رواية ثأر الشيطان الفصل العاشر 10 - بقلم سارة بركات
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60].
ماتنسوش اللايك
الفصل العاشر
في دولةٍ أجنبية وفي قصرٍ ضخم تحيطه الأزهار الملونة والأشجار .. كان يسير بإتجاه باب الخروج ويحيطه رجاله الذين يحملون الأسلحة ولكنهم لم يكونوا أي رجال بل كانت فرقة خاصة مدربة جيدًا وتوجد أوشمة مرسومة على أذرعهم .. يرتدون زيًا أسود وعدسات شمسية سوداء يبدو على مظهرهم الهيبة وسبب تلك الهيبة هو الشخص الذي يسير في حمايتهم .. رن هاتفه بإستمرار التقطه يقوم بالإجابة على تلك المكالمة ولكنه لم يتحدث في بدايتها علا وجهة ابتسامة غامضة ثم أردف بلغة البلد للشخص الذي يتحدث معه. (الحوار مترجم إلى اللغة العربية الفصحى)
- سيأتي إلينا في النهاية.
ثم أغلق المكالمة وأشار لأحد الحرس بالإقتراب منه.
- نعم سيد فيليب؟
- بلغ الخادمات بأنه سيكون لدينا ضيفًا مميزًا عما قريب، اجعلهم يقوموا يتجهيز القصر جيدًا لاستضافته.
أومأ الرجل رأسه ثم ذهب ينفذ ما أمره به .. خرج الرجل مع رجاله وركب سيارته التي يقودها سائقه وتمتم بهدوء وثقه:
- سنلتقي قريبًا يا جواد.
..................................
كانت مستلقية على فراش السيد بهجت تحتضن إطار صورته وتنظر أمامها بشرود بأعين تائهة، لا تصدق أنه لم يَعُد موجود! .. كيف ستمر أيامها بدونه إذا مرت من الأساس؟ .. لقد أصبحت وحدها في هذه الدنيا .. ماتت والدتها منذ صغرها والآن والدها، كيف ستعيش؟ .. يوجد بقلبها ألم كبير، تشعر أنها لا تستطيع التنفس .. كان جواد مستندًا بجسده عند باب الغرفة يطالعها بحالتها تلك .. لا يعلم كيف يواسيها .. ظل هكذا لساعات منذ أن عادا من الجنازة .. لم تأكل ولم تشرب أي شئ منذ توفى السيد بهجت .. استفاق من شروده على صوت هاتفه الذي يعلن عن مكالمة واردة ... أجاب على الهاتف دون أن تبتعد عينيه عن شمس:
- معاك.
عقد حاجبيه وأردف بتعجب وهو يبتعد قليلًا عن الغرفة:
- سرطان!.
- مع الأسف الحالة كانت متأخرة واكتشفنا إن بهجت بيه كان عارف، البقاء لله يا جواد بيه.
- شكرا لحضرتك، تعبتك معايا.
أغلق المكالمة وتنهد بصعوبة، كيف لم يخبره بهجت بحالته تلك؟! .. كان دائمًا يحمل سر بهجت لما لم يخبره أنه مصاب بالسرطان؟! .. عاد للغرفة ووجد الخادمات يحاولن أن يطعمن شمس ولكنها أبَت .. دخل الغرفة وأردف:
- سيبوها.
خرجن من الغرفة؛ أما هو فقد اقترب منها يجلس على الفراش بهدوء ثم تحدث:
- إنتِ ما أكلتيش من امبارح وده هيأثر عليكي بالسلب.
أردفت بشرود:
- أنا عايزة أموت.
عقد حاجبيه يحاول أن يكون هادئًا بسبب حديثها ذلك يعلم أنها حزينة، ولكن كلمتها تلك آلمت قلبه .. لن يستطيع أن يعيش بدونها أبدًا، قام بملئ ملعقة من الطعام يقربها نحو فمها متحدثًا:
- كلي عشان تتغذي.
لم تُجِبه ولم تتحرك ساكنة .. وضع الملعقة جانبًا على صينية الطعام ثم أمسك بيدها:
- تفتكري إن باباكي هيكون مبسوط وانتي حالتك كده؟
- بابي مات، أنا مش قادرة أتخيل حياتي من بعده.
ثم هبطت عبراتها تبكي مرة أخرى على والدها وأردفت بألم:
- إزاي يعمل فيا كده؟ إزاي يمشي ويسيبني؟ .. أنا مش قادرة، أنا قلبي بيوجعني.
