Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثالث عشر 13 - بقلم نعمة حسن

 رواية حب فى الدقيقة تسعين الفصل الثالث عشر 13 - بقلم نعمة حسن 

_ ١٣ _


~  موعد مع الأفعى! ~

________________


كانت تستلقي بفراشها والجميع حولها ينتظرون استفاقتها، لا سيما زوجها الذي ينتظرها بفارغ الصبر وهو يتوعدها في قرارة نفسه بأشد العذاب!


بدأت بفتح عينيها بتعب ونظرت حولها وهي تمني نفسها أن ما رأته كان كابوسا والآن ستفتح عينيها ولن تجد ما حدث حقيقيا، ولكن خابت آمالها وتحطمت عندما استمعت لصوتهُ المُقبض يقوله:

_ هل أفقتِ عزيزتي؟ 


نظرت إليه بصمت وهزت رأسها بتشوش فقال وهو يمسك بيديها:

_ أعلم أن المفاجأة كان لها وقعًا شديدًا عليكِ.


ثم ضغط على أناملها بقبضته وهو يقول بصوت أكثر حدة:

_ ولكنكِ لو كنتِ أتيتِ للمحكمة لما تفاجئتي وسقطتِ أرضا كما حدث الآن.


حينها برز صوت صفية التي تراقب المشهد بتوجس وقالت:

_ اعذرني بني، أنا من طلبت منها ذلك، كانت قلقة جدا بشأنك وانخفض ضغطها حتى أن..


وابتلعت ريقها بوجل وأكملت :

_حتى أن حرارتها ارتفعت وشعرت كأن قدماها لم تعد تحملانها، لذلك طلبت منها أن تبقى هنا، بالإضافة لأننا جميعا ذهبنا للمحكمة فمن كان سينتظر برفقة كريم؟


هز رأسه بتمهل وهو لايزال ممسكا بأناملها الرقيقة بكفه ويضغط عليها قاصدًا إيلامها وقال بنبرة متلاعبة:

_ حقا؟ هل كنتِ خائفة من أجلي لتلك الدرجة؟


أومأت بصمت وهي تشعر كأنها ستسلم روحها من شدة الخوف، نهض عبدالله وفجأة وجدت نفسها ترتفع من فراشها وهو يحملها على ذراعيه ويسير بها متجها للخارج وهو يقول مبتسما بفظاظة:

_ اعذرني عمي، لقد اشتقت لزوجتي ولا أطيق الصبر، نحن نستأذن.


طالعهُ عمه بنفور ولم يرد عليه وخرج عبدالله وهو يحمل عنبر التي كانت تغمض عينيها بأسى وخوف من اللحظات القادمة.


////////////


كان قاسم قد قام بتحضير الغداء ووضعه فوق طاولة المطبخ، ثم نادى قائلا:

_ هيا صبر، الغداء جاهز.


صدح صوت صبر من الخارج حيث كان يجلس بغرفة المعيشة وهو يقول:

_ أريد تناول الطعام هنا وأنا أشاهد الكرتون.


حمل الطعام ونقله لغرفة المعيشة نزولا عند رغبة الطفل ووضعه على الطاولة أمامه وهو يقول:

_ أول وآخر مرة، من الآن فصاعدا سيكون الطعام بالمطبخ فقط.. فهمت؟


أجابه وهو منشغلا بشدة في مشاهدة الكرتون:

_ حسنا.


نظر قاسم إلى حيث يتطلع هو ثم قال:

_ ما هذا؟ هل تشاهد الكرتون؟! أخيرا وجدت دليلًا واحدًا يثبت أنك طفل ولست كهلًا يعاني من التقزم.


وضحك بشدة بينما طالعه صبر من أعلى لأسفل بنظرة ازدراء استفزت قاسم كثيرا فأخذ يتمتم:

_ يا إلهي، هذا الطفل العجوز يكاد يخرجني عن شعوري.


بدأ قاسم بتناول طعامه وهو يشاهد الكرتون مثلما يفعل صبر ثم قال:

_ ما رأيك أن تحدثني عن نفسك؟


أجاب وهو يتطلع للتلفاز بانتباه:

_ لا كلام على طعام، هكذا كان يقول أبي.


