهمت بضجر وقالت:

_ وبالتأكيد ابنته الشقراء ستكون معك.


_ نعم، وفي الحقيقة لا أعرف ما سبب غيرتك منها؟ هل لأنها شقراء فقط أم أن هناك خصومة خفية لا أعلم عنها شيئا؟


تعجبت حديثه الذي استفزها وقالت بغيظ:

_ ممن سأغار؟ من مراهقة مثلها؟ ولمَ سأغار من الأساس؟ توقف عن استفزازي لو سمحت.


ضحك قائلا:

_ حسنا،لا تغضبي، كنت أشاكسك ليس أكثر.


_ حسنا يا بغيض، هيا لدي محاضرة مهمة ستفوتني بسبب هراءك السخيف.


_ حسنا كهرمانة، اعتنِ بنفسك.


ابتسمت بسعادة واتسعت ابتسامتها وقالت:

_ وأنت أيضا اعتن بنفسك.. مع السلامة.


////////////////////


نزلت سارة من غرفتها فتقاطع طريقها مع والدتها التي عادت لتوها من أداء رياضتها الصباحية وكانت بصدد الذهاب لغرفتها.


_ صباح الخير ، إلى أين أنتِ ذاهبة في هذا الوقت؟


تحدثت إليها سارة بهدوء على غير العادة وقالت:

_ سأذهب مع قاسم لزيارة أبي.


زمت شفتيها فكانتا كخطٍ مستقيم وقالت:

_ جيد، لقد تحسنت علاقتك بوالدك إذا! فرحت بذلك كثيرا.


نظرت إليها سارة وقالت بترقب:

_ لمَ لا تذهبين لزيارته ؟ يمكنك الذهاب برفقتنا إذا أردتِ.


_ لا لا.. أنا ووالدك أصبح بيننا حاجزا قويا لا يمكننا تجاوزه الآن، ربما في وقتٍ لاحق.


هزت الأخرى رأسها بإحباط وقالت: 

_ كما تشائين.


وأكملت طريقها للخارج حيث ينتظرها قاسم.


استقلت السيارة وتبادلا التحية، ثم انطلق في طريقه بصمت لم يقطعه أيا منهما، إلا عندما رن هاتفها برقم سيف فنظرت إلى قاسم بطرف عينها وقالت:

_ إنه سيف.


أجابها بهدوء وهو لا زال ينظر بالطريق أمامه ويقول:

_ ألن تجيبي اتصاله؟


هزت رأسها بموافقة وقالت:

_ بلى سأجيب


أجابت الاتصال وقالت:

_ مرحبا سيف، لا لست نائمة، أنا في طريقي لزيارة أبي ولن أتمكن من الحضور اليوم، حسنا نتحدث لاحقا، مع السلامة.


أنهت الاتصال ونظرت إلى قاسم قائلة بحرج:

_ لقد كان يذكرني بموعد اجتماعنا سويا للمذاكرة، نجتمع اليوم ببيته.


أخفى قاسم توتره وضيقه وقال بهدوء لا يتخلى عنه:

_ ولمَ لا يجتمعون بمنزلك؟ في كل مرة أنتِ من تذهبين لبيوت رفاقك! هل والدتك هي من تمانع مجيئهم لبيتك؟


_ في البداية نعم، لقد رفضت أكثر من مرة بحجة أنهم مزعجين وما شابه، لذلك أصبحت أنا من أذهب إليهم دائما.


هز رأسه بأسف وازداد ضيقه وقال:

_ على كل حال، إذا أردتِ الذهاب يمكنني اصطحابك لا مانع لدي. ولو أنني أحبذ أن تجتمعون بمكان عام أفضل من الذهاب لبيته .


_ لا تقلق، أنا أثق به كثيرا.


ابتسم وقال:

_ وأنا أثق بكِ كثيرا كذلك.


////////////////


كانت حياة تستعد للخروج من غرفتها للذهاب إلى كليتها ولكنها تراجعت فجأة عندما استمعت لصوت والدها يرحب بخالد ويقول:

_ تفضل خالد. اجلس يا بني.


جلس خالد ذا الوجه المتجهم الغاضب وبدأ حديثه مباشرةً وقال:

_ في الحقيقة كنت متردداً جدا من أجل المجيء إليك والتحدث معك ولكن لم يعد باليد حيلة يا عمي.