وضعت يدها على موضع قلبها ثم عادت تطالع جواد ببكاء ..
- سابني يا جواد، وهو أصلا وعدني إنه عمره ماهيسيبني.
كان يفصل بينهما مسافاتٍ بسيطة، كان مترددًا .. يتمنى لو يقوم بضمها بقوة بين ذراعيه يهشم عظمها .. لطالما تمنى أن تنعدم المسافات بينهما، يتمنى أن يتذوق تلك الشفاة وها قد آتته فرصته! كانا تائهين يطالعان بعضهما .. مسافات قليلة .. فقط متبقٍ مسافات قليلة بينهما ولكن جواد ابتعد عنها على الرغم من رفض قلبه واصراره على تكسير أضلعها بين ذراعيه .. أما بالنسبة لشمس؛ فقد كانت تائهة لم تنتبه تمامًا لما كان سيحدث هي فقط تشعر أنها تحتاج جواد بجانبها لكي تستند عليه، إنتبهت له عندما عاد يقرب الملعقة من فمها ولكنها تلك المرة قامت بفتح فمها باستسلام وأخذ يُطعِمها وبعد أن انتهى من إطعامها كانت هناك بقايا من الطعام بجانب فمها اقترب منها بهدوء ووضع يده على وجنتها الناعمة يتحسسها بلطف والتقط تلك البقايا بإبهامه، كانت تطالعه بهدوء وتسأل نفسها العديد من الأسئلة، كيف لم تنتبه أن جواد كان يتعامل معها هكذا قبل أن تتعرف على طليقها؟ .. من كثرة تدخله في حياتها كانت تراه مجرد متطفل في حياتها، كيف لم ترى تعامله اللطيف معها؟ .. حاولت أن تتذكر كل مافات من حياتها .. كان تعامله لطيفًا معها ولكنها من كانت تراه مستفزًا لأنها لم تكن تريده في حياتها، غبية شمس!، استفاقت من شرودها عندما سمعت طرقات باب غرفتها .. دخلت صباح الغرفة وأردفت بابتسامة عندما رأت جواد يحمل صينية الطعام:
- إزيك يا جواد بيه؟
أردف بابتسامة:
- إزيك يا صباح جيتي في وقتك، هسيبك أنا مع شمس شويه.
هزت رأسها وعند إقتراب خروجه من الغرفة همس لها ..
- حاولي تخرجيها من اللي هي فيه.
إبتسمت ابتسامة مطمئنة له ثم خرج من الغرفة؛ أما هي فقد جلست أمام شمس تطالعها بهدوء ..
- إزيك؟
أردفت شمس بشرود:
- الحمدلله.
ظلت صباح صامته ولكنها كانت تبحث عن أحاديث تتحدث بها معها لكي تخرجها من حالتها تلك، ولكنها لم تفعل أي شئ سوى أنها قامت بضمها بين ذراعيها .. أغمضت شمس عينيها وظلت تبكي لبعض الوقت على فراق والدها وكانت صباح تقوم بتهدأتها حتى نامت بين ذراعيها .. كان جواد يقف في باحة القصر وحوله رجاله يُملي عليهم ما سيحدث في الفترة القادمة حتى قطع تركيزه رنين هاتفه المستمر .. قام بالرد على الهاتف ..
- لقيناها.
إحتدت ملامح جواد وعاد لقسوته السابقة كأن هناك أحدٌ قد أعاد إشعال جرحه مرة أخرى، ولم ينتبه لعاصم الذي دخل القصر.
كانت صباح جالسة بجانب شمس النائمة في الفراش تربت على شعرها بهدوء .. ظلت هكذا بجانبها لوقت طويل وحينما ملت اعتدلت من الفراش وخرجت من الغرفة وأخذت تتمشى في القصر قليلًا حتى توقفت عند باحة القصر لمحت جواد يقف مع شابٍ ما يتحدثان، كان عاصم يتحدث مع جواد بخصوص ماتوصل إليه ..
- إللي حصل في الفترة الأخيرة يا جواد ده طلع وراه عصابة كبيرة أوي لامه من كل الجنسيات .. مش عارفين مين دول؟ أو إيه غرضهم بس الهدف المبدأي واضح وهو تجارة المخدرات والسلاح.
كان جواد يطالعه بهدوء وهو يستمع لحديثه .. انتبه لوجود صباح ..