نظر إليه قاسم وابتسم ثم قال:

_ هل تحب أباك؟


أجابه صبر وهو لازال ينظر إلى التلفاز:

_ أنت هل تحب أباك؟


_ بالطبع أحبه.


_حسنا وما الذي يميزك عني كي تحب أباك وأنا لا أحب أبي؟!


حك قاسم ذقنه وهمس مستغفرا وقال:

_ ما تلك البلوة التي بَلوتَ نفسك بها يا قاسم؟


ارتفع رنين جرس الباب فجأة فنظر صبر إلى قاسم وقال:

_ هل أتى أبي؟ هل جنى المال بتلك السهولة وعاد؟


تنهد قاسم بضيق ونهض متجها نحو الباب وفتحهُ ليرى حارس العقار وقد أحضر بعض الأغراض التي طلبها منه قاسم ويقول:

_ مساء الخير سيد قاسم، لقد أحضرت كل ما طلبته وهذا هو الرقم الخاص بالسوبرماركت، إذا أردت أي شيء يمكنك الاتصال به وسيصلك طلبك في الحال.


تناول قاسم الأغراض منه وقال:

_ شكرا لك راضي، تفضل هذة من أجلك.


وهمّ بفتح الباب ولكنه توقف عندما رأى سيدة شابة جميلة، هيفاء الطول، ترتدي تنورة سوداء ضيقة وسترة بنفس اللون تعلو قميصًا أبيضًا. كانت تلك السيدة تقترب منه وهي تبتسم ثم وقفت أمامه مباشرةً وقالت:

_ مرحبا.


مدت يدها فمد يده يصافحها وقال:

_ مرحبا.


_ أنا مدام فريال جارتك بالطابق العلوي.


_ أهلا وسهلا، وأنا قاسم.


_ أهلا بك قاسم.


ثم ابتسمت بتألق وقالت:

_ اعذرني لقد رفعت التكليف بيننا فنحن أصبحنا جيران.


أومأ وقال بتهكم خفي:

_ صحيح ،ولا يوجد تكليف بين الجيران.


_ أنت محق، يمكنك أن تناديني فُلة إذا أردت.


ابتسم بحرج وقال:

_ لا، مدام فريال أفضل.


اهتزت ابتسامتها بحرج وقال:

_ حسنا، كما تشاء. على كل حال لقد سعدت جدا أنه أصبح لي جيران بالعمارة ،

أساسًا لا يوجد غيرنا في العمارة.


رفع حاجبيه بإدراك وتوتر وفجأة ظهر صبر وهو يلكزه بقدمه وينظر للشابة ويقول:

_ كيف لا يوجد غيركما بالعمارة؟ وأين ذهبت أنا؟


ابتهج وجه قاسم الذي شعر أن صبر قد أنقذه من ذلك الموقف المحرج وقال وهو يطالع الأخرى بابتسامة رسمية:

_ أعرفك، صبر.


نظرت إليه فريال وقد خاب أملها وقالت:

_ هل أنت متزوج؟ 


هم بالإجابه ولكن صبر سبقه وقال:

 _ نعم، متزوج.


_ وهل أنت ابنه؟


للمرة الثانية كان بصدد الرد ولكن صبر قاطعه مجددا وقال:

_ نعم أنا ابنه.


نظر إليه قاسم بصدمة وقال:

_ لا، هو ليس ابني.


وقف الطفل أمامه متصنعا الصدمة وهو يقول:

_ لست ابنك ؟ هل تتبرأ مني أبي؟


حملق به قاسم بدهشة وأخذ يبحث عن كلام يقوله ولكنه لم يجد ووقف عاجزا عن الرد أمام ذلك الطفل الطفرة!


ابتسمت فريال بتوتر وأخذت تنظر إليهما بريبة وقالت:

_ حسنا، على ما يبدو أنني تحدثت كثيرا، عن إذنكما.