نظر إليه صالح متعجبا وقال:

_ لا أفهم، مذا تقصد يا خالد؟ 


_ حياة، أقصد حياة يا عمي، حياة تعاملني بجفاء وتجاهل شديدين، تتجاهل مكالماتي ورسائلي، تتجاهلني تماما، حياة تغيرت وتبدل حالها وأصبحت إنسانة أخرى لا أعرفها، وللأسف أنا أعرف السبب!


في تلك اللحظة خرجت حياة من غرفتها مسرعة وركضت للخارج حتى وقفت أمامهما وقالت:

_ لو سمحت أبي، أريد أن أتحدث مع خالد بمفردنا بعد إذنك.


أومأ والدها وقال:

_ حسنا ابنتي، سأترككما حتى تتحدثا بمفردكما ولكنني سأعود لاستكمال حديثي مع خالد.


دخل غرفته وصفية تتبعه على مضض، بينما جلست حياة بجوار خالد بصمت وهي ترتب أفكارها، ثم نظرت إليه وخلعت محبسها وأعطته له وهي تقول:

_ أنا آسفة خالد، أعتذر لك كثيرا.


نظر إليها بصدمة وقال:

_ ماذا تقولين؟ أي هراء هذا الذي تقولينه ؟


احمر وجهها وقالت بخوف وترقب:

_ أنا آسفة، لا أشعر بالراحة أبدا.. حاولت ولكنني فشلت، صدقني أنا المخطئة ولست أنت!


نظر إليها بحدة وغضب وقال:

_ أعلم حياة، أعلم أنكِ المخطئة، قلبكِ هو المخطيء، قلبكِ هو الخائن، أنت تحبينه حياة، استطاع أن يفرقنا ويجعلكِ تنبذيني كما استطاع أن يوقعكِ في شِراكه وجعلكِ تعشقينه، لقد حذرتك منذ البداية، أتذكرين وقتها؟ أتذكرين كيف كنا؟ كنا سعيدين للغاية، منذ اليوم الأول الذي خرج فيه هذا المحتال من السجن وتبدل حالك، خدعكِ بكلامه المعسول وأوهمكِ بأنه المظلوم المجني عليه، ولكنكِ بلهاء بالقدر الذي يكفي لئلا ترين حقيقته وترين وجهه الحقير الذي يخفيه عنكِ.


مسحت دموعها بأسف وقالت:

_ أنت تتحامل على قاسم أكثر من اللازم، صدقني قاسم ليس سيئا، ليس شخصا حقيرا كما تظن،ليس استغلاليا كما تقول، وأقسم لك أنه لا دخل له بقراري ذلك أبدا، أنا من قررت ذلك القرار بمحض إرادتي لأنني حقا لست سعيدة أبدا.


أومأ بهدوء وبداخله طاقة غضب كبيرة وقال:

_ وأنا لن أثنيكِ عن قرارك هذا يا حياة، في النهاية لن أتزوج منكِ قسرا، ولكني سأذكرك ذات يوم.. قاسم هذا ذو وجهين! والوجه المختبئ إلى الآن لن يسرك رؤيته أبدا.


ونهض مغادرا دون إضافة حرف، حينها تنهدت براحة كبيرة وكأن حجرا قد سقط عن صدرها.


خرجت والدتها من الغرفة وهي تقول:

_ أين ذهب خالد؟ لماذا غادر؟ 


خرج والدها بدوره وهو ينظر إليها متعجبا وقال:

_ أين ذهب خالد يا حياة؟ لماذا غادر دون أن نكمل حديثنا.


سحبت شهيقا طويلا استعدادا لما هو آت وتحدثت بهدوء:

_ لقد أبلغت خالد أنني لا أريد إكمال تلك  الخطبة!


شهقت والدتها وهي تضرب على صدرها بحسرة وتقول:

_ ماذا؟ ماذا يعني لا تريدين إكمال الخطبة؟ 


نظرت إليها حياة بهدوء وقالت:

_ يعني أنني غير سعيدة، وكلما كان يقترب موعد الزفاف أشعر بالخوف والحزن والتوتر.. 