- اتفضلي يا صباح، محتاجة حاجة؟
التفت عاصم للخلف ينظر لمن يتحدث إليها جواد، ثم عاد ينظر إليه مرة أخرى ..
- هبقى أكلمك على التليفون نكمل كلامنا ... البقاء لله.
هز جواد رأسه ثم خرج عاصم من القصر أما جواد كان يطالع صباح بهدوء ينتظرها أن تتحدث أو تبرر سبب وقوفها بباحة القصر ..
- أنا بس مليت وقولت أتمشى شويه في القصر.
هز جواد رأسه ثم تساءل:
- شمس فين؟
- نايمة فوق.
- حاولي تفضلي معاها الفترة دي، لإني هحتاج أسافر بره مصر كام يوم ومافيش غيرك أقدر أثق فيه في وجود شمس معاه، لو ينفع تباتي معاها الفترة دي يبقى تمام.
- بس بابا.....
قاطعها بهدوء:
- ماتقلقيش من جهة باباكي، أنا هكلمه.
هزت رأسها أما هو فقد تركها وذهب للغرفة التي يبقى بها وبدأ بتجهيز نفسه للسفر.
بعد مرور بضع ساعات:
استيقظت شمس من غفوتها واعتدلت وتفاجأت ببقاء صباح بجانبها نائمة في الفراش .. اعتدلت من فراشها وذهبت للحمام لكي تستفيق قليلًا ثم عادت لفراشها مرة أخرى .. سمعت صوت طرقات على الباب ثم دخلت الخادمات للغرفة يحملن الطعام لها ..
أردفت شمس باستفسار:
- جواد بيه فين؟
إستيقظت صباح على إثر سؤالها ذلك وأجابت بنعاس:
- سافر بره مصر.
تمتمت بشرود:
- إزاي يمشي ويسيبني لوحدي؟!
أردفت صباح تطمئنها قليلًا:
- هو قالي إن في حاجة لازم يسافر مخصوص عشانها وشوية وهيرجع.
..............................
في إحدى الدول الأجنبية كان جواد يقف أمام مصحة للأمراض العقلية .. كان عقله يرفض تمامًا أنه سيجدها هنا .. لا .. بالتأكيد ليست هي .. دخل المصحة ودخل بعضًا من رجاله خلفه والمتبقين توقفوا بالخارج .. توقف أمام غرفة بيضاء وقام بفتح بابها، وأشار لرجاله بالبقاء خارجًا، دخل الغرفة وأغلق الباب خلفه، كانت هناك سيدة تحتضن دُمية قطنية لدُّبٍ صغير وكانت تنظر أمامها بشرود وتدندن بنغمةٍ للأطفال .. دندنة .. أذنه تعرفها جيدًا دندنة يستطيع تمييزها من بين كل الدندنات في العالم! .. ذلك الدُّب القطني البُنِّي يتذكره جيدًا .. ظهرت أمامه صورة مشوشة لطفلٍ يصرخ وإمرأه تصرخ بإسمه "جواد" .. ويقع الدب من يدِ الطفل وصراخ المرأة يستمر، تقدم نحوها ببطئ يشعر أن الدُنيا تضيق به حتى توقف أمامها .. كانت سيدة ذات شعرٍ بني يتخلله بعض الشعيرات البيضاء .. بشرتها كانت بيضاء كالثلج .. سوداء العينين ولكن ملأتهما التجاعيد .. تلك الملامح لم ينساها أبدًا .. أيعقل أنه قد مر أكثر من ثلاثين عامًا؟! .. اقترب منها أكثر ولم يتحدث ولكنه ظل يطالعها، انتبهت على وجوده وتوقفت عن الدندنة وطالعته باستفسار وأردفت بلغة أجنبية:
- من أنت؟
اهتزت مقلتا جواد وهو يطالعها هكذا وهي لا تعرفه .. كيف؟
- سيدة آسيا؟
تحدثت بعدم فهم:
- نعم أنا، من أنت؟
- لقد تعاهدنا على اللقاء وها قد نفذت وعدي لكِ .. لقد سافرت حول العالم كله لكي أجدكِ حتى وجدتكِ.
ذلك ما أجابها به جواد .. ظلت تطالعه ولكنها أردفت:
- أنا لا أتذكر من أنت، هل التقينا قبلًا؟
تجاهل سؤالها ثم أردف وهو يشير إلى الدمية التي بيدها وهو يعلم الإجابة مسبقًا:
- دمية من تلك؟
- إنها لطفلي جواد.