انصرفت فصفق قاسم الباب ونظر إلى صبر بعينين تبرقان بالغضب فإذ بالطفل يركض تجاه غرفته فجأة وأوصد الباب خلفه. 


وقف قاسم متخصرا بيديه وهو ينظر للغرفة المغلقة التي يختبئ بها صبر وقال:

_ هذا الطفل سيصيبني بنوبة قلبية حادة قريبا.


واتجه نحو الغرفة وطرق الباب وقال:

_ لا تخف، لن آكلك، لقد امتنعت عن أكل الأطفال منذ سنين عديدة ، هيا اخرج لتكمل غداءك.


فتح صبر الباب بتمهل وأطل برأسه من خلف الباب كالفأر المذعور فضحك قاسم قائلا:

_ قلت لك لا تخف، هيا لتكمل غداءك ونذهب للطبيب.


عادا وجلس صبر فوق الأريكة كما كان وجلس قاسم على الأرض وأسند ظهره على الأريكة وأخذا يتابعان الكرتون بصمت.


_ لمَ لم تقم بطهي النقانق جيدا؟ 


تساءل صبر بهدوء فقال قاسم يناقشه بهدوء:

_ أليس مطهوًا كما يجب من وجهة نظرك ؟


هز رأسه بنفي وقال:

_ لا، لم تقم بتسويته، يمكنك دق المسامير بواسطته.


دق جرس الباب مرة أخرى فنظرا لبعضهما البعض فقال صبر:

_ هل هي جارتنا الطويلة؟


رفع كتفيه كدلالة لعدم معرفته وقال: 

_ لا أعرف، هيا قم وافتح الباب.


تحدث باستنكار قائلا:

_ أنا من سأفتح الباب؟ 


_ وما الذي يمنع؟ هيا قم واعمل لأجل لقمة عيشك.


نظر إليه الولد نفس نظرته المستهزءة وذهب ليفتح الباب فوجد شابة جميلة أيضا ولكنها قصيرة، طالعته الشابة باستغراب وقالت:

_ من أنت؟


طالعها بنفس النظرة وقال:

_ من أنتِ؟


_أنا حياة، وأنت؟


_ أنا صبر.


ومد يده يصافحها وهو يقول:

_ مرحبا حياة.


_ مرحبا صبر، ماذا تفعل هنا؟


_ أنا ابن صاحب تلك الشقة!


جحظت عيناها بصدمة وشهقت بفزع وهي تقول:

_ ابن من؟ ابن صاحب الشقة؟ 


وقتها صدح صوت قاسم من الداخل يقول:

_ من بالباب يا صبر؟


اندفعت حياة للداخل فجأة كالعاصفة الهوجاء وهي تقول بانفعال:

_ أيها المحتال الجبان!!


نظر إليها قاسم متفاجئا وقال:

_ حياة!!


_ نعم حياة سيد قاسم.


_ كيف جئتِ إلى هنا؟


قالت بصوتٍ ساخر:

_ لم آتي، الله هو من أرسلني لأكتشف حقيقتك التي تخبئها عن الجميع.


قطب جبينه متعجبا وقال:

_ أي حقيقة؟ أنا لا أفهم شيئا!


أشارت لصبر الذي يقف بجوارها وقالت:

_ هذا الأزعر !


تحدث صبر بعصبية وقال:

_ لستُ أزعرًا.


أشار إليه قاسم قائلا بنفاذ صبر:

_ اصمت قليلا من فضلك.. 


ونظر إلى حياة وقال:

_ لا أفهم ما تقصدين، إذا تكرمتِ وأخبرتِني ما الذي تقصدينه مباشرةً سأكون ممنونا للغاية.


نظرت إلى صبر مرة أخرى وقالت:

_ إلى متى كنت ستخبئه؟ ما شاء الله قد أصبح طوله نفس طولي ونحن لا نعرف عنه شيئا!


تمتم مستغفرا ومسح وجهه بغضب ونفاذ صبر ثم نظر إلى صبر بتوعد وقال:

_ أنت يا قصير ماذا قلت لها؟


أجاب صبر ببراءة لا تلائمه أبدا وقال:

_ قلت لها الحقيقة، أنني ابنك!


حدق به قاسم بدهشة ونظر إلى حياة التي وضعت يديها بخصرها بتحفز وطالعته بنظرة ذات مغزى فقال:

_ يا إلهي، ماذا فعلت؟ 


تحدثت حياة بانفعال وأخذت ترغو وتزبد في وجهه وتقول:

_ هذا القصير متى أنجبته ها؟ لقد كنت مسجونا لعشر سنوات! هذا من أين أتى لا أفهم!


أجابها قاسم حانقا:

_ استمري عزيزتي تبلين حسنا، أشعر ببصيص أمل في اكتشافك الحقيقة بنفسك إذا استمر رأسك السميك هذا في التفكير بتلك المنطقية.


واتجه نحو صبر الذي انكمش حول نفسه كالأرنب، ثم حمله من ملابسه وألقاه على الأريكة بخفة وقال:

_وأنت توقف عن إخبار الجميع بتلك الحماقات.


طالعه صبر مغتاظا وقال:

_ ظننت أنها إحدى الجارات المتطفلات مثل جارتنا الطويلة التي كانت تتحدث إليك قبل قليل، ما ذنبي أنا؟!


قضمت شفتيها بعصبية وأخذت تهز قدميها بضيق وهي تقول:

_ وما قصة الجارة الطويلة تلك؟ 


ورفعت يدها إلى جبهتها وهي تقول:

_ يا إلهي، أشعر وكأني أتعرف إليك للمرة الأولى، لديك طفل، وتتعرف إلى الجارات الحسناوات وتصادقهن وتواعدهن وتلاطفهن…


هدر بها قاطعا سيل توهماتها وقال:

_ حيــــاااة، كُفي عن هذا الهراء واتبعيني.


سار تجاه المطبخ فتبعته بوجل وهي تتمتم:

_ يا إلهي، كيف يسير بتلك الشقة بدون خريطة!


رأته يقف يطرق الأرض بقدميه بعصبية فوقفت أمامه وقالت:

_ أفندم أيها الرجل الغامض! ماذا تريد؟ كيف ستبرر ما فعلته؟


اقترب منها بتمهل وعيناه لا تفارق عيناها بنظرة متمهلة وهو يقول: 

_ ماذا فعلت ها؟ 


أجابت بخوف وهي تزدرد لعابها وتشير للخارج:

_ الولد.. ابنك 


_ تبًا.


أغمض عينيه وملأ رئتيه بشهيقٍ طويلٍ وقال:

_ اسمعيني حياة، ما سأقوله الآن، لن أقوله ثانيةً، الولد ليس ابني، لم أتزوج فكيف سأنجبه؟ عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مثلا؟ هذا أولا.. أما ثانيا، تلك الجارة.. 


قاطعته عندما أشارت بعينيها للأعلى وقالت بخفوت:

_ الطويلة؟


أجاب بنفاذ صبر وايجاز:

_ أجل، تلك الجارة الطويلة التي لم أرَ في حُسنها من قبل..


ومسح وجهه بغضب وحيرة وهو يقول:

_ يا إلهي لا أعرف لمَ سأبرر لكِ من الأساس! اسمعيني حياة، لا تبني أوهاما وتصدقيها، يكفيني ما أنا فيه، ثم ما الذي ألقاكِ على بابي في هذه الساعة؟ ومن أين عرفتِ العنوان؟


أجابت ببساطة:

_ ذهبت للمعرض وسألت العامل عنك فقال أنك غير موجود فسألته عن عنوان بيتك فأعطاني إياه، هذا كل ما في الأمر.


ضحك ساخرا وقال:

_ ما شاء الله ، ذهبتِ وسألتِ عني العامل فأعطاكي عنواني! بكل سهولة! 


_ أجل، وما الصعب في ذلك إذا؟


_ ستعرفين ما هو الصعب الآن!


أمسك هاتفه وقام بالاتصال بالعامل لديه بالمعرض وقال مباشرةً:

_ أنت مفصول.


نظرت إليه حياة بصدمة وقالت:

_ يا مجنون! ماذا فعلت؟؟ هل فصلتهُ لأنه أخبرني عن عنوانك؟ لا أصدق أذناي!


_ والآن، تفضلي عليك بإخباري السبب وراء زيارتك الكريمة!


_ جئت لأخبرك أن عبدالله حكم له بالبراءة.


أجاب ببرود:

_ هنيئا لكم إذا


_ وكأنك لست متفاجئا ؟


_ ولم عليّ أن أتفاجأ؟ هل أنا أدرى من القاضي مثلا؟


قطبت جبينها باستغراب وقالت:

_ وكأنك سعيدا لأنه خرج!


جذب شعره بأصابعه وقال:

_ ولمَ سأكون مسرورا؟ هل هو زوجتي؟ بربك حياة لدي ما هو أهم من عبدالله ومشاكله.


عادت تنظر إليه باستشفاف وقالت بلهجة العارف:

_ وكأنك وراء براءته تلك؟


طالعها بتهكم وقال:

_ وكأنكِ جئتِ لتحققين معي؟ هيا أسدي لنفسك معروفا واذهبي. لدي موعد مع الطبيب.


قالت بقلق يشوبه الفضول:

_ لماذا؟ هل أنت مريض؟


هز رأسه بضيق وقال:

_ أجل، للأسف قبل مجيئك بدقائق كنت رجلًا بصحة جيدة ولكن دوام الحال من المحال في حضورك أنتِ بالذات!


ضيقت عينيها بشك وقالت:

_ إذا ما قصة ذلك الأزعر؟


نظر إليها مستجديا بجدية وقال:

_ حياة بالله عليكِ لستُ متفرغا حقا كي أجيب تساؤلاتك وأرضي فضولك، صبر لديه موعد مع الطبيب ولا يجوز أن نتأخر.


_ هل هو مريض؟


مسح وجهه مرة أخرى وأضاف بتعب:

_ أجل، مريض لوكيميا.


شهقت بألم وامتلأت عيناها بالدموع فجأة وقالت:

_ يا إلهي! 


_ هلا سمحتِ لنا بالذهاب الآن؟ أعدك أنني سأخبرك بكل شيء في وقت لاحق.


نظرت إليه بتوسل وقالت:

_ هل يمكنني الذهاب رفقتكما؟ أرجوك.


أومأ بتعجل وهو يخرج من المطبخ وهي تتبعه كالعلقة:

_ حسنا، هيا بنا.


////////////////////


كانت عنبر تقف بالحمام ترتدي مئزرها وتستند بكفيها إلى الحوض وهي تتطلع بالمرآة بخوف، حينها طرق عبدالله الباب وهو يقول:

_ عنبر، لمَ تغلقين الباب من الداخل، أنا زوجك إذا كنتِ لا تعلمين! هيا أخرجي.


سحبت شهيقا طويلا ملأت به رئتيها وفتحت الباب ثم خرجت وهي تنظر إليه بوجل فقال:

_ هل سأنتظر أسبوعين إضافيين لحين خروجك من الحمام؟ 


وهمّ بتقبيلها فجأة وهو يقول:

_ أشتاقك حلوتي.


مالت بجسدها للجهة الأخرى في ردة فعل عفوية لجسدها النافر فقال:

_ ما بكِ؟ 


اهتز صوتها وارتجفت وهي تخبره:

_ لا شيء ولكن، أشعر بأني متعبة!


مال عليها مرةً أخرى وهو يقول:

_ حسنا وأنا متعب أكثر منكِ..


ابتعدت للخلف فجأة وقالت بتوتر:

_ أرجوك عبدالله امنحني بعض الوقت!


حرر شياطينه الكامنة بداخله وقال: 

_ أمنحكِ بعض الوقت لأجل ماذا؟ هل تظنين نفسك عروسة بليلة زفافها؟ 


وهدر بها بعصبية كان يكبتها بصعوبة:

_ ماذا بكِ عنبر؟ أساسا أنا لم أستسِغ فكرة عدم مجيئك للمحكمة، وكأنكِ كنت تظنين أنني سأحكم عشر سنوات مثلا، ولم تفُتني صدمتك وإغمائك عندما رأيتِني، وكأنكِ كنتِ تأملين غير ذلك!


هزت رأسها بنفي وقالت:

_ لا، ليس كذلك صدقني..


_ إذًا كيف؟ أخبريني عنبر ماذا حدث في غيابي؟ 


حملقت به باستغراب وتوتر ما لبث أن ازداد عندما اقترب منها بنظرته المخيفة وقال:

_ أخشى أن تكون زوجتي المصون قد فعلت شيئا يثير غضبي!


أخفضت ناظريها أرضا وقالت بنبرة مرتجفة:

_ ما هذا الهراء، كيف تجرؤ على اتهامي بتلك الطريقة.


أمسك برسغيها بين قبضتيه بقوة آلمتها وقال:

_ أنا لم أتهمك زوجتي العزيزة، أنتِ من تظنين كلامي اتهاما.


شعرت أنها ستفقد وعيها للمرة الثانية وسالت دموعها وهي تقول:

_ أرجوك عبدالله، أشعر بالدوار يلف رأسي.


ألقاها بنفور على الفراش من خلفها وتركها وخرج وهو يتمتم:

_ لا بد أن أعرف لماذا سجنتني ولماذا برأتني أيها الحقير!


_______________


كان الصمت يعم الأجواء، قاسم يصب تركيزه على الطريق من أمامه، وحياة تجلس بجواره شاردة تفكر في أمر الطفل وهي تشعر بأن قلبها يكاد أن يتمزق من فرط حزنها من أجله، والصغير قد غفا بتعب.


توقف قاسم أمام مركز الطبيب، نزل ومعه كل أوراق التحاليل والأشعة الخاصة بحالة صبر التي كان والده قد أعطاها له. ونزلت حياة ثم استدارت للمقعد الخلفي وأيقظت الطفل واتجهوا للداخل.


صافحهم الطبيب بود، ثم دعاهم للجلوس، وبعد الترحيب قدم قاسم إليه أوراق التحاليل والأشعة وقال:

_ بالأمس قام سيد أكثم وصيف بالاتصال بحضرتك وأخبرك أني سآتي إليك من طرفه .


_ أجل، أكثم ابن خالي، وهو أخبرني بحالة الطفل أيضا وبظروفه…


أومأ قاسم مؤكدا فقال الطبيب:

_ حسب رؤيتي للتحاليل والأشعة فإن الطفل يحتاج للعملية في أقرب وقت! ولحسن حظ الطفل يوجد متبرعًا مستعدًا لإجراء العملية في أي وقت.


نظر قاسم إلى حياة وابتسما بأمل فقال:

_ غدا إن شاء الله ستأتي وبرفقتك الطفل طبعا وسيتم إجراء بعض الفحوصات اللازمة قبل العملية وفور التأكد من سلامة كل شيء سنقوم بإجراء العملية فورا.


أومأ قاسم موافقًا وقال:

_ كم تبلغ تكلفة العملية؟


تنهد الطبيب بعملية وقال:

_ أكثم أخبرني أنه سيساهم بنصف مليون جنيه من تكلفة العملية، ومن جهتي أنا متنازل عن أجري وسأقوم بإجراء العملية مجانا..


ابتهج وجه قاسم الذي قال:

_ هذا نبلًا منك أيها الطبيب.


_ ما سيتبقى من نفقات العملية حوالي سبعمائة وخمسين ألف جنيها!


سقط فم حياة أرضا من هول الصدمة على عكس قاسم الذي كان على علم مسبق بما قاله الطبيب لأن أكثم كان قد وضح له كل شيء عندما أخبره بأمر الطفل.


أومأ قاسم موافقًا وقال:

_ حسنا، سيكون المبلغ جاهزا قبل دخوله غرفة العمليات إن شاء الله.


_ إن شاء الله.


نهض الطبيب وتصافحا، ثم غادروا متجهين نحو السيارة.


كانت حياة لاتزال تحت تأثير الصدمة فقال قاسم مستغربا:

_ ما بكِ حياة؟ لقد نسيتِ فمك مفتوحا؟


نظرت إليه بصدمة وقالت:

_ من أين ستحصل على ذلك المبلغ قاسم؟ إنه مليون إلا ربع المليون!


همس بثقة:

_ يدبرها الله.


ونظر إلى صبر في المرآة الأمامية وقال بمشاغبة:

_ ها يا بطل؟ لمَ أنت صامت هكذا؟


نظر إليه صبر بطفولة بريئة وقال:

_ أخشى أن أموت في غياب والدي!


كان لأثر الكلمة وقع الموت على قاسم، انقبض قلبه وتبدلت ملامحه بثانية وانهزمت تعابيره أمام تلك الكلمات البريئة.


استدارت إليه حياة وأمسكت بيديه بكلتا يديها وقالت:

_ لا تخف يا حبيبي، إن شاء الله ستمر الأمور بخير وتتعافى، أين والدك ؟


_ أبي في رحلة.


لم تشفِ إجابته فضولها النهم ولكنها قالت:

_ حسنا، لا تخف، لن تكون وحدك، سأكون بجوارك، وعمك قاسم بالطبع سيكون بجوارك، أليس كذلك قاسم؟


ابتسم قاسم بحزن وقال:

_ بلى، سأكون بجواره طبعا وأعده بعد أن يتعافى أن أشترك له بالنادي كي يتدرب على لعب كرة القدم.


تحمس صبر قليلا وقال:

_ ولكني لن أنضم للنادي الأهلي.


ضحك قاسم قائلا:

_ كما تريد،ولو أني كنت أفضل أن تكون انتماءاتنا واحدة كي لا نتجادل كثيرا ولكن لك ما تريد.


ضحكت حياة وقالت:

_ ها يا صديقي، لم تخبرني بعد ما اسمك؟


_ صبر.


هزت رأسها بابتسامة وقالت:

_ صبري، اسم جميل يدعو للتفاؤل.


زفر بضيق وقال:

_ صبر، صبرررر… ليس صبري، اسمي صبر من ثلاثة حروف فقط!


تصنعت الخوف وهي ترجع برأسها للخلف وتقول:

_ حسنا حسنا، الأمر لا يستحق كل تلك العصبية، صبر وليس صبري ، صبر وليس صبري ، صبر وليس صبري ، ها قد رأيت؟ الأمر بسيط.. يمكنني أن أرددها عشر مرات كل يوم كي أحفظها.


ونظرت أمامها وهي تردد:

_ عجيب ذاك الصبر وليس بصبري!


كان قاسم يستمع إلى حوارهما بيأس وهو يشعر وكأن نقار الخشب ينقر برأسه وكاد أن يجن من فرط الانزعاج ولكنه آثر الصمت، حينها رن هاتفه برقم فتون فأجاب على الفور قائلا:

_ مساء الخير سيدة فتون.. حسنا سأصلكِ بعد نصف ساعة تقريبا، حسنا.. مع السلامة.


نظرت إليه حياة بطرف عينها وهي تردد بضيق:

_ يا إلهي، ذلك الرجل يستحق أن يكون بطل كتاب اسمه " نساء في حياة قاسم الحداد ".


ابتسم قاسم وقد أضحكهُ ما قالته وقال:

_ لقد سمعتك يا نمّامة.. لقد أصبحتِ تهذين كثيرا على ما يبدو..  اسمعي، سأقوم بتوصيلك أولا، ثم أقوم بتوصيل صبر للشقة، وبعدها سأذهب في موعد مهم.


لوت شفتيها بضيق وهمست:

_ موعد مع الأفعى!


طالعها بتحذير وقال:

_ حياة! كفاكِ نميمة.


تحدث صبر قائلا:

_ هل سأبقى بمفردي في ذلك الملعب خاصتك؟


تطلعت إليه حياة باهتمام وهتفت:

_ صبر محق، لا يجوز أن يبقى بمفرده، ما رأيك أن أبقى برفقته ريثما ينتهي موعدك مع الأفعى؟


تجاهل سخريتها قائلا:

_ حسنا سأتصل بعمي واستأذنه، ولكن حذاري.. إن عدت ووجدت الشقة مقلوبةً رأسا على عقب سأقطع رأسيكما وأعلقهما على الباب كما علقوا رأس طومان باي على باب زويلة.


تصنعت حياة الذعر وهي تنظر لصبر وهمست له:

_ دعك منه.


///////////////////


كان قاسم قد وصل ڤيلا سيد حبيب بعد أن أوصل حياة وصبر لشقته.


دخل فقادتهُ الخادمة للصالون الثاني ريثما تنتهي فتون من زيارة أخرى.


جلس في انتظارها ولكنه فورا استمع إلى صوت شجارهما الحاد وفتون تقول:

_ اعذريني سماهر ولكن حبيب إذا بلغه أني على علاقة بكِ أو بأي شيء يخص عملي القديم سيقتلني بدم بارد هذه المرة.


كانت الأخرى ترجوها وتقول:

_ أرجوكِ فتون، كل ما أحتاجه هو سبعين ألف جنيها كي أستطيع إدخال أخي المصحة! أرجوكِ ساعديني لقد ضاقت بي السبل ولا أجد أمامي سواكِ.


زفرت فتون بيأس وقالت:

_ صدقيني لن أستطيع ، أولا أنا لا أملك مالا تحت تصرفي، كل شيء تحت سيطرة مدير أعماله ، وبالتأكيد لو طلبت منه قرشا واحدا سيخبر حبيب قبل أن يعطيني إياه. صدقيني الأمر خارج عن سيطرتي.. أنا آسفة!


لم تجد الأخرى بدًا من التذلل إليها فلملمت ما تبقى من كرامتها المهدرة وغادرت وهي تبكي.


رآها قاسم عندما خرجت وتفاجأ كم أنها جميلة ولا تزال شابة وملامحها تتمتع بالعنفوان الأنثوي الجامح.


وفجأة وجد نفسه يركض خلفها وقد واتته فرصة من ذهب كي يحقق مراده، خرج وأخبر الخادمة أنه سيأتي في وقتٍ لاحق.


ركض خلف ضيفة فتون وناداها بخفوت:

_ أستاذة سماهر..


تطلعت خلفها فرأته وهو يحاول اللحاق بها فقالت بتعجب:

_ من أنت وماذا تريد؟ 


_ من فضلك تفضلي معي بالسيارة وعندها سأشرح لكِ كل شيء.


تعجبت طلبه في بادئ الأمر ولكنها انصاعت له في النهاية وركبت بجواره وقالت:

_ ها قد ركبت، أخبرني ماذا تريد؟


تنحنح بهدوء وقال:

_ لقد سمعت حواركِ مع سيدة فتون.


تنهدت بأسى وقالت:

_ أجل ،هل أنت عامل لديهم؟


_ يعني.. تقريبا.


_ وماذا تريد؟


_ سمعتكِ وأنتِ تطلبين منها مبلغا لأجل علاج أخيكِ المدمن.


هزت رأسها بأسى وقالت:.

_ أجل، شابًا في عمر الزهور، ثمانية عشر عاما وأصبح مدمنا.


حك ذقنه بتفكير قليلا ثم قال:

_ سأساعدك في علاجه 


نظرت إليه بلهفة وقالت:

_ حقا؟


_ أجل.


_ هل ستسطيع إعطائي المبلغ؟


_ إن شاء الله.


تنهدت براحة وقالت:

_ الحمد لله ، كنت أظنه حلما مستحيلا، في الحقيقة لا أعرف كيف يمكنني أن أشكرك.


ثم نظرت إليه بإدراك وقالت بشك:

_ ولكن في سبيل ماذا؟ هل ستساعدني بدون مقابل؟


ابتسم ببساطة قائلا:

_ للأسف، لا يوجد شيئًا بدون مقابل!


_________


يتبع

حب_في_الدقيقة_التسعين!


• تابع الفصل التالى " رواية حب فى الدقيقة تسعين  " اضغط على اسم الرواية 

reaction:

تعليقات