_ ولكن هذة مشاعر طبيعية وكل عروس تشعر بها يا غبية.


_ لا يا أمي، أنا أستطيع التفريق بين الخوف من فكرة الزواج نفسه والخوف من الارتباط بهذا الشخص.


ونظرت إلى والدها الذي كان يلتزم الصمت وقالت بتوسل:

_ أبي أنت أكثر من يفهمني، صدقني حاولت إعطاءه ونفسي فرصة، ولكنني كنت أشعر بأن الفجوة بيننا تزداد، أبي أنا لا أعرف ما الذي حل بي صدقني ولكنني أشعر الآن بالراحة لأنني أخبرته بقراري هذا.


كان والدها لا يزال صامتا ولم يعقب، بينما والدتها تجلس وهي تضرب فخذيها ورأسها وتنوح وهي تقول:

_ يا ويلي، ماذا سيقول الجيران عندما يعرفون أنه ترككِ قبل زفافكما بشهر واحد فقط؟ ماذا فعلتِ بنفسك وبنا يا غبية؟ ستكثر الأقاويل والاتهامات حولنا..


حينها صرخ بها صالح وقال:

_ كفي عن النواح يا امرأة وإلا أقسم بالله لن أتراجع عن كسر رأسك هذه المرة! 


ونظر إلى حياة ونهض ممسكا بيدها في دعمٍ منه وقال:

_ ما فعلتِه هو الصواب حياة، أنتِ شجاعة وتستحقين التقدير.. أنا لست حزينًا ولست غاضبا منكِ، أنا أقدركِ لأنكِ تختارين سعادتك ولا تسمحين لأحدا أن يحركك كالدمية بين يديه.


احتضنت حياة والدها بفرحة ودموعها لازالت تتساقط وهي تقول:

_ أشكرك أبي، وأعتذر منك لأنني فاجئتك ولكنني لم أكن أعلم أنني سأخبر خالد بذلك فعلا، كنت مذبذبة ومشتتة منذ فترة واليوم فقط واتتني الشجاعة.


ربت على ظهرها وقال:

_ أنا فخورًا بكِ ابنتي ، لا تقبلي أن يتحكم أحدا بقراراتك وبحياتك أبدا.


نظرت إليه زوجته بغضب وقالت:

_ يا أسفي على أب مثلك، تشجع ابنتك على هدم حياتها، تدعمها في تخريب مستقبلها، أَولى لك أن تنصحها لتتراجع عن قرارها المتهور هذا وتحفظ ألسنة الناس الذين سيشنعون عليها فور معرفتهم بالخبر.


نظر إليها غاضبا وقال:

_ لا، لن أنصحها لتتراجع، لأنني تعلمت من خطأي، لن أكرر خطأي الفادح وأكون سلبيا مرة أخرى، لن أخشى كلام الناس ولو تكلموا ألف مرة، سعادة ابنتي فقط هي ما سأهتم لها من الآن فصاعدا.


كانت تهز رأسها بضيق وهي تذرف الدموع وتقول:

_ سعادة ابنتك كانت مع خالد، فرصة لن تستطيع تعويضها أبدا، كان شابا الجميع يحسدها عليه، الآن الجميع سيشمتون بها


_ توقفي وأوقفي الجهل الذي تثرثرين بهِ، سعادة ابنتك مع الرجل الذي ستشعر بالألفة والمودة بجواره، وليس مع رجل ينقبض قلبها خوفا في حضوره.


ثم نظر إليها بتعجب وأخذ يقلب كفيه عجبا منها وهو يقول بحيرة:

_ ألم تتعظِ يا امرأة؟ لقد زوجتِ ابنتك لرجل لا تشعر تجاهه سوى بالحقد، وما النتيجة؟ في أول فرصة سوّل لها شيطانها ذهبت وراودت حبيبها القديم عن نفسها! هل تريدين لتلك نفس المصير ؟ تريدين أن تحيا عمرها كله في صراع مع رجل لا تشعر تجاهه بأي عاطفة؟ ولماذا؟ خشيةً من كلام الناس؟ تبًا لكِ ولهؤلاء الناس الذين تخشينهم أكثر مما تخشين الله في بناتك.


ونظر إلى حياة مرة أخرى وقال:

_ عزيزتي أنا معك، لا تخافي ولا تسمحي لأمك أو لغيرها أن يدفعك نحو قرار أنتِ لستِ مقتنعة به، في النهاية هي حياتك أنت، وأنا وأمك والناس جميعا لن نفيدك بشيء. 


احتضنته مرة أخرى بحب وقبّلت رأسه بامتنان، ثم خرجت مسرعة كي تذهب لكليتها وهي تشعر بأنها كالعصفور الحر الذي يغرد لأول مرة خارج السرب.


///////////////////


كان قاسم يجلس بجوار ساره ينتظران خروج حبيب، اختلس قاسم نظرة إلى سارة التي تتفحص المكان عن كثب ثم نظرت إليه وقالت:

_ ماذا كان شعورك في كل زيارة؟ 


ابتسم بهدوء وقال:

_ لا شيء ، لأن لا أحدًا كان يزورني من الأساس .. سوى عمي زارني مرات قليلة و لم أكن أخرج لرؤيته فانقطع عن المجيء لزيارتي.


نظرت إليه بأسف وقالت:

_ والدك ووالدتك؟


_ متوفيان، رحمهما الله.. والدتي توفت بعد دخولي السجن مباشرة.


تقوست ملامحها بأسف وقالت:

_ ليس لديك إخوة؟


_ أختًا وحيدة.


_ ألم تأتِ لزيارتك؟


نظر إلى الأرض وشبك أصابعه ببعضها وكان بصدد الإجابة ولكنه رأى حبيب يدخل القاعة فوقف على الفور قائلا:

_ أتى السيد حبيب.


وقفت سارة بتأهب، واشتعل حماسها وهي ترى والدها يتقدم نحوها فاردا ذراعيه بشوق بالغ، ثم احتضنها متأوها باشتياق حار وهو يقول:

_ حبيبتي ، اشتقتكِ كثيرا يا طفلتي.


احتضنته سارة بابتسامة ولكَم سعدت بعناقه الذي منحها بعضا من الدفء وودت لو أن يتوقف بها الزمن ويُمحى ماضيهما سويا وتكون هذه اللحظة أول لحظة تكتب في تاريخهما سويا.


_ كيف حالك صغيرتي؟ هل أنتِ بخير؟


سألها وهو يتفحص ملامحها بلهفة فابتسمت قائلة:

_ نعم بخير.


نظر إلى قاسم واحتضنه بود شديد وقال:

_ اعذرني قاسم ، لهفتي لرؤية سارة أنستني وجودك.


ربت قاسم على ظهره وهو يقول بابتسامة:

_ لا بأس سيد حبيب ، سررت لرؤيتك سعيدًا.


_ الفضل يرجع لك.. لولاك كنت سأبقى وحيدا يائسا فاقدا الأمل في الحياة، أنت من ساعدتني وساعدت ابنتي وأقنعتها بزيارتي.. لن أوفيك جميلك هذا أبد ما حييت.


جلسوا ثلاثتهم، وكان حبيب يضم ابنته إليه ويسألها:

_ كيف حالكِ بابا؟ هل كل شيء بخير؟


أومأت بابتسامة ولمعت عيناها بحزن طفيف ولكنها قالت:

_ أجل، لقد أحضرتُ لك هدية.


اتسعت عيناه بحماس وفرحة وقال:

_ حقا؟ أريني ما هي؟


أمسكت بالإطار ونزعت عنه الغلاف وهي تراقب ردة فعله التي لم تتخيل أن تكون بتلك الفرحة عندما رأى إطارا يضم صورة مكبرة لهما وهما يحتضنان بعضهما البعض، ارتجفت يده وهو يمسك الإطار ويتفحص الصورة بعين لامعة ويقول:

_ ما هذا؟ كيف فعلتِها؟ إنها جميلة للغاية!


ابتسمت وتأثرت لرؤية تأثره وقالت:

_ طلبت من صديقة لي أن ترسمها، كي يكون لديك صورةً لي غير تلك الصورة التي أظهر بها كالعفريتة.


ضحك على تشبيهها وقال بابتسامة حنونة:

_ صورتك دائما محفورة بقلبي سارة، ولكن على كل حال اختيارك موفقًا، سأقوم بوضعها بجوار سريري بكل فخر وعندما يسألوني من هذه الجميلة سأجيبهم بكل سرور هذه ابنتي وقطعة من روحي.


ابتسمت سارة ولكنها كالعادة تؤثر الصمت خاصة عندما لا تجد ما يعبر عما تشعر به.


نظر حبيب إلى قاسم قائلا:

_ كيف حالك قاسم؟ 


_ بخير سيد حبيب ، كل الأمور على ما يرام.


_ وكيف حال صبر؟ أخبرني أكثم أنه أجرى العملية بالأمس.


_ أجل ، هو لازال بالمشفى، ولكنه يستجيب والحمدلله.


_ الحمدلله، لا تقلق بشأن والده، هو في حمايتي.


_ لست قلقا، طالما أن يدك في الأمر لست قلقا أبدا.


_ وكيف حال ذلك الحقير؟ هل مازال حيا بعد أن خرج من هنا؟ 


ضحك قاسم قائلا:

_ في الحقيقة لا أعرف ماذا حدث معه بالحجز طيلة الأسبوعين اللذان قضاهما به ولكن أنت تعلم هؤلاء الثعابين لا يموتون بسهولة.


أجابه الآخر ضاحكا وقال:

_ أجل، أعلم ذلك، ولكن لا تخف، ما رغبت في حدوثه قد حدث، الرجال قاموا معه بالواجب وأكثر.. أعدك أنه بعد أن خرج من هنا لن يسير بجانب الحائط فقط، بل سيسير بداخل الحائط نفسه حتى لا يعيش ما عاشهُ هنا مرةً أخرى.


أومأ قاسم مؤكدا بارتياح، فنظر حبيب إلى ابنته وعيناه تفيضان بالحنان وهو يضمها إليه بابتسامة ويقول:

_ ها بابا، أخبريني كيف حال والدتك؟ هل تتشاكسان دائما؟ أعرف أنها حادة الطباع قليلا ولكن لديها قلبا لا بأس به.


قاطعه قاسم قائلا:

_ لقد أبلغتني السيدة رسالة إليك، تود الانتقال للعيش ببيت آخر في منطقة أخرى، تقول أن المكان أصبح مزعجا لها..


وهمس بصوتٍ خافت وتابع:

_ كثير من رفيقاتها بالماضي أصبحن يترددن عليها لزيارتها ومنهن من يطلب منها المال، لذلك تريد الانتقال.


صمت حبيب قليلا ثم نظر إلى سارة وقال:

_ ما رأيك سارة؟ هل ترغبين في الانتقال؟


شردت قليلا ثم قالت بحيرة:

_ في الحقيقة لا أراه ضروريا، ولكن إن كانت والدتي تريد ذلك فلا مانع لدي.


_ وما رأيك أن تنتقلي لنفس البناية التي يعيش بها قاسم؟ أرى أنه حلا رائعا، سأكون مطمئنا عليكما أكثر، ما رأيك؟


نظرت سارة إلى قاسم بابتسامة وقالت:

_ جيد جدًا.


أومأ بهدوء ونظر إلى قاسم وقال:

_ حسنا قاسم، أخبرها أنني قد وافقت، وأنا سأتحدث إلى أكثم ليبدأ بإجراءات شراء شقة بنفس البناية التي تسكن بها، على الأقل سأكون مطمئنا لوجودك بجوارهما أغلب الوقت.


هز قاسم رأسه بموافقة وقال:

_ كن مطمئنا سيد حبيب ، سيكون كل شيء على ما يرام.


/////////////////////


بعد انتهاء زيارة حبيب وبعد أن أوصل قاسم سارة إلى بيتها قام بالذهاب إلى المشفى للاطمئنان على صبر، فتوجه إلى مكتب الطبيب ليتحدث إليه ويفهم منه ما يتوجب عليه فعله في الأيام القادمة.


بدأ الطبيب بالحديث قائلا:

_ اسمعني قاسم، بالنسبة للفترة الحالية فهو سيظل شهرًا كاملًا معزولا في تلك الكبسولة وهي غرفة معقمة بالكامل كما رأيت، لحين التأكد من تثبيت الخلايا التي تم زرعها، وبعدها يمكنه العودة الى البيت، ولكن هذا لا يعني أنه بعد شهر سيتعافى تماما.. لا.. عادة يستغرق الجهاز المناعي ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وأحيانا تصل المدة لسنة كاملة حتى يستعيد كفائته، تلك الفترة تشبه السنة الأولى في حياته، في هذا الوقت هو معرض لخطر الإصابة بعدوى، مما يحول دون استجابة الخلايا للنخاع المزروع، لذلك يجب أن تقوم بتجهيز غرفة خاصة به معقمة بالكامل، يتم تعقيمها يوميا، كل شيء فيها يكون معقما، الطعام الذي يدخل إليه يكون معقما، لا سيما عندما تزوره فبالطبع ستكون معقمًا وترتدي قناعًا قبل الدخول إليه وتحرص على ألا تصاب بأي عدوى لأنك من الممكن أن تنقلها إليه.. ويمكنك الانضمام للدروس التوجيهية التي تقدمها المشفى لتعليم كيفية التعامل مع مرضى زرع النخاع.


أومأ قاسم موافقًا وبعد أنهى حواره مع الطبيب شكره، ثم ذهب لرؤية صبر من وراء الجدار الزجاجي للغرفة المعزول بها وبعدها بقليل غادر المشفى 


اتجه بعدها إلى المعرض ودخل مكتبه وقام بمراجعة الكاميرات كما يفعل كل يوم، ثم هاتف أكثم وأبلغه بقرار سيد حبيب.


وبينما هو غارقا في تركيزه فجأة انتبه إلى دخول حياة المعرض.


أطلت عليه بطلتها اللطيفة وصافحته وهي تقول:

_ مساء الخير قاسم.


_ مساء النور حياة، ما سر تلك الابتسامة المشرقة عساه خيرا؟


رفعت كفها أمامه بفخر وشعورًا بالانتصار يملؤها وقالت:

_ لقد فعلتها.


أخذ الأمر ثوانٍ حتى استوعب مقصدها ونظر إليها متفاجئا وقال:

_ يا إلهي! بتلك السرعة؟


أومأت بحماس وقالت:

_ ألسنا بعصر السرعة؟!


مط شفتيه بإعجاب وقال:

_ أنتِ محقة! وما رد فعل والديكِ؟


_ صراحةً موقف أبي هو ما أثار دهشتي، أبدى دعمه لي وإعجابه بشجاعتي، على عكس والدتي التي كان كل ما يشغلها كلام الناس وماذا سيقولون.


_ لا تبتئسي كهرمانة، في كل الأحوال رضا الناس غاية لا تدرك فلا تهتمي، فحياة يقودها عقلك أفضل بكثير من حياة يقودها كلام الناس.


أومأت بابتسامة وقالت:

_ معك حق.


ابتسم بدوره وقال بصلافة وغرور قاصدا استفزازها:

_ أعلم ذلك.. على كل حال هذا خبر سار والله .. هنيئا لكِ يا كهرمانة، تستحقين رجلا مثاليا لا تشوبه شائبة ، وسيكون محظوظا أكيد لأنه سيحصل على جوهرة عائلة الحداد، صاحبة السمو الأميرة حياة.


ضمت شفتيها ورفرفت بأهدابها في حركة ساخرة أضحكته وهي تقول:

_ أنت محق، يالا سعدهُ وهناه من يتزوج من شابة لديها سجلا حافلا بالمميزات مثلي.. ترى قاسم هل من الممكن أن أجد ذلك المثالي الذي يستحقني؟


أومأ ببساطة قائلا:

_ بالتأكيد ستقابلينه، طالما أن هناك الكثير ممن لديهم سيئات مهولة ويحتاجون لمن تكفر سيئاتهم تلك فلا تقلقي، سيأتيكِ زاحفًا سمو الأميرة.


نظرت إليه بغيظ وحنق يملؤها وقالت:

_ إذًا رزقك الله بمن تكفر سيئاتك سيد قاسم.


عبث بشعره بخيلاء وقال:

_ آمين.


نهضت وهي تقول:

_ حسنا يا مغرور، وددت أن أشاركك فرحتي ليس أكثر.. والآن سأطير.


ابتسم مشاكسا وقال:

_ تعلمتِ الطيران أيضا؟ هذه ميزة تُضم لسجلك الحافل بالمميزات الذي سنقدمه للرجل كثير السيئات الذي سيأتيكِ زاحفًا.


التقطت زجاجة مياة كانت موضوعة فوق الطاولة وألقتها بوجهه فاصطدمت بأنفه فجأة مما أثار جنونه فنهض مسرعا ولكنها ركضت للخارج وفرت هاربة.


ظل قاسم ينظر في أثرها بحنق وهو يلمس أنفه بضيق وما لبث أن تحول ضيقه إلى ابتسامة وهو يقول:

_ تبا للذاذتكِ.


///////////////////


في المساء..


دخلت عنبر لغرفتها فرأت زوجها يقف أمام المرآة يستعد للخروج، فوقفت أمامه تطالعه بتعجب وقالت:

_ هل ستخرج اليوم أيضا مع رفاقك؟


_ أجل، هل لديكِ مانع؟


_ بالتأكيد لا، لست مولعة بالبقاء قربك أساسا، ولكن على الأقل لا تعاملني معاملة السجناء وتوصد الباب بالمفتاح.


أجابها وهو ينثر عطره الفواح:

_ هذا الأمر مفروغ منه، فلا تتحدثي فيه ثانيةً.


نظرت إليه بحدة وقد استشاطت غضبا وهي تقول:

_ تلك المعاملة ليست آدمية بالمرة، كيف تقدم على حبس زوجتك بذلك الشكل؟ هل تعلم أن والدي لو علم بالأمر لن يسمح لك بذلك أبدا؟


نظر إليها ببرود قاصدا استفزازها وقال:

_ والدك يعلم أنني محق فيما أفعله، لأنه يعلم أن ابنته ليست أهلا للثقة.


نظرت إليه بصدمة فقال:

_ ماذا عزيزتي؟ هل أخطأت في حقك لا سمح الله؟ 


وأمسك برسغها بقوة وهو يهمس بهمسٍ كالفحيح ويقول:

_ وإلا أخبريني ما سبب الشجار الذي دار بينكِ وبين والدك وبسببه أمر والدتك ألا تغفل ولا تتوانى عن مراقبتك؟ ما الذي فعلتِه يا زوجتي المحترمة؟!


نزعت رسغها من بين قبضته بقوة وقالت: قلت لك سابقا كان مجرد شجارا بيني أنا وأختي ووالدي انفعل علينا اثنتينا، وأمر أمي بمراقبة حياة ومنعها من الخروج وليس أنا، ولكن الواشي البغيض ابنك لم يفهم مقصد جده وظن أن هذا الكلام كان موجها إلي.


أومأ بغير تصديق وقال:

_ للأسف عنبر ليس لدي خيارًا آخر سوى تصديقك، ولكن أقسم لكِ إن ثبت عكس ما تقولينه لن يكفيني قتلك.


نظرت إليه بفزع فقال بنبرة تهديد سوداء:

_ ليس عبدالله الحداد من يصبح ديوثًا على آخر الزمان! إن اكتشفت أنكِ أقدمتِ على تدنيس اسمي وشرفي ستذوقين ألوان العذاب التي نسيتِها. واعتبري هذا تحذيرا أخيرا.


وتركها وخرج، ثم أوصد الباب من الخارج.


في تلك اللحظة خرج ابنها من غرفته وهو يقول:

_ أمي لقد فرغ شحن جهاز الأيباد، أشعر بالملل.


نظرت إليه بضيق وفجأة جذبت أذنه بين إصبعيها وهي تقول بغل:

_ أيها الواشي الحقير ماذا قلت لوالدك؟


أمسك بيدها يحاول دفعها بعيدا عنه وهو يقول بألم:

_ آاااي… صدقيني أمي لم أقل شيئا ، اتركي أذني أرجوكِ. أذني تؤلمني بشدة أرجوكِ.


ابتعدت عنه بغضب وقالت بتحذير ولهجة صارمة:

_ أقسم بالله يا كريم إن علمت أنك فتحت فمك بنصف حرف مرة أخرى سيكون عقابك عسيرا.


أجابها الطفل وهو يبكي ويمد كفيه أمامه في دفاع عن نفسه:

_ حسنا.


_ إن سألك أبيك عن شيئا مرة أخرى ستخبره أنك لم ترَ ولم تسمع شيئًا وإلا سأقطع عنقك، هل فهمت؟


_ فهمت.. فهمت حسنا.. 


وصرخت به قائلة:

_ هيا اغرب عن وجهي الآن.


فجأة هرول إلى غرفته مرة أخرى وجلست هي تبكي بقهر.


//////////////


خرج متجها لسيارته، استقلها وانطلق إلى بيت سماهر بشوق، ولم ينسَ أن يمر في طريقه إلى نفس متجر الورود ويشتري باقة ورد ثانية مع نفس الهدية التي ابتاعها بالأمس.


وصل أمام البيت، فقام بالاتصال بها وأخبرها أنه بالخارج، فأخبرته أنها ستفتح له الباب بنفسها.


وقفت سماهر أمام المرآة المجاورة للباب تعدل فستانها الحريري الطويل، الذي يصل طوله لآخر قدميها، لم يكن مكشوفا أو عاريا ولكنه كان يظهر منحنيات جسدها بشكل مثير، وكانت قد تعمدت ارتدائه كي تثير شغفه به أكثر، فهي خبيرة في مثل تلك الأمور وخاصةً إن كان الأمر يتعلق بإيقاع رجل في مصيدتها، حينها تعرف كيف تزاوله وتتبع الخطوات بتمهل حتى يقع صريعا لهواها في النهاية.


فتحت الباب وهي ترسم ابتسامة مشرقة على ثغرها الشهي، فظهر عبدالله الذي كان يحضر في أبهى صورة، يحمل باقة الورد بيده وباليد الأخرى الهدية.


_ تفضل عبدالله.


دخل عبدالله مبتسما وقال:

_ مساء الخير حلوتي .


ابتسمت وقالت:

_ مساء النور، لمَ كلفت نفسك؟ لا ينقصني هدايا صدقني..


أصابته كلماتها بالإحباط ولكنه قال بإصرار:

_ أعرف، ولكن هدية عبدالله الحداد مختلفة.. فمن فضلك لا تضعيني موضع مقارنة أبدا.


ابتسمت واتجهت معه نحو  الصالون وهي تقول:

_ أنا آسفة لم أقصد مضايقتك، تفضل.


جلس فجلست على المقعد المقابل له وقالت:

_ أخبرني عنك، كيف حالك؟


نهض من مقعده واتجه للمقعد المجاور لها فجلس عليه وقال بابتسامة:

_ في الحقيقة لم أكن بخير أبدا قبل أن ألقاكِ، ولكن بعد أن رأيتك أصبحت بخير ومزاج جيد .


ابتسمت وقالت:

_ ألم أقل أنك تحترف إلقاء الكلام المعسول! خسارة كبيرة أن رجل مثلك لم يتزوج بعد!


ابتسم وقال:

_ ومن قال ذلك؟ أنا متزوج بالفعل ولدي ابن!


تصنعت الصدمة وقالت:

_ حقا؟ صراحةً لقد صدمتني صراحتك ووضوحك.


ابتسم وهو يقترب منها أكثر وقال:

_ حقيقةً أنا كذاب فاشل، خاصةً لو ثملت ، لذلك اعتبريني كتاب مفتوح أمامكِ، اسألي ما شئتِ سأجيبك.


ضحكت وهي تقول:

_ وما الذى ألقى بك على بابي أيها الكتاب المفتوح ؟ ألن تغضب زوجتك وتثور عند معرفتها بأن زوجها يتردد على بيت امرأة أخرى؟


_ وكيف ستعرف؟ ثم أن آخر همي هو غضبها أو رضاها.. عبدالله الحداد يفعل ما يحلو له ولا ينتظر إذنا من أحد.


مطت شفتيها بإعجاب وقالت:

_ حسنا، أصبح بإمكاني تحليل الموقف بسهولة، أنت وزوجتك لستما على وفاق، أليس كذلك؟


_ بلى. 


همهمت وقالت:

_ حسنا، قبل أن يأخذنا الحديث ، ماذا تشرب؟


ابتسم وهو يطالعها بنظرات مفترسة تعرفها جيدا وقال:

_ كما تشائين أنتِ، أنا من يدِك هذة ليدك تلك.


///////////


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية 

reaction:

تعليقات