التمعت عينا جواد وتمنى لو يقبل قدمها الآن ولكنه ظل ثابتًا وركع أرضًا وأمسك بيدها:
- هل تستطيعين تحدث العربية؟! هل تتذكرين مِن أين أنتِ؟
نظرت إليه قليلًا تحاول أن تفهم مايقول وشعرت بتشتت ..
- ابتعد عني، أنا خائفة.
التمعت عيناه ثم أردف بحب:
- لا تخافي مني .. أنا صديقٌ لجواد.
تحدثت بلهفة وهي تبحث عنه بعينيها حولها:
- هل أنت جاد؟ أين هو؟ ثم إنك كبيرٌ قليلًا على أن تكون صديقة .. إن بُني في الخامسة من عمره فقط.
ظل صامتًا يطالعها بحزنٍ يقسم أنه سيجعل من فعل بها هكذا يدفع الثمن غاليًا.
أردفت بتوسل:
- أَجِبني أرجوك، أين بُني؟ لقد أخذوهُ مني .. لقد أخفوه عني .. لم يتبقى لي إلا دُميَته، أين صغيري.
- إهدأي، هو بخير لا تقلقي سوف آخذكِ له، إنه بمصر ثم إنه دائمًا يخبرني أنه يشتاق إليكِ كثيرًا .. إنه يريد رؤيتكِ أكثر منكِ.
- إذا خُذني معك إلى مصر تلك لكي أضمه بين ذراعي.
هز رأسه بابتسامة ثم أردف:
- سوف أقوم بتجهيز إجراءات خروجكِ من هنا، وسنعود سويًا إلى مصر.
كانت تبكي وهي تطالعه ومن سعادتها قامت بضمه بقوة .. شعر أنه عادَ طِفلًا صغيرًا بسبب ضمتها تلك، ضمتها أذابت كل الثلج بداخله، أشعرته أنه هشٌ تمامًا، كم اشتاق لها .. كم اشتاق لذلك الدِفئ الذي تمنى دائمًا أن يشعر به عندما كان طفل شوارع!.
................................
كانت شمس قلقة بسبب عدم إتصال جواد بها، هل يتركها هو الآخر؟ شعرت بالضياع ولكنها انتبهت على صوت صباح:
- ماتقلقيش هيرجع هو أكِّد عليا.
التفتت إليها ولكنها ظلت صامته لبعض الوقت ثم أردفت ..
- شكرا يا صباح على وجودك معايا هنا.
طالعتها باستفسار ثم أردفت:
- مافيش شُكر بينا إحنا زي الإخوات ياشمس أو ممكن أنا اللي بعتبرك زي أختي وأكتر.
أردفت بتساؤل:
- يعني مش زعلانه مني عشان اللي عملته فيكِ؟
تنهدت صباح ثم أردفت:
- مهما يحصل بينا فأنا بركن خلافاتنا على جنب وببقى جنبك.
تنهدت شمس ولم تتحدث ولكن طمأنتها صباح كأنها تقرأ مابداخلها.
- صدقيني يا شمس، جواد بيه بيحبك وعمره ماهيمشي ويسيبك
هزت رأسها..
...............................
في اليوم التالي:
ضرب بقبضة يده زجاج المكتب وأردف بغضب بلغته الأم:
- كيف يجدها؟ لقد قلت لكم أن تخفوها تمامًا عنهما.
تحدث أحد الرجال الواقفين أمامه:
- سيد ماتيوس نحن فعلنا مابوسعنا لكي لا يجدها السيد جواد والسيد فيليب، ولكن السيد جواد من وجدها أولًا.
اذهبوا من أمامي يا حثالة، ثم قام بإعادة ضبط شعره الأسود الذي يتخلله بعض الشعيرات البيضاء بيده التي تنزف .. ثم أمسك بإطار في غرفة المكتب كان به صورة قديمة لفتاة في الثامنة عشرة من عمرها ..
- آسيا حبيبتي، إنه يأخذكِ مني مرة أخرى ولكن نسخته المصغرة من تفعل ذلك، لن أسمح له بفعل ذلك حتى لو اضطررت لقتله.
.................................................................
هنتظر رأيكم وتحليلكم وتوقعاتكم وماتنسوش تقترحوا الرواية لأصدقائكم
كل سنة وانتم طيبين بمناسبة ليلة النصق من شعبان وقدوم شهر رمضان بحبكم كتير
•تابع الفصل التالي "رواية ثأر الشيطان" